الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-184-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٣

السّلام» وتقديم أسيد ، لأن الثابت هو تقديم علي دون غيره.

ويمكن المناقشة فيما ذكرناه : بأن النص المذكور لم يصرح بأن النبي «صلّى الله عليه وآله» هو الذي قدم أسيد بن حضير ، فقد يكون أسيد قد ذهب إليهم من تلقاء نفسه وبصفته الشخصية ، لا أنه كان على رأس الجيش.

فإن النص يقول : «تقدمه أسيد بن حضير».

ولكن ذلك غير مقبول : فإن تحرك أسيد أو غيره من تلقاء نفسه ، ومن دون إذن أو تقديم منه «صلّى الله عليه وآله» بعيد وغير سديد.

ثانيا : يلاحظ : أن ابن حضير قد نسب الحلف الذي نفاه إلى نفسه لا إلى قومه حيث قال : «لا عهد بيني وبينكم ، ولا إلّ»!!

إلا أن يقال : إن نقض أحد زعماء القبيلة لحلف وكذلك عقده له هو عند العرب ملزم لقبيلته كلها.

ثالثا : إن بني قريظة إنما خافوا وخاروا حينما نادى علي «عليه السّلام» : «يا كتيبة الإيمان الخ ..» ، فحينئذ أرسلوا إلى حلفائهم الأوس أن يأخذوا لهم مثلما أخذت الخزرج لبني قينقاع ، وسيأتي ذلك تحت عنوان : الفتح على يد علي «عليه السّلام».

القتال ثم الحصار :

«ثم قدم رسول الله «صلّى الله عليه وآله» الرماة من أصحابه وأمرهم بأن يرموهم ، ويراميهم اليهود واستمر الرمي إلى أن ذهبت ساعة من الليل ، ورسول الله «صلّى الله عليه وآله» واقف على فرسه عليه السلاح ، وأصحاب الخيل حوله. ثم أمر «صلّى الله عليه وآله» أصحابه بالانصراف.

٢١

قال كعب بن عمر المازني : فانصرفنا إلى منزلنا ، وعسكرنا ، فبتنا. وكان طعامنا تمرا بعث به سعد بن عبادة أحمال تمر ، فبتنا نأكل منها ، ولقد رئي رسول الله ، وأبو بكر ، وعمر يأكلون من ذلك التمر» (١).

وكان طعام الصحابة أيام الحصار : التمر ، يرسل به إليهم سعد بن عبادة ، وقال «صلّى الله عليه وآله» يومئذ : نعم الطعام التمر (٢).

وكانوا يقاتلونهم في كل يوم من جوانب الحصن ، ويرمونهم بالنبل والحجارة (٣).

وعن عائشة بنت سعد ، عن أبيها ، قال : قال لي رسول الله «صلّى الله عليه وآله» : يا سعد ، تقدم فارمهم.

فتقدمت حيث تبلغهم نبلي ، ومعي نيف عن الخمسين ، فرميناهم ساعة وكأن نبلنا مثل جراد فانجحروا (٤) ، فلم يطلع منهم أحد ، وأشفقنا على نبلنا أن يذهب ، فجعلنا نرمي بعضها ، ونمسك البعض (٥).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٠٠ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٣ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤.

(٢) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٠٠ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٤.

(٣) تاريخ الخيس ج ١ ص ٤٩٤ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣.

(٤) الجحر : دخل جحره.

(٥) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٠٠ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٣ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤.

٢٢

ويظهر من الرواية : أن ذلك قد كان فور وصول رسول الله «صلّى الله عليه وآله» إليهم ، وبعد أن كلمهم.

وحاصرهم المسلمون أشد الحصار (١).

وجعل المسلمون يعقب بعضهم بعضا ، أي يقاتلهم فوج ويرتاح فوج. فلما أيقنوا بالهلكة تركوا رمي المسلمين ، وأرسلوا نباش بن قيس لمفاوضتهم (٢).

ونقول :

إننا نذكر القارئ الكريم بالأمور التالية :

١ ـ قال الواقدي : «ويقال : إنه لم يطلع منهم أحد ، ولم يبادر (يبارز خ ل) للقتال في روايتنا» (٣).

وقال ابن سعد : «ورموا بالنبل ، فانجحروا ، فلم يطلع منهم أحد» (٤).

وهذا لا ينافي ما تقدم : من أنهم كانوا يرمون المسلمين من حصونهم.

ولا ينافي قول اليعقوبي : «قتل من بني قريظة ، ثم تحصنوا فحاصرهم الخ ..» (٥).

إذ إن الواقدي إنما يتحدث عن فترة الحصار ، وأنه لم يحصل قتال

__________________

(١) الوفا ص ٦٩٥ وتاريخ الخميس ص ٤٩٣ ومحمد رسول الله ، سيرته وأثره في الحضارة ص ٢٤٥ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٣٢٩.

(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٠١ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٣ وستأتي بقية المصادر في حديث مفاوضة نباش بن قيس.

(٣) المغازي ج ٢ ص ٥٠٤.

(٤) الطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٤.

(٥) تاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج ٢ ص ٥٢.

٢٣

بالسيف إبان هذه الفترة.

وسيأتي : أنهم قد نزلوا لمواجهة بعض كتائب المسلمين التي قادها كبار الصحابة فهزموها. ثم لما جاءهم أمير المؤمنين هزمهم ، واضطرهم إلى النزول على حكم الله ورسوله. وقد كان ذلك بعد الحصار وفي اليوم أو الأيام الأخيرة منه.

وسيأتي الحديث عن ذلك : تحت عنوان : الفتح على يد علي «عليه السّلام».

٢ ـ إننا لا نستغرب : أن يحاول سعد بن أبي وقاص ، وابنته تسجيل فضيلة لسعد ، لا سيما في مجال الرمي ، الذي مارسه المسلمون في هذه الواقعة.

ولكن ما يلفت نظرنا :

أولا : أن لا يرد هذه الحديث إلا على لسان سعد نفسه ، حدث به ابنته التي تفردت بروايته عنه ، وكأنه لم يكن يجرؤ على أن يتحدث به أمام الناس ، الذين كانوا يعرفون الحقيقة ، وقد عاشوها وعاينوها ، حتى لا يواجه ما لا يحب.

ثانيا : يستوقفنا أيضا : أن يتضمن حديث سعد لابنته تلويحا ظاهر الدلالة إلى أن النبي «صلّى الله عليه وآله» كان هو البادئ في رمي بني قريظة ، وهو أمر لا تؤيده الشواهد التاريخية ، بل قد ثبت ما ينافيه ويرده ، وأن النبي «صلّى الله عليه وآله» لم يكن يبدأ أحدا بقتال ، حتى يبتدئ.

وقد تقدم هذا الأمر عنه وعن علي أمير المؤمنين «عليه السّلام» فراجع.

٣ ـ قولهم : إن رمي المسلمين لبني قريظة قد استمر إلى أن أيقنوا بالهلكة ، فأرسلوا نباش بن قيس لمفاوضة النبي الأكرم «صلّى الله عليه وآله» ، فرجع إليهم وأخبرهم : أنه «صلّى الله عليه وآله» لا يقبل إلا بأن

٢٤

ينزلوا على حكمه فأرسلوا حينئذ بطلب أبي لبابة ،

إن هذا القول موضع شك وريب أيضا : فإن هناك نصوصا تدل على أنهم بعد أن رجع إليهم نباش استمروا أياما. صدوا خلالها حملات بقيادة بعض كبار الصحابة ، فجاءهم علي «عليه السّلام» ، فقهرهم ، واضطرهم إلى النزول على حكم سعد بن معاذ ، كما سيأتي تفصيله.

ولكن هؤلاء يريدون تجاهل دور سيد الوصيين قدر الإمكان ، حقدا منهم وحنقا ، وخيانة للدين وللحقيقة.

ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين.

مدة الحصار :

قد اختلفت كلمات الرواة والمؤرخين في مدة حصار المسلمين لبني قريظة وذلك على النحو التالي :

١ ـ حاصرهم أياما ، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ (١).

أو : «فحصرهم حتى نزلوا على حكمه» (٢).

٢ ـ حاصرهم إحدى وعشرين ليلة (٣).

وفي نص آخر : بضعا وعشرين ليلة (٤).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢.

(٢) أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٧.

(٣) راجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤ عن معالم التنزيل.

(٤) عمدة القاري ج ١٧ ص ١٨٨ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٣٢٧.

٢٥

٣ ـ عشرة أيام (١).

٤ ـ أربع عشرة ليلة (٢).

وفي نص آخر : بضع عشرة ليلة (٣).

٥ ـ خمسة عشر يوما (٤).

٦ ـ خمسة وعشرين (٥).

__________________

(١) عن ابن سعد في تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٦.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٧٦ عن ابن المسيب.

(٣) إرشاد الساري ج ٦ ص ٣٣٠ عن موسى بن عقبة ، وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٩٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٨ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٥ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٩ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٩.

(٤) راجع المصادر التالية : إرشاد الساري ج ٦ ص ٣٢٩ وسيرة مغلطاي ص ٥٦ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٤ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٨٨ عن ابن سعد. وراجع : التنبيه والإشراف ص ٢١٧ وقال : وقيل : أكثر من ذلك ، وراجع : عمدة القاري ج ١٧ ص ١٨٨ و ١٩٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٨ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٥ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤١.

(٥) المحبر ص ١١٣ وراجع المصادر التالية : إعلام الورى ص ٩٣ والثقات ج ١ ص ٢٧٥ والإرشاد للمفيد ص ٦٤ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٧٧ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٩ وإرشاد الساري ج ٦ ص ١٥٩ و ٣٣٠ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٠

٢٦

٧ ـ وقيل : حصرهم شهرا (١).

الفتح على يد علي عليه السّلام :

قد تقدم : أن بني قريظة قد طارت قلوبهم رعبا من علي «عليه السّلام» حين قدم إليهم ، ونزيد هنا :

أن من الأمور المثيرة : أننا نجد الزبير بن بكار ، يذكر لنا في كتاب المفاخرات نصا يفيد : أن النبي «صلّى الله عليه وآله» قد بعث إلى بني قريظة أكابر أصحابه

__________________

و ١٥٣ و ١٣٠ وجوامع السيرة النبوية ص ١٤٣ والسيرة النبوية ابن هشام ج ٣ ص ٢٤٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤١ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٧ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٨٨ عن ابن إسحاق ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣١ وق ١ ص ٢٩٣ ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٥١ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٨ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٥ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٥ و ٢٥٧ و ٢٧٣ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢١٠ و ٢٦٢ وأشار إليه في : سيرة مغلطاي ص ٥٦ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٨٨ و ١٩٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٨ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٠ و ٢٣٧ و ٢٥٠ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٦.

(١) الكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٦ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤١ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤.

٢٧

فهزموا ، فبعث عليا ، فكان الفتح على يديه تماما كالذي جرى في خيبر.

فقد روى الزبير بن بكار مناظرة بين الإمام الحسن «عليه السّلام» وبين عمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة ، وعتبة بن أبي سفيان ، والمغيرة بن شعبة ، عند معاوية فكان مما قاله لهم الإمام الحسن «عليه السّلام» :

«وأنشدكم الله أيها الرهط أتعلمون .. أن رسول الله «صلّى الله عليه وآله» بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة ، فنزلوا من حصنهم فهزموا ، فبعث عليا بالراية ، فاستنزلهم على حكم الله ، وحكم رسوله ، وفعل في خيبر مثلها» (١).

وقال القاضي النعمان مشيرا إلى جهاد علي «عليه السّلام» في بني قريظة : «وانصرف رسول الله صلوات الله عليه وآله على بني قريظة ، فقتلهم ، وسبى ذراريهم ، وكان ذلك بصنع الله لرسوله صلوات الله عليه وآله ، وللمسلمين ، وبما أجراه الله على يدي وليّه علي صلوات الله عليه ، وكان مقامه ذلك من أشهر المقامات وأفضلها» (٢).

ويروي المؤرخون : أنه لما تباطأ اليهود في إجابة طلب النبي «صلّى الله عليه وآله» بالتسليم ، والنزول على حكمه ، صاح علي بن أبي طالب قائلا : «يا كتيبة الإيمان».

وتقدم هو والزبير بن العوام ، وقال : «والله ، لأذوقن ما ذاق حمزة أو

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي ج ٦ ص ٢٨٩.

(٢) شرح الأخبار ج ١ ص ٢٩٩ وراجع قول المفيد في الإرشاد ص ٦٦ فإنه يقرب من هذا أيضا.

٢٨

اقتحم (أفتحن) حصنهم».

(فخافوا ، وقالوا : ننزل على حكم سعد).

فأرسل اليهود إلى حلفائهم من الأوس : أن يأخذوا لهم مثلما أخذت الخزرج لإخوانهم بني قينقاع الخ ..» (١).

ونقول :

ليلاحظ القارئ : حشر اسم الزبير في هذا المقام!!

وقال ابن الحجاج :

أنا مولى الكرار يوم حنين

والظبا قد تحكمت في النحور

أنا مولى لمن به افتتح الإس

لام حصني قريظة والنضير

والذي علم الأرامل في بدر

على المشركين جز الشعور

من مضت ليلة الهرير وقتلاه

جزافا يحصون بالتكبير (٢)

وسام الفتح :

ويحدثنا التاريخ : أن جماعة من الصحابة اعترضوا على أبي بكر على إقدامه على غصب الخلافة من علي بعد وفاة النبي «صلّى الله عليه وآله».

__________________

(١) محمد رسول الله «صلّى الله عليه وآله» سيرته وأثره في الحضارة ص ٢٤٧. وراجع المصادر التالية : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٧ و ٢٥١ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٦ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٣٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٤ وخاتم النبيين ج ٢ ص ٩٢٩ وتاريخ الإسلام السياسي ج ١ ص ١٢١.

(٢) مناقب آل أبي طالب «عليهم السّلام» (ط دار الأضواء) ج ٢ ص ٩٩.

٢٩

وكان أول من تكلم منهم خالد بن سعيد بن العاص الأموي فقال له : «اتق الله ، وانظر ما تقدم لعلي بن أبي طالب ، أما علمت أن النبي «صلّى الله عليه وآله» قال لنا ، ونحن محدقون به ، وأنت معنا في غزاة بني قريظة ، وقد قتل علي «عليه السّلام» عدة من رجالهم.

(وعند البياضي : وقد قتل علي رجالهم.

وعند ابن طاووس : وقد قتل علي «عليه السّلام» عشرة من رجالهم ، وأولي النجدة منهم) : وكان الذين يحدقون به «صلّى الله عليه وآله» آنئذ : جماعة من ذوي القدر والشأن من المهاجرين والأنصار :

يا معاشر قريش ، إني أوصيكم بوصية فاحفظوها عني ، ومودعكم أمرا ، فلا تضيعوه ، إن علي بن أبي طالب إمامكم من بعدي ، وخليفتي فيكم ، وبذلك أوصاني جبرئيل عن الله عز وجل ..».

ثم تذكر الرواية : احتجاج كل واحد من الاثني عشر ، وبعضهم احتج بحديث الغدير.

قال : «وقال في اليوم الرابع (أو في يوم الجمعة) لما جاء معاذ وعثمان (وفي نص آخر : سالم) مولى حذيفة كل في ألف رجل ، يقدمهم عمر ، (وفي نص ابن طاووس : أتاه عمر ، وعثمان ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعيد بن عمرو بن نفيل ، فأتاه كل منهم متسلحا الخ ..

زاد في نص آخر : مع كل واحد منهم عشرة من رجال عشائرهم).

فلما توسط عمر المسجد ، قال : يا أصحاب علي ، إن تكلم فيكم أحد بالذي تكلم به الأمس لنأخذن ما فيه عيناه.

٣٠

فقام إليه خالد (بن سعيد) فقال : يا ابن الخطاب ، أبأسيافكم تهددنا؟ أم بجمعكم؟! إن أسيافنا أحد من أسيافكم ، وفينا ذو الفقار ، وسيف الله ، وسيف رسوله ، وإن كنا قليلين ففينا من كثرتكم عنده قلة ، حجة الله ، ووصي رسوله ، ولولا أني أؤمر بطاعة إمامي لشهرت سيفي ، وجاهدت في الله حتى أبلغي عذري ، فقال أمير المؤمنين «عليه السّلام» : شكر الله مقالتك ، وعرف ذلك لك».

وتذكر نصوص هذه القضية أيضا : أن عمر أمر خالدا بالسكوت ، لأنه ليس من أهل المشهورة ، فقال له خالد بن سعيد :

بل اسكت أنت ، فإنك تنطق بغير لسانك ، وتفوه بغير فيك ، وإنك لجبان عند الحرب (كما يظهر) ما وجدنا لك في قريش فخرا.

وفي نص آخر : إنك ألأمها حسبا ، وأقلها عددا (أدبا) ، وأخملها ذكرا ، وأقلها غناء عن الله عز وجل وعن رسوله ، وإنك لجبان عند الحرب ، بخيل في الجدب ، لئيم العنصر ، مالك في قريش مفخر ، فأسكته خالد.

زاد في الإحتجاج قوله : وأخسها قدرا (١). وثمة زيادات أخرى فراجع.

__________________

(١) راجع المصادر التالية : الإحتجاج (ط سنة ١٣١٣ ه‍. ق) ج ١ ص ١٩٠ و ١٩١ و ٣٠٠ والصراط المستقيم ج ٢ ص ٨٠ و ٨٢ وقاموس الرجال ج ٣ ص ٤٧٦ و ٤٧٨ و ٤٧٩ والخصال ج ٢ ص ٤٦٢ و ٤٦٣ واليقين في إمرة أمير المؤمنين ص ١٠٨ ـ ١١٠ عن أحمد بن محمد الطبري ، المعروف بالخليلي ، وعن محمد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ في كتابه : مناقب أهل البيت «عليهم السّلام» والبحار ج ٢٨ ص ٢١٠ و ٢١١ و ٢١٤ و ٢١٩ ورجال البرقي ص ٦٣ و ٦٤.

٣١

قال ابن طاووس : «هذا الحديث روته الشيعة متواترين» (١).

ولنا مع هذا الحديث وقفات ، نقتصر منها على ما يلي :

١ ـ إنه «صلّى الله عليه وآله» إنما يوصي خصوص قريش بهذه الوصية بحضور ذوي القدر والشأن من أصحابه المهاجرين والأنصار.

ولا نبعد إذا قلنا : إنه «صلّى الله عليه وآله» كان على معرفة تامة بنوايا قريش تجاه خلافة علي «عليه السّلام» بعده ، وقد كان وما يزال يلمح ويصرح به لهم في المناسبات المختلفة منذ أوائل بعثته «صلّى الله عليه وآله». وكان يدرك تململ قريش ، ومن يدور في فلكها من هذا الأمر ، ورفضها الباطني له. هذا الرفض الذي كان يترجم في مواقف عملية لهم ، وأسلوب تعامل هنا وهناك. وقد ذكرنا بعض ما يوضح هذا الأمر في كتابنا : «الغدير والمعارضون» ، فليراجعه من أراد.

٢ ـ إنه «صلّى الله عليه وآله» لم يكن ليوصي ذوي القدر والشأن من المهاجرين والأنصار ، بهذه الوصية الحساسة والخطيرة ، والثقيلة جدا على الكثيرين منهم ، إلا حين يكون علي «عليه السّلام» قد حقق إنجازا كبيرا عجز عنه الآخرون.

وقد ألمحت الرواية إلى هذا الانجاز ، وهو : أنه «عليه السّلام» قد قتل رجالهم ، أو عشرة من رجالهم ، وأولي النجدة منهم (أي من بني قريظة).

وقد ذكرت النصوص المتقدمة أيضا : أن فتح قريظة كان على يديه «عليه السّلام» ، وتحدثت عن رعب بني قريظة منه بمجرد معرفتهم بقدومه

__________________

(١) اليقين ص ١٠٨ والبحار ج ٢٨ ص ٢١٤.

٣٢

إلى حصنهم ، وتحدثت عن هزيمة كبار الصحابة الذين أخذوا الراية ، ثم فتح الله على يديه ، تماما كما جرى في خيبر.

وكل ذلك يشجعنا على القول : إنه «صلّى الله عليه وآله» لم يكن ليطرح قضية إمامة علي «عليه السّلام» بعده ، وهو يعلم أن في أصحابه من يستميت في سبيل إبطال هذا الأمر وإفشاله ، إلا حينما تكون ثمة هزيمة نكراء لأولئك المناوئين ، ونصر مؤزر لأمير المؤمنين «عليه السّلام» يلجمهم عن التفوه بأي اعتراض ، ويصدهم عن السعي لبلبلة الأفكار ، وتسميم الأجواء والتشكيك في صوابية ما يوصيهم به «صلّى الله عليه وآله» ، ويأمرهم بالتزامه.

ويلمح إلى هذا بل يصرح به نفس هذا النص الذي نحن بصدده ، حيث ذكر أنه «صلّى الله عليه وآله» إنما قال لهم ذلك حين قتل «عليه السّلام» رجال بني قريظة ، أو عشرة من رجالهم وذوي النجدة منهم ، حسبما تقدم.

٣ ـ إن الهيئة الحاكمة وأنصارها حين أعوزتهم الأدلة والبراهين لجأوا إلى أسلوب التهديد ، والوعيد ، والقمع ، وعرض العضلات.

ولولا أنهم كانوا على علم بأن قرار علي «عليه السّلام» هو تجنب المواجهة المسلحة لكانوا قد حسبوا ألف حساب قبل أن يقدموا على ذلك.

٤ ـ إن وقائع هذه القضية تعطينا : أن هؤلاء الأعيان من الصحابة حين أعلنوا عدم شرعية ما أقدم عليه أبو بكر وحزبه ، واعتبروا ذلك تعديا وغصبا ، ومخالفة صريحة لأوامر النبي الأعظم «صلّى الله عليه وآله» ، فإنهم قد انطلقوا في مواقفهم هذه ، من ثوابت عقائدية ، واستجابة لشعور ديني وضميري وهّاج ومرهف.

٣٣

ولكن هذه المواجهة ـ رغم ذلك ـ : لم تتحول إلى غوغائية ، أو حالة انفعالية ، رغم استفزاز الحكم لهم ، ومحاولته تطوير الصراع ، لأنه كان يرى : أن من مصلحته تصعيد التحدي ليتفادى المأزق الذي يجد نفسه فيه ، وهو يرى نفسه عاجزا عن تبرير ما أقدم عليه بصورة منطقية ومعقولة.

ومن جهة أخرى : فإن هذه المعارضة قد عبرت في رفضها الاستجابة إلى استفزازت السلطة ، عن أن ذلك ينطلق من التزامها الدقيق بطاعة قيادتها ، ومن انضباطية صارمة وملفتة للنظر ، فهي التي تقرر حجم الصراع ومستواه ، وأساليبه ووسائله ، وهي التي تفرض ما تقرره على خصومها أيا كانوا.

٥ ـ إن خالد بن سعيد بن العاص الأموي قد وصف عليا هنا ب «الوصي».

ونود أن نذكّر القارئ الكريم : بأن هذا اللقب له «عليه السّلام» كان معروفا لدى الصحابة ، ولدى عموم الناس ، وكانوا يطلقونه عليه صلوات الله وسلامه عليه في كثير من المناسبات ، وقد ذكر المعتزلي طائفة من الأشعار والأرجاز التي أوردت هذا اللقب (١).

وتجده يتكرر كثيرا في كلمات وأشعار وأرجاز الناس في حربي الجمل وصفين ، وغيرهما.

بل إن الخوارج قد احتجوا لخروجهم على أمير المؤمنين «عليه السّلام» بقولهم : «زعم أنه وصي فضيّع الوصية» (٢). وتتبع النصوص التي أوردت

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ج ١ ص ١٤٣ و ١٥٠ وراجع : كتب التاريخ التي تذكر وقائع الجمل وصفين.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٩٢.

٣٤

هذا الوصف له «عليه السّلام» يحتاج إلى توفر تام ، وتأليف مستقل.

٦ ـ لقد أظهر هذا النص : أن عمر بن الخطاب لم تكن له مكانة مرموقة في قريش. وإنما استفاد من الظروف السياسية والاجتماعية في أيام الإسلام الأولى ، لينشئ لنفسه موقعا ، ويحيط نفسه بهالة من نوع ما ، ولا سيما في مجتمع المدينة ، الذي كان أقل تجربة من المجتمع المكي ، وأبعد عن أحابيل السياسة ومناورات وكيد السياسيين.

٧ ـ لقد هدد خالد بن سعيد عمر بن الخطاب ومن معه بذي الفقار ، وبعلي «عليه السّلام» سيف الله وسيف رسوله.

ولم يعترض عليه عمر بشيء.

وهذا قد يلمح : إلى أن هذا اللقب «سيف الله» هو من ألقاب علي «عليه السّلام» ، وقد دلت على ذلك روايات كثيرة عن رسول الله «صلّى الله عليه وآله» (١).

ولكن الآخرين قد سرقوا هذا اللقب ، ومنحوه لخالد بن الوليد ،

__________________

(١) فرائد السمطين ج ١ ص ١٣٨ ونظم درر السمطين ص ١٢٥ وذخائر العقبى ص ٩٢ وينابيع المودة ص ٢١٤ وإحقاق الحق ج ١٥ ص ٤٢ و ٥٩ و ٢٠٠ و ٤٣٥ و ٤٧٠ وج ٤ ص ١١٥ و ٢٢٥ و ٢٩٧ و ٣٨٦ وج ٥ ص ٤ وج ٦ ص ١٥٣ وج ٢٠ ص ٢٥٠ و ٥١٨ عمن تقدم وعن فتوحات الوهاب للعجيلي الشافعي ص ٦٢ وأرجح المطالب ص ٣٨ و ١٤ و ٢٩ ومناقب علي للحيدر آبادي ص ٥٧ و ٣٧ وخلاصة الوفاء للسمهودي (مخطوط) ص ٣٩ ووسيلة المآل ص ١٣٣ وانتهاء الإفهام ص ٢١٠ وعن مفتاح النجا (مخطوط) وشرف المصطفى والمناقب المرتضوية ص ٩٣ وأئمة الهدى للأفغاني ص ٤١ وشرح الجامع الصغير للمناوي ص ٧٥٩ ودر بحر المناقب ص ٤٢ وآل محمد للمردي ص ٦٤٢ و ١٩٥ وعن مناقب الإمام علي «عليه السّلام» لابن المغازلي.

٣٥

مكافأة له على قتله ذلك الرجل المسلم مالك بن نويرة ، ثم الزنى بامرأته ليلة قتله.

وقد برروا قتله له بأنه كان يمتنع عن إعطاء الزكاة للحاكم المغتصب لمقام الخلافة. مع أن السبب الحقيقي هو عشقه لزوجة المقتول.

وقد أعطاه أبو بكر هذا الوسام حينما طالب عمر بمجازاة خالد : «لإحن قديمة بينهما ما كنت لأشيم سيفا سله الله على أعدائه» (١).

ثم نسبوا ذلك إلى رسول الله «صلّى الله عليه وآله» (٢).

مع أن صاحب اللقب الحقيقي هو علي «عليه السّلام» كما أسلفنا.

٨ ـ إنه «صلّى الله عليه وآله» قد أعلن لهم (أي للمهاجرين والأنصار) أمر ولاية علي «عليه السّلام» في نفس الساعة التي شاهدوا فيها أثر علي «عليه السّلام» في نصرة دين الله ، حيث تحقق الفتح على يده ، ورأوا بأم أعينهم فرار أولئك الذين يدبرون أو يشاركون في التدبير للإستئثار بالأمر ، ونقض عهد الله ورسوله فيه.

وسيكون لهذا الكلام وقعه العميق في النفوس. ولا بد من أن تحتفظ به الذاكرة أزمنة طويلة ، وسيتذكره الذين سمعوه في نفس اللحظات التي يرون فيها أن وصية الرسول «صلّى الله عليه وآله» قد خولفت ، وأوامره وعهوده قد نقضت.

__________________

(١) راجع : الغدير ج ٧ ص ١٥٨ و ١٦٣ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٥٠٣ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٥٩ وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٩٥ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ١٠٥ والإصابة ج ٣ ص ٣٥٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٠٩.

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ١٠٢ والإمامة والسياسة ج ١ ص ٢٤ والإصابة ج ١ ص ٤١٤ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ١ ص ٤٠٨ و ٤٠٩.

٣٦

ولذلك بادر خالد بن سعيد بن العاص إلى التذكير بهذه الوصية في هذه اللحظة بالذات ، وسجل إدانته الصريحة لمخالفتهم أوامر النبي «صلّى الله عليه وآله» ، ونقضهم لعهده.

٩ ـ إن النبي الكريم «صلّى الله عليه وآله» قد حصر عواقب نقض وصيته في علي «عليه السّلام» بأمور ثلاثة ، هي :

ألف : الإختلاف في الأحكام.

ب : إضطراب أمر دينهم عليهم.

ج : أن يليهم شرارهم.

وهي أمور لا بد أن يولوها أهمية بالغة ، لأنها تضر بسعادتهم الدنيوية ، والأخروية على حد سواء. فإن ولاية الأشرار تضر بأمنهم ، بجميع وجوهه ، وفي مختلف مواقعه ، فلا أمن على الأوراح ، ولا على الأعراض ، ولا على الأموال .. كما أنه يفقدهم الثقة بسياسات حكامهم ، وبنواياهم ، وبصحة تفكيرهم ، وسلامة قراراتهم يفقدهم القدرة على التخطيط للمستقبل ، الأمر الذي يجعلهم في مهب الريح ، تتقاذفهم رياح الأهواء ، وتكون قراراتهم مرتجلة ، وعشوائية ، وغبية ، ويكون غيرهم هو الذي يتحكم بمصيرهم ، حسبما يحلو له ، وبما ينسجم مع ما يراه من مصلحته .. وذلك هو الضياع والخسران المبين في الحياة الدنيا ..

كما أن إبعاد من نصبه الله وليا وحاكما ، وإماما عن موقعه الطبيعي ، يؤدي بهم إلى الاختلاف في الأحكام ، لأن الناس إذا تركوا إمامهم صاروا مثل غنم غاب عنها راعيها. ولن يجديهم نفعا لجوءهم إلى أناس عاديين مثلهم ، فإنهم سوف لا يهتدون إلى كثير من الأحكام ، لأنهم يملكون من المعرفة بكلام الرسول «صلّى الله عليه وآله» وبمواقفه ، أو قد يعرفون عددا

٣٧

منها ما يكفي للأمن من الزلل والخطل .. كما أن ما علموه من أقواله «صلّى الله عليه وآله» ومواقفه ، يجهلون مبرراته ، وحيثياته ، فيفهمونه على غير وجهه ، فقد يتوهمون العام خاصا ، أو الخاص عاما ، والمقيد مطلقا وعكسه. وتختلط عليهم أمور كثيرة فيما يرتبط بالقواعد والمناهج ..

هذا كله ، بالإضافة إلى سعي ذوي النفوذ ، وطلاب اللبانات ، وأصحاب الأهواء إلى التدخل في الأحكام ، وفرضهم التلاعب بها لمصلحتهم .. والأحداث والوقائع التاريخية خير شاهد على ذلك.

١٠ ـ وآخر ما نذكره في تعليقنا على الحدث المتقدم ، أنه يذكر : أن النبي «صلّى الله عليه وآله» قد أوصى قريشا بقبول خلافة وإمامة علي «عليه السّلام» بعده ، بعد أن قتل علي «عليه السّلام» بني قريظة ، أو رجالا من أهل النجدة فيهم .. وهذا يؤيد ما قاله ابن واضح اليعقوبي : «وقتل من بني قريظة ، ثم تحصنوا فحاصرهم» (١).

ثم كان الفتح أخيرا أيضا على يد أمير المؤمنين علي «عليه السّلام» كما أكدته سائر النصوص التي قدمناها.

مبارزة الزبير لقريظي :

عن عكرمة : «لما كان يوم بني قريظة ، قال رجل من اليهود : من يبارز؟

فقام إليه الزبير ، فبارزه.

فقالت صفية : واجدي.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢.

٣٨

فقال رسول الله «صلّى الله عليه وآله» : أيهما علا صاحبه قتله ، فعلاه الزبير ، فقتله ، فنفله رسول الله «صلّى الله عليه وآله» سلبه» (١).

ونقول :

١ ـ قال الواقدي : «ولم يسمع بهذا الحديث في قتالهم وأراه ، وهل هذا في خيبر» (٢).

٢ ـ تقدم أنه لم يطلع أحد من بني قريظة ، ولم يبادر (يبارز) للقتال (٣).

أما حينما ذهب إليهم غير علي ، فإن الذاهبين إليهم قد هزموا بمجرد أن رأوا بني قريظة ينزلون إليهم ، وأما حينما ذهب إليهم علي نفسه ، فإنه هو استنزلهم من حصونهم فنزلوا منها على حكم سعد بن معاذ (٤).

٣ ـ تقدم أيضا ما يقرب من هذه القصة في غزوة الخندق ، وأثبتنا أنها مكذوبة والظاهر : أن هؤلاء الناس متحيرون كيف يمكنهم تسطير الفضائل لمن يحبونهم. والله سبحانه لم يزل ولا يزال يكشف زيف دعاويهم العريضة وأقاويلهم وأباطيلهم ، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

الحرب خدعة :

ويقولون : إن النبي «صلّى الله عليه وآله» قال يوم بني قريظة : «الحرب

__________________

(١) المغازي ج ٢ ص ٥٠٤.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٠٥.

(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٠٤.

(٤) راجع ص ٢٧ و ٢٨ من هذا الجزء.

٣٩

خدعة» (١).

ونحن نستبعد أن يكون «صلّى الله عليه وآله» قد قالها في هذه المناسبة ، إذ لا مناسبة تقتضي ذلك ، ولم يقم المسلمون بأي عمل فيه شيء من الخداع لبني قريظة. بل هم قد حاصروهم ، وشددوا عليهم الحصار ، وحصلت بعض المناوشات على الطريقة المعروفة والمألوفة.

ولم يوفق الذين قاموا بمهاجمتهم أولا ، حتى هاجمهم علي أمير المؤمنين ، فكان الفتح على يديه «عليه السّلام».

__________________

(١) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٣.

٤٠