الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-184-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٣

عليه وآله» قال : لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ، ولقد ضمّ ضمة اختلفت منها أضلاعه ، من أثر البول (١).

وذكر بعض أهل سعد : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال : إن سبب ضمة القبر له : «أنه كان يقصر في بعض الطهور من البول بعض التقصير» (٢).

قال الأشخر اليمني : «قلت : في النفس من صحة هذا الحديث شيء» (٣).

ونقول :

١ ـ لو صح هذا الحديث لأمكن تحاشي ضمة القبر ، بأن يهتم المؤمنون بأمر الطهور من البول ؛ فلا يقصرون فيه ، وعلى هذا ، فلا يبقى مبرر لقوله «صلى الله عليه وآله» : لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد.

٢ ـ هذا .. ولا ندري ما هو الربط بين الطهور من البول ، وبين ضمة القبر!!

٣ ـ ثم أليس قد نجت فاطمة بنت أسد من ضمة القبر ، لأنه «صلى الله عليه وآله» ألبسها قميصه ، واضطجع في قبرها حسبما قدمناه في هذا الكتاب حين الكلام عن وفاتها «رحمها الله» مع أن سياق الكلام يشير إلى أنه لا ينجو من ضمة القبر أحد؟

٤ ـ ما معنى أن يضم سعد بن معاذ ضمة اختلفت منها أضلاعه ، مع

__________________

(١) تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٨.

(٢) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٨١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٨ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٧ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٣٠.

(٣) شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٧.

٢٢١

أن عائشة تقول : إنها قالت : يا رسول الله ، ما انتفعت بشيء منذ سمعتك تذكر ضغطة القبر ، وضمته.

فقال : يا عائشة ، إن ضغطة القبر على المؤمن كضمة الأم يديها على رأس ابنها ، يشكو إليها الصداع (١).

٥ ـ بل إن سياق العبارات التي تقدمت يقتضي أن لا ينجو أحد من ضمة القبر حتى الأنبياء «عليهم السلام» ؛ لأنها تقول : لو نجا أحد لنجا سعد.

مع أنهم يقولون : خص «صلى الله عليه وآله» بأنه لا يضغط في قبره. وكذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام. ولم يسلم من الضغطة صالح ، ولا غيره سواهم ، وكذا ما في التذكرة للقرطبي إلا فاطمة بنت أسد ببركته «صلى الله عليه وآله» (٢).

النظرة الأخيرة :

«وجاءت أم سعد تنظر إليه في اللحد ، وقالت : أحتسبك عند الله. وعزاها رسول الله «صلى الله عليه وآله» على قبره ، وجلس ناحية ، والمسلمون يردون التراب على القبر حتى سوّي ، ورش عليه الماء.

ثم وقف «صلى الله عليه وآله» فدعا ، ثم انصرف» (٣).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٧.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥.

(٣) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥٣ وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠. والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥.

٢٢٢

الحزن على سعد :

قالت عائشة : «فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(١).

قال علقمة : فقلن : أي أمه ، فكيف كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يصنع؟!

قالت : «كانت عينه لا تدمع على أحد. ولكنه كان إذا وجد ، فإنما هو آخذ بلحيته» (٢).

ونقول :

١ ـ نحن بدورنا لا نستطيع أن نقبل كلام عائشة هذا ، فقد تواتر النقل عنه «صلى الله عليه وآله» : أنه بكى في أكثر من مورد ، حين استشهاد أو موت بعض أصحابه ، مثل جعفر ، وحمزة ، وعثمان بن مظعون ، وزيد بن حارثة ، وعلى ولده إبراهيم ، وقد قال في مناسبة موت ولده : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب.

وقد قدمنا بعض الكلام في ذلك : في أواخر غزوة أحد في سياق الكلام عن استشهاد حمزة وقول النبي «صلى الله عليه وآله» : أما حمزة فلا بواكي له. فراجع.

__________________

(١) الآية ٢٩ من سورة الفتح.

(٢) راجع : مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٨ وراجع : مسند أحمد ج ٦ ص ١٤٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٩ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٨ وراجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٦.

٢٢٣

٢ ـ إننا نذكر القارئ بما هو معروف عن عمر في تشدده بالمنع من البكاء على الأموات حينا ، وسماحه بذلك حتى لنفسه حينا آخر (١).

أم سعد تبكي ولدها وترثيه :

وقد قال النبي «صلى الله عليه وآله» لأم سعد : «ألا يرقأ دمعك ، ويذهب حزنك ، بأن ابنك أول من ضحك الله له ، واهتز له العرش» (٢)؟

ويلاحظ التعبير ب : «ضحك الله» الذي يشم منه رائحة التجسيم.

وعن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : انتهى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأم سعد تبكي ، وتقول :

ويل أم سعد سعدا

جلادة وحدّا

فقال عمر بن الخطاب (رض) : مهلا يا أم سعد ، لا تذكري سعدا.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله» : دعها يا عمر ، فكل باكية مكثرة إلا أم سعد ، ما قالت من خير فلم تكذب (٣).

وفي رواية ابن هشام :

ويل أم سعد سعدا

صرامة وحدّا

وسؤددا ومجدا

وفارسا معدّا

سد به مسدا

يقدّ هاما قدّا

__________________

(١) راجع هذا الكتاب ج ٦ ص ٢٦٦ و ٢٧٣.

(٢) تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٧٠.

(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٧.

٢٢٤

يقول رسول الله : كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ (١).

لكن رواية أخرى تعكس هذا المضمون ليفيد ضد المعنى.

فهي تقول : إن أم سعد كانت تبكي وتقول :

ويل أم سعد سعدا

حزامة وجدّا

فقيل لها : أتقولين الشعر على سعد؟!

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : دعوها فغيرها من الشعراء أكذب.

ونتوقف هنا أمام أمرين :

أولهما : موقف عمر من رثاء أم سعد لابنها العظيم.

فإن كان مراده النهي عن البكاء الذي تكرر منه أكثر من مرة ، رغم أنه هو نفسه يبكي ويأمر بالبكاء على بعض الناس ، ورغم نهي النبي «صلى الله عليه وآله» المتكرر له عن التعرض لمن يبكون موتاهم (٢) ،

إذا كان مراده ذلك : فإننا لا نستطيع قبوله منه هنا لأنه هو نفسه يبكي على سعد حسبما تقدم عن عائشة.

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٦٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٣٠ وبهجة المحافل وشرحه ج ١ ص ٢٧٧ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٠ والإكتفاء ج ٢ ص ١٨٨ و ١٨٩ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠ وفيه : أنه لما احتمل على نعشه بكت أمه ، وقالت : الخ .. وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٧ و ٢٦٨ وراجع ص ٢٦٩.

(٢) راجع : هذا الكتاب ج ٧ ص ٢٧٥ ـ ٢٨٣.

٢٢٥

وإن كان مراده : أن لا تذكر أم سعد فضائل سعد ، وخصائصه الكريمة ، ولا تذكر الناس بها ،.

فلذلك يعني : أنه كان ينفس على سعد خصائصه ، ومزاياه تلك. وكان لا يحب أن يكون لأنصاري مقام رفيع كهذا ، حتى بعد موته ، وحتى لو كان شهيدا ، وفي سبيل الله؟!

وهذا الموقف أيضا غير مقبول منه ، لأن ذلك يخالف روح الإسلام ، ويتنافى مع صريح نصوصه.

ثانيهما : إن الرواية الأخيرة ، قد نسبت الكذب إلى أم سعد في شعرها ولكنها قالت : إن غيرها من الشعراء أكذب منها!!

وليت شعري أي كذب يوجد في شعر أم سعد. ألم يكن سعد بن معاذ يتحلى بتلك الخصال التي وصفته بها؟!

أم أن المقصود هو تزوير الحقيقة ، وتشويه صورة سعد ، الذي لم يكن يرتاح له المهاجرون وخصوصا قريش؟

وقد أثار حكمه حفيظة بعض الناس من قومه الأوس أيضا. وهم الذين وصفهم سعد بأنهم لا خير فيهم؟!

حسان يرثي سعدا وجماعة معه :

وقال حسان بن ثابت يبكي سعدا وجماعة ممن استشهد يوم بني قريظة :

ألا يا لقومي هل لما حم دافع

وهل ما مضى من صالح العيش راجع

تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت

بنات الحشا وانهل مني المدامع

صبابة وجد ذكرتني إخوة

وقتلى مضى فيها طفيل ورافع

٢٢٦

وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت

منازلهم فالأرض منهم بلاقع

وفوا يوم بدر ..

الأبيات .. (١)

ولحسان مقطوعات أخرى يهجو فيها بني قريظة ، فمن أرادها فليراجعها في مصادرها (٢).

تآمر اليهود من جديد :

وكان يهود بني النضير في خيبر ، ويهود خيبر ينتظرون نتائج حصار بني قريظة ، فبلغهم ما جرى عليهم ، فأنحوا باللائمة على حيي بن أخطب ، وبلغ النساء ، فشققن الجيوب ، وجززن الشعور ، وأقمن المآتم. وضوى إليهن نساء العرب.

وفزعت اليهود إلى سلام بن مشكم ، وسألوه عن الرأي ، فقال لهم : محمد قد فرغ من يهود يثرب ، وهو سائر إليكم ، فنازل بساحتكم ، وصانع بكم ما صنع ببني قريظة.

قالوا : فما الرأي؟

قال : نسير إليه بمن معنا من يهود خيبر ، فلهم عدد ، ونستجلب يهود تيماء ، وفدك ، ووادي القرى ، ولا نستعين بأحد من العرب ، فقد رأيتم في غزوة الخندق ما صنعت بكم العرب ، بعد أن شرطتم لهم تمر خيبر ، نقضوا ذلك

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٤ ص ١٣٦ وسبل الهدى ج ٥ ص ٣٢ والإكتفاء ج ٢ ص ١٨٩ و ١٩٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٦٠.

(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٣٠ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٨٢ و ٢٨٦.

٢٢٧

وخذلوكم ، وطلبوا من محمد بعض تمر الأوس والخزرج ، وينصرفون عنه. مع أن نعيم بن مسعود هو الذي كادهم بمحمد ومعروفهم إليه معروفهم.

ثم نسير إليه في عقر داره ، فنقاتل على وتر حديثه وقديم.

فقالت اليهود : هذا الرأي.

فقال كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق : إني قد خبرت العرب ، فرأيتهم أشداء عليه ، وحصوننا هذه ليست مثل ما هناك ، ومحمد لا يسير إلينا أبدا لما يعرف.

فقال سلام بن مشكم : هذا رجل لا يقاتل حتى يؤخذ برقبته.

فكان ذلك والله محمود (١).

__________________

(١) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٣٠ و ٥٣١.

٢٢٨

الباب الرابع

غزوة المريسيع .. أحداث وقضايا

الفصل الأول : أحداث غزوة المريسيع

الفصل الثاني : جويرية بنت الحارث

الفصل الثالث : ليخرجن الأعز منها الأذل

٢٢٩
٢٣٠

الفصل الأول :

أحداث غزوة المريسيع

٢٣١
٢٣٢

تاريخ غزوة المريسيع :

يقول عدد من المؤرخين : إن غزوة المريسيع كانت لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس للهجرة (١).

وقيل : إنها كانت في السنة السادسة وقيل : إن عليه أكثر المحدثين (٢).

__________________

(١) قد ذكر هذا القول مستندا إليه ، أو بلفظ قيل ، في المصادر التالية : سيرة مغلطاي ص ٥٥ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٢ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٨ والجامع للقيرواني ص ٢٨١ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤١ والثقات ج ١ ص ٢٦٣ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٧ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٣ وبه جزم الذهبي في تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢١٤ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٤ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٤ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٨. وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٤٤ و ٤٥ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٢٥٨ و ٢٦٠ والإصابة ج ٤ ص ٤٦٥.

(٢) راجع هذا القول في المصادر التالية : تاريخ مختصر الدول ص ٩٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٩ والجامع للقيرواني ص ٢٨٣ وسيرة مغلطاي ص ٥٥ عن البخاري ، والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٣ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٢ وبهجة

٢٣٣

وعن ابن عقبة : كانت في السنة الرابعة ، كما في البخاري ، وعليه جرى النووي في الروضة (١).

لكن في مغازي ابن عقبة : سنة خمس (٢).

ونقول :

إننا نرى : أن غزوة المريسيع قد كانت بعد الخندق ، وقد تحدثنا عن هذا الأمر في كتابنا حديث الإفك الطبعة الأولى ص ٩٦ ـ ١٠٦ ، ونحن نورد هنا بعض ما ذكرناه هناك مع بعض التقليم والتطعيم.

فنقول :

قلنا : في الجزء السابق : إن الصحيح هو أن غزوة الخندق كانت سنة

__________________

المحافل ج ١ ص ٢٤١ عن ابن إسحاق ، وقال : «الخندق على الأصح سنة أربع» وشذرات الذهب ج ١ ص ١١ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٩٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٦٠ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٠٢ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٤ عن ابن إسحاق والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٨ مثله والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦ عن ابن إسحاق أيضا وكذا في دلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٤٦ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٢٥٨ والإصابة ج ٤ ص ٢٦٥.

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٩ وراجع : سيرة مغلطاي ص ٥٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٨ عن ابن عقبة ، وصحيح البخاري ج ٣ ص ٢٤ عنه أيضا ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٩٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦ كلاهما عن ابن عقبة ، وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٢.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٩ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٨ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٤١.

٢٣٤

أربع. ولا ريب في تأخر المريسيع عنها ، وذلك لما يلي :

أولا : إن فرض الحجاب ـ كما ذكره المؤرخون الأثبات ـ قد كان في سنة خمس في ذي القعدة (١) وغزوة المريسيع كانت في شعبان. وفيها كان حديث الإفك الذي كان بعد فرض الحجاب فلا بد أن يكون هو شعبان الذي بعد الحجاب في السنة السادسة ، لأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد تزوج بزينب بنت جحش ، التي هي سبب الحجاب بعد بني قريظة (٢).

وقد تقدم في حديث عائشة ، وأم سلمة ما يدل صراحة : على أن الحجاب لم يكن فرض يوم الخندق ، وبني قريظة (٣).

ثانيا : قد ثبت أن ابن عمر قد شهد المريسيع ، ومن المعلوم : أن أول مشاهده الخندق كما تقدم في الجزء الحادي عشر من هذا الكتاب ، فهذا

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣١ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٧٧ والتنبيه والأشرف ص ٢١٧ ومروج الذهب ج ٢ ص ٢٨٩ وطبقات ابن سعد (ط ليدن) ج ٢ ق ١ ص ٨١ وج ٨ ص ١٢٥ و ١٢٦ و ١٥٧ وصفة الصفوة ج ٢ ص ٤٦ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣١٠ وفتح الباري ج ٨ ص ٣٥١ عن الواقدي وتاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٠ و ٥٠١ و ٢٦٧ ونقله أيضا عن أسد الغابة والمنتقى والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٤٥ عن قتادة ، والواقدي ، وبعض أهل المدينة والبيهقي ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩٣ عن إمتاع الأسماع عن بعض أهل الأخبار. ثم أشكل عليه بما ورد في حديث الإفك وسيأتي عدم صحة ذلك.

(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ١٤٥.

(٣) حديث عائشة مع مصادره في الجزء الحادي عشر من هذا الكتاب ص ٨٣ وحديث أم سلمة تقدم في هذا الجزء في الحديث عن توبة أبي لبابة.

٢٣٥

يعني : أن المريسيع كانت بعد الخندق.

ومحاولة العسقلاني دعوى : أن من الممكن أن يكون قد حضرها دون أن يشترك في القتال ، كما ثبت عن جابر : أنه كان يمنح أصحابه الماء في بدر ، مع الاتفاق على عدم شهوده بدرا (١) ، هذه المحاولة فاشلة ، إذ إن التعبير بشهد غزوة كذا ، أو أول مشاهده غزوة كذا إنما يعني شهود قتال ، لا مجرد الحضور ، فإرادة معنى آخر لهذا التعبير يحتاج إلى قرينة ودلالة ، وهي مفقودة هنا.

المريسيع :

ويقولون : إن المريسيع ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع يومان (وعند ابن سعد نحو يوم) وبين الفرع والمدينة ثمانية برد (٢).

وقيل : إن المريسيع تقع على ستة مراحل من المدينة أو سبعة ، مما يلي مكة من ناحية الجحفة (٣).

ويقال لها : غزوة محارب ، وقيل : محارب غيرها (٤).

وتسمى هذه الغزوة أيضا بغزوة بني المصطلق ، وهم بطن من خزاعة (٥).

__________________

(١) راجع : فتح الباري ج ٨ ص ٣٦٠.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ وسيرة مغلطاي ص ٥٥ والتنبيه والإشراف ص ٢١٥ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٣.

(٣) الجامع للقيرواني ص ٢٨٣.

(٤) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٨.

(٥) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠.

٢٣٦

سبب غزوة المريسيع :

وسبب هذه الغزوة أن بني المصطلق كانوا ينزلون على بئر يقال لها : المريسيع ، من ناحية قديد إلى الساحل ، وكان سيدهم الحارث بن أبي ضرار دعا قومه ومن قدر عليه من العرب إلى حرب رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فأجابوه ، وتجمعوا ، وابتاعوا خيلا وسلاحا ، وتهيأوا للحرب ، والمسير معه.

فبلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخبر ، فأرسل بريدة بن الحصيب الأسلمي ليتحقق ذلك ، فأتاهم ، ولقي الحارث ، وكلمه ، مظهرا أنه منهم ، وقد سمع بجمعهم ، ويريد الانضمام بقومه ، ومن أطاعه إليهم ، وعرف منهم صدق ما بلغهم عنهم. فرجع إلى رسول الله فأخبره بأنهم يريدون الحرب.

وفي الحلبية : أن بريدة استأذن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يقول ما يتخلص به من شرهم ، فأذن له.

فلما أخبر بريدة النبي «صلى الله عليه وآله» بصحة ما بلغه دعا «صلى الله عليه وآله» الناس فأسرعوا الخروج ، فخرج معه سبع مئة ، ومعهم ثلاثون فرسا منها عشرة للمهاجرين وعشرون للأنصار وقد عد منهم الواقدي في مغازيه جماعة الفرسان على النحو التالي :

«كان علي «عليه السّلام» فارسا ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة بن عبيد الله ، والمقداد بن عمرو.

وفي الأنصار : سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، وأبو عيسى بن جبر ، وقتادة بن النعمان ، وعويم بن ساعدة ، ومعن بن عدي ، وسعد بن زيد الأشهلي ، والحارث بن حزمة ، ومعاذ بن جبل ، وأبو قتادة ، وأبي بن كعب ، والحباب بن المنذر ، وزيادة بن لبيد ، وفروة بن عمرو ، ومعاذ بن رفاعة. انتهى.

٢٣٧

وخرج لليلتين من شعبان ، وخرجت معهم عائشة ، وأم سلمة.

وكان معه «صلى الله عليه وآله» فرسان ، هما : لزاز ، وظرب.

واستخلف على المدينة زيد بن حارثة (١).

وجعل عمر بن الخطاب على مقدمة الجيش (٢). هكذا زعموا.

وزاد في بعض المصادر قوله : وخرج بشر كثير لم يخرجوا في غزاة قبلها.

وعبارة ابن سعد : «خرج معه بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قط مثلها» (٣).

قال الواقدي : ليس بهم رغبة في الجهاد ، إلا أن يصيبوا من عرض

__________________

(١) راجع ما تقدم في المصادر التالية ، وبعض ما فيها يكمل البعض الآخر : طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٠٢ ٣٠٣ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ وسيرة مغلطاي ص ٥٥ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٤ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٨ و ١٠٩ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٥٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٧ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٩٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٦٠ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤١ و ٣٤٢ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٧ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢١٤ و ٢١٥ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٤ و ٤٠٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٤٦ و ٤٧ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٤١.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٧٠.

(٣) زاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٠٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٣.

٢٣٨

الدنيا ، وقرب عليهم السفر (١).

المعركة ونتائجها :

وسار رسول الله «صلى الله عليه وآله» باتجاه بني المصطلق ، وأصاب عينا للمشركين كان وجهه الحارث ليأتيه بخبر رسول الله ؛ فسأله «صلى الله عليه وآله» عنهم ، فلم يذكر من أمرهم شيئا ، فعرض «صلى الله عليه وآله» عليه الإسلام فأبى ، فأمر عمر بن الخطاب بضرب عنقه ، فضرب عنقه (٢).

وبلغ الحارث مسير رسول الله «صلى الله عليه وآله» إليهم ، وبلغه أيضا قتل عينه ، الذي كان يأتيه بخبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فسيء بذلك هو ومن معه. وخافوا خوفا شديدا ، وتفرق الأعراب الذين كانوا معه فما بقي أحد سواهم.

وانتهى رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى المريسيع ، وضرب عليه قبة من أدم ، وتهيأوا للقتال ، وصفّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» أصحابه.

قال الحلبي والذهبي : «وأمر «صلى الله عليه وآله» عمر بن الخطاب أن يقول لهم : قولوا : لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم فأبوا» (٣).

ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر ، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة ،

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٠٥.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٦٦ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ وفي المغازي للواقدي ج ١ ص ٥٠٦ أن عمر هو الذي قال : «يا رسول الله ، اضرب عنقه. فقدمه فضرب عنقه».

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٩ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢١٥.

٢٣٩

وقال الواقدي وخواند أمير : كان لواء المشركين مع صفوان الشامي.

وكان شعار المسلمين يومئذ : يا منصور أمت أمت.

قال الذهبي والواقدي : «فكان أول من رمى رجل منهم بسهم» ، فتراموا بالنبل ساعة ، ثم أمر النبي «صلى الله عليه وآله» أصحابه فحملوا على الكفار حملة واحدة ، فقتل منهم عشرة ، وأسر الباقون ، ولم يفلت منهم أحد ، وسبوا الرجال والنساء والذراري ، وأخذوا الشاء والنعم ، وكانت الإبل ألفي بعير ، والشاء خمسة آلاف والسبي مائتي أهل بيت.

قال الحلبي : واستعمل على الغنائم شقران ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد وبعث «صلى الله عليه وآله» أبا نضلة (أو أبا ثعلبة) (أو أبا نملة) الطائي بشيرا إلى المدينة بفتح المريسيع.

ولما رجع المسلمون بالسبي قدم أهاليهم فافتدوهم. كذا ذكره ابن إسحاق (١).

__________________

(١) النص المتقدم يوجد في : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ ويوجد أيضا باختصار أو بتفصيل في المصادر التالية : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٩ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٦٠ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٩٢ والوفا ص ٦٩٢ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٤ وراجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤١ والثقات ج ١ ص ٢٦٣ و ٢٦٤ والتنبيه والإشراف ص ٢١٥ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٧ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ و ١١٣ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٤٦ ـ ٤٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٠٢ و ٣٠٣ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢١٤ و ٢١٥ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٦ و ٤٠٧ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٤

٢٤٠