الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-183-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

أقيمت دولة الإسلام أقيمت الصلاة ، وسائر تعاليم الإسلام (١).

ونقول :

إن هذا الكلام لا يصح ، وذلك لما يلي :

أولا : إنه حين لم يعب أحدا منهم ، فإما أن يكون الفريقان معا على صواب ، وهذا غير معقول ، أو يكون أحدهما مصيبا والآخر مخطئا. فاللازم في هذه الحالة هو تعليم المخطئ وإرشاده إلى الخطأ الذي وقع فيه.

ثانيا : لو صح هذا الكلام ، لكان بوسع كل من يسعى لإقامة دولة إسلامية أن يترك الصلاة ما دام يعمل في هذا السبيل.

بل كان له أن يترك سائر شعائر الإسلام ، وأحكامه ، إذا جاز له ترك عمود الدين ، للعلم القطعي بعدم وجود خصوصية للصلاة في هذا المورد ..

٢ ـ وذكر البعض توجيها آخر لما ذكروا من عدم تعنيف النبي «صلى الله عليه وآله» لمن صلى ، ولمن ترك الصلاة.

فادّعى : أن من صلى حاز الفضيلتين : امتثال الأمر في الإسراع ، وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت ، وإنما لم يعنف «صلى الله عليه وآله» الذين أخروها : لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر ، ولأنهم اجتهدوا فأخروا امتثالا للأمر ، لكنهم لم يصلوا إلى أن يكونوا في أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى (٢).

وعبارة البعض هنا تقول : «إن أدلة الشرع تعارضت عندهم بأن

__________________

(١) التفسير السياسي للسيرة ص ٢٧٩ و ٢٨٠.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤.

٣٠١

الصلاة مأمور بها في الوقت ، مع أن المفهوم من قول النبي «صلى الله عليه وآله» : لا يصلين أحد الظهر أو العصر إلا في بني قريظة ، المبادرة بالذهاب إليهم ، وأن لا يشتغل عنه بشيء لا أن تأخير الصلاة مقصود في نفسه ، من حيث أنه تأخير.

فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم نظرا إلى المعنى ، لا إلى اللفظ ، فصلوا حين خافوا فوت الوقت. وأخذ آخرون بظاهر اللفظ وحقيقته ، فأخروها. ولم يعنف النبي «صلى الله عليه وآله» واحدا من الفريقين لأنهم مجتهدون (١).

ونقول تعليقا على ذلك :

إننا نرى : أن سبب عدم عيب النبي «صلى الله عليه وآله» من ترك صلاته ليس هو ما ذكره هؤلاء ولا يمكن استفادة ضابطة ولا تأسيس أي من القواعد التي استفادوها ، وأسسوا وبنوا عليها ، استنادا إلى فهمهم المنقول عنهم آنفا ، لأنه فهم خاطئ ، ولا مبرر له.

بل السبب : في أن النبي «صلى الله عليه وآله» ما عاب ، ولا عنف ، ولا لام أحدا منهم على ذلك هو أنه «صلى الله عليه وآله» قد عذرهم بفهمهم الخاطئ لمرمى كلامه ، رغم وضوحه وظهوره.

وذلك إن دل على شيء : فإنه ليس فقط لا يدل على اجتهادهم المدّعى ، بل هو يدل على تدن خطير في مستوى تفكيرهم ، إلى درجة يلحقهم بالقاصرين ، الذين يعذرون فيما يأتونه ويرتكبونه عن جهل وقصور.

فقد كان من الواضح : أنه «صلى الله عليه وآله» حين أمرهم بالمسير إلى

__________________

(١) شرح النووي على صحيح مسلم ج ١٢ ص ٩٨.

٣٠٢

بني قريظة على النحو المتقدم ، إنما أراد منهم الإسراع في ذلك إلى درجة أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة ، أي أنه «صلى الله عليه وآله» يريد منهم أن يصلوا إليها حينما يحين وقت صلاة العصر ، أو قبل ذلك.

وهذا بالذات هو الذي فهمه الذين صلوا في الطريق ، كما ذكره البعض (١). لا أنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يسقط عنهم الصلاة في خارج منطقة بني قريظة.

والذين صلوا في الطريق كانوا ـ فيما يظهر ـ هم الفئة الأكثر وعيا ، وتفهما للكلام في مداليله اللغوية والعرفية.

٣ ـ أما ابن حزم فقد قال : «أما التعنيف ، فإنما يقع على العاصي المتعمد المعصية ، وهو يعلم أنها معصية ، وأما من تأول للخير ، فهو ـ وإن لم يصادف الحق ـ غير معنف. وعلم الله أننا لو كنا هناك ما صلينا العصر في ذلك اليوم إلا في بني قريظة ، ولو بعد أيام.

ولا فرق بين نقله «صلى الله عليه وآله» صلاة في ذلك اليوم إلى موضع بني قريظة ، وبين نقله صلاة المغرب ليلة مزدلفة إلى وقت العشاء ، وصلاة العصر من يوم عرفة إلى وقت الظهر. والطاعة في ذلك واجبة (٢).

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١١٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٥ و ٣٤ وشرح النووي على صحيح مسلم ج ١٢ ص ٩٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٥ وأول ص ٣١٦.

(٢) جوامع السيرة النبوية ص ١٥٢ و ١٥٣ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١١٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١١٨.

٣٠٣

ونقول :

لقد غلط ابن حزم هنا غلطا فاحشا ، وذلك لما يلي :

أولا : اعتبر أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد نقل صلاة العصر إلى بني قريظة ، بحيث لو لم يذهبوا إلى بني قريظة إلا بعد أيام لتركوا صلاة العصر في كل تلك الأيام ، ولو كان ابن حزم معهم لفعل مثل فعلهم أيضا.

مع أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم ينقل الصلاة ، بل أمرهم بالإسراع في الحضور إلى بني قريظة ، بهذا الأسلوب ، بحيث لو تأخر بعضهم عمدا ، أو انصرف عن الذهاب عصيانا ، أو لعذر فإن صلاة العصر لا تسقط عنه ، بل تبقى واجبة عليه ، وعليه أن يصليها في مكانه أينما كان. ولو أن ابن حزم فعل غير هذا لكان هو الآخر مخطئا ، كما أخطأ ذلك الفريق من الصحابة في تركهم الصلاة في وقتها.

ثانيا : لقد ناقض ابن حزم نفسه حين أشار إلى أن الذين أخروا صلاتهم ، قد تأولوا قصدا للخير ، وإن لم يصادفوا الحق. ثم اعتبر ـ من جهة أخرى ـ أن صلاة العصر لم تكن واجبة عليهم إلا في بني قريظة.

ثالثا : لماذا التزم ابن حزم باختصاص هذا الحكم بصلاة العصر ، أو الظهر ، ولا يتعداها إلى غيرها ، مع أن ما ذكره من التعليل بالتأول قصدا للخير يقتضى تعميم ذلك؟ كما أن تصريحه بنقل الصلاة إلى بني قريظة يجعل الحكم مختصا بصلاة العصر في ذلك اليوم فقط!

رابعا : قد ادّعى : أن صلاة المغرب قد نقلت ليلة مزدلفة إلى وقت العشاء ، وأن صلاة العصر قد نقلت يوم عرفة إلى وقت الظهر. وأن صلاة العصر قد نقلت يوم بني قريظة إلى بني قريظة. مع أن وقت المغرب مستمر إلى ما قبل

٣٠٤

منتصف الليل بقليل ، وتختص هي في أول المغرب بمقدار أدائها ، ثم يصير الوقت مشتركا بينها وبين العشاء إلى ما قبل منتصف الليل بمقدار أربع ركعات وهو يختص بالعشاء.

كما أن الظهر تختص في أول الزوال بمقدار أدائها ، ثم يصير الوقت مشتركا بينها وبين العصر إلى ما قبل غروب الشمس بمقدار أربع ركعات التي هي خاصة بالعصر.

غير أن وقت فضيلة الظهر وزيادة المثوبة عليها يمتد إلى حين يصير ظل كل شاخص مثله ، ووقت فضيلة العصر وزيادة المثوبة عليها تمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه.

ويؤيد ذلك ، بل يدل عليه قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً)(١).

فإنه تعالى لم يذكر في كتابه الكريم إلا ثلاثة أوقات للصلاة ، ولا ينطبق ذلك إلا على التقدير الذي ذكرناه آنفا.

خامسا : إن كلام ابن حزم لو سلمناه ، فإنما يصح لو كانت قد فاتتهم صلاة العصر فقط ، أما لو كان الفائت هو صلاتي الظهر والعصر معا ، كما في بعض الروايات وكان النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال لهم : لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة ، فلا يستطيع ابن حزم أن يثبت نقل كلا الصلاتين إلى بني قريظة ؛ لأن المذكور في كلامه «صلى الله عليه وآله» هو إحداهما أما الأخرى وهي العصر ، فإنه لم يصرح بنقلها ، فكيف تركوها؟

__________________

(١) الآية ٧٨ من سورة الإسراء.

٣٠٥

والنصوص التي هي محط نظرنا هي التالية :

في البخاري ـ في جميع الروايات ـ : لا يصلين أحد العصر ، وفي مسلم : الظهر ، مع اتفاقهما على روايتهما عن شيخ واحد ، بإسناد واحد (١).

ووافق البخاري أبو نعيم ، وأصحاب المغازي ، والطبراني ، والبيهقي في دلائله (٢) والإسماعيلي.

ووافق مسلما : أبو يعلى ، وابن سعد (٣) ، وأبو عوانة (٤) ، وابن حبان (٥)

وقد جمع البعض بينهما باحتمال أن يكون بعضهم كان قد صلى الظهر قبل الأمر بالذهاب وبعضهم لم يصلها ، فقيل لمن لم يصلها : لا يصلين أحد الظهر ، ولمن صلاها : لا يصلين أحد العصر.

أو أن طائفة منهم راحت بعد طائفة ، فقيل للطائفة الأولى : الظهر ، وللتي بعدها : العصر.

قال ابن حجر : وكلاهما جمع لا بأس به.

لكن يبعده اتحاد المخرج ؛ لأنه عند الشيخين بإسناد واحد ، من مبدئه إلى منتهاه ، فيبعد أن يكون كل من رجال أسناده قد حدث به على الوجهين ، إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته على الوجهين ، ولم يوجد ذلك.

__________________

(١) راجع : هامش كتاب الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج ٤ ص ٣٢١.

(٢) راجع : كتاب الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج ٤ ص ٨.

(٣) الطبقات الكبرى ج ٢ ص ٧٦.

(٤) مسند أبي عوانة ج ٤ ص ١٧٣.

(٥) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج ٤ ص ٣٢٠ و ٣٢١.

٣٠٦

وقيل : في وجه الجمع أيضا : أن يكون «صلى الله عليه وآله» قال لأهل القوة ، أو لمن كان منزله قريبا : لا يصلين أحد الظهر.

وقال لغيرهم : لا يصلين أحد العصر (١).

هذا كله : مع العلم بأن المسافة إلى بني قريظة لم تكن بعيدة ، بل كانت لا تحتاج إلى أكثر من ساعتين من نهار ، كما سنرى.

إستفادات ودلالات :

قد ذكروا : أنه يستفاد من هذا التشريع ـ أعني جواز ترك الصلاة استنادا إلى اجتهاد أو فهم مشابه ـ الأمور التالية :

١ ـ إنه لا إثم في الخطأ ، كما قال «صلى الله عليه وآله» : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان (٢).

٢ ـ إن هذا يدل على جواز الجمع بين الصلاتين جمع تأخير (٣).

٣ ـ إن هذا منه «صلى الله عليه وآله» تقرير لمبدأ الاجتهاد في استنباط

__________________

(١) راجع المصادر التالية : إرشاد الساري ج ٦ ص ٣٢٨ و ٣٢٩ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٨٩ و ١٩٠ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٣ و ٣١٤ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣ و ٣٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣ وشرح النووي على صحيح مسلم ج ١٢ ص ٩٨ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٢.

(٢) خاتم النبيين ج ٢ ص ٩٥١ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٥ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٤.

(٣) خاتم النبيين ج ٢ ص ٣٥١.

٣٠٧

الأحكام الشرعية.

٤ ـ إن المتخالفين في الاجتهاد معذوران ، ومثابان ، سواء قلنا : «إن المصيب واحد ، أو متعدد» (١).

٥ ـ إن استئصال الخلاف في مسائل الفروع ، التي تنبع من دلالات ظنية أمر لا يمكن أن يتصور أو يتم.

حكمة ذلك كله : هو أن تكون الاجتهادات المختلفة وثيقة الصلة بالأدلة المعتبرة شرعا ، ليمكن للمسلمين أن يأخذوا بأيها شاؤوا حسب ظروفهم ومصالحهم. وهذا من مظاهر رحمة الله لهم (٢).

٦ ـ في هذا دليل على أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب. وفي حكم داود وسليمان في الحرث أصل لهذا الأصل أيضا.

ولا يستحيل أن يكون الشيء صوابا في حق إنسان ، وخطأ في حق غيره. فيكون من اجتهد في مسألة ، فأداه اجتهاده إلى التحليل مصيبا في استحلاله ، وآخر اجتهد فأداه اجتهاده ونظره إلى التحريم مصيبا في تحريمه.

وإنما المحال : أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين ، في حق شخص واحد» (٣).

وقال ابن الديبع : «وفي ذلك فسحة للمجتهدين رضي الله عنهم ، وأن كل مجتهد مصيب ، أي في الفروع ، إذا لم يخص واحدا من الفريقين بصواب

__________________

(١) فقه السيرة للبوطي ص ٣٠٧ و ٣٠٨.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٨١ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٥ وراجع السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٤.

٣٠٨

ما ذهب إليه» (١).

٧ ـ «فيه دلالة لمن يقول بالمفهوم.

٨ ـ والقياس.

٩ ـ ومراعاة المعنى.

١٠ ـ ولمن يقول بالظاهر أيضا» (٢).

١١ ـ وفيه أنه لا يعنف المجتهد فيما فعله باجتهاده ، إذا بذل وسعه في الاجتهاد (٣).

ونقول :

أولا : إن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما ترك تعنيف كلا الطائفتين ومجرد ترك التعنيف لا يدل على جواز الجمع بين الصلاتين.

ولا على التصويب لكلا الفريقين ، ولا على كون المجتهد لا يعنف ، وإن أخطأ ، إذا بذل وسعه في الاجتهاد (٤). كما أنه لا يدل على وجود مجتهدين في البين؟؟

ولا على كون المتخالفين في الاجتهاد معذورين ومثابين.

ولا على القياس أو المفهوم ، أو مراعاة المعنى ..

__________________

(١) حدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٥ وراجع : شرح النووي على صحيح مسلم ج ١٢ ص ٩٨.

(٢) النووي على صحيح مسلم ج ١٢ ص ٩٨.

(٣) شرح النووي على صحيح مسلم ج ١٢ ص ٩٨ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣١٥.

(٤) راجع : شرح النووي على صحيح مسلم ج ٢ ص ٩٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٥.

٣٠٩

ولا ، ولا ...

بل هو يدل فقط : على عدم توجه العقاب على كلا الفريقين.

ثانيا : بالنسبة للتصويب نقول :

ألف : قد قلنا : إن هذه الحادثة لا تدل على وجود مجتهدين ، لا بين الذين تركوا صلاة العصر ، ولا بين الذين صلوها.

ب : لو سلم وجود مجتهدين ، وأن ما جرى قد نشأ عن اجتهاد من كلا الفريقين ، فلا يدل موقف النبي «صلى الله عليه وآله» على التصويب ، بل على مجرد المعذورية في صورة الخطأ ، أي أنه «صلى الله عليه وآله» قد عذرهم بفهمهم الخاطئ ، وليس المورد من موارد الاجتهاد ، فضلا عن كونه صوابا أو خطأ.

ج : إن نظرية التصويب باطلة عقلا ، فلا بد من التأمل في صحة أو في دلالة ما ظاهره ذلك ، إذ لا يمكن أن يخالف الشرع العقل في أحكامه الصريحة.

د : قد عبر البعض عن هذا التصويب ، بأن يتمكن المسلمون أن يأخذوا بأيهما شاؤوا ، تبعا لحاجاتهم ، وظروفهم ومصالحهم.

وهذا يعني : أن تكون الأحكام تابعة لأهواء الناس ومصالحهم ، وهل هذا إلا تشريع التلاعب بالدين وأحكامه؟ والقضاء على رموزه وأعلامه؟!

ثالثا : بالنسبة لجواز الجمع بين الصلاتين جمع تأخير نقول :

ألف : إن هذا الكلام لم يظهر له معنى ، إذا كان التأخير عن خطأ ، كما صرح به هذا القائل نفسه ، فإن المخطئ معذور في خطئه إن كان عن قصور ، لا أنه يثبت له حكم شرعي في المورد الذي أخطأ فيه هو الجواز ، أو غيره من الأحكام.

٣١٠

ب : لا ندري ما معنى جواز التأخير بنية الأداء ، بعد فوت الوقت. فإن الفوات قد تحقق بعد غروب الشمس ، فما معنى نية الأداء لصلاة العصر في خارج وقتها؟!

رابعا : إن إثبات الاجتهاد لجميع أولئك الناس ، الذين كان فيهم العالم والجاهل والكبير والصغير ، ولو في أوائل بلوغه ، والعالم والفلاح والخ .. دونه خرط القتاد.

خامسا : إن المسافة بين المدينة وبين بني قريظة قريبة جدا ، لا تحتاج إلى أكثر من ساعة أو ساعتين على أبعد تقدير لقطعها.

والمفروض : أن أمر النبي «صلى الله عليه وآله» للمسلمين بالمسير قد كان قبل صلاة العصر ، بل وربما قبل الظهر ، فتأخر البعض في الوصول إلى بني قريظة إلى ما بعد العشاء الآخرة ليس له ما يبرره إلا تباطؤ هذا البعض في تنفيذ أمر النبي «صلى الله عليه وآله».

ويؤكد هذا : أن قسما من الناس قد صلوا العصر في بني قريظة ، ولم يقع منهم أي تأخير. وعدم صلاة ذلك الفريق الآخر ـ حتى لو سلمنا أنهم قد فهموا الحكم الشرعي بصورة خاطئة ، أو أنهم لم يفهموا حقيقة مغزى كلامه «صلى الله عليه وآله» ـ.

نعم ، إن عدم صلاتهم لا مبرر له إلا التباطؤ وعدم الاهتمام بتنفيذ مراداته «صلى الله عليه وآله» وتحقيق مقاصده ..

أمران يحسن إيضاحهما :

أحدهما : أننا نرجح رواية : لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة ، على

٣١١

رواية العصر. وذلك لعدة أسباب ..

الثاني : بيان المسافة بين المدينة وقريظة ، وأنها لا تستغرق أكثر من ساعتين على أبعد تقدير ، وقد تباطأوا أو تواطأوا على التسويف في تنفيذ أمر النبي «صلى الله عليه وآله».

ونحن نوضح هذين الأمرين ، بالمقدار الذي يسمح لنا به المجال ، فنقول :

١ ـ لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة :

أما بالنسبة لترجيح رواية : لا تصلوا الظهر ، فقد تقدم منا : أن جبرئيل قد جاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، وإن على ثناياه لنقع الغبار ، وأخبره : أن الملائكة لم يضعوا السلاح ، بل ما زالوا يتعقبون المشركين إلى حمراء الأسد التي كانت تبعد عن المدينة ثمانية أميال فقط ، ولا يحتاج الوصول إليها والرجوع منها إلى أكثر من ساعات قليلة لا تصل إلى ربع أو ثلث يوم.

مع أنه : كان قد مضى على انهزام الأحزاب حوالي نصف يوم.

وإذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد بادر إلى أمر الناس بالمسير إلى بني قريظة بمجرد سماعه ذلك من جبرئيل ، فإن معنى ذلك هو أنه قد طلب ذلك من الناس في وقت الضحى ، وقبل صلاة الظهر بساعات يمكن فيها الوصول إلى بني قريظة قبل حلول وقت الظهر. وذلك واضح.

٢ ـ المسير إلى قريظة في نحو ساعتين :

وأما بالنسبة إلى الأمر الثاني : وهو أن الوصول إلى بني قريظة لا يحتاج إلى وقت طويل نقول :

إن ذلك يتضح إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما يلي :

٣١٢

ألف : بنو قريظة في عوالي المدينة :

إن منازل بني قريظة كانت بالعالية (عالية المدينة) على وادي مهزور (١) حيث يقع مسجد بني قريظة الذي هو بالعوالي على باب حديقة تعرف بحاجزة ـ شرقي مسجد الشمس ـ (أعني مسجد الفضيخ) ، الذي يقع هو الآخر شرقي مسجد قباء (٢) في الحرة الشرقية المعروفة بحرة واقم ، وتسمى حرة بني قريظة أيضا ، لأنهم كانوا بطرفها القبلي (٣).

ب : كم يستغرق المسير إلى العوالي :

قد وردت روايات تفيد : أن الذهاب إلى العوالي لا يستغرق وقتا كبيرا.

فقد ذكرت نصوص : أن البعض كان يسير من مسجد المدينة بعد صلاة العصر ، فيصل إلى العوالي ، والشمس بيضاء حية ، نقية ، مرتفعة.

وقد حددت نفس هذه النصوص المسافة التي كان يقطعها بميلين ، وثلاثة ، وأربعة ، وستة. وسيأتي تفسير هذا الاختلاف ، والنصوص هي التالية :

١ ـ روي : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يصلي العصر ، والشمس (بيضاء) مرتفعة حية ، فيذهب الذاهب إلى العوالي ، فيأتيها ،

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ١٦١ وج ٣ ص ١٠٧٦ وراجع : معجم البلدان (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ٣٤٦ وج ٥ ص ٢٣٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ١ ص ٢٨٧.

(٢) راجع : وفاء الوفاء ج ٣ ص ٨٢٣ و ٨٢٤ و ٨٢١ ومرآة الحرمين ج ١ ص ٤١٩.

(٣) راجع : وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٨٨.

٣١٣

والشمس مرتفعة (١).

وفي البخاري : أن النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه كان يذهب بعد صلاة العصر إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة (٢).

وبعض المصادر ذكرت النص المتقدم ، ولم تذكر عبارة : فيأتي العوالي ، أو فيأتيها (٣). وعدم ذكر ذلك لا يضر في المقصود ، لأنه إنما يتحدث عن التبكير في صلاة العصر ، ولا يتم ذلك إلا إذا قدر الوصول إليها قبل المغرب ، كما هو ظاهر.

٢ ـ عن أنس : كان أبعد رجلين من الأنصار من رسول الله «صلى الله عليه وآله» دار أبو لبابة بن عبد المنذر ، وأهله بقباء ، وأبو عبيس بن خير ، ومسكنه في بني حارثة ، فكانا يصليان مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» العصر ، ثم يأتيان قومهما ، وما صلوا لتعجيل رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) راجع : صحيح مسلم ج ٢ ص ١٠٩ وسنن الدارقطني ج ١ ص ٢٥٣ وصحيح البخاري ج ١ ص ٦٩ وج ٤ ص ١٧٠ وسنن الدارمي ج ١ ص ٢٧٤ والسنن الكبرى ج ١ ص ٤٤٠ وتحفة الأحوذي ج ١ ص ٤٩٣ و ٤٩٦.

(٢) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٧٠.

(٣) سنن أبي داود ج ١ ص ١١١ ومختصر سنن أبي داود للمنذري ج ١ ص ٢٣٩ ومسند أحمد ج ٣ ص ١٦١ و ٢١٧ وسنن النسائي ج ١ ص ٢٥٣ ومسند أبي عوانة ج ١ ص ٣٥١ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٢٢٣ والمصنف للصنعاني ج ١ ص ٥٤٧ وكنز العمال ج ٨ ص ٢٧ عنه وعن ابن أبي شيبة. والسنن الكبرى ج ١ ص ٤٤٠ ونصب الراية ج ١ ص ٢٤٦ وشرح معاني الآثار ج ١ ص ١٩٠ والتمهيد ج ٦ ص ١٧٩.

٣١٤

وآله» بها (١).

ويلاحظ : أن أبا لبابة إنما كان يسكن في منطقة بني قريظة ، الذين كانت منازلهم بالقرب من قباء وقباء من العوالي (٢). ولم يكن يسكن في قباء نفسها ، كما يظهر من الرواية الآنفة الذكر.

ويدل على ذلك : ما سيأتي من أنه تعهد بأن يهجر دار قومه التي أصاب فيها الذنب ودار قومه هي دار بني قريظة (٣) ، «لأن ماله وولده ، وعياله كانت في بني قريظة» (٤).

وقد ذكر المؤرخون : أن أبا لبابة كان مناصحا لهم.

ومهما يكن من أمر : فإن هذا يدل على أن بني قريظة كانوا يسكنون في أدنى العالية ، أي قرب منازل بني عمرو بن عوف.

ولسوف يأتي تحديد العالية ، قربا وبعدا ، بعد قليل.

__________________

(١) سنن الدارقطني ج ١ ص ٢٥٤ وشرح معاني الآثار ج ١ ص ١٨٩ و ١٩٠ وشرح الموطأ للزرقاني ج ١ ص ٣٥.

(٢) راجع : إرشاد الساري ج ١ ص ٤٩٤ وشرح الموطأ للزرقاني ج ١ ص ٣٥.

(٣) عيون الأثر ج ٢ ص ٧٠ و ٧١ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣١ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٧٩ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٠٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٦ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٨ و ١٩ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٥ وراجع : قاموس الرجال ج ٢ ص ٢١١.

(٤) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٥.

٣١٥

٣ ـ روي أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يصلي العصر ، والشمس بيضاء ، نقية مرتفعة ، يسير الرجل حين ينصرف منها إلى ذي الحليفة ، ستة أميال ، قبل غروب الشمس (١).

٤ ـ سأل ثابت بن عبيد أنسا عن وقت العصر ، فقال : وقتها أن تسير ستة أميال إلى أن تغرب الشمس (٢).

٥ ـ عن أبي أروى : كنت أصلي مع النبي «صلى الله عليه وآله» صلاة بالمدينة ، ثم آتي ذا الحليفة ، قبل أن تغيب الشمس ، وهي على قدر فرسخين

وفي نص آخر : ستة أميال (٣). والفرسخان عبارة عن ستة أميال ، لأن الميل ثلث فرسخ (٤).

قال الطحاوي : «قد يجوز أن يكون ذلك سيرا على الأقدام ، وقد يجوز أن يكون سيرا على الإبل والدواب ، فنظرنا في ذلك ، فإذا .. قال حدثنا أبو أروى ، قال : كنت أصلي العصر مع النبي «صلى الله عليه وآله» ، ثم أمشي إلى ذي الحليفة ، فآتيهم قبل أن تغيب الشمس ، ففي هذا الحديث : أنه كان يأتيها ماشيا» (٥).

__________________

(١) سنن الدارقطني ج ١ ص ٢٥٢ والسنن الكبرى ج ١ ص ٤٤١.

(٢) التمهيد ج ١ ص ٢٩٨.

(٣) راجع : تحفة الأحوذي ج ١ ص ٤٩٣ عن البزار ، وأحمد ، والطبراني في الكبير ، والتمهيد ج ٦ ص ١٨١ وشرح معاني الآثار ج ١ ص ١٩١.

(٤) عمدة القاري ج ٢٥ ص ٥٧ و ٣٧ وإرشاد الساري ج ١٠ ص ٣٣٣.

(٥) راجع : شرح معاني الآثار ج ١ ص ١٩١.

٣١٦

ج : ما المراد بكون الشمس حية؟ :

قد تقدم : التعبير بكون الشمس حية.

وحياتها : أن تجد حرها كما عن خيثمة والخطابي (١).

وقيل : حياتها وجود ضوئها ، وصفاء لونها ، قبل أن يصفر ويتغير (٢).

وقال الزين ابن المنير : حياتها : قوة أثرها : حرارة ، ولونا ، وشعاعا ، وإنارة ، وذلك لا يكون بعد مصير الظل مثلي الشيء (٣).

د : بعد العوالي عن مسجد النبي صلى الله عليه وآله :

وحين ذكر الحديث : أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يصلي العصر ، ثم يذهب هو أو غيره إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة ، ألحق في نهاية هذا الحديث نفسه تحديدا لبعد العوالي عن المسجد النبوي ، فقال : والعوالي من المدينة على ستة أميال (٤).

__________________

(١) راجع : سنن أبي داود ج ١ ص ١١١ ومختصر سنن أبي داود للمنذري ج ١ ص ٢٣٩ والتمهيد ج ١ ص ٣٠٠ وفتح الباري ج ٢ ص ٢٢ ونيل الأوطار ج ١ ص ٣٩١ والتعليق المغني على سنن الدارقطني ج ١ ص ٢٥٣ والسنن الكبرى ج ١ ص ٤٤١ وشرح النووي على صحيح مسلم ج ٥ ص ١٢٢.

(٢) زهر الربى على المجتبى ج ١ ص ٢٥٣ و ٢٥٤ وعون المعبود ج ٢ ص ٧٧ وشرح النووي على صحيح مسلم ج ٥ ص ١٢٢ وإرشاد الساري ج ١ ص ٤٩٣.

(٣) راجع : فتح الباري ج ٢ ص ٢٢.

(٤) سنن الدارقطني ج ١ ص ٢٥٣ وإرشاد الساري ج ١ ص ٤٩٣ عنه ، وكذا في عمدة القاري ج ٥ ص ٣٧ وفتح الباري ج ٢ ص ٢٣.

٣١٧

وفي نص آخر : وبعض (وبعد) العوالي من المدينة على أربعة أميال ونحوه (١).

وعند السمهودي : «المعروف : أن ما كان في جهة القبلة فأكثر من المسجد النبوي فهو عالية».

ويدل على ذلك : أن السنح ، وهو منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة ، وبينه وبين مسجد النبي «صلى الله عليه وآله» ميل (٢).

وبعض المصادر تقول : والعوالي على ميلين ، أو ثلاثة من المدينة ، وأحسبه قال : أو أربعة (٣).

وفي بعضها : على ميلين أو ثلاثة (٤).

أو : على أربعة أميال ، أو ثلاثة (٥).

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٦٩ والسنن الكبرى ج ١ ص ٤٤٠ وتحفة الأحوذي ص ٤٩٣ و ٤٩٦ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٦١ ونيل الأوطار ج ١ ص ٣٩١ والمنتقى لابن تيمية ج ١ ص ٢١٠.

(٢) راجع : وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٦١.

(٣) سنن أبي داود ج ١ ص ١١١ ومختصر سنن أبي داود للمنذري ج ١ ص ٢٣٩ ومسند أحمد ج ٣ ص ١٦١ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٥٤٧ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٦١ والسنن الكبرى ج ١ ص ٤٤٠ وشرح معاني الآثار ج ١ ص ١٩٠ ونصب الراية ج ١ ص ٢٤٦.

(٤) عمدة القاري ج ٥ ص ٣٧ وشرح الموطأ للزرقاني ج ١ ص ٣٥ وفتح الباري ج ٢ ص ٢٣.

(٥) السنن الكبرى ج ١ ص ٤٤٠ وعمدة القاري ج ٥ ص ٣٧ عنه وصحيح البخاري ج ٤ ص ١٧٠ وفتح الباري ج ٢ ص ٢٣ ووفاء الوفاء ج ١٢٦١.

٣١٨

قال عياض : هذا حد أدناها ، وأبعدها ثمانية أميال ، وبه جزم ابن عبد البر ، وصاحب النهاية (١).

وفي العتيبة ، أو المدونة ، عن مالك : أقصى العالية ثلاثة أميال ، يعني من المسجد النبوي (٢).

قال عياض : كأنه أراد معظم عمارتها ، وإلا ، فأبعدها ثمانية أميال (٣) ، أو عشرة (٤).

أما السمهودي فقال : «طريق الجمع : إن أدنى العوالي من المدينة على ميل ، أو ميلين. وأقصاها عمارة على ثلاثة أو أربعة أميال ، وأقصاها مطلقا ثمانية أميال» (٥).

واعتبر البعض : أن أقرب العوالي ميلان ، وأبعدها ستة (٦).

وعند النووي والشوكاني : «العوالي هي القرى حول المدينة ، أبعدها على ثمانية أميال من المدينة ، وأقربها ميلان ، وبعضها ثلاثة أميال» (٧).

__________________

(١) إرشاد الساري ج ١ ص ٤٩٣.

(٢) راجع : وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٦١ وقال : وذكره ابن حزم أيضا ، ونقله الحافظ ابن حجر عن أبي عبيد ، وعمدة القاري ج ٥ ص ٣٧ وفتح الباري ج ٢ ص ٢٣.

(٣) إرشاد الساري ج ١ ص ٤٩٣ وعمدة القاري ج ٥ ص ٣٧ وفتح الباري ج ٢ ص ٢٣ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٦١.

(٤) شرح الموطأ للزرقاني ج ١ ص ٣٥.

(٥) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٦٢.

(٦) إرشاد الساري ج ١ ص ٤٩٣.

(٧) شرح النووي على صحيح مسلم ج ٥ ص ١٢٢ ونيل الأوطار ج ١ ص ٣٩١ وراجع : الإستذكار ج ١ ص ٣٤٤.

٣١٩

وقيل : أقرب العوالي من المدينة ميلان أو ثلاثة (١) ، ومنها ما يكون على ثمانية أميال أو عشرة (٢).

عذر أقبح من ذنب :

ومن الغريب والعجيب ـ وما عشت أراك الدهر عجبا ـ قول العسقلاني هنا :

«أما من احتج لمن أخر بأن الصلاة حينئذ كانت تؤخر كما في الخندق ، وكان ذلك قبل صلاة الخوف فليس بواضح ؛ لاحتمال أن يكون التأخير في الخندق كان عن نسيان ، وذلك بيّن في قوله «صلى الله عليه وآله» لعمر ، لما قال له : ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب ، فقال : والله ما صليتها ، لأنه لو كان ذاكرا لها لبادر إليها كما صنع عمر ، انتهى» (٣).

وهكذا ، فإن نتيجة كلام العسقلاني هي : أن عمر كان أذكر للصلاة من رسول الله «صلى الله عليه وآله»!! وأكثر اهتماما بشأنها. ولم ينسها عمر (رغم انشغاله الشديد بأمر الحرب في الخندق حتى لقد حقق أعظم الإنتصارات فيها!! وقتل أعظم فرسانها!! وهزم الأحزاب ، وفرق جمعهم

__________________

(١) الجوهر النقي (مطبوع بهامش سنن البيهقي) ج ١ ص ٤٤١ والتمهيد ج ٦ ص ١٧٨ وراجع : شرح الموطأ للزرقاني ج ١ ص ٣٥ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٦١ وقال : ذكره ابن حزم أيضا ونقله ابن حجر عن أبي عبيد.

(٢) التمهيد ج ٦ ص ١٧٨ وشرح الموطأ للزرقاني ج ١ ص ٣٥.

(٣) فتح الباري ج ٧ ص ٣١٦.

٣٢٠