الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-185-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

ثانيا : قال ابن عبد البر : «.. أما إعطاء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سيرين أخت مارية لحسان ، فمروي من وجوه ، وأكثرها أن ذلك ليس لضربه صفوان ، بل لذبه بلسانه عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في هجاء المشركين له. والله أعلم ..» (١).

ثالثا : إن ابن المعطل إنما اعتذر عن ضربه له بأنه آذاه وهجاه ، وأن الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال لحسان : أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام؟! وليس ثمة من ذكر لأمر الإفك ، ولو كان للإفك شأن ، فإن الاعتذار به ، واللوم عليه ، أولى وأجدر.

هذا .. وثمة رواية تفيد : أن النبي قد عوض حسانا ، وأعطاه حائطا ، في ضربة ابن المعطل له عند ما هجا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فلعل سيرين كانت من جملة ما أعطاه إياه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ذلك ..

وستأتي الرواية عند الكلام حول بيت الشعر القائل :

أمسى الجلابيب قد عزوا

الخ ..

فإلى هناك ..

رابعا : لقد ذكر عبد الرزاق : أن صفوان بن المعطل هو الذي أعطى الجارية لحسان وهي أم عبد الرحمن بن حسان (٢) وربما كان اسمها سيرين أيضا.

فإذا صح هذا فإن سيرين هذه تكون غير أخت مارية ، وقد جاء اسمها

__________________

(١) الإستيعاب بهامش الإصابة ج ١ ص ٣٤١ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٨.

(٢) المصنف ج ٩ ص ٤٥٤ والإستذكار ج ٢٥ ص ٥١.

١٤١

موافقا لاسم أخت مارية سرية النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من باب الاتفاق.

٤ ـ زيد بن رفاعة :

لقد زاد الزمخشري فيمن جاء بالإفك ، وجلد الحد : «زيد بن رفاعة» (١).

قال العسقلاني : ولم أره لغيره ..

ولكن زيد بن رفاعة لم يشهد قضية الإفك ، لأنهم عند ما رجعوا من غزوة المريسيع إلى المدينة وجدوه قد مات (٢) .. ولذا احتمل الحلبي أن يكون ثمة زيد بن رفاعة آخر (٣) .. وهو احتمال لا شاهد له ، لا من خبر ، ولا من أثر ، إلا إرادة تصحيح جلده وتقوية قضية الإفك ، فلا يعدو عن أن يكون رجما بالغيب.

هل من اشتباه؟

وقد يمكن للبعض ، أن يحتمل احتمالا وجيها هنا ، ويقول : لعل الاسم اشتبه على الرواة هنا ، والمقصود هو : «رفاعة بن زيد» لا العكس .. لعدم ذكره في تراجم الصحابة ..

ولكنه احتمال لا يجدي أيضا .. لأن المقصود إن كان هو رفاعة بن زيد

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ٢١٧ وعنه في فتح الباري ج ٨ ص ٣٥٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٩ ، عن الإكتفاء ومعالم التنزيل وإرشاد الساري ج ٤ ص ٣٩٨ وتفسير النيسابوري ، هامش جامع البيان للطبري ج ١٨ ص ٦٢.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٠.

(٣) نفس المصدر السابق.

١٤٢

الجذامي ، ثم الضبي ، فهو إنما قدم على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في هدنة الحديبية ، وهو غلام ، فأسلم ، وحمله النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتابا إلى قومه يدعوهم فيه إلى الإسلام ، فأسلموا. ثم ساروا إلى حرة الرجلاء (١).

وإن كان المقصود هو رفاعة بن زيد بن التابوت ، أحد بني قينقاع ، الذي كان من عظماء اليهود .. وكهفا للمنافقين ـ وهذا هو الراجح ـ فهو أيضا عند ما عادوا من غزوة المريسيع ، وجدوه قد مات في ذلك اليوم (٢).

ملاحظة :

لقد تعودنا دعاوى تعدد الشخصيات من هؤلاء القوم ، كلما تضايقوا ، ولم يجدوا مخرجا ، وكان يعز عليهم وجود شخصية ما ، في موقع ما.

فقد ادّعوا تعدد خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، لأنه عز عليهم أن يجدوه إلى جانب علي «عليه‌السلام» في حروبه.

وادّعوا تعدد سعد بن معاذ.

وهنا ادّعوا تعدد زيد بن رفاعة .. وما أكثر مثل هذه الدعاوى في كلامهم ، كما يظهر لمن تتبع كتبهم.

٥ ـ عبد الله بن جحش :

وذكر فيمن جاء بالإفك ، وجلد الحد : «عبد الله بن جحش» زاده الربيع

__________________

(١) أسد الغابة ج ٢ ص ١٨١ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٣ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٠٧.

(٢) تاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الإستقامة) ج ٢ ص ٢٦٢.

١٤٣

بن سالم ، تبعا لأبي الخطاب بن دحية (١).

وهذا غريب .. فإن عبد الله بن جحش قد استشهد في غزوة أحد (٢).

أي قبل غزوة المريسيع بثلاث سنين أو بسنتين على الأقل ، فكيف يكون ممن جاء بالإفك ، وجلد الحد؟!

٦ ـ عبيد الله بن جحش :

وذكر أيضا فيمن جاء بالإفك ، وجلد الحد «عبيد الله بن جحش» أبو أحمد (٣).

ولابد هنا من تصحيح : أن أبا أحمد هو أحد أخوة عبيد الله ، واسمه : «عبد» وليس أبو أحمد كنية لعبيد الله (٤).

ومهما يكن من أمر .. فإن هذا أيضا لا يصح ، لأن من المجمع عليه : أن عبيد الله بن جحش كان ممن هاجر إلى الحبشة ، وتنصر هناك ، ومات هناك. وهو زوج أم حبيبة ، التي زوجها النجاشي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». لا نجد خلافا في ذلك (٥).

__________________

(١) فتح الباري ج ٨ ص ٣٥٢.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ٦٤ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٣١ والإصابة ج ٢ ص ٢٨٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٠ وصفة الصفوة ج ١ ص ٣٨٦.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٠.

(٤) طبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ٦٢ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٢٧٢.

(٥) راجع : أسد الغابة ج ٣ ص ١٣١ والإصابة ج ٤ ص ٤ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٢٧٢ ـ ٢٧٤ وطبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ٦٢ والتنبيه والإشراف ص ٢٢٣.

١٤٤

٧ ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

بعض روايات الإفك تقول : إن عبد الرحمن بن أبي بكر قد قعد مع أبيه ، وأمه وأخته ، وأهل الدار ، يبكون .. حين قضية الإفك.

ولكن الحقيقة هي : أن عبد الرحمن كان في سنة ست في مكة على دين قومه ، ولم يسلم ـ على ما يقول أهل السير ـ إلا في هدنة الحديبية ، بعد المريسيع (١).

وقد قال أبو الفرج في الأغاني : «لم يهاجر مع أبيه ، لأنه كان صغيرا. وخرج قبل الفتح (أي الذي كان سنة ثمان) في فتية من قريش ، منهم معاوية إلى المدينة ، فأسلموا.

أخرجه الزبير بن بكار ، عن ابن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان» (٢).

ونحن وإن كنا نشك في وجود معاوية معهم ، لأنه قد ثبت أنه من الطلقاء .. لكن لا مانع من صحة خروج عبد الرحمن هذا في فتية من قريش آنئذ.

وقيل : إنما أسلم عبد الرحمن يوم الفتح.

ويقال : إنه شهد بدرا مع المشركين. وكذلك أحدا (٣).

وعلى جميع التقادير ، فإن عبد الرحمن بن أبي بكر لم يكن موجودا في المدينة حين قضية الإفك ، ليقوم بذلك الدور الذي أو كل إليه.

__________________

(١) الإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٤٠٠ والإصابة ج ٢ ص ٤٠٧.

(٢) المصدران السابقان.

(٣) الإصابة ج ٢ ص ٤٠٧ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٣٩٩.

١٤٥

٨ ـ بريرة :

وعن بريرة نقول :

أ ـ والجارية بريرة لم تحضر غزوة المريسيع ، فكيف أشار علي «عليه‌السلام» على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يسألها عن أمر غابت عنه؟!.

وكيف يزعمون أن عليا «عليه‌السلام» قد ضربها لينتزع منها إقرارا على سيدتها في أمر لم تشهده؟!.

ب ـ وحتى لو كانت معها في تلك السفرة ، فإنها لم تكن معها حين وجدها صفوان وحدها في قلب الصحراء ، وأتى بها.

ج ـ ثم كيف لم تخبر أبا مويهبة حامل الهودج أن سيدتها ليست فيه ، وأنها قد ذهبت لقضاء حاجة ، وعليه أن ينتظر حتى ترجع؟!

د ـ ثم هم يزعمون أيضا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استند إلى قول بريرة في حكمه بكذب الآفكين ، ولم يستند إلى الوحي ، ولا إلى شهادة معتبرة .. ولكنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عاد ـ حسب زعمهم ـ وشكك ، وطلب من عائشة أن تتوب إن كانت قد ألمت بذنب!!

ه ـ بل إننا نشك في وجود بريرة آنئذ في بيت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وفي تملك عائشة لها ، إذ قد ورد أن عائشة قد اشترتها بعد فتح مكة ، وأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد خيرها ، فاختارت نفسها ، وكان زوجها يبكي ، فقال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للعباس : يا عباس ، ألا تعجب من حب مغيث بريرة؟! (١).

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ١٧٦ و ١٧٧ وإرشاد الساري ج ٤ ص ٣٩٤ وج ٧ ص ٢٦١ وفتح الباري ج ٨ ص ٣٥٨.

١٤٦

وفي رواية أخرى يقول للعباس : «ذاك مغيث ، عبد بني فلان (يعني زوج بريرة) كأني أنظر إليه يتبعها في سكك المدينة ، يبكي عليها» (١).

والعباس إنما هاجر قبل الفتح بقليل (٢).

وقد اشار إلى هذا الإشكال غير واحد أيضا ، كابن القيم الحنبلي ، وغيره (٣).

توجيهات ولمحات :

وحاول العسقلاني الإجابة على ذلك : تبعا للسبكي ، وكذا القسطلاني باحتمال : أن تكون بريرة قد كانت تخدم عائشة ، وهي في رق مواليها ، ثم كانت قصة مكاتبتها بعد ذلك ..

أو أنها اشترتها وأخّرت عتقها إلى ما بعد الفتح.

أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة.

أو حصل لها الفسخ ، وطلب أن يردها بعقد جديد.

أو كانت لعائشة ، ثم باعتها ، ثم استعادتها بعد الكتابة.

أو أن بريرة هذه غير بريرة تلك.

وجزم بهذا الاحتمال الأخير : الزركشي.

وناقشه العسقلاني : بأن الحكم بأنها كانت تخدم عائشة بالأجرة أولى من تغليط الحفاظ (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ١٧٦ بسندين.

(٢) الإصابة ج ٢ ص ٢٧١ وإرشاد الساري ج ٧ ص ٢٦١ وج ٤ ص ٣٩٤.

(٣) راجع : فتح الباري ج ٨ ص ٣٥٨ وإرشاد الساري ج ٧ ص ٢٦١ وج ٤ ص ٣٩٤.

(٤) إرشاد الساري ج ٤ ص ٣٩٥ وج ٧ ص ٢٦١ وفتح الباري ج ٨ ص ٣٥٨.

١٤٧

هذه طائفة من فنون الرجم بالغيب ، الذي لا دليل له ، ولا شاهد عليه. لا من أثر ، ولا من خبر ، بل هو محاولة لتضعيف الشاهد على خلافه .. وأما غيرة العسقلاني على الحفاظ ، والمحافظة عليهم من التغليط ، فنحن نرى شدة حفظهم وسلامته في كل الروايات ، وخير شاهد على سلامته هو حديث الإفك الذي عرفت طائفة من التناقضات فيه.

هذا .. ولكن السهيلي يرى : أن قضية الإفك قد كانت بعد تحرير بريرة ، وعتقها من قبل عائشة. ولذا قال في مقام توجيه ما روي من ضرب علي «عليه‌السلام» لها : «.. وإن ضرب علي للجارية وهي حرة ، ولم تستوجب الخ ..» (١).

فقوله : وهي حرة ، دليل على ما قلناه ..

فالإشكال المتقدم إذن يحتاج منه ومن غيره إلى الجواب .. وأنى له ولهم.

٩ ـ أم رومان :

تنص الرواية على : أن أم رومان ، أم عائشة ، قد قامت بدور كبير في قضية الإفك. وقد ورد التصريح باسمها في عدة مواطن من الروايات المتقدمة.

ولكننا نشك كثيرا في : أن تكون أم رومان على قيد الحياة ، في وقت قضية الإفك هذه. لأن غزوة المريسيع كانت ـ على ما هو الصحيح ـ في سنة

__________________

(١) الروض الأنف ج ٤ ص ٢٠.

١٤٨

ست ، بعد الخندق وقريظة ، كما قدمنا ، وقد اختلف في وقت وفاة أم رومان ، فبعضهم يقول ومنهم مغلطاي (١) : توفيت سنة أربع ، وقيل : سنة خمس.

وقال الزبير بن بكار والبلاذري ، والواقدي ، وابن سعد : توفيت سنة ست (٢).

فوجود أم رومان إذن على قيد الحياة في وقت قضية الإفك يكون مشكوكا فيه ، على أقل تقدير.

ومحاولة البعض جعل ورود اسمها في حديث الإفك دليلا على تأخر وفاتها عن الإفك (٣) ، وأنها توفيت بعد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مصادرة على المطلوب.

إذ لماذا لا يكون العكس هو الصحيح ، ويكون قول هؤلاء من موجبات الشك في حديث الإفك ، الذي توالت عليه الأمراض والعلل من مختلف النواحي؟

__________________

(١) سيرة مغلطاي ص ٥٤.

(٢) راجع الأقوال في وفاتها في : تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٥٠ وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٨٣ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٧ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٤٤٩ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٤٢٠ والإصابة ج ٤ ص ٤٥١ و ٤٥٢ وتهذيب التهذيب ج ٢ ص ٤٦٧ وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٢٠٢ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٦ والروض الأنف ج ٤ ص ٢١ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٣٤٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٩ وغير ذلك.

(٣) أسد الغابة ج ٥ ص ٥٨٣ وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٥٠ و ٣٥١ عنه.

١٤٩

من دلائل وفاتها في زمن الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

ومما يدل على أنها توفيت في زمن الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

أ ـ أنهم يذكرون : أنها لما دليت في قبرها ، قال الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين ، فلينظر إلى أم رومان (١).

ب ـ يروون أيضا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد نزل في قبرها (٢).

وهذا يدل على : أنها لم تبق على قيد الحياة إلى ما بعد وفاة الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ليأتي مسروق بن الأجدع ـ المتولد في أول سني الهجرة ـ من اليمن ، في خلافة أبي بكر أو عمر (٣) .. ويسمع منها حديث الإفك ، وغيره ، وهو ابن خمس عشرة سنة ، كما جزم به ابن الحربي (٤) .. فضلا عن أن يقال : إن وفاتها قد كانت في خلافة عثمان (٥).

وقد أنكر هذا : أبو عمر صاحب الإستيعاب ، والسهيلي ، وابن السكن ، والخطيب ، وصاحب المشارق والمطالع ، وابن سيد الناس ، والمزي في الأطراف ،

__________________

(١) راجع المصادر الكثيرة المتقدمة ، وغيرها من كتب التاريخ والتراجم ، في ترجمة أم رومان .. أو في عام وفاتها.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٢٠٢ والروض الأنف ج ٤ ص ٢١ ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٨٩٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٩.

(٣) فتح الباري ج ٧ ص ٣٣٧ والإصابة ج ٤ ص ٤٥١ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٣٤٣.

(٤) الإصابة ج ٤ ص ٤٥١ وتهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٦٨.

(٥) تهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٦٨ ، عن البخاري في تاريخيه الأوسط والصغير ، وأيده العسقلاني.

١٥٠

والذهبي في مختصراته ، والعلائي في المراسيل ، وآخرون (١).

بل لقد قال السهيلي : إن مسروقا ولد بعد وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بلا خلاف ، ولم ير أم رومان قط (٢).

واستدلال البخاري على بقائها حية برواية مسروق عنها (٣) ، ليس بأولى من الحكم بإرسال رواية مسروق ، استنادا إلى إجماع من سبق هذا القائل من المؤرخين والرجاليين على أنه قد ولد بعد وفاة الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأنها ماتت في حياته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

أضف إلى ذلك : أن السهيلي نقل عن شيخه أبي بكر (٤) : أنه تتبع روايات مسروق عن أم رومان فوجد أن في بعضها : حدثتني أم رومان ، وفي بعضها : عن مسروق ، عن أم رومان ، معنعنا ، وقال : والعنعنة أصح فيه ، وإذا كان الحديث معنعنا كان محتملا ، ولم يلزم فيه ما يلزم في «حدثنا» ، وفي «سألت» ، لأن للراوي أن يقول : عن فلان ، وهو لم يدركه (٥).

__________________

(١) الإستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٤٥٢ والروض الأنف ج ٤ ص ٢١ والإصابة ج ٤ ص ٤٥٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٧ و ٣٣٨ ، وليراجع تهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٦٨ عن الخطيب.

(٢) الروض الأنف ج ٤ ص ٢١ وفي السيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٩ ، من دون قوله : ولم ير أم رومان قط.

(٣) نقله عن العسقلاني في كتابه : تهذيب التهذيب ج ٢ ص ٤٦٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٧ والإصابة ج ٤ ص ٤٥١ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٩.

(٤) المراد به : الخطيب البغدادي.

(٥) الروض الأنف ج ٤ ص ٢١.

١٥١

أدلة وفاتها بعد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

ولقد حاول العسقلاني إثبات بقائها إلى ما بعد وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليسمع منها مسروق مستندا إلى روايتين :

أولاهما : أن عبد الرحمن بن أبي بكر يذكرها في حديث ضيوف أبي بكر ، حيث قال عبد الرحمن فيها : وإنما هو أنا وأبي ، وأمي ، وامرأتي ، وخادم.

وفيها : فلما جاء أبو بكر قالت له أمي : احتبست عن أضيافك الخ .. وأم عبد الرحمن هي أم رومان بلا خلاف .. ولم يهاجر عبد الرحمن إلا في هدنة الحديبية في سنة سبع في قول ابن سعد ، وتردد الزبير بن بكار بينها وبين التي بعدها.

أقول : بل بعد ذلك ، فإنه قد أسلم يوم الفتح كما تقدم.

ومعنى ذلك : هو أن وفاتها قد كانت بعد سنة أربع وخمس وست ، وأنها في سنة سبع أو ثمان قد كانت على قيد الحياة.

الثانية : أنه قد روي في مسند أحمد ـ والسند جيد ـ عن محمد بن بشر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة : عن عائشة : أنه لما نزلت آية التخيير استدعاها الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقال لها : إني عارض عليك أمرا ، فلا تفتئتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك : أبي بكر ، وأم رومان الخ ..

وأصل هذا الحديث في الصحيح ، ولكنه يكتفي بذكر : «أبويك» ولا يصرح باسم أم رومان.

وآية التخيير إما نزلت في سنة تسع ، فهذا يدل على تأخر موت أم

١٥٢

رومان عن قضية الإفك (١).

هذا ما ذكره العسقلاني في مقام تأييد سماع مسروق منها ، ولكنه كما ترى لا يدل على مطلوبه ، وذلك لما يلي :

أولا : لأن ما ذكره لا يثبت حياتها إلى ما بعد وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليثبت سماع مسروق منها.

ثانيا : إن ذلك ليس بأولى من جعل قول المؤرخين ، والرجاليين ، والرواة دليلا على أنها توفيت سنة أربع أو خمس ، أو ست دليلا على عدم صحة هاتين الروايتين.

ثالثا : ويمكن أن نقول : إن التعبير بالأم في هذه الرواية عن زوجة أبيه قد جاء على سبيل المجاز ، وهو تعبير متعارف عند الناس ، وبذلك يتم الجمع ، ويكون حديث وفاتها في زمنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صحيحا ..

وهذه الرواية أيضا صحيحة ، ولا مانع من ذلك بعد ثبوت موتها في حياته «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

هذا .. عدا عن المناقشة في سند هاتين الروايتين ، فإن الكلام فيه يطول.

رابعا : إن رواية أضياف أبي بكر ذكرها البخاري في ثلاثة مواضع : في آخر مواقيت الصلاة ، وفي كتاب الأدب في باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف ، ثم في الباب الذي بعده (٢).

__________________

(١) راجع : الإصابة ج ٤ ص ٤٥١ و ٤٥٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٧ وتهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٦٨ و ٤٦٩ ورواية التخيير موجودة في مسند أحمد ج ٦ ص ٢١٢.

(٢) راجع صحيح البخاري ج ١ ص ٧٤ ، وج ٤ ص ٤٧.

١٥٣

والأولى قد اختلفت نسخ البخاري فيها ، فنسخة الكشميهني ، والمستملي تذكر كلمة : «وأمي» ولا تذكرها سائر النسخ.

هذا بالإضافة إلى أن عبد الرحمن يقول فيها : «قالت له امرأته» و «فقال لامرأته» مما يشعر بأن زوجة أبي بكر حينئذ لم تكن أما لعبد الرحمن ، وإلا لكان قال : «قالت له أمي».

وأما الرواية الثانية : فليس فيها أي ذكر للنساء. ومجرد ذكر «كلمة أمي» في الثالثة ، مع شدة الاختلاف بين الروايات الثلاث ، مع أن راويها واحد ، وهو أبو عثمان النهدي ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، يسقطها عن الصلاحية للاحتجاج ، لوضوح وقوع التصرف فيها ، وإلا لما كان ثمة اختلاف .. فليقارن بين الروايات الثلاث ، ليعلم مدى الاختلاف بينها.

هذا كله عدا عن أن في رواية الأضياف اتهاما صريحا لأبي بكر بسوء الخلق ، وبذاءة اللسان ، وهو ما لا يرضى به العسقلاني ونظراؤه.

خامسا : لعل ما ورد في هذه الرواية من قول أبي بكر لزوجته : يا أخت بني فراس .. هو معتمد من قال : إن أم رومان فراسية ، ويمكن أن يفهم ذلك من كلام العسقلاني في إصابته وغيره (١).

ونقول :

إن سلسلة نسبها تدل على خلاف ذلك ، فإننا لم نجد في هذه السلسلة

__________________

(١) الإصابة ج ٤ ص ٤٥٠ ، وراجع : تهذيب التهذيب ج ٢ ص ٤٦٧ وجمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ١٨٨.

١٥٤

ـ التي اختلف فيها ابتداء من أبيها إلى كنانة (١) ـ اسما لفراس بن غنم بن ثعلبة ..

بل ذكروا : أنها بنت عامر بن عويمر ، بن عبد شمس ، بن عتاب ، بن أذينة ، بن سبيع ، بن دهمان ، بن الحارث ، بن غنم .. ولم يذكروا اسم فراس بن غنم أصلا.

فلا معنى لقول ابن إسحاق : إنها بنت دهمان أحد بني فراس بن غنم.

بل إن ابن حزم والعسقلاني قد ناقضا نفسيهما هنا ، لأنهما قد حكما أولا بأنها فراسية ، ولكنهما حينما يذكران سلسلة نسبها يذكرانها على نحو ما قدمناه .. أي ينهيانها إلى الحارث بن غنم (٢) لا إلى فراس بن غنم!!

وليكن ذكر كلمة : «يا أخت بني فراس» في رواية أضياف أبي بكر مؤيدا وشاهدا على : أن زوجة أبي بكر في تلك الرواية لم تكن هي أم رومان بل كانت زوجة أخرى له ، إذ لم نجد في جميع ما لدينا من الكتب المتعرّضة لسلسلة نسبها ما يدل على فراسية أم رومان .. بل جميعها متفقة على عدم ذكر فراس بن غنم في سلسلة نسبها (٣).

سادسا : أما بالنسبة لآية التخيير التي استدل بها العسقلاني على حياتها

__________________

(١) الإستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٤٤٨ والإصابة ج ٤ ص ٤٥٠.

(٢) راجع : جمهرة أنساب العرب ص ١٣٧ و ١٨٨ وتهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٦٧ و ٤٣٣ والإصابة ج ٤ ص ٤٥٠.

(٣) راجع : طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٢٠٢ والإصابة ج ٤ ص ٤٥٠ والإستيعاب بهامشها ج ٤ ص ٤٤٨ وتهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٣٣ وجمهرة أنساب العرب ، وغير ذلك.

١٥٥

إلى ما بعد وفاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فللكلام فيها مجال واسع ، ونحن نكتفي هنا بذكر الأمور التالية :

ألف ـ إن كلمة «أم رومان» ربما تكون من تفسيرات الرواة ، ولا سيما بملاحظة : أن أحمد وغيره قد ذكروا الرواية في عدة مواضع بلفظ : «أبويك» (١). ولفظ الأبوين يصح إطلاقه على الأب وزوجته ، وإن لم تكن أما.

ب ـ إن آية التخيير قد وردت في سورة الأحزاب ، وهي قد نزلت في وقعة الخندق سنة أربع أو خمس. ولا سيما بملاحظة : أن هذه السورة قد اشتملت على ذكر قضية زواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بزينب .. فكيف يكون التخيير في سنة تسع (٢) ، وآياته نزلت في سنة أربع أو خمس؟!

ويؤيد ذلك : أنه قد ورد بطرق صحيحة : أن الصحابة ما كانوا يعرفون انتهاء السورة إلا إذا نزلت : «(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)». مما يدل على أن نزول السور كان منظما ، بلا تخليط ، ولا تشويش كما سيأتي ، أضف إلى ذلك قول مالك الآتي.

ج ـ ومما يدل على أن التخيير كان قبل سنة تسع بعدة سنين ، ما رواه مسلم ، والسيوطي عن غير واحد ، عن عمر بن الخطاب : من أن آية التخيير قد نزلت عندما تظاهرتا عليه عائشة وحفصة ، فاعتزلهن الرسول في مشربته تسعا وعشرين ليلة .. وذلك قبل أن يفرض الحجاب على نساء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأنزل الله آية التخيير : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ

__________________

(١) مسند أحمد ج ٦ ص ٧٨ و ١٠٣ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٦ و ١٨٧ و ١٩٤.

(٢) وفاء الوفاء ج ١ ص ٣١٦ ، وغير ذلك.

١٥٦

أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) ، (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ..) والرواية طويلة (١).

ومعلوم : أن فرض الحجاب ـ كما يقولون ـ قد كان في السنة الخامسة ، أو في الرابعة ، أو في الثالثة. فكيف يكون تخيير نسائه في التاسعة؟!

وقبل أن نمضي في الحديث نشير إلى : أن عمر بن الخطاب قد غلط هنا ، فإن آية التخيير ليست هي الآية المذكورة. وإنما هي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (٢). كما أنه قد غلط في ترتيب الآيتين المذكورتين.

د ـ إن في رواية التخيير المذكورة نقاط ضعف أخرى ، كقولها : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بدأ بعائشة ، فخيّرها ، فاختارت الله ورسوله ، ونحن نشك في ذلك ، لما يلي :

١ ـ إن رواية القمي تقول : إن أم سلمة هي التي اختارت الله ورسوله أولا ، ثم تبعنها سائر أزواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

ويؤيد ذلك ، ويدل عليه : ما رواه ابن سعد ، عن عمر بن الخطاب : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» اعتزل نساءه في المشربة شهرا ، حين أفشت حفصة لعائشة ما أسره الرسول إليها.

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٨ ـ ١٩٠ والدر المنثور ج ٦ ص ٢٤٢ و ٢٤٣ عنه ، وعن ابن مردويه ، وعبد بن حميد.

(٢) الآية ٢٨ من سورة الأحزاب.

(٣) تفسير القمي ج ٢ ص ١٩٢ ونور الثقلين ج ٤ ص ٤٦٤ والميزان ج ١٦ ص ٣١٥ كلاهما عنه.

١٥٧

وكان قال : ما أنا بداخل عليكن شهرا. موجدة عليهن.

فلما مضت تسع وعشرون دخل على أم سلمة ، وقال : الشهر تسع وعشرون.

قال : وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين (١).

٢ ـ إن قتادة يصرح : بأن سبب هجر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لنسائه ، ثم نزول آية التخيير ، هو قضية فيها غيرة من عائشة ، في شيء أرادته من الدنيا (٢).

فهل من المعقول : أن تكون هي السبب في كل ما حصل ، ثم بعد ذلك. يظهر لها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هذا الحب والعطف؟. ويميزها ـ في هذه المناسبة بالذات ـ أم أن المناسب هو إهمالها؟ وعدم الاعتناء بها ، وعدم تمييزها على سائر أزواجه؟ بل تمييزهن عليها ، لتشعر بعظيم الذنب الذي ارتكبته في حقه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حتى اعتزل نساءه لشدة موجدته عليهن ، كما صرحت به الروايات؟!

والكلام في آية التخيير طويل .. وما يهمنا هنا هو ما ذكرناه ، ولذا فنحن نقتصر على ذلك ، على أمل أن نوفق لبحث ذلك مفصلا في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.

ولكن .. مما لا ريب فيه ، هو : أن آية التخيير لم تنزل في سنة تسع ، وإنما

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٣٨.

(٢) جامع البيان ج ٢١ ص ١٠٠ والدر المنثور ج ٥ ص ١٩٥ عنه ، وعن ابن المنذر ، وابن ابي حاتم.

١٥٨

نزلت قبل ذلك بعدة سنين ، فلا مانع من أن تحضرها أم رومان ، حتى لو فرض أننا صرفنا النظر عن الإشكالات الأخرى في الرواية.

ويتضح من جميع ما قدمناه عدم صحة قولهم :

إنها عاشت إلى ما بعد وفاة النبي كما يريد العسقلاني ، حتى يروي عنها ابن الأجدع .. ولذا يبقى الشك في حضورها قضية الإفك على حاله.

١٠ ـ أسامة بن زيد :

صريح روايات الإفك : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استشار في أمر أهله أسامة بن زيد.

وإذا أردنا أن نأخذ بالرواية القائلة : بأنه إنما استشاره بعد وفاة أبيه زيد ـ وهي من روايات الإفك المتقدمة ـ فإننا نجد إجماع المؤرخين والرواة على أن زيدا أباه كان حيا في سنة ست ، وإنما قتل في غزوة مؤتة في سنة ثمان ـ وعلى هذا ـ فلابد أن يكون الإفك بعد وفاة زيد ، بينما تقول تلك الروايات المتقدمة إن الإفك كان سنة ست.

وإذا أردنا : أن لا نلتفت إلى التصريح بوفاة زيد آنئذ ، فإننا سوف نجد : أن أسامة نفسه حين الإفك المذكور في تلك الروايات لم يكن قد بلغ الحلم بعد.

بل يقولون : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يقعده على فخذه هو والحسن «عليه‌السلام» ، الذي ولد في الثانية أو الرابعة من الهجرة (١). وهذا يدل على أن عمره كان حين الإفك في سنة ست أو خمس أو أربع كان أربع

__________________

(١) الطبقات لابن سعد ج ٤ ص ٤٣ وتهذيب الأسماء واللغات ج ١ ص ١١٤.

١٥٩

عشرة سنة أو ثلاث عشرة أو اثني عشرة سنة. وهو ينسجم مع ما هو المعروف والمشهور ، من أن عمره كان حين توفي الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثمانية عشر عاما فقط (١).

فكيف يترك النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شيوخ المهاجرين والأنصار ، وبني هاشم ، ويلجأ إلى استشارة هذا الطفل الذي لم يمارس الأمور ، ولم تحكمه التجارب بعد؟!

اعتذار لا يصح :

واعتذار العسقلاني : بأن للشاب من صفاء الذهن ما ليس لغيره ، ولأنه أكثر جرأة على الجواب بما يظهر له من المسن ، لأن المسن غالبا يحسب العاقبة ، فربما أخفى بعض ما يظهر له ، رعاية للقائل تارة ، وللمسؤول عنه أخرى (٢).

هذا الاعتذار بارد حقا .. فإن المطلوب في مثل هذه الأمور هو حساب العواقب ، واللجوء إلى من أحكمتهم التجارب. لا التصرف بناء على آراء أطفال جهال لم يبلغ الواحد منهم الحلم.

ثم إذا صح قول العسقلاني هنا ، فقد كان يجب : أن لا يستشير النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليا «عليه‌السلام» لأنه ، حين قضية الإفك ، قد كان

__________________

(١) كما جزم به ابن الأثير ، في أسد الغابة ج ١ ص ٦٤ وابن الجوزي في صفة الصفوة ج ١ ص ٥٢٢. وليراجع : الإصابة ج ١ ص ٣١ عن ابن أبي خيثمة ، وعن ابن سعد كان عمره عشرين سنة ، والإستيعاب بهامش الإصابة ج ١ ص ٥٧.

(٢) فتح الباري ج ٨ ص ٣٥٧.

١٦٠