الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-183-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

٢ ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد كان في بيت أم سلمة (١).

٣ ـ إنه «صلى الله عليه وآله» كان حينئذ في بيت فاطمة «عليها السلام» ، فقد قال الديار بكري : «وفي رواية في بيت فاطمة» (٢).

قال الزهري وعروة : «لما دخل النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة ، وجعلت فاطمة تغسل رأسه ، إذ قال له جبرئيل : رحمك ربك ، وضعت السلاح ، ولم يضعه أهل السماء؟ ما زلت أتبعهم حتى بلغت الروحاء» (٣).

وفي نص آخر : «فضربت فاطمة ابنته غسولا ، فهي تغسل رأسه إذ أتاه جبرئيل على بغلة ، معتجرا بعمامة بيضاء ، عليه قطيفة من استبرق ، معلق عليها الدر والياقوت ، عليه الغبار (٤) ثم يذكر سائر ما تقدم في النص السابق.

ويؤيد هذا القول الأخير : ما روي من أنه «صلى الله عليه وآله» كان إذا سافر كان آخر عهده ببيت فاطمة ، وإذا عاد من سفر ، فإن أول ما يبدأ به هو بيت فاطمة «عليها السلام» (٥).

__________________

(١) راجع : زاد المعاد لابن القيم ٢ ص ١١٩.

(٢) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٥١.

(٤) إعلام الورى (ط سنة ١٣٩٠ ه‍. ق) ص ٩٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٢ و ٢٧٣ عنه.

(٥) إحقاق الحق ج ١٠ ص ٢٢٩ و ٢٣٨ وج ١٩ ص ١٠٥ و ١٠٧ عن الإستيعاب ومصادر كثيرة أخرى ، ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٤٤٨ وج ٣ ص ١٥٥ و ١٥٦ وحلية الأولياء ج ٢ ص ٣٠ وج ٦ ص ١٢٣ ومقتل الحسين للخوارزمي ص ٦٣ و ٥٦ وذخائر العقبى ص ٣٧ والجامع الصغير ج ٢ ص ٢٩٤ وينابيع المودة ص ١٩٨ وإسعاف الراغبين (بهامش نور الأبصار) ص ١٨٩ و ١٩٠ ووفاء الوفاء ج ١

٢٨١

والمفروض : أن هذا الأمر قد كان فور عودته من حرب الخندق.

إلا أن يقال : إنه قد مرت فترة كبيرة تكفي لزيارة ابنته فاطمة ، ثم انتقاله إلى بيت إحدى زوجاته : أم سلمة ، أو زينب ، أو عائشة. وهذا ما دعانا إلى اعتبار ذلك القول مؤيدا لا دليلا ..

ونأمل أن لا يخفى على القارئ الكريم : أنه قد كان ثمة من يهتم بالتركيز على نقل خصوص ما يرتبط بعائشة ، خصوصا إذا دخلت روايتها ، أو روايتهم سيرة ابن إسحاق ، أو ابن عقبة ، أو الواقدي ، أو الصحيحين ، ثم يأتي الآخرون ، ويقتصرون على نقل ما يجدونه في هذه الكتب ، التي تهتم بمنقولات عائشة ، وابن أختها عروة بن الزبير ، وأضرابهما.

فيخيل ـ بعد هذا ـ للناظر في كتب التاريخ : أن القضية من المسلمات التاريخية ، وأن ما عداها شاذ ، لا يلتفت إليه.

وهذا الأمر : ينسحب على كثير من القضايا التي حفلت بها كتب التاريخ ، وتناقلتها على أوسع نطاق. فإذا راجعت وقارنت ، وتتبعت المصادر ، فستجد أنها تنتهي إلى مصدر واحد تقريبا في أكثر الأحيان.

__________________

ص ٣٣١ وأعلام النساء ج ٣ ص ١٢١٧ وسنن البيهقي ج ١ ص ٢٦ ونظم درر السمطين ص ١٧٧ وتلخيص المستدرك للذهبي ج ٣ ص ١٥٦ وكشف الغمة للشعراني ج ١ ص ١٤٥ ومسند أحمد ج ٥ ص ٢٧٥ ومختصر سنن أبي داود ج ٦ ص ١٠٨ وأهل البيت لتوفيق أبي علم ص ١٢٠. وعن مصادر كثيرة أخرى فلتراجع. وراجع : عوالم العلوم ج ١١ ص ٣١٣ والبحار ج ٤٣ ص ٨٣ وج ٨٨ ص ٩٣.

٢٨٢

غارات واستلاب :

ونلاحظ هنا : أن سياسة القرصنة ، وسرقة المواقف ، واقتناص الفضائل ، كانت هي المهيمنة على ذهنيات ذلك الفريق ، الذي يريد أن يصنع لنفسه ولفريقه تاريخا ، ولو بقيمة أن يفرغ التاريخ الحقيقي من محتواه ، وأن يقلب الكثير من الأمور رأسا على عقب ، لتصب في اتجاه خاص به ، رسمه لنفسه ، فباع واشترى ، واستولى واستلب ، ووهب حسبما رآه ضروريا ومناسبا لذلك الاتجاه.

وهذا الكتاب قد حفل بنماذج كثيرة لهذا الاتجاه يصعب إحصاؤها ، وما فاته مما لم يدخل في نطاق اهتماماته لأكثر من سبب ، أكثر من ذلك بأضعاف كثيرة.

وقد نشير إن شاء الله في أواخر هذا الكتاب إلى بعض النماذج التي تتناسب مع ما أشرنا إليه في عنوان هذه الفقرة ، التي نحن بصدد استكمال الحديث فيها ، وهو : أن النبي «صلى الله عليه وآله» الذي دفن في بيت فاطمة «عليها السلام» قد نقلته رواياتهم إلى بيت عائشة ، ودفنته هناك.

كما أن السيدة خديجة التي تزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» بكرا لا يتجاوز عمرها الخمس وعشرين سنة ، قد جعلتها رواياتهم زوجة لأكثر من أعرابي ، ونسبوا لها بنات زعموا أنها ولدتهن.

ثم إنهم عمدوا إلى عائشة ، التي كانت كبيرة السن وقد تزوجت قبل النبي «صلى الله عليه وآله» وولدت ولدا اسمه عبد الله ، فجعلتها رواياتهم بكرا تزوجها النبي «صلى الله عليه وآله» في عمر الست سنين.

وفي مورد ثالث : قلبت رواياتهم الإفك الذي كان على ماريا ونزلت في تبرئتها آيات مباركات ، ليصبح هذا الإفك على عائشة ، وتصبح الآيات

٢٨٣

نازلة في حقها.

وعلى هذه فقس ما سواها.

وسيأتي الملحق الذي أشرنا إليه عقيب هذا الفصل فانتظر.

المسلمون يرون جبرئيل؟!

ويقول المؤرخون : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» خرج إلى بني قريظة فلما بلغ الصورين (١) (هو موضع قرب المدينة) قال : هل مر بكم أحد.

قالوا : نعم ، مر بنا دحية الكلبي على بغلة بيضاء.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : ذاك جبرئيل (٢).

وفي نص آخر : خرج «صلى الله عليه وآله» فمر على مجلس من مجالس الأنصار في بني غنم ، ينتظرون رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال لهم : هل مر بكم الفارس آنفا؟ ثم أخبرهم أنه جبرئيل وليس دحية.

زاد في نص آخر قوله : أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ، ويقذف في قلوبهم الرعب (٣).

__________________

(١) قال الشامي : الصوران : اسم للنخل المجتمع الصغار. موضع في أقصى بقيع الغرقد مما يلي بني قريظة. سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨.

(٢) الثقات ج ١ ص ٢٧٤ وراجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٥ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٩. وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٧.

(٣) راجع : دلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٤ و ٩ و ١١ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥١ والبحار ج ٢٠ ص ٢١٠ عنه ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ـ

٢٨٤

بل جاء في بعض الروايات ما يلي : «وتخلف النبي «صلى الله عليه وآله» ، ثم لحقهم ، فجعل كلما مر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأحد ، فقال : هل مر بكم الفارس؟!.

فقالوا : مر بنا دحية بن خليفة ، وكان جبرئيل يشبه به» (١).

ويقول نص آخر : «فخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» فاستقبله حارثة بن نعمان.

فقال له : ما الخبر يا حارثة؟

قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، هذا دحية الكلبي ينادي في الناس : ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة.

فقال : ذاك جبرئيل» (٢).

غير أن نصا آخر يذكر : أنه «صلى الله عليه وآله» مر بنفر من بني النجار بالصورين ، فيهم حارثة بن النعمان ، قد صفوا عليهم السلاح ، فقال : هل مر بكم أحد؟!

قالوا : نعم ، دحية الكلبي ..

إلى أن قال : فأمرنا بلبس السلاح ، فأخذنا سلاحنا وصففنا.

__________________

ص ٢٥١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٨ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٧٠ والسيرة الحلبية ٢ ص ٣٣٢ وراجع : مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٧ والإكتفاء ج ٢ ص ١٧٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٧ و ٢٢٦ و ٢٢٧ و ٢٢٨ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(١) تفسير فرات (ط سنة ١٤٦٠ ه‍. ق) ١٧٤ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦٦ عنه.

(٢) تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٩ و ١٩٠ والبحار ج ٢٠ ص ٢٣٣ و ٢٣٤.

٢٨٥

وقال لنا : هذا رسول الله يطلع عليكم الآن.

قال حارثة بن النعمان : فكنا صفين.

فقال لنا رسول الله : ذلك جبريل «بعث إلى بني قريظة ليزلزل بهم حصونهم ، ويقذف الرعب في قلوبهم».

فكان حارثة بن النعمان يقول : رأيت جبريل من الدهر مرتين : يوم الصورين ، ويوم موضع الجنائز ، حين رجعنا من حنين (١).

ونقول :

إن الروايات المتقدمة تفيد : أن الكثير من المسلمين خصوصا من بني النجار وكذلك حارثة بن النعمان قد رأوا جبريل ، إما وهو ينادي في الناس ، يأمرهم بالمسير إلى بني قريظة ، أو حينما مرّ على مجالسهم ، وطلب منهم أن يلبسوا السلاح لأجل ذلك.

قال ابن حزم : «رأى قوم من المسلمين يومئذ جبرئيل في صورة دحية الكلبي ، على بغلة عليها قطيفة ، ثم مر عليهم دحية» (٢).

مع أنهم يروون : أن من يرى جبرئيل يصاب بالعمى ، إذا لم يكن نبيّا.

ونذكر من هذه الروايات ما يلي :

١ ـ روي : أنه رأى ابن عباس رجلا مع النبي «صلى الله عليه وآله» ،

__________________

(١) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩٨ و ٤٩٩ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٨ و ٩ و ١١ ولم يذكر قول حارثة الأخير ، وكذا في المصادر التالية : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٣.

(٢) جوامع السيرة النبوية ص ١٥٢ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٣.

٢٨٦

فلم يعرفه ، فسأل النبي «صلى الله عليه وآله» عنه.

فقال له النبي «صلى الله عليه وآله» : رأيته؟!

قال : نعم.

قال : ذلك جبرئيل. أما إنك ستفقد بصرك. فعمي بعد ذلك في آخر عمره (١).

٢ ـ وروي أيضا : أن ابن عباس جاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله» وعنده رجل ، قال : فقمت خلفه. فلما قام الرجل التفت إلي ، فقال : يا حبيبي ، متى جئت؟.

قلت : منذ ساعة.

قال : منذ ساعة؟!

قال : فرأيت عندي أحدا؟!

قلت : نعم ، الرجل.

قال : ذاك جبرئيل. أما إنه ما رآه أحد إلا ذهب بصره ، إلا أن يكون نبيا. وأنا أسأل الله أن يجعل ذلك في آخر عمرك. اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل ، واجعله من أهل الإيمان (٢).

٣ ـ وروي : أن ابن عباس قال في عماه بسبب رؤية جبرئيل ، وإخبار النبي «صلى الله عليه وآله» له بذلك :

إن يأخذ الله من عينيّ نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نور

__________________

(١) الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٣٥٦ وقاموس الرجال ج ٦ ص ٥٠ عنه وراجع : المعجم الكبير ١٠ ص ٢٩٢ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٧٦ عنه وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٤٠ ومختصر تاريخ دمشق ج ١٢ ص ٢٩٩.

(٢) تاريخ بغداد ج ١٤ ص ٤٣٥ وقاموس الرجال ج ٦ ص ٥٠ عنه.

٢٨٧

قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل

وفي فمي صارم كالسيف مأثور (١)

٤ ـ وفي رواية أخرى : أن العباس أرسل ولده عبد الله إلى النبي «صلى الله عليه وآله» في حاجة ، فوجد عنده رجلا ، فرجع ولم يكلمه ، فلقي العباس رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد ذلك ، فذكر ذلك له : فقال «صلى الله عليه وآله» : يا عم ، تدري من ذاك الرجل؟!

قال : لا.

قال : ذاك جبريل لقيني. لن يموت ولدك حتى يذهب بصره ، ويؤتى علما (٢).

توضيح لا بد منه :

إننا أردنا بما تقدم : تسجيل تحفظ على ما يذكرونه من رؤية الناس لجبرئيل .. لكن هذا التحفظ لا يعني أن يكون جبرئيل لم يقم بأي عمل في غزوة بني قريظة ، إذ من الجائز أن يكون «عليه السلام» قد نادى في الناس ، وسمعوا صوته ، ويكون النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي أخبرهم بأن هذا هو صوت جبرئيل ، وذلك كما حصل في أحد حين نادى :

لا فتى إلا علي

لا سيف إلا ذو الفقار

جبرئيل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وآله :

ومهما يكن من أمر : فإن جبرئيل «عليه السلام» قال للنبي «صلى الله

__________________

(١) الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٣٥٦ وقاموس الرجال ج ٦ ص ٥٠ عنه.

(٢) سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٤٠ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٧٧ وقال : رواه الطبراني بأسانيد ورجاله ثقات.

٢٨٨

عليه وآله» عن الأحزاب : ما زلت أتبعهم حتى بلغت الروحاء (١).

أو قال له : لقد طردناهم إلى حمراء الأسد (٢).

ثم أمره بالمسير إلى بني قريظة ، وفي بعض النصوص أنه قال له : إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة ، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم (٣).

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٥١ وإعلام الورى ص ٩٣ (ط سنة ١٣٩٠) والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٢ ـ ٢٧٣ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٢.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩٧ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤١ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤ و ٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٢ وتفسير فرات (ط سنة ١٤١٠ ه‍. ق) ص ١٧٤ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦٦.

(٣) سيرة مغلطاي ص ٥٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٤ و ٢٢٨ و ٢٣٥ و ٢٣٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٦ وراجع : ص ١٢٣ والوفا ص ٦٩٤.

وراجع : مرآة الجنان ج ١ ص ١٠ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣١ ـ ٣٣٣ والإكتفاء ج ٢ ص ١٧٦ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٥ ومسند أحمد ج ٦ ص ١٤١ و ١٤٢ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٨٧ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٥ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٦ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٥ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٥ و ٣٠٦ وحدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٤ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٨ وصحيح البخاري ج ٣ ص ٢٢ و ٢٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤١ و ٢٤٢ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٤ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٨ و ٩ و ١٠.

٢٨٩

وفي نص آخر أنه قال : والله لأدقنهم دق البيضة على الصخرة (١).

أو قال له : «اخرج وقد أمرت بقتالهم ، وإني غاد بمن معي فنزلزل بهم حصونهم حتى تلحقونا ، فأعطى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» الراية ، وخرج في إثر جبرئيل ، وتخلف النبي «صلى الله عليه وآله» ، ثم لحقهم ، فجعل كلما مر الخ ..» (٢).

ويقول نص آخر : فجاء جبرئيل ومن معه من الملائكة ، فقال : يا رسول الله ، انهض إلى بني قريظة ، فقال : إن في أصحابي جهدا (فلو أنظرتهم أياما).

قال : إنهض إليهم ، لأدخلن فرسي هذا عليهم في حصونهم ، ثم لأضعضعنهم (٣).

قال : فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار (٤) وهم جيران المسجد (٥).

__________________

(١) إعلام الورى ص ٩٣ (ط سنة ١٣٩٠ ه‍. ق) والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٢ و ٢٧٣.

(٢) تفسير فرات (ط سنة ١٤١٠ ه‍. ق) ص ١٧٤ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦٦ عنه.

(٣) راجع : طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٧ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٨ و ٩ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣.

(٤) راجع المصادر المتقدمة في الهامش السابق ، وراجع : صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٢ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٥٦ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٢ وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٦ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٤٣٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٧ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٤.

(٥) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٧ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٣.

٢٩٠

وفي نص آخر : أن جبرئيل «عليه السلام» قال للنبي «صلى الله عليه وآله» : إني قد قلعت أوتادهم ، وفتحت أبوابهم ، وتركتهم في زلزال وبلبال (١).

النبي صلى الله عليه وآله يندب الناس إلى بني قريظة :

قال الطبرسي : فدعا رسول الله «صلى الله عليه وآله» عليا ، فقال : قدم راية المهاجرين إلى بني قريظة ..

فقام علي «عليه السلام» ، ومعه المهاجرون ، وبنو عبد الأشهل ، وبنو النجار كلها ، لم يتخلف عنه منهم أحد. وجعل النبي «صلى الله عليه وآله» يسرب إليه الرجال ، فما صلى العصر إلا بعد العشاء (٢).

وعند ابن شهر آشوب : «قدم عليا «عليه السلام» وقال : سر على بركة الله ، فإن الله قد وعدكم أرضهم وديارهم. ومعه المهاجرون ، وبنو النجار ، وبنو الأشهل ، وجعل يسرب إليه الرجال.

فلما رأواه قالوا : أقبل إليكم قاتل عمرو. فقال علي «عليه السلام» : الحمد لله الذي أظهر الإسلام ، وقمع الشرك» (٣).

وعن عائشة : أنه «صلى الله عليه وآله» بعث بلالا ، فأذن في الناس : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يأمركم أن لا تصلوا العصر إلا ببني قريظة.

ولبس رسول الله «صلى الله عليه وآله» السلاح ، والمغفر ، والدرع ،

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣.

(٢) إعلام الورى (ط سنة ١٣٩٠ ه‍. ق) ص ٩٣ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٧٢ و ٢٧٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢.

(٣) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٥١.

٢٩١

والبيضة ، وأخذ قناة بيده ، وتقلد الترس ، وركب فرسه (اللحيف) ، وحف به أصحابه ، وتلبسوا السلاح ، وركبوا الخيل (١).

وفي نص آخر يقول : لبس «صلى الله عليه وآله» لامته ، وبيضته ، وشد السيف في وسطه ، وألقى الترس من وراء كتفه ، وأخذ رمحه ، وركب فرسه ، واسمه لحيف ، واجتنب فرسين (٢).

ولم يتخلف عنه من المهاجرين أحد ، وأفاء عامة الأنصار (٣).

واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم (٤) أو أبا رهم الغفاري ، كلثوم بن

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩٧ و ٤٩٨ و ٤٩٩. وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٨ ـ ١١ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤١ و ٢٤٢ وراجع أيضا : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٢ و ٣٣٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٢.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢.

(٤) الوفا ص ٦٩٥ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ص ٣١ ونور اليقين ص ١٦٦ وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٥ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٨ عنه وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٦ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٧ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٥ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٨٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٣.

٢٩٢

الحصين (١).

ونحن نشير هنا إلى الأمور التالية :

الأول : قدّم راية المهاجرين :

تقدم أن النص المنقول عن الطبرسي يقول : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قال لعلي «عليه السلام» : قدم راية المهاجرين إلى بني قريظة. فقام علي «عليه السلام» ومعه المهاجرون وبنو عبد الأشهل ، وبنو النجار كلها ، الخ .. وأن عامة الأنصار كانوا معه أيضا.

ونحن نشير هنا إلى ما يلي :

ألف : قد يدور بخلد البعض أن هذا النص يهدف إلى الإيحاء بأن عليا كان في هذه الغزوة يحمل راية المهاجرين فقط ، لا راية الجيش كله ..

ونقول :

إن هذا لا يمنع من أن يكون لواء الجيش كله ورايته مع علي ، بالإضافة إلى راية المهاجرين التي أعطاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» إياها أولا ..

ومما يؤكد ذلك : أن نفس الطبرسي قد صرح بأن الذين قاموا مع علي حين أعطاه راية المهاجرين هم المهاجرون ، وبنو عبد الأشهل ، وبنو النجار كلها ، وجعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» يسرب ..

وسيأتي ما يؤكد : أن راية الجيش ولواءه كان في بني قريظة مع علي «عليه السلام».

__________________

(١) التنبيه والإشراف ص ٢١٧.

٢٩٣

ولعل سر تصريح النبي «صلى الله عليه وآله» في بادئ الأمر براية المهاجرين .. ثم ألحقها «صلى الله عليه وآله» براية الجيش كله هو ما يلي :

١ ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد أراد أن يفهم بني قريظة : أنهم إذا كانوا قد نقضوا عهده من أجل أن ينصروا أهل مكة في صراعهم معه ، فإن هؤلاء أيضا من أهل مكة ، وقد جاؤوا لحربهم وقتالهم ، وعلى رأسهم ابن شيخ الأبطح علي بن أبي طالب «عليه السلام».

٢ ـ إنه إذا كان فريق من قبيلة الأوس يشعر بأن لبني قريظة معه علاقة من نوع ما ، ولا بد من التعامل على أساس حفظ هذه العلاقة ، وحفظ ما يترتب عليها من التزامات ، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» سوف لن يواجههم بما يعتبرونه تفريطا بالتزاماتهم تلك ، أو عدم احترام لها ، أو قلة وفاء بها ، إلا بعد أن تتكون لديهم هم أنفسهم القناعة الكاملة ، بما يريد لهم أن يلتزموا بموقف محدد تجاهه.

ولا نبعد كثيرا إذا قلنا : إن هذا قد كان من أسباب بدئه بالمهاجرين في هذه الغزوة بإعطاء رايتهم لعلي «عليه السلام» ، كما أنه كان أيضا من أسباب تقديم النبي «صلى الله عليه وآله» أهل بيته في الحروب ، بالإضافة إلى أسباب أخرى ليس هنا محل التعرض لها.

كما أن هذا بالذات هو سبب إرسال سرايا المهاجرين في بداية الهجرة. حتى اقتنع الأنصار بأن مشاركتهم الحربية ليس فيها أي مساس بالتزاماتهم ، ولا بما عقدوه مع الآخرين من عهود وعقود ، كما أنه يعتبر من صميم التزاماتهم تجاه الإسلام ونبي الإسلام.

ب : قد تقدم مبادرة بني عبد الأشهل ، وبني النجار كلهم ، ثم لحوق

٢٩٤

عامة الأنصار بهم ، حيث كان النبي «صلى الله عليه وآله» يسربهم إلى علي «عليه السلام». وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على مزيد من الوعي ، والإخلاص ، والإحساس بالمسؤولية لدى الأنصار بصورة عامة.

الثاني : حمراء الأسد أو الروحاء :

وقد ذكرت بعض النصوص المتقدمة أيضا : أن جبرئيل «عليه السلام» قال للنبي «صلى الله عليه وآله» : ما زلت أتبعهم حتى بلغت الروحاء (١).

ونحن نشك في صحة ذلك : لأن جبرئيل قد جاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ظهر اليوم الذي فر المشركون في ليلته ، أو بعد الظهر بقليل. أي بعد فرار المشركين بنصف يوم أو أكثر بقليل ، ولا يمكن للمشركين أن يقطعوا المسافة التي بين المدينة وبين الروحاء بهذه المدة القصيرة.

وذلك لأن الروحاء كانت على بعد ليلتين من المدينة (٢) ، بينهما أحد وأربعون أو اثنان وأربعون ميلا (٣).

وقيل : ستة وثلاثون (٤).

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٥١ وإعلام الورى (ط سنة ١٣٩٠ ه‍) ص ٩٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٢ و ٢٧٣.

(٢) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٢٢.

(٣) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٢٢.

(٤) راجع : معجم البلدان ج ٣ ص ٨٧ وفيه : يوما ، وهو خطأ ، والصحيح ميلا.

ومراصد الإطلاع ج ٢ ص ٦٣٧ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٢٢ وعن صحيح البخاري كتاب البيوع ، باب ١١١ وعن صحيح مسلم كتاب الصلاة ح ١٥.

٢٩٥

وقيل : نحو أربعين (١).

وقيل : ثلاثون (٢).

وقيل : أربعة برد (٣).

فالصحيح هو تلك الرواية التي تقول : إن الملائكة طردت المشركين حتى بلغوا حمراء الأسد (٤) ، التي تبعد عن المدينة ثمانية أميال (٥).

الثالث : على حمار ، أم على فرس؟!

قد ذكر فيما سبق : أنه «صلى الله عليه وآله» ركب فرسه ، وكان له «صلى الله عليه وآله» ثلاثة أفراس كانت معه.

مع أنه قد روي عن أبي رافع : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» غدا إلى بني قريظة على حمار عري ، يقال له : يعفور.

زاد في بعض المصادر قوله : والناس حوله.

__________________

(١) مراصد الإطلاع ج ٢ ص ٦٣٧ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٢٢ ومعجم البلدان ج ٣ ص ٨٧ (ط دار الكتب العلمية) وفيه : يوما وهو خطأ ، والصحيح : ميلا.

(٢) المصادر المتقدمة.

(٣) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٢٢.

(٤) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩٧ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٩ وتفسير فرات (ط سنة ١٤١٠ ه‍. ق) ص ١٧٤ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٦٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٤.

(٥) معجم البلدان ج ٢ ص ٣٤٦ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٩٦ ومراصد الإطلاع ج ١ ص ٤٢٤.

٢٩٦

وعند ابن سعد : والناس يمشون (١).

وفي شمائل الترمذي : كان «صلى الله عليه وآله» يوم قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه إكاف ليف (٢).

وقال اليعقوبي : وركب حمارا له (٣).

الرابع : من الذي نادى في الناس : علي أم بلال؟!

وذكر نص آخر ، ذكرناه فيما تقدم أيضا : أن النبي «صلى الله عليه وآله» بعث بلالا ، فأذن في الناس أن لا يصلي أحد منهم العصر إلا في بني قريظة.

بينما نجد نصا آخر يقول : إن قتادة بن النعمان أخبر النبي «صلى الله عليه وآله» أن دحية ينادي في الناس : ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة.

فقال «صلى الله عليه وآله» : ذاك جبرئيل ، ادع لي عليا.

فجاء علي ، فقال له : ناد في الناس ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة. فجاء أمير المؤمنين «عليه السلام» ، فنادى فيهم ، فخرج الناس ، فبادروا إلى بني قريظة.

وخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وعلي بن أبي طالب بين يديه

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٤١ عن الطبراني في الأوسط ، وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١١ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٦ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٣.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٣.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٢.

٢٩٧

مع الراية العظمى الخ .. (١).

وإذا كنا نعلم : أن السياسة كانت تتجه إلى إعطاء كل الأدوار إلى الآخرين وتجاهل ، بل وتزوير التاريخ ، لإبعاد علي «عليه السلام» عن الواجهة إلى درجة تجعل البعض يتخيل أنه لم يكن قد ولد بعد.

فإننا ندرك السبب : في أنهم يذكرون نصف هذا النص ويرددونه في كتبهم وصحاحهم ، ويتجاهلون النصف الآخر ، إلى درجة التجرؤ على استبدال علي «عليه السلام» ببلال. كما تقدم.

فاقرأ واعجب ، فما عشت أراك الدهر عجبا.

الخامس : رواية لا تصح :

وعن الزهري ، عن ابن المسيب ، بعد أن تحدث عن هزيمة الأحزاب ، قال : «فندب النبي «صلى الله عليه وآله» أصحابه في طلبهم. فطلبوهم حتى بلغوا حمراء الأسد ، قال : فرجعوا ، قال : فوضع النبي «صلى الله عليه وآله» لامته ، واغتسل ، واستجمر ، فنادى النبي «صلى الله عليه وآله» جبرئيل : عذيرك من محارب ، ألا أراك قد وضعت اللامة ، ولم نضعها نحن!!

فقام النبي «صلى الله عليه وآله» فزعا ، فقال لأصحابه : عزمت عليكم ألا تصلّوا العصر حتى تأتوا بني قريظة ، فغربت الشمس قبل أن يأتوها الخ ..» (٢).

ونقول :

__________________

(١) تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٩ و ١٩٠ والبحار ج ٢٠ ص ٢٣٣ و ٢٣٤.

(٢) المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٦٩ وراجع : دلائل النبوة لأبي نعيم ص ٤٣٨ وأشار إليه في مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٤٠ عن الطبراني.

٢٩٨

أولا : لا ندري لماذا قام النبي «صلى الله عليه وآله» فزعا. مع أن المقام مقام طمأنينة مع وجود العنايات الربانية ، والتسديد والتوجيه الإلهي ، الذي يظهر جليا بمشاركة جبرئيل والملائكة في هذه الحرب؟!.

إلا أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد خشي من أن يكون قد ارتكب شيئا من التقصير في مطاردة أعداء الله ، والقضاء على مصدر الشر والانحراف وحاشاه أن يقصر!!

ثانيا : إن معظم المسلمين حين جلاء الأحزاب قد تنفسوا الصعداء ، وبادروا إلى التوجه نحو المدينة ، مخالفين بذلك أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله». كما قدمناه سابقا.

فما معنى القول : إنهم طلبوهم حتى بلغوا حمراء الأسد؟!

ثالثا : قد تقدم آنفا : أن جبرئيل والملائكة «عليهم السلام» هم الذين طاردوا المشركين إلى حمراء الأسد والروحاء (١). ولعل الأمر قد اشتبه على ابن المسيب بين غزوة الأحزاب وغزوة أحد ، فإن المسلمين إنما طاردوا المشركين إلى حمراء الأسد في غزوة أحد لا الأحزاب.

السادس : لماذا لم يعنف صلى الله عليه وآله تاركي الصلاة؟ :

قد ذكرت الروايات المتقدمة : أن المسلمين اجتمعوا عند النبي «صلى الله عليه وآله» عشاء ، فمنهم من لم يصل حتى جاء بني قريظة ، ومنهم من قد صلى ، فذكروا ذلك لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فما عاب أحدا

__________________

(١) راجع الهوامش التي تقدمت تحت عنوان : جبرئيل والنبي ، وتحت عنوان : في بيت عائشة أم في بيت فاطمة؟! ، وتحت عنوان : حمراء الأسد أو الروحاء؟!

٢٩٩

منهم ، وفي بعض النصوص : أن صلاة العصر حانت وهم في الطريق فذكروا الصلاة ، فاحتج الذين لم يصلوا بقول النبي «صلى الله عليه وآله» لهم : لا يصلين أحد العصر ، أو الظهر إلا في بني قريظة (١).

وقد اختلفت الكلمات في توجيه ذلك ، ونحن نجمل أولا ما ذكروا ، ثم نشير إلى بعض النقاط التي تفيد في تأييد أو تفنيد ذلك ، فنقول :

١ ـ قد ذكر البعض : أن عدم تعنيفه «صلى الله عليه وآله» لأولئك الذين تركوا صلاة العصر إنما هو لأنهم أدركوا أن قيام الدولة الإسلامية ، والعمل له ألزم من الصلاة ، مع ما لها من مكانة في الإسلام ، لأنها إن

__________________

(١) راجع فيما تقدم : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٠٠ وجوامع السيرة النبوية ص ١٥٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٥ و ١١٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٤٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٥ وص ٢٤٦ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٧٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٣ و ١٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٦ و ٢٤٥ وصحيح البخاري ج ٣ ص ٢٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٤ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥١ والبحار ج ٢٠ ص ٢١٠ عنه ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٧ و ١١٩ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٨١ وحدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٤ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٧٠ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٤٠ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٢ و ٢٧٣ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٤ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٥٣ و ٢٥٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٨ و ١٠ و ٣٣ ـ ٣٥ ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ١٧٣ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٦ ـ ٨ و ١٢ والإكتفاء ج ٢ ص ١٧٧ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٨٧ والثقات ج ١ ص ٢٧٤ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٩ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٤.

٣٠٠