الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-184-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٣

منها فيئه ، ثم يخرج السهم ، فحيث طار سهم أخذه ، ولم يتخير» (١).

وصار الخمس إلى محمية بن جزء الزبيدي ، وهو الذي قسم المغنم بين المسلمين (٢).

ونقول :

إن لنا هنا وقفات ، وتأملات ، نشير إلى طائفة منها فيما يلي :

ألف : جرار الخمر في بني قريظة :

قد ذكرت بعض النصوص : أنهم وجدوا جرار خمر ، فاهريق ما فيها.

«وهذا يدل على أن الخمر كانت محرمة قبل ذلك» (٣).

وقد تحدثنا عن أن تحريم الخمر قد كان في أول الإسلام ، وقبل الهجرة في موضع آخر من هذا الكتاب فراجع.

ب : أول فيء جرت فيه السهمان :

قالوا : إن فيء بني قريظة كان أول فيء جرت فيه السهمان.

ونقول :

قال الحلبي : «فيه نظر ، لأن ذلك إنما كان في بني قينقاع ، فإن الفيء

__________________

(١) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٨.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٣ و ٥٢٤ وراجع : طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٧٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٧ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٨ وراجع : نهاية الأرب ج ١٧ ص ١٩٦.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٩ و ٣٤٠.

١٦١

الحاصل منهم خمس خمسة أخماس ، أخذ «صلى الله عليه وآله» واحدا ، والأربعة لأصحابه» (١).

وخمّس أيضا الغنائم في بدر ، بل وفي موارد أخرى أيضا. حسبما ذكرناه في طيات هذا الكتاب ، في موارده المناسبة.

فلعل الصحيح هو : أنه «صلى الله عليه وآله» «أسهم للخيل ، فكان أول يوم وقعت فيه السهمان لها» (٢).

وعلى حد تعبير اليعقوبي : «كان أول مغنم أعلم فيه سهم الفارس» (٣).

لكن من الواضح : أن الخيل كانت موجودة في غزوة بدر ، فلا بد من التحقيق إن كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد جعل لها سهما أم لا.

ج : سهام الخيل :

وذكرت الروايات المتقدمة : أنه «صلى الله عليه وآله» أعطى للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما واحدا ، وكان للزبير فرسان فأعطاه خمسة أسهم.

ونقول :

أولا : لا ندري ما هو المبرر لإعطاء الفرس سهمين ، ولصاحبه سهما واحدا ، فهل للفرس نشاط حربي يزيد على ما لصاحبه؟!

ثانيا : قد روي عن الزير بن العوام أنه قال : شهدت بني قريظة فارسا ،

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٩.

(٢) فتح الباري ج ٧ ص ٣١٩ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٨.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٣ والإرشاد للمفيد ص ٦٥.

١٦٢

فضرب لي سهم ، ولفرسي سهم (١).

ثالثا : قال اليعقوبي والشيخ المفيد : «قسمت أموال بني قريظة ونساؤهم وأعلم سهم الفارس ، وسهم الراجل ، فكان الفارس يأخذ سهمين ، والراجل سهما» (٢).

سبي بني قريظة :

لم يكن الإسلام مهتما بالرق ، وبالاسترقاق ، لولا أنه يريد دفع غائلة الآخرين عنه. وقصة سبي بني قريظة ، كما يرى البعض ، تدل على أنه «صلى الله عليه وآله» قد أنشأ الرق على أعدائه في ميدان القتال ، معاملة لهم بالمثل ، إذ لو أسروا المسلمين لاسترقوهم بل كان المشركون يسترقون الآخرين من غير قتال ، بل كانوا أخذوا بعض المسلمين غدرا كما تقدم في غزوة الرجيع فباعوهم ، وأذاقوهم أشد العذاب.

فالنبي «صلى الله عليه وآله» سبى في الحرب واسترق عملا بمبدأ المقابلة بالمثل ، لكن أعداءه استرقوا من المسلمين بغير حرب (٣).

الصفي من السبي :

وكان «صلى الله عليه وآله» قد أخرج الخمس من المغنم قبل بيعه ،

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٤.

(٢) تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ص ٥٣ والإرشاد للمفيد ص ٦٥.

(٣) راجع : خاتم النبيين ج ٢ ص ٩٥٥ و ٩٥٦.

١٦٣

وتقسيمه ، فكان يعتق من هذا الخمس ، ويهب منه ، ويخدم منه من أراد (١).

وروي : أنه كان لرسول الله «صلى الله عليه وآله» جارية يقال لها : ربيحة ، أخذها من سبي بني قريظة ، وجعلها في نخل له يدعى نخل الصدقة.

وقد يظهر من بعضهم : أنها نفس ريحانة الآتي ذكرها (٢).

واختار من سبي بني قريظة جارية يقال لها : تكانة بنت عمرو ، وكانت في ملكه فلما توفي «صلى الله عليه وآله» تزوجها العباس (٣).

وذكروا أيضا : أنه «صلى الله عليه وآله» قد اصطفى عمرة بنت خنافة (٤).

وقال اليعقوبي : «إنه «صلى الله عليه وآله» اصطفى من السبي ست عشرة جارية ، فقسمها على فقراء بني هاشم ، وأخذ لنفسه منهم واحدة ، يقال لها : ريحانة» (٥).

وقد كان يحق للنبي أن يصطفي من المغنم قبل قسمته ، وقبل إخراج خمسه.

وكان من الواضح : أن النبي لم يكن يهمه إلا حل مشكلات الفقراء والمعوزين ، فلم يكن يستفيد مما يصطفيه استفادة شخصية ، ليزيد من ثروته

__________________

(١) راجع : المغازي ج ٢ ص ٥٢٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٧٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٧.

(٢) راجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٤٣ و ٤٥٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ١ ص ٢٠٩ عن تاج التراجم.

(٤) المصدر السابق ج ١ ص ٢٥٢.

(٥) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢ و ٥٣.

١٦٤

المالية ، أو ليشبع نهما غريزيا له بالنساء.

ريحانة جارية رسول الله صلى الله عليه وآله :

وكان في جملة سبي بني قريظة جارية اسمها ريحانة ، وقد اختلف في نسبها.

فهل هي ريحانة بنت عمرو بن خنافة (حذافة ، قنافة ، حصافة) (١) أم هي بنت زيد (٢)؟

أم بنت شمعون بن زيد بن خنافة ، بن عمرو ، بن قريظة (٣).

وشمعون هو نفس عمرو (٤). إلى آخر ما هنالك مما يمكن ملاحظته في المصادر المختلفة.

وقالوا : إنها كانت من بني النضير ، متزوجة من رجل من بني قريظة

__________________

(١) الثقات ج ١ ص ٢٧٨ وراجع : الإصابة ج ٤ ترجمة ريحانة وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٥ و ١٥٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٦ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٢ والبداية والنهاية ج ١ ص ١٢٦ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦ وقال : إن شمعون مولى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

(٢) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٠٩ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٠ و ٥٢١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٤٥٤.

(٣) السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٩ والمحبر ص ٩٤. وراجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٥٣ وراجع ص ٥١٥ و ٤٤٣.

(٤) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦ وراجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٥٣ ولم يذكر اسمه.

١٦٥

اسمه : الحكم (١).

وعند ابن حبيب : عبد الحكم (٢).

وقد اصطفاها النبي «صلى الله عليه وآله» لنفسه (٣) وكانت جميلة وسيمة (٤).

قال الواقدي وغيره ما ملخصه : إن النبي «صلى الله عليه وآله» اصطفاها ، فأبت أن تسلم فوجد «صلى الله عليه وآله» في نفسه.

ثم ذكر ذلك لثعلبة بن سعية القرظي ، فأقنعها بالإسلام ، فأسلمت ، فسر بذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ثم أرسلها إلى بيت سلمى بنت قيس ، أم المنذر ، فبقيت عندها حتى حاضت وطهرت ، فخيّرها النبي «صلى الله عليه وآله» بين أن يعتقها ، ويتزوجها ، ويضرب عليها الحجاب ، وبين أن تكون في ملكه.

فاختارت الثاني : فبقيت في ملكه ، يطؤها حتى ماتت عند (٥) مرجعه من

__________________

(١) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٠ و ٥٢١ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢٢٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦ وغير ذلك كثير.

(٢) المحبر ص ٩٤.

(٣) راجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٣ وجميع المصادر التاريخية التي ذكرت أحداث هذه الغزوة.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢٢٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٩.

(٥) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٠ و ٥٢١ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦ و ٣٤٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٧ و ٢٨ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٤٥٤ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٩.

١٦٦

حجة الوداع فدفنها بالبقيع (١).

ويدل على ذلك ما عن ابن سيرين : أن رجلا لقي ريحانة بالموسم فقال لها : إن الله لم يرضك للمؤمنين أما فقالت : وأنت فلم يرضك الله لي ابنا (٢).

ونقول : إن لنا في هذا المقام نقاشا نلخصه فيما يلي :

١ ـ أما بالنسبة لما ذكره الواقدي وغيره عن ريحانة ، فإننا نقول :

أولا : إن عددا من المؤرخين يصرح : بأنها بقيت في ملكه «صلى الله عليه وآله» حتى مات (٣).

ثانيا : قولهم : إنه «صلى الله عليه وآله» قد عرض عليها أن يتزوجها ، ويضرب عليها الحجاب ، ينافيه ما تقدم في قصة خيانة أبي لبابة : عن أم سلمة ، وكذا ما تقدم في الجزء الحادي عشر من هذا الكتاب صفحة ٨٣ عن

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٧ وراجع : وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٩.

(٢) أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٥٣.

(٣) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٢ و ٢٤٣ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٩٨ و ٤٩٩٠.

وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٢ و ٢٥٣ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٣ والإكتفاء ج ٢ ص ١٨٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٦ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٦٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٤ والبحار ج ٢٠ من ٢٧٨ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢٢٠ والمحبر ص ٩٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٢. وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٥ و ١٥٦ وراجع عيون الأثر ج ٢ ص ٧٥.

١٦٧

عائشة : من أن الحجاب لم يكن قد فرض على نساء النبي حينئذ.

ثالثا : إنهم يقولون : كانت بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» تحتجب في أهلها ، وتقول : لا يراني أحد بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله». قال الواقدي : فهذا أثبت الحديثين عندنا (١).

رابعا : إنهم يقولون : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أعتقها وتزوجها (٢) بعد أن أسلمت ، وحاضت ، وأصدقها إثني عشرة أوقية ونشا ، أي نصفا. وأعرس بها في المحرم سنة ست (٣).

وقيل : بل جعل صداقها عتقها (٤).

خامسا : قد ذكروا : أن النبي «صلى الله عليه وآله» طلقها بسبب غيرتها الشديدة ، ثم راجعها ، وكان يقسم لها كسائر نسائه (٥).

سادسا : قال ابن شهرآشوب : إن ريحانة لم تسب في غزوة بني قريظة ، بل أهداها المقوقس إليه هي ومارية القبطية.

قال : ويقال : إنه أعتق ريحانة ثم تزوجها (٦).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢١ وراجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٥٤.

(٢) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢١ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٩ وراجع : مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٠٩ وسيرة مغلطاي ص ٥٧ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٩.

(٣) السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٧.

(٤) أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٥٤.

(٥) أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٥٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٧.

(٦) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٠٩.

١٦٨

ولم أجد هذا في أي مصدر آخر ، واتفاق المؤرخين على سبيها يبعّده كثيرا.

٢ ـ أما بالنسبة لما نقله ابن سيرين ، عن قصة ريحانة مع ذلك الرجل في موسم الحج ، فقد يناقش فيه : بأن من الممكن أن يكون ذلك الرجل قد التقى بها في الموسم قبل زواج النبي «صلى الله عليه وآله» بها في سنة ست.

وهو كلام غير مقبول : إذ لم يمكن للمسلمين الحج إلى مكة إلا بعد فتح مكة في سنة ثمان.

إلا أن يقال : إن عدم إمكان الحج إنما هو بالنسبة للنبي والمسلمين ، لا بالنسبة لسبي بني قريظة ، وبعض الأفراد الآخرين من الناس العاديين.

ولكن هذا الكلام أيضا بعيد : فإن قريشا لم تكن تسمح لأحد من المسلمين بالحج في تلك الظروف الصعبة .. فلا تصلح رواية ابن سيرين ، لا للاستدلال ولا حتى للتأييد.

فالراجح بعد كل ما تقدم هو : أنها قد بقيت بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله».

لكن يبقى ثمة حالة من الشك فيما يقال عن : تزوج النبي «صلى الله عليه وآله» منها ، أو أنها بقيت في ملكه.

وقد يكون الراجح هو : عدم الزواج منها ، طبقا للروايات الأخرى ، ومنها ما ذكره ابن سيرين.

ملاحظة هامة : إن ما يلفت نظرنا هو : أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكره ريحانة على الإسلام ، ولم يقدّم لها مغريات مادية في هذا السبيل ، إذ لا إكراه في الدين ، ولأنه «صلى الله عليه وآله» يريد لها أن تقتنع بالإسلام الصافي النابع من عمق ضميرها ، وصافي وجدانها ولتقبل إليه عن قناعة عقلية

١٦٩

وقلبية ، وتفاعل مشاعري وروحي.

ملاحظة أخرى : لعل عدم إسلام ريحانة قد كان في بادئ الأمر ، حين عرض عليها ذلك. ثم لما استقر بها المقام وأعادت النظر في الأمور ظهر لها خطأ موقفها الأول ، وعرفت الحق ، فقبلته.

عدد السبايا :

قالوا : «وكانت نساؤهم وذراريهم سبع مئة وخمسين» (١).

وقيل : تسع مئة (٢).

وقيل : كان السبي ألفا من النساء والصبيان (٣).

بيع السبي :

وأمر «صلى الله عليه وآله» فبيع السبي فيمن يريد (أو يزيد) (٤) فاشترى أبو الشحم اليهودي امرأتين مع كل واحدة منهما ثلاثة أطفال غلمان ، وجوار بخمسين ومئة دينار.

وجعل يقول : ألستم على دين اليهود؟

__________________

(١) مجمع البيان ج ٨ ص ٣٥٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢١٢ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٦.

(٢) بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٦.

(٣) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ١٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٨ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٣.

(٤) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢١ و ٥٢٢ و ٥٢٤ و ٥٢٥ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٨.

١٧٠

فتقول المرأتان : لا نفارق دين قومنا حتى نموت عليه ، وهن يبكين (١).

وباع من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف طائفته (٢).

وجعل عثمان لكل من جاء من سبيهم زيادة على الثمن الذي دفعه ، وصار أكثر العجائز في سهم عثمان ، فربح عثمان بذلك مالا كثيرا ، لأن المال كان يوجد عند العجائز ولا يوجد عند الشواب (٣).

ويقال : لما اقتسما ـ أي عثمان ، وابن عوف ـ جعلا الشواب على حدة ، والعجائز على حدة ، ثم خيره عبد الرحمن ، فاختار عثمان العجائز (٤).

قال ابن سبرة : وإنما لم يؤخذ ما جاءت به العجائز ، فيكون في الغنيمة ؛ لأنه لم يوجد معهن إلا بعد شهر أو شهرين ، فمن جاء منهن بالذي وقّت لهن عتق ، فلم يتعرض لهن (٥).

تفاوت الاهتمامات :

ونود أن يتنبه القارئ العزيز إلى اهتمامات هذين الصحابيين المعروفين :

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٢ و ٥٢٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٩ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٩.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٩ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٩.

(٣) الشواب : جمع شابات.

(٤) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٩ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦.

(٥) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٩.

١٧١

عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان ، هنا ، ويقارن بينها وبين قول علي «عليه السّلام» : يا دنيا غري غيري ، ثم موقفه «عليه السّلام» من سلب عمرو بن عبدود الذي عاتبه فيه المعاتبون ، وقد قدمنا ذلك في غزوة الخندق ، فراجع.

بيع السبايا وشراء السلاح :

وبعث «صلى الله عليه وآله» سعيد (سعد) بن زيد الأشهلي مع سبايا من بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا (١).

ويقولون أيضا : إنه «صلى الله عليه وآله» بعث بطائفة من سبي بني قريظة مع سعد بن عبادة إلى الشام ، يبيعهم ، ويشتري بهم سلاحا وخيلا (٢).

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٦ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٩ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٩ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٩٦ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٨٦ والمحبر ص ٩٣ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٤ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢١٢ و ٢٧٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٢. وراجع : خاتم النبيين ج ٢ ص ٩٥٥ وبهجة المحافل وشرحه ج ١ ص ٢٧٦.

(٢) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥٠ و ٢٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٩ و ٢٤ و ٢٥ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٤١ عن الطبراني في الصغير الأوسط.

١٧٢

قال الحلبي : «فاشترى بذلك خيلا كثيرا قسمها رسول الله «صلى الله عليه وآله» على المسلمين» (١).

ولعله «صلى الله عليه وآله» قد أرسل إلى نجد وإلى الشام معا.

ونقول :

ألف : إن شراء السلاح يدخل في سياسة الردع السلبي ، من خلال ما يثيره هذا السلاح الوفير من خوف ورعب لدى أعداء الدعوة الإسلامية.

ولا سيما إذا كانت مضاعفة القوة التسليحية قد جاءت بعد حروب قوية ومصيرية ، كحروب بدر ، وأحد والأحزاب ، وبعد القضاء على شوكة اليهود في محيط عاصمة الإسلام بعد استئصال شأفة بني قينقاع ، والنضير ، وبني قريظة.

ب : والملفت للنظر هنا : أنه «صلى الله عليه وآله» قد قسم الخيل والسلاح الذي اشتراه على المسلمين. الأمر الذي يعطي انطباعا بأن على الدولة أن تخطط للتسليح الكافي والوافي ، ولا تقتصر على ما يتوفر لدى الناس العاديين.

ج : ونكاد نطمئن إلى أن الذين باعهم في نجد ، وفي الشام لم يكونوا من جملة الغنائم التي تعود ملكيتها للمقاتلين ، بل هي من الخمس الذي يعود البت فيه إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه.

إلا إذا قلنا ـ وذلك بعيد ـ : إن أرض بني قريظة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، فتعود ملكية كل ما يحصل منها إلى رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦.

١٧٣

وآله». ويكون إعطاء الرسول «صلى الله عليه وآله» سهما للمقاتلين مع عدم حصول قتال ، تفضّل منه «صلى الله عليه وآله» وكرم.

ويكون ما قالوه : من تراشق بالنبال والحجارة بين المسلمين وبين بني قريظة غير دقيق ، أو لم يصل إلى درجة يعد معها : أنه قد جرى قتال بين الجيشين.

وأما إرسال أكابر أصحابه لفتح الحصن ، ففشلوا ، ثم كان الفتح على يد علي «عليه السّلام» ، فهو لا يعني حصول اشتباكات قتالية بين الفريقين أيضا.

إذ قد يكون رعبهم من بني قريظة ، أو احترامهم لهم ، قد منعهم من قتالهم ، فآثروا الهزيمة على الصمود. فلما جاء علي «عليه السّلام» ونادى : يا كتيبة الإيمان ، أدركوا أن عليا لن يكون كسلفه ، فأخذهم ما قرب وما بعد ، وكان الاستسلام الذليل.

وكل ذلك يبقى مجرد رأي. ولعلنا نجد في بيع سبي بني قريظة في الشام قرينة لذلك.

لا يفرق بين الأم وولدها :

وقد نهى «صلى الله عليه وآله» أن يفرق بين سبي بني قريظة في القسمة والبيع بين النساء والذرية.

وقال يومئذ : لا يفرق بين الأم وولدها حتى يبلغوا.

فقيل : يا رسول الله ، وما بلوغهم؟!

١٧٤

قال : تحيض الجارية ، ويحتلم الغلام (١).

وكان «صلى الله عليه وآله» يومئذ يفرق بين الأختين إذا بلغتا ، وبين الأم وابنتها إذا بلغت (٢).

وكانت الأم تباع وولدها الصغار لمشركي العرب ، وليهود المدينة ، وتيماء وخيبر ، يخرجون بهم ، فإذا كان الوليد صغيرا ليس معه أم لم يبع من المشركين ، ولا من اليهود ، إلا من المسلمين (٣).

وابتاع يومئذ محمد بن مسلمة امرأة من السبي معها ابناها بخمسة وأربعين دينارا (٤).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٤ والإمتاع ج ١ ص ٢٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦.

(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٤. والإمتاع ج ١ ص ٢٥٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٠ وراجع : والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٦.

(٤) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٤.

١٧٥
١٧٦

ملحق :

بلوغ المرأة

١٧٧
١٧٨

بلوغ الجارية بالسن أم بالحيض :

قد عرفنا ، أنهم يقولون : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد حدد البلوغ في غزوة بني قريظة بقوله : تحيض الجارية ، ويحتلم الغلام ، حسبما رواه الواقدي (١).

ونقول :

إن هذا موضع شك وريب عندنا ، فقد ثبت عن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، وعن أهل بيته الطاهرين :

١ ـ أن بلوغ الغلام لا ينحصر بالاحتلام ، بل قد يكون بالسن ، وبغيره أيضا.

٢ ـ أن بلوغ الجارية إنما يتحقق بإتمامها تسع سنين ، وقد دلت على ذلك روايات كثيرة. سيأتي التعرض لها إن شاء الله تعالى.

وستأتي أيضا الروايات التي استند إليها القائلون بأن بلوغها يكون بالحيض. ذاكرين إن شاء الله تعالى ما يفيد في الجمع ورفع التعارض فيما بين تلك الروايات. ولكننا نشير قبل ذلك : إلى أن بعض الناس قد استدل على

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٦.

١٧٩

بلوغ الجارية بالحيض بآية قرآنية ، فنحن نشير إلى كيفية استدلاله على ذلك ، وإلى وضوح وبداهة بطلان ما يدعيه ، فنقول :

حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ :

استدل البعض : على أن بلوغ الجارية إنما هو بالحيض بقوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ..)(١).

معتبرا أن البلوغ الذي يجعل الإنسان مطالبا بتطبيق أحكام الشرع هو بلوغ النكاح ، أي الوصول إلى مرحلة النضج الجنسي ، الذي يتحقق لدى الشاب بخروج المني ، ولدى الفتاة بحدوث الحيض. ثم أيّد ذلك بما نسبه إلى بعض الأطباء ، الذين يعتبرهم أهل خبرة ، وأن قولهم حجة.

ومما قاله أيضا في هذا المجال : «إن الإنسان ذكرا كان أو أنثى يملك إرادته في أمواله وفي نفسه ، عند ما يبلغ. والآية الكريمة المتقدمة : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ..) وهو مرحلة النضوج (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ..) تدل على أن الفتاة البالغة إذا كانت رشيدة ، فإنها تستقل في شؤونها ، في الزواج ، وفي المال ، وفي غير ذلك.

ونقول :

أولا : إذا كان المعيار في البلوغ هو النضج الجنسي وكان التعبير الطبيعي عن ذلك هو خروج المني لدى الشاب ، وحصول الحيض لدى الفتاة ، فلا

__________________

(١) الآية ٦ من سورة النساء.

١٨٠