الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-185-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

ولد لي قط (١).

٤ ـ وقد حددت وقت تكنيتها بذلك ، حيث روي عنها : لما ولد عبد الله بن الزبير أتيت به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فتفل في فيه ، فكان أول شيء دخل في جوفه ، وقال : هو عبد الله ، وأنت أم عبد الله.

أضاف ابن حبان قولها : فما زلت أكنى بها ، وما ولدت قط (٢).

٥ ـ وفي نص آخر عنها : أنها قالت : يا رسول الله ، كل نسائك لها كنية غيري ، قال : أنت أم عبد الله (٣).

٦ ـ وحسب نص الحلبية : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لعائشة : «هو عبد الله ، وأنت أم عبد الله.

قالت : فما زلت أكتني به ، أي وكان يدعوها أما ، لأنه تربى في حجرها» (٤).

٧ ـ وروي تكنيها بأم عبد الله عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» أيضا (٥) فراجع.

__________________

(١) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٦٤ والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج ١٦ ص ٥٤ و ٥٥ وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج ٤ ص ٣٩٢ و ٣٩٣ ، عن ابن سعد ، وابن حبان ، وقال : وله طرق كثيرة عنها ، وراجع : معرفة علوم الحديث ص ١٩٠.

(٣) مسند أحمد ج ٦ ص ١٨٦.

(٤) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١٤.

(٥) راجع : الخصال (ط سنة ١٣٨٩ ه‍ طهران) ص ٤١٩ والبحار ج ٢٢ ص ١٩٤ والوسائل ج ١٤ ص ١٨٢ وتفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٢٩٨.

١٢١

فقد دلت هذه النصوص على :

١ ـ أنه قد كان لعائشة ابن.

٢ ـ أن اسم هذا الابن هو عبد الله. وقد كناها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» به.

٣ ـ ثم جاء الرواة وقالوا : إن عائشة ، حسب أقوالها هي ، وأقوال محبيها كانت حين زواجها برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صغيرة السن.

٤ ـ وقال الرواة أيضا : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تزوجها بكرا ، مستندين في ذلك أيضا إلى أقوال عائشة نفسها ، وإصرارها الشديد على ذلك.

ونقول :

إننا نسجل على ما تقدم الملاحظات التالية :

ألف ـ قد عرفنا في أجزاء هذا الكتاب السابقة :

أن دعواها : أن عمرها قد كان حينما تزوجها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ست سنين أو سبع .. غير صحيحة بل كان عمرها حوالي عشرين سنة ، إن لم يكن أزيد من ذلك.

ويتأكد هذا الإشكال : إذا أخذ بنظر الاعتبار قولها : إن تكنيتها بأم عبد الله كان حين ولادة ابن الزبير ، أي في أوائل الهجرة ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن قد تزوج سوى سودة بنت زمعة ، وخديجة ولا تعرف لهن أية كنية.

ب ـ قد عرفنا هنا أن دعواها : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد تزوجها بكرا لا تصح أيضا ..

ج ـ إن دعواها : أنها لم تتزوج أحدا غير رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لا تصح ، بل هي كانت متزوجة برجل آخر هو جبير بن مطعم. وقد

١٢٢

طلقت منه.

وفي نصوص أخرى : سلها أبو بكر منه سلا رفيقا ..

د ـ إننا لم نجد لأي من نساء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أية كنية سوى ل «أم سلمة ، وأم حبيبة ، وزينب بنت خزيمة ، أم المساكين» ، فكيف تقول عائشة : إن جميع نسائه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهن كنى.

ه ـ إنه قد كان لها ابن اسمه عبد الله.

و ـ إنها لم تلد من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قط. كما زعمت ، وسيأتي : أننا نشك في ذلك كله ، وأن ما ذكرناه فيما تقدم يدلنا على : أنه كان لها ابن من ذلك الذي كان زوجها وطلّقها ، ثم تزوجها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعده.

ز ـ إن حصيلة ذلك هي : أن تطبيق كلمة «ابنك عبد الله» على ابن الزبير ، ما هو إلا اجتهاد من الرواة ، كما ظهر مما تقدم تحت رقم ١ حيث قال الراوي : «يعني عبد الله بن الزبير» ، وقوله رقم ٢ ، اكتني بابنك يعني عبد الله بن الزبير.

كما أن بعض النصوص المتقدمة قد ذكرت تكنية النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لها بأم عبد الله من دون إشارة لابن الزبير كما في رقم ٣ و ٥.

وأما الرواية رقم ٤ وكذلك رقم ٦ فلا دلالة فيهما على وجود ربط بين تسمية المولود الذي جاءت به للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعبد الله ، وبين تكنيتها بهذا الاسم ، سوى تشابه الاسمين.

١٢٣

التصرفات غير المقبولة :

وبناء على ما تقدم نقول :

لقد أصبح واضحا : أنه لا مجال لقبول الروايات التي جعلت كلمة ابن الزبير من تتمة كلام الرسول ، ولذلك فلا مجال لقبول روايتهم عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أنه قال :

أ ـ اكتني بابنك عبد الله بن الزبير (١).

زاد الصالحي الشامي قوله : إن السبب في ذلك هو «أنها كانت استوهبته من أبويه ، فكان في حجرها ، يدعوها أما» (٢).

ب ـ أو : اكتني بابنك عبد الله ، فإن الخالة والدة (٣).

__________________

(١) راجع : مسند أبي يعلى ج ٧ ص ٤٧٣ و ٤٧٤ وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج ١٦ ص ٤٢٤ وج ١٣ ص ٦٩٣ عن ابن سعد ، والبيهقي ، والحاكم ، وأحمد ، والطبراني ، والآحاد والمثاني ج ٥ ص ٣٨٨ و ٣٨٩.

وراجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٩ ص ١٩٠ وج ١٤ وص ٢٢ ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٦٠ ومسند ابن راهويه ج ٢ ص ٣١٠ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٣٥٨ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٦٤ وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٦٦ وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج ٤ ص ٣٩٣ وزوجات النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لسعيد أيوب ص ٤٧ و ٤٨.

(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٨ وراجع : شرح المواهب للزرقاني ج ٤ ص ٣٩٣ عن ابن إسحاق وغيره.

(٣) الأدب المفرد ص ١٢٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٣٦٣ عنه وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٦٦ وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج ٤ ص ٣٩٣ عن الروض.

١٢٤

ج ـ أو : تكني بابن أختك عبد الله (١).

د ـ قال بعض المؤرخين : «كنيتها : أم عبد الله. كناها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» باسم ابن أختها عبد الله بن الزبير» (٢).

فإن زيادة كلمة «ابن الزبير» في النص الأول ، وكلمة : «فإن الخالة والدة» في النص الثاني .. قد جاءت من قبل الرواة ، إما جريا على ما ارتكز في أذهانهم .. وإما تبرعا عمديا بهدف دفع الإشكال ، لاقتناعهم بالروايات التي تتحدث عن صغر سن عائشة ، وعن أنها كانت بكرا لم تتزوج قبله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وأما الرواية الأخيرة : التي أقحمت كلمة «ابن أختك» فهي موضع شك كبير ، بل إننا نرفضها ونردها ، استنادا إلى الروايات الصحيحة المتقدمة التي صرحت : بأن التفسير قد جاء من الراوي ، أو جاءت بكلمة : «يعني» حسبما أسلفنا.

وإذا أردنا أن نحسن الظن ، فإننا نقول : إننا نحتمل احتمالا قويا أن يكون ثمة تصحيف لكلمة «جبير» بكلمة «زبير» .. بسبب التشابه بين الكلمتين في مقام النطق ، فيقع الخطأ في سماع الصوت بسبب اختلاط الحروف.

فلا معنى لإطلاق القول : بأن النبي قد كناها بأم عبد الله بابن أختها

__________________

(١) معرفة علوم الحديث ص ١٩٠.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٥٧.

١٢٥

ابن الزبير ، كما فعله ابن الأثير مثلا (١).

وخلاصة الأمر : أن الرواية واحدة في نصوصها وفي أسانيدها .. وقد جاءت نصوصها الصحيحة بدون هذا التفسير. وصرحت : بأنه تفسير من قبل الرواة ولم يرد على لسان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وأما ما ذكره الدياربكري وغيره ، فهو لا يخرج عن السياق الذي أشرنا إليه ، ولذا فإنه ليس له أية قيمة علمية ، أو تاريخية.

عائشة لم يولد لها قط!!

والذي يحتاج إلى التنبيه عليه والإشارة إليه هنا : هو ذلك النص المتقدم ، الذي تقول فيه : كناني النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أم عبد الله ، ولم يكنّ ولد لي قط (٢).

وعن هشام بن عروة ، عن بعض أصحابه قال : كنى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عائشة ، ولم يولد لها قط (٣).

وعلى أي تقدير ، فإن دعوى أنها لم يولد لها قط ، والتي جاءت من قبلها ومن قبل محبيها (٤) ، تحتاج إلى مزيد من التأمل والتدقيق ، ونكتفي هنا بالإلماح إلى ما يلي :

__________________

(١) راجع : أسد الغابة ج ٥ ص ٥٠٢. وغيره.

(٢) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١٨.

(٣) المعجم الكبير ج ٢٣ ص ١٩.

(٤) راجع على سبيل المثال : فيض القدير للمناوي ج ١ ص ٩٠ (ط سنة ١٣٩١ ه‍ بيروت) والبداية والنهاية ج ٥ ص ٣١٥ ومسند أحمد ج ٦ ص ١٥١.

١٢٦

أولا : إن النفي المطلق لأن تكون قد ولدت يقابله قولهم : «وقيل : إنها ولدت من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولدا مات طفلا.

ثم قالوا : وهذا غير ثابت. والصحيح الأول ، لأنه قد ورد عنها من طرق كثيرة» (١).

وفي نص آخر : إنها أسقطت من النبي سقطا ، يسمى عبد الله ، كانت تكنى به. وهذا مروي عنها أيضا بطرق كثيرة (٢).

فهم إذن ، يستندون إلى نفيها هي لهذا الأمر عن نفسها ، وهو نفي يبقى موضع شبهة وريب ، حيث يظن قويا : أنها ومحبيها يسعون لإثبات الفضائل لها ، وقد ظهر : أن تلك الفضائل غير قادرة على الصمود أمام البحث العلمي الموضوعي والرصين.

وقول السهيلي : إن ذلك لم يثبت ، لأنه يدور على داود بن المحبر ، وهو ضعيف (٣) .. يقابله القول : إن الروايات الأخرى أيضا تدور على عائشة ، ومن يدور في فلكها كعروة بن الزبير وأمثاله .. وهي تجر النار إلى قرصها ، وما أكثر الفضائل التي أثبتتها لنفسها ، وأثبتها لها هذا الفريق الذي يهمه

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٦٤.

(٢) كذا قال الصالحي الشامي ، فراجع : سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٦٤ و ١٨ عن ابن الأعرابي في معجمه ، والأذكار النووية ص ٢٩٥ و ٢٨٨ وراجع : البداية والنهاية ج ٥ ص ٣١٥ وج ٨ ص ٩٩ وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج ٤ ص ٣٩٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٥٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١٤ والإصابة ج ٤ ص ٣٦٠.

(٣) راجع : شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج ٤ ص ٣٩٢.

١٢٧

أمرها ، ثم ثبت عدم صحتها .. وليس حديث الإفك إلا واحدا من هذه الأحاديث الموهومة.

ثانيا : إن قولها لم يولد لها قط ـ لو صح ـ فلابد من حمله على أنها لم يولد لها من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وبذلك يتم الجمع بين النصوص ، ويرتفع التكاذب أو احتماله فيما بينها .. وعلى هذا تحمل النصوص التالية :

الأول : أن ابن عباس قال لها بعد حرب الجمل : «إنا جعلناك للمؤمنين أما ، وأنت بنت أم رومان. وجعلنا أباك صديقا ، وهو ابن أبي قحافة ، حامل قصاع الودك لابن جدعان إلى أضيافه».

فقالت : يا ابن عباس ، تمنون علي برسول الله؟

فقال : ولم لا يمنّ عليك بمن لو كان منك قلامة ظفر منه ، مننتنا به ، ونحن لحمه ودمه ، ومنه وإليه. وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده ، لست بأبيضهن لونا ، ولا بأحسنهن وجها ، ولا بأرشحهن عرقا ، ولا بأنضرهن ورقا» (١).

ويستفاد من هذا النص الأمور التالية :

١ ـ إنه يدل على وضاعة حال أبي بكر قبل الإسلام .. وأنه لم يكن له

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٣٢ ص ٢٧٠ ورجال الكشي (ط جامعة مشهد) ص ٥٩ والدرجات الرفيعة ص ١٠٩ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٦ ص ٢٢٩ ومعجم رجال الحديث ج ١١ ص ٢٤٩ ووسائل الشيعة ج ٢٠ هامش ص ٢٤٠ وجواهر المطالب في مناقب علي «عليه‌السلام» ج ٢ ص ٢٥ ومجمع النورين ص ٢٦٦ ومواقف الشيعة مع خصومهم ج ١ ص ١٦٩ وج ٢ ص ٤٠ وأحاديث أم المؤمنين عائشة ج ٢ ص ٢٤٩.

١٢٨

نصيب من المجد والسؤدد ، لا في نفسه ، ولا من خلال أبيه .. وكذلك كان حال أم رومان.

٢ ـ إنه ينفي أن يكون لعائشة أي سبب من قبل رسول الله ، يعطيها الحق بالمن به على الآخرين ، لا من حيث ولادة الأولاد ، ولا من أي جهة أخرى ، لكنه لا ينفي حدوث سقط منها.

٣ ـ إن عائشة لم تكن هي المميزة على نساء النبي في حسن الوجه ..

٤ ـ إنها لم تكن أبيضهن لونا.

٥ ـ إنها لم تكن أنضرهن.

الثاني : إنها حين وقعت في خديجة وذكرتها بسوء ، وأن الله قد أبدله خيرا منها ، قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ما أبدلني الله خيرا منها ، لقد آمنت بي حين كفر بي الناس ، وصدقتني حين كذبني الناس ، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها ، وحرمني ولد غيرها ، أو حرمني أولاد النساء (١).

الثالث : إنها حينما تجرأت على خديجة فتنقصتها أمام فاطمة «عليها‌السلام» ، فبكت ، فسألها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فذكرت له سبب بكائها «عليها‌السلام» ، قال :

__________________

(١) راجع : الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٢٨٧ و ٢٨٦ وإسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الأبصار) (ط العثمانية) ص ٨٥ و (ط السعيدية بمصر) وص ٩٠ ومسند أحمد ج ٦ ص ١١٨ وراجع : الإصابة ج ٤ ص ٢٨٣ وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٣٨ وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٣٣٢ والبحار ج ١٦ ص ١٢ عن كشف الغمة.

١٢٩

«مه يا حميرا ، فإن الله تبارك وتعالى بارك في الولود الودود ، وإن خديجة رحمها الله ولدت مني طاهرا ، وهو عبد الله ، وهو المطهر. وولدت مني القاسم ، وفاطمة ، ورقية ، وأم كلثوم ، وزينب ، وأنت ممن أعقم الله فلم تلدي شيئا» (١).

ويلاحظ : أنه لم يعش له أحد من ولده من خديجة سوى فاطمة «عليها‌السلام».

وأما رقية وأم كلثوم ، وزينب ، فقد قلنا : إن الظاهر هو أنهن قد متن في حال الصغر أيضا ، أما زوجتا عثمان ، وزوجة أبي العاص فهن ربيبات له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الظاهر ولسن بناته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الحقيقة.

__________________

(١) الخصاص ص ٤٠٤ و ٤٠٥ والبحار ج ١٦ ص ٣ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٢٣٣ ومستدرك سفينة البحار ج ٢ ص ٣٩٦.

١٣٠

الفصل الخامس :

شخصيات ومضامين غير معقولة

١٣١
١٣٢

مما سبق :

قد تحدثنا في الفصل السابق عن أمور عديدة ترتبط بعائشة ، لا نرى ضرورة لها هنا ، غير أننا نشير إلى :

١ ـ عمر عائشة :

حيث تقدم : أن قولها : إنها كانت جارية حديثة السن ، لا يمكن قبوله ، بل كان عمرها حين تزوجها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حوالي عشرين سنة ، أو أكثر من ذلك بسنوات أيضا ، فيكون عمرها حين قضية الإفك في حدود الثلاثين سنة أو أزيد من ذلك ..

٢ ـ سعد بن معاذ :

والسؤال هنا هو :

متى توفي سعد بن معاذ؟

وهل كان حيا حين قضية الإفك؟.

والجواب :

إننا قد ذكرنا فيما تقدم : أن سعد بن معاذ مات إثر غزوة الخندق ، من الرمية التي أصابته ، وذلك بعد أن حكم في بني قريظة.

١٣٣

وقد قدمنا : في الجزء العاشر من هذا الكتاب : الصحيح هو أن غزوة الخندق قد كانت سنة أربع ، وقيل سنة خمس. وقد ذكرنا الأدلة والشواهد على ذلك.

أما غزوة المريسيع فكانت في سنة ست كما أسلفنا ، فسعد بن معاذ إذن لم يكن حيا في سنة ست.

ومن قال بأن المريسيع كانت قبل الخندق ، فإنه إنما أراد تصحيح حديث الإفك ، مع غفلته عن أنه لا ضرورة لتغيير حقائق التاريخ لأجله ، مع توفر الأدلة والشواهد التي تمنع من الأخذ به ، وتوجب الانصياع لما هو الحق في ترتيب تواريخ هذه الأحداث.

غير أن المسعودي قال : إن غزوة الخندق كانت سنة خمس ، وغزوة المريسيع كانت سنة أربع (١).

كما أن بعض من قال بأن الخندق والمريسيع كانتا معا في سنة خمس ، فإنهم قد حرصوا على اعتبار الخندق بعد المريسيع أيضا ، لأجل حديث الإفك بالذات ، حيث أيدوا قولهم هذا بأن سعد بن معاذ قد مات بعد الخندق مباشرة ، فلو كانت المريسيع سنة ست لكان ذكر سعد في حديث الإفك غلطا ، فلابد من أن تكون المريسيع قبل الخندق (٢).

__________________

(١) مروج الذهب ج ٢ ص ٢٨٩.

(٢) راجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٣٤١ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٢ ونقله ص ٣٦٠ و ٣٦١ عن إسماعيل القاضي ، ونقله عن إسماعيل أيضا في شرح مسلم للنووي (مطبوع بهامش إرشاد الساري) ج ١٠ ص ٢٢٧. ونقله المعلق على السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ بهامش ص ٣٠٢ عن الزرقاني. وراجع أيضا : وفاء الوفاء ج ١ ص ٣١٤.

١٣٤

ثم أيدوا ذلك أيضا : بأن الإفك كان بعد فرض الحجاب. وقد فرض الحجاب سنة أربع ، على قول بعضهم. بل لقد «جزم خليفة ، وأبو عبيدة وغير واحد بأنه سنة ثلاث» (١). وكذا قال اليافعي (٢).

ونحن هنا لا نستطيع أن نقبل أقوال هؤلاء وتأييداتهم ونخالف المعروف والمشهور ، وذلك لأسباب عديدة :

أولا : إن جعل ذكر سعد بن معاذ في حديث الإفك دليلا على وهم من قال بكون المريسيع سنة ست ، ليس بأولى من العكس ، وجعل قول أهل الحديث والتاريخ دليلا على الوهم في حديث الإفك ، ومن أسباب الشك فيه ، ولا سيما بملاحظة : أن أكثر المحدثين يذهبون الى ذلك كما تقدم.

وقد صرح عدد من العلماء بالإشكال على حديث الإفك بذلك ، كالقاضي عياض ، الذي قال : إن بعض شيوخه قد نبّه على أن ذكر سعد بن معاذ في الرواية وهم. والأشبه أنه غيره ، ولهذا ذكر ابن إسحاق : أن المتكلم أولا وآخرا هو أسيد بن حضير (٣).

وممن استظهر أن المحاورة كانت مع أسيد بن حضير : ابن عبد البر ، لأن ابن معاذ كان قد توفي.

وتعرض لهذا الإشكال أيضا : ابن العربي. حتى لقد قال : «اتفق الرواة : على أن ذكر ابن معاذ في قصة الإفك وهم». وتبعه على هذا الإطلاق

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ٣٣٣.

(٢) مرآة الجنان ج ١ ص ٧.

(٣) شرح صحيح مسلم للنووي (مطبوع بهامش إرشاد الساري ج ١٠ ص ٢٢٦ وفتح الباري ج ٨ ص ٣٦٠).

١٣٥

القرطبي (١).

وقال في الإمتاع : «إن تقدم قريظة على المريسيع هو الصحيح ، والوهم لم يسلم منه أحد» (٢).

ويصر ابن خلدون أيضا على : أن ابن معاذ قد توفي قبل المريسيع بأكثر من عشرين شهرا (٣).

ونحن نقول أيضا : إن ذكر ابن معاذ في الروايات لا يصح .. مع أن هذه الروايات قد وردت في كتب الصحاح ، ومختلف كتب الحديث!!

بل في بعض الروايات : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صالح بين السعدين بعد ذلك!! (٤) فإصلاح ذلك بأن المراجعة كانت مع ابن حضير فقط ، لا يجدي لأنه مجرد دعوى ، لا تستند إلى دليل ، ولماذا اختير أسيد بن حضير ليحل الإشكال من خلاله ، ولم يختاروا شخصا آخر؟! ولماذا تخلوا عن معاذ بهذه السهولة ، بعد إجماع الروايات ، حتى الروايات الصحاح على ذلك كما قلنا؟!

وإن الإشكالات الكثيرة جدا تسقط رواية الإفك عن الاعتبار ، وتوجب ضعفها ووهنا في نفسها ، ولا تصلح سببا لضعف غيرها بأي وجه .. وسيأتي ما فيه الكفاية في ذلك كما سنرى.

ثانيا : إن تأييد البعض رأيه هذا بقضية الحجاب غريب ، فإن ذلك دليل

__________________

(١) فتح الباري ج ٨ ص ٣٦٠ و ٣٦١.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠١.

(٣) تاريخ ابن خلدون ج ٢ قسم ٢ ص ٣٣.

(٤) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٤٣٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠١.

١٣٦

عليه لا له ، لأن أكثر المؤرخين الأثبات يذكرون : أن الحجاب كان في سنة خمس ، في شهر ذي القعدة (١) ..

وإذا كانت المريسيع في شعبان ، فلا بد أن يكون هو شعبان السنة السادسة ، لأن المراد شعبان الذي بعد الحجاب.

وإذا كان الحجاب في ذي القعدة من الخامسة ، فهو بلا شك بعد بني قريظة على جميع الأحوال والأقوال ، لأن الخندق وقريظة كانتا قبل ذلك.

وقد صرح البيهقي : بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد تزوج زينب بنت جحش بعد بني قريظة (٢).

وحين تزوجها فرض الحجاب ، بل سيأتي : أنه تزوجها بعد المريسيع أيضا.

والمفروض : أن سعدا مات في بني قريظة ، وكانت المريسيع بعد فرض

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣١ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٧٧ ، والتنبيه والإشراف ص ٢١٧ ومروج الذهب ج ٢ ص ٢٨٩ وطبقات ابن سعد ج ٢ قسم ١ ص ٨١ وج ٨ ص ١٢٥ و ١٢٦ و ١٢٧ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٠ و ٥٠١ و ٢٦٧ ، ونقله أيضا عن أسد الغابة ، وعن المنتقى ، ونقله في البداية والنهاية ج ٤ ص ١٤٥ عن قتادة ، والواقدي ، وبعض أهل المدينة ، والبيهقي. ونقله في السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩٣ عن الإمتاع ، عن بعض أهل الأخبار ، ثم أشكل على ذلك بما ورد في حديث الإفك .. ونقله في فتح الباري ج ٨ ص ٣٥١ عن الواقدي ، وصفة الصفوة لابن الجوزي ج ٢ ص ٤٦ ووفاء الوفاء للسمهودي ج ١ ص ٣١٠.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٤٥.

١٣٧

الحجاب على الفرض ، فمتى كان سعد موجودا في قضية الإفك؟! .. وكيف يكون فرض الحجاب مؤيدا لوجوده؟ بل هو مؤيد لموته كما هو ظاهر.

ثالثا : قد ثبت أن ابن عمر كان ممن شهد المريسيع ، والمفروض أن الخندق كانت أول مشاهده ، فلابد أن تكون المريسيع بعد الخندق ، والمفروض أن سعد بن معاذ قد مات بعد الخندق وقريظة مباشرة.

توجيهات لا تصح :

أ ـ وقد حاول العسقلاني : أن يجيب على هذا باحتمال أن يكون قد حضرها دون أن يشترك في القتال ، إذ لا ملازمة بين شهوده وبين أن يكون قد أجيز بالقتال ، كما ثبت عن جابر أنه كان يمنح أصحابه الماء في بدر ، مع الاتفاق على عدم شهوده بدرا (١).

ولكنها محاولة فاشلة ، إذا أن التعبير بشهد غزوة كذا إنما يعني شهود قتال ، لا مجرد حضور ، هكذا اصطلح وتعارف عليه الرواة والمؤرخون في تعبيراتهم ، وصرف اللفظ عن هذا المعنى يحتاج إلى شاهد ، وهو مفقود ، بل الشواهد قائمة على خلافه.

ب ـ وحاول عياض توجيه ذلك باحتمال أن تكون الخندق والمريسيع معا سنة أربع ، مع تقدم المريسيع على الخندق (٢).

ونقول : إن هذا مخالف لأقوال جل المؤرخين ، كما أنه يصطدم بقضية فرض الحجاب في سنة خمس بعد قريظة ، لأنهم يقولون : إن الإفك كان بعد

__________________

(١) راجع : فتح الباري ج ٨ ص ٣٦٠.

(٢) فتح الباري ج ٨ ص ٣٦٠.

١٣٨

فرض الحجاب ، وهو يصطدم بقضية شهود ابن عمر للمريسيع ، وغير ذلك مما تقدم وسيأتي بيانه.

ج ـ قد احتمل البيهقي : أن يكون جرح سعد لم ينفجر بعد قريظة مباشرة ، بل تأخر إلى ما بعد المريسيع ، ولم يشهدها بسبب جرحه ، وبعدها ، وبعد قضية الإفك ، ومراجعته لسعد بن عبادة انفجر جرحه ، فمات.

ونقول : إن مقتضى كلام البيهقي هذا هو : أن موت سعد قد تأخر عن قريظة إلى حوالي سنة ، أي من ذي القعدة إلى شوال تقريبا .. لأن المريسيع في شوال ، وكانت المراجعة والمحاورة بعدها بأكثر من شهر.

وكلام البيهقي هذا مما لا يوافقه عليه أحد ، ولا مبرر له إلا إرادة تصحيح ما ورد في الصحاح .. حتى لو اقتضى ذلك مخالفة كل النصوص والمسلمات التاريخية.

د ـ احتمل القطب الحلبي : أن يكون المراد سعدا آخر غير ابن معاذ ، بقرينة قولهم في بعض الروايات : «.. فقام سعد أخو بني عبد الأشهل ، وفي بني عبد الأشهل جماعة كلهم يسمى سعدا. فيحتمل أن يكون هو سعد بن زيد الأشهلي ..».

ورده العسقلاني : بأن ذلك مردود بالتصريح بسعد بن معاذ في رواية الزهري ، وغيره (١).

وبعد كل ما تقدم .. فإننا نعرف : أن الشواهد الدالة على موت سعد بن معاذ قبل المريسيع قوية جدا .. ولا أقل من كونه مشكوكا فيه.

__________________

(١) فتح الباري ج ٨ ص ٣٦٠.

١٣٩

ولا يصلح ذلك القول : بأن المريسيع كانت سنة خمس.

لأن تقدم الخندق عليها هو المعتمد عند جلّ المؤرخين كما تقدم .. ولذا نجد فريقا منهم يقول : إن الخندق كانت سنة أربع.

٣ ـ سيرين :

وأما ما ذكر من إعطاء سيرين لحسان ، عند ما ضربه ابن المعطل بالسيف وجرحه ، فهو أمر غريب وعجيب :

فأولا : إن سيرين هذه هي أخت مارية القبطية باتفاق ، وهي إنما أهداها المقوقس للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ووصلت إلى المدينة سنة سبع ، أو ثمان (١).

والإفك كان على أبعد الأقوال في سنة ست.

ولا مجال للقول بأن من الممكن : أن يتأخر إعطاء سيرين لحسان ، لتأخر ضرب ابن المعطل له ، أو لتأخر تصدي النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للصلح بينهما.

فإنه كلام مرفوض جملة وتفصيلا ، إذ إن ابن المعطل إنما اعترض حسانا وضربه بالسيف بمجرد أن بلغه أنه يقول فيه ذلك الأمر.

كما أن صريح الرواية : أنهم قيدوا ابن المعطل ، وجاؤوا به للرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمجرد أن قام بضرب حسان.

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٣٨ وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٥٣ وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٤٤ و ٥٨٥ والإصابة ج ٤ ص ٤٠٤ ، وغير ذلك .. فإن ذلك من الأمور المتسالم عليها ويظهر ذلك بالمراجعة إلى كتب التراجم ، ترجمة حسان ، ومارية ، وسيرين ، وعبد الرحمن بن حسان.

١٤٠