الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-184-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٣

١
٢

٣
٤

الفصل الثانى :

حصار وانهيار

٥
٦

نزول النبي صلّى الله عليه وآله على بئر (أنا):

ولما سار النبي «صلّى الله عليه وآله» إلى بني قريظة نزل على برء من آبارهم (في ناحية أموالهم) يقال لها : (لنا) أو (أنا) عند حرة بني قريظة وتلاحق به الناس (١).

وقال ابن زبالة : «عن عبد الحميد بن جعفر : ضرب رسول الله «صلّى الله عليه وآله» قبته حين حاصر بني قريظة على بئر (أنا).

وصلّى في المسجد الذي هناك.

وشرب من البئر.

وربط دابته بالسدرة التي في أرض مريم ابنة عثمان» (٢).

__________________

(١) راجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٥ والثقات ج ١ ص ٢٧٤ وراجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٥ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٩ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٢ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢ وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٨٧ و ١٨٨ ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٥٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٩ و ١٢٠.

(٢) وفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٥٠.

٧

كرامة إلهية للنبي الأعظم صلّى الله عليه وآله :

وقد ذكرت بعض المصادر : أن كرامة قد حصلت لرسول الله «صلّى الله عليه وآله» حين سار إلى بني قريظة فهي تقول :

«فسار المسلمون إليهم ، فوجدوا النخل محدقا بقصرهم ، ولم يكن للمسلمين معسكر ينزلون فيه.

ووافى رسول الله «صلّى الله عليه وآله» ، فقال : ما لكم لا تنزلون؟!

فقالوا : ما لنا مكان ننزل به ، من اشتباك النخل.

فوقف في طريق بين النخل ، فأشار بيده يمنة ، فانضم النخل بعضه إلى بعض ، وأشار بيده يسرة ، فانضم النخل كذلك ، واتسع لهم الموضع : فنزلوا» (١).

ونقول :

إن هذه الكرامة ، لا بد من أن تزيد من يقين المسلمين وتزيل من نفوسهم وبتعبير أدق من نفوس بعضهم أي تردد أو شك يمكن أن يراودهم ويعترض سبيل يقينهم ، ثم هي تكسر عنجهية وعنفوان غيرهم من المعاندين ، ولا سيما من اليهود ، الذين كانوا يعرفون هذا النبي كما يعرفون أبناءهم ولكنهم يكابرون ، ويجحدون ما يعلمون أنه الحق.

وإذا كان ثمة من مبرر لحصول هذه الكرامة الإلهية في هذا الظرف الحساس بالذات ، فهو عزاء أولئك الضعفاء من المسلمين الذين كان اليهود

__________________

(١) الخرائج والجرائح ج ١ ص ١٥٨ وراجع : تفسير القمي ج ٢ ص ١٩٠ والبحار ج ٢٠ ص ٢٤٩ و ٢٣٤ عنهما ، على الترتيب.

٨

يحتلون مكانة متميزة في نفوسهم ، لإزالة كل أثر سلبي أو عقدة تنشأ من الصدام معهم ، وإلحاق الأذى بهم.

وهو كذلك يكشف كل زيف وخداع يمارسه اليهود لتضليل الناس فيما يرتبط بنبوة نبينا الأكرم «صلّى الله عليه وآله».

عدة وعدد المسلمين :

ويقولون : إنه «صلّى الله عليه وآله» قد سار إلى بني قريظة في ثلاثة آلاف مقاتل (١). وكان معه من الخيل ستة وثلاثون فرسا (٢) ، وكانت للنبي «صلّى الله عليه وآله» ثلاثة أفراس (٣).

ونحن نشك في ذلك : وذلك لأن عدد المسلمين في غزوة الأحزاب لم يزد على الألف رجل ، بل كانوا أقل من ذلك أيضا.

والظاهر : أن ما يمكن للمدينة أن تقدمه من الرجال القادرين على

__________________

(١) الوفا ص ٦٩٥ ومحمد رسول الله سيرته وأثره في الحضارة ص ٢٤٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٨ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٣٢٧ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٨٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٣ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٤ والمواهب اللدنية ص ١١٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٨ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٨٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٣.

(٢) راجع المصادر المتقدمة في الهامش السابق باستثناء المصدرين الأولين وإضافة تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٠ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٠.

(٣) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣.

٩

القتال لا يزيد على ألف وست مئة رجل فراجع الجزء العاشر (١) من هذا الكتاب لتجد بعض ما يفيد في هذا المجال.

الراية واللواء مع علي عليه السّلام :

روي عن جعفر بن محمد ، عن أبيه «عليهما السّلام» : أن رسول الله «صلّى الله عليه وآله» بعث عليا «عليه السّلام» يوم بني قريظة بالراية ، وكانت سوداء تدعى العقاب ، وكان لواؤه أبيض (٢).

وقال ابن إسحاق : «وقدّم رسول الله «صلّى الله عليه وآله» علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة» (٣).

وصرح القمي : بأنها كانت الراية العظمى (٤).

__________________

(١) الجزء التاسع ، الطبعة الرابعة.

(٢) قرب الإسناد ص ٦٢ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٤٦ عنه.

(٣) العبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣١ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٥ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٩ وتفسير فرات (ط سنة ١٤١٠ ه‍. ق) ص ١٧٤ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥١ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٧ و ٢١٠. وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ و ٤٩٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١١ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٨ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٥ ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٣٠٦ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٣ ونور اليقين ص ١٦٦ ومحمد رسول الله وأثره في الحضارة ص ٢٤٥ وفقه السيرة للغزالي ص ٣٣٨ وخاتم النبيين ج ٢ ص ٩٤٦ والثقات ج ١ ص ٢٧٤ وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٣.

(٤) تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٩ و ١٩٠ والبحار ج ٢٠ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ عنه.

١٠

وقال البعض : وخرج علي بالراية وكانت على حالها لم تطو بعد (١).

ويظهر من روايات أخرى : أن راية المهاجرين أيضا كانت مع علي «عليه السّلام» ، فقد روي أن رسول الله «صلّى الله عليه وآله» دعا عليا ، فقال : قدم راية المهاجرين إلى بني قريظة ، فقام علي «عليه السّلام» ، ومعه المهاجرون ، وبنو عبد الأشهل ، وبنو النجار كلها ، لم يتخلف عنه منهم أحد (٢).

ويظهر من روايات أخرى : أنه «صلّى الله عليه وآله» قد دفع إلى علي اللواء أيضا ، فهي تقول : «فدعا «صلّى الله عليه وآله» عليا فدفع إليه لواءه. وكان اللواء على حاله ، لم يحل من مرجعه من الخندق ، فابتدر الناس» (٣).

وفي نص آخر : وخرج رسول الله «صلّى الله عليه وآله» يحمل لواءه علي بن أبي طالب (٤). وعن عروة بعث عليا رضي الله تعالى عنه على المقدمة ، ودفع إليه اللواء ، وخرج رسول الله «صلّى الله عليه وآله» في أثره (٥).

__________________

(١) تاريخ الإسلام السياسي ج ١ ص ١٢١.

(٢) إعلام الورى (ط سنة ١٣٩٠ ه‍. ق) ٩٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٢ و ٢٧٣ عنه ، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢.

(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩٧ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤١ و ٢٤٢ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٨ و ٩ و ١٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣. وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣.

(٤) الثقات ج ١ ص ٢٧٤ وراجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٥ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٧.

(٥) عمدة القاري ج ٧ ص ١٩٢ عن الحاكم ، والبيهقي ، وموسى بن عقبة ، وفتح

١١

وجمع نص آخر بين اللواء والراية فهو يقول : «وكان علي قد سبق في نفر من المهاجرين والأنصار فيهم أبو قتادة .. وغرز علي الراية عند أصل الحصن.

إلى أن قال أبو قتادة : وأمرني أن ألزم اللواء فلزمته ، وكره أن يسمع رسول الله «صلّى الله عليه وآله» أذاهم وشتمهم» (١).

علي عليه السّلام في بني قريظة :

قال الأربلي : «أنفذ أمير المؤمنين في ثلاثين من الخزرج ، وقال : انظر بني قريظة : هل تركوا (نزلوا) من حصونهم؟

فلما شارفها سمع منهم الهجر ، فرجع إلى النبي «صلّى الله عليه وآله» فأخبره ، فقال : دعهم فإن الله سيمكن منهم. إن الذي أمكنك من عمرو لا يخذلك ، فقف حتى يجتمع الناس إليك ، وأبشر بنصر الله ، فإن الله قد نصرني بالرعب من مسيرة شهر.

قال علي : فاجتمع الناس إلي ، وسرت حتى دنوت من سورهم ، فأشرف عليّ شخص منهم ونادى : قد جاءكم قاتل عمرو.

وقال آخر كذلك. وتصايحوا بينهم. وألقى الله الرعب في قلوبهم ،

__________________

الباري ج ٧ ص ٣١٨ عنهم ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٠ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٤ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥١ والبحار ج ٢٠ ص ٢١٠ عنه.

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩٨ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١ و ١٢ وراجع أيضا : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ و ٤٩٤.

١٢

وسمعت راجزا يرجز :

قتل علي عمروا

صاد علي صقرا

قصم علي ظهرا

أبرم علي أمرا

هتك علي سترا

فقلت : الحمد لله الذي أظهر الإسلام وقمع الشرك.

وكان النبي «صلّى الله عليه وآله» قال لي : سر على بركة الله ، فإن الله قد وعدكم أرضهم وديارهم.

فسرت متيقنا بنصر الله عز وجل حتى ركزت الراية في أصل الحصن ، فاستقبلوني يسبون رسول الله «صلّى الله عليه وآله» ، فكرهت أن يسمعه رسول الله ، فأردت أن أرجع إليه ، فإذا به قد طلع (وسمع سبهم له) فناداهم : يا إخوة القردة والخنازير ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.

فقالوا : يا أبا القاسم ، ما كنت جهولا ولا سبابا.

فاستحيا ، ورجع القهقرى قليلا ، ثم أمر فضربت خيمته بإزاء حصونهم (١).

وارتجاز راجزهم بما تقدم ، وقول علي «عليه السّلام» : الحمد لله الذي أظهر الإسلام وقمع الشرك ، ذكره آخرون أيضا (٢).

وسيأتي تعليقنا على الفقرات الأخيرة إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) كشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٧ و ٢٠٨ والإرشاد للمفيد ص ٦٣ و ٦٤ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦١ و ٢٦٢ وكشف اليقين ص ١٣٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ٣ ص ١٧١.

١٣

النبي صلّى الله عليه وآله في بني قريظة :

ويقول المؤرخون : قدّم رسول الله «صلّى الله عليه وآله» علي بن أبي طالب برايته (العظمى) إلى بني قريظة ، وابتدرها الناس.

فسار حتى دنا من الحصون ، فسمع منها مقالة قبيحة لرسول الله ، فرجع حتى لقي النبي «صلّى الله عليه وآله» في الطريق ، فقال : يا رسول الله ، لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابيث

(وفي نص آخر : ارجع يا رسول الله ، فإن الله كافيك اليهود.)

قال : لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى.

قال : نعم يا رسول الله.

قال : لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا.

فلما دنا منهم (زاد في نص آخر : أمرهم «صلّى الله عليه وآله» أن يستروه بجحفهم ليقوه الحجارة حتى يسمع كلامهم ، ففعلوا) ، فناداهم : يا إخوان القردة (والخنازير) ، هل أخزاكم الله ، وأنزل بكم نقمته؟!

فقالوا : يا أبا القاسم ما كنت جهولا (أو : ما كنت فاحشا) الخ ..» (١).

__________________

(١) عيون الأثر ج ٢ ص ٦٩ وراجع المصادر التالية : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٣ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥١ وراجع : البحار ج ٢٠ ص ٢١٠ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٥ و ٢٥٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٦ و ٢٢٨ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٧٠ وراجع : دلائل النبوة لأبي نعيم ص ٤٣٨ وراجع المصادر التالية : إعلام الورى (ط سنة ص ١٣٩٠ ه‍. ق) ص ٩٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٢ و ٢٧٣ ومحمد رسول الله سيرته وأثره في

١٤

زاد في بعض النصوص قوله : «فدعاهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ، فأبوا أن يجيبوا إلى الإسلام ، فقاتلهم رسول الله ومن معه من المسلمين حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، وأبوا أن ينزلوا على حكم النبي «صلّى الله عليه وآله» ، فنزلوا على داء» (١).

وفي نص آخر أنهم : «أشرفوا عليه وسبوه وقالوا : فعل الله بك ، وبابن عمك ، وهو واقف لا يجيبهم» (٢).

غير أن نصا آخر يشير : إلى أن عليا سمع منهم قولا سيئا لرسول الله «صلّى الله عليه وآله» ، وأزواجه رضي الله عنهن ، فكره أن يسمع ذلك رسول الله (٣).

ويذكر القمي : أن عليا «عليه السّلام» جاء ، وأحاط بحصنهم ، فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن يشتمهم ، ويشتم رسول الله الخ ..

__________________

الحضارة ص ٢٤٥ و ٢٤٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٩ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢ وراجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٥ وحياة محمد لهيكل ص ٣٠٦ والتفسير السياسي للسيرة ص ٢٧٩ وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٣ وخاتم النبيين ج ٢ ص ٩٤٦.

(١) المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٧٠ وراجع دلائل النبوة لأبي نعيم ص ٤٣٨ وليس فيه : وأبوا أن ينزلوا إلخ ..

(٢) إعلام الورى (ط سنة ١٣٩٠ ه‍ ق) ص ٩٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٢ و ٢٧٣.

(٣) البداية والنهاية ج ٤ ص ١١٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٨ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٣ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٥ و ٢٥٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٣.

١٥

قالوا : لما قال «صلّى الله عليه وآله» لهم : يا إخوة القردة والخنازير ، وعبدة الطاغوت أتشتموني؟! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم ،

أشرف كعب من أسيد بن الحصن ، فقال : يا أبا القاسم ، ما كنت جهولا ، فاستحيا رسول الله «صلّى الله عليه وآله» حتى سقط الرداء عن ظهره ، حياء مما قاله.

وفي نص آخر : وجعل يتأخر استحياء ، مما قاله لهم (١).

قالوا : وكان علي قد سبق في نفر من المهاجرين والأنصار فيهم أبو قتادة.

وغرز علي الراية عند أصل الحصن ، فاستقبلونا في صياصيهم يشتمون رسول الله «صلّى الله عليه وآله» وأزواجه.

قال أبو قتادة : وسكتنا وقلنا : السيف بيننا وبينكم.

وطلع رسول الله «صلّى الله عليه وآله» ، فلما رآه علي «عليه السّلام» رجع إليه ، وأمرني أن ألزم اللواء ، وكره أن يسمع رسول الله «صلّى الله عليه وآله» أذاهم وشتمهم (٢).

أما الطبرسي «رحمه الله» فيقول : إنه «صلّى الله عليه وآله» قال لهم : يا إخوة القردة ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ، يا عباد الطاغوت ، اخسأوا أخسأكم الله ، فصاحوا يمينا وشمالا : يا أبا القاسم ما كنت فحاشا فما بدا لك؟

__________________

(١) راجع : تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٩ والبحار ج ٢٠ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١١٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٢٩٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١ و ١٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ و ٤٩٤.

١٦

قال الإمام الصادق «عليه السّلام» : فسقطت العنزة من يده وسقط رداؤه من خلفه ، وجعل يمشي إلى ورائه ، حياء مما قال لهم (١).

ويقول نص آخر : فلما نزل رسول الله «صلّى الله عليه وآله» بحصنهم ، وكانوا في أعلاه نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم حتى أسمعهم ، فقال : أجيبوا يا معشر يهود ، يا إخوة القردة ، قد نزل بكم خزي الله عز وجل ، فحاصرهم (٢).

وعند اليعقوبي : أن النبي «صلّى الله عليه وآله» لما عرف من علي «عليه السّلام» : أنهم أساؤوا القول ، قال بيده هكذا ، وهكذا. فانفرج الجبل حين رأوه.

وقال : يا عبدة الطاغوت ، يا وجوه القردة والخنازير ، فعل الله بكم وفعل.

فقالوا : يا أبا القاسم ، ما كنت فاحشا.

فاستحيا ، فرجع القهقرى (٣).

وفي نص آخر أنهم : لما ترسوا عن رسول الله «صلّى الله عليه وآله» وخاطبهم بيا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطواغيت أتشتموني ، فجعلوا يحلفون بالتوارة التي أنزلت على موسى ما فعلنا ، ويقولون : يا أبا القاسم ،

__________________

(١) إعلام الورى (ط سنة ١٣٩٠ ه‍. ق) ص ٩٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٢ و ٢٧٣.

(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ١١٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٨ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٣ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٥ و ٢٥٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٣.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢.

١٧

ما كنت جهولا (١).

ونقول :

إننا نرتاب كثيرا في دعوى أن يكون رسول الله «صلّى الله عليه وآله» قد كلمهم بكلام فاحش ، برر اعتراضهم عليه لأجله حتى استحيا مما صدر منه حتى سقطت العنزة من يده ، والرداء عن ظهره ، ورجع القهقرى استحياء.

وذلك لأنه «صلّى الله عليه وآله» إنما يشير بقوله لهم : يا إخوان القردة والخنازير إلى المسخ على صورة القردة والخنازير ، الذي وقع في إخوانهم وقومهم من بني إسرائيل ، بسبب ما ارتكبوه في حق الدين وأهله.

فهو «صلّى الله عليه وآله» لم يكن بذلك فحاشا ، ولا قال لهم ذلك عن جهالة ، بل أراد أن يذكرهم بعواقب التمرد على الله الذي لمسوه بأنفسهم ، وعرفوا عواقبه السيئة ورأوها بأم أعينهم. فلم يكن تصرف الرسول تجاههم وموقفه منهم عن جهالة أيضا بل هو في غاية الحكمة والدقة ، وليس فيه ما يوجب الاستحياء ، ولا ما يستوجب سقوط العنزة من يده والرداء عن ظهره.

مفارقة ما كنت جهولا!!

إن من غريب الأمور : أن نجد اليهود الغدرة ، الفجرة ، الذين ما فتئوا يوجهون أنواع السباب للمسلمين ، ولخصوص الرسول الأعظم «صلّى الله عليه وآله» ـ بل لقد ذهبت بهم الجرأة إلى حد التعرض بالسباب لأزواجه

__________________

(١) المغازي ج ٢ ص ٢٩٩ و ٥٠٠ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤.

١٨

عليه وعلى آله الصلاة والسّلام ـ هؤلاء اليهود بالذات يتظاهرون الآن بأنهم من أنصار الالتزام بالقيم والمثل ، ويذكرون النبي «صلّى الله عليه وآله» بها. مع أنه «صلّى الله عليه وآله» لم يتجاوز عما تفرضه القيم والمثل قيد أنملة ، فإنه لم يخاطبهم إلا بما هو حق وواقع ، بهدف ردعهم عن ممارساتهم المشينة واللا أخلاقية.

على أن موقفهم هذا : لم نجد له أثرا في تصحيح مواقفهم ، والالتزام بما تمليه قواعد الخلق السامي والنبيل ، كما أنهم لم يستفيدوا مما عرفوه ووثقوا به واطمأنوا إليه من صفات النبل والكرامة. إلا في دفع غائلة إظهار بعض واقعهم ، وإيقاف ما يتعرضون له من فضح لهذا الواقع ، حتى لا تزيد هذه الفضيحة وتنتشر ، وتتفاعل ، لتعيق وصولهم لبعض ما يطمحون للوصول إليه.

وخلاصة الأمر : إنهم في حالة الأمن يغدرون ، ويفعلون كل منكر ، ويرتكبون كل ما هو سفه ونذالة.

وإذا قدروا فإنهم لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم في حق من يرون به خطرا على مصالحهم الدنيوية.

وإذا عجزوا ؛ فإنهم يتظاهرون بالولاء للقيم ، والمثل العليا في حين أنهم يتربصون ويترصدون الفرص لتجاوز حالة العجز تلك ليعودوا للانطلاق في مهمه ضلالاتهم ، وممارسة أبشع أنواع الوغول في الدنس والرذالة والرذيلة.

ويقول البعض : «هذه خلال اليهود ، يسفهون إذا أمنوا ، ويقتلون إذا قدروا ، ويذكرون الناس بالمثل العليا إذا وجلوا ، ليستفيدوا منها وحدهم لا

١٩

لشيء آخر» (١).

موقف مصطنع لابن حضير :

ويقولون : «سار رسول الله «صلّى الله عليه وآله» إليهم ، وتقدمه أسيد بن حضير ، فقال : يا أعداء الله ، لا نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعا ، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر.

قالوا : يا ابن الحضير ، نحن مواليكم دون الخزرج ، وخاروا ، وقال : لا عهد بيني وبينكم ، ولا إلّ» (٢).

ونحن نرتاب في صحة هذه الرواية : ونقدّر أنها مصطنعة لصالح ابن حضير الذي كان ثمة اهتمام بنسبة الفضائل إليه ، بسبب مواقفه المؤيدة للحكام بعد رسول الله والمناهضة لبني هاشم. وسبب ريبنا في صحة هذه الرواية هو ما يلي :

أولا : إن الروايات تقول : إنه «صلّى الله عليه وآله» قدم عليا «عليه السّلام» إلى بني قريظة ، وليس ابن حضير ، وقول الحلبي : «تقدم أسيد إلى بني قريظة يجوز أن يكون قبل مقدم علي لهم ، ويجوز أن يكون بعده» (٣) ليس له ما يبرره ، إذ إن كلامه هذا لا يحل مشكلة التنافي بين تقديم علي «عليه

__________________

(١) فقه السيرة للغزالي ص ٣٣٩.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩٩ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٣ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤ إلى قوله في جحر.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٣.

٢٠