الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-186-6
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٦

ونقول :

ألف ـ إن اتهام زينب لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأنه لا يعدل قد جاء بأسلوب مفعم بالتعنيف ، يجعلنا نتساءل عن مدى صفاء نظرتها لمقام النبوة الأقدس ، وعن حقيقة اعتقادها بعصمة الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

كما أن الأغرب من ذلك ، هو جرأتها هي وحفصة على التفوه بأمر هو في غاية القبح في نفسه ، فكيف إذا كان موجها إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وبطريقة تشير إلى أنها لا تهتم بطلاقه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لها ، وترى أنه كغيره من الناس ممن وصفتهم بالأكفاء؟

ثم جاءت الآية الكريمة لتعطي هذه وتلك الخيار في اتخاذ القرار ، وذلك بأسلوب رفيق وهادئ ، ليقدم النموذج والأمثولة لنا في تعاملنا مع هذا النوع من الناس ، رغم كل هذه المرارة ، وكل هذا الأذى ، وليقول لنا : إنه لا بد من أن نتعامل مع الناس بأخلاقنا ، ومن خلال قيمنا ومبادئنا ، لا بردود الأفعال التي يفرضها حجم الأذى اللاحق بنا من قبلهم .. خصوصا ، وأن الكثيرين من الناس لا يدركون بدقة حجم جرائمهم ، وتأثير أفعالهم على غيرهم ، فهم يتصرفون مع أهل المبادئ والقيم ، ومع أصحاب النفوس الكبيرة بنفس الطريقة التي يتعاملون بها مع الذين هم على العكس من ذلك ، وهم يكلمون النبي الكريم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كما يكلمون الجاهل والذميم.

ب ـ إن التحريف في الرواية الأخيرة ظاهر للعيان ، فقد أكدت زينب على أنها لا ترضى بقسم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهي تتهمه بما

١٨١

أوجب له ألما وحرقة ، ثم تصر على موقفها هذا رغم اعتراض عمر عليها.

ولكن ذيل الرواية يقول : إن النبي دافع عن زينب ، ومنحها وساما عظيما ، لا يناسب هذا الموقف .. بل هو مناقض له ، حيث وصفها بأنها أواهة ، أي خاشعة متضرعة!! فهل الخاشع المتضرع الأواه يمكن أن يتهم نبيه بأنه لا يقسم قسمة عادلة؟! ويرفض الرضا بفعل هذا النبي!! ويخاطبه بكلام محرق ، يبلغ منه كل مبلغ؟! ..

تصحيح خطأ : بين زينب وحمنة :

وقد ذكر في تفسير القمي : أنه لما رجع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أحد استقبلته زينب بنت جحش ، فقال لها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : احتسبي.

فقالت : من يا رسول الله؟!

قال : أخاك.

قالت : إنا لله ، وإنا إليه راجعون. هنيئا له الشهادة.

ثم قال لها : احتسبي.

قالت : من يا رسول الله؟!

قال : حمزة بن عبد المطلب.

قالت : إنا لله ، وإنا إليه راجعون. هنيئا له الشهادة.

ثم قال لها : احتسبي.

قالت : من يا رسول الله؟!

قال : زوجك مصعب بن عمير.

١٨٢

قالت : وا حزناه.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إن للزوج عند المرأة لحدا ما لأحد مثله الخ .. (١).

ونقول :

إن الصحيح هو : «حمنة بنت جحش» لا زينب ، لأن حمنة هي التي كانت تحت مصعب بن عمير ، ثم خلف عليها طلحة. كما يعلم بالمراجعة لكتب التاريخ والتراجم.

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سماها :

وروي أن زينب كان اسمها برة ـ بالفتح ـ وكان اسم أبيها : برة ـ بالضم ـ فقال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لو كان أبوك مؤمنا لسميته باسم رجل منا.

ولكني قد سميته جحشا (٢).

__________________

(١) تفسير القمي ج ١ ص ١٢٤ والبحار ج ٢٠ ص ٦٤ عنه ومستدرك سفينة البحار ج ٤ ص ٣١٩ و ٣٤٤ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٣٣٨.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠١ عن الدار قطني ، وحياة الحيوان.

وراجع في تغييره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لاسم برة بزينب : أسد الغابة ج ٥ ص ٤٦٨ و ٤٩٤ وعيون الأثر ج ١ ص ٢٣٧ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٤ ص ١٦٥ والإصابة ج ٤ ص ٣١٣ و ٢٦٥ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٣١٤ وتاريخ الإسلام (المغازي) (ط سنة ١٤١٠ ه‍) ص ٢٥٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٨٣ ، وراجع : شرح المواهب للزرقاني ج ٤ ص ٤١٢

١٨٣

ويظهر من كلام بعضهم : أن السبب في تغيير اسمها هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خشي أن يقال : خرج من عند برة (١).

وهذا الأمر كما ينسحب على زينب فإنه ينسحب على غيرها أيضا.

فلماذا لا يخشى أن يقال : خرج من عند جويرية مثلا؟!

ومثل ذلك قيل بالنسبة لبرة بنت أبي سلمة بن عبد الأسد ، ربيبة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حيث زعموا : أنه غيّر اسمها إلى زينب (٢).

وكذا الحال بالنسبة : لميمونة بنت الحارث الهلالية حيث غيّر اسمها من برة إلى ميمونة ، وبرة بنت الحارث المصطلقية ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

__________________

وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢٠١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٤٨ وراجع : مسند أحمد ج ٢ ص ٤٣٠ و ٤٥٩ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٢٩٥ وعن صحيح البخاري ج ٧ ص ١١٧ وعن صحيح مسلم ج ٦ ص ١٧٣ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٢٣٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٣٠٧ ومقدمة فتح الباري ص ٣٣٢ وعن فتح الباري ج ١٠ ص ٤٧٥ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٣٢١ ومسند ابن أبي الجعد ص ١٩٤ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٦ ص ١٥٨ ومسند ابن راهويه ج ١ ص ١١٣ وج ٤ ص ٤٠ و ٩٣ وصحيح ابن حبان ج ١٣ ص ١٤٤ والأذكار النووية ص ٢٩١ وفيض القدير شرح الجامع الصغير ج ٦ ص ٥٢٨ والطبقات الكبرى ج ٨ ص ٤٦١.

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢٠ وج ٢ ص ٢٨٠ والإصابة ج ٤ ص ٢٦ وشرح المواهب للزرقاني ج ٤ ص ٤١٢ ومصادر كثيرة أخرى ذكرناها في هذا الكتاب.

(٢) أسد الغابة ج ٥ ص ٤٦٨ و ٤٠٩ والإصابة ج ٤ ص ٢٥١ وراجع : الصحيح من سيرة النبي ج ١٢ ص ٢٦٢ وشرح مسلم ج ١٤ ص ١٠٩ ومصادر أخرى.

١٨٤

سماها جويرية (١).

ونقول :

أولا : قد كانت هناك نساء أخريات اسمهن برة ، فلماذا لم يغير النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أسماءهن؟ مثل برة بنت عامر بن الحارث بن السباق ، بن عبد الدار بن قصي ، وكانت من المهاجرات.

وبرة بنت أبي تجراة (٢).

وبرة بنت سفيان السلمية (٣).

ثانيا : إن ما ذكروه سببا لهذا التغيير لا يمكن قبوله ..

إذ لماذا يخشى أن يقال : خرج من عند برة.

ولا يخشى أن يقال : خرج من عند ميمونة مثلا ، فإنه إذا كانت مفارقة

__________________

(١) الإصابة ج ٤ ص ٢٥٠ وعيون الأثر ج ٢ ص ٣٠٥ و ٣٠٨ والصحيح من سيرة النبي ج ١٢ ص ٢٥٩ (الفصل الثاني : جويرية بنت الحارث) وما بعده عن مصادر أخرى ، ومسند الحميدي ج ١ ص ٢٣٢ ومسند ابن راهويه ج ٤ ص ٣٥ ونصب الراية ج ٦ ص ٥٥٠ والطبقات الكبرى ج ٨ ص ١١٩ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢١٠ وعن الإصابة ج ٨ ص ٧٧.

(٢) راجع : أسد الغابة ج ٥ ص ٤٠٩ والإصابة ج ٤ ص ٢٥١ والمستدرك للحاكم ج ٤ ص ٥٢ و ٥٤ و ٧٠ وطبقات الكبرى ج ٨ ص ١٠٨ وج ٨ ص ٤٢ و ٢٤٦ والثقات ج ٣ ص ٣٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٥ ص ١٤٥ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٤ وعيون الأثر ج ١ ص ٤٧ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٣٧٥ وج ٢ ص ٢٢٨ وج ٥ ص ٢٤٢.

(٣) الإصابة ج ٤ ص ٢٥١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ٤٦٩ وتهذيب الكمال ج ٣٥ ص ٢١١.

١٨٥

البرة غير محمودة ، فإن مفارقة الميمونة أيضا غير ميمونة ولا محمودة.

ثالثا : لو قبلنا هذا التعليل ، فإن السؤال يبقى قائما بالنسبة لاسم أبيها الذي قيل إنه : «برّة» ـ بضم الباء ـ حيث صرح «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : بأن هذا الاسم غريب عن مجتمع أهل الإيمان والإسلام ، ورسومه ، حيث يزعمون أنه قال : «لو كان أبوك مؤمنا لسميته باسم رجل منا».

ونقول :

أي عيب في إسم «برّة» ليتصدى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لتغييره؟

وما الذي جعل اسم «جحش» مقبولا اكثر من غيره حتى استحق التقديم على الاسم الآخر؟!

وما هو المعيار الذي يجعل هذا من ذاك ، أو من غيره؟!

وكيف يمكننا التمييز بينهما؟!

رابعا : هل غيّر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أسماء آباء سائر نسائه؟

أم أنه اقتصر على تغيير اسم أبي زينب دون سواه؟!

ولماذا دون سواه؟!

بل هل غيّر اسم أحد من المشركين غيره؟

وما فائدة تغيير اسمه وهو مشرك ، وقد مات منذ زمان؟!

أطولكن يدا :

وقد رووا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جمع نساءه ، لم يغادر منهن

١٨٦

واحدة (١) وقال لهن ـ كما تروي عائشة ـ : أوّلكن (أو أسرعكن) لحاقا بي أطولكن يدا.

قالت : فكن يتطاولن أيهن أطول يدا.

وعند البخاري وغيره : فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نمد أيدينا في الجدار ، نتطاول.

فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ، وكانت المرأة امرأة قصيرة ، ولم تكن بأطولنا ؛ فعرفنا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما أراد طول اليد بالصدقة (٢).

وفي نص آخر : أخذن قصبة يذر عنها (٣).

ونقول :

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢١ وشرح الأخبار ج ٣ ص ٥٢٠ والبحار ج ٣٧ ص ٦٧ وعن صحيح مسلم ج ٧ ص ١٤٢ وشرح سنن النسائي ج ٥ ص ٦٧ وحاشية السندي على النسائي ج ٥ ص ٦٦ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ١٣٠ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٤٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢٠٣ وفي هامشه عن البخاري ج ٣ ص ٢٢٦ وعن مسلم ٢٤٥٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢١ ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٢٥ وراجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٣٦ وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج ١ ص ٢٩٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٩٢ و ١٤٩ وشرح المواهب للزرقاني ج ٤ ص ٤١٤ وكنز العمال ج ١٣ ص ٧٠٠ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ٥٠ وفيض القدير شرح الجامع الصغير ج ٣ ص ٦٦٦ وعن الإصابة ج ٨ ص ١٥٤.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢١ وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج ١ ص ٢٩٢.

١٨٧

أولا : قد زعموا أيضا : أن المقصود بهذا القول هو زينب بنت خزيمة .. وقد تحدثنا عن ذلك في الجزء الثامن من هذا الكتاب ، في فصل : عبرة ومناسبة ، فراجع.

ثانيا : إننا نشك في صحة هذه الرواية ، فإنه إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يريد أن يحثّهن على الصدقة ، فلماذا يخاطبهن بطريقة لا يفهمنها؟!

ثالثا : هناك العديد من الأسئلة حول هذا الموضوع : إذ لماذا لم يبادرن إلى التذارع على الجدار في حياة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه كما صرحت به رواية البخاري؟! وإذا كن قد فعلن ذلك في حياته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فهل كان يعلم بصنيعهن هذا؟!

فإن كان يعلم بذلك :

فما هو الشعور الذي كان ينتابه؟

ولماذا لم يوضح لهن ما أراد؟

ومن جهة أخرى : لماذا لم تعلن لنا عائشة نتائج ذلك السباق؟ فلم تعرّفنا من هي التي ظهر أنها أطول يدا من سائرهن!!

وألا يحتمل أن يكون هذا الحديث ـ لو كان صحيحا ـ قد جاء على سبيل النكتة ، وإثارة السخرية برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبنسائه؟!

والأهم من ذلك كله .. كيف صار موت زينب أولا ، سببا في معرفتهن بالمراد من قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أطو لكن يدا؟

ولماذا لم يزد ذلك في حيرتهن؟!

وإذا كان الأمر كذلك : فلماذا لم يسألن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

١٨٨

نفسه عن مقصوده ، ليعيّن لهن أحد الاحتمالين في هذه الكلمة؟! لكي تزول حيرتهن ، وينتهي الأمر ..

وبعد ، فهل من المعقول والمقبول : أن يبقى هؤلاء النسوة يتذار عن كل هذه السنين الطويلة ، ولا ينقلن هذا الحديث لأحد من الناس ، لا من الأقرباء ، ولا من الأصدقاء ، ولا من البعداء ، ليدلهن على معنى قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. حتى بقي ذلك كله سرا مكنونا عندهن؟!

ومن الذي قال : إن المقصود باللحاق به «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الموت بعده ، فلعل المقصود هو اللحاق به في الدرجات .. فتكون زينب بنت خزيمة أم المساكين هي المقصودة؟!

وأخيرا نقول :

إننا نشك في صحة هذه الرواية من أساسها ، فإن التي تجترئ على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وتتهمه بأنه لا يعدل ، وتؤذيه بما قدمناه تحت عنوان : علاقة عائشة بزينب ، لا تستحق وساما كهذا ولا ما هو دونه ..

لمن صنع النعش؟ :

وقد ذكر المؤرخون : أن زينب بنت جحش قد ماتت سنة عشرين.

وزعموا : أنها أول امرأة جعل على نعشها قبة. أو أنها أول امرأة صنع لها النعش (١) وفقا لما قالته لها أسماء بنت عميس عن النعوش التي رأتها في

__________________

(١) راجع : أسد الغابة ج ٤ ترجمة زينب ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢٠ وتفسير الماوردي ج ٤ ص ٤٠٨ ، ودلائل النبوة للبيهقي ج ٧ ص ٢٨٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٤٩ وعون المعبود ج ٨ ص ٣٣٨ و ٣٣٧ عن تحفة المحتاج لابن حجر ـ

١٨٩

أرض الحبشة (١).

والصحيح هو : أن أول من جعل على نعشها قبة ، هي فاطمة الزهراء «عليها‌السلام» ، ولذلك أضاف الحلبي وغيره هنا عبارة : «أي بعد فاطمة» (٢).

وعبارة الزرقاني : أنها ـ أي زينب ـ أول من جعل على جنازتها نعش من أزواجه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

وبذلك يكون : قد احتفظ لفاطمة «عليها‌السلام» بأوليتها في ذلك بالنسبة إلى سائر النساء.

قال البيهقي : «وما قيل : إن ذلك أول ما اتخذ في جنازة زينب ابنة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فهو باطل» (٤).

وعلى حد تعبيرهم : إن الصحيح هو : أن أول من اتخذ لها النعش في الإسلام ، وغطي نعشها هي فاطمة الزهراء «عليها‌السلام».

وقد روي ذلك : بسند صحيح عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» أيضا (٥).

__________________

المكي ، وعن مغني المحتاج للخطيب ، وعن محاضرة الأوائل.

(١) البحار ج ٢٢ ص ٢٠٣ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٤٩ و ٥٠.

(٢) عون المعبود ج ٨ ص ٣٣٨ عن أسد الغابة ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢٠.

(٣) شرح المواهب اللدنية ج ٤ ص ٤١٥.

(٤) عون المعبود ج ٨ ص ٣٣٨.

(٥) الكافي ج ٣ ص ٢٥١ ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٢٤ وتهذيب الأحكام ج ١ ص ٤٦٩ ودعائم الإسلام ج ١ ص ٢٣٢ وفقه الرضا ج ٥ ص ١٨٩ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٣٧٩ والطبقات الكبرى ج ٨ ص ٢٨ والبداية

١٩٠

وذلك أنها قالت لأسماء : استقبحت ما يصنع بالنساء ، فيطرح على المرأة الثوب ، فيصفها لمن رأى (١).

«وإني لأستحي من جلالة جسمي إذا أخرجت على الرجال غدا ، فكيف أحمل على أعناق الرجال مكشوفة؟

وكيف ينظر الرجال إلى جثتي على السرير إذا حملت؟

فلا تحمليني على سرير ظاهر» (٢).

فقالت : لا لعمري ، ولكن أصنع لك نعشا ، كما رأيت يصنع بالحبشة.

قالت : فأرينيه.

فدعت بسرير فأكبته لوجهه ، ثم دعت بجرائد ، فشدته على قوائمه ، ثم

__________________

والنهاية ج ٦ ص ٣٨ والجعفريات ص ٢٠٥ وكتاب سليم بن قيس ص ٢٥٥ و ٢٤٩ و ٢٥٠ ـ ٢٥٤ و ٢٨٢ وج ٤٣ ص ٢١٣ و ١٨٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢١ والحدائق الناضرة (ط سنة ١٤١٣ ه‍) ج ٤ ص ٨١ والوسائل أبواب الدفن باب ٥٢ وباب ١٠ ج ٣ ص ٢٢٠ و ٢٢١ وكشف الغمة ج ١ ص ٥٠٣ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٣٥٩ ـ ٣٦١ والبحر المحيط ج ٧ ص ٢٤٧.

(١) راجع : كشف الغمة ج ١ ص ٥٠٣ وحلية الأولياء ج ٢ ص ٤٣ والحدائق ج ٤ ص ٨١ و ٨٢ ، والمغني لابن قدامة ج ٢ ص ٥٤٣ والإستيعاب ج ٤ (ترجمة فاطمة) والبحار ج ٧٨ ص ٢٥٦ وعون المعبود ج ٨ ص ٣٣٧ و ٣٣٨ و ٣٣٩ وشرح المواهب للزرقاني ج ٤ ص ٤١٥.

(٢) راجع : دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٣٢ وتاريخ المدينة المنورة ج ١ ص ١٠٨ ووسائل الشيعة (الإسلامية) ج ٢ ص ٨٧٦ والبحار ج ٤٣ ص ١٨٩ وج ٧٥ ص ٢٥٠ والذرية الطاهرة النبوية ص ١١١ وعن كشف الغمة ج ٢ ص ١٢٦ واللمعة البيضاء ص ٨٦٥.

١٩١

جللته ثوبا.

(فتبسمت ، وما رؤيت متبسمة ـ أي بعد وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ إلا يومئذ.

فقالت : ما أحسن هذا وأجمله ، لا تعرف به المرأة من الرجل) اصنعي لي مثله. سترتني ، سترك الله من النار.

فاتخذ بعد ذلك سنّة (١).

بل في بعض الروايات : أن الملائكة أيضا كانت قد صورت لها ذلك النعش (٢).

جهد العاجز :

ويلاحظ هنا : أن ابن أبي الحديد قد بذل محاولة فاشلة للتشكيك في هذا الأمر ، حين قال : «والثبت في ذلك : أنها زينب ؛ لأن فاطمة دفنت ليلا ، ولم

__________________

(١) راجع : تاريخ المدينة المنورة ج ١ ص ١٠٨ ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٠٥ و ٩٠٣ وكشف الغمة ج ٢ ص ٦٧ والتتمة في حياة الأئمة ص ٩٠ و ٩١ وراجع : الذرية الطاهرة ص ١١٢ والبحار ج ٧٨ ص ٢٥٥ وج ٤٣ ص ٢٠٤ ودعائم الإسلام ج ١ ص ٢٣٢ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٥٠ عن أبي نعيم والسنن الكبرى ج ٤ ص ٣٤ وحلية الأولياء ج ٢ ص ٤٣ والتهذيب للطوسي ج ١ ص ٤٦٩.

(٢) روضة الواعظين ص ١٥١ والبحار ج ٧٨ ص ٢٥٣ وراجع : ص ٢٥٤ وج ٤٣ ص ١٩٢ و ١٩٩ و ٢٠٦ و ٢٠٤ وج ٨١ ص ٢٥٦ عن فقه الرضا ، وعن سليم بن قيس ، وعن علل الشرايع ج ١ ص ١٧٧ ـ ١٨٠ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ١١٦.

١٩٢

يحضرها إلا علي ، والعباس ، والمقداد ، والزبير» (١).

ويرد عليه : أنه لا يحل للزبير والمقداد أن ينظرا إليها ، فلماذا لا يكون النعش لأجل الستر عنهما؟!

وقال البلاذري : «.. قالوا : وأوصت زينب أن تحمل على السرير الذي كان قد حمل عليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فحملت عليه ، وعليه حمل أبو بكر (رض) ، وكان الناس يحملون عليه ، فلما كان مروان منع أن يحمل عليه إلا الرجل الشريف ، وفرّق في المدينة سررا» (٢).

فهذا الحديث وإن كان يدل على أن زينب لم تكن أول من حمل على النعش ، ولم يصنع النعش لأجلها.

ولكننا نشك في صحة قوله : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد حمل عليه ، لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد دفن في الموضع الذي توفي فيه. ولم ينقل من مكان إلى مكان ليحتاج إلى النعش.

هل يجهل عمر حكم الله؟!

عن الشعبي : أنه حين ماتت زينب ، أرسل عمر إلى أزواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، يقول : من يدخلها قبرها؟

فقلن : من كان يراها في حياتها ، فليدخلها قبرها (٣).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١ ص ٢٨٠.

(٢) أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٣٦.

(٣) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٤٨ عن الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح. وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢٠٤ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ٥٠ والسنن الكبرى

١٩٣

وفي نص آخر : أن عمر أراد أن يدخل قبر زينب بنت جحش ، فأرسل إلى أزواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقلن : إنه لا يحل لك أن تدخل القبر ، وإنما يدخل القبر من كان يحل له أن ينظر إليها وهي حية (١).

ونقول :

إن ما يثير الدهشة حقا ههنا أمران :

أحدهما : أن يجهل عمر هذا الحكم البديهي ، الذي يعرفه كل مسلم ، وهو أن الرجل الأجنبي ، الذي لا تربطه بالمرأة ـ سواء في ذلك زينب بنت جحش أم غيرها ـ أية رابطة من نسب أو سبب ، تجعله من محارمها ، لا يجوز له أن يتولى منها ما يتولاه المحارم ..

الثاني : أن تصديه لهذا الأمر الذي يرتبط بإحدى زوجات رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يتضمن جرأة كبيرة على مقام الرسول العظيم ، وفيه إقدام على هتك حرمة النبي الكريم «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ونحن لا ندري لماذا كان ذلك منه؟ ولعل الفطن الذكي يدري.

عائشة : أنا أم رجالكم :

وقال البيضاوي : «(.. وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ..) منزلات منزلتهن في

__________________

للبيهقي ج ٤ ص ٣٧ والمصنف للصنعاني ج ٣ ص ٤٨٠ وكنز العمال ج ١٥ ص ٧١٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ١١١ وعلل الدار قطني ج ٢ ص ١٨ ونصب الراية ج ٢ ص ٢٦٧ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٨٥.

(١) كنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج ١٣ ص ٧٠٢ عن ابن سعد.

١٩٤

التحريم ، واستحقاق التعظيم. وفيما عدا ذلك فكالأ جنبيات» (١).

وقال الصالحي الشامي : «ويقال لأزواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

أمهات المؤمنين الرجال ، دون النساء ، بدليل ما روي عن مسروق : أن امرأة قالت لعائشة : يا أمه.

فقالت : لست لك بأم ؛ إنما أنا أم رجالكم.

فبان بذلك أن معنى الآية : أن الأمومة في الأمة المراد بها تحريم نكاحهن على التأبيد ، كالأمهات» (٢).

لكن المروي عن أم سلمة رحمها الله يناقض ذلك ، فقد روي أنها قالت : أنا أم الرجال منكم والنساء (٣).

ونقول :

__________________

(١) راجع : أنوار التنزيل للبيضاوي ج ٤ ص ١٥٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٤٦ وراجع : تفسير الماوردي ج ٤ ص ٣٧٥ وزاد المسير لابن الجوزي ج ٦ ص ١٨٢ ومسانيد أبي يحيى الكوفي ص ٨٤ ومسند أحمد ج ٦ ص ١٤٦ وأنوار التنزيل للبيضاوي ج ٤ ص ١٥٨ والدر المنثور ج ٦ ص ٥٦٧ عن ابن سعد ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه. وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٣ ص ٤٧٧. وراجع الحديث ، أو ما بمعناه أيضا في : الجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٢٣ وروح البيان للآلوسي ج ٧ ص ١٣٩ وأنوار التنزيل ج ٣ ص ١٥٨ وفتح القدير ج ٤ ص ٢٦٣ والسنن الكبرى ج ٧ ص ٧٠ وإكمال الكمال ص ١٣٦ والطبقات الكبرى ج ٨ ص ٦٤ و ٦٧ و ١٧٩ و ٢٠٠.

(٣) الدر المنثور ج ٤ ص ١٧٩ وج ٥ ص ١٨٣ وفتح القدير ج ٤ ص ٢٦٣ والطبقات الكبرى ج ٨ ص ١٧٩ و ٢٠٠.

١٩٥

أولا : إن التعبير القرآني : (.. وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ..) لم يصرح الله تعالى فيه بما أراده من حكمه بكونهن كالأمهات ، غير أن القدر المتيقن هو أنهن مثل الأمهات من حيث حرمة التزويج بهن. وكل زيادة على ذلك تحتاج إلى شاهد ودليل فما هو الدليل ، أو فقل : أية قرينة جعلت البيضاوي وجماعات كثيرة من أهل نحلته يزيدون على ذلك عبارة : «واستحقاق التعظيم»؟! فإنها زيادة لا شاهد لها ، ولا دليل يساعدها.

ثانيا : إن قول عائشة : لسنا أمهات النساء ، يدفع هذا التفسير الذي ذكره البيضاوي والصالحي الشامي وغير هما لهذه الآية المباركة ، إذ لو كانت أما في استحقاق التعظيم لشملت الآية النساء والرجال.

ثالثا : بالنسبة لكلام أم سلمة ، نقول : لعلها رحمها الله قد نظرت إلى جانب التعظيم الذي يتبع العمل الذي تعمله زوجات النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وذلك من حيث استحقاقهن للتعظيم من خلاله .. أو من حيث الحرمان منه.

فأم سلمة ترى : أنها تستحق التعظيم من النساء والرجال ، تماما كما يعظم الناس أمهاتهم ، لأنها رحمها الله تعامل الناس ، وتحبهم ، وتسعى في حفظهم وتدبير أمورهم كما تعامل الأم أولادها.

بخلاف عائشة ، فإنها لم تظهر للناس شيئا من هذا الحب والرعاية ، بل هي قد ضربت الناس بعضهم ببعض ، وقتل بسببها المئات والألوف ، وسعت في حرمانهم من رعاية من هو بمثابة الأب لهذه الأمة كما قال رسول

١٩٦

الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنا وعلي أبوا هذه الأمة (١).

فأمومة عائشة للناس تختص بالرجال ، لأنها أمومة تقتصر على الناحية التشريعية لحرمة الزواج منها ، وليست هي كأم سلمة ـ في رعايتها ومحبتها للناس ـ لكي تستحق التعظيم من النساء والرجال على حد سواء ، كما استحقته أم سلمة ..

__________________

(١) تفسير البرهان ج ١ ص ٣٦٩ عن الفائق للزمخشري ، وعن ابن شهر آشوب ، وتفسير الميزان ج ٤ ص ٣٥٧ عنه ، وعن العياشي ، والبحار ج ١٦ ص ٩٥ وج ٤٠ ص ٤٥ وج ٢٣ ص ٤٤٠ ومعاني الأخبار ص ٥٢ وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٨٥ وعلل الشرائع ص ١٣٧ ولسان الميزان ج ٢ ص ٤٠ ومن لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٢٣٥ والأمالي للصدوق ص ٧٥٥ وروضة الواعظين ص ٣٢٢ ، وراجع : كنز الفوائد ص ٢٦٦ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٣٠٠ والصراط المستقيم ج ١ ص ٢٤٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٧٤ وإختيار معرفة الرجال (الطوسي) ج ١ ص ٢٣٣ ونهج الإيمان (ابن جبر) ص ٦٢٩ وتأويل الآيات ج ١ ص ١٢٨ وعن ينابيع المودة ج ١ ص ٣٧٠.

١٩٧
١٩٨

الباب السابع

سرايا وغزوات بين المريسيع والحديبية

الفصل الأول : غزوة بني لحيان

الفصل الثاني : غزوة ذي قرد (الغابة)

الفصل الثالث : سبع سرايا ..

الفصل الرابع : سرايا أخرى قبل الحديبية

الفصل الخامس : بعوث وسرايا قبل خيبر

الفصل السادس : حديث الإستسقاء ..

١٩٩
٢٠٠