الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-183-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

حذيفة ، لا تحدثن في شيء حتى تأتيني.

وفي رواية : أنه «صلى الله عليه وآله» قال له : أئت قريشا ، فقل : يا معشر قريش ، إنما يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا : أين قريش؟ أين قادة الناس؟ أين رؤوس الناس؟ فيقدموكم ، فتصلوا القتال ، فيكون القتل فيكم.

ثم ائت بني كنانة ، فقل : «وعلمه ما يشبه الكلام السابق لقريش ، وكذا الحال بالنسبة لقيس».

فذهب حذيفة فلما دنا منهم رأى أدهم ضخما عند نار توقد ، وحوله عصبة ، وقد تفرق الأحزاب عنه ، وهو يقول : الرحيل الرحيل.

ولم يكن حذيفة يعرف أبا سفيان قبل ذلك ، فانتزع سهما ليرميه. فذكر وصية النبي «صلى الله عليه وآله» له ، فأمسك.

قال : فلما جلست فيهم أحس أبو سفيان أنه قد دخل فيهم غيرهم ، فقال : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه. فضربت بيدي على يد الذي عن يمني ، فأخذت بيده ، فقلت : من أنت؟!

قال : معاوية بن أبي سفيان. ثم ضربت بيدي على يد الذي عن شمالي ، فقلت : من أنت؟

قال : عمرو بن العاص.

وفي نص آخر : سهيل بن عمرو.

وفي آخر : سبحان الله أما تعرفني؟! أنا فلان بن فلان ، فإذا رجل من هوازن.

وعند الراوندي : خالد بن الوليد. فعلت ذلك خشية أن يفطن بي ،

٢٢١

فبدرتهم بالمسألة.

ثم تلبثت فيهم هنيهة ، وأتيت بني كنانة وقيسا ، وقلت ما أمرني به رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ثم دخلت في العسكر ، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر. ونادى عامر بن علقمة : يا بني عامر ، إن الريح قاتلي وأنا على ظهر ، وأخذتهم ريح شديدة. وصاح بأصحابه.

فلما رأى ذلك أصحابه جعلوا يقولون : يا بني عامر ، الرحيل الرحيل ، لا مقام لكم.

وإذا الريح في عسكر المشركين ما تجاوز عسكرهم شبرا ، فو الله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم ، وفرشهم ، والريح تضربها ، فلما دنا الصبح نادوا أين قريش؟ أين رؤوس الناس؟.

فقالوا : أيهات ، هذا الذي أتينا به البارحة.

فقالوا : أين كنانة؟.

فقالوا : أيهات هذا الذي أتينا به البارحة.

أين قيس؟ أين أحلاس الخيل؟.

فقالوا : أيهات ، هذا الذي أتينا به البارحة.

فلما رأى ذلك أبو سفيان ، أمرهم بأن يتحملوا ، فتحملوا ، وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم. حتى رأيت أبا سفيان وثب على جمل له معقول فجعل يستحثه ولا يستطيع أن يقوم حتى حل بعد.

فعاد إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فلما انتصف به الطريق التقى بعشرين فارسا ، أو بفارسين فقط ، فقالا : أخبر صاحبك : أن الله تعالى كفاه

٢٢٢

القوم بالجنود والريح.

فرجع إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فوجده يصلي ، وعاد إليه البرد والقر ، فسدل عليه فضل شملته فنام ، ثم أخبره : أنه تركهم يرحلون.

وذكر ابن سعد : أن عمرو بن العاص وخالد بن الواليد أقاما في ماءتي فارس ساقة للعسكر ، وردءا لهم ، مخافة الطلب (١).

نص آخر لقضية حذيفة :

إننا نذكر نصا مختصرا آخر لقضية حذيفة ، ثم نحيل القارئ إلى المصادر التي ذكرت هذه القضية بتفصيل أو بإجمال ليراجعها من أراد الاستقصاء والمقارنة.

فنقول :

بعد أن ذكر المؤرخون ما قام به نعيم بن مسعود من كيد بين قريظة ، وقريش وغطفان ـ وإن كنا نحن قد سجلنا فيما سبق تحفظات قوية عليه ـ قالوا :

«وتخاذل القوم ، واتهم بعضهم بعضا ، وذلك في زمن شات ، وليال باردة كثيرة الرياح ، تطرح أبنيتهم ، وتكفأ قدورهم. وضاق ذرع القوم ، وبلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» اختلاف القوم ، وما هم فيه من

__________________

(١) راجع هذا النص الذي حاولنا تلخيصه في : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٤٧ ـ ٥٤٩ عن الحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي ، وأبي نعيم في دلائلهما ، ومسلم ، وابن عساكر ، وابن إسحاق ، وستأتي بقية المصادر في الهامش الذي بعد التالي ، وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٨٢ و ٢٨٣.

٢٢٣

الجهد ، فدعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم ، لينظر ما فعل القوم ليلا.

قال حذيفة : فذهبت فرأيت من الرياح أمرا هائلا ، لا يقر لهم نارا ولا بناء.

فقام أبو سفيان بن حرب ، فقال : يا معشر قريش ، لينظر امرؤ جليسه.

قال : فبادرت وأخذت بيد الرجل الذي إلى جانبي ، فقلت : من أنت؟!

قال : أنا فلان بن فلان.

ثم قال أبو سفيان : إنكم يا قوم ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم ما نكره ، ولقينا من الجهد والشدة ، وهذه الريح ما ترون ، فارتحلوا ، فإني مرتحل (١).

ثم قام إلى جمله ، وقام الناس معه.

في نص آخر : «قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ، ثم ضربه فوثب على ثلاث قوائم».

وسمعت غطفان بما فعلت قريش ، فانصرفوا إلى بلادهم.

وتفرق ذلك الجمع من غير قتال ، إلا ما كان من عدة يسيرة ، اتفقوا على الهجوم الخ ..

ثم ذكر قتل علي «عليه السلام» لعمرو ... ثم قال : وانتقض ذلك الجمع والتدبير كله (٢).

__________________

(١) وفي نص آخر أنه قال : «إن كنا نقاتل أهل الأرض فنحن بالقدرة عليه ، وإن كنا نقاتل أهل السماء كما يقول محمد ، فلا طاقة لنا بأهل السماء الخ ..» الخرائج والجرائح ص ١٥٧ والبحار ج ٢ ص ٢٤٨ عنه.

(٢) تجارب الأمم ج ٢ ص ١٥٢ و ١٥٣. وحديث حذيفة هذا موجود بإيجاز أو بتفصيل في المصادر التالية : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٩ والكامل في التاريخ ج ٢ ـ

٢٢٤

وذكرت المصادر : أنه «صلى الله عليه وآله» نادى حذيفة مرتين ، فلم يجبه ، وأجابه في الثالثة.

فقال له : تسمع صوتي ولا تجيبني؟! فاعتذر عن عدم إجابته بالخوف والبرد والجوع (١).

__________________

ص ١٨٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٣ ـ ١٥٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢١٧ ـ ٢٢١ وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص ١٠١ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٥ و ٦٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٣ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٤ و ٣٤٥ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧٧ و ١٧٨ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٨٩ و ٤٩٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩١ و ٤٩٢ والوفاء ج ٢ ص ٦٩٤ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٤٣٣ ـ ٤٣٥ وتهذيب سيرة ابن هشام ص ١٩٥ ـ ١٩٧ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٠٨ و ٢٠٩ و ٢٦٨ و ٢٣٠ و ٢٣١ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٤٩ ـ ٤٥٥ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٠٧ و ٣٠٨ و ٣١٢ والكافي ج ٨ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ وتفسيره وصححاه ، وصحيح مسلم ، كتاب الجهاد باب غزوة الأحزاب ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٦ ـ ٣٢٨ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٤٣ و ٢٤٩ و ٢٥٠ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٠ ـ ١٢ وبهجة المحافل وشرحه ج ١ ص ٢٧٠ و ٢٧١ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٣ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٧٤ و ١٧٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٤٨ و ١٤٩ وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٨٥.

(١) راجع : تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٧ والبحار ج ٢٠ ص ٢٣٠ والخرايج والجرائح ج ١ ص ١٥٧ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٢٦ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٨٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٠ و ١١ ولم تصرح المصادر الثلاثة الأخيرة بأنه «صلى الله عليه وآله» ناداه باسمه ثلاث مرات ، وكذا في المصادر ـ

٢٢٥

وثمة نص آخر يقول : إنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يبعث رجلا من أصحابه يعبر الخندق فيعلم ما خبر القوم ، فأتى رجلا فطلب منه ذلك فاعتل ، فتركه ، وأتى آخر ، فاعتل أيضا فتركه ، وحذيفة يسمع ، ولكنه صامت لا يتكلم ، فأتاه «صلى الله عليه وآله» وهو لا يدري من هو ، فسأله إن كان قد سمع ما جرى ، فأجاب بالإيجاب ، ثم اعتذر عن عدم مبادرته لإجابة طلبه «صلى الله عليه وآله» بالجوع والضر. ثم أمره «صلى الله عليه وآله» بالذهاب الخ .. (١).

ونقول :

إننا لا نستطيع أن نؤكد صحة قضية حذيفة بما لها من خصوصيات وتفاصيل مذكورة آنفا ، وإن كنا لا نمنع من أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد أرسله لكشف خبر الأحزاب ، فعاد إليه فأخبره بأنهم بدأوا بالرحيل ...

وشكنا فيما عدا ذلك من تفاصيل وأحداث مزعومة ، يستند إلى عدة أمور ، نذكر منها :

__________________

التالية : السنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٤٨ و ١٤٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٣٣ و ١٤٤ وراجع : مجمع البيان ج ٨ ص ٢٤٤ و ٢٤٥ وتاريخ الخميس ١ ص ٤٩١ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٨ و ٢٠٩ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٥ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٧٤ و ١٧٥ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٤٢ و ٢٤٣ و ٢٤٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢١٧ ـ ٢١٩.

(١) دلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٠٦ و ٤٠٧.

٢٢٦

أولا : أننا نجد حذيفة يذكر أنه رأى أبا سفيان في ضوء النار الموقدة ، وهو يستدفئ بها مع أصحابه ، وأراد أن يرميه بسهم ، لولا أنه ذكر وصية النبي «صلى الله عليه وآله» له ، وقد رآه رجلا ضخما أدهم ... فكان من الوضوح له أنه استطاع أن يميز لونه ، ويعرف أنه أدهم.

ولكنه يأتي ويجلس بين نفس تلك العصبة التي حول أبي سفيان. ولا يستطيع أن يراه أحد من تلك العصبة ، ولا أحس به ، رغم وجود النار والنور. ورغم إحساس أبي سفيان بأن رجلا غريبا دخل بينهم. وإذا كانت الظلمة شديدة إلى هذا الحد ، فكيف استطاع حذيفة أن يجد مكانه بينهم دون أن يصطدم ولو جزئيا بواحد منهم؟!.

وكيف استطاع حذيفة أن يرى العصبة وأبا سفيان ، ويرى تفرق الأحزاب عنه ، ثم لا يراه أحد ، ولا يحس به أي منهم على الإطلاق؟.

ثانيا : إذا كان أبو سفيان حين ورود حذيفة ينادي : الرحيل الرحيل ، وكذلك كان عامر بن علقمة بن علاثة ينادي الرحيل الرحيل ، لا مقام لكم ، فما معنى أن يقوم حذيفة بدوره في تخذيلهم ، وفق ما علمه الرسول إياه؟

ثالثا : هناك اختلاف في نصوص الرواية. ونذكر تناقضا صريحا واحدا هنا وهو واقع في الرواية التي ذكرناها أولا نفسها ، فهي تقول : إن الريح كانت في عسكر المشركين ، ما تجاوز عسكرهم شبرا. مع أنه قد جاء في بداية الرواية نفسها قوله : «ما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ، ولا أشد ريحا منها ، في أصوات ريحها مثل الصواعق ، فجعل المنافقون يستأذنون الخ ..».

رابعا : تقول الرواية التي ذكرناها أولا : إن النبي «صلى الله عليه وآله»

٢٢٧

قد أمر حذيفة بأن يأتي قريشا فيقول : يا معشر قريش ، إنما يريد الناس الخ .. ثم يأتي كنانة فيقول كذا وكذا ، ثم يأتي قيسا فيقول كذا وكذا ...

وهذا لا ينسجم مع عنصر السرية الذي كان مطلوبا لحذيفة في ظروف كهذه. كما لا ينسجم مع ما جرى بينه وبين جليسيه حين طلب أبو سفيان أن يعرف كل منهم جليسه.

وخامسا :

ألف : إن بعض المصادر ذكرت : أنه لما سأل حذيفة جليسه عن اسمه. قال : سبحان الله ، أما تعرفني؟! أنا فلان بن فلان ، فإذا رجل من هوازن.

فما معنى تعجب هذا الرجل؟ فهل رأى حذيفة وجهه في ذلك الظلام الدامس ولم يعرفه ، فأثار ذلك تعجبه؟!.

ب : كما أننا نعرف أن حذيفة قد حضر حرب أحد ، وكان أبو سفيان قائد جيش المشركين في أحد ، فهل لم يكن قد رآه آنئذ ، ليقول هنا : إنه لم يكن يعرف أبا سفيان حتى ذلك الوقت؟!.

وحين رآه واقفا يوقد النار ويستدفئ بها كيف عرف أنه أبو سفيان؟ فلعله رجل آخر من هذا الجيش الكثيف.

ج : تذكر رواية الراوندي : أن حذيفة قال : «فصرت إلى معسكرهم فلم أجد هناك إلا خيمة أبي سفيان ، وعنده جماعة من وجوه قريش ، وبين أيديهم نار تشتعل مرة ، وتخبو أخرى ، فانسللت فجلست بينهم» (١).

والسؤال هو : لماذا لم يجد إلا خيمة أبي سفيان ، فهل استعصت هذه

__________________

(١) الخرائج والجرائح ج ١ ص ١٥٧ والبحار ج ٢٠ ص ٢٤٨ عنه.

٢٢٨

الخيمة فقط على الريح التي أرسلها الله سبحانه عليهم؟! ودمرت خيام جيش يعد بالألوف؟!

وسادسا : إن البعض قد أورد ما يشبه هذه الرواية ، لكنه يجعل بطلها الزبير بن العوام ، فهو يقول :

قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم الأحزاب : من يأتينا بخبر القوم؟!.

فقال الزبير : أنا.

ثم قال : من يأتينا بخبر القوم؟!.

فقال الزبير : أنا.

ثم قال : من يأتينا بخبر القوم؟

فقال الزبير : أنا.

ثم قال : إن لكل نبي حواريا ، وإن حواري الزبير (١).

ونقول :

إذا كان هذا صحيحا فلماذا ترك الزبير ، ولم يرسله. وأرسل حذيفة؟!.

فأجاب البعض : بأن حذيفة إنما ذهب ليأتيه بخبر المشركين.

__________________

(١) حدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٠ و ٥٩١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٤٨ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٥ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٣١ وصحيح البخاري ج ٣ ص ٢٢ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٣ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٤٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٠ وبهجة المحافل وشرحه ج ١ ص ٢٧٠ عن البخاري ومسلم ، وسنن الترمذي ، وابن ماجة ، وفي الأخير عن علي.

٢٢٩

أما الزبير فقد كشف خبر بني قريظة (١).

ولكنه كلام لا يصح : لأن ابن الديبع قد صرح بأن الزبير هو الذي سمع أبا سفيان ينادي ، ويأمرهم بسؤال جلسائهم عن أنفسهم.

قال الزبير : فبدأت بجليسي وقلت : من أنت؟ (٢).

وقد حاول دحلان أن يجيب عن ذلك التساؤل بطريقة أخرى ، فقال : «فدعا حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما وأرسله كما سيأتي ، ولم يرسل الزبير (رض) مع سؤاله ذلك ثلاثا ؛ لأن له حدة وشدة ، لا يملك معها نفسه أن يحدث بالقوم شيئا مما نهى عنه حذيفة فيما يأتي ، فاختار إرسال حذيفة ذلك. هذا هو التحقيق عند أئمة السير. وهو أن المرسل إنما هو حذيفة (رض). ونسب بعضهم الإرسال إلى الزبير ، وهو اشتباه. وإنما إرسال الزبير (رض) في كشف خبر بني قريظة لما نقضوا العهد» (٣) انتهى.

ونقول :

قد تقدم : أن إرسال الزبير إلى بني قريظة لا يصح أيضا ، فراجع.

وأما أنه «صلى الله عليه وآله» عدل عن الزبير إلى حذيفة لأجل حدة كانت في الزبير ، فإنما هو على فرض تسليم أصل القصة. وهي مردودة جملة وتفصيلا ؛ لأن حذيفة يصرح بأنه «صلى الله عليه وآله» ناداهم ثلاثا فلم يجب منهم أحد ، وهذا يكذب أن يكون الزبير قد أجاب ثلاث مرات.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٦٢ و ٥٦٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٣ وفتح الباري ج ٧ ص ٣١٢.

(٢) حدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٠ و ٥٩١.

(٣) السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٨.

٢٣٠

حقيقة القضية :

ونعتقد : أن ما يذكر للزبير هنا إنما هو من مجعولات محبيه ، لينال وساما عن غير جدارة ولا استحقاق.

أما حذيفة ، فقد يكون النبي «صلى الله عليه وآله» أرسله لكشف خبر المشركين ، فراقبهم عن بعد ، أو عن قرب ، وسمع بعض أقوالهم ، ثم زاد الرواة على ذلك ما شاؤوا حتى أخرجوا القضية عن حدود المعقول والمقبول.

رسالة أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وآله قبل الرحيل :

وكتب أبو سفيان إلى النبي «صلى الله عليه وآله» رسالة يقول فيها : لقد سرت إليك في جمعنا. وإنا نريد ألا نعود إليك أبدا حتى نستأصلك ، فرأيتك قد كرهت لقاءنا وجعلت مضايق وخنادق ، فليت شعري من علمك هذا؟.

فإن نرجع عنكم فلكم منا يوم كيوم أحد ، تبقر فيه النساء.

وبعث بالكتاب مع أبي أسامة الجشمي ؛ فقرأه له أبي بن كعب ؛ فكتب إليه «صلى الله عليه وآله» :

أما بعد ، فقديما غرك بالله الغرور ، أما ما ذكرت أنك سرت إلينا في جمعكم ، وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا ، فذلك أمر الله يحول بينك وبينه ، ويجعل لنا العاقبة حتى لا تذكر اللات والعزى.

وأما قولك : من علمك الذي صنعنا من الخندق ، فإن الله تعالى ألهمني ذلك لما أراد من غيظك به وغيظ أصحابك ، وليأتين عليك يوم تدافعني بالراح ، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى ، وأساف ، ونائلة ،

٢٣١

وهبل حتى أذكرك ذلك (١).

ثمة نص آخر لكتاب كتبه أبو سفيان ، فليراجع (٢).

الرحيل الذليل :

وذكر الواقدي : أن أبا سفيان جلس على بعيره وهو معقول ، ثم ضربه ، فوثب على ثلاث قوائم ، فما أطلق عقاله إلا بعد ما قام.

فناداه عكرمة : إنك رأس القوم وقائدهم ، تقشع؟ وتترك الناس؟.

فاستحيا ، فأناخ جمله ونزل عنه ، وأخذ بزمامه وهو يقوده ، وقالوا : ارحلوا.

قال : فجعل الناس يرتحلون وهو قائم حتى خف العسكر.

ثم قال لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله ، لا بدلي ولك أن نقيم في جريدة (٣) من خيل بإزاء محمد وأصحابه ، فإنا لا نأمن أن نطلب حتى ينفذ العسكر.

فقال عمرو : أنا أقيم.

وقال لخالد بن الوليد : ما ترى يا أبا سلمان؟.

فقال : أنا أيضا أقيم.

فأقام عمرو وخالد في ماءتي فارس وسار العسكر إلا هذه الجريدة على متون الخيل.

__________________

(١) المغازي ج ٢ ص ٤٩٢ والإمتاع ج ١ ص ٢٤٠ وخاتم النبيين ج ٢ ص ٩٤٢ وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٢ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٤ والنزاع والتخاصم ص ١٧ و ١٨ والغدير ج ٣ ص ٢٥٢ عنه.

(٢) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٩٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣١.

(٣) الجريدة : جماعة الخيل.

٢٣٢

وأقامت الخيل حتى السحر ، ثم مضوا فلحقوا الأثقال والعسكر مع ارتفاع النهار بملل.

ولما ارتحلت غطفان وقف مسعود بن رخيلة في خيل من أصحابه ، ووقف الحارث بن عوف في خيل من أصحابه ، ووقف فرسان من بني سليم في أصحابهم ، ثم تحملوا في طريق واحدة ، وكرهوا أن يتفرقوا حتى أتوا على المراض (موضع على ستة وثلاثين ميلا من المدينة) ثم تفرقوا إلى محالهم (١).

لكن الراوندي يقول : إن أبا سفيان قال لخالد :

إما أن تتقدم أنت فتجمع إلي الناس ، ليلحق بعضهم ببعض ، فأكون على الساقة ، وإما أن أتقدم أنا وتكون على الساقة.

قال : بل أتقدم أنا وتتأخر أنت.

فقاموا جميعا ، فتقدموا ، وتأخر أبو سفيان فخرج من الخيمة ، وأنا اختفيت في ظلها ، فركب راحلته وهي معقولة من الدهش الذي كان به ، فنزل يحل العقال ، فأمكنني قتله ، فلما هممت بذلك تذكرت الخ .. (٢).

فالرواية المتقدمة تقول : إن خالدا قد بقي هو وعمرو بن العاص في جريدة من مائتي فارس ، وهذه تقول : إن خالدا تقدم على أبي سفيان ، وابن العاص حيث بقي أبو سفيان على ساقة العسكر ، وابن العاص في الجريدة ،

__________________

(١) المغازي ج ٢ ص ٤٩٠ وأشار إلى ذلك في عيون الأثر ج ٢ ص ٦٦ ، وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١١ و ١٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٧ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٩.

(٢) الخرائج والجرائح ج ١ ص ١٥٧ والبحار ج ٢٠ ص ٢٤٨ عنه.

٢٣٣

التي تأخرت.

ومهما يكن من أمر : فقد روي عن قتادة : أن سيد كل حي كان يقول : يا بني فلان هلم إلي ، حتى إذا اجتمعوا عنده قال : النجاة ، النجاة أتيتم. لما بعث الله عليهم من الرعب ، وتركوا ما استثقلوه من متاعهم (١).

ويقول البلاذري : بعد أن ذكر : أن الله سبحانه قد أرسل عليهم ريحا صفراء ، فملأت عيونهم فداخلهم الفشل والوهن ، وانهزم المشركون وانصرفوا إلى معسكرهم ، ودامت عليهم الريح ..

وقالت غطفان وسليم : «والله ، لمحمد أحب إلينا ، وأولى بنا من يهود ، فما بالنا نؤذيه وأنفسنا ، وكانت تلك السنة مجدبة ، فجهدوا ، وأضر مقامهم بكراعهم ، فانصرفوا ، وانصرف الناس» (٢).

وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ (بعلي) عليه السلام :

إن ملاحظة معظم المؤخرين تعطينا :

١ ـ إن ما فعله نعيم بن مسعود ـ حسب زعمهم ـ من الفتنة بين بني قريظة والمشركين ، ثم إرسال الريح عليهم ـ كان هو السبب في هزيمة الأحزاب (٣).

__________________

(١) راجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٤٦ عن ابن جرير ، وابن أبي حاتم والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٨ وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١٢.

(٢) أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٥.

(٣) راجع : على سبيل المثال : فتح الباري ج ٧ ص ٣٠٢.

٢٣٤

٢ ـ وبعضهم يرى : أن السبب هو الريح فقط ، أو الريح والجنود (١).

٣ ـ والبعض يرى : أن ما فعله نعيم هو السبب (٢).

بل يقول البعض :

إن دور الريح والملائكة كان صوريا. والسبب الحقيقي هو الفرقة التي بثها رسول الله «صلى الله عليه وآله» بين صفوف المهاجمين ، فأصبح بعضهم لا يأمن بعضا قبل المعركة ، فكيف يأمنه إذا حمي الوطيس واحمرت الحدق؟!.

ولذلك ما إن هبت عليهم الرياح التي أرسلها الله حتى اتخذوها ذريعة للانسحاب من ميدان القتال يحملون في قلوبهم الضغائن على بعضهم (٣).

وهو كلام عجيب لما فيه من الجرأة والوقاحة على نفي كلام القرآن ، الذي يصرح بالدور القوي للملائكة وللريح في حسم الموقف ، كما تقدم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)(٤).

فهل يرى هذا الكاتب أن ما أرسله الله سبحانه لم يكن له أي أثر أو دور إلا أنه اتخذ ذريعة للفرار من قبل المشركين؟!.

وقد ورد أنه «صلى الله عليه وآله» كان يقول : «لا إله إلا الله وحده ، أعز

__________________

(١) راجع : سيرة مغلطاي ص ٥٦ والدر المنثور ج ٥ ص ١٩٢ عن ابن أبي حاتم وابن جرير عن السدي وقتادة.

(٢) الدر المنثور ج ٢ ص ١٩٥ عن ابن سعد بن المسيب.

(٣) التفسير السياسي للسيرة ص ٢٦٢ و ٢٦٣.

(٤) الآية ٩ من سورة الأحزاب.

٢٣٥

جنده ، ونصر عبده ، وغلب (أو وهزم) الأحزاب وحده ، فلا شيء بعده» (١).

ونقول :

إن النصوص المختلفة تلمح وتصرح : بأن هزيمة الأحزاب كانت لأسباب ثلاثة :

الأول : وهن أمر المشركين بسبب تضعضع ثقتهم ببعضهم البعض ، مع طول الحصار ، ثم مع ما واجهوه من مصاعب فيما يرتبط بالناحية المعيشية لهم ولكراعهم.

وذلك لأن خروجهم إلى حرب النبي بعد انقضاء زمن الحصاد ، وفي سنة مجدبة ، قد تسبب بنكسة قوية. وهو يدل على أنهم لم يدرسوا الموقف من جميع جوانبه ، ولعل ذلك لأجل أنهم كانوا مطمئنين إلى أنهم سيحسمون الموقف لصالحهم في فترة وجيزة ففاجأهم الرسول بخطته الحربية التي كانت قاصمة الظهر بالنسبة إليهم.

الثاني : ما أرسله الله سبحانه عليهم من الريح والجنود التي لا ترى ، فإن الآية وإن لم تصرح بأن هزيمتهم كانت بسبب ذلك إلا أن عدم التصريح هذا لأن ذلك لم يكن هو تمام السبب في الهزيمة ، بل كان من المؤثرات فيها.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٥٠ عن البخاري والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١١ و ١١٥ عن الصحيحين ومجمع البيان ج ٨ ص ٢٤٥ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٠ وعن مسلم كتاب الذكر ج ٨ ص ٨٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٩ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٥٦ وصحيح البخاري ج ٣ ص ٢٢ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٧١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢١٤ و ٢٢١ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٤٠٦.

٢٣٦

الثالث : ما قذفه في قلوبهم من الرعب ، بسبب قتل فرسانهم وكبش كتيبتهم ، حتى يئسوا من أن يلجوا الخندق مرة أخرى.

قال ابن العبري : «وبقوا بضعة وعشرين يوما لم يكن بينهم حرب. ثم جعل واحد من المشركين يدعو إلى البراز ، فسعى نحوه علي بن أبي طالب ، فقتله وقتل بعده صاحبا له ، وكان قتلهما سبب هزيمة الأحزاب ، على كثرة عددهم ، ووفرة عددهم» (١).

ب : وقال المعتزلي : «الذي هزم الأحزاب هو علي بن أبي طالب ، لأنه قتل شجاعهم وفارسهم عمروا لما اقتحموا الخندق ، فأصبحوا صبيحة تلك هاربين مفلولين ، من غير حرب سوى قتل فارسهم» (٢).

ج : وقال الشيخ المفيد : «فتوجه العتب إليهم ، والتوبيخ والتقريع ، والخطاب. ولم ينج من ذلك أحد بالاتفاق إلا أمير المؤمنين «عليه السلام» ، إذ كان الفتح له ، وعلى يديه. وكان قتله عمروا ونوفل بن عبد الله سبب هزيمة المشركين» (٣).

د : ويقولون أيضا : «وفر عكرمة ، وهبيرة ، ومرداس ، وضرار ، حتى انتهوا إلى جيشهم ، فأخبروهم قتل عمرو ونوفل ، فتوهن من ذلك قريش ، وخاف أبو سفيان. وكادت أن تهرب فزارة ، وتفرقت غطفان» (٤).

ه : تقدم عن علي عليه الصلاة والسلام أنه قال عن قتله لعمرو بن

__________________

(١) تاريخ مختصر الدول ص ٩٥.

(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي ج ٥ ص ٧.

(٣) الإرشاد ص ٦٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٥٨.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧ و ٤٨٨ عن روضة الأحباب.

٢٣٧

عبدود يوم الأحزاب : «فهزم الله قريشا والعرب بذلك ، وبما كان مني فيهم من النكاية» (١).

و: ثم هناك ما روي عن ابن مسعود : من أنه كان يقرأ ـ على سبيل التفسير والبيان طبعا ـ (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بعلي (٢).

فكلمة : بعلي ليست من القرآن ، وإنما هي زيادة تفسيرية للآية ، للتأكيد على نزولها في أمير المؤمنين «عليه السلام».

وما أكثر القراءات التفسيرية هذه ، فراجع كتابنا : «حقائق هامة حول القرآن الكريم».

__________________

(١) الخصال للشيخ الصدوق ج ٢ ص ٣٦٩ والبحار ج ٢٠ ص ٢٤٤.

(٢) راجع : الدر المنثور ج ٥ ص ١٩٢ عن ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر وينابيع المودة ص ٩٤ و ٩٦ و ١٣٧ عن المناقب وأبي نعيم وميزان الاعتدال ج ٢ ص ٣٨٠ ومناقب آل طالب ج ٣ ص ١٣٤ والإرشاد للمفيد ص ٦٢ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٦ وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ١ ص ٣٢٣ والبحر المحيط ج ٧ ص ٢٢٤ وروح المعاني ج ٢١ ص ١٧٥ وكفاية الطالب ص ٢٣٤ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥٠ و ٣٣٤ والبحار ج ٢٠ ص ١٩٦ و ٢٠٥ و ٢٥٩ وج ٤١ ص ٨٨ وشواهد التنزيل (ط وزارة الثقافة والإرشاد الايرانية) ص ٧ و ٨ و ٩ ج ٢ ونهج الحق ص ١٩٩ وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ج ٢ ص ٤٢٠. وملحقات إحقاق الحق للمرعشي النجفي ج ٣ ص ٣٧٦ ـ ٣٨٠ وج ١٤ ص ٣٢٧ ـ ٣٢٩ وج ٢٠ عن مصادر تقدمت وعن المصادر التالية : معارج النبوة للكاشفي ج ١ ص ١٦٣ ومناقب مرتضوي ص ٥٥ ومفتاح النجا للبدخشي (مخطوط) ص ٤١ وتجهيز الجيش ص ٨١ (مخطوط) ودر بحر المناقب (مخطوط) ص ٨٥ وأرجح المطالب ص ٧٥ و ١٨٦.

٢٣٨

ز : عن ابن عباس : كفاهم الله القتال يوم الخندق ، بعلي بن أبي طالب ، حين قتل عمرو بن عبدود (١).

وذكر القمي أيضا : نزول الآية في علي فراجع (٢). وكذا روي عن الإمام الصادق (٣).

ح : تقدم في الفصل السابق قول الحافظ يحيى بن آدم ، أو جابر بن عبد الله الأنصاري : ما شبهت قتل علي عمروا إلا بقوله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ)(٤).

ط : قال الشيخ المفيد : «وقال رسول الله بعد قتله هؤلاء النفر (يعني : عمروا وأصحابه) : الآن نغزوهم ولا يغزوننا» (٥).

وعند المعتزلي الشافعي : أنه «صلى الله عليه وآله» قال عند قتل عمرو : «ذهبت ريحهم ، ولا يغزوننا بعد اليوم ، ونحن نغزوهم إن شاء الله» (٦).

أشجع الأمة :

قال المحقق التستري : تدل الآية بناء على قراءة ابن مسعود : «على كون

__________________

(١) شواهد التنزيل (ط وزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية) ج ٢ ص ١٠ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي ج ١٣ ص ٢٨٤ عن الإسكافي.

(٢) تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٩ والبحار ج ٢٠ ص ٢٣٣.

(٣) ينابيع المودة ص ٩٦ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٤ والبحار ج ٤١ ص ٨٨.

(٤) الآية ٢٥١ من سورة البقرة.

(٥) الإرشاد ص ٦٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٥٨.

(٦) شرح النهج للمعتزلي الشافعي ج ١٩ ص ٦٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٣ عنه.

٢٣٩

علي أشجع من كل الأمة ، وأنه تعالى به «عليه السلام» كفى شر العدو عنهم يوم الأحزاب ، فيكون أفضل منهم ، (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)(١)» (٢).

وقال المظفر : «.. فمنه حياة الإسلام والمسلمين ، ولولا أن يكفيهم الله تعالى القتال بعلي لا ندرست معالم الإسلام ، لضعف المسلمين ذلك اليوم ، وظهور الوهن عليهم الخ ..» (٣).

مفارقة في الموقف :

وقد ذكرت إحدى الروايات : أن هند بنت عمرو بن حزام ، حين قتل زوجها عمرو بن الجموح وأخوها عبد الله ، وابنها في حرب أحد ، قالت لعائشة :

أما رسول الله «صلى الله عليه وآله» فصالح ، وكل مصيبة بعده جلل. واتخذ الله من المؤمنين شهداء (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً)(٤).

قال المعتزلي : قلت : هكذا وردت الرواية. وعندي أنها لم تقل كل ذلك. ولعلها قالت : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ) لا غير. وإلا فكيف يواطئ كلامها آية من كلام الله تعالى ، أنزلت بعد الخندق. والخندق بعد أحد. هذا

__________________

(١) الآية ٩٥ من سورة النساء.

(٢) إحقاق الحق ج ٣ ص ٣٨١.

(٣) دلائل الصدق ج ٢ ص ١٧٥.

(٤) الآية ٢٥ من سورة الأحزاب.

٢٤٠