الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-184-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٣

السبي والغنائم :

قالوا : «وأمر بالأسارى فكتفوا ، واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب ، وأمر بالغنائم فجمعت ، واستعمل عليها شقران مولاه.

وجمع الذرية ناحية ، واستعمل على مقسم الخمس وسهمان المسلمين محمية بن جزء.

واقتسم السبي وفرق ، وصار في أيدي الرجال وقسم النعم والشاء ، فعدلت الجزور بعشر من الغنم ، وبيعت الرثة في من يزيد.

وأسهم للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما ، وللراجل سهما.

وكانت الإبل ألفي بعير ، والشاء خمسة آلاف شاة.

وكان السبي ماءتي أهل بيت ، وصارت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس ، وابن عم له ؛ فكاتباها على تسع أواق من ذهب ، فسألت رسول الله «صلى الله عليه وآله» في كتابتها ، وأداها عنها ، وتزوجها ، وكانت جارية حلوة.

ويقال : جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق.

ويقال : جعل صداقها عتق أسير من بني المصطلق.

ويقال : جعل صداقها عتق أربعين من قومها.

وكان السبي منهم من منّ عليه رسول الله «صلى الله عليه وآله» بغير

__________________

و ١٦٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٧ و ٢٩٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٤١.

٢٤١

فداء ، ومنهم من افتدي ، فافتديت المرأة والذرية بست فرائض.

وقدموا المدينة ببعض السبي ، فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم ، فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها. وهو الثبت عندنا» (١).

وقال الواقدي : أخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخمس من جميع المغنم ، وجعل على خمس المسلمين محمية بن جزء الزبيدي. «وكان يجمع الأخماس ، وكانت الصدقات على حدتها ، أهل الفيء بمعزل عن الصدقة ، وأهل الصدقة بمعزل عن الفيء.

وكان يعطي الصدقة اليتيم ، والمسكين ، والضعيف ، فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء ، وأخرج من الصدقة ، ووجب عليه الجهاد ، فإن كره الجهاد وأباه لم يعط من الصدقة شيئا ، وخلوا بينه وبين أن يكتسب لنفسه.

وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يمنع سائلا ، فأتاه رجلان يسألانه من الخمس ، فقال : إن شئتما أعطيتكما منه ، ولا حظ فيها لغني ، ولا لقوي مكتسب الخ ..» (٢).

وقال البلاذري : «وقسم رسول الله «صلى الله عليه وآله» الغنائم ، وأخذ صفيه قبل القسم ، ثم جزّأ الغنائم خمسة أجزاء ، ثم أقرع عليها ، ولم يتخير ، فأخرج الخمس ، وأخذ سهمه مع المسلمين لنفسه ، وفرسه ، وكان له «صلى الله عليه وآله» صفي من المغنم ، حضر أو غاب ، قبل الخمس : عبد ، أو أمة ،

__________________

(١) راجع : طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٤ وراجع : المغازي للواقدي ج ١ ص ٤١٠ و ٤١١ و ٤١٢ وفي نهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٥ ملخص عنه.

(٢) راجع : المغازي للواقدي ج ١ ص ٤١٠ و ٤١١ و ٤١٢.

٢٤٢

أو سيف ، أو درع» (١).

مدة غيبته صلّى الله عليه وآله وتاريخ عودته :

قالوا : وكانت غيبته «صلى الله عليه وآله» في هذه الغزوة ثمانية وعشرين يوما (٢) ، وقدم المدينة لهلال شهر رمضان المبارك (٣).

وقبل أن نواصل الحديث عن سيرة الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، نتوقف قليلا لنسجل بعض ما نرى ضرورة لتسجيله هنا ، فنقول :

١ ـ المريسيع ضربة موفقة لقريش :

وإذا كانت غزوة المريسيع قد أسفرت عن نتائج حاسمة إلى هذا الحد ، فإن ذلك يعتبر ضربة موفقة لنفوذ وكبرياء قريش لأنها قد جاءت في منطقة كانت إلى الأمس القريب تقع في نطاق النفوذ المكي إن صح التعبير ، ولا أقل من أنها من المواقع المتقدمة في خط الدفاع عن طاغوت الشرك المتمثل في قريش ومن تبعها ، وتحالف معها ، في مكة وغيرها ، مما قرب منها أو بعد عنها.

ومن جهة ثانية : فإن الطريقة التي تمت بها هذه الضربة القاسية ، والنتائج

__________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري ج ١ ص ٣٤١ و ٣٤٢.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩١ وسيرة مغلطاي ص ٥٥ والتنبيه والإشراف ص ٢١٥ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٦٥ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٠.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩١ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٥.

٢٤٣

التي أسفرت عنها ، لا بد أن تقنع الكثيرين بأن الوقوف في وجه هذا المد العارم يكاد يلحق بالممتنعات.

وحتى قريش ومكة عموما فإنها قد باتت مقتنعة تماما أنها وحدها غير قادرة على تحقيق نصر حاسم. وقضية أحد هي الشاهد الحي على ذلك ، خصوصا ، وأن أحد قد أظهرت وجود بعض الثغرات في الصف الإسلامي ، وتهيأت الفرصة لتسديد ضربة موجعة ، ولكنها رغم ذلك أيضا قد عجزت عن تحقيق أي شيء ، بل هي قد خسرت بالإضافة إلى معنوياتها وروحياتها خسرت سمعتها وكثيرا من تحالفاتها.

وتأتي هذه الضربات المتلاحقة هنا وهناك ، فتزيد من قوة الإسلام والمسلمين ، وتمعن في إضعاف شوكة الشرك والمشركين :

فكان لا بد من استباق الأمور ، والتحرك بسرعة قبل أن يبلغ السيل الزبى ، وقبل أن يستكمل المسلمون قضم أطراف مكة ، وحتى أطراف الجزيرة ، أو ما هو أبعد من ذلك ثم تصل النوبة إلى مكة نفسها ، فيبتلعها التيار العارم ، ويضربها الزلزال الهادم ، حيث تتهاوى صروح الشرك والفساد ويعم السلام والهدى جميع العباد في مختلف الأصقاع والبلاد.

وكان قرار مكة هو أنه لا بد أن يشاركها الآخرون في مهمة القضاء على الإسلام والمسلمين.

وعمدت إلى حشد أكبر عدد ممكن من الناس من القبائل التي كان لها تحالفات معها ، أو ممن شاركوها في التآمر والبغي. ومن شأن الكثرة أن تقوي الضعيف ، وتشجع الجبان ، وتؤمن الخائف.

فكان أن تحزبت الأحزاب مع قريش ، وقصدوا محمدا والمسلمين في عقر

٢٤٤

ديارهم ، ليجتثوهم من الجذور ، ويقتلعوا منهم الآثار ، ويخلوا منهم الديار.

فكانت غزوة الأحزاب «الخندق» ، والتي انتهت هي الأخرى بالفشل الذريع. وطاشت السهام ، وخابت الآمال ، وانقلب السحر على الساحر.

وكان فشل قريش في هذه المرة فشلا ذريعا ، ومنيت بهزيمة لا تشبه سائر الهزائم فقد كانت هزيمة مرة وحقيقية وأبدية أيضا.

وهذا بالذات هو ما يميّز غزوة الخندق عما سواها ، حتى قال النبي «صلى الله عليه وآله» بعدها : «الآن نغزوهم ولا يغزوننا». كما سنرى.

٢ ـ المستخلف على المدينة :

ذكر فيما تقدم : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد استخلف على المدينة زيد بن حارثة «رحمه الله».

ويمكن المناقشة في ذلك بما يلي :

أولا : سيأتي إن شاء الله : أن البعض يقول : إن زيد بن حارثة كان على الميمنة في المريسيع (١) ، فكيف يكون خليفة له «صلى الله عليه وآله» على المدينة؟

ثانيا : إن ابن هشام يقول : إنه «صلى الله عليه وآله» قد استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري.

ويقول آخرون : استخلف عليها نميلة بن عبد الله الليثي (٢).

__________________

(١) حبيب السير ج ١ ص ٣٥٧.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٧ وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٩ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٠٢ ونهاية الأرب

٢٤٥

وقيل : أبا رهم الغفاري (١). إلا أن تكون كلمة أبي رهم تصحيف لكلمة أبي ذر. ولم نجد أبا رهم الغفاري في جملة الصحابة المترجم لهم.

وهذا الذي ذكر من تولية أبي ذر على المدينة في غياب رسول الله «صلى الله عليه وآله» : لا يتلاءم مع ما رووه عن النبي «صلى الله عليه وآله» ، أنه قال لأبي ذر : إني أراك ضعيفا ، فلا تأمرن على اثنين (٢).

إلا أن يقال : إنه «صلى الله عليه وآله» إنما قال له ذلك بعد أن اختبره ، وعرف أمره ..

على أن هذا الحديث : تفوح منه رائحة الكيد السياسي لأبي ذر ، الذي كان الشوكة الجارحة في أعين الذين يمسكون بزمام السلطة وقد جعلوا مال الله دولا ، واتخذوا عباد الله خولا ، وقد كان له معهم مواقف جريئة فضحتهم ، وأظهرت زيفهم للأجيال كلها.

٣ ـ سعد بن معاذ فارسا :

وتقدم أن الواقفي : قد ذكر سعد بن معاذ في جملة من كان معه فرس في حرب المريسيع ، مع أننا قدمنا ما يثبت أن المريسيع كانت بعد بني قريظة ،

__________________

ج ١٧ ص ١٦٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٣ ويظهر منه أنه يرجح ولاية أبي ذر ، لكونه ذكر نميلة بلفظ قيل.

(١) الجامع للقيرواني ص ٢٨٣.

(٢) أمالي الطوسي (ط سنة ١٤١٤ نشر دار الثقافة ـ قم إيران) ص ٣٨٤ المجلس الثالث عشر وصحيح مسلم ج ٦ ص ٦ و ٧ وسنن النسائي ج ٦ ص ٢٥٥ وسنن أبي داود ، كتاب الوصايا ح ٤.

٢٤٦

التي مات فيها سعد بن معاذ.

٤ ـ عمر على مقدمة الجيش :

ولا ندري هل نصدق أم نكذّب ما زعمه الديار بكري : من أن عمر بن الخطاب كان على مقدمة الجيش.

إذ من الواضح : أن من يكون على المقدمة يكون هو رمز صمود الجيش ، ولا بد أن يكون من الفرسان المعروفين الذين يرهب جانبهم ، ولم يكن عمر بن الخطاب ذلك الرجل الذي له هذه الخصوصية ، بل هو في ما يناقضها أذكر وأشهر. وقد أكد هو نفسه هذه الحقيقة بفراره المتعاقب في حرب أحد ، والأحزاب ، وربما في قريظة أيضا ، مع عدم ظهور أي تميز له في حرب بدر ، بل لعل الذين كانوا إذا حمي الوطيس يلوذون برسول الله «صلى الله عليه وآله» في بدر ـ كما قال علي «عليه السّلام» ـ هم : هذا الرجل وأمثاله.

وعدا عن ذلك كله : فإنه لم يظهر منه ولم يؤثر عنه إلى حين موت رسول الله «صلى الله عليه وآله» أية مواقف حربية شجاعة ، بل عرف عنه الفرار في كل مواطن الشدة والحرج في الحروب كلها. وليس ما جرى في خيبر وحنين عن أسماعنا ببعيد.

وكلمة أخيرة نقولها هنا وهي : إنه إذا كان المقصود من جعله على المقدمة هو جعله أميرا على الجيش كله ، فذلك مما لا ريب في كونه كذبا ، بعد أن قدمنا ما يدل بصورة قاطعة على أن عليا أمير المؤمنين «عليه السّلام» كان صاحب لواء وراية رسول الله «صلى الله عليه وآله» في المواطن كلها ،

٢٤٧

باستثناء غزوة تبوك ، فراجع أوائل غزوة أحد ، من هذا الكتاب.

٥ ـ راية المهاجرين كانت مع من؟!

وقد تقدم أيضا : أن راية المهاجرين كانت مع أبي بكر ، ونحن نشك في ذلك ، لما يلي :

١ ـ قال خواند أمير : إنه «صلى الله عليه وآله» أعطى راية المهاجرين لعلي «عليه السّلام» ، وراية الأنصار لسعد بن عبادة ، وعمر على المقدمة ، وعلى الميمنة زيد بن حارثة ، وعلى الميسرة عكاشة بن محصن (١).

لكن قد تقدم : أن البعض يقول : إنه «صلى الله عليه وآله» استخلف زيد بن حارثة على المدينة في هذه الغزوة (٢).

٢ ـ ذكر البعض : أن راية المهاجرين كانت مع عمار بن ياسر (٣).

أما لواء الجيش ورايته فقد كانتا مع علي أمير المؤمنين ، حسبما أثبتناه في غزوتي بدر وأحد.

٦ ـ المقتولون من بني المصطلق :

وأما عن المقتولين من بني المصطلق ، فقد :

__________________

(١) حبيب السير ج ١ ص ٣٥٧.

(٢) أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٢ وثمة مصادر أخرى.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٩ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٩٢ وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٤٨.

٢٤٨

قالوا : إن عليا «عليه السّلام» قتل منهم رجلين : مالكا ، وابنه (١).

وقتل أبو قتادة : صاحب لواء المشركين ، وكان الفتح (٢).

ونحن لا نستطيع تأكيد ذلك أو نفيه ، فالمغرضون يهمهم التلاعب في بعض الأمور ، وقد يكون هذا منها.

٧ ـ عدد الأسرى والسبايا :

أما بالنسبة لعدد الأسرى والسبايا فقد تقدم أنهم مئتا أهل بيت.

وبعضهم يقول : إنهم كانوا سبع مئة (٣).

وقيل : إنهم كانوا أكثر من سبع مئة ، وكانت برة بنت الحارث سيد بني المصطلق في السبي (٤).

وليس ثمة تناف بين هذه النصوص فإن مئتي أهل بيت قد يكون عددهم سبع مئة ، أو أكثر من ذلك.

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٦٣ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٨ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٠٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٠٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٤٨.

(٢) حبيب السير ج ١ ص ٣٥٨ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٧ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٤٨.

(٣) راجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦.

(٤) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٩.

٢٤٩

٨ ـ قتال الملائكة في المريسيع :

ويقولون : «كان رجل منهم ممن أسلم وحسن إسلامه يقول : لقد كنا نرى رجالا بيضا على خيل بلق ، ما كنا نراهم قبل ولا بعد» (١).

ولكننا لا نكاد نطمئن لصحة هذه المقولة ، التي لم ينقلها إلا رجل مجهول الهوية منهم ، رغم كثرة من أسلم منهم : فكيف تفرد ذلك الرجل بنقل هذا الأمر الغريب الذي تتوفر الدواعي على نقله من كل من يراه؟! حتى ولو كان لم يتشرف بدين الإسلام أصلا؟!

وبعد .. فما هو وجه الحاجة لقتال الملائكة هنا ، مع أنه لم يكن ثمة داع إلى ذلك. حيث لم يتعرض المسلمون لخطر يستدعي التدخل الإلهي ، بواسطة الإمداد بالملائكة؟!

إلا أن يقال : إن ذلك يجعل المشركين يندفعون إلى الإسلام ، ولا يشتدون في حربهم ضد المسلمين.

٩ ـ من قتل من المسلمين؟!

وقد تقدم : أنه لم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد.

والظاهر : أنه هشام بن صبابة (ضبابة) ، الذي قاتل مع المسلمين في المريسيع حتى أمعن. وكان قد أسلم ، وقد قتله أنصاري اسمه أوس ، من

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٥ وراجع : حبيب السير ج ١ ص ٣٥٨ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢١٥ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٠٩ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٤٧.

٢٥٠

بني عمرو بن عوف ، كما يقوله الواقدي بطريق الخطأ ، قتله وهو يرى أنه من العدو ، وكان هشام قد خرج في طلب العدو ، فرجع في ريح شديدة وعجاج (١).

ثم قدم أخوه مقيس في سنة خمس من مكة ، متظاهرا بالإسلام ، وطلب دية أخيه هشام ، فأقام عند رسول الله غير كثير ، ثم عدا على قاتل أخيه ، فقتله ، ثم رجع إلى مكة مرتدا (٢) فأهدر النبي «صلى الله عليه وآله» دمه فقتل يوم فتح مكة (٣). وهو متعلق بأستار الكعبة.

ونزل فيه قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ)(٤) الآية (٥).

__________________

(١) راجع المصادر التالية : المغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٧ و ٤٠٨ تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ و ٤٧١ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٩٢ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٨ وراجع : الإصابة ج ٣ ص ٦٠٣.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٥ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٩٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٦٣ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٠٥ و ٣٠٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦ و ١٥٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٨ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٨ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٤١ و ٢٤٢.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٥ وراجع : تاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦.

(٤) الآية ٩٣ من سورة النساء.

(٥) بهجة المحافل ج ١ ص ٢٤٢ والدر المنثور ج ٢ ص ١٩٥.

٢٥١

ونقول :

١ ـ قولهم : إن قدوم مقيس بن ضبابة كان سنة خمس ، لا ينسجم مع ما قدمناه من أن غزوة المريسيع كانت سنة ست ، وبعدها كان قدوم مقيس ، إذا فرض أن أخاه الذي جاء لأخذ ثأره وديته قد قتل بعد المريسيع.

٢ ـ يقول النص الآنف الذكر : أن آية سورة النساء : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) ، قد نزلت في مقيس هذا.

مع أنهم يقولون : إن هذه الآية قد نزلت بعد المريسيع بعدة سنوات ، فقد روي عن ابن عباس : أنها في آخر ما نزل ، ولم ينسخها شيء حتى قبض رسول الله «صلى الله عليه وآله» (١) ؛ فكيف تأخر نزولها عن الحدث الذي نزلت من أجله؟

٣ ـ قد ذكر النص المتقدم أن أنصاريا اسمه أوس وهو من بني عمرو بن عوف قد قتل هشاما ، لكونه خرج في طلب العدو ، فرجع في ريح شديدة وعجاج ، فقتله مقيس بأخيه ، مع أن نصا آخر يقول : إن النبي «صلى الله عليه وآله» بعث مقيسا ومعه رجل من بني فهر في حاجة للنبي «صلى الله عليه وآله» ، فاحتمل مقيس الفهري فضرب به الأرض ، ورضخ رأسه بين حجرين.

وأوضح نص آخر ذلك فقال : إن الفهري كان رجلا من قريش ، أرسله

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ١٩٦ عن أحمد ، وسعيد بن منصور ، والنسائي ، وابن ماجة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والنحاس في ناسخه. وحديث آخر عن ابن عباس أيضا في الدر المنثور ج ٢ ص ١٩٦ عن عبد بن حميد ، والبخاري ، وابن جرير.

٢٥٢

النبي «صلى الله عليه وآله» معه إلى بني النجار بقباء (١).

٤ ـ وهذا النص يقول : إن رجلا اسمه أوس قد قتل هشاما ، فقدم أخوه من مكة مطالبا بديته.

مع أن نصا آخر يقول : إن هذين الأخوين قد أسلما وكانا بالمدينة ، فوجد مقيس أخاه قتيلا في بني النجار ، فانطلق إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فأخبره بذلك.

فأرسل رسول الله «صلى الله عليه وآله» معه رجلا من بني فهر من قريش ، إلى بني النجار بقباء ، أن ادفعوا إلى مقيس قاتل أخيه إن علمتم ذلك ، وإلا فادفعوا إليه الدية.

فقالوا : إنهم لا يعلمون له قاتلا ، وأعطوه ديته مئة من الإبل.

فرجع هو والفهري من قباء ، فوسوس إليه الشيطان بأن يقتل الفهري ، فتغفله ، فرماه بصخرة فشدخه ، وارتد عن الإسلام ، وركب بعيرا ، وساق بقيتها إلى مكة ، وقال في ذلك شعرا (٢).

ولعل هذه الرواية هي الأرجح بملاحظة ما ذكرناه آنفا في تاريخ نزول آية سورة النساء.

__________________

(١) راجع : الدر المنثور ج ٢ ص ١٩٥ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وعن ابن أبي حاتم ، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس ، وعن سعيد بن جبير ، وراجع : الإصابة ج ٣ ص ٦٠٣ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٤٢ عن تفسير البغوي.

(٢) راجع : الدر المنثور ج ٢ ص ١٩٥ و ١٩٦ عن ابن أبي حاتم ، وعن البيهقي في شعب الإيمان ، وراجع : الإصابة ج ٣ ص ٦٠٣ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٤٢ عن تفسير البغوي.

٢٥٣

١٠ ـ للفارس ثلاثة أسهم!!

قد تقدم قولهم : إنه «صلى الله عليه وآله» أعطى من الغنائم للفرس سهمين ولصاحبه سهما ، فيصير المجموع ثلاثة أسهم ، وأعطى للراجل سهما واحدا.

وقد تحدثنا في غنائم بني قريظة : أن هذا لا يصح ، وأن الصحيح هو أنه «صلى الله عليه وآله» كان يعطي للفارس سهمين ، أحدهما له والآخر لفرسه ، فراجع ما ذكرناه هناك إن شئت.

١١ ـ هل أغار النبي صلى الله عليه وآله عليهم وهم غارون (١)؟!

وفي الصحيحين وغيرهما ، عن ابن عمر : أن النبي «صلى الله عليه وآله» أغار على بني المصطلق ، وهم غارون ، وأنعامهم تسقى على الماء ، فقتل مقاتلهم ، وسبى ذراريهم وهم على الماء (٢) ، وكان ابن عمر في الجيش كما ذكره البلاذري.

__________________

(١) غار الرجل : نام في نصف النهار.

(٢) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ و ٤٧١ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٧ و ٤٠٨ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٥ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٣ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٩٢ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٤ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢١٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦ وفتح الباري ج ٥ ص ٢٣ وصحيح البخاري ج ٢ ص ٥٤ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٣٩ وشرح النووي على صحيح مسلم ج ١٢ ص ٣٦ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٢.

٢٥٤

قالوا : والأول أثبت (١) أي أنه لم يغر عليهم وهم غارون.

ولعل سبب كونه هو الأثبت هو عدم صحة ما ذكر من قتل مقاتلهم ، لأن بني المصطلق قد بقوا بعد ذلك على كثرتهم ، وانتشارهم ، وقتل مقاتلهم معناه أن لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك.

١٢ ـ استرقاق العرب :

قد تقدم : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمر بالأسارى ، فكتفوا ، واستعمل عليهم بريدة (رض) ، ثم فرق «صلى الله عليه وآله» السبي ؛ فصار في أيدي الناس (٢).

قال الحلبي : «وفي هذا دليل لقول إمامنا الشافعي (رض) في الجديد : يجوز استرقاق العرب ، لأن بني المصطلق عرب من خزاعة.

خلافا لقوله في القديم : إنهم لا يسترقون لشرفهم ، وقد قال في الأم : لو أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون هكذا ، أي عدم استرقاقهم. أي لا يجوز الرق على عربي» (٣).

ونقول :

إن الشافعي وإن كان قد أصاب حين قال بجواز استرقاق العرب ، خلافا لقوله القديم : إلا أنه في كتابه الأم يعود ليستسلم لمشاعره في التمييز

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٤ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٧ وراجع : دلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٤٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٣.

(٢) وراجع أيضا : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٠.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٠.

٢٥٥

العنصري ، الذي كرسه عمر بن الخطاب في أقواله وتشريعاته حين تمنى عدم استرقاق العرب ، وعدم جواز الرق على عربي ، وكأنه لا يعجبه الحكم الإلهي الصائب ، ويجد في نفسه حرجا مما قضى الله ورسوله.

١٣ ـ فداء الأسرى موضع شك :

قد تقدم : أنهم يقولون : إن أهالي الأسرى قدموا فافتدوهم ، وإن المرأة والذرية افتدوا بست فرائض ، وقدموا المدينة ببعض السبي ، فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم. فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها.

مع أنهم يذكرون : أن جميع بني المصطلق قد أسروا ، ولم يفلت منهم أحد حسبما تقدم.

ونكاد نلمح من خلال تأكيداتهم على إطلاق سراحهم فورا : أن البعض لا يرتاح لأسر بني المصطلق الذين هم عرب.

ويزعجه جدا أن تسبى نساؤهم. ولعل الفقرة الأخيرة المتقدمة : فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها ، تشير إلى ذلك الانزعاج ، وإلى الحرص على إبعاد شبح استرقاق العرب.

ونعتقد : أن السبب في ذلك هو سياسات الخليفة الثاني تجاه العرب ، وهو القائل : ليس على عربي ملك (١). وكره أن يصير السبي سنة على

__________________

(١) الأموال ص ١٩٧ و ١٩٨ و ١٩٩ والإيضاح ص ٢٤٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٥٤٩ وسنن البيهقي ج ٩ ص ٧٣ و ٧٤ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٥٠ والمسترشد في إمامة علي «عليه السّلام» ص ١١٥ وقضاء أمير المؤمنين «عليه السّلام» ص ٢٦٤ والمصنف للصنعاني ج ١٠ ص ١٠٣ و ١٠٥ وج ٧ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ والنظم الإسلامية ص ٤٦٣.

٢٥٦

العرب (١). وقد أعتق سبي اليمن وهن حبالى ، وفرق بينهن وبين من اشتراهن (٢). وأعتق كل مصلّ من سبي العرب ، وأوصى بعتق كل عربي (٣). وسياسات عمر هذه معروفة عنه.

وقد فصلنا القول فيها في كتابنا : «سلمان الفارسي في مواجهة التحدي» فليراجعه من أراد.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٣٩.

(٢) الإيضاح ص ٢٤٩.

(٣) راجع : المصنف للصنعاني ج ٨ ص ٣٨٠ و ٣٨١ وج ٩ ص ١٦٨ وراجع : المسترشد في إمامة علي «عليه السّلام» ص ١١٥.

٢٥٧
٢٥٨

الفصل الثاني :

جويرية بنت الحارث

٢٥٩
٢٦٠