الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-183-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

يريدون لقاءهم.

ثانيهما : أن ذلك أطمع غطفان ومن معها من القبائل ، والطمع إذا سكن حل العزيمة ، وقد ترتب على ذلك الإطماع أنهم تململوا بطول الحصار ، وجرى بينهم وبين القرشيين خلاف ، وهموا أن يعودوا من حيث جاؤوا» (١).

وقال : «إن ذلك يثير طمعهم ، ويفت في عضدهم ، وإن كان أمر الصلح لم يبت فيه ، ولكن بابه مفتوح ولم يغلق» (٢).

وقال : إنه «صلى الله عليه وآله» أراد «أن يخذل المشركين بعضهم عن بعض بإثارة الطمع في بعضهم ، فيتخلون عن باقيهم» (٣).

ولعل هذا هو ما يرمي إليه البعض ، حين اعتبر أن هذا الصلح يهدف إلى «صرفهم عن قريش ، ليفت ذلك في عضدهم ، فيرجعوا أيضا».

«وقد تجلت حنكته السياسية في مساومته غطفان لزلزلتها عن موقفها إلى جانب قريش» (٤).

وقال : «لما فاوض الرسول «صلى الله عليه وآله» غطفان ، وأطمعهم في ثلث غلة المدينة ، ثم عدل عن ذلك ، ورفضه ، توهمت غطفان : أن مركزه قد تحسن ، وأنه مقبل على حرب الأحزاب وإجلائهم.

ومما زاد هذا الوهم تحقق غطفان من عدول بني قريظة عن مناصرة الأحزاب ، وعزمها على تقديم سادات قريش وغطفان إلى الرسول

__________________

(١) خاتم النبيين ص ٩٣٣.

(٢) خاتم النبيين ص ٩٣٦.

(٣) خاتم النبيين ص ٩٣٢.

(٤) تاريخ الإسلام السياسي ج ١ ص ١١٩ و ١٢٠.

٤١

ليقتلهم» (١).

وثمة هدف آخر له «صلى الله عليه وآله» وهو : أنه كان يريد أن يطمئن إلى ما يتمتع به أصحابه من قوة معنوية واعتماد على نصر الله وتوفيقه ؛ لأنه لم يكن يحب أن يسوق أصحابه إلى حرب أو مغامرة لا يجدون في أنفسهم شجاعة لخوضها ، أو لا يؤمنون بجدواها ، ولذلك عرض عليهم رأيه ، وأبلغهم أنه ليس تبليغا من الله تعالى (٢).

وبعد أن ذكر البعض : أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان «يعرف حق المعرفة : أن دوافع غطفان للغزو هي مادية قبل أي شيء آخر» (٣).

قال : «وقد حققت هذه المناورة السياسية أغراضها على الرغم من أنها لم تنته إلى اتفاق مكتوب كما علمنا ، ذلك أن كل المصادر التاريخية تجمع : أنه لم يكن لغطفان أي دور عسكري بعد هذه المقابلة التي أكدت لهم إصرار رجال الثورة الإسلامية على القتال في سبيل عقيدتهم. ولكنهم ظلوا مرابطين في معسكراتهم حتى أمرهم القائد أبو سفيان بالانسحاب وفك الحصار» (٤).

٢ ـ وأما بالنسبة للدلالات لهذا الحدث ، فهم يقولون :

ألف : إنها محصورة في مجرد مشروعية مبدأ الشورى في كل ما لا نص فيه (٥).

__________________

(١) تاريخ الإسلام السياسي ج ١ ص ١٢٠ هامش.

(٢) فقه السيرة للبوطي ٣٠٠ و ٣٠١.

(٣) الرسول العربي وفن الحرب ص ٢٤٦.

(٤) المصدر السابق ص ٢٤٨.

(٥) فقه السيرة للبوطي ص ٣٠٠ و ٣٠٢.

٤٢

ب : إنها تدل أيضا على : «جواز إعطاء المال للعدو لمصلحة المسلمين.

وقد صالح معاوية ملك الروم على الكف عن ثغور الشام بمال دفعه إليه ، ذكره أبو عبيدة».

قال السهيلي : قيل : كان مئة ألف دينار (١).

ج : وزعم البعض : أن هذا الحدث يدل على أنه يجب على المسلمين أن يدفعوا الجزية إلى غير المسلمين إذا اقتضت الحاجة. وعلى جواز صرف المسلمين أعداءهم عن ديارهم باقتطاع شيء من أرضهم أو خيراتهم لهم وقد ناقش ذلك البعض بما حاصله :

أولا : إن الرأي المعروض للاستشارة ، لا يعتبر دليلا تشريعيا لأن المقصود بالاستشارة مجرد استطلاع ما في النفوس ، فهي ممارسة لعمل تربوي بحت. والذي يحتج به من تصرفاته «صلى الله عليه وآله» وأقواله هو خصوص ما لم يرد اعتراض عليه من كتاب الله تعالى. أما ما كان في حدود الاستشارة والرأي ، فلا يعتبر دليلا بحال.

ثانيا : «لسنا ندري ما الصلة بين الجزية ، وما يمكن أن يتصالح عليه فريقان متحاربان.

إن قلت : إن اضطر المسلمون ـ بسبب ضعف طارئ ـ إلى التخلي عن بعض أموالهم حفظا لحياتهم ، وحذرا من استئصال شأفة المسلمين ، أليس لهم أن يفعلوا ذلك؟!

__________________

(١) شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٦ عن البغوي. وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٦٥ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٧٨.

٤٣

فالجواب : أن قد تستلب أموال المسلمين ، ويغنمها أعداؤهم ولكن ليس ذلك عن اختيار من المسلمين ، ولا لأجل تشريع ذلك فتوائيا ، وإنما هو إلجاء وإكراه لهم. والأحكام الشرعية لا يخاطب بها المكره ، ولا الملجأ ، ولا الصبي ولا المجنون.

فهذه الحالة التي هي من وراء حدود التكليف لا ينتزع فيها حكم تكليفي ، يختار على أساس الرأي والمصلحة والمراوضة» (١).

هذا ما ذكره ذلك البعض هنا ، ولنا فيه ومعه مناقشات ووقفات نجملها في النقاط التالية :

مناقشة سريعة :

ألف : قول أبي زهرة : إن إطماع غطفان نشأ عنه تململهم بطول الحصار ، لا ندري كيف نفهمه ، إذ ما هو الربط بين إطماعهم ، وبين تململهم؟

ب : كما أن ما ذكره من حدوث خلافات بين قريش وبين غطفان لا ندري من أين جاء به ، وعن أي مصدر نقل ذلك؟!

ج : هل كان النبي «صلى الله عليه وآله» جاهلا بعزمة أصحابه ، وبمقدار استعدادهم للقاء عدوهم؟ إن ما لدينا من وصف دقيق لحالتهم ، ومن نصوص سجلت لنا مواقفهم وتصرفاتهم لا تترك مجالا للشك في حقيقة النوايا ، ودرجة الاستعداد عندهم للقاء عدوهم ، سلبا أو إيجابا. ولا في مستوى القوة المعنوية والاعتماد على نصر الله لدى أصحابه.

__________________

(١) فقه السيرة للبوطي ص ٣٠٠ ـ ٣٠٢.

٤٤

د : ما معنى قوله : إن أمر الصلح لم يبت فيه ، وبابه مفتوح لم يغلق؟ ألم يغلق السعدان باب هذا الصلح ... وبتّا الأمر فيه؟!

ه : لا ندري كيف توهمت غطفان أن مركز النبي قد تحسن حين عدل عن الصلح؟ وهم قد رأوا بأم أعينهم سبب العدول عن الصلح ، وأنها ضغوط تعرض لها ، ورفض من أصحاب الثمار أنفسهم ، ولم يطرأ أي شيء على الحالة العسكرية ، ولا على التحالفات القائمة بين الفرقاء من كلا الجانبين ...

فكيف تتوهم غطفان أن مركز النبي «صلى الله عليه وآله» قد تحسن إلى درجة أنه مقدم على حرب الأحزاب وإجلائهم؟

و: وأما أن هذه المناورة قد جعلت غطفان تحجم عن الاضطلاع بأي دور عسكري خوفا من مقاومة المسلمين ، ولكنهم ظلوا في معسكراتهم حتى أمرهم أبو سفيان بالانسحاب. فهو كلام عجيب غريب. فإن دور غطفان العسكري لا يقل عن دور غيرها فالكل يحاصرون المسلمين ، والكل يتناوبون على الخندق.

وسيأتي حديث أم سلمة عن هجوم خيل غطفان على بعض نواحي الخندق ، وأن غطفان قد شاركت في الهجوم الشامل على المسلمين الذي فوت على المسلمين بعض صلواتهم كما سيأتي ...

ز : الشورى فيما لا نص فيه : وأما بالنسبة للشورى فيما لا نص فيه ، فلا يصح استفادتها من هذا المورد.

إذ إن المفروض : أنه «صلى الله عليه وآله» قد قضى في المورد بالصلح ، فما معنى اعتراض أسيد بن حضير عليه ، ونقض ما كان قد أبرمه؟!

٤٥

ثم إن مبدأ الشورى إنما يعمل به قبل اتخاذ القرار ، فما معنى أن يستشير النبي «صلى الله عليه وآله» بعد اتخاذه القرار ، واستقدام عيينة وأصحابه؟!

ح : ولا يصغى بعد هذا لما ذكره البوطي ، من أن ما صدر من النبي لم يخرج عن حدود الاستشارة والرأي ، فلا يعتبر دليلا تشريعيا على جواز إعطاء الجزية للمشركين.

فإن ما صدر عن النبي «صلى الله عليه وآله» كان أكثر من مجرد استشارة في هذا الأمر ، بل قد تعداه إلى استقدام عيينة ، ثم استدعاء عثمان وكتابة الكتاب.

ط : وأما بالنسبة لغنيمة الأعداء لأموال المسلمين بسبب ضعف طارئ ، فإن ذلك لا يغير الحال ، بل يبقى عنوان غنيمة أموال المسلمين بالكره عنهم.

ولو اضطروا لإعطاء الجزية ، فإن إكراههم على ذلك لا يرفع عنوان الجزية عن إعطائهم ذاك. بل هي جزية سواء كان من يعطيها مختارا أو مضطرا لأجل الحفاظ على وجوده وحياته.

ي : ثم إن البوطي قد خلط بين المكره والمضطر ، فإن الاضطرار إلى شيء لا يرفع الحكم التكليفي ، والإكراه غير الاضطرار. فطلاق المكره وهو الذي تخضع إرادته لإرادة الغير ، لا يصح. أما طلاق المضطر ، وبيعه ، فلا إشكال فيه ، كمن اضطر لبيع بيته بثمن زهيد لأجل علاج ولده.

فالخلط بين المكره والمضطر في غير محله ...

المشورة وقيمة رأي النبي صلى الله عليه وآله :

قال المعتزلي : «وكيف يقول المرتضى : إنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن محتاجا إلى رأي أحد ، وقد نقل الناس كلهم رجوعه من رأي إلى رأي عند

٤٦

المشورة؟ نحو ما جرى يوم بدر من تغير المنزل لما أشار عليه الحباب بن المنذر ، ونحو ما جرى يوم الخندق من فسخ رأيه في دفع ثلث تمر المدينة إلى عيينة بن حصن ليرجع بالأحزاب عنهم ؛ لأجل ما رآه سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة من الحرب ، والعدول عن الصلح ، ونحو ما جرى من تلقيح النخل بالمدينة ، وغير ذلك»؟! (١).

ونقل عن الإسكافي في رده على الجاحظ قوله : «ولقد كان أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» يشيرون عليه بالرأي المخالف لما كان أمر به وتقدم فيه ، فيتركه ويعمل بما أشاروا به ، كما جرى يوم الخندق في مصانعته الأحزاب بثلث تمر المدينة ، فإنهم أشاروا عليه بترك ذلك فتركه وهذه كانت قاعدتهم معه ، وعادته بينهم» (٢).

ونقول :

وقد ناقشنا في كل ما استشهد به المعتزلي والإسكافي حول تغيير رأي النبي «صلى الله عليه وآله» ، وخطإه في آرائه في قصة تأبير النخل ، ثم قصة مشورة الحباب في بدر فراجع. وقصة عيينة في الخندق قد ظهر عدم إمكان قبولها بأي وجه ، فلا معنى لاعتراض المعتزلي على السيد المرتضى فيما قاله.

الصحيح والمقبول في هذه القضية :

ولا نمنع أن يكون ثمة عمل دبره النبي «صلى الله عليه وآله» من خلال إطلاق إشاعة عن أمر كهذا ، من شأنها أن تحدث فجوة في جدار الثقة الذي

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي ج ١٧ ص ١٩٩.

(٢) المصدر السابق ج ١٣ ص ٢٦٠.

٤٧

يحمي جسم جيش الشرك وصفوفه من التصدع ، تماما كما كان الحال بالنسبة لما فعله «صلى الله عليه وآله» بين قريظة وقريش وجيش الشرك كما سيأتي.

ولم يتعدّ الأمر حدّ الشائعة ، التي يمكن للمسلمين أن يتفهموا مراميها. ولكن الرواة حرّفوا هذه القضية ونسجوا حولها من خيالهم الشيء الكثير ، ثم استفاد المصطادون في الماء العكر من ذلك ، فنفثوا سمومهم للنيل من الشخصية النبوية الشريفة ، ثم لتبرير ما صدر من معاوية من عمل ذليل مخز ، حين قبل أن يعطي ملك الروم مئة ألف دينار ذهبا ، كي يتفرغ لحرب سيد الوصيين علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بهدف الإجهاز على آخر حصون الإسلام المنيعة ، وإعادة حكم الجاهلية.

بل لقد وجدنا في كلمات الزبير بن باطا ما يشهد على أن غطفان هي التي أرسلت إلى النبي «صلى الله عليه وآله» تعرض عليه أن يعطيها بعض ثمار المدينة مقابل الإنسحاب من المواجهة معه ، فأبى «صلى الله عليه وآله» أن يعطيها إلا السيف.

يقول الزبير بن باطا وهو يحاول إقناع أصحابه بعدم طلب الرهن من قريش : «وهذه غطفان تطلب إلى محمد أن يعطيها بعض ثمار المدينة فأبى أن يعطيهم إلا السيف» (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٤٣ و ٥٤٤.

٤٨

الباب الثاني

معركة الخندق

الفصل الأول : الحصار والقتال

الفصل الثاني : ضربة علي عليه السّلام يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين

الفصل الثالث : كيف انتهت حرب الخندق

٤٩
٥٠

الفصل الأول :

الحصار والقتال

٥١
٥٢

بداية الحديث :

من الواضح : أن وجود الخندق قد أفشل خطة الأحزاب ، وشل حركتهم ، ولكنهم لم يفقدوا الأمل ، فقد كان الأمل لا يزال يراودهم بإمكانية أن يجدوا فرصة ، ويحدثوا ثغرة تمكنهم من توجيه ضربة قاسية للوجود الإسلامي ، ولو بالتعاون مع يهود بني قريظة ، الذين يتواجدون في مؤخرة الجيش الإسلامي ، مع علم المشركين بالحالة الصعبة التي كان يعاني منها المسلمون خصوصا من حيث التموين ووسائل الدفاع والصمود ، مع وجود المنافقين الذين يمكن التعاون مع بعضهم أيضا لإحداث إرباكات خطيرة داخل الجيش الإسلامي.

وقد تحدثنا في الفصل السابق عن معنويات كلا الجيشين بالإضافة إلى موضوعات أخرى ، ونتحدث الآن عن الحصار ، وعن بعض الأحداث التي حصلت فيه ، فنقول ، وعلى الله نتوكل ، ومنه نستمد العون والقوة :

مدة الحصار :

قد تقدم : أن المشركين أحاطوا بالمسلمين حتى جعلوهم في مثل الحصن من كتائبه ، وأخذوا بكل ناحية (١). وقد استمر هذا الحصار مدة طويلة.

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٩.

٥٣

اختلف فيها المؤرخون وهل كانت خمسة عشر يوما (١)

أو عشرين يوما (٢).

أو أكثر من عشرين يوما (٣).

أو شهرا (٤).

__________________

(١) راجع : شذرات الذهب ج ١ ص ١١ والتنبيه والإشراف ص ٢١٦ وراجع سيرة مغلطاي ص ٥٦ ومرآة الجنان ج ١ ص ٩ و ١٠ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٦٢ وبه جزم الواقدي ، وابن سعد ، والبلاذري ، والنووي في الروضة والقطب ، وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٥ وراجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧١ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٥ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٨٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢٢٨ عنه والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٤٠ و ٤٩١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٢.

(٢) وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠١ عن ابن عقبة وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣٠١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤ و ٤٩٠ و ٤٩٢ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٦٢ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤١٩.

(٣) راجع هذا القول في : شذرات الذهب ج ١ ص ١١ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٢ وفيه : بضع وعشرون. وكذا في إعلام الورى ص ٩١ وكذا في مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٨ ومرآة الجنان ج ١ ص ١٠ لكن ظاهر عدد منهم : أنهم يتكلمون عن مدة ما قبل قتل عمرو بن عبدود وكذا في مجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٢ و ٢٥٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٠٩.

(٤) التنبيه والإشراف ص ٢١٦ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٣٠ لكنه قال : ولم تكن حرب وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٢ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٨.

٥٤

أو قريبا من شهر (١).

أو تسعة وعشرين ليلة (٢).

وقيل : سبعة وعشرين (٣).

ولعل أحدهما : (السبعة ، والتسعة) تصحيف للآخر ، فلا يخالفه.

وبعض آخر يقول : أربعة وعشرين يوما (٤).

ونذكر أخيرا قول من قال : بضع عشرة ليلة أو يوما (٥).

__________________

(١) العبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٣٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤ و ٤٩٢ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٦٢ وحدائق الأنوار ج ١ ص ٥٢ وج ٢ ص ٥٨٧ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٨ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧٥ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٧١ وجوامع السيرة النبوية ص ١٤٩ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٦٥ وراجع سعد السعود ص ١٣٨.

(٢) البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٧.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤ و ٤٩٢.

(٤) سيرة مغلطاي ص ٥٦ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٦٢ والوفاء ص ٦٩٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤ و ٤٩٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٢ وراجع : المواهب اللدنية ج ١ ص ١١٥ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦٤.

(٥) راجع : الوفاء ص ٦٩٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٤ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٨. وراجع : ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٨ والإرشاد للمفيد ص ٥١ وتاريخ مختصر الدول ص ٩٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٦٢ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧٥ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٠ ـ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠١ وتاريخ الإسلام للذهبي (الواقدي) ص ٢٣٨. إلا أن يقال : إن ذلك ناظر إلى فترة ما قبل المفاوضة على ثلث ثمار المدينة ، أو ما قبل قتل عمرو بن عبدود كما هو صريح عدد من المصادر الآنفة الذكر. وإن كان ظاهر الواقدي وغيره خلاف ذلك.

٥٥

ونقول :

الصحيح هو : أن الحصار قد دام شهرا كاملا بل أكثر ، فقد قال ضرار بن الخطاب يوم الخندق في جملة أبيات له :

فأحجرناهم (١) شهرا كريتا (٢)

وكنا فوقهم كالقاهرينا

نراوحهم ونغدو كل يوم

عليهم في السلاح مدججينا (٣)

بل لقد ذكر عبد الله بن الزبعرى : أن مدة الحصار قد دامت أكثر من شهر ، وبلغت أربعين يوما ، فهو يقول :

حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا

للموت كل مجرب قضاب

شهرا وعشرا قاهرين محمدا

وصحابه في الحرب خير صحاب (٤)

إذن ، فلا يمكن قبول قولهم : إن الحصار دام مدة خمسة عشر يوما ، أو عشرين أو بضع عشرة ليلة ، أو ما إلى ذلك.

__________________

(١) أحجرناهم : حصرناهم.

(٢) وشهرا كريتا : تاما كاملا.

(٣) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٦٦.

(٤) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٦٩ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٦.

٥٦

الحراسة :

وقد كانت الحراسة المستمرة واليقظة الدائمة من الأمور الضرورية ، وكان المسلمون يقومون بها باستمرار ، وكانت حراستهم تتركز على الأمور الرئيسية بالدرجة الأولى ، وهي :

١ ـ مركز القيادة : النبي «صلى الله عليه وآله».

٢ ـ العسكر.

٣ ـ الخندق.

٤ ـ المدينة.

٥ ـ الرصد لتحركات العدو.

٦ ـ النساء والذراري وتعاهدهم في الآطام.

٧ ـ أبواب الخندق.

وقد ذكرت هذه الأمور وغيرها من تفاصيل في النصوص التاريخية ، والحديثية ، التي نختار منها ما يلي :

ألف : قال النويري وغيره : «كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يبعث سلمة بن أسلم في ماءتي رجل ، وزيد بن حارثة في ثلاث مئة يحرسون المدينة ويظهرون التكبير. وذلك أنه كان يخاف على الذراري من بني قريظة وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله «صلى الله عليه وآله» مع غيره من الأنصار ، يحرسونه كل ليلة» (١).

__________________

(١) نهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧١ و ١٧٢ ، وراجع المصادر التالية : عيون الأثر ج ٢ ص ٥٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٦٠ والسيرة

٥٧

وكانت المدينة تحرس حتى الصباح ، يسمع فيها التكبير حتى يصبحوا خوفا (١).

ب : وفي بعض المصادر : «وجعل المسلمون يتحارسون في عسكرهم» (٢)

ج : وقال النويري : «ورسول الله «صلى الله عليه وآله» والمسلمون وجاه العدو ، لا يزولون ، يعتقبون خندقهم ويحرسونه ، والمشركون يتناوبون الخ ..» (٣).

ويفصل لنا الواقدي ذلك ، فيقول : إن المسلمين كانوا «على خندقهم يتناوبون ، معهم بضعة وثلاثون فرسا ، والفرسان يطوفون على الخندق ما بين طرفيه ، يتعاهدون رجالا وضعوهم في مواضع منه إلى أن جاء عمر (رض) فقال : يا رسول الله ، بلغني أن بني قريظة قد نقضت الخ ..» (٤).

وتقدم : أنه «صلى الله عليه وآله» كان قد جعل للخندق أبوابا ، وجعل على الأبواب حرسا.

وقال الواقدي : «كانوا يطيفون بالليل حتى الصباح يتناوبون. وكذلك يفعل المشركون أيضا ، يطيفون بالخندق حتى يصبحوا» (٥).

__________________

ـ الحلبية ج ٢ ص ٣١٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٤ و ٥ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٢٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٨.

(١) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣١ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٦٧.

(٢) أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٣.

(٣) نهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧١ و ١٧٢ وعيون الأثر ج ٢ ص ٥٨.

(٤) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٧.

(٥) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٧٤.

٥٨

«ورسول الله «صلى الله عليه وآله» والمسلمون قبالة عدوهم ، لا يستطيعون الزوال عن مكانهم ، يعتقبون خندقهم يحرسونه» (١).

وأسيد بن حضير كان يحرس في جماعة على الخندق أيضا (٢).

د : وتقول عائشة : «كان في الخندق موضع لم يحسنوا ضبطه إذ أعجلهم الحال ، وكان يخاف عليه عبور الأعداء منه ، وكان النبي «صلى الله عليه وآله» يختلف ويحرسه بنفسه. ثم تذكر قصة حراسة سعد بن أبي وقاص لذلك الموضع في تلك الليلة (٣).

وكان النبي «صلى الله عليه وآله» بنفسه في الليالي يحرس بعض مواضع الخندق (٤).

وسيأتي حديث أم سلمة في ذلك في موضع آخر إن شاء الله تعالى.

ه : وكان عباد بن بشر ـ كما يدّعون ـ ألزم الناس لقبة رسول الله «صلى الله عليه وآله» يحرسها (٥). وذكروا الزبير بن العوام في جملة من حرس النبي

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٨.

(٢) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٠ وستأتي بقية المصادر حين الحديث عن القتال ، وتناوب المشركين على الخندق.

(٣) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٦٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٩ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤ و ٤٨٥ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٤.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤ وتقدم حديث عائشة في ذلك.

(٥) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٦٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٤.

٥٩

«صلى الله عليه وآله» يوم الخندق (١).

بل جاء أن عباد بن بشر ، والزبير بن العوام كانا على حرس رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٢).

وقد ظهر من بعض النصوص المتقدمة : أن المسلمين كانوا يتناوبون الحراسة (٣) أو حراسة نبيّهم (٤).

و: كان بنو واقف قد جعلوا ذراريهم ونساءهم في أطمهم وكانوا يتعاهدون أهليهم بأنصاف النهار ، فينهاهم النبي «صلى الله عليه وآله» فإذا ألحّوا أمرهم «صلى الله عليه وآله» أن يأخذوا السلاح ، خوفا عليهم من بني قريظة فإنهم على طريقهم» (٥).

وكان كل من يذهب منهم إنما يسلكون على سلع ، حتى يدخلوا المدينة ، ثم يذهبون إلى العالية (٦).

وقال «صلى الله عليه وآله» للنساء حين جعلهن في أطم بني حارثة : «إن

__________________

(١) عيون الأثر ج ٢ ص ٥٨ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٦٣ وقد أطلق كلامه في أن الزبير كان حارس النبي «صلى الله عليه وآله» في الخندق وكذا في السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢٧ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٢١٧ والغدير ج ٧ ص ٢٠٢ عنهما وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٣١٦ وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ٢٠٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٩.

(٣) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٠ وتقدمت نصوص أخرى أيضا.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٩ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٦٥.

(٥) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥١ و ٤٧٤ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٤.

(٦) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٧٤.

٦٠