الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-184-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٣

تبوك قال : «فيه نظر ظاهر» (١). وإذا كان مستند الحلبي في هذا النظر هو الروايات التي ذكرت : أنها كانت في غزوة المريسيع ، فلا مجال لقبول ذلك منه ، بعد أن تواردت على تلك الروايات العلل والأسقام ، كما رأينا وسنرى إن شاء الله تعالى.

والخلاصة : أن وقوع هذه الحادثة في غزوة المريسيع أمر مشكوك فيه.

ابن أرقم؟ أم ابن أقرم؟ أم غيرهما؟!

إننا في حين نجد بعض الروايات تقول : إن زيد بن أرقم هو الذي تصدى لابن أبي ، نجد في النصوص الأخرى ، ما يخالف ذلك ، فقد ذكر ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، وذكر موسى بن عقبة في مغازيهما هذه القصة ، وزعما : أن أوس بن أقرم ـ وهو رجل من بني الحارث بن الخزرج ـ هو الذي سمع قول عبد الله بن أبي ، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب. وذكر ذلك عمر لرسول الله «صلى الله عليه وآله».

وبعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى ابن أبي ، فسأله عما تكلم به ، فحلف بالله ما قال من ذلك شيئا.

فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» : إن كان سبق منك قول فتب. فجحد ، وحلف.

فوقع رجال بأوس بن أقرم ، وقالوا : أسأت بابن عمك ، وظلمته ، ولم يصدقك رسول الله «صلى الله عليه وآله».

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٦ و ٢٨٧.

٣٠١

فبينما هم يسيرون إذ رأوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوحى إليه ، فلما قضى الله قضاءه في موطنه ذلك ، وسري عنه نظر رسول الله «صلى الله عليه وآله» فإذا هو بأوس بن أقرم ، فأخذ بأذنه فعصرها ، حتى استشرف القوم.

فقام رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال : أبشر ، فقد صدق الله حديثك ، ثم قرأ عليهم سورة المنافقين الخ ..» (١).

وقد ادّعى البعض : تعدد هذه القضية لزيد بن أرقم ، ولأوس بن أقرم كليهما (٢).

ونقول :

لا مجال لقبول هذه الدعوى الأخيرة ، إذ من البعيد حصول هذا التوافق في الخصوصيات والتفاصيل لكل من الرجلين ، كما يتضح بالمراجعة والمقارنة.

ودعوى : أن قصة أوس خطأ من أصحاب المغازي ، وأن قائل ذلك هو زيد (٣) ، ليس بأولى من العكس.

لا سيما إذا علمنا : أن قصة زيد تتوارد عليها العلل والأسقام من كل جانب.

هذا كله بالإضافة : إلى ما تقدم من أن الذي أخبر النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) دلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٥٦ وفي هامشه قال : (نقله ابن عبد البر مختصرا في الدرر ١٨٩). وراجع : فتح الباري ج ٨ ص ٤٩٥ والإصابة ج ١ ص ٧٩ عن الحاكم في الإكليل.

(٢) الإصابة ج ١ ص ٧٩.

(٣) الإصابة ج ١ ص ٧٩ عن الحاكم في الإكليل.

٣٠٢

وآله» بقول ابن أبي ، هو سفيان بن تيم (١) وليس عمر بن الخطاب كما ذكرت هذه الرواية.

جرأة زيد بن أرقم :

ولا ندري مدى صحة ما ينسب لزيد بن أرقم من جرأة نادرة على ابن أبي ، ومن كلام قوي ورصين ، وعالي المضمون ، حيث قال له :

«أنت ـ والله ـ الذليل ، المنقص في قومك. ومحمد في عزّ من الرحمن ، وقوة من المسلمين.

فقال له ابن أبي : اسكت فإنما كنت ألعب».

ولم نعهد من زيد هذا المستوى من الجرأة ، والتحدي ، وهذا القدر من الوعي ، والمعرفة بفنون الكلام ، لا سيما وهو غلام يافع صغير السن ، قد لا يزيد عمره على الخمس عشرة سنة.

مع أننا نستغرب أن يكون جواب ابن أبي له : هو كلمة : «اسكت ، إنما كنت ألعب» فإنه جواب ضعيف ، لا ينسجم مع قوة كلامه في مقام التحدي السافر للنبي «صلى الله عليه وآله» ولمن معه ، وكيف سكت على إهانة زيد له ، وادّعائه : أنه منقص في قومه ، وذليل؟ ولماذا جاء الجواب بكنت ألعب ، بدل أمزح؟

إن أجواء الحوار تدعونا إلى رفض أن يكون الحوار قد سار على هذا النهج ، وبهذا الطريقة ، لو كان ثمة حوار!!

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٧.

٣٠٣

ذكرت ذلك لعمي ، أو لعمر!!

ونجد في الكلام المنسوب لزيد ترديدا يثير الشبهة والريب ، إلى درجة الاعتقاد بأن هذه القضية قد كانت عرضة للتلاعب لدوافع مختلفة ، فهو يقول : «فذكرت ذلك لعمي ، أو لعمر» (١).

فهل يعقل أن يكون زيد قد نسي ذلك الشخص الذي تحدث معه عن هذا الأمر الذي نشأ عنه نزول آية قرآنية ، فيها التكريم والتعظيم ، والشرف ، الذي لا يضاهى ، والفضل الذي لا يناله إلا ذو حظ عظيم؟!

وهل يمكن أن يكون هذا الترديد قد جاء من الرواة ، لا من زيد؟ لا سيما ونحن نرى نصا آخر يؤكد على أنه كان رديفا لعمه ، وأن عمه هو الذي انطلق فأخبر عمر بذلك ، ثم رجع إليه فأنّبه ، بعد أن حلف ابن أبي لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فصدقه (٢).

وذلك يبعد أن يكون الترديد من الراوي ، لا من زيد.

وإن كانت سائر الروايات التي تقدمت قد ذكرت أن زيدا قد أخبر عمر بذلك. فأي ذلك نصدق ، وبماذا نوجه هذا التناقض والاختلاف؟!

إلا أن نقول كما يقوله الآخرون : «لا حافظة لكذوب».

مع أننا نتردد كثيرا في نسبة الكذب إلى زيد ، بل نكاد نطمئن إلى أن

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ١٣٠.

(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٣ عن ابن سعد ، وعبد بن حميد ، والترمذي وصححه ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر.

٣٠٤

محبيه هم الذين أوقعوه في هذه الورطة. ولعل ذلك قد كان بعد موت زيد بعشرات السنين.

من هو عم زيد بن أرقم؟!

قد ذكرت بعض الروايات : أن عم زيد الذي أخبر النبي «صلى الله عليه وآله» بما كان من ابن أبي هو سعد بن عبادة ، كما ذكره الطبراني ، وابن مردويه (١).

مع أن سعدا ليس عمه الحقيقي ، وإنما هو سيد قومه الخزرج ، وعمه الحقيقي هو ثابت بن قيس. وعمه زوج أمه هو عبد الله بن رواحة (٢) «رضوان الله تعالى عليه».

فلماذا جعل ابن عبادة عما له في هذه القضية بالذات يا ترى؟!

على أننا نشك : في أن يكون ابن عبادة أيضا هو الذي أخبر النبي «صلى الله عليه وآله» بالأمر ، حتى لو قبلنا صحة تسميته بالعم ، وذلك لما تقدم في رواية هذه القصة من أن ابن عبادة قد لحق النبي «صلى الله عليه وآله» ، حينما سار بالناس ، وسأله عن سبب ذلك ، فقال له : أما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبي؟!.

قال : وما قال.

قال : زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل الخ ..

فإن ظاهر هذه الرواية : أن ابن عبادة إلى هذا الوقت لم يكن يعلم بما

__________________

(١) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٣ وفتح الباري ج ٨ ص ٤٩٤.

(٢) فتح الباري ج ٨ ص ٤٩٤.

٣٠٥

كان من ابن أبي ، وأنه علم بذلك من النبي «صلى الله عليه وآله». فكيف يكون هو الذي أخبره بما قاله زيد عن ابن أبي؟!

قربى ابن أرقم لابن أبي :

على أن بعض النصوص قد ذكرت : أن الذي نقل إلى النبي ما جرى هو غلام من قرابة ابن أبي (١).

وزيد بن أرقم ليس من أقرباء ابن أبي إذ هو : ابن أرقم ، بن زيد ، بن قيس ، بن النعمان ، بن مالك ، بن الأغر ، بن ثعلبة ، بن كعب بن الخزرج (٢).

وعبد الله هو : ابن أبي ، بن مالك بن الحرث ، بن مالك ، بن سالم ، بن غنم ، بن عوف ، بن الخزرج (٣).

فأين هي القرابة بين الرجلين؟! إلا أن يكون مجرد كونهما يلتقيان في الخزرج نفسه يكفي لوصفه بكونه من قرابته.

النبي صلى الله عليه وآله يضرب راحلته :

وقد عرفنا أن البعض يقول : «ثم سار رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالناس سيرا حثيثا ، بحيث صار يضرب راحلته في مراقها» (٤).

ولا ندري ، ما هو ذنب الناقة التي لم تكن تدري بشيء ، أو فقل لم يكن

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٤ عن عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.

(٢) الإصابة ج ١ ص ٥٦٠.

(٣) الإصابة ج ٢ ص ٣٣٥.

(٤) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٧٠ و ٢٧١.

٣٠٦

لها دور فيما حصل ويحصل من حولها؟

كما أننا لا نصدق : أنه «صلى الله عليه وآله» يضرب ناقته من الأساس ، فقد :

١ ـ روي عن عائشة : أنها ركبت بعيرا ، وفيه صعوبة ؛ فجعلت تردده ، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : عليك بالرفق (١).

٢ ـ وعن الزهري وكذا عن عائشة قالت : ما ضرب «صلى الله عليه وآله» شيئا قط بيده ، لا امرأة ، ولا خادما ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ..

وعند الزهري : ما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يضرب في سبيل الله (٢).

٣ ـ عن إبراهيم بن علي ، عن أبيه ، قال : حججت مع علي بن الحسين «عليه السّلام» ، فالتاثت (٣) الناقة عليه في سيرها ، فأشار إليها بالقضيب ثم قال : آه لولا القصاص. وردّ يده عنها (٤).

٤ ـ وعن الصادق «عليه السّلام» قال : حج علي بن الحسين «عليه

__________________

(١) الشفاء للقاضي عياض ج ١ ص ١٢٦.

(٢) المواهب اللدنية ج ١ ص ٢٩٢ و ٢٩٣ والشفاء ج ١ ص ١٠٨ وصحيح مسلم ج ٨ ص ٢٣ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٣٦ عن أحمد ، ومسلم ، ومسند أحمد ج ٦ ص ١٧١.

(٣) التاثت : أبطأت.

(٤) الإرشاد للمفيد ص ٢٨٨ ومناقب ابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٥٥ وإعلام الورى ص ٢٦١ والفصول المهمة ص ٢٠٣ وبحار الأنوار ج ٤٦ ص ٧١ و ٧٦ و ٩١ وج ٦١ ص ٢١٥ و ٢١٦ والمحاسن ص ٣٦١ والمحجة البيضاء ج ٤ ص ٢٣٥ والوسائل ج ٨ ص ٣٥٤ و ٣٥٥ و ٣٩٦.

٣٠٧

السلام» على ناقة عشر سنين فما قرعها بسوط. ولقد بركت به سنة من السنين فما قرعها بسوط (١).

وفي نص آخر : أربعين حجة (٢) أو عشرا (٣). فهل يعقل أن يكون السجاد «عليه السّلام» أتقى لله أو أعرف بالأحكام من نبي الإسلام الأكرم «صلى الله عليه وآله»؟!

يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا :

تقدم أن بعض الروايات عن قتادة تقول : «إن آية : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ..) الآية (٤) .. قد نزلت في ابن أبي في هذه المناسبة» (٥).

ونقول :

أولا : إننا نجد في مقابل ذلك الأقوال التالية :

١ ـ ما روي عن كعب بن مالك ، وابن سيرين ، وعروة بن الزبير ، وابن

__________________

(١) الوسائل (ط المكتبة الإسلامية) ج ٨ ص ٣٥٤ و ٣٩٦ والمحاسن للبرقي ج ٢ ص ١٠٩ والبحار ج ٦١ ص ٢٠٤.

(٢) الوسائل ج ٨ ص ٣٥٣ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٣٩٣ والبحار ج ٦١ ص ٢١٢.

(٣) الوسائل ج ٨ ص ٣٩٥ و ٣٩٦ والمحاسن ج ٢ ص ١٠٩ والخصال ج ٢ ص ٥١٨ والبحار ج ٤٦ ص ٧٠ و ٩١ وج ٦١ من ٢٠٦ وعن ثواب الأعمال ص ٤٦.

(٤) الآية ٧٤ من سورة التوبة.

(٥) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٥٨ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.

٣٠٨

عباس : أن هذه الآية قد نزلت في الجلاس بن سويد ، حيث قال : لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير. فسمعه عمير بن سعد (الذي كان ربيبا له) (١) ، فأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» ، فأتى الجلاس ، وحلف بالله : أنه ما قال ذلك ، فأنزل الله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ..)(٢).

وكان نزول هذه الآية في وقعة تبوك التي كان الجلاس قد تخلف عنها كما عن ابن عباس (٣) وعروة (٤).

وفي نص آخر : إنها نزلت في منافق سمعه زيد بن أرقم يقول ـ والنبي «صلى الله عليه وآله» يخطب ـ : إن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير ، فأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» إلى آخر القصة السابقة ، كما روي عن أنس ، وابن سيرين (٥).

__________________

(١) راجع : الإصابة ج ٣ ص ٣٢ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٢ ص ٤٨٧ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٥٨ عن عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ عن ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، وعن ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك. وعن عبد الرزاق وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن عروة. وعن عبد الرزاق ، عن ابن سيرين والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٢ ص ٤٨٧ عن ابن إسحاق ، وعبد الرزاق ، وغيره.

(٣) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٥٨ عن ابن أبي حاتم.

(٤) الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٢ ص ٤٨٧.

(٥) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ عن ابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن أنس. وعن ابن المنذر ، وأبي الشيخ عن ابن سيرين.

٣٠٩

٢ ـ عن ابن عباس : كان النبي «صلى الله عليه وآله» جالسا في ظل شجرة ، فقال : إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان ، فإذا جاء فلا تكلموه ، فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ، فدعاه «صلى الله عليه وآله» ، فقال : علام تشتمني أنت وأصحابك؟

فانطلق الرجل فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم ، وأنزل الله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ..)(١).

ملاحظة : ونسجل هنا ملاحظة حول عمير بن سعد ، فإنه قد شهد فتوح الشام ، واستعمله عمر على حمص إلى أن مات.

وكان عمر يقول : وددت أن لي رجالا مثل عمير بن سعد أستعين بهم على أعمال المسلمين (٢).

وثانيا : إن آية (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ..) ، هي في سورة التوبة. وهي قد نزلت بعد فتح مكة (٣). بل هي من آخر القرآن نزولا (٤). وهي آخر سورة

__________________

(١) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٥٨ عن ابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبي الشيخ.

(٢) الإصابة ج ٣ ص ٣٢ وراجع الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٤٨٨.

(٣) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٧ عن أبي الشيخ ، عن ابن عباس.

(٤) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٧ و ٢٠٨ عن ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبي داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن أبي داود في المصاحف ، وابن المنذر ، والنحاس في ناسخه وابن حبان ، وأبي الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٣٠ و ٣٣١ وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) والبرهان للزركشي ج ١ ص ٢٣٥ وراجع ص ٦١ وفتح الباري ج ٩ ص ٣٧ و ٣٩ وكنز العمال (ط الهند) ج ٢ ص ٣٦٧ عمن ذكرهم في الدر

٣١٠

نزلت تامة (١). والمريسيع قد كانت قبل ذلك بعدة سنوات.

كثرة المسلمين بعد قضية زيد وابن أبي :

أما العسقلاني ، فاعتبر أن قول البخاري : «ثم إن المهاجرين كثروا بعد هذا مما يؤيد تقدم القصة.

ويوضح وهم من قال : إنها كانت بتبوك ، لأن المهاجرين حينئذ كانوا كثيرا جدا ، وقد انضافت إليهم مسلمة الفتح في غزوة تبوك ، فكانوا حينئذ أكثر من الأنصار» (٢).

ونقول :

إن كلام العسقلاني أيضا غير صحيح : وما قاله لا يثبت : أن من قال : إن القضية كانت بتبوك كان وهما منه. وذلك لما يلي :

١ ـ إن البخاري ذكر أن المهاجرين كثروا.

__________________

المنثور آنفا وعن أبي عبيد في فضائله وابن الأنباري في المصاحف ، وأبي نعيم في المعرفة ، وسعيد بن منصور وفواتح الرحموت (بهامش المستصفى) ج ٢ ص ١٢ وعن أحمد ، وأبي داود والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان والحاكم ومشكل الآثار ج ٢ ص ١٥٢ ومسند أحمد ج ١ ص ٥٧ و ٦٩ والسنن الكبرى ج ٢ ص ٤٢ وجواهر الاخبار والآثار (مطبوع مع البحر الزخار) ج ٢ ص ٢٤٥ ومناهل العرفان ج ١ ص ٣٤٧ ومباحث في علوم القرآن للقطان ص ١٤٢ والمرشد الوجيز لأبي شامة ص ٦١ وعن أحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ١٠.

(١) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٨ عن ابن أبي شيبة ، والبخاري ، والنسائي ، وابن الضريس ، وابن المنذر والنحاس في ناسخه ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، عن البراء.

(٢) فتح الباري ج ٨ ص ٤٩٨.

٣١١

والصحيح هو : أن جميع المسلمين قد كثروا. أما المهاجرون فإن كانوا قد كثروا فإنما أضيف لهم أفراد قليلون ، والكثرة إنما حصلت في السنة التاسعة فما بعدها ، وهي سنة وفود القبائل كما هو معلوم.

٢ ـ قد رووا عن النبي «صلى الله عليه وآله» ، أنه قال : لا هجرة بعد الفتح (١) ، فلا معنى لقول العسقلاني : إن المهاجرين بعد الفتح قد كثروا حتى كانوا أكثر من الأنصار.

إلا أن يكون المقصود : أن القريشيين كثروا ، وزاد عددهم بعد الفتح. لكن كثرتهم هذه ليست بهذا القدر الذي يصوره لنا العسقلاني أي إلى حد زاد عددهم على عدد الأنصار.

يا لقريش!!

قد ذكرت النصوص المتقدمة : أن جهجاها استغاث ، فقال : يا لقريش.

بل إن ثمة نصا آخر يقول : إن الحادثة قد جرت بين رجل من قريش ، ورجل من الأنصار (٢).

ونقول :

إن من الواضح : أن جهجاها رجل غفاري ، وليس من قريش ، فلا يمكن الاعتماد على ما ذكر ، ولا الأخذ به مع مخالفته لهذه الحقيقة الثابتة.

__________________

(١) مسند أحمد ج ١ ص ٢٢٦.

(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٦ عن عبد بن حميد ، عن محمد بن سيرين.

٣١٢

جهجاه المكروه سياسيا.

قد أظهرت النصوص المتقدمة : أن جهجاها الغفاري هو صاحب المشكلة ومثيرها ، ووصفته بأنه كان أجيرا لعمر بن الخطاب ، يقود له فرسه.

ثم إن بعض النصوص : قد أظهرت حقدها على هذا الرجل بالذات ، حيث تقول : «فكسع رجل من المنافقين رجلا من الأنصار» (١).

ومن المعلوم : أن المقصود بالمنافق هو خصوص جهجاه ، لأنه هو الذي كسع الأنصاري ، الذي هو سنان كما تقدم.

والذي نريد أن نلفت النظر إليه هنا هو :

أولا : إن جهجاها لم يكن رجلا عاديا ، يمكن أن يكون أجيرا لعمر بن الخطاب ليقود له فرسه ، ولا كان عمر في موقع يجعلنا نقبل بأنه قد أصبح ميسور الحال ، وفي موقع إجتماعي يؤهله لأن يستأجر رجلا ، لا لأجل الخدمة ، وقضاء الحاجات ، بل ليقود له فرسه!!

ولا نرى أن جهجاها في موقع من يثير مشكلة في زحام الناس على الماء ، فقد نجد له من الاحترام والتقدير ، ما يجلعنا نربأ به عن أمر كهذا.

ثانيا : إننا نشك في صحة بعض ما ينسب إلى هذا الرجل ، ونرى أن ثمة يدا تحاول أن تسيء إلى هذا الرجل ، وتصغر من شأنه ، وتثير الشبهات حوله ، إلى درجة أنها تصفه بالنفاق ، وذلك بسبب مواقفه السياسية ، التي لا تنسجم مع أهوائها ، وطموحاتها ، وتوجهاتها.

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٥ عن سعيد بن منصور ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن جابر.

٣١٣

فهو من المبايعين لعلي «عليه السّلام» في خلافته (١).

وروي عن أبي حبيبة قال : خطب عثمان الناس ، فقام إليه جهجاه الغفاري ، فصاح : يا عثمان ألا إن هذه شارف قد جئنا بها ، عليها عباءة وجامعة ، فانزل ، فلندرعك العباءة ، ولنطرحك في الجامعة ، ولنحملك على الشارف ، ثم نطرحك في جبل الدخان.

قال عثمان : قبحك الله ، وقبح ما جئت به.

قال أبو حبيبة : ولم يكن ذلك منه إلا عن ملأ من الناس ، وقام إلى عثمان خيرته وشيعته من بني أمية ، فحملوه ، وأدخلوه الدار (٢).

وروى البارودي ، من طريق الوليد بن مسلم ، عن مالك وغيره ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قام جهجاه الغفاري إلى عثمان ، وهو على المنبر ، فأخذ عصاه ، فكسره ، فما حال على جهجاه الحول حتى أرسل الله في يده الأكلة ، فمات منها (٣).

دعني أضرب عنقه :

ونلاحظ : أن عمر بن الخطاب يقول لرسول الله «صلى الله عليه وآله» عن ابن أبي : دعني أضرب عنقه يا رسول الله.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : إذن ، ترعد آنف كثيرة بيثرب.

__________________

(١) الجمل للشيخ المفيد ص ١٠٣

(٢) تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٤٠٠ وعنه في قاموس الرجال ج ٢ ص ٤٧١ و ٤٧٢.

(٣) الإصابة ج ١ ص ٢٥٣ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ١ ص ٢٥٣.

٣١٤

ولكنه لم يقنع بذلك ، بل عاد فطلب منه أن يتولى قتله عباد بن بشر ، أو معاذ أو محمد بن مسلمة.

فقال «صلى الله عليه وآله» : كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟! (١).

ونقول :

قد تقدم ذلك كله.

لكن ثمة نصا آخر يقول فيه عمر : لما كان من أمر ابن أبي ما كان جئت رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو في فيء شجرة ، عنده غلام أسود يغمز ظهره ، فقلت : يا رسول الله ، كأنك تشتكي ظهرك؟!

فقال : تقحمت بي الناقة الليلة.

فقلت : يا رسول الله ، إئذن لي أن أضرب عنق ابن أبي ، أو مر محمد بن مسلمة بقتله الخ ..» (٢).

ونقول :

١ ـ إن محمد بن مسلمة ، وعباد بن بشر ، ومعاذا هم من حواريي الحكام بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ومن مؤيدي سياساتهم ، فلا غرو أن يكون ثمة اهتمام بشأنهم ، وتأكيد على موقعهم ودورهم. وموقف محمد بن مسلمة ومعاذ في تأييد ما جرى على أمير المؤمنين والزهراء «عليهما

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٧ وأشار إلى ذلك في تاريخ الإسلام للذهبي (المغازى) ص ٢١٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٧١ وراجع المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤١٨ وسبل الهدي وإرشاد ج ٤ ص ٢٩٢.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٧.

٣١٥

السلام» ومشاركتهما في الهجوم على بيت الزهراء معروف ومشهور.

٢ ـ إننا نشك في زعمهم : أن الناقة قد تقحمت بالنبي «صلى الله عليه وآله» ، وذلك لما يلي :

ألف : تذكر لناقته العضباء أمور هامة ، من كلامها له «صلى الله عليه وآله» ، «وتعريفها له بنفسها ، ومبادرة العشب إليها في الرعي ، وتجنب الوحوش عنها ، وندائهم لها : إنك لمحمد. وإنها لم تأكل ولم تشرب بعد موته حتى ماتت (ذكره الإسفرائيني)» (١).

ب : وعن عبد الله بن قرط : قرب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» بدنات خمس ، أو ست ، أو سبع لينحرها يوم عيد ، فازدلفن إليه بأيهن يبدأ (٢).

ج : كما أن حماره يعفورا لما مات رسول الله «صلى الله عليه وآله» تردى في بئر جزعا وحزنا ، فمات (٣).

د : وقال «صلى الله عليه وآله» لفرسه وقد قام إلى الصلاة في بعض

__________________

(١) الشفاء لعياض ج ١ ص ٣١٣ وشرح الشفاء للقاري ج ١ ص ٣٦٥.

(٢) البداية والنهاية ج ٦ ص ١٤٠. والشفاء ج ١ ص ٣١٣ و ٣١٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٥٢٥ عن أبي داود ج ٢ ص ٣٦٩ وعن النسائي في الكبير ، كما في التحفة ج ٦ ص ٤٠٥ وشرح الشفاء للقاري ج ١ ص ٣٦٦ عن الحاكم والطبراني وأبي نعيم.

(٣) الشفاء ج ١ ص ٣١٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٣٦٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٧ ص ٤٠٦ عن السهيلي وشرح الشفاء للقاري ج ١ ص ٣٦٧ عن أبي حيان وعن الروض الأنف ، وأبي نعيم ، وابن عساكر ، وغيرهم والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٧١٦ ، والبداية والنهاية ج ٦ ص ١٥١ و ١٠.

٣١٦

أسفاره : لا تبرح ، بارك الله فيك حتى نفرغ من صلاتنا ، وجعله قبلته. فما حرك عضوا حتى صلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» (١).

ه : وهناك نصوص كثيرة تتحدث عن طاعة الحيوانات له «صلى الله عليه وآله» فلتراجع في مظانها (٢).

لا يتحدث الناس : أن محمدا يقتل أصحابه :

وبعد أن ظهر من ابن أبي ما ظهر ، فقد كان يمكن للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يعتبر ذلك مسوغا لقتله. وينفذ فيه حكم الله سبحانه. ولكنه «صلى الله عليه وآله» آثر أن لا يعطي ذريعة لأعداء الدين لينفثوا سمومهم ، حين يتخذون ذلك ذريعة لتخويف الناس من الدخول في الإسلام ، بحجة : أنهم لن يجدوا فيه الضمانات الكافية على حياتهم. خصوصا إذا صوروا لهم قتل ابن أبي من زاوية انحرافية ومظلمة ، حين يزعمون لهم أن قتله إنما كان على سبيل الانتقام الشخصي منه «صلى الله عليه وآله» ، بسبب تعرض ابن أبي للمساس بشخص النبي «صلى الله عليه وآله» وليست القضية قضية كفر وإيمان ، وإقامة لحدود الله سبحانه في حق من يكفر بالله بعد إيمانه ، ويجترئ على المقدسات.

ويفسح بعمله ذاك المجال أمام الآخرين لجرأة مماثلة أو أشد ثم عرقلة دخول الناس في الإسلام ، وفسح المجال أمام المغرضين للتلاعب وإثارة الإشاعات الباطلة ، وتشكيك الآخرين الذين لا يملكون قدرا كافيا من

__________________

(١) الشفاء ج ١ ص ٣١٥.

(٢) راجع : الشفاء لعياض ج ١ ص ٣٠٩ ـ ٣١٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٩.

٣١٧

المعرفة والوعي واليقين.

ومن جهة ثانية : فإن قتل ابن أبي قد يتسبب في حدوث مشاكل كبيرة ، وتشنجات خطيرة ، كما أشار إليه «صلى الله عليه وآله» في ما أجاب به عمر بن الخطاب ، الذي حرضه على قتله ، وعين له حتى من يتولى ذلك من المسلمين!! حيث قال له :

«إني والله لو قتلته يوم قلت ، لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته».

بل لقد نصت الروايات المتقدمة على أن قوم ابن أبي أنفسهم قد بدأوا يضيقون ذرعا بابن أبي وتصرفاته ، وصاروا يلومونه ويعنفونه على ما بدر منه.

فقضية ابن أبي إذن لم تعد قضية شخص صدر منه ما يوجب الحد ، بل هي قد تطورت لتلحق آثارها بالإسلام وبالمسلمين ، وحتى على المدى البعيد أيضا. والنبي «صلى الله عليه وآله» يعرف متى يحق له أن يصرف النظر عن إقامة حد على من يستحقه ، إذا رأى ما يقتضي ذلك.

والأمر الغريب هنا : أننا نجد عمر بن الخطاب يصر على النبي «صلى الله عليه وآله» بقتل هذا الرجل ، رغم أنه «صلى الله عليه وآله» قد أخبره بأن قتله يوجب خللا في الواقع القائم ، ويعتبر خطأ فاحشا حينما قال له : إذن ترعد آنف كثيرة بيثرب.

فيتجاهل عمر هذا التوضيح والتصريح ، ويقول له : إن كرهت أن يقتله مهاجري ، فأمر أنصاريا.

مع أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أوضح له أن نفس القتل هو الذي سوف يفسد الأمور ، ولم تكن المشكلة تكمن في من يقتله ، ولو كانت

٣١٨

المشكلة هي هذه ، فقد كان النبي يدرك أن إيكال أمر قتله إلى أنصاري يحل المشكلة ، أو لا يحلها.

النفاق ، والمنافقون :

وبعد كل ما تقدم نقول : إنه حين تكون الصفة الطاغية على حركة أو دعوة ما هي الضعف والوهن ، وكانت بعيدة عن الالتزام بمعاني الأخلاق والإنسانية فإن خصوم هذه الدعوة أو تلك الحركة سيواجهونها بالعنف ، والاضطهاد ، بقسوة وشراسة.

فإذا ما تشبثت تلك الدعوة بأسباب القوة ، فإن خصومها يتجهون نحو أساليب المكر والخديعة ، ويوظفون ذلك إلى جانب ما يملكونه من أسباب القوة ، ليسد ذلك المكر مواضع الضعف والخلل في تلك الأسباب ، وتصبح من ثم قادرة على التأثير في تدمير قدرات تلك الدعوة ، أو عرقلة حركتها بصورة أو بأخرى.

فإذا ازدادت تلك الدعوة والحركة قوة ، وازداد خصومها تقهقرا وضعفا ، فإن أساليب أولئك الخصوم في مواجهتها سوف تتطور وفقا للمستجدات ، حتى تنتهي بهم الأمور إلى استخدام أساليب يأباها الشرف وينبو عنها الشعور الإنساني النبيل. ذلك هو تاريخ المنافقين فليقرأه القارئون ، ليجدوا فيه كل عجيب وغريب في هذا المجال.

وهكذا كان حال المنافقين في عهد الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، الذين ما فتئوا يكيدون للإسلام ، ولنبي الإسلام ، وللمسلمين ، ويتربصون بهم الدوائر فكانوا يتآمرون مع الأعداء ، ويحرضونهم ، ويعدونهم النصر حينا ، ثم

٣١٩

كانوا يشاركون في الافتراء ، وحياكة الأباطيل حينا آخر ، إلى جانب تخذيلهم المسلمين ، وبث الإشاعات الباطلة ، وحبهم إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.

هذا كله : عدا عن كونهم عيونا للأعداء ، يطلعونهم على عورات المسلمين ، ويعلمونهم بأي تحرك منهم ، حتى كان النبي «صلى الله عليه وآله» كلما أراد غزوة ورى بغيرها ، وكان يستخدم أساليب كثيرة ومتنوعة ليعمي عليهم الأمور ، ويضللهم عن مقاصده الحقيقية.

عداك عما كان أولئك المنافقون يمارسونه من أساليب اللمز والهمز. إلى جانب الكثير من الإفك والافتراء ، والهزء والازدراء.

ولكنهم حين قويت شوكة المسلمين لم يجدوا مناصا من العض على الجراح ، خصوصا بعد أن ظهر لهم : أن التحركات العسكرية للمسلمين في المناطق المختلفة كانت تسقط مواقع العدوان والتآمر الواحد تلو الآخر ، وتقضي عليها ، أو تحولها إلى مواقع قوة وصمود للمسلمين.

فكان أن رأينا المنافقين يشاركون في غزوة بني المصطلق ولعلهم كانوا قد وثقوا بانتصار المسلمين ، فأرادوا الحصول على مكاسب مادية لهم.

ولكن نفاقهم الذي كانوا يصرون على التبرؤ منه لم يزل يظهر على صفحات وجوههم ، وفي فلتات ألسنتهم ، الأمر الذي أثار حالة من الإرباك ، الذي لو لم يتداركه الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» لبلغ إلى حد حدوث فتنة داخلية ، يخوض فيها ضعاف البصر والبصيرة حتى آذانهم ، ويوقعون الإسلام والمسلمين في مآزق خطيرة ، هم في غنى عنها.

وقضية عبد الله بن أبي كانت من هذا القبيل كما اتضح من النصوص التي سلفت.

٣٢٠