الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-184-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٣

عليهم حتى ينفضوا من حول محمد.

قال دحلان : «وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى حكاية عنهم : (.. لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ..)(١).

فقال له زيد بن أرقم : أنت والله الذليل القليل ، المبغّض في قومك ، ومحمد في عز من الرحمن ، وقوة من المسلمين.

فقال له ابن أبي : اسكت ، فإنما كنت ألعب. فمشى زيد بن أرقم ، (وقيل : سفيان بن تيم) إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب ، فقال عمر : دعني أضرب عنقه يا رسول الله!.

فقال : إذن ترعد آنف كثيرة بيثرب.

فقال : إن كرهت أن يقتله مهاجري ، فأمر أنصاريا.

أو قال له : فمر عباد بن بشر بقتله.

وعند البعض : مر معاذا أن يضرب عنقه.

قال العسقلاني : «وإنما قال ذلك لأن معاذا لم يكن من قومه».

وثمة نص آخر يقول : أو مر محمد بن مسلمة بقتله.

فقال : كيف يا عمر إذا تحدث الناس : أن محمدا يقتل أصحابه؟!

ولكن آذن بالرحيل ، وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها. فارتحل الناس.

قال دحلان : «ثم سار رسول الله «صلى الله عليه وآله» سيرا حثيثا ، بحيث صار يضرب راحلته بالسوط في مراقها».

وذكروا أيضا : أنه «صلى الله عليه وآله» سار بالناس حتى أمسى ، وليلتهم

__________________

(١) الآية ٧ من سورة المنافقون.

٢٨١

حتى أصبح ، ويوم ذاك حتى آذتهم الشمس ، ثم نزل بالناس ، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض ، فوقعوا نياما. وذلك ليشغلهم عن حديث الأمس.

وقالوا أيضا : إن الخزرج لاموا ابن أبي ، فأنكر أن يكون قال شيئا ، فلما سار رسول الله «صلى الله عليه وآله» بهم ذلك السير جاءه ابن أبي ، فحلف أنه لم يقل شيئا.

لكن نصا آخر يذكر : أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي أرسل إلى ابن أبي ، فأتاه ، فقال : أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني؟!.

فقال عبد الله : والذي أنزل عليك الكتاب ، ما قلت شيئا من ذلك. وإن زيدا لكاذب.

أو قال له «صلى الله عليه وآله» : إن كانت سبقت منك مقالة ، فتب. فحلف بالله ما قال شيئا من ذلك.

وعند البخاري والترمذي وغيرهما : أنه لما حلف ابن أبي وأصحابه للنبي «صلى الله عليه وآله» صدقهم وكذب زيدا.

قال زيد : فأصابني هم لم يصبني مثله ، فجلست في البيت (١).

قال دحلان : وأنزل الله في حق عمر (رض) : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ، مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)(٢).

قالوا : وكان عبد الله شريفا في قومه عظيما ، فقال من حضر من الأنصار

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ١٣٠ و ١٣١ والجامع الصحيح ج ٥ ص ٤١٥.

(٢) الآيتان ١٤ و ١٥ من سورة الجاثية.

٢٨٢

من أصحابه :

يا رسول الله ، شيخنا وكبيرنا ، لا تصدق عليه كلام غلام ، عسى أن يكون الغلام وهم في حديثه ، ولم يحفظ ما قاله.

فعذره النبي «صلى الله عليه وآله».

وفي الكشاف (وقريب منه ما ذكره القمي) : روي أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال لزيد : لعلك غضبت عليه.

قال : لا.

قال : فلعله أخطأ سمعك؟

قال : لا.

قال : فلعله شبه عليك؟

قال : لا.

وفشت الملامة لزيد في الأنصار وكذبوه ، وكان زيد يساير النبي «صلى الله عليه وآله» ولم يقرب منه بعد ذلك استحياء.

فلما سار رسول الله «صلى الله عليه وآله» لقيه أسيد بن حضير أو سعد بن معاذ كما في حبيب السير ، أو سعد بن عبادة كما ذكره القمي ، فحياه بتحية النبوة ، وسلم عليه.

ثم قال : يا رسول الله ، رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها؟!.

فقال «صلى الله عليه وآله» : أما بلغك ما قال صاحبكم [صاحبك] ، عبد الله بن أبي؟!.

قال : وما قال؟!.

قال : زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل.

٢٨٣

فقال أسيد : (أو سعد) فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت. هو والله الذليل ، وأنت العزيز.

ثم قال : يا رسول الله ، أرفق به ، فو الله ، لقد جاء الله بك ، وإن قوله لينظمون له الخرز ليتوجوه ، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا.

وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أبيه. فأتى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال : يا رسول الله ، بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي ، لما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالديه مني ، وأني أخشى أن تأمر به غيري ، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس ؛ فأقتله ؛ فأقتل مؤمنا بكافر ، وأدخل النار.

فقال «صلى الله عليه وآله» : نرفق به ، ونحسن صحبته ما بقي معنا.

قال العسقلاني : «فكان بعد ذلك إذا حدث الحدث كان قومه هم الذين ينكرون عليه ، فقال النبي «صلى الله عليه وآله» لعمر : كيف ترى الخ ..» (١).

__________________

(١) راجع ما تقدم ، باختصار أو بتفصيل في المصادر التالية : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧١ و ٤٧٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٩ ـ ٣٠١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٧ و ١٥٨ وسيرة مغلطاي ص ٥٥ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٠٣ ـ ٣٠٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٦ ـ ٢٨٨ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢١٨ ـ ٢٢١ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٩٢ و ١٩٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٦٠ ـ ٢٦٢ وفتح الباري ج ٨ ص ٤٩٨ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٦ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٤ و ١٦٥ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٩ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٥ والمواهب اللدنية ج ١

٢٨٤

وفي رواية أخرى : «لما بلغ النبي «صلى الله عليه وآله» بغض قوم ابن أبي له قال «صلى الله عليه وآله» لعمر : كيف ترى يا عمر؟ إني ـ والله ـ لو قتلته يوم قلت ، لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته.

فقال عمر (رض) : قد ـ والله ـ علمت ، لأمر رسول الله أعظم بركة من أمري» (١).

قالوا : ولما دنوا من المدينة ـ وفي الوفاء : لما كان بينهم وبين المدينة يوم ـ تعجل عبد الله بن عبد الله بن أبي حتى أناخ على مجامع طرق المدينة. فلما جاء عبد الله بن أبي قال له ابنه : وراءك!

قال : ما لك ، ويلك؟!

قال : لا والله ، لا تدخلها حتى يأذن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ويعلم اليوم : من الأعز ، ومن الأذل!

فقال له : أنت من بين الناس؟!.

فقال : نعم ، أنا من بين الناس.

__________________

ص ١١٠ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٥٢ ـ ٥٨ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٣٠ و ١٣١ والجامع الصحيح ج ٥ ص ٥١٥ ـ ٥١٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٧٠ و ٢٧١ وبهجة المحافل وشرحه ج ١ ص ٢٤٢ ـ ٢٤٤ وتفسير البرهان ج ٤ ص ٣٣٧ و ٣٣٨ والدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٢ ـ ٢٢٦ عن مصادر كثيرة جدا. وراجع أيضا ج ٢ ص ٢٥٨ عن ابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة.

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٦٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٠٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٠١.

٢٨٥

فانصرف عبد الله حتى لقي رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فشكى إليه ما صنع ابنه ، فأرسل «صلى الله عليه وآله» إلى ابنه : أن خلّ عنه. فدخل المدينة (١).

وفي المنتقى : أنه قال لأبيه : لا أفارقك حتى تقر أنك الذليل ، وأن محمدا العزيز. فمر به رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال : دعه فلعمري لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا (٢).

وفي نص آخر : أنه صار يقول : لأنا أذل من الصبيان. لأنا أذل من النساء ، حتى جاء رسول الله فقال له : خل عن أبيك (٣).

وروي أنه قال له : لئن لم تقر لله ورسوله بالعزة لأضربن عنقك.

فقال : ويحك ، أفاعل أنت؟!.

قال : نعم.

فلما رأى منه الجد قال : أشهد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

فقال «صلى الله عليه وآله» لابنه : جزاك الله عن رسوله ، وعن المؤمنين خيرا (٤).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٢ عن المنتقي والكشاف ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩٠ و ٢٩١.

وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٠١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٥٨ وراجع :

الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٦ عن عبد بن حميد عن محمد بن سيرين.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٢ وراجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٥ عن الترمذي.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩٠ وراجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٥ عن الترمذي.

(٤) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٢ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٩١ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٧٢ والدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٥ عن الطبراني عن أسامة بن زيد ، وراجع ما عن الحميدي عن أبي هارون المدني ، أو ما عن ابن المنذر عن ابن جريج.

٢٨٦

نزول سورة المنافقين :

قالوا : وأنزل الله تعالى سورة المنافقين في قضية ابن أبي المذكورة (١). أي في تكذيبه وتصديق زيد ، فلما نزلت ـ وذلك بعد أن وافى «صلى الله عليه وآله» المدينة ـ أخذ «صلى الله عليه وآله» بأذن زيد وقال : إن الله صدقك ، وأوفى بأذنك.

وفي الإكتفاء قال : هذا الذي أوفى الله بأذنه.

وفي الكشاف : لما نزلت ، لحق «صلى الله عليه وآله» زيدا من خلفه ، فعرك أذنه ، وقال : وفت أذنك يا غلام إن الله صدقك ، وكذب المنافقين (٢) ونزل قوله تعالى : (.. وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)(٣) ، وصار يقال لزيد : ذو الأذن الواعية (٤).

نزول آية أخرى في ابن أبي :

وقالوا : لما نزلت آية الأذن الواعية ، وبان كذب ابن أبي قيل له : يا أبا حباب ، إنه قد نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩١ وسيرة مغلطاي ص ٥٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٦٢ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٠٥.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩١ وراجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٠٥ وراجع : تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٢٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٠٠ و ٣٠١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٨ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٤٣.

(٣) الآية ١٢ من سورة الحاقة.

(٤) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩١ وسيرة مغلطاي ص ٥٦.

٢٨٧

وآله» ، يستغفر لك.

فلوى رأسه ، ثم قال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت ؛ فما بقي إلا أن أسجد لمحمد!

فأنزل الله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ ..) الآية (١).

وفي رواية أخرى : إنه بعد أن أنزل الله تعالى تكذيبا لابن أبي ، وتصديقا لزيد بن أرقم (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ..)(٢) الآيات ، قال النبي «صلى الله عليه وآله» لزيد : يا ذا الأذن الواعية ، إن الله قد صدق مقالتك ، وتلا «صلى الله عليه وآله» الآيات (٣).

ولم يلبث عبد الله بن أبي إلا أياما قلائل ، حتى اشتكى ومات (٤).

موقفنا مما تقدم :

ونقول :

إن لنا مع جميع النصوص المتقدمة لهذه القصة وملابساتها ، ونزول الآيات

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٣ عن معالم التنزيل. وراجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٤٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٠١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٨ والدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٢ ـ ٢٢٦.

(٢) الآية ١ من سورة المنافقون.

(٣) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٧١.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٣ عن معالم التنزيل والمدارك. وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٤٤.

٢٨٨

فيها مواقع للنظر ، وفيها الكثير مما يبعث الشك والريب ، ونحن نجمل ذلك في ما يلي :

تناقض النصوص ، واختلافها :

إن من يراجع نصوص القصة المذكورة آنفا : يجد فيها الكثير من الاختلافات ، التي تصل إلى درجة التناقض ، الأمر الذي يشير إلى عدم إمكان الاعتماد على أكثر تلك النصوص ، لليقين بحدوث الكذب والتزوير ، والتحريف فيها.

ونذكر من ذلك النماذج الآتية :

١ ـ من الذي كسعه جهجاه؟ هل هو سنان بن وبرة (فروة) أو أنس بن سيار ، كما في رواية القمي؟!.

٢ ـ هل الذي أخبر رسول الله بما كان من ابن أبي هو زيد بن أرقم ، أم سفيان بن تيم؟ أم أوس بن أقرم ، أم عمر بن الخطاب؟!

٣ ـ هل قال عمر للنبي «صلى الله عليه وآله» : مر معاذا بقتله ، أم قال له : مر عباد بن بشر بذلك؟ أم محمد بن مسلمة؟!

٤ ـ هل الذي شكا له النبي «صلى الله عليه وآله» ما كان من ابن أبي هو أسيد بن حضير ، أم سعد بن معاذ ، أم سعد بن عبادة.

٥ ـ هل أرسل النبي «صلى الله عليه وآله» إلى ابن أبي فجاءه. أم أن ابن أبي هو الذي بادر بالمجيء إليه «صلى الله عليه وآله»؟

٦ ـ هل الذي أخبر زيدا بنزول براءته هو النبي «صلى الله عليه وآله»

٢٨٩

بعد أن عرك أذنه (١) (أو أخذ أذنه فرفعه من الرجل كما عند القمي) ، أم أن أبا بكر وعمر قد تبادرا إلى زيد ليبشراه ، فسبق أبو بكر ، فأقسم عمر : أن لا يبادره بعدها إلى شيء ، كما ذكر ابن عبد البر (٢).

٧ ـ هل نزلت براءة زيد في الطريق إلى المدينة ، أم نزلت في المدينة نفسها ، بعد اعتزال زيد في بيته؟ (٣).

٨ ـ هل كسع المهاجري الأنصاري بسيفه ، أم كسعه برجله ، وذلك عند أهل اليمن شديد (٤)؟

آيات نزلت في عمر :

قد ذكر دحلان : أن ثمة آيات نزلت في حق عمر في هذه المناسبة ، وهي قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ، مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)(٥).

__________________

(١) راجع : بالإضافة إلى المصادر المتقدمة : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٢ و ٢٢٣ عن ابن سعد ، وعبد بن حميد ، والطبراني ، وابن المنذر ، والحاكم والترمذي وصححاه ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، والبيهقي في الدلائل.

(٢) الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ١ ص ٥٥٧.

(٣) راجع : بالإضافة إلى المصادر التي تقدمت للرواية : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٣ عن ابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه.

(٤) فتح الباري ج ٨ ص ٤٩٧.

(٥) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٧١.

٢٩٠

ونقول :

١ ـ هل أذنب ابن أبي مع شخص عمر بن الخطاب ، ليأمره الله سبحانه بالعفو عنه؟!.

٢ ـ إن الآيات قد وردت في سورة الجاثية ، وهي مكية قد نزلت قبل المريسيع وتبوك بسنوات عديدة.

٣ ـ إنهم يقولون : إن هذه الآيات منسوخة بآيات القتال ، كما عن مجاهد (١).

وعن قتادة : إنها منسوخة بقوله تعالى في سورة الأنفال الآية ٥٧ : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ..)(٢).

٤ ـ قد صرحت رواية أخرى عن قتادة بأنها نسخت بالآية ٥ من سورة التوبة : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)(٣).

وعن ابن عباس : نسخت بالآية التي تأمر النبي «صلى الله عليه وآله» بأن يقاتل المشركين كافة (٤) وهي الآية ٣٦ من سورة التوبة.

والآيات إنما تتعرض للمشركين ، فذلك يعني : أن آيات الجاثية إنما تتحدث عن المشركين أيضا ، ولم يكن ثمة تشريع لقتال المنافقين لا قبل ذلك ولا بعده ، مع أن نسخها بآيات التوبة ، مع وجود آيات تأمر بقتال المشركين في سورة الأنفال ، غير واضح ، إلا إذا أريد أن آيات التوبة تنص على تعميم

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٣٤ و ٣٥ عن أبي داود في تاريخه وابن جرير ، وابن المنذر.

(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٣٤ عن عبد بن حميد.

(٣) الدر المنثور ج ٦ ص ٣٥ عن ابن جرير ، وابن الأنباري في المصاحف.

(٤) الدر المنثور ج ٦ ص ٣٤ عن ابن جرير ، وابن مردويه.

٢٩١

القتال لكل مشرك بخلاف آيات سورة الأنفال.

لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ :

ذكرت بعض الروايات : أنه لما بلغ عمر بن الخطاب قول ابن أبي : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ،) أخذ سيفه ، ثم خرج عامدا ليضربه ، فذكر هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ..)(١) فرجع إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فأخبره الخ .. (٢).

ونقول :

أولا : إنه إذا كانت قضية ابن أبي هذه قد حصلت في غزوة المريسيع ، فإن ثمة ما يدل على أن آية : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) قد نزلت بعد ذلك.

فقد روي عن الحسن : أنها نزلت في ناس ذبحوا قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم النحر ، فأمرهم أن يعيدوا ذبحا ، فأنزل الله هذه الآية (٣).

وعن الحسن أيضا قال : ذبح رجل قبل الصلاة ، فنزلت (٤).

إلا أن يقال : إن المراد ليس الذبح في الحج بل الذبح يوم النحر في المدينة. ولكنه احتمال بعيد.

ثانيا : إننا لم نعهد من عمر بن الخطاب شجاعة إلى هذا الحد ، لا سيما

__________________

(١) الآية ١ من سورة الحجرات.

(٢) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٦ عن محمد بن سيرين.

(٣) الدر المنثور ج ٦ ص ٨٤ عن عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.

(٤) الدر المنثور ج ٦ ص ٨٤ عن ابن أبي الدنيا في الأضاحي.

٢٩٢

بالنسبة لابن أبي الذي لا يجهل أحد موقعه في قومه.

إلا أن يقال : إن عمر بن الخطاب حين يشعر أنه محمي من قبل النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين ، فإنه يقدم على أمر كهذا ، لا سيما إذا كان لا يواجه عددا مسلحا ، وإنما هو يتولى قتل رجل أعزل يقتله وهو مطمئن إلى أنه غير قادر على أن يحرك ساكنا ضده.

يا أبا حباب :

قد ذكرت الروايات المتقدمة : أنهم قالوا لابن أبي : يا أبا حباب ، إنه قد نزل فيك آيات شداد (١).

ونقول :

إن هذا موضع شك وريب :

١ ـ إنهم يقولون : كان اسم عبد الله بن أبي حبابا ، فغير النبي «صلى الله عليه وآله» اسمه ، وقال : إن حبابا اسم شيطان (٢)؟ فما معنى قولهم له : يا أبا حباب؟ وإذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد غير اسمه فلماذا لم يغير اسم ولده بل أبقاه؟!

٢ ـ ولماذا لم يغير النبي «صلى الله عليه وآله» اسم الحباب بن المنذر وابن قيظي ، وابن عمرو ، وابن عبد ، وابن زيد ، وابن جزء ، وابن جبير وغيرهم؟

أو لماذا لم يغيروا هم أسماءهم حين عرفوا أن حبابا اسم شيطان؟

__________________

(١) وراجع أيضا : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٤ عن عبد بن حميد ، وابن المنذر.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٢ وإرشاد الساري ج ٨ ص ٢٥١ وفتح الباري ج ٨ ص ٢٥١ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٦٤.

٢٩٣

وتذكر الروايات المتقدمة : أن قوله تعالى : (.. وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)(١) ، نزل في زيد بن أرقم في هذه المناسبة.

ونقول :

أولا : المفروض : أن قصة ابن أبي قد كانت بعد الهجرة بخمس أو ست سنوات وهذه الآية قد وردت في سورة الحاقة ، التي نزلت في مكة قبل الهجرة (٢).

وفي كلام عمر بن الخطاب : أنها نزلت قبل أن يسلم (٣). وهم يدعون : أن عمر قد أسلم بعد البعثة بخمس أو ست سنين ، وإن كنا قد ناقشنا في صحة ذلك ، وأثبتنا : أنه أسلم قبل الهجرة بقليل. ولكن حتى هذا لا ينفع المستدل شيئا هنا لأن سورة الحاقة قد نزلت على جميع التقادير قبل الهجرة ، وهذه الحادثة قد كانت بعد الهجرة بسنوات كما قلنا.

ثانيا : إن سياق الآيات يأبى عن أن تكون هذه الآية قد نزلت في زيد بن أرقم ، فإنها تتحدث عما جرى لقوم عاد وثمود وفرعون ، والمؤتفكات إلى أن تقول : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ ، لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً

__________________

(١) الآية ١٢ من سورة الحاقة.

(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٨ عن البيهقي ، وابن الضريس ، والنحاس ، وابن مردويه عن ابن الزبير ، وعن أحمد عن عمر.

(٣) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٨ و ٢٦٠ عن ابن الضريس ، والنحاس ، وابن مردويه والبيهقي ، عن ابن عباس.

وفي الدر المنثور أيضا : عن ابن مردويه ، عن ابن الزبير وفيه أيضا عن أحمد ، عن عمرو : أنها نزلت قبل أن يسلم عمر.

٢٩٤

وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)(١) أي تعيها أذن تحصي هذه العبر والعظات ، وهذه الأحداث العظام وتحفظها ، وتعيها.

فلا ربط للآية بما حدث بين زيد وابن أبي ، لو صح أن شيئا من ذلك قد حدث فعلا.

ثالثا : سيأتي إن شاء الله : أن أصل تصدّي زيد لابن أبي مشكوك فيه ، فلا معنى بعد هذا لدعوى نزول هذه الآية في هذه المناسبة ، إلا بعد إثبات ذلك ، إذ : العرش ثم النقش.

رابعا : قد روي عن علي «عليه السّلام» ، وعن بريدة ، ومكحول ، وأبي عمرو بن الأشج ، وهو : عثمان بن عبد الله بن عوام البلوي ، وعن ابن عباس ، وأنس ، والأصبغ بن نباتة ، وجابر ، وعمر بن علي ، وأبي مرة الأسلمي : أن هذه الآية نزلت في علي «عليه السّلام» ، وقد روى ذلك أهل السنة والشيعة على حد سواء ، فراجع (٢).

__________________

(١) الآيتان ١١ و ١٢ من سورة الحاقة.

(٢) راجع هذه الروايات أو بعضها في المصادر التالية : مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص ٣١٨ و ٣١٩ و ٣٦٥ وجامع البيان ج ٢٩ ص ٣٥ و ٣٦ مناقب الإمام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان ج ١ ص ١٩٦ و ١٤٢ و ١٥٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٤١٣ عن ابن أبي حاتم ، والطبري. وفرائد السمطين ج ١ ص ١٩٨ و ١٩٩ و ٢٠٠ وشواهد التنزيل ج ٢ ص ٣٦٠ و ٣٨٠ وفي هامشه مصادر كثيرة جدا ، وترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ، بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٤٢٢ وحلية الأولياء ج ١ ص ٦٧ وكنز العمال (ط الهند) ج ١٥ ص ١١٩ و ١٥٧ عن ابن عساكر وأبي نعيم في المعرفة وعن الضياء المقدسي في المختارة ، وابن مردويه وأسباب النزول ص ٣٣٩

٢٩٥

__________________

والكشاف ج ٤ ص ٦٠٠ والعمدة لابن البطريق ص ٢٨٩ و ٢٩٠ وراجع : مجمع الزوائد ج ١ ص ١٣١ ، وإن كان قد حذف ذلك الحديث والتفسير الكبير ج ٣٠ ص ١٠٧ وكفاية الطالب ص ١٠٨ و ١٠٩ و ١١٠ ولباب التأويل (مطبوع مع جامع البيان) ج ٢٩ ص ٣١ والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٢٦٤ ومنتخب كنز العمال (مطبوع مع مسند أحمد) ج ص ٤٨ والبحر المحيط ج ٨ ص ٣١٧ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٠٧ ولباب النقول ص ٢٢٥ وروح المعاني ج ٢٩ ص ٤٣ ونور الأبصار ج ٧٨ وينابيع المودة ص ١٢٠. وفتح الملك العلي ص ٢٢ و ٢٣ وشرح المقاصد ج ٥ ص ٢٩٧ والمناقب للخوارزمي ص ٢٨٢ و ٢٨٣ ومحاضرات الأدباء ج ١ ص ٣٩ وج ٤ ص ٤٤٧ ونظم درر السمطين ص ٩٢ وأهل البيت لتوفيق أبي علم ص ٢٢٥ و ٢٢٦ وخصائص الوحي المبين ص ١٥٤ ـ ١٥٧ وكشف الغمة ج ١ ص ٣٢٢ ومجمع البيان ج ١٠ ص ٣٤٥ و ٣٤٦ والبحار ج ٣٥ ص ٣٢٦ ـ ٣٣١ وغاية المرام ص ٣٣٦ وأنساب الأشراف ج ٢ ص ١٢١ (بتحقيق المحمودي) وتفسير فرات ص ٥٠٠ و ٥٠١ وتفسير البرهان ج ٤ ص ٣٧٥ و ٣٧٦ وفضائل الخمسة ج ١ ص ٢٧٢ ـ ٢٧٤ والدر المنثور ج ٦ ص ٢٦٠ عن ابن عساكر ، وابن النجار ، وابن جرير ، وابن مردويه وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وسعيد بن منصور ، والواحدي ، وأبي نعيم ، وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج ٣ ص ١٤٧ ـ ١٥٤ ج ١٤ ص ٢٢٠ و ٢٤١ وج ٢٠ ص ٩٢ و ٩٧ عن أكثر من تقدم وعن المصادر التالية : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٤ ص ٣١٩ وج ٢ ص ٢٦٣ ، وإعراب ثلاثين سورة ص ١٠٣ ومناقب مرتضوي ص ٣٦ والكواكب الدرية للمناوي ص ٣٩ والذريعة (للراغب) ص ٩٢ وتوضيح الدلائل (مخطوط) ص ١٦٩ و ٢١٠ وتاريخ دمشق ج ٢ ص ٤٢٣ وج ٣٦ ص ٧٧ وعن لسان الميزان ج ٦ ص ٣٧٦ وسعد السعود ص ١٠٨ وما نزل من القرآن في علي (لأبي نعيم) ص ٢٦٦ و ٢٨٦ ومنال الطالب ص ٨٥ وغاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام ص ٧٢ ونهاية البيان في تفسير البرهان ج ٨ ص ٤٠ والإمام

٢٩٦

وقال في شرح المواقف : أكثر المفسرين على أنه علي (١).

الشانئون والحاقدون :

قال الحلبي الشافعي : «وذكر بعض الرافضة : أن قوله تعالى : (.. وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) جاء في الحديث : أنها نزلت في علي كرم الله وجهه.

قال الإمام ابن تيمية : وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم. أي وعلى تقدير صحته لا مانع من التعدد» (٢).

ونقول :

تقدم آنفا :

١ ـ أن حديث نزول هذه الآية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» مروي عند أهل السنة ، وبطرقهم ، أكثر مما هو مروي عند الشيعة.

__________________

المهاجر ص ١٥٨ ومطالب السؤل ص ٢٠ والكشف والبيان (مخطوط) ومفتاح النجا (مخطوط) ص ٤٠ و ٤١ وأرجح المطالب ص ١٦١ و ١٦٠ و ٦٣ والإربعين للسيد عطاء الله (مخطوط) ص ٢٧ وطبقات المالكية ج ٢ ص ٧٢ وشرح ديوان أمير المؤمنين للميبدي (مخطوط) ص ١٨٠ والمختار في مناقب الأخيار ص ٣ مخطوط. والروض الأزهر ص ١٠٨ والكاف الشاف ص ١٧٧ ومعترك الأقران في إعجاز القرآن ج ٢ ص ٣٦ ووسيلة النجاة ص ١٣٦ و ١٥٦ والتعريف والإعلام ص ٦٧ (مخطوط). ومناقب علي للعيني ص ٥٥ وسمط النجوم ج ٢ ص ٥٠٤ وزين الفتى (مخطوط) ص ٦٠٥ وجمع الجوامع ج ٢ ص ٣٠٨ وتفسير الثعلبي (مخطوط) ص ٢٠١.

(١) شرح المواقف ج ٨ ص ٣٧٠.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩١.

٢٩٧

والمصادر المتقدمة ، وشخصيات الرواة توضح ذلك. بل إن بعض الرواة لم يكونوا في خط علي «عليه السّلام» ، ولا من أنصاره.

٢ ـ قد عرفنا : أن أصل تصدي زيد لابن أبي مشكوك فيه.

٣ ـ إن سياق الآيات لا ينسجم مع قضية زيد.

٤ ـ إن سورة الحاقة قد نزلت قبل الهجرة.

إلا أن يدّعى : أن هذه الآية مما تكرر نزوله.

ولكنها دعوى : تحتاج إلى شاهد ، بل الشواهد المذكورة آنفا على خلافها.

٥ ـ أضف إلى ذلك : أن هذه الدعوى لا تتنافى مع حديث نزولها في علي «عليه السّلام».

٦ ـ لم يذكر لنا التاريخ أيا من أهل العلم قال : إن هذا الحديث موضوع ، فضلا عن أن يكون أهل العلم قد اتفقوا على ذلك. وهذه هي الكتب والموسوعات متداولة بين أيدي جميع الناس فليراجعها من أراد.

والسبب الحقيقي لما حدث :

تقدم أن سبب قول ابن أبي : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) هو ما جرى بين جهجاه وسنان.

مع أن زيد بن أرقم يروي : أن السبب هو : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قدم في ناس من أصحابه على ابن أبي ، فقال ابن أبي ذلك ، فسمعه زيد ، فأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» بذلك (١).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٣ عن الطبراني.

٢٩٨

وثمة حديث عن ابن عباس يقول : إن سبب ذلك هو خلاف على الماء وقع بين أصحاب عبد الله بن أبي وبين الفقراء المؤمنين. حيث سبقهم أصحاب ابن أبي إلى الماء ، وأبوا أن يخلوا عن المؤمنين ، فحصرهم المؤمنون ، فلما جاء ابن أبي نظر إلى أصحابه ، فقال : «والله (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ)(١) فلما عرف النبي «صلى الله عليه وآله» بالأمر دعا ابن أبي الخ ..

وفي نص آخر : إن ذلك قد كان في الحديبية (٢).

متى كانت هذه القضية؟!

قد ذكرت رواية ابن سيرين : أنه بعد أن رجع ابن أبي إلى المدينة لم يلبث إلا أياما قلائل ثم توفي ، وأنه طلب : أن يأتيه الرسول في مرضه الذي توفي فيه ، فلما دخل عليه بكى ، فقال له «صلى الله عليه وآله» : أجزعا يا عدو الله الآن؟!

فقال : يا رسول الله ، إني لم أدعك لتؤنبني ، ولكن دعوتك لترحمني. فاغرورقت عينا رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ثم طلب منه ابن أبي أن يشهد غسله ، وأن يكفنه في ثلاثة أثواب من ثيابه «صلى الله عليه وآله» ، ويمشي في جنازته ، ويصلي عليه (٣).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٣ عن ابن المنذر.

(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٥ عن عبد بن حميد.

(٣) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٦ عن عبد بن حميد ، وعن محمد بن سيرين.

٢٩٩

ونقول :

أولا : إننا لا نستطيع أن نصدق بأنه «صلى الله عليه وآله» قد قال لابن أبي ، وهو على فراش الموت ، ومن دون أي موجب : أجزعا يا عدو الله الآن. فإن أخلاق النبي «صلى الله عليه وآله» ، وسياسته لا تنسجم مع هذه القسوة البالغة ، حتى مع المنافقين ، لا سيما ، وأن ابن أبي هو الذي طلب من النبي «صلى الله عليه وآله» الحضور.

ثانيا : إن هذه القضية تؤيد كون قصة ابن أبي ، وقوله : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) ، إنما كان في غزوة تبوك كما قيل (١) ، وهي في السنة التاسعة ، سنة موت ابن أبي (٢).

وقد تقدم قولهم بعد ذكرهم لتلك الحادثة مع زيد : ولم يلبث ابن أبي إلا أياما قلائل ، حتى اشتكى ومات (٣).

فإذا كان قد مات في التاسعة ، فلا بد أن تكون الحادثة أيضا في السنة التاسعة ، وذلك يدل على أن الحادثة قد كانت في غزوة تبوك.

لكن الحلبي بعد أن ذكر القول : بأن هذه الحادثة قد كانت في غزوة

__________________

(١) راجع : الجامع الصحيح ج ٥ ص ٤١٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٦ و ٢٨٧ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ١ ص ٥٥٧ وفتح الباري ج ٨ ص ٤٩٤ عن النسائي ، عن زيد بن أرقم. وعن عبد بن حميد بسند صحيح عن سعيد بن جبير ، والدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٤ عن عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم.

(٢) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٣.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٣ عن المدارك ومعالم التنزيل ، وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٤٤.

٣٠٠