الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-185-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

وذكرت أيضا : أن الذي تولى كبر الإفك هم حسان ومسطح وحمنة «وكان يتحدث به عند عبد الله بن أبي ، فكان يسمعه ويستوشيه الخ ..».

وذكرت أيضا : أن حسانا قال يكذب نفسه :

حصان رزان ما تزن بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم

فلا حملت سوطي إلى أناملي

وكيف وودي ما حييت ونصرتي

لآل رسول الله زين المحافل

أأشتم خير الناس بعلا والدا

ونفسا لقد أنزلت شر المنازل (١)

١٨ ـ عن الحكم بن عتيبة : لما فاض الناس في الإفك أرسل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى عائشة ، قالت : فجئت وأنا انتفض من غير حمى ، فقال : يا عائشة ، ما يقول الناس؟!

فقلت : لا ، والذي بعثك بالحق لا أعتذر بشيء إليك. قالوه حتى ينزل عذري من السماء.

فأنزل الله فيها خمس عشرة آية الخ .. (٢).

١٩ ـ وعن الحيين الأوس والخزرج حين تثاوروا والرسول يخفضهم ، قال ابن جريج : قال مولى لابن عباس : «قال بعضهم لبعض : موعدا لكم الحرة ، فلبسوا السلاح وخرجوا إليها ، فأتاهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

__________________

(١) ملخص من حديث عروة في مسند أبي يعلى ج ٨ ص ٣٣٥ ـ ٣٣٨ وراجع مسند أحمد ج ٦ ص ٦٠.

(٢) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١٦٠ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ٨٢.

٤١

فلم يزل يتلو عليهم هذه الآية : «(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ..) (١) حتى تنقضي ، يرددها عليهم حتى اعتنق بعضهم بعضا ، وحتى إن لهم لحنانا ، ثم انصرفوا قد اصطلحوا».

ثم تذكر سؤال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأسامة وعلي ، ثم تقول : «فمكثت يومين وليليتين ، لا تكتحل عيني بنوم ، ولا يرقأ لي دمع. وأصبح أبواي عندي الخ ..».

ثم تذكر الرواية : نزول الوحي على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثم تقول : «قال أبو بكر : فجعلت أنظر إلى رسول الله ، فأخشى أن يأتي من السماء ما لا مرد له ، وأنظر إلى وجه عائشة فإذا هو مفيق ، فيطمعني في ذلك منها ، فإنما أنظرها هنا وههنا» (٢).

وفي نص آخر : أنها بكيت ليلتين ويوما (٣).

٢٠ ـ وفي رواية أخرى : أنه لما وجدها صفوان بن المعطل : سألها عن أمرها فسترت وجهها عنه بجلبابها ، وأخبرته بأمرها فقرب بعيره ، فوطّأ على ذراعه ، وولاها قفاه حتى ركبت ، وسوت ثيابها ، فأقبل يسير بها حتى دخلا المدينة نصف النهار أو نحوه.

ثم ذكرت جفاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لها .. ثم ذهبت هي وأم مسطح لقضاء حاجتها ، ثم استشار عليا «عليه‌السلام» وأسامة ، فأشار

__________________

(١) الآية ١٠٣ من سورة آل عمران.

(٢) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١٦٨ وراجع ص ٧٢.

(٣) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ٧٦ و ١٠٠.

٤٢

عليه «عليه‌السلام» بأن يتوعد الجارية بريرة ، ففوضه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك. فلم تقر بشيء .. ثم ذكرت خطبة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وما جرى بين الأوس والخزرج ، قالت :

«فدخل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بيتي ، وبعث إلى أبوي ، فأتياه ، فحمد الله وأثنى عليه الخ ..» ثم تسوق القصة إلى أن تقول :

«وقعد صفوان بن المعطل لحسان بن ثابت بالسيف ، فضربه ضربة ، فقال صفوان لحسان في الشعر حين ضربه :

تلق ذباب السيف مني فإنني

غلام إذا هوجيت لست بشاعر

ولكنني أحمي حماي وأنتقم

من الباهت الرامي البراة الطواهر

ثم صاح حسان فاستغاث الناس على صفوان ، فلما جاء الناس فر صفوان ، فجاء حسان إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فاستعداه على صفوان في ضربته إياه ، فسأله النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يهب له ضربة صفوان إياه ، فعاضه منها حائطا من نخل عظيم ، وجارية. ثم ذكرت أن معاوية اشترى الحائط من حسان بمال عظيم.

قالت عائشة : قال أبو بكر لمسطح في رميه عائشة ، فكان يدعى عوفا :

يا عوف ويحك هلا قلت عارفة

من الكلام ولم تبغ له طمعا

فأدركته حميا معشر أنف

فلم يكن قاطع يا عوف من قطعا

هلا حربت من الأقوام إذ حسدوا

فلا تقول وإن عاديتم قذعا

لما رميت حصانا غير مقرفة

أمينة الجيب لم يعلم لها خضعا

في من رماها وكنتم معشرا أفكا

في سيئ القول من لفظ الخنا شرعا

٤٣

فأنزل الله عذرا في براءتها

وبين عوف وبين الله ما صنعا

فإن أعش أجب عوفا في مقالته

سوء الجزاء الغيبة تبعا

وقالت أم سعد بن معاذ في الذين رموا عائشة من الشعر :

شهد الأوس كلها وفناؤها

والخماسي من نسلها والنظيم

ونساء الخزر جيين يشهدن

بحق وذلكم معلوم

أن ابنة الصديق كانت حصانا

عفة الجيب دينها مستقيم

تتقي الله في المغيب عليها

نعمة الله سترها ما يريم

خير هدي النساء حالا ونفسا

وأبا للعلى نماها كريم

للموالي إذا رموها بإفك

أخذتهم مقامع وجحيم

ليت من كان قدر رماها بسوء

في حطام حتى يبول اللئيم

وعوان من الحروب تلظى

نفسا قوتها عقار صريم

ليت سعدا ومن رماها بسوء

في كظاظ حتى يتوب الظلوم

وقال حسان ، وهو يبرئ عائشة :

حصان رزان ما تزن بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

خليلة خير الناس دينا ومنصبا

نبي الهدى والمكرمات الفواضل

عقيلة حي من لؤي بن غالب

كرام المساعي مجدها غير زائل

مهذبة قد طيب الله خيمها

فطهرها من كل سوء وباطل

فإن كان ما قد جاء عني قلته

فلا رفعت سوطي إلى أنامل

إلى أن تقول الرواية : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمر بالذين

٤٤

رموا عائشة فجلدوا الحد جميعا.

وقال حسان بن ثابت في الشعر حين جلدوا :

لقد كان عبد الله ما كان أهله

وحمنة إذ قالوا : هجيرا ومسطح

تعاطوا برجم القول زوج نبيهم

وسخطه ذي العرش الكريم فأترحوا

فآذن رسول الله فيها وعمموا

مخازي سوء حللوها وفضحوا (١)

٢١ ـ وذكرت رواية أخرى عن عائشة : أنها حين أخبرتها أم مسطح بالأمر خرت مغشيا عليها ، قالت : «فبلغ أم رومان أمي ، فلما بلغها الأمر أتتني ، فحملتني فذهبت إلى بيتها. فبلغ رسول الله أن عائشة قد بلغها الأمر ، فجاء إليها فدخل عليها ، وجلس عندها وقال :

يا عائشة ، إن الله قد وسع التوبة ، فازددت شرا إلى ما بي ، فبينا نحن كذلك ، إذ جاء أبو بكر ، فدخل علي ، فقال : يا رسول الله ، ما تنتظر بهذه التي خانتك وفضحتني؟!

قالت : فازددت شرا إلى شر.

قالت : فأرسل إلى علي ، فقال : يا علي ، ما ترى في عائشة؟ ..».

إلى أن تقول : «فأرسل إلى بريرة ، فقال لها : أتشهدين أني رسول الله؟

قالت : نعم.

قال : فإني سائلك عن شيء فلا تكتميني.

قالت : نعم الخ ..» (٢).

__________________

(١) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١١١ ـ ١١٧ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٣٦.

(٢) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١١٧ ـ ١١٨ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٣٠.

٤٥

٢٢ ـ وفي نص آخر : أن الآيات قد نزلت ببراءتها حين كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع أصحابه .. فبشروا أبا بكر ببراءة ابنته ، وأمره بأن ينطلق إلى عائشة ويبشرها قالت : «وأقبل أبو بكر مسرعا يكاد أن ينكب.

قالت : فقلت : بحمد الله لا بحمد صاحبك الذي جئت من عنده.

فجاء رسول الله ، فجلس عند رأسي ، فأخذ بكفي ، فانتزعت يدي منه ، فضربني أبو بكر وقال : أتنزعين كفك من رسول الله؟ أو برسول الله تفعلين هذا؟ فضحك رسول الله» (١).

٢٣ ـ وعن عائشة : لما بلغني ما تكلموا به هممت أن آتي قليبا فأطرح نفسي فيه (٢).

٢٤ ـ وعن ابن عباس في رواية : «فعرس رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأصحابه ، وخرجت عائشة للحاجة ، فتباعدت ، ولم يعلم بها ، فاستيقظ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والناس قد ارتحلوا ، وجاء الذين يحملون الهودج فحملوه ، ولا يعلمون إلا أنها فيه. وساروا فأقبلت عائشة فوجدتهم قد ارتحلوا فجلست مكانها. فاستيقظ رجل من الأنصار ، يقال له : صفوان بن المعطل ، وكان لا يقرب النساء ، فتقرب منها ، وكان معه بعير له ، فلما رآها حملها ..».

ثم تذكر الرواية : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استشار فيها زيد بن ثابت

__________________

(١) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١٢٠ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٣٠.

(٢) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١٢١ والدر المنثور ج ٥ ص ٣٢ وعن ابن مردويه ، وفتح الباري ج ٨ ص ٣٥٥ وإرشاد الساري ج ٤ ص ٣٩٣.

٤٦

وغيره. ثم تذكر خروجها مع أم مسطح ، وإخبارها إياها بما يجري ، وأنها وقعت مغشيا عليها ..

وتذكر أيضا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمر أبا بكر «أن يأتيها ويبشرها ، فجاء أبو بكر ، فأخبرها بعذرها ، وبما أنزل الله ، فقالت : لا بحمدك ولا بحمد صاحبك» (١).

مؤيدات أخرى :

ثم إنهم يوردون في سياق الحديث عن الإفك على عائشة نصوصا قد يقال : إنها غير ظاهرة الدلالة على ذلك. بل هي تتحدث عن هذا الأمر بصورة عامة من دون تحديد الشخص المعني بها .. ولكن المحدثين أحبوا أن يتحفوا عائشة بها.

وبعض ما يلي هو من هذا القبيل ..

١ ـ والنص للبخاري : حدثني محمد بن حرب ، حدثنا يحيى بن أبي زكريا الغساني ، عن هشام بن عروة ، عن عائشة : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خطب الناس ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وقال : ما تشيرون علي في قوم يسبون أهلي؟

إلى أن قالت : وقال رجل من الأنصار : سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم .. (٢).

٢ ـ والنص للبخاري : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن معمر ، عن

__________________

(١) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١٢٣ و ١٢٤ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٣٧.

(٢) صحيح البخاري ، كتاب الاعتصام ج ٤ ص ١٧٤.

٤٧

الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : والذي تولى كبره ، قالت : عبد الله بن أبي بن سلول (١).

٣ ـ واللفظ للبخاري في كتاب المغازي : حدثني بشر بن خالد ، أخبرنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : دخلنا على عائشة ، وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرا ، يشبب بأبيات له ، وقال :

حصان رزان ما تزن بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

فقالت له عائشة : لكنك لست كذلك.

قال مسروق : فقلت لها : لم تأذني له أن يدخل عليك ، وقد قال الله تعالى : «(وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ)؟!

فقالت : وأي عذاب أشد من العمى؟

قالت له : إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله .. (٢).

٤ ـ قالوا في حديث الإفك : ثم إن صفوان بن المعطل اعترض حسان بن ثابت بالسيف ، حين بلغه ما يقول فيه. وقد كان حسان قال شعرا ـ مع ذلك ـ يعرض بابن المعطل فيه ، وبمن أسلم من مضر ، فقال :

__________________

(١) صحيح البخاري كتاب التفسير ج ٣ ص ١٠٦.

(٢) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٧ وكتاب التفسير ج ٣ ص ١٠٨ عن : محمد بن يوسف ، وذكره في العقد الفريد (ط دار الكتاب العربي) ج ٤ ص ٤٣ إلى قولها : لكنك لست كذلك ، مضيفا قوله : وكان حسان من الذين جاؤوا بالإفك ، وراجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٤١٩ لكنه قال : إن البيت المذكور قد قاله حسان لابنته. والمعجم الكبير ج ٢٣ ص ١٣٥ و ٣٦ و ١٣٧.

٤٨

أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا

وابن الفريعة أمسى بيضة البلد

الأبيات .. فاعترضه صفوان بالسيف ، فضربه ، ثم قال :

تلق ذباب السيف عني فإنّني

غلام إذا هو جيب لست بشاعر

فأخذوا صفوان فقيدوه ، فلما علم عبد الله بن رواحة ، أمرهم بإطلاقه فأطلقوه ، وأتوا الرسول ، فقال ابن المعطل : يا رسول الله آذاني وهجاني ، فاحتملني الغضب ، فضربته.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لحسان : يا حسان ، أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام؟

ثم قال : أحسن يا حسان في الذي قد أصابك ، قال : هي لك يا رسول الله. فأعطاه رسول الله عوضا منها بيرحا ، وهي قصر بني حديلة ، وأعطاه سيرين أمة قبطية ، أخت مارية ، فولدت له عبد الرحمن بن حسان (١).

٥ ـ في كتاب الإشارات للفخر الرازي : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان في تلك الأيام التي تكلم فيها بالإفك يقضي أكثر أوقاته في البيت ، فدخل عليه عمر فاستشاره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في تلك الواقعة ، فقال : يا رسول الله ، أحمي

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٢٦٩ و ٢٧٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣١٧ و ٣١٨ و ٣١٩ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٨ ، وليراجع أيضا : الإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ١٨٨ والإصابة ج ٢ ص ١٩١ وأسد الغابة ج ٣ ص ٢٦ وفتح الباري ج ٨ ص ٣٥٩ والمحبر ص ١٠٩ و ١١٠ والدر المنثور ج ٥ ص ٣٣ عن ابن جرير ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٣ و ٣٠٤ ومغازي الواقدي ج ٢ ص ٤٣٦ و ٤٣٧ والبداية والنهاية عنه ج ٤ ص ١٦٣ والكامل ج ٢ ص ١٩٩. والأغاني (ط ساسي) ج ٤ ص ١١ و ١٢ وراجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٥٢.

٤٩

سمعي وبصري ، والله ، أنا قاطع بكذب المنافقين ، لأن الله عصمك عن وقوع الذباب على جلدك ، لأنه يقع على النجاسات ، فيتلطخ بها ، فلما عصمك عن ذلك القدر من القذر ، فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة؟! فاستحسن «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كلامه ..

ودخل عليه عثمان ، فاستشاره ، فقال : إن الله ما أوقع ظلك على الأرض ، لئلا يضع إنسان قدمه على ذلك الظل ، أو تكون الأرض نجسا ، فلما لم يمكن أحدا من وضع القدم على ظلك ، كيف يمكن أحدا من تلويث عرض زوجتك؟!

ودخل عليه علي ، فاستشاره ، فقال : يا رسول الله ، كنا نصلي خلفك فخلعت نعليك في أثناء الصلاة ، فخلعنا نعالنا ، فلما أتممت الصلاة سألتنا عن سبب الخلع ، فقلنا : الموافقة.

فقلت : أمرني جبرائيل بإخراجهما لعدم طهارتهما ، فلما أخبرك أن على نعلك قذرا وأمرك بإخراج النعل من رجلك بسبب ما التصق من القذر ، فكيف لا يأمرك بإخراجها ، بتقدير أن تكون متلطخة بشيء من الفواحش؟! وفي المشكاة عن أبي سعيد مثله.

قال الحلبي : ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن خلع إحدى نعليه في أثناء الصلاة ، لنجاسة بها ، واستمر في الصلاة» (١).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٦ و ٤٧٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٦.

٥٠

الفصل الثاني :

نقد أسانيد حديث الإفك

٥١
٥٢

رواة حديث الإفك من الصحابة :

لقد روى الرواة حديث الإفك عن ثمانية من الصحابة هم :

١ ـ ابن عمر.

٢ ـ ابن عباس.

٣ ـ عبد الله بن الزبير.

٤ ـ أبو هريرة.

٥ ـ أبو اليسر الأنصاري.

٦ ـ عائشة.

٧ ـ أم رومان.

٨ ـ أنس بن مالك.

أما رواية أبي هريرة ، وأبي اليسر ، وأنس ، وابن عباس ، وابن عمر : فلم ترد في صحاح أهل السنة ، وهي مجرد نتف صغيرة ، باستثناء رواية ابن عباس ففيها بعض التفصيل. وكذا رواية ابن عمر.

أما رواية ابن الزبير فلم نجدها ، غير أن البخاري ، بعد أن ذكر رواية الزهري ، ساق سندا آخر إلى عبد الله بن الزبير ، وقال : مثله ..

تفاصيل حول الأسانيد :

وإذا أردنا أن نعطي القارئ لمحة موجزة عن بعض ما يرتبط بالأسانيد ، فإننا نقول :

٥٣

١ ـ رواية ابن عمر :

أما بالنسبة لرواية ابن عمر ، فإنها لم ترد في كتاب الصحاح ـ تماما كما هو الحال بالنسبة لرواية ابن الزبير ـ وهي رواية ضعيفة السند ، وهي في الحقيقة نفس رواية عائشة ، كما يظهر من ملاحظة سياقها .. وقد رواها الطبراني ، وابن مردويه .. حسبما تقدم في الفصل السابق.

فالحديث عنها يرجع إلى الحديث عن رواية عائشة. خصوصا فيما يرتبط بمناقشة المضمون ، كما سنرى ..

هذا ، مع أن ابن الزبير ، كابن عمر وابن عباس ، بل وكذا سائر الرواة ، لا بد أن يرووا هذه الرواية عن عائشة نفسها ، أو عن أمها وأبيها ، لأن هؤلاء هم الذين يعرفون ما جرى بينها وبين أم مسطح ، وما جرى بينها وبين أبيها ، وأمها .. وبينهم وبين رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وما جرى لها مع صفوان .. وما إلى ذلك .. فإذا ذكر ابن عمر وغيره رواية فيها هذه التفاصيل فإن ذلك يحتم أن يكون الراوي قد أخذ من هؤلاء فقط ، فما هو المقدار الذي أخذه منهم؟! هل هو كل هذه التفاصيل ، أم بعضها؟ وهل أخذ ذلك منهم مباشرة أو بواسطة آخرين؟ كل ذلك غير واضح .. فلا مجال إذن لنسبة الرواية ـ خصوصا مع احتوائها لهذه التفاصيل ـ لخصوص روايها ، وهو ابن الزبير أو ابن عمر ، أو ابن عباس ، أو غير هؤلاء ..

٢ ـ رواية ابن عباس :

أما ابن عباس ، فإن كان راويا لحديث الإفك حقا ، فلا شك أنه رواه عن غيره. وذلك :

٥٤

أولا : لأنه كان حين قضية الإفك طفلا صغيرا ، لا يحسن رواية أحداث كهذه ، حتى لو شهدها ، لأنه ولد سنة الهجرة ، أو قبلها بثلاث سنوات ..

ثانيا : إنه حتى لو كان رجلا كاملا ، فإنه لم يكن حين قضية الإفك في المدينة لأنه إنما قدم إليها مع أبيه في سنة ثمان (١) ، أي بعد قضية الإفك بعدة سنوات.

على أن هناك الكثير الكثير من الشك حول ما يروى عن ابن عباس.

فقد ذكر العسقلاني : أن غندرا قال : «ابن عباس لم يسمع من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلا تسعة أحاديث. وعن يحيى القطان عشرة. وقال الغزالي في المستصفى : أربعة» (٢).

مع أنهم يذكرون : أن البخاري قد روى عن ابن عباس مئتين وسبعة عشر حديثا (٣) .. فتبارك الله أحسن الخالقين.

ولا نستطيع أن نقول : إنه قد روى ذلك عن الصحابة الموثوقين جزما ، فقد روى عن غير المؤمنين ، وعن غير الصحابة ، وروى حتى عن مسلمة أهل الكتاب ، فقد روى عن معاوية ، وأبي هريرة ، وكعب الأحبار ، وتميم الداري ، وغيرهم ..

هذا كله ، بالإضافة إلى ضعف سند حديث الإفك ، الذي ينتهي إليه. ولذلك لم ترد روايته في الكتب التي يعتبرها أهل السنة صحاحا.

__________________

(١) راجع : فتح الباري ج ٩ ص ٢٤٩.

(٢) تهذيب التهذيب ج ٥ ص ٢٧٩.

(٣) مفتاح الصحيحين ص ٨.

٥٥

٣ ـ عبد الله بن الزبير :

أما بالنسبة لابن الزبير ، فإننا نقول :

أولا : قد ذكرنا فيما تقدم بحثا مفصلا حول تاريخ ولادة ابن الزبير ، وقلنا هناك : إن الأرجح هو : أنه قد ولد سنة اثنتين ، أو ثلاث من الهجرة ، وذلك استنادا إلى العديد من الأدلة والشواهد ، فراجع.

فيكون عمره حين الإفك ثلاث أو أربع أو حتى خمس سنوات.

ثانيا : إنه قد روى الحديث عن عائشة نفسها ، كما يظهر من رواية البخاري (١).

ثالثا : إن حديث ابن الزبير ضعيف السند برجال آخرين ، سوف يأتي الحديث عنهم إن شاء الله.

٤ ـ أنس بن مالك :

إن أنس حين قضية الإفك لم يكن قد بلغ الحلم .. بل لقد أنكرت عليه عائشة روايته عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فقد روى : «علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن ابيه : أن عائشة قالت : ما علم أنس بن مالك ، وأبو سعيد الخدري بحديث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإنما كانا غلامين صغيرين» (٢).

٥ ـ أبو هريرة :

سنده ليس بمتصل ، لأن أبا هريرة قد أسلم بعد حديث الإفك ،

__________________

(١) حيث إنه بعد ذكر رواية الزهري ساق سندا آخر إلى ابن الزبير ، وقال : مثله.

(٢) جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٨٩. مع أنه قد روي له في صحيح البخاري فقط ٢٦٨ حديثا كما في مفتاح الصحيحين ص ٧.

٥٦

وبالذات في سنة خيبر .. فعمن روى أبو هريرة ذلك؟ عن كعب الأحبار؟ عن عائشة؟ لا ندري ..

غير أن ما نعلمه هو : أن علّامة مصر الشيخ محمود أبو رية ، والإمام شرف الدين في كتابه «أبو هريرة : شيخ المضيرة ..» قد وضعا علامات استفهام كبيرة على كل ما يرويه أبو هريرة ..

٦ ـ أبو اليسر الأنصاري :

لم ترد روايته ، ولا رواية أنس ، ولا رواية أبي هريرة في الصحاح .. كما أنه يناقض في روايته جميع روايات الإفك على الإطلاق ، ولذا فلا يمكن الاعتماد عليه.

٧ ـ وأما رواية أم رومان ففيها :

١ ـ قد جاء في سندها : أن الراوي عن أم رومان هو مسروق بن الأجدع ، الذي تبنته عائشة. والذي كان ولاه زياد على السلسلة (١). ومسروق لم ير أم رومان ، لأنها توفيت في حياة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهو إنما قدم المدينة بعد وفاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢) .. ولسوف يأتي ما يثبت أنها توفيت قبل حديث الإفك ، أي في حين كان عمر مسروق ـ في بلده ـ لا يزيد عن خمس سنين ، فكيف حدثته أم رومان بحديث الإفك ، فروايته مرسلة؟!.

__________________

(١) راجع : الثقات لابن حبان ج ٥ ص ٤٥٦.

(٢) الإصابة ج ٣ ص ٣٩١. وتوفي مسروق سنة ٦٣ هجرية عن ٦٣ سنة. وصلى خلف أبي بكر مميزا ابن ١٣ سنة كما في الإصابة ج ٣ ص ٣٩٣.

٥٧

واحتمل أبو عمر صاحب الإستيعاب أن يكون سمع ذلك من عائشة (١).

هذا .. عدا عن أن لنا في مسروق نفسه مقالا ، لأنه كان منحرفا عن علي ، معاديا له. فقد روى سلمة بن كهيل : أن مسروق بن الأجدع ، والأسود بن يزيد كانا يمشيان إلى بعض أزواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (ولا نستبعد أنها عائشة) ، فيقعان في علي «عليه‌السلام».

كما أن زوجة مسروق نفسه تصرح : بأنه كان يفرط في سب علي «عليه‌السلام».

وروى أبو نعيم ، عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق : قال : ثلاثة لا يؤمنون على علي بن أبي طالب : مسروق ، ومرة ، وشريح. وروي أن الشعبي رابعهم ، وروي أنه عاد إلى موالاته «عليه‌السلام» في أواخر أيامه ..

وعده الثقفي ممن كان بالكوفة من فقهائها أهل عداوة لعلي ، وبغض له ، الخارجين عن طاعته (٢) ..

وصرح ابن سعد : بأنه أبطأ عن علي ، وعن مشاهده ، ولم يشهد معه شيئا. وكان يحتج لإبطائه هذا ، ويدافع عنه بما لا مجال لذكره هنا (٣).

٢ ـ وفي السند أيضا : أبو وائل : شقيق بن سلمة ..

__________________

(١) الإستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٤٥٢.

(٢) راجع كل ذلك في : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٤ ص ٩٩ و ٩٧ و ٩٨ والغارات للثقفي ج ٢ ص ٥٥٩ و ٥٦٢ ـ ٥٦٤ وراجع في كونه عثمانيا : تاريخ بغداد ج ٩ ص ٢٧٠ وتهذيب الكمال ج ١٢ ص ٥٥٣ وطبقات ابن سعد ج ٦ ص ٧١ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٣٧٩.

(٣) طبقات ابن سعد ج ٦ ص ٥١ و ٥٢.

٥٨

وكان عثمانيا يقع في علي «عليه‌السلام».

ويقال : إنه كان يرى رأي الخوارج. ولا خلاف في كونه خرج معهم على علي «عليه‌السلام».

وقد روى خلف بن خليفة قال : قال أبو وائل : خرجنا أربعة آلاف ، فخرج إلينا علي ، فما زال يكلمنا ، حتى رجع منا ألفان ..

وعده الثقفي فيمن خرج عن طاعة علي ، ومن فقهاء الكوفة ، ممن كان أهل عداوة له وبغض (١).

وقال لمن سبّ الحجاج وذكر مساوئه : لا تسبّه! وما يدريك؟ لعله قال : اللهم اغفرلي ، فغفر له (٢).

وقال عاصم بن أبي النجود : قلت لأبي وائل : شهدت صفين؟!

قال : نعم ، وبئست الصفوف كانت (٣).

٣ ـ وفي السند محمد بن كثير العبدي ، قال ابن معين : لم يكن بثقة.

وقال ابن قانع : ضعيف.

وقال ابن معين أيضا : لم يكن يستاهل أن يكتب عنه (٤).

وقال أيضا : لا تكتبوا عنه (٥).

__________________

(١) راجع المصادر في ما قبل الهامش الأخير.

(٢) سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ١٦٥ وحلية الأولياء ج ٤ ص ١٠٢.

(٣) سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ١٦٦.

(٤) تهذيب التهذيب ج ٩ ص ٤١٨. وكلام ابن معين الأخير في سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٣٨٤ وفي تهذيب الكمال ج ٢٦ هامش ص ٣٣٦.

(٥) تهذيب الكمال ج ٢٦ ص ٣٣٦.

٥٩

٤ ـ وفي السند أيضا : غندر ، والحصين بن عبد الرحمن السلمي. وفيهما أيضا كلام يراجع في كتب الرجال والتراجم (١).

وفيما ذكرناه كفاية.

٨ ـ وأما الرواية عن عائشة :

فقد رواها عنها ، حسب إحصائية العسقلاني ، عشرة من التابعين ، وهم :

١ ـ عروة بن الزبير.

٢ ـ سعيد بن المسيب ، ولكن في سيرة ابن هشام : سعيد بن جبير.

٣ ـ علقمة بن وقاص.

٤ ـ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.

٥ ـ القاسم بن محمد بن أبي بكر.

٦ ـ عمرة بنت عبد الرحمن.

٧ ـ عباد بن عبد الله بن الزبير.

٨ ـ أبو سلمة بن عبد الرحمن.

٩ ـ الأسود بن يزيد.

١٠ ـ مقسم مولى ابن عباس.

وقد رواها الزهري عن الأربعة الأول ، ورواها عن الزهري ثلاثة وعشرون رجلا ، خمسة منهم روايتهم في الصحاح ، وهم :

١ ـ يونس بن يزيد الأيلي.

__________________

(١) راجع : تهذيب التهذيب ج ٩ ص ٩٨ وج ٢ ص ٣٨٢ و ٣٨٣.

٦٠