الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-184-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٣

السوق اليوم ، وحضر معه المسلمون ، وأمر أن يخرجوا وتقدم إلى أمير المؤمنين «عليه السّلام» بضرب أعناقهم في الخندق ، فأخرجوا أرسالا» (١).

ب : تذكر رواية أخرى ، أنه لما قتل حيي بن أخطب ، ونباش بن قيس ، وغزال بن سموأل ، وكعب بن أسد ، قام «صلى الله عليه وآله» وقال لسعد بن معاذ : عليك بمن بقي ، فكان يخرجهم رسلا رسلا يقتلهم (٢).

فهذا النص لم يذكر عليا ولا غيره ، بل نسب القضية برمتها إلى سعد بن معاذ.

ج : يقول نص آخر : «فقتل على عشرة ، وقتل الزبير عشرة. وقلّ رجل من الصحابة إلا قتل رجلا أو رجلين» (٣).

وهذا النص يحاول أن يعطي للزبير ـ دون غيره ـ دورا يضارع دور علي «عليه السّلام» ثم أعطى بقية الصحابة نصيبا في هذا الأمر أيضا.

د : وقد جاءت رواية أخرى لتقدم مبررا لإشراك الأوس من الصحابة في قتل بني قريظة ، فهي تقول :

جاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر ، فقالا : يا رسول الله ، إن الأوس كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم.

فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله ، ما كرهه من الأوس من فيه خير ،

__________________

(١) كشف الغمة ج ١ ص ٢٠٨ و ٢٠٩ والإرشاد للمفيد ص ٦٤ و ٦٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦٢ و ٢٦٣ وكشف اليقين ص ١٣٥.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٦.

(٣) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٥٢ وراجع : إعلام الورى ص ٩٣ و ٩٤.

١٢١

فمن كرهه من الأوس لا أرضاه الله.

ثم اقترح أسيد بن حضير ـ كما يزعمون ـ أن يرسل النبي «صلى الله عليه وآله» إلى كل دار (وفي نص آخر : قبيلة أو حي) ليقتلوهم ، فقبل «صلى الله عليه وآله» بالاقتراح ، وأرسل إلى كل دار (قبيلة) من الأوس باثنين اثنين ، فقتلوهم (١).

ولست أدري لماذا جاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله» هذان الخزرجيان اللذان كانا من المناوئين لأبي بكر في السقيفة ، وهما سعد بن عبادة ، والحباب بن المنذر؟ ثم جاء الحل الذي يقبله النبي «صلى الله عليه وآله» ويعمل به من قبل ذلك القريب والنصير لأبي بكر في السقيفة أيضا ، وأحد المهاجمين لبيت الزهراء ، بعد وفاة أبيها «صلى الله عليه وآله» ، وأعني به أسيد بن حضير؟!!

ولست أدري أيضا : كيف أصبح اقتراح ابن حضير هو الحل الأمثل ، والعلاج للمشكة؟ مع أن ابن معاذ قد قرر : أن الكارهين لقتل بني قريظة هم فئة قليلة لا خير فيها ، وتستحق البراءة منها ، والدعاء عليها.

ثم أليس يعدّ قسوة منه «صلى الله عليه وآله» أن يأمر الحليف بقتل حليفه! والنبي «صلى الله عليه وآله» ـ كما نطق به القرآن ـ : (.. بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).

__________________

(١) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٥ و ٥١٦ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٧ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٤٠ عن الطبراني والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٠ و ٣٤١.

١٢٢

إلا أن يكون «صلى الله عليه وآله» : قد أراد بذلك أن يختبر مدى رضوخهم لحكم الله ورفضهم لأحكام الجاهلية وأحلافها.

مشاركة الأوس في قتل حلفائهم :

وثمة نقطة أخرى لا بد من إثارتها هنا ، وهي : أنه إذا صحت مشاركة الأوس أنفسهم في تنفيذ حكم سيدهم سعد فإنما كانت مشاركة طوعية منهم ، وذلك هو المأمول بهم. فإذا كانت هذه المشاركة مستوعبة وشاملة ، كما تقدم ، فإن هذا الأمر سيمنع من حدوث أي تململ في صفوف هؤلاء الحلفاء ، وسد الطريق على ذوي النوايا المشبوهة فلم يعد بإمكانهم تحريك النعرات ، والتلاعب بالعواطف ، وإثارة البلبلة لخلخلة الوضع من الداخل ، وخلق عقدة لدى هذا الفريق ، أو ذاك.

وأصبحت المشاركة الأوسية في قتل بني قريظة من مفاخرهم ومنجزاتهم التي يعتزون بها ، ولا يمكن لأحد أن يغمز من قناتهم ، ولا أن يتهمهم بالميل إلى الدفاع عن حلفائهم.

تصحيح خطأ :

قالوا : وكان علي «عليه السّلام» هو الذي ضرب في بني قريظة «أعناق اليهود ، مثل حيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف» (١).

والصحيح : كعب بن أسد ، لأن ابن الأشرف كان قد قتل قبل ذلك بزمان ، مضافا إلى أن ابن الأشرف كان من بني النضير ، لا من بني قريظة.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ٢ ص ٩٧.

١٢٣

إلا أن يكون مراده : أن عليا «عليه السّلام» هو الذي قتل ابن الأشرف أيضا ، ثم زور المزورون للتاريخ هذه الحقيقة ، فنسبوا قتله إلى غير علي «عليه السّلام» ، حسدا منهم ، وحقدا ، وبغيا عليه.

قتل كل من أنبت :

وقالوا : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أمر بقتل كل من أنبت من بني قريظة (١) ، وكان من شك في بلوغه نظر إلى مؤتزره ، فإن كان أنبت قتل ، وإلا طرح في السبي (٢).

قال محمد بن كعب القرظي : فكنت في من لم ينبت (٣). وكان مسلم بن

__________________

(١) راجع : وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٨ والإكتفاء ج ٢ ص ١٨٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٧ والبحار ج ٢٠ ص ٢٤٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٠ وقرب الإسناد ص ٦٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٩ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٤ ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ٥٥ ـ ٥٧ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٩٥ وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٥ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٥٦ و ٥٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٥ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٥ عن ابن حبان ، والحاكم ، والترمذي والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٥ وتهذيب الأحكام للطوسي ج ٦ ص ١٧٣ و ٣٣٩ والبحار ج ١٠٠ ص ٣٥ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ ص ٤٤.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٧ راجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٩.

(٣) طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٥٦ و ٥٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٥ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٥ عن ابن حبان والحاكم والترمذي.

١٢٤

بجرة الأنصاري هو الذي تولى كشف عوراتهم. واستدل به الفقهاء على جواز كشف العورة للحاجة (١).

لكن أسلم الأنصاري يقول : جعلني رسول الله «صلى الله عليه وآله» على أسرى قريظة ، فكنت أنظر إلى فرج الغلام ، فإن رأيته قد أنبت ضربت عنقه ، وإن لم أره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين (٢).

ونقول : ههنا مواقع للنظر ، وهي التالية :

١ ـ قولهم : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أمر بقتل كل من أنبت من بني قريظة ، يقابله نص آخر يقول : إن سعدا هو الذي أمرهم بالنظر إلى مؤتزر من شكّوا في بلوغه فصوبه النبي «صلى الله عليه وآله» (٣).

٢ ـ قولهم : إنه «صلى الله عليه وآله» قد أمر بقتل كل من أنبت لا يستقيم مع ما قدمناه وسيأتي أيضا : من أنه «صلى الله عليه وآله» إنما قتل خصوص من حزّب عليه منهم. والباقون لم يقتلوا. فإن كان قد كشف عن مؤتزر أحد ، فإنما ذلك في خصوص هذا الفريق من الخونة والأشرار.

٣ ـ أما المتولي لكشف عوراتهم ، فلعل أسلم الأنصاري هو نفس مسلم بن بجرة الأنصاري ، أو أن مسلما هو ابن أسلم (٤) ، وقد صحّف الراوي ، أو

__________________

(١) شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٥ عن ابن شاهين.

(٢) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٤١ عن الطبراني في الكبير والأوسط ، وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٤ و ٢٥.

(٣) عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢١ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٨٦.

(٤) راجع : الإصابة ج ٣ ص ٤١٤.

١٢٥

أسقط أحدهما.

٤ ـ بقي أن نشير إلى أن بعض النصوص المتقدمة قد ذكرت محمد بن كعب القرظي على أنه هو الذي وجدوه لم ينبت فأطلقوا سراحه.

مع أن محمد بن كعب إنما ولد في سنة أربعين للهجرة ، ولا يصح أنه ولد في حياة النبي «صلى الله عليه وآله» (١).

والصحيح : أن أباه كعبا هو الذي نجا يوم بني قريظة (٢).

٥ ـ قال ابن حزم : «واستحيا عطية القرظي ، وله صحبة» (٣).

عن عطية قال : كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم. وكنت غلاما ، فوجدوني لم أنبت ، فخلوا سبيلي (٤).

__________________

(١) راجع : الإصابة ج ٣ ص ٥١٧ وتهذيب التهذيب ج ٩ ص ٤٢١ و ٤٢٢.

(٢) الإصابة ج ٣ ص ٥١٧ عن البخاري في تاريخه وتهذيب الكمال ج ٢٦ ص ٣٤٠ و ٣٤١ و ٣٤٣ والتاريخ الكبير للبخاري ج ١ الترجمة رقم ٤٧٩ ومختصر تاريخ دمشق ج ٢٣ ص ١٨١ وتهذيب التهذيب ج ٩ ص ٤٢٠ و ٤٢١ و ٤٢٢.

(٣) جوامع السيرة النبوية ص ١٥٥.

(٤) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٥ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧٥ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٨٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٨ ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ٥٥ و ٥٦ والإكتفاء ج ٢ ص ١٨٥ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٣ والأمالي للطوسي ص ٤٠٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٤٦ عنه ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٥ و ١٢٦ وأسد الغابة ج ٣ ص ٤١٣ وتهذيب الكمال ج ٢٠ ص ١٥٧ و ١٥٨ وفي هامشه عن : سنن أبي داود ٤٤٠٤ وابن ماجة رقم ٢٥٤١ والترمذي رقم ١٥٨٤ والنسائي ج ٦ ص ١٥٥.

١٢٦

قال السهيلي : «ففي هذا : أن الإنبات أصل في معرفة البلوغ ، إذا جهل الاحتلام ، ولم تعرف سنوه» (١).

أما القول بأن عطية هذا هو جد محمد بن كعب القرظي (٢) ، فلا نراه صحيحا ، بل عطية هذا رجل آخر.

والصحيح هو : ما تقدم عن تاريخ البخاري ، فراجع. وليس تحقيق هذا الأمر مما يهمنا كثيرا لكونه ليس مما يترتب عليه أثر ذو بال.

وصايا الرسول صلى الله عليه وآله بالأسرى :

وحين جيء بنباش بن قيس ليقتل ، جابذ الذي جاء به حتى قاتله ، فدق الذي جاء به أنفه فأرعفه. فسأل النبي «صلى الله عليه وآله» الذي جاء به عن السبب ، فذكره له ، فقال نباش : كذب ـ والتوراة ـ يا أبا القاسم ، ولو خلاني ما تأخرت عن موطن قتل فيه قومي حتى أكون كأحدهم.

ثم قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : «أحسنوا إسارهم ، وقيلوهم ، واسقوهم حتى يبردوا ، فتقتلوا من بقي. لا تجمعوا عليهم حر الشمس ، وحر السلاح ، وكان يوما صائفا. فقيّلوهم ، وسقوهم ، وأطعموهم ، فلما أبردوا راح رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقتل من بقي» (٣).

__________________

(١) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٨٤.

(٢) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٨٤.

(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٨ وسبل الهدى ج ٥ ص ٢٤.

١٢٧

ونقول :

قد تقدم في الفصل السابق ، بعض وصاياه «صلى الله عليه وآله» بأسرى بني قريظة. وإنما أعدنا بعضه هنا لاقتضاء المناسبة له ، وهو قصة نباش بن قيس.

ونسجل هنا ما يلي :

١ ـ إننا لا نكاد نصدق قوله : ولو خلاني ما تأخرت عن موطن قتل فيه قومي الخ .. حيث إننا نلحظ مزيدا من الاهتمام بإضفاء صفة الشجاعة والبطولة والعنفوان لدى هؤلاء الخونة. كما سنرى.

٢ ـ إننا قد أشرنا إلى وجود بعض الريب في أن تكون غزوة بني قريظة قد حصلت في الصيف ، فراجع ما ذكرناه في غزوة الخندق في الجزء العاشر من هذا الكتاب.

٣ ـ إن وصايا الرسول «صلى الله عليه وآله» بالأسرى هنا ، وقوله في مورد آخر عن بني قريظة ، الذين خانوا عهده ومالأوا عدوه : «اسقوهم العذب ، وأطعموهم الطيب ، وأحسنوا أسارهم» (١) ،

إن هذه الوصايا لا تتناقض أبدا مع قتل بني قريظة ، فالقتل هو حكم شرعي إلهي لا بد من إطاعته وتنفيذه في حقهم. أما إساءة المعاملة للأسير ، فتعتبر تعديا على الأسير ، وعلى شخصيته. ويعتبر الإحسان إليه هو الواجب الخلقي ، الذي لا بد من القيام به ، حتى بالنسبة للمحكومين بحكم يصل إلى هذه الدرجة.

__________________

(١) تفسير القمي ج ٢ ص ١٩٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٣٨.

١٢٨

إذن .. هناك حكمان لهما حيثيتان فرضتهما حالتان موجودتان في موردهما فللأسير حقه كإنسان ، وعليه العقاب بحسب نوع الجريمة التي ارتكبها ، فإنها هي التي تفرض نوع العقاب.

قتل كعب بن أسد :

وأتي «صلى الله عليه وآله» بكعب بن أسد ، مجموعة يداه إلى عنقه ـ وكان حسن الوجه ـ فقال «صلى الله عليه وآله» : كعب بن أسد؟!

قال كعب : نعم يا أبا القاسم.

قال : أما انتفعتم بنصح ابن خراش (جواس) ، وكان مصدقا بي؟ أما أمركم باتباعي؟ وإن رأيتموني أن تقرئوني منه السلام؟!

قال : بلى ـ والتوراة ـ يا أبا القاسم ، ولولا أن تعيرني اليهود بالجزع من السيف لاتبعتك ، ولكني على دين اليهود.

قال «صلى الله عليه وآله» : قدمه ، فاضرب عنقه ، فقدمه ، فضرب عنقه (١).

وسيأتي لنا كلام حول موقف كعب هذا.

حيي بن أخطب يواجه الموت :

ويقول المؤرخون : ثم أتي بحيي بن أخطب ، مجموعة يداه إلى عنقه ، فقال له رسول الله حين طلع. ألم يمكن الله منك يا عدو الله؟!

__________________

(١) المغازي ج ٢ ص ٥١٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٧ و ١٨ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٠ وكمال الدين ج ١ ص ١٩٨ والبحار ج ٢٠ ص ٢٤٧ عنه وفي ص ٢٣٦ و ٢٣٧ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٩١.

١٢٩

قال : بلى والله ما لمت نفسي في عداوتك. وقد التمست العزّ في مكانه ، وأبى الله إلا أن يمكنك مني. ولقد قلقلت كل مقلقل (أي ذهبت في كل وجه) ولكنه من يخذل الله يخذل.

ثم أقبل على الناس ، فقال : أيها الناس ، لا بأس بأمر الله ، قدر وكتاب ، ملحمة كتبت على بني إسرائيل.

ثم أمر به فضربت عنقه (١).

زاد في بعض المصادر قوله : ثم أقيم بين يدي أمير المؤمنين ، وهو يقول : قتلة شريفة بيد شريف.

فقال له علي «عليه السّلام» : إن الأخيار يقتلون الأشرار ، والأشرار يقتلون الأخيار ، فويل لمن قتله الأخيار ، وطوبى لمن قتله الأشرار والكفار.

__________________

(١) راجع المصادر التالية : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٣ و ٥١٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٧ و ٢٤٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٣ و ٢٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٠. وراجع أيضا : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٢ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٣٠٩ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٣ وراجع ص ٢٠ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥٢ وبهجة المحافل وشرحه (أي متنا وهامشا) ج ١ ص ٢٧٥ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢١٢ و ٢٦٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٩ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧٣ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٨٤ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٧١ و ٣٧٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٧ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٨٣ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٠ و ٢٦٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٠ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٤ و ١٢٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٧ والإرشاد للمفيد ص ٦٥ والبداية والنهاية ج ١ ص ١٢٤ و ١٢٥ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٩٢ و ١٩٣.

١٣٠

فقال : صدقت لا تسلبني حلتي.

قال : هي أهون علي من ذاك.

قال : سترتني ، سترك الله ، ومد عنقه ، فضربها علي ، ولم يسلبه من بينهم (١).

هذا ، وقد قال جبل بن جوال الثعلبي في هذه المناسبة :

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه

ولكنه من يخذل الله يذخل

فجاهد حتى أبلغ النفس عذرها

وقلقل يبغي العز كل مقلقل (٢)

زاد في بعض المصادر : أن أمير المؤمنين «عليه السّلام» قال في ذلك :

لقد كان ذا جد وجد بكفره

فقيد إلينا بالمجامع يقتل

فقلدته بالسيف ضربة محفظ

فصار إلى قعر الجحيم يكبل

فذاك مآب الكافرين ومن يطع

لأمر إله الخلق في الخلد ينزل (٣)

ولنا على ما تقدم ملاحظات ، هي التالية :

الأولى : بالنسبة للشعر المنسوب إلى علي أمير المؤمنين «عليه السّلام» نقول : إنه ليس في المستوى الذي يؤهله لأن ينسب إلى أمير المؤمنين «عليه السّلام» ، وذلك واضح بأدنى تأمل.

__________________

(١) كشف الغمة ج ١ ص ٢٠٩ والإرشاد للمفيد ص ٦٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦٣.

(٢) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٢ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٩٣ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٨٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٠ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٩ وراجع : الإصابة ج ١ ص ٢٢٢.

(٣) الإرشاد للمفيد ص ٦٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦٣ و ٢٦٤.

١٣١

الثانية : إن التجاء حيي بن أخطب إلى القدر والقضاء لتبرير ما يتعرض له هو وبنو قريظة ليس له ما يبرره ، إلا محاولة التبرير والتزوير للحقيقة. ومحاولة التنصل من المسؤولية ، بإلقاء اللوم على الله سبحانه ، الذي لم يأمره بأن يتآمر ، وينقض العهود والمواثيق ، ولا طلب منه ومنهم أن يواجهوا نبيهم بالحرب ، وهم يعرفون صدقه ، وصحة نبوته كما يعرفون أبناءهم ، ويجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.

وإذا كان لكلام حيي هذا أساس من الصحة ، فصحته تكمن في أنه يبين أن الله سبحانه قد قدّر على الباغي ، والناكث ، والمكذب للصادقين ، وقتلة الأنبياء : أن يقتلوا جزاء ذلك البغي والنكث والتكذيب.

الثالثة : إننا نرجح أن يكون حيي بن أخطب نفسه هو الذي قال : لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه الخ .. كما ذكر البعض (١).

بل ذكرت بعض النصوص : أن عليا «عليه السّلام» سأل الذي جاء بحيي للقتل : ما كان يقول وهو يقاد إلى الموت؟

فقال : كان يقول :

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه

ولكنه من يخذل الله يخذل

فجاهد حتى أبلغ النفس جهدها

وحاول يبغي العز كل مقلقل (٢)

__________________

(١) تفسير القمي ج ٢ ص ١٩١ و ١٩٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٣٧ وفي دلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٣ قال : «وبعض الناس يقول : حيي بن أخطب قالها» وكذا في الإصابة ج ١ ص ٢٢٢.

(٢) البحار ج ٢٠ ص ٢٦٣ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٠٩ والإرشاد للمفيد ص ٢٦٥.

١٣٢

وهي بحيي أنسب منها بجبل بن جوال خصوصا إذا كان جبل قد أسلم قبل قتل حيي وبني قريظة ، إذ لا مجال له بعد أن أسلم ليرثي حيي بن أخطب بهذه الأبيات.

وإن كان قد أسلم بعد ذلك ، فيمكن أن يكون قد رثاه بها. لكن ما حكي من سؤال أمير المؤمنين «عليه السّلام» للذي جاء بحيي عما كان يقول حيي يرجح نسبتها لحيي ، حيث أراد أن يترجم ما أجاب به النبي «صلى الله عليه وآله» شعرا يتداوله الناس بعده.

الرابعة : إننا نلمح في هذه الروايات ، كما هو في غيرها ، قدرا من الاهتمام بإظهار مزيد من القوة والثبات لدى اليهود ، والصبر على مواجهة المصاب الكارثة ، ثم المزيد من التأكيد على أنهم قد اختاروا الموت كراما على الخضوع لما يخالف قناعاتهم ..

وقد يكون ما ينسب لحيي هنا ، وكذلك ما ينسب لنباش بن قيس ، وكعب بن أسد ، وحتى ما ينسب لنسائهم ، كنباتة النضيرية ، قد صنع من أجل تحقيق هذا الهدف بالذات ، ولعله أيضا بهدف التخفيف ، أو فقل : التعتيم على ما لحقهم من عار النكث والخيانة.

مع أن النصوص التاريخية تؤكد : ذلهم ، وخنوعهم ، وجزعهم الشديد حين ذهب إليهم أبو لبابة ، فكيف تحول ذلك الذل والخنوع والجزع إلى قوة وعزة وشهامة ، وبطولة؟ لا ندري ولعل الفطن الذكي يدري.

قتل نباتة النضيرية :

ويقال : إنه كان ثمة امرأة من بني النضير ، يقال لها : نباتة ، تحت رجل

١٣٣

قريظي ، (قال السهيلي : هو الحاكم القرظي) يحبها ، وتحبه ، وكانت في حصن الزبير بن باطا. فخاف زوجها أن تسبى بعده ، فأحب أن تقتل بجرمها ، فطلب منها فدلت على المسلمين رحى من فوق الحصن ، وكان المسلمون ربما جلسوا تحته ، يستظلون في فيئه ، وكان ذلك بعد اشتداد الحصار على بني قريظة.

فلما أطلعت الرحى ، رآها القوم فانفضوا ، فأصابت خلاد بن سويد ، فشدخت رأسه. فلما كان في اليوم الذي أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يقتلوا دخلت هذه المرأة على عائشة ، فجعلت تضحك ظهرا لبطن ، وهي تقول : سراة بني قريظة ، يقتلون ، فسمعت قول قائل : يا نباتة.

فقالت : أنا والله التي أدعي.

قالت : ولم؟

قالت : قتلني زوجي.

فسألتها عائشة عن ذلك ، فذكرت لها أمر الرحى ، وأنها قتلت خلاد بن سويد ، فأمر «صلى الله عليه وآله» بها فقتلت بخلاد بن سويد.

قالت عائشة : لا أنسى طيب نفس نباتة ، وكثرة ضحكها ، وقد عرفت أنها تقتل ؛ فكانت عائشة تقول : قتلت بنو قريظة يومهم ، حتى قتلوا بالليل على شعل السعف (١).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٦ و ٥١٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٦ و ٢٧ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٩ وفي السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤١ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٨ أن اسمها : بيانة. وقيل : مزنة. ودخولها على عائشة وهي تضحك ظهرا لبطن في السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٣ والإكتفاء

١٣٤

وذكرت بعض المصادر : أن زوجها قال لها : «غلب علينا محمد ، سيقتل الرجال ، ويسبي النساء والذراري» (١).

وقسم من المصادر التي ذكرناها في الهامش ذكر : أن اسمها : بنانة ، وقد يكون ذلك تصحيف نباتة ، أو العكس.

وسمتها بعض المصادر : بيانة.

وقيل : مزنة ، ولعل مزنة هي أرفة الآتي ذكرها.

ونقول :

إننا نسجل هنا الأمور التالية :

١ ـ شجاعة نباتة :

إن مما يلفت نظرنا هنا ما نجده من محاولات جادة لإظهار شجاعة بني قريظة ، وثباتهم وقوتهم ، وصبرهم في مواجهة الموت التزاما ووفاء لقناعاتهم ، وانسجاما مع أنفسهم في مواصلة الأخطار والكواراث ، دونما رهبة أو وجل.

وقد تجلى ذلك حتى في نسائهم ، اللواتي يفترض فيهن أن يظهرن المزيد

__________________

للكلاعي ج ٢ ص ١٨٤. وراجع : عيون الأثر ج ٢ ص ٧٣ و ٧٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٦ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٧ و ٤٩٨ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٩٣ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٠ و ٢٥١ و ٢٥٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٢. وراجع : شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٦ وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٥ ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٥٢ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٢.

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٨.

١٣٥

من الجزع والضعف والهلع في مواجهة الموت.

ويكتسب اليهود عن طريق هذا التزوير للتاريخ : صفات الشهامة ، والعزة والكرامة ، والإباء والشمم ، وهي الصفات التي لم نزل نعرف عنهم اتصافهم بما يناقضها وينافيها.

أما النبي والمسلمون فيصبحون في موقع الناس القساة ، الذين لا تظهر منهم بادرة رأفة ولا رحمة. بل هم أناس مجرمون ، يحبون سفك الدماء ، دونما شفقة أو وازع من ضمير.

٢ ـ شكوك حول قصة نباتة :

ويلفت نظرنا في قصة نباتة الأمور التالية :

أولا : كيف دخلت هذه المرأة على عائشة مع أن سبايا بني قريظة ، قد جعلوا جميعا في دار رملة بنت الحارث ، كما تقدم ، ودار أسامة (١) ولم يكن يسمح لأي منهن بالتجول ، ودخول المنازل ، لا سيما قبل تنفيذ الحكم في رجالهن ، وقبل تحديد مصير السبايا أيضا.

بل لقد ذكروا : أن دخول نباتة على عائشة قد كان والنبي مشغول بقتل بني قريظة ، كما ذكره دحلان وصاحب السيرة الحلبية.

ثانيا : قال الشيخ المفيد : «قتل من نسائهم امرأة واحدة ، كانت أرسلت عليه (أي على النبي «صلى الله عليه وآله») حجرا ، وقد جاء النبي «صلى الله عليه وآله» باليهود يناظرهم قبل مباينتهم له ، فسلمه الله من ذلك الحجر» (٢).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٨ وراجع ص ٥١٢.

(٢) الإرشاد للشيخ المفيد ص ٦٥ و ٦٦ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٦٤.

١٣٦

ثالثا : قد تكرر ما يشبه هذه القصة ، فذكر نظيرها في بني النضير ، وفي خيبر ، فلماذا لم يتعلم المسلمون مما سبق لهم؟!

رابعا : هل يعقل أن يجلس المسلمون في أصل الحصن للاستظلال به ، مع وجود احتمالات إرسال الحجارة أو غيرها عليهم ، وهم في حالة حرب مع عدوهم ، ولا سيما مع اشتداد الحصار عليهم ، كما صرحت به الرواية نفسها؟! إن ذلك بعيد ، ولا يفعله من له أدنى خبرة في مجال التعامل في أثناء الحرب ، ومع إحساس العدو بالخطر الماحق ، وبالدمار الساحق.

خامسا : من أين علم زوجها : أنهم سيقتلون وتسبى ذراريهم ونساؤهم ولماذا لم يفكر بحل المشكل بطريقة أخرى؟!

ولماذا طاوعته زوجته على القيام بما طلبه منها ، وقد كان من الطبيعي أن تعترض عليه بأن عليه هو أن يلقي تلك الرحى؟!

وأيضا لماذا التفت المسلمون إلى فعلها ، وهم لا يرونها ، بحسب العادة ، وبحسب موقعهم في جلوسهم بأصل الحصن.

٣ ـ حكم الارتداد لا يجري على نباتة :

قال السهيلي : «وفي قتلها دليل لمن قال : تقتل المرتدة من النساء أخذا بعموم قوله «عليه السّلام» : من بدل دينه فاضربوا عنقه. وفيه مع العموم قوة أخرى ، وهي تعليق الحكم بالردة والتبديل ، ولا حجة مع هذا لمن زعم من أهل العراق بأن لا تقتل المرتدة لنهيه «عليه السّلام» عن قتل النساء والوالدان.

قلت : هما عامّان تعارضا ، وكل من الفريقين يخص أحد الحديثين بالآخر ،

١٣٧

فالعراقيون يخصون حديث : من بدل دينه فاقتلوه بحديث النهي عن قتل النساء والصبيان ، وغيرهم يخالفهم ، وتخصيص المخالف أولى لوجه ليس هنا موضع ذكره.

وأما استدلاله بهذا الحديث على قتل المرتدة ، ولم تكن هذه مرتدة قط ، فعجيب ، بل هي قاتلة قتلت خلاد بن سويد ، ومقاتلة بتعاطيها ذلك ، وناقضة للعهد. فالعراقي موافق لغيره في قتل هذه. وفي انفرادها بالقتل عن نساء بني قريظة ما يشعر بأنه لما انفردت به عنهن من قتل خلاد. فليس هذا من حكم المرتدة في ورد ولا صدر» (١).

وأما حديث تخصيص أحد الحديثين بالآخر ، ففيه مواضع للنظر ليس هنا موضع التعرض لها.

قتل أرفة بنت عارضة :

قال ابن الأثير : «وقتلت أرفة بنت عارضة منهم» (٢).

وقد تكون أرفة هي مزنة (٣) ، كما تقدمت الإشارة إليه فيما سبق.

الزبير بن باطا ونساء بني قريظة :

وكان نساء بني قريظة يقلن : عسى أن يمن على رجالنا ، أو يقبل منهم فدية ، فلما أصبحن وعلمن بقتل رجالهن صحن ، وشققن الجيوب ، ونشرن

__________________

(١) عيون الأثر ج ٢ ص ٧٨ وكلام السهيلي في الروض الأنف ج ٣ ص ٢٨٤.

(٢) الكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٦.

(٣) السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٨ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤١.

١٣٨

الشعور ، وضربن الخدود ، فملأن المدينة.

قال : يقول الزبير بن باطا : «اسكتن ، فأنتم أول من سبي من نساء بني إسرائيل منذ كانت الدنيا ، ولا يرفع السبي عنهم حتى نلتقي نحن وأنتن. وإن كان في رجالكن خير فدوكن ، فالزمن دين اليهودية فعليه نموت ، وعليه نحيا» (١).

ونقول :

نحن نشك في هذا النص ، لأن الزبير هذا ، كان قد قتل فيمن قتل من رجال بني قريظة ؛ فأين رآهن الزبير حتى قال لهن هذا القول؟! وقد كن محبوسات في مكان آخر منفصل عن حبس الرجال.

كما أن النص المذكور يكاد يكون متناقضا في نفسه ، فإن صدره يقول : إنهن علمن بقتل رجالهن فصحن ، وشققن الجيوب الخ ..

وذيل النص يقول على لسان ابن باطا : وإن كان في رجالكن خير فدوكن الخ .. فكيف يمكن لرجالهن فديتهن وهم محبوسون للقتل أو أنهم قد قتلوا بالفعل.

قتل الزبير بن باطا :

ووهب «صلى الله عليه وآله» لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن باطا ، فاستحيا منهم عبد الرحمن بن الزبير (كانت له صحبة) لكن الزبير نفسه أبى إلا أن يقتل مع قومه قبحه الله (٢).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥١٨.

(٢) العبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٢ وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٥.

١٣٩

وتفصيل ذلك وفقا لما ذكره الواقدي : أن الزبير بن باطا الذي كان أعمى (١) كان قد منّ على ثابت بن قيس يوم بعاث ، وجز ناصيته. فلما كان يوم قريظة استوهبه من رسول الله ، وذلك بموافقة الزبير نفسه ، فوهبه له.

فرجع إلى الزبير ، فأخبره ، ثم رغب الزبير باستيهاب أهله ، وولده ، وماله ، فوهب له رسول الله «صلى الله عليه وآله» أهله ، وماله ، وولده.

فقال الزبير لثابت : أما أنت فقد كافأتني ، وقضيت بالذي عليك يا ثابت ، ما فعل الذي كأن وجهه مرآة صينية ، تتراءى عذارى الحي في وجهه ـ كعب بن أسد؟

قال : قتل.

قال : فما فعل سيد الحاضر والبادي ، سيد الحيين كليهما ، يحملهم في الحرب ، ويطعمهم في المحل حيي بن أخطب؟

قال : قتل.

قال : فما فعل أول غادية اليهود إذا حملوا ، وحاميتهم إذا ولوا ـ غزال بن سموأل؟

قال : قتل.

قال : فما فعل الحوّل القلّب الذي لا يؤم جماعة إلا فضّها ، ولا عقدة إلا حلّها ـ نباش بن قيس؟

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٤١ عن الطبراني في الأوسط ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٠ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٠.

١٤٠