الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-185-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

٧ ـ توبة الإفكين أو تبرئتهم :

وقد ذكروا : أن عائشة قد رجت الجنة لحسان ، وقالت ، في قوله :

فإن أبي ، ووالده ، وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء ...

بهذا البيت يغفر الله له كل ذنب .. وبرأته من أن يكون قد افترى عليها ، ثم لما قيل لها : أليس ممن لعنه الله في الدنيا والآخرة بما قال فيك؟

قالت : لم يقل شيئا الخ .. (١).

وأيضا .. فإننا نجد في بعض الروايات : أن ابن عباس يؤكد على توبة حسان ، ومسطح ، وحمنة!!

ويقول الصفدي : «تاب الله على الجماعة إلا عبد الله السلولي» (٢). يقصد بالجماعة : حمنة ، وحسانا ، ومسطحا.

وفي رواية : أن الله تعالى سوف يستوهب المهاجرين من الإفكين يوم القيامة ، فيستأمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عائشة .. فتهبه إياهم (٣).

ونحن إزاء هذه المنقولات نشير إلى ما يلي :

١ ـ كيف تبرئ عائشة حسانا ، وهم يقولون : إنه ممن تولى كبر الإفك؟!.

وكيف نجمع بين جعلها العذاب العظيم له هو عماه .. وبين قولها : لم يقل شيئا؟!

فمن لم يقل شيئا لماذا يكون له هذا العذاب العظيم؟

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٨ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ١ ص ٣٤٠.

(٢) نكت الهميان ص ١٣٦.

(٣) الدر المنثور ج ٥ ص ٣٧ عن الطبراني.

٢٢١

٢ ـ كيف حكمت عائشة بمغفرة كل ذنب لحسان ، وكيف يكون العذاب العظيم له هو عماه ، مع أن القرآن قد نص على أن العذاب العظيم يكون في الآخرة ، لا في الدنيا؟! وأنه عذاب ينتظر الإفكين ، ولا مفر لهم منه ، قال تعالى : (.. لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ..

٣ ـ كيف يحكم ابن عباس والصفدي بتوبة الإفكين ، وكذلك عائشة ، مع أن ابن عباس نفسه وغيره يصرحون : بأن من يقذف أزواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لا توبة له ، وأما من يقذف غيرهن فله توبة؟! (١).

وروى الزمخشري وغيره : عن ابن عباس : أنه كان يوم عرفة في البصرة يفسر القرآن ، وكان يسأل عن تفسيره ، حتى سئل عن هذه الآيات ، فقال : من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته ، إلا من خاض في أمر عائشة.

قال الزمخشري : وهذا منه مبالغة ، وتعظيم لأمر الإفك (٢). وهذا موافق لصريح الآيات القرآنية.

٤ ـ كيف يحكم ابن عباس والصفدي بتوبة الثلاثة ، وحصر العذاب الأخروي في ابن أبي ، ونحن نرى : أن آيات القرآن قد نصت على أن العذاب العظيم في الآخرة لجميع الإفكين؟

قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) إلى آخر الآيات.

__________________

(١) الدر المنثور ج ٥ ص ٣٥ عن سعيد بن منصور ، وابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، وجامع البيان ج ١٨ ص ٨٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٦ ، عن الخصائص الصغرى ، بمثل قول ابن عباس.

(٢) الكشاف ج ٣ ص ٢٢٣ وتفسير النيسابوري ، بهامش الطبري ج ١٨ ص ٦٩.

٢٢٢

هل لقاذف زوجة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» توبة؟!

هذا .. ويرى البعض أن لقاذف زوجة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» توبة ، وأنه إنما طوي ذكر التوبة في آيات الإفك لكونها معلومة (١) ..

ونحن إزاء هذا الادّعاء نشير إلى ما يلي :

١ ـ إن من يقذف أزواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يؤذي نفس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله». ولا أعظم وأشد من أذيته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ناموسه ، وشرفه .. وحال من يؤذيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الدنيا والآخرة معلوم من الآيات القرآنية وغيرها .. ولا سيما إذا كانت أذية من هذا النوع!!

٢ ـ إن هذا الرأي لا يضر بما قلناه آنفا ، من تناقض كلام ابن عباس وغيره في هذا المقام.

٣ ـ قال الزمخشري : «.. ولو فليت القرآن كله ، وفتشت عما أوعد به من العصاة ، لم تر الله تعالى قد غلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة!! رضوان الله عليها ، ولا أنزل من الآيات القوارع ، المشحونة بالوعيد الشديد ، والعتاب البليغ ، والزجر العنيف ، واستعظام ما ركب من ذلك ، واستفظاع ما أقدم عليه ، ما أنزل على طرق مختلفة ، وأساليب مفتنة ، كل واحد منها كاف في بابه .. ولو لم ينزل إلا هذه الآيات الثلاث (يعني قوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ ..) إلى قوله : (الْحَقُّ الْمُبِينُ) ..) لكفى بها : حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا ، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة ، وبأن ألسنتهم ،

__________________

(١) راجع : تفسير النيسابوري بهامش الطبري ج ١٨ ص ٦٩.

٢٢٣

وأيديهم ، وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا ..» (١).

ومع ذلك كله هم يقولون : إن لقاذف زوجة النبي توبة ، لماذا؟ لكي يصح قولهم بتوبة حسان وأضرابه ، ممن لهم بهم هوى سياسي أو غيره!!

ما عشت أراك الدهر عجبا!!

٨ ـ ضرب بريرة :

وتذكر روايات الإفك : أن عليا «عليه‌السلام» قد انتهر الجارية بريرة ، وفي بعضها : أنه ضربها.

وفي رواية : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لعلي : شأنك بالجارية .. فسألها علي ، وتوعدها ، فلم تخبره إلا بخير ، ثم ضربها وسألها.

وفي رواية الاكتفاء ، وابن إسحاق : فقام إليها علي ، فضربها ضربا شديدا ، يقول : أصدقي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

وعند ابن أبي الحديد : لما استشار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليا ، قال له : «ما هي إلا شسع نعلك ، وقال له : سل الخادم وخوفها ، وإن أقامت على الجحود فاضربها ، إلى أن قال : ونقل النساء إليها كلاما كثيرا عن علي وفاطمة ، وأنهما قد أظهرا الشماتة ، جهارا وسرا ، بوقوع هذه الحادثة لها ،

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٢٣.

(٢) راجع : فتح الباري ج ٨ ص ٣٥٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٨ وإرشاد الساري ج ٧ ص ٢٦٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣١٣ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٩٧ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٦٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٦٢.

٢٢٤

فتفاقم الأمر وغلظ ..» ثم ذكر : أنه عند ما نزل القرآن ببراءتها ، كان منها ما يكون من المغلوب حين ينتصر .. (١).

ونقول :

وفي نص آخر : أنه «عليه‌السلام» قال للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «وسل بريرة خادمتها ، وابحث عن خبرها منها ، فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : فتول أنت يا علي تقريرها.

فقطع لها علي «عليه‌السلام» عسبا من النخل ، وخلا بها يسألها عني ، ويتهددها ، ويرهبها. لا جرم أني لا أحب عليا أبدا» (٢).

ونقول :

١ ـ إننا لا نعرف المبرر لضرب بريرة ـ هذه التي عجب الناس من فقهها!! ـ كما يزعمون .. بل ما هو المبرر حتى لانتهارها؟!. بل ما هو المبرر لأمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» له بذلك ، بقوله : «شأنك بالجارية»؟!.

نعم .. لا نعرف المبرر لهذا الأمر الذي يقع بمرأى من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وبمسمع ، بل بموافقته وأمره ، سعيا لانتزاع إقرار منها على زوجة هذا النبي الأعظم بالقبيح .. مع أن هذا النبي نفسه قد حرم التوسل بالقوة ، أو بأي من أساليب التخويف ، لانتزاع إقرار من أحد على غيره. وإذا كان علي «عليه‌السلام» قد بادر إلى ذلك من عند نفسه ، وكان ذلك يمثل عدوانا عليها ، فلماذا

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ١٩٤.

(٢) الجمل ص ١٥٧ و ١٥٨ و ٤١٢ وراجع (ط سنة ١٤١٣ ه‍) ص ٤٢٦ ، وراجع : المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١١١ ـ ١١٧ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٣٦.

٢٢٥

لا يقتص منه ما دام أنه قد اعتدى عليها بالضرب والتهديد؟!

٢ ـ هل كانت بريرة حاضرة وناظرة لما جرى بين صفوان وعائشة لتعرف بالأمر وتقر به إثباتا أو نفيا؟!

التوجيه البارد :

ومن الطريف هنا أن يوجه السهيلي ذلك بقوله : «.. وإن ضرب علي للجارية ، وهي حرّة ولم تستوجب ضربا ، ولا استأذن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ضربها .. فأرى معناه : أنه أغلظ لها بالقول ، وتوعدها بالضرب ، واتهمها أن تكون خانت الله ورسوله ، فكتمت من الحديث ما لا يسعها كتمه ، مع إدلاله ، وأنه كان من أهل البيت ..» (١).

ونقول :

١ ـ إننا لا ندري متى تغيرت اللغة ، وصار معنى قولهم : «ضربه» : أنه تهدده بالضرب؟!.

٢ ـ ولا ندري أيضا .. ما الفرق بين الحرة والأمة ، حتى يجوز ضرب الأمة بلا ذنب ، ولا يجوز ضرب الحرة؟!

٣ ـ ولا ندري كذلك .. إن كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يأذن في ضرب البريء ، أو لا يأذن؟!

٤ ـ ولا ندري رابعة : إن كان مجرد الاتهام لأحد يبرر ضربه ، والاعتداء عليه ، وتهديده؟!

__________________

(١) الروض الأنف ج ٤ ص ٢٠ ، وليراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩٨.

٢٢٦

٥ ـ ولا ندري أخيرا!! وليتنا كنا ندري .. إن كان مجرد كون علي «عليه‌السلام» من أهل البيت «عليهم‌السلام» ، وإدلاله بذلك ، يسوّغ له الاعتداء على الأبرياء بالضرب والتهديد؟!

فمن كان يدري .. فليعلمنا ، فلسوف نكون له من الشاكرين.

٩ ـ استشارة بريرة وتقريرها :

وأين قولهم : إنهم قد ضربوا بريرة لانتزاع إقرار منها على سيدتها ، من قول بعض الروايات : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استشار بريرة ، ثم صعد المنبر فبرأ عائشة؟

وبعض الروايات تعكس الأمر ، وتقول : إنه برأها ، ثم استشار في أمرها.

ونحن لا يمكننا قبول ذلك أيضا ، وذلك لما يلي :

أولا : إنه حينما برأها أولا .. قد دل على أنه قاطع بطهارة ذيلها .. فما معنى محاولة تقريرها ثانيا؟ فإن كان في شك من أمرها فقد كان الأجدر : أن يقررها قبل أن يقف في المسجد ذلك الموقف ، ويقول ذلك القول ، الذي كاد أن يوقع الفتنة بين الحيين الأوس والخزرج .. فإن ذلك هو التصرف الطبيعي لكل إنسان يواجه مشكلة من هذا النوع.

وكذلك الحال .. لو كان قد سأل عنها بريرة ، ثم برأها على المنبر أولا ، ثم عاد فاستشار في أمرها ، كما تقول بعض الروايات الأخرى .. فما المبرر لهذه الاستشارة اللاحقة؟ فإن الأولى والأجدر ، والتصرف الطبيعي هو عكس ذلك. إذ أن السؤال والتبرئة لها لا يبقيان موقعا للاستشارة في أمرها ، لأن الأمر يكون قد حسم وانتهى.

٢٢٧

وإن كان الأمر لم يحسم بذلك ، فكيف اعتمد على قول بريرة حينما برأها أولا على المنبر؟ (١).

ثانيا : إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعلن في المسجد براءة عائشة ، ثم عاد فقرّر بريرة ، فماذا سيكون موقفه لو أن بريرة أقرت بخلاف ما أعلنه ، وماذا سيقول للناس يا ترى؟!

ثالثا : هل كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الذي هو عقل الكل ، وإمام الكل ، ومدبر الكل بحاجة إلى الاستشارة حقا؟!

وكيف أدركت بريرة براءة عائشة ، وعجب الناس من فقهها ، وكذلك عمر وعثمان ، وأسامة ، و.. و.. و.. ولم يستطع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، نبي الأمة أن يدرك ذلك؟!

وهل لم يكن عنده من الفقه بمقدار ما عند بريرة؟!.

وأين كان فقه علي «عليه‌السلام» ، وكذلك فقه غيره من صحابة الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!.

رابعا : لنفرض أن بريرة اتهمت عائشة ، والعياذ بالله ، مع أنها سيدتها ، وولية نعمتها ، وواهبة حريتها .. فهل يستطيع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يرتب الأثر على اتهام بريرة ، وهو يعلم : أنها لم تكن معها في تلك الغزوة؟!

وإذا كانت معها ، فلماذا لم تخبر حاملي الهودج أن سيدتها ليست فيه؟!

خامسا : هل يمكن للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يرتب الأثر على اتهامها لسيدتها ، وهي شاهد واحد .. وهذا الشاهد هو امرأة ، وليست رجلا؟!

__________________

(١) إرشاد الساري ج ٤ ص ٣٩٥.

٢٢٨

سادسا : إنها لم تشهد بالنفي ، بل أظهرت عدم علمها بشيء ؛ فكيف جاز ـ بعد هذا ـ للقسطلاني أن يقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اعتمد على قول بريرة ، عند ما برأ عائشة على المنبر ، كما تقدم؟!!

سابعا : ما هو المبرر لاستشارة أولئك الذين لم يحضروا ولم يشهدوا غزوة المريسيع أصلا ، مثل بريرة ، وأم أيمن ، وزينب بنت جحش وغيرهن؟!

ولم لم يختر من زوجاته إلا خصوص زينب بنت جحش ، التي تقول عائشة : إنها الوحيدة التي كانت تساميها من بين زوجات النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليسألها؟ فهل يريد حقا : إثبات التهمة عليها؟! ..

ثم لماذا يترك سؤال واستشارة أم سلمة ، التي تنص الروايات على أنها كانت معها في غزوة المريسيع؟!

ثامنا : حتى لو كانوا جميعا معها في غزوة المريسيع ، فأيهم ذلك الذي كان معها حينما وجدها ابن المعطل وحيدة في الصحراء ، ثم لحقهم بها؟!!

فحتى لو شهد الكل عليها بالإثبات أو بالنفي .. فإن ذلك لا يفيد ، ولا يصح ترتيب الأثر عليه ، ولا يمكن إثبات شيء في أمر كهذا إلا عن طريق الإقرار وحسب ، فلا معنى للاستشارة ، ولا لسؤال أحد.

١٠ ـ نفاق سعد بن عبادة :

تقول عائشة : «فقام سعد بن عبادة ، سيد الخزرج ـ وكان قبل ذلك رجلا صالحا ـ» (١).

__________________

(١) النص موجود في الرواية في هذا المجلد.

٢٢٩

وتقول عن أسيد بن حضير : «.. وكان أسيد رجلا صالحا في بيت من الأوس عظيم» (١).

فهل يعني ذلك : أن صلاح ابن عبادة قد ذهب الآن؟!

وإذا كان قد ذهب ، فما الذي يكفل عودته إليه؟! فلعله استمر على عدم الصلاح إلى ما بعد وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حتى طالب بالخلافة لنفسه ، ونازع أباها ، ولم يبايعه ، حتى اغتالته السياسة في الشام ، على حد تعبير طه حسين.

أما أسيد بن حضير ـ الذي شهدت له أم المؤمنين بالصلاح الفعلي!! وجعلته في بيت من الأوس عظيم!!! ـ سيأتي بعض ما يفسر لنا هذا الموقف تجاهه ـ فإن ذلك يرتبط بتاريخه ومواقفه ـ في موضعه كما سنرى إن شاء الله تعالى.

ثم .. هناك وصف أسيد بن حضير لسعد بن عبادة بأنه : منافق يجادل عن المنافقين!!. فإننا لا ندري ما هو المبرر لهذا ، إذ من المعلوم لدى كل أحد أن ابن عبادة لم يكن منافقا ، بل هو من كبار الصحابة ، وهو ينافس أباها في أمر الخلافة!!

والأنكى من ذلك : أن عائشة تحاول الإيحاء بصحة كلام ابن حضير ، وذلك حينما تقول : وكان قبل ذلك رجلا صالحا.

وأهم من ذلك كله : أن نجد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يسكت عن وصفهم لسعد بالنفاق.

__________________

(١) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٤٢٧.

٢٣٠

تأويلات موهونة :

وأجاب البعض عن هذا : بأن النبي إنما ترك الإنكار على ابن حضير ، لأنه إنما قال ذلك مبالغة في زجر سعد ، وعلى سبيل الغيظ والحنق.

وهذا الجواب لا يصح ، لأن المنكر الذي صدر من أسيد ، هو منكر على أي حال ، سواء صدر منه على جهة الغيظ ، أو لأجل الزجر ، ولا يخرجه ذلك عن كونه قذفا بأمر فظيع ، وخطير جدا ، ومعصية عظمى.

وقد اعتذر ابن التين ـ وحسّنه العسقلاني ـ : بأن مقصود عائشة : أنه لم يتقدم منه الوقوف مع أنفة الحمية (١).

وهو كلام فارغ .. فإن ذلك يعني : أن سعدا قد وقف هنا مع أنفة الحمية ، وأن ذلك لم يصدر منه قبل هذا.

ومن الواضح : أن هذا يكفي مبررا للطعن في صلاحه ، ولا سيما إذا كان هذا الوقوف يجر إلى إيذاء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والنيل من كرامته وشرفه ، ويؤدي إلى النزاع بين الأوس والخزرج.

هذا كله بالإضافة إلى : أن ابن معاذ لم يتكلم بما يثير الحمية الجاهلية عند ابن عبادة!!

وأما توجيه كلام أسيد تارة : بأن سعدا أراد أن يصنع صنيع المنافقين ، لا أنه منافق بالفعل ، وأخرى ـ كما يقول المازري ـ : بأنه ليس المراد : نفاق الكفر ، بل المراد ، أنه كان يظهر المودة للأوس ، ثم ظهر عدمه ،

أما هذه التوجيهات ، فهي أيضا لا يمكن أن تكون مقبولة .. وذلك لبعدها

__________________

(١) فتح الباري ج ٨ ص ٣٦٢.

٢٣١

عن مدلول اللفظ ، وسياق الكلام ، فإنه إنما أثبت لابن عبادة عين نفاق المنافقين الذين يجادل عنهم سعد .. لأنه يريد أن يجعله منهم ، ومدافعا عنهم.

ثم ما هو الربط بين المودة للأوس وقضية الإفك على عائشة ، والاستعذار من ابن أبي وبين حمية الجاهلية؟ ولم يصدر من ابن معاذ شيء يثير حمية الجاهلية أبدا ، وإنما هو قد تعهد بتنفيذ أوامر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقط .. فهل تنفيذ أوامره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يتنافى مع المودة للأوس؟!

١١ ـ جلد الإفكين :

وروايات جلد الإفكين مختلفة جدا أيضا كما قدمنا حين الحديث عن تناقضات روايات الإفك ، فاستقصاء الكلام فيها يحتاج إلى وقت طويل .. ولكن ما لا يدرك كله ، لا يترك كله ، ولذا فنحن نكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي :

١ ـ إن أغرب ما في روايات الإفك : أن بعضها يقول : إن الإفكين قد جلدوا حدين .. وتزيد بعضها : إنه وجئ في رقابهم .. وبعضها يكتفي : بالوجأ في الرقاب للبعض منهم.

ونحن لم نستطع أن نفهم : لماذا جلدوا الحد الآخر!! كما أننا لم نعرف : السبب في ضم بالوجأ في الرقاب إلى الحد الشرعي ، فهل هو جزء منه؟ أم هو من قبيل البخشيش؟! أم ماذا؟.

ولعل روايات الإفك المضطربة في هذا الأمر جدا هي التي دعت أصحاب النوايا الحسنة!!! إلى أن ينسبوا إلى ابن عمر القول : بأن قاذف

٢٣٢

أزواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يحد حدين ، وهذا مما تفردت به روايات الإفك ، وابن عمر.

بل إن البعض يقول : من قذف عائشة يقتل ، ومن قذف أزواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يحد حدين (١) .. ولعل حكمهم بقتله ، لأجل أن قذفه لها حينئذ يتضمن تكذيبا للقرآن النازل في براءتها.

وليس في القرآن نص يفيد : أن الإفك كان على عائشة ، وإنما سمتها الروايات ـ التي قد تبين حالها. أما جلد أهل الإفك جلدين فإننا لم نفهم حتى الآن ، لماذا حكم بالحدين لمن يقذف سائر أزواجه «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟

٢ ـ ثم هناك الرواية التي تقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمر برجلين وامرأة فجلدا الحد ، وفسروا الرجلين بحسان ومسطح ، والمرأة بحمنة ، ويؤيده قول ابن رواحة ، أو كعب بن مالك (٢).

لقد ذاق حسان الذي كان أهله

وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح

الأبيات .. ولم يذكر معهم ابن أبي.

لكن في الطبراني قال : أما ابن أبي فقد سلم من الجلد ، كما تقوله هذه الرواية. وروى هذا البيت بصيغة لقد ذاق عبد الله .. ونسب مع بقية الأبيات لحسان نفسه (٣).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩٤ و ٣٠٥ و ٣٠٦.

(٢) الأبيات مذكورة في مختلف المصادر ، لكن نسبها إلى قائلها في التنبيه والإشراف ص ٢١٦.

(٣) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١١٦ و ١١٧ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٣٥٩ و ٣٦٠.

٢٣٣

ولكن لماذا لم يجلد ابن أبي ، مع أنه هو الذي تولى كبر الإفك ، حسبما ذكرته روايات كثيرة؟! وكيف جاز لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يعطل الحد الشرعي الثابت عليه؟!

واعتذر البعض عن ذلك : بأن قبيلته كانت تمنعه بحيث لو أراد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يحده للزم فساد كبير.

ولكن كل ذلك لا يجدي ؛ إذ ما الفرق بين حسان ، وابن أبي؟ فابن أبي خزرجي ، وكذلك حسان ، فلماذا لا يمنع الخزرج حسانا شاعرهم ، ولسانهم ، كما منعوا ابن أبي؟! أم يعقل أنهم يمنعون المنافق ، ولا يمنعون المسلم؟!. وقد تلاوموا على أخذهم صفوان بن المعطل ، عندما كسع حسانا بالسيف ، بدون إذن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم في أخذه .. فلماذا إذن ، يمنعون النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من إقامة حدّ من حدود الله تعالى .. ولا سيما في قضية ترتبط بناموس وشرف هذا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه؟!!

واعتذر الحلبي بعذر آخر ، حيث قال : «الحد كفارة ، وليس من أهلها ، وقيل : لم تقم عليه البينة بخلاف أولئك ، وقيل : لأنه كان لا يأتي بذلك على أنه من عنده ، بل على لسان غيره» (١).

وهو اعتذار عجيب وغريب ، فإن الحدود لا تعطل بحجة الأهلية وعدمها .. ولا ورد في تشريع الحدود تقييد من هذا القبيل.

وأما عن البينة فنقول : كيف لم تقم عليه البينة ، وهم يقولون : إنه هو الذي تولى كبر الإفك ، أي معظمه؟! ومن ينص القرآن على أنه قد تولى كبره

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٥.

٢٣٤

منهم وله عذاب عظيم .. كيف يترك من دون أن يصيبه العذاب الأليم في الدنيا؟!

وكيف كان ينقل ذلك على لسان غيره؟ وهم يقولون : إنه أول من قال : فجر بها ورب الكعبة .. ثم تبعه من تبعه .. فلماذا لا يشهدون عليه بما سمعوه منه؟

إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة ، والمحيرة التي لا تجد جوابا مقنعا ولا مقبولا.

٣ ـ ثم هناك قول أبي عمر في الإستيعاب ، وصححه الماوردي : أن حدّهم لم يشتهر ، والذي اشتهر هو أنه لم يجلد أحد.

فكيف لم يجلد أحد؟

وهل عطل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حدا من حدود الله؟!

وهل للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يعطل الحدود؟!

٤ ـ وإذا كان مسطح قد نفى عن نفسه الاشتراك في الإفك ، وحسان قد برأته عائشة ، وقالت : لم يقل شيئا .. فلماذا تقول الروايات الأخرى : إنهما جلدا حدين ، أو حدا واحدا ، أو وجئ في رقبتيهما ، أو ضربا ضربا وجيعا؟!

٥ ـ وإذا نظرنا إلى رواية أخرى ، فإننا نجد أنها تقول : إن ابن أبي حدّ حدّين ووجئ في رقاب الباقين ، كما عن الطبراني ، وابن مردويه ، أو ضربوا ضربا وجيعا ، كما في بعض الروايات.

فلا ندري لماذا اختص ابن أبي بالحدين ، دون بقية رفقائه .. الذين شاركوه في الإفك؟

وكون ابن أبي قد تولى كبر الإفك ، لا يوجب الحدين له ، دون غيره ، إذ

٢٣٥

لم يقل أحد من الأئمة : أن ذلك يوجب حدين .. كما أنه لم يقل أحد : أن العذاب العظيم في الآية هو ذلك (١).

٦ ـ وأما حدّهم في الآخرة ، ثمانين ثمانين (٢) ، فلم نعرف له وجها ، بعد أن كانت الحدود تشريعات دنيوية محضة .. وليس في الآخرة سوى العذاب الأليم لهم ، بنص آيات الإفك نفسها.

٧ ـ ويبقى هنا سؤال .. لماذا أخّر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حد القاذفين طيلة شهر ، أو أكثر من خمسين يوما ، من بدء إفكهم ، حسبما تقدم؟! حتى شاع ، وتناقلته الألسن!!

إعتذارات غير مقبولة :

وقد يعتذر عن ذلك : بأن آيات حد القذف لم تكن قد نزلت بعد ، فلما نزلت حدّهم ، ويدل عليه : استعذار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأن ابن معاذ قال : إنه يقتل الإفك ، ولو كان حكم القذف معلوما لقال ابن معاذ وسائر الناس حكم القذف معلوم ، ويدك مبسوطة (٣).

وجوابه : أن معنى ذلك : أنهم قد ارتكبوا ذنبا لم يكن قد نزل حكمه بعد ، فكيف يؤاخذون به؟! فإن ذلك غير مقبول في العادة والعرف.

ولو كان للحدود هذا المفعول الرجعي للزم أن يعاقب النبي الصحابة جميعا على كثير من المخالفات التي صدرت منهم ، ثم نزلت عقوباتها بعد

__________________

(١) تفسير الميزان ج ١٥ ص ١٠٣.

(٢) الدر المنثور ج ٥ ص ٣٧ عن الطبراني.

(٣) راجع في التوجيه ، وجوابه : تفسير الميزان ، للطباطبائي ج ١٥ ص ١٠٢ و ١٠٣.

٢٣٦

أشهر .. مع أننا لم نجد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد فعل ذلك في أي مورد أبدا.

وربما يقال في الجواب أيضا : إن حكم القذف كان معلوما مع عدم الشاهد ، وهو الجلد ، وتبرئة المقذوف شرعا .. فتأخير النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إجراء الحد عليهم ، كان بهدف الانتظار إلى حين نزول براءة ذيلها واقعا بالآيات.

ولكنه جواب لا يصح أيضا : لأن ما أتى به الوحي لا يزيد على ما تعينه آية القذف من براءة المقذوف براءة شرعية وظاهرية ، لأن الآيات الست عشرة تستدل على كذب الإفكين بعدم إتيانهم بالشهداء ، وهذا دليل البراءة الظاهرية لا الواقعية .. ولا ملازمة بين الحكم الشرعي بالبراءة ، وبين البراءة الواقعية .. وقوله تعالى : (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) .. إنما أثبت البراءة ، التي يشترك بها جميع المقذوفين ، من غير قيام بينة .. والبراءة المناسبة لهذا المعنى هي الشرعية (١).

قال النيسابوري والزمخشري ، والنص له : «جعل الله التفصلة بين الرمي الصادق والكاذب ثبوت شهادة الشهود الأربعة ، وانتفاؤها .. والذين رموا عائشة لم تكن لهم بينة ، على قولهم ، فقامت عليهم الحجة (عند الله) ، أي في حكمه وشريعته كاذبين ..» (٢).

وهذا هو معنى البراءة الشرعية لا الواقعية.

وعلى هذا .. فالآيات لا يمكن أن تتناسب مع روايات الإفك هنا ، بل لابد من البحث عن مصداق آخر لها .. وسيأتي تحقيق الكلام في ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) الكشاف ج ٣ ص ٢١٩ وتفسير النيسابوري بهامش الطبري ج ١٨ ص ٦٤.

٢٣٧

١٢ ـ عمى مسطح :

تذكر بعض روايات الإفك : أن مسطحا قد عمي ، وأن ذلك كان من جملة ضروب العقاب له ، لافترائه على أم المؤمنين عائشة (١).

ونحن لا نستطيع أن نقبل بهذا :

فأولا : إن ذلك لم يذكر في أي من كتب التاريخ والتراجم ، حتى الكتب التي خصصت لذكر العميان ، وشرح أقوالهم ، واستقصاء أخبارهم كنكت الهميان ، ومعارف ابن قتيبة ، وغير ذلك.

ثانيا : إن المؤرخين يقولون : إن مسطحا قد شهد حرب صفين ، مع سيد الأوصياء «عليه‌السلام» ، ومات سنة ٣٧ للهجرة (٢).

وواضح أنه لو كان أعمى لم يشهد صفين ، لأن الأعمى لا يستطيع الحرب ، ولا يجيد الطعن والضرب.

ثالثا : قد عرفنا : أن بعض الروايات تقول : إنه لم يشارك في الإفك إلا في حدود أنه ضحك وأعجبه.

١٣ ـ حسان : الأعمى ـ الجبان ـ المشلول!!

أ ـ عمى حسان :

وأما عمى حسان ، الذي تقول عائشة : إنه العذاب العظيم له (٣) :

__________________

(١) إرشاد الساري ج ٧ ص ٢٥٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٥.

(٢) أسد الغابة ج ٤ ص ١٥٤ و ٣٥٥ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ ص ١٣٠ و ٤٩٥ ، وقالا : إنه هو الأكثر ، والإصابة ج ٣ ص ٤٠٨.

(٣) نكت الهميان ص ١٣٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٢.

٢٣٨

فإن كان مقصودها : أنه كان بسبب ضرب صفوان له ،

فالجواب : إن ذلك غير صحيح ، وذلك لما يلي :

أولا : إن ضربة صفوان إنما وقعت في يد حسان (١) ولم تقع على رأسه ، ولا في وجهه .. فكيف أوجبت عماه؟!!

ثانيا : في الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب قال : مرّ عمر بحسان في المسجد ، وهو ينشد ، فلحظ إليه ، فقال : كنت أنشد وفيه من هو خير منك ، ثم التفت إلى أبي هريرة ، فقال : أنشدك الله الخ .. (٢).

فإدراكه لحظ عمر له يدل على أنه كان بصيرا حتى ذلك الوقت.

إلا أن يقال : إنه قد عمي بعد ذلك التاريخ.

ويجاب عنه : بأن مجرد حدوث العمى بعد سنوات كثيرة ليس دليلا على أنه كان على سبيل العقوبة.

ثالثا : لقد ذكروا : أنه كان جبانا ، وجعلوا ذلك هو سبب عدم شهوده مع النبي في أي من مشاهده (٣).

أضف إلى ذلك : أن أبا عمر قد قال في مقام اعتذاره عن عدم شهوده مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مشاهده : «.. وقيل : إنما أصابه ذلك الجبن منذ ضربه صفوان بن المعطل بالسيف» (٤).

ونقول :

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٤ عن الإمتاع.

(٢) الإصابة ج ١ ص ٣٢٦ وصحيح مسلم ج ٧ ص ٦٢.

(٣) أسد الغابة ج ٢ ص ٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٣.

(٤) الإستيعاب بهامش الإصابة ج ١ ص ٣٤١.

٢٣٩

بناء على هذا : إنه لو كان ضريرا لكان الاعتذار عن عدم حضوره الحروب بالعمى أولى من الاعتذار بالجبن.

وأما إذا كان مقصود عائشة : أن الله ابتلاه بالعمى بعد الإفك بسنوات عديدة ، وبعد وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ليكون ذلك هو العذاب العظيم له ،

فالجواب : أن ذلك مجرد اجتهاد من عائشة إذ من الذي أخبرها : أن هذا العمى قد جاء على سبيل العقوبة وليس له سبب آخر؟! ولقد رأينا كثيرين ابتلوا بالعمى ، ولا يعتبر ذلك أحد أنه عقوبة وعذاب عظيم لهم .. مثل : عقيل ، والعباس ، وابن عباس ، وجابر الأنصاري ، وأبي سفيان بن الحارث .. وغيرهم.

ب ـ جبن حسان :

وأما قولهم : بأن جبن حسان كان بسبب ضربة صفوان له :

فيكذبه أولا : قولهم : إن الضربة وقعت في يده ، كما تقدم.

ويكذبه ثانيا : قضيته مع صفية واليهودي الذي قتلته ، وجبن حسان عن النزول لقتله ، وحتى عن سلبه.

وهذه القضية كانت في وقعة الخندق (١) .. التي عرفت تقدمها على المريسيع ، وعلى حديث الإفك ، وعلى ضرب صفوان له.

__________________

(١) الإصابة ج ٤ ص ٣٤٩ ونكت الهميان ص ١٣٤ و ١٣٥ وغرر الخصائص الواضحة ص ٣٥٥ وقاموس الرجال ج ٣ ص ١١٩ وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٩٣ ومعاهد التنصيص ج ١ ص ٧٤ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٦ وعن تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ١٤٠.

٢٤٠