الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-184-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٣

وفي بعض النصوص : حبسهم في دار أسامة بن زيد (١).

وجمع البعض بينهما فقال : أمر «صلى الله عليه وآله» بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد ، والنساء والذرية إلى دار ابنة الحارث (٢).

وكان «صلى الله عليه وآله» كان قد أمر بهم فكتّفوا (٣). «ثم أمر النبي «صلى الله عليه وآله» حتى ذهبوا برجال بني قريظة إلى المدينة مقرنين في الأصفاد ، حتى يرى ضعفاء الإسلام قوة الدين ، وعزة ملة سيد المرسلين» (٤).

ويقول نص آخر : أمر «صلى الله عليه وآله» بأسلحتهم فجعلت في بيت (في بعض المصادر : في قبته) وأمر بهم فكتفوا الخ .. (٥).

ولعل الصحيح : (في بيت) ، وذلك لقول الواقدي : «وأمر «صلى الله عليه

__________________

(١) راجع : مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٨ عن الطبراني. وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٨ ومجمع البيان ج ٢ ص ٣٥٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢١١ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٩ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٩٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٩.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٢ و ٥١٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٧ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٩٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٠ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٧.

(٣) راجع الهامش ما قبل السابق.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٧.

(٥) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٨ عن الطبراني وراجع : تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٨ ومجمع البيان ج ٢ ص ٣٥٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢١١ ودلائل النبوة ج ٤ ص ١٩.

٨١

وآله» بالسلاح والأثاث ، والمتاع والثياب ، فحمل إلى دار بنت الحارث ، وأمر بالإبل والغنم ، فتركت هناك ترعى في الشجر» (١).

اليهود والتوراة :

قال الواقدي : «وجعلوا ليلتهم يدرسون التوراة ، وأمر بعضهم بعضا بالثبات على دينه ، ولزوم التوراة» (٢).

ونكاد نطمئن إلى أن التجاءهم للتوراة لم يكن بالنسبة لعلمائهم وزعمائهم إلا محاولة لخداع السذج منهم بها ، لأنهم كانوا يعرفون هذا النبي كما يعرفون أبناءهم ، ويجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ، وما زالوا يتوعدون به عرب الحجاز إلى أن بعث «صلى الله عليه وآله».

معاملة أسرى قريظة :

وكان «صلى الله عليه وآله» يقول : «أسقوهم العذب ، وأطعموهم الطيب ، وأحسنوا إسارهم» (٣).

وقال : أحسنوا إسارهم ، وقيّلوهم ، واسقوهم حتى يبردوا ، فتقتلوا من بقي ، لا تجمعوا عليهم حر الشمس ، وحر السلاح» (٤).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٢ و ٥١٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٧.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٢ و ٥١٣.

(٣) البحار ج ٢٠ ص ٢٣٨ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٩٢.

(٤) المغازي ج ٢ ص ٥١٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٨.

٨٢

وقد قال «صلى الله عليه وآله» هذا بعد حكم سعد بن معاذ بقتل من حزّب عليه منهم. «وأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأحمال التمر ، فنثرت عليهم ، فباتوا يكدمونها كدم الحمر» (١).

حكم ابن معاذ في بني قريظة في النصوص التاريخية :

قال الواقدي وغيره ما ملخصه :

إنهم حين جاؤوا بالأسرى ، تنحى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فجلس ، ودنت الأوس إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وطلبوا منه أن يهب لهم حلفاءهم من بني قريظة ، كما وهب لابن أبي ثلاث مئة حاسر ، وأربع مئة دارع من بني قينقاع.

ورسول الله «صلى الله عليه وآله» ساكت لا يتكلم ، حتى أكثروا عليه وألحوا ، ونطقت الأوس كلها.

فقال «صلى الله عليه وآله» : أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟!

قالوا : بلى!

قال : فذلك إلى سعد بن معاذ.

وكان سعد في خيمة رفيدة ، أو كعيبة بنت سعد بن عتبة ، في المسجد. وكانت كعيبة تداوي الجرحى ، وتلم الشعث ، وتقوم على الضائع ، والذي لا أحد له.

فجاءت الأوس إلى سعد ، فحملوه على حمار ، وطلبوا منه أن يحسن في مواليه ، كما صنع ابن أبي في حلفائه.

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٢ و ٥١٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢ و ٢٣.

٨٣

والضحاك بن خليفة يقول : يا أبا عمرو ، مواليك! مواليك! قد منعوك في المواطن كلها ، واختاروك على من سواك ، ورجوا عياذك ، ولهم جمال وعدد.

وقال سلمة بن سلام بن وقش : يا أبا عمرو ، أحسن في مواليك وحلفائك. إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يحب البقية. نصروك يوم البعاث والحدائق والمواطن ، ولا تكن شرا من ابن أبي. وسعد لا يتكلم.

فلما أكثروا عليه ، قال : قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم.

فقال الضحاك بن خليفة : وا قوماه.

وقال معتب بن قشير : وا سوء صباحاه.

وقال حاطب بن أمية الظفري : ذهب قومي آخر الدهر.

فلما أقبل سعد إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، والناس جلوس حوله ، قال «صلى الله عليه وآله» : قوموا إلى سيدكم.

فكان رجال من بني عبد الأشهل يقولون : فقمنا على أرجلنا صفين ، يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وطلبت الأوس الذين بقوا عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» : من سعد أن يحسن في بني قريظة ، ويذكر بلاءهم عنده. وقالوا له : إنما ولاك لتحسن فيهم.

ثم قال سعد : عليكم عهد الله وميثاقه : أن الحكم فيكم ما حكمت؟

قالوا : نعم.

فقال سعد للناحية الأخرى ، التي فيها رسول الله ، وهو معرض عنها ، إجلالا لرسول الله «صلى الله عليه وآله» : وعلى من هاهنا مثل ذلك؟!

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ومن معه : نعم.

٨٤

قال سعد : فإني أحكم فيهم : أن يقتل من جرت عليه الموسى ، وتسبى النساء والذرية ، وتقسم الأموال.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : لقد حكمت بحكم الله عز وجل من فوق سبعة أرقعة ، أو بحكم الملك.

وكان سعد قد سأل الله في الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله : أن يقر عينه من بني قريظة ، فأقر الله عينه منهم (١).

__________________

(١) راجع النص المتقدم في : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٠ ـ ٥١٢ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٦. وتجد هذه النصوص إجمالا أو تفصيلا في المصادر التالية : عيون الأثر ج ٢ ص ٧٢ و ٧٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٩ ـ ٢١ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٩ و ٣٣٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٦ و ١٧ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٩ و ٢٥٩ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٧ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٥ ـ ٧٧ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٩٠ و ١٩١ والإكتفاء ج ٢ ص ١٨١ و ١٨٢ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٩ و ٢٦٠ و ٢٦٦ والجامع للقيرواني ص ٢٨٠ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٢ و ١٦٣ والوفا ص ٦٩٥ وحدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٧. وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٦ و ٤٩٧ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٤ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٦. وسيرة مغلطاي ص ٥٧ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٧ والتنبيه والإشراف ص ٢١٧ ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٥١ و ٢٥٢ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٧ ـ ١٣٩ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢١ و ١٢٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٠ و ٢٥١ و ٢٤٩ وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٤ و ١٥٥ والثقات ج ١ ص ٢٧٧ و ٢٧٦ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٩٠ والبحار ج ٢٠ ص ٢٣٤ و ٢٣٥ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٨ ـ ٢٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢ وإعلام الوري ص ٩٣ و ٩٤. وراجع

٨٥

وذكروا أيضا : أن سعدا قد حكم بأن تكون الديار للمهاجرين دون الأنصار.

قال : فقالت الأنصار : إخواننا ، كنا معهم!!

فقال : إني أحببت أن يستغنوا عنكم (١).

وفي مجمع البيان : قال للأنصار : إنكم ذوو عقار ، وليس للمهاجرين عقار. فكبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وقال لسعد الخ .. (٢).

ويذكر البعض : أن بني قريظة أبوا أن ينزلوا على حكم النبي ، ونزلوا على حكم سعد فأقبلوا بهم ، وسعد أسيرا (لعل الصحيح : يسير) على أتان حتى انتهوا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فأخذت قريظة تذكره بحلفهم ، وطفق سعد بن معاذ ينفلت إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» مستأمرا ، ينتظره فيما يريد أن يحكم به ، فيجيب به رسول الله «صلى الله عليه

__________________

في قوله «صلى الله عليه وآله» : قوموا إلى سيدكم بالإضافة إلى ما تقدم : البداية والنهاية ، والسيرة النبوية لابن كثير ، والحلبية ، وتاريخ الخميس ، وجوامع السيرة النبوية ، والسيرة النبوية لدحلان ، وراجع : مرآة الجنان ج ١ ص ١٠ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣١ وصحيح البخاري ج ٣ ص ٢٣ وج ٢ ص ٢٠٠ وج ٤ كتاب الاستئذان ، باب قول النبي «صلى الله عليه وآله» : قوموا إلى سيدكم ، وشرح النووي على صحيح مسلم ج ١٢ ص ٩٣ ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ١٧٢.

(١) راجع : عيون الأثر ج ٢ ص ٧٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٧ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٧٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١ ووفاء الوفاء ج ٣٠٨ وراجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢ ولم يذكر اعتراض الأنصار. والبحار ج ٢٠ ص ٢١٢ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥٢.

(٢) مجمع البيان ج ٨ ص ٣٥٢ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢١٢.

٨٦

وآله» يريد أن يقول : أتقر بما أنا حاكم؟!

وطفق رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول : نعم.

قال سعد : فإني أحكم الخ ... (١).

ويبدو أن سعدا قد أبى أولا أن يحكم فيهم ، لأنه يعلم أنه لا يحق له ذلك مع وجود النبي «صلى الله عليه وآله».

ففي حديث جابر ، عن ابن عائذ : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال : احكم فيهم يا سعد.

قال : الله ورسوله أحق بالحكم.

قال : قد أمرك الله تعالى أن تحكم فيهم (٢).

وعند البعض : أنه «صلى الله عليه وآله» أرسل لسعد بعد نزول بني قريظة على حكم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فأتي به محمولا على حمار ، وهو مضنى من جرحه فقال له : أشر علي في هؤلاء.

فقال : إني أعلم أن الله قد أمّرك فيهم بأمر أنت فاعله.

قال : أجل ، ولكن أشر علي فيهم.

فقال : لو وليت أمرهم لقتلت مقاتلتهم ، وسبيت ذراريهم ، وقسمت أموالهم.

__________________

(١) المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٧٠ و ٣٧١ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٤٣٨. وليس فيه : أنهم أبوا النزول على حكم رسول الله «صلى الله عليه وآله».

(٢) فتح الباري ٧ ص ٣١٧ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٧.

٨٧

فقال : والذي نفسي بيده ، لقد أشرت فيهم بالذي أمرني الله به (١).

ونقول :

إننا هنا نسجل الأمور التالية :

بماذا حكم سعد؟!

ونحن وإن كنا نجد المؤرخين يذكرون : أن سعدا قد حكم بقتل الرجال ، وسبي من عداهم ، إلا أننا نشك في شمولية ذلك للجميع ، لا سيما ونحن نجد ابن الجوزي يقول : «فحكم فيهم : أن يقتل كل من حزّب عليه ، وتغنم المواشي الخ ..» (٢).

ويؤيد ذلك قوله تعالى : (.. فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً)(٣). وسيأتي حين الكلام حول عدد المقتولين منهم ، بعض ما يفيد في توضيح هذا الأمر ، إن شاء الله تعالى.

وبذلك يتضح : أنه يشك كثيرا في صحة ما يذكرونه ، من أنهم كانوا يتأكدون من بلوغ البالغ منهم بالنظر إلى مؤتزره ، فإن كان قد أنبت قتل وإلا ترك.

إلا أن يقال : إن ذلك لا ينافي قول ابن الجوزي الآنف الذكر ، لأن ذلك قد كان منهم بالنسبة إلى خصوص من حزّب على المسلمين.

لم يكن الحكم في المسجد :

يفهم من كلام البخاري وغيره : أن حكم سعد بن معاذ إنما كان في

__________________

(١) تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٦.

(٢) الوفا ص ٦٩٥.

(٣) الآية ٢٦ من سورة الأحزاب.

٨٨

مسجد النبي «صلى الله عليه وآله» ، حيث قال : فلما دنا من المسجد قال للأنصار : قوموا إلى سيدكم ، وخيركم.

فقال : هؤلاء نزلوا على حكمك.

قال : تقتل مقاتلتهم ، وتسبي ذراريهم.

قال : قضيت بحكم الله ، وربما قال : بحكم الملك (١).

ونقول :

إننا نسجل على هذا النص :

أولا : إننا نجد الآخرين بعد ذكرهم حكم سعد ، وقول النبي «صلى الله عليه وآله» له تلك العبارة ، يقولون : «ثم رجع إلى المدينة» (٢).

وهذا يعني : أن حكم سعد فيهم كان خارج المدينة ولعله كان في المسجد المعروف بمسجد بني قريظة.

ثانيا : إن خيمة رفيدة التي كان سعد يداوى فيها إنما كانت في المسجد النبوي نفسه ، كما تقدم في النص السابق لقضية تحكيم سعد.

إذن .. فما معنى أن يؤتى بسعد على حمار ، وطأوا له عليه بوسادة إلى آخر ما تقدم؟

ثالثا : لماذا خصص قول النبي «صلى الله عليه وآله» : قوموا إلى سيدكم وخيركم بالأنصار؟! مع أن الأنصار يقولون : إنه «صلى الله عليه وآله» قد

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٣ وج ٢ ص ٢٠٠ وراجع : صحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٠ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٨ و ٢٥٩.

(٢) تاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٣ وغير ذلك من مصادر.

٨٩

عم بهذه الكلمة!! إلا أن يكون قد صعب على هؤلاء أن يكون سعد خيرا منهم ، أو سيدا لهم بما فيهم بعض الصحابة الذين يحبونهم ، ويتولونهم.

من المقترح لتحكيم ابن معاذ؟!

قد ذكرت النصوص المتقدمة وغيرها : أن اليهود هم الذين اقترحوا تحكيم سعد بن معاذ (١) وأن النبي «صلى الله عليه وآله» قال لسعد : هؤلاء نزلوا على حكمك (٢).

وفي نص آخر : نزلوا على حكم سعد بن معاذ (٣) وأبوا أن ينزلوا على حكم النبي «صلى الله عليه وآله» فنزلوا على داء (٤).

لكن نصوصا أخرى تفيد : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي حكّم سعدا فيهم ، وأن هذا كان قرارا مباشرا منه «صلى الله عليه وآله».

وقد تقدم في النص المذكور آنفا : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال للأوس : أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟

قالوا : بلى.

قال : فذلك إلى سعد بن معاذ.

__________________

(١) راجع النص السابق ، والهوامش المذكورة لبيان مصادره.

(٢) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٣ وج ٢ ص ٢٠٠ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٠ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٨ و ٢٥٩.

(٣) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٢ و ١٢٧ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٨ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٩٢ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢.

(٤) المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٧٠ و ٣٧١.

٩٠

ومعنى هذا : أنه «صلى الله عليه وآله» كان هو المبادر لتحكيم سعد ..

ويدل على ذلك أيضا : ما رواه مسلم ، قال : فقاتلهم رسول الله «صلى الله عليه وآله». فنزلوا على حكم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فرد رسول الله «صلى الله عليه وآله» الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ.

قال : فإني أحكم فيهم أن الخ .. (١).

ويقول نص آخر : فحصرهم حتى نزلوا على حكمه «صلى الله عليه وآله» (٢).

ونرجح : أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد قبل منهم أن يختاروا من أصحابه من شاؤوا فاختاروا سعد بن معاذ سيد الأوس. فقبل رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذلك منهم (٣).

وكان سبب امتناعهم عن قبول حكم رسول الله «صلى الله عليه وآله»

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٥ ص ١٦١ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٤ و ٢٣٥.

وراجع : مسند أبي عوانة ج ٤ ص ١٦٧ و ١٦٩ و ١٧١ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٨ و ٣١٩ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٧.

(٢) أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٧ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٢ وراجع : تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٦ والوفا ص ٦٩٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٩.

(٣) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٨.

وراجع : دلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٩ و ٢٢ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٨ عن الطبراني ، وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٩ ومجمع البيان ج ٢ ص ٣٥٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢١١.

٩١

هو مشورة أبي لبابة (١) كما تقدم.

فجاء التعبير تارة بنزولهم على حكم رسول الله وأخرى على حكم سعد ، لأنهم إنما نزلوا على حكم سعد برضى من رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وأما خطاب النبي «صلى الله عليه وآله» للأوس ، فلعله كان قبل أن يعرفوا بنتيجة المفاوضة مع بني قريظة.

قوموا إلى سيدكم :

وقد ذكر النص المتقدم : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال : قوموا إلى سيدكم.

وزاد في بعض المصادر (٢) قوله : «فأنزلوه».

قال ابن الديبع : فقام المهاجرون (٣).

لكن غيره يقول : «أما المهاجرون من قريش فيقولون : إنما أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» الأنصار ، والأنصار يقولون : قد عم بها المسلمين» (٤).

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ٣١٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٤.

(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٤ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٨ وسبل الهدى ج ٥ ص ٢٠ عن أحمد وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٧.

(٣) حدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٧.

(٤) راجع : تاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٢ و ١٦٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٩ ـ ٢٥١. وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٦ و ٤٩٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠ و ٢١ والإكتفاء ج ٢ ص ١٨٢ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٩١ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٦ و ١١٧ وحدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٧ والبداية والنهاية ج ٤ ـ ص ١٢١ و ١٢٢. وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٨ و ٣٣٩ وراجع بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٣.

٩٢

وهذا النص يعطينا صورة عن رفض مهاجري قريش وإبائهم عن أن يكون هذا الرجل الأنصاري العظيم له امتياز عليهم. ولا أقل من أنه يشير إلى حالة من الاستعلاء الخفي عن أن يكون للأنصار ما يعتزون به في مقابل المهاجرين.

كما أن أولئك الذين يريدون تعزيز موقف بعض المهاجرين الذين يمثلون لهم رموزا دينية أو غيرها قد ادعوا ما هو أبعد من ذلك ، فقالوا : إنما أمّر رسول الله «صلى الله عليه وآله» الأنصار بل خصوص الأوس بذلك (١).

ونرى أن الأنصار كانوا في هذه القضية بالذات أكثر إنصافا ، وأقرب إلى الحق فيما يرتبط بفهم مداليل الكلام ومراميه ، أو هكذا يخيل لنا الآن.

لا سيما إذا عرفنا أن مهاجري قريش بالذات ، دون غيرهم من سائر المهاجرين ، هم الذين يهتمون أكثر من غيرهم برفض هذا الأمر.

الأمر الذي يعطينا : أنهم يشعرون أنه يعنيهم أكثر من غيرهم.

كما أن هذا : قد يشير إلى أن غيرهم لا يشاركهم الرأي فيما يرتبط بفهم المدلول الحقيقي لأمر الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله».

على أننا نريد أن نلفت النظر هنا : إلى التضحيات الجسام ، التي قدمها الأنصار للمهاجرين. بل وحتى في هذه الغزوة بالذات ، فإن سعد بن معاذ الشهيد نفسه قد حكم بأن تكون دور بني قريظة للمهاجرين دون الأنصار.

__________________

(١) راجع : فتح الباري ج ١١ ص ٤٣ وراجع : هامش صحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٠.

٩٣

هذا .. ولا نجد مبررا لرفض المهاجرين سيادة سعد بن معاذ عليهم سوى الحسد ، والإحساس بالتفوق والتميز عن الآخرين على أساس غير إسلامي ، ولا إنساني مقبول ، لأن المهاجرين يعتبرون أنفسهم عدنانيين ، وأهل يثرب قحطانيون ، وكان معظم المهاجرين من قريش ، وهم سدنة للكعبة ، ومن أهل مكة ، وهم أيضا قوم وعشيرة رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وبذلك يتضح السبب : في رفضهم قبول أي امتياز لزعيم الأنصار عليهم. وهو منطق مرفوض من وجهة نظر إسلامية وإنسانية وإيمانية وكانت كلمات النبي واضحة الشمول لهم فإننا لم نجد في خطابه «صلى الله عليه وآله» ما يبرر هذا الاختلاف.

فقد خاطب الحاضرين عنده ، والجالسين معه بخطاب واحد عام ، ليس فيه أية دلالة على التخصيص بفريق دون فريق. إذ لو وجدت هذه الدلالة لم يكن ثمة اختلاف ، أو تردد في المقصود.

وهذا يعني : أن مبررات هذا الاختلاف خارجة عن دلالة اللفظ ، وهي محض اجتهاد تمليه أجواء معينة لدى هذا الفريق أو ذاك.

ملاحظة : إن سيادة سعد هذه لا تشمل أولئك الذين أخبر الله ورسوله عن مقامهم وسيادتهم ووجوب طاعتهم على الناس كلهم ، مثل علي «عليه السلام». فإن خروجهم عن دائرة رسول الله «صلى الله عليه وآله» مفروغ عنه ومعروف للناس الذين حضروا وسمعوا.

محاولة تملص وتخلص فاشلة :

وقد حاول البعض : أن يجد في نفس الكلام قرينة أو دلالة يقوي بها رأي

٩٤

المهاجرين ، فقال : «قوموا : الخطاب للأنصار ، وقيل : للحاضرين منهم ومن المهاجرين ، إلى سيدكم : هذا يقوي القول الأول ، لأنه كان سيد الأنصار» (١).

ولكنها محاولة فاشلة : فإنها لو صحت ، فإن المناسب حينئذ أن يكون الخطاب لخصوص الأوس ، لأنه سيدهم دون الخزرج أيضا.

وقد قلنا : إن نفس الاختلاف في المراد يشير إلى أنه حين تكلم «صلى الله عليه وآله» بهذه الكلمة لم يكن يمكن استفادة التخصيص من أية إشارة أو لفتة منه.

ولو كان ثمة اختلاف في الفهم في تلك اللحظة لاستفهموا منه «صلى الله عليه وآله». ولو أن أحدا تخلف عن القيام ، وسكت النبي «صلى الله عليه وآله» عنه ، لاحتج المتخلف بسكوته «صلى الله عليه وآله» عنه.

القيام للإعانة :

ومن الغريب حقا : أن نجد البعض يحاول أن يقف إلى جانب مهاجري قريش ، ويقوي من حجتهم بطريقة تبدو وكأنها علمية منصفة ، مع أنها أبعد ما تكون عن الإنصاف.

يقول :

«هذا القيام ليس للتعظيم ، لما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام قال : لا تقوموا كما تقوم الأعاجم ، يعظم بعضهم بعضا ، بل كان على سبيل الإعانة على النزول لكونه وجعا. ولو كان المراد منه قيام التوقير لقال :

__________________

(١) هامش صحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٠.

٩٥

قوموا لسيدكم» (١).

وهو استدلال لا يصح : لأن المراد من قوله : «قوموا إلى سيدكم» هو القيام لأجل تلقيه ، إكراما له وإجلالا.

وهذا هو مراد الشيخ أبي حامد بقوله : القيام مكروه على سبيل الإعظام ، لا على سبيل الإكرام ، وفي لفظ سيدكم إشعار لتكريمه (٢).

وقال الطيبي : «لا يلزم من كونه ليس للتعظيم أن لا يكون للإكرام ، وما اعتل به من الفرق بين إلى واللام ضعيف ، لأن إلى في هذا المقام أفخم من اللام ، كأنه قيل : قوموا وامشوا إليه ، تلقيا وإكراما.

وهذا مأخوذ من ترتيب الحكم على الوصف المناسب ، المشعر بالعلية ، فإن قوله : «سيدكم» علة للقيام. وذلك لكونه شريفا ، عالي القدر» (٣). وهو كلام جيد ومقبول.

وقد حاول البعض أن يرد على مزعمة : أنه «صلى الله عليه وآله» أمرهم بالقيام لسعد من أجل أن يعينوه على النزول ، بأنه لو كان هذا القيام للإعانة لأمر بقيام واحد أو اثنين (٤).

__________________

(١) راجع : هامش صحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٠ وراجع : فتح الباري ج ١١ ص ٤٤ وعمدة القاري ج ٢٢ ص ٢٥٢ وإرشاد الساري ج ٩ ص ١٥٣ وأشار إلى ذلك في البداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٤.

(٢) هامش صحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٠ وراجع : فتح الباري ج ١١ ص ٤١ و ٤٤.

(٣) فتح الباري ج ١١ ص ٤٤ وعمدة القاري ج ٢٢ ص ٢٥٢ وإرشاد الساري ج ٩ ص ١٥٣.

(٤) هامش صحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٠ وراجع : فتح الباري ج ١١ ص ٤١ و ٤٦.

٩٦

ولكنه رد غير مقبول : إذ يمكن أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد خاطبهم بصيغة الجمع : «قوموا» وأراد قيام واحد ، أو اثنين ، فإن ذلك جائز في الاستعمال.

فأنزلوه :

وقد أضافت بعض المصادر المتقدمة كلمة : «فأنزلوه» (١) إلى قوله : «قوموا إلى سيدكم». وهي وإن كان ظاهرها : أن القيام للإعانة على النزول ، لكن العلماء حيث لم يلتفتوا إلى هذه الزيادة ، ولا احتجوا بها ، فإننا نفهم من ذلك : أنهم اعتبروها دخيلة على النص ومقحمة فيه.

هذا بالإضافة إلى : أن هذه الكلمة لو صحت ، فلا معنى للاختلاف بين المهاجرين والأنصار في من توجه إليهم الخطاب حسبما تقدم.

التزوير الخفي :

وفي محاولة للتزوير الذكي والخفي ، بهدف إفراغ هذه الكلمة الجليلة في حق سعد من محتواها التكريمي ، وليفقد امتيازه بها على من يحبون ويودون ، ادّعوا : أن القيام لسعد ، إنما كان «توقيرا له بحضرة المحكوم عليهم ، ليكون أبلغ في نفوذ حكمه» (٢).

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٤ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠ عن أحمد ، وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٧.

(٢) السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٧.

٩٧

فاقرأ واعجب ، فما عشت أراك الدهر عجبا ، إذ لو صح ذلك لم يكن بحاجة إلى إعطائه وسام السيادة عليهم.

هل هو تعليم أم اعتراض أم حسد؟!

في مسند أحمد من حديث عائشة : فلما طلع ـ يعني سعد ـ قال النبي «صلى الله عليه وآله» : قوموا إلى سيدكم فأنزلوه.

فقال عمر : السيد الله.

أو قال : سيدنا الله (١).

قال العيني : معناه هو الذي تحق له السيادة ، كأنه كره أن يحمد في وجهه ، وأحب التواضع (٢).

ونقول :

لا ندري كيف نفسر هذا الموقف من الخليفة الثاني ، فهل هو اعتراض على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وتخطئة له ، لكونه قد فعل خلاف الأولى ، حين مدح ذلك الرجل في وجهه؟ وهل كان عمر أتقى لله سبحانه ، وأكثر مراعاة لأصول التربية الإلهية للناس؟!

أم هو اعتراض على إثباته «صلى الله عليه وآله» السيادة لغير الله ،

__________________

(١) عمدة القاري ج ١٧ ص ١٩١ ومسند أحمد ج ٦ ص ١٤٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٧ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٧ وقال : هذا الحديث إسناده جيد ، وله شواهد من وجوه كثيرة.

(٢) عمدة القاري ج ١٧ ص ١٩١.

٩٨

فيكون «صلى الله عليه وآله» قد ارتكب خطأ عقائديا صححه له الخليفة الثاني ، على سبيل الإرشاد والتعليم؟!

أما أنه حسد سعدا على هذه الكرامة التي أكرمه الله تعالى بها ، فأظهر ذلك بطريقة غير مباشرة. ونفى عن سعد هذا الوسام بذكاء ودهاء؟!

إننا نعترف بعجزنا عن معرفة حقيقة القضية ، وواقع الأمر.

الخوارج ومشروعية التحكيم :

قال الإمام الحسن «عليه السلام» حين خاض الناس في أمر الحكمين ، بعد صفين : «وإنما الحكومة فرض الله ، وقد حكّم رسول الله «صلى الله عليه وآله» سعدا في بني قريظة ، فحكم فيهم بحكم الله لا شك فيه ، فنفذ رسول الله حكمه ، ولو خالف ذلك لم يجزه» (١).

فالإمام الحسن «عليه السّلام» قد ركز على أمرين :

أحدهما : مشروعية التحكيم ، ولكن لا من باب أن الأصل هو الجواز فيما لم يرد فيه نص ، بل من باب النص على المشروعية ، وصدور الحكم الإلهي بذلك فالحكومة ـ كما قال «عليه السّلام» ـ فرض الله.

الثاني : إن تنفيذ الحكم الصادر منوط بأن لا يخالف حكم الله عز وجل ، فالتحكيم ما هو إلا امتداد للحكم الإلهي ، ومن مظاهر ومراحل تنفيذه ، وليس في قبال الحكم الإلهي ، كما يدعيه الخوارج.

قال النووي : «فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين في أمورهم العظام.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ٣ ص ٢٢٣.

٩٩

وقد أجمع العلماء عليه ، ولم يخالف فيه إلا الخوارج ؛ فإنهم أنكروا على علي التحكيم ، وأقام الحجة عليهم.

وفيه جواز مصالحة أهل قرية أو حصن على حكم حاكم مسلم عدل ، صالح للحكم ، أمين على هذا الأمر. وعليه الحكم بما فيه مصلحة للمسلمين. وإذا حكم بشيء لزم حكمه ولا يجوز للإمام ولا لهم الرجوع عنه ، ولهم الرجوع قبل الحكم» (١).

قضية التحكيم في الشعر :

ومهما يكن من أمر : فقد تحدث الشعراء عن هذا التحكيم ، وعن مشروعيته ، ونتائجه ، فقال القاضي التنوخي في جواب ابن المعتز :

وعبت عليا في الحكومة بينه

وبين ابن حرب في الطغام الأشايب

وقد حكم المبعوث يوم قريظة

ولا عيب في فعل الرسول لعايب (٢)

وقال السيد الحميري :

قال الجوار من الكريم بمنزل

يجري لديه كنسبة المتنسب

فقضى بما رضي الإله لهم به

بالحرب والقتل الملح المخرب

قتل الكهول وكل أمرد منهم

وسبى عقائل بدنا كالربرب

وقضى عقارهم لكل مهاجر

دون الألى نصروا ولم يتهيب (٣)

__________________

(١) شرح النووي على صحيح مسلم ج ١٢ ص ٩٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٣٣٠.

(٣) ديوان السيد الحميري ص ١١٠ ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٥٢.

١٠٠