الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-183-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

بن الخطاب ، فناوشوهم ساعة ، وحمل الزبير بن العوام على نوفل بن عبد الله بالسيف ، حتى شقه باثنين ، وقطع أبدوج (أو أندوج) سرجه ، حتى خلص إلى كاهل الفرس.

فقيل : يا أبا عبد الله ، ما رأينا سيفك!!.

فقال : والله ، ما هو السيف ، ولكنها الساعد» (١).

وذكر البعض : أن نوفلا سأل المبارزة ، فبارزه الزبير ، فشقه باثنتين ، حتى فل في سيفه فلّا ، وانصرف ، وهو يقول :

إني امرؤ أحمي وأحتمي

عن النبي المصطفى الأمي (٢)

لكن نصا آخر يقول : إنه لما وقع نوفل في الخندق ، وجعل المسلمون يرمونه ، وطلب أن ينزل بعضهم إليه ليقاتله ، فقتله الزبير بن العوام (٣).

وفي الوفاء : بارزه الزبير ، فقتله ، ويقال قتله علي ، ورجعت بقية الخيول منهزمة (٤).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٥ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٧١ و ٤٧٢ لكنه ذكره بلفظ يقال ، وراجع المصادر التالية : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٤٨ وفيه : عثمان بن عبد الله.

(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٧ وراجع : الرسول العربي وفن الحرب ص ٢٤٩ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٣٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٦ ، وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٠.

(٣) مجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٠٥.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٣ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣٠٧ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٣ وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧.

١٦١

قال دحلان : «ويمكن أن عليا والزبير رضي الله عنهما اشتركا في قتله» (١).

ونقول :

إننا نشك في ذلك كثيرا ، وذلك للأمور التالية :

١ ـ إن البعض ينسب قتل نوفل إلى المسلمين ، فهو يقول عن عمرو :

«ودنا منه علي ، فلم يكن بأسرع من أن قتله علي ، فولى أصحابه الأدبار ، وسقط نوفل بن عبد الله عن فرسه في الخندق ، فرمي بالحجارة حتى قتل» (٢).

٢ ـ وقال البلاذري وغيره : «ونجا أصحاب عمرو إلا رجلا سقط في الخندق ، فتكسر ، ورماه المسلمون حتى مات» (٣).

٣ ـ أما ابن الأثير فقد حاول أن يبهم الأمر ، حيث قال : «وقتل مع عمرو رجلان ، قتل علي أحدهما ، وأصاب الآخر سهم مات منه بمكة» (٤).

فإذا عرفنا : أن مقصوده بالرجل الآخر الذي قتله علي ليس هو حسل بن عمرو ، لأن كثيرا من المؤرخين سكتوا عن ذكره ، وهم مجمعون على قتل نوفل بن عبد الله ،

__________________

(١) السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧.

(٢) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٢ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٧١ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٥.

(٣) أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧ عن معالم التنزيل ، وراجع : عيون الأثر ج ٢ ص ٦٠ عن ابن عائذ. وراجع أيضا : المواهب اللدنية ج ١ ص ١١٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٥ و ٣٢٠. وراجع كذلك : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٥ وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٨٩ عن ابن أبي شيبة.

(٤) الكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٢.

١٦٢

وعرفنا أيضا : أن الذي أصابه سهم فمات منه بمكة هو ـ كما سيأتي ـ منبه بن عثمان ، أو عثمان بن أمية بن منبه (١) ،

فإننا نعرف أنه يقصد بالذي قتله علي هو نوفل بن عبد الله بالذات.

وثمة فريق آخر يقول بصراحة : إن عليا «عليه السلام» هو الذي قتل نوفلا.

٤ ـ قال اليعقوبي : «وكبا بنوفل بن عبد الله بن المغيرة فرسه ، فلحقه علي فقتله» (٢).

وقال الطبرسي ، وابن كثير ، والطبري : إنه لما تورط في الخندق جعل يقول : قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب ، فنزل إليه علي فقتله ، وطلب المشركون رمته ، فمكنهم من أخذه (٣).

وذكرت بعض المصادر : أنه «عليه السلام» ضربه بالسيف فقطعه

__________________

(١) ستأتي مصادر ذلك حين الكلام عن عدد الشهداء من المسلمين ، والقتلى من المشركين ، أواخر الفصل التالي إن شاء تعالى.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٠ وراجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٦.

(٣) راجع : تاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الإستقامة) ج ٢ ص ٢٤٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٦ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧ و ٤٨٨ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٧ والبحار ج ٤١ ص ٩٠ وخاتم النبيين ج ٢ ص ٩٣٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٥ وراجع ص ٣٢٠ وسيرة المصطفى ص ٥٠٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٤ ومحمد رسول الله ، لمحمد رضا ص ٢٣١ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧ و ٥ وشرح النهج للمعزلي ج ١٩ ص ٦٤ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٧ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٦ والإرشاد للمفيد ص ٦٠ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٤ وإعلام الورى ص ١٩٥.

١٦٣

نصفين (١).

وذكر ابن إسحاق : أن عليا طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه ، فمات في الخندق (٢).

٥ ـ هذا كله ، عدا عن أن الشعر المنسوب إلى الزبير أنه قاله في هذه المناسبة غير مستقيم الوزن ، فليلاحظ ذلك.

وأخيرا :

فإننا نذكر القارئ الكريم بأن هؤلاء الناس قد عودونا أن يغيروا على فضائل علي وعلى مواقفه «عليه السلام» ، وينسبوها لغيره ، ممن لهم فيه هوى ، ولو لم يستطع أن يسجل حتى موقفا رساليا وجهاديا واحدا طيلة حياته.

إنما هي جيفة حمار :

وأرسلت بنو مخزوم يطلبون جيفة نوفل بن عبد الله ، يشترونها ، وأعطوا فيها عشرة آلاف درهم ، فقال «صلى الله عليه وآله» : إنما هي جيفة حمار ، وكره ثمنه ، فخلى بينهم وبينه (٣).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧ و ٤٨٨ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٥.

(٢) مجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣ ودلائل النبوة ج ٣ ص ٤٣٨ عن ابن إسحاق والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٥ و ٢٥٦ وج ٤١ ص ٩٠ والإرشاد للمفيد ص ٥٩ و ٦٠ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٤ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٧.

(٣) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٤ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٧ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٧٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٥. وراجع : عيون الأثر ج ٢ ـ ص ٦٠ وحديث العشرة آلاف موجود في السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٦٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٥.

١٦٤

وقال البعض : إنهم عرضوا الدية ، فقال «صلى الله عليه وآله» : إنه خبيث الدية ، فلعنه الله ولعن ديته ، فلا إرب لنا في ديته ، ولسنا نمنعكم أن تدفنوه (١).

وفي رواية أخرى : أنهم عرضوا اثني عشر ألفا ثمنا لجسد رجل من المشركين يوم الأحزاب (٢).

ونص آخر يقول : إن أبا سفيان هو الذي بعث بديته مئة من الإبل (٣).

ولهذا الحديث نصوص مختلفة ، فلتراجع في مصادرها (٤).

وبعد هذا ، فلا يمكن الاعتماد على رواية الحاكم عن ابن عباس ، قال : قتل رجل من المشركين يوم الخندق فطلبوا أن يواروه فأبى رسول الله «صلى

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٦ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٣ وراجع : عيون الأثر ج ٢ ص ٦٠ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٠٤ وخاتم النبيين ج ٢ ص ٩٣٨.

(٢) دلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٤٠ وتاريخ الإسلام (المغازي) للذهبي ص ٢٤٧ و ٢٤٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٠٥ و ٣٠٦.

(٣) راجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٤ وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٨٩ عن ابن أبي شيبة.

(٤) راجع بالإضافة إلى جميع المصادر المتقدمة ما يلي : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٨ و ٤٩٢ وتهذيب سيرة ابن هشام ص ٢٠٦ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٧ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٢.

١٦٥

الله عليه وآله» حتى أعطوه الدية (١).

فإنها رواية لا تصح بأي وجه.

الزبير وهبيرة بن وهب :

يقول القمي : إنه بعد أن قتل علي «عليه السلام» عمروا «بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» الزبير إلى هبيرة بن وهب ، فضربه على رأسه ضربة ففلق هامته» (٢).

وتقول رواية أخرى : أدرك الزبير هبيرة بن أبي وهب ، فضربه ، فقطع ثفر (٣) فرسه ، وسقطت درع كانت عليه ، فأخذها الزبير (٤).

ونص ثالث يقول : ومر عمر بن الخطاب في أثر القوم ، فناوشهم ساعة وسقطت درع هبيرة بن أبي وهب ، فأخذها الزبير (٥).

وهبيرة هو زوج أم هاني أخت علي وأبو أولادها وكان فارس قريش

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٢ وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) وقالا : إنه حديث صحيح.

(٢) تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢٢٨.

(٣) الثفر : سير في مؤخر السرج (والسير : قطعة مستطيلة من الجلد).

(٤) راجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ من ٥٣٥ والرسول العربي وفن الحرب ص ٢٤٩ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٧٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧.

(٥) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٢.

١٦٦

كما يقولون (١).

نحن نشك في صحة ذلك ، وذلك استنادا إلى ما يلي :

١ ـ لو كان الزبير قد ضرب هبيرة بالسيف حتى فلق هامته ، فاللازم أن يكون قد قتل ، مع أن الجميع متفقون على أنه لم يقتل آنئذ.

٢ ـ قد ذكرت بعض النصوص : أن عليا لحق هبيرة فأعجزه ، وضرب قربوس سرجه ، فسقطت درع كانت عليه وفر عكرمة ، وهرب ضرار (٢).

٣ ـ ويفصل ذلك نص آخر ، فيقول : ثم حمل ضرار بن الخطاب وهبيرة على علي ، فأقبل علي عليهما. فأما ضرار فولى هاربا ولم يثبت ، وأما هبيرة فثبت أولا ، ثم ألقى درعه وهرب. وكان فارس قريش وشاعرها (٣).

وسئل ضرار عن سبب فراره ، فقال : خيل إلي أن الموت يريني صورته (٤).

٤ ـ قد اعتذر هبيرة بن أبي وهب عن فراره من وجه علي «عليه السلام» ، فقال :

لعمرك ما وليت ظهرا محمدا

وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل

ولكنني قلبت أمري فلم أجد

لسيفي غناء إن وقفت ولا نبلي

الخ ...

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٨ و ٣٢٠ و ٣٢١.

(٢) راجع : الإرشاد للمفيد ص ٦٠ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٤ والبحار ج ٢٠ ص ٢٥٤ و ٢٥٦ وراجع : إعلام الوري ص ١٩٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧ و ٤٨٨ عن روضة الأحباب.

(٣) راجع : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢١.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧.

١٦٧

ويؤيد قولهم بأن الفرسان قد هاجموا عليا بعد قتله عمروا ، قوله «عليه السلام» :

أعلي تقتحم الفوارس هكذا

عني وعنهم أخروا أصحابي

ولعل مواجهة هبيرة لعلي «عليه السلام» ولو للحظات جعلته يستحق وسام فارس قريش وشاعرها.

٥ ـ ثم إننا لم نفهم السبب في أن اللذين خرجا في أثر الهاربين هما الزبير وعمر فقط؟! وأين كان عنهم سائر فرسان المسلمين؟ ولماذا لم يتبعهم علي نفسه؟!

واحدي يا رسول الله :

وروى ابن أبي شيبة من مرسل عكرمة : أن رجلا من المشركين قال يوم الخندق : من يبارز.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله» : قم يا زبير.

فقالت صفية بنت عبد المطلب : واحدي يا رسول الله.

فقال : قم يا زبير.

فقام الزبير فقتله. ثم جاء بسلبه إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فنفله إياه (١).

ونقول : إننا نشك في صحة هذه الرواية.

أولا : لأن صفية كانت مع النساء في حصن حسان حسبما تقدم ، فما الذي جاء بها إلى ساحة القتال ، في هذه الساعة الحساسة والحاسمة بالذات؟ وهل كان «صلى الله عليه وآله» يسمح للنساء بالتردد إلى ساحة الحرب؟!.

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ٣١٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧ وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٨٩.

١٦٨

ثانيا : إن هذا الحديث مرسل ، وهو ينتهي أيضا إلى عكرمة المعروف بالكذب والوضع ، وقد تحدثنا عن بعض حاله في كتابنا : «أهل البيت في آية التطهير» فليراجع.

ثالثا : إننا نستبعد أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد خص الزبير بالطلب إليه أن يبارز ذلك الرجل ، وهو قبل قليل قد طلب التطوع من المسلمين بمبارزة عمرو. فما هذه السياسة ، وما هي مبرراتها يا ترى؟!

عمر وضرار بن الخطاب :

قال المعتزلي : «وناوش عمر بن الخطاب ضرار بن عمرو ، فحمل عليه ضرار حتى إذا وجد مس الرمح رفعه عنه ، وقال : إنها لنعمة مشكورة ، فاحفظها يا ابن الخطاب ، إني كنت آليت أن لا تمكنني يداي من قتل قرشي ، فأقتله. وانصرف ضرار راجعا إلى أصحابه» (١) وهم عند جبل أبي عبيد.

وفي نص آخر : ذكر حملة الزبير وعمر بقية أصحاب عمرو ، وقد كان ضرار يفر ، وعمر يشتد في أثره. فكر ضرار راجعا ، وحمل على عمر بالرمح ليطعنه ثم أمسك وقال :

«يا عمر ، هذه نعمة مشكورة أثبتها عليك ، ويد لي عندك غير مجزي بها فاحفظها» (٢).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٤ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٤ عنه والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٧١ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧.

(٢) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢١ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧.

١٦٩

لكن القمي ذكر للرواية نصا آخر ، فقال : «أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» عمر بن الخطاب أن يبارز ضرار بن الخطاب ، فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهما.

فقال ضرار : ويحك يابن صهاك ، أترميني في مبارزة؟ والله ، لئن رميتني لا تركت عدويا بمكة إلا قتلته.

فانهزم عنه عمر ، ومر نحوه ضرار ، وضربه على رأسه بالقناة ، ثم قال : احفظها يا عمر ، فإنني آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه.

فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولي ، فولاه (١).

ونشير نحن هنا إلى ما يلي :

ألف : إن من الممكن أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد أمر عمر بمبارزة ضرار ، أثناء مبارزة علي «عليه السلام» لعمرو ، فحمل عليه ضرار ، حتى إذا وجد مس الرمح رفعه وقال له مقالته تلك. ثم لما قتل عمرو وحسل وهجم علي «عليه السلام» على ضرار وهبيرة ونوفل فهربوا ، عاد وقتل نوفلا.

ب : إننا لا نصدق أن يكون ضرار قد فر من عمر ، لأن ضرارا يعرف عمر ومدى شجاعته ، إلا أن يكون فر من السهم الذي حاول عمر أن يرميه به ، ثم عاد فهاجهم عمر ، وجرى بينهما ما جرى.

ج : إن هذه القضية قد حدثت أيضا بين ضرار وبين عمر في غزوة أحد ، وقال له نفس هذه المقالة المذكورة عنه آنفا ، وقد ذكرهما الواقدي في

__________________

(١) تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢٢٨ عنه.

١٧٠

كتاب المغازي.

وحسب نص الحلبي : إنه ضرب عمر بالقناة ثم رفعها وقال : ما كنت لأقتلك يا ابن الخطاب (١).

د : إننا نجد عمر يهتم بأمر ضرار بصورة ملفتة للنظر ، فقد ذكر القمي : أنه ولاه ـ وقد تقدم ـ كما أنه حين قال عبد الرحمن بن عوف لرباح وهم في طريق مكة : غننا.

قال له عمر : إن كنت آخذا فعليك بشعر ضرار بن الخطاب (٢).

وهذا التعظيم لضرار قد سرى إلى الآخرين حتى قالوا عنه : إنه فارس قريش وشاعرهم (٣). ولعلهم أعطوه هذا الوسام لأنه أراد أن يقدم على علي ثم هرب.

عمر ليس أخا ضرار :

وقد قال البعض : إن ضرار بن الخطاب كان أخا لعمر بن الخطاب (٤).

وهذا غير صحيح : فإن عمر بن الخطاب كان من بني عدي ، أما ضرار فكان من بني فهر ، وشتان ما بينهما.

والذي أوجب الغلط لدى هؤلاء هو أن أبويهما كان اسمهما الخطاب ، فتخيلوا أن الخطاب رجل واحد.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢١ وراجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٤ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٧٤ عنه ، والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧ و ٨.

(٢) الإصابة ج ٢ ص ٢٠٩.

(٣) الإستيعاب مطبوع بهامش الإصابة ج ٢ ص ٢١٠.

(٤) السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢١.

١٧١

الآن نغزوهم ولا يغزوننا :

قال المفيد «رحمه الله» : «فتوجه العتب إليهم ، والتوبيخ والتقريع والخطاب ، ولم ينج من ذلك أحد بالاتفاق إلا أمير المؤمنين «عليه السلام» ، إذ كان الفتح له وعلى يديه ، وكان قتله عمروا ونوفل بن عبد الله سبب هزيمة المشركين.

وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد قتله هؤلاء النفر : الآن نغزوهم ولا يغزوننا» (١).

الأشعار في غزوة الخندق

هناك أشعار كثيرة في مناسبة غزوة الخندق نختار باقة منها وهي التالية :

عن علي «عليه السلام» أنه قال :

وكانوا على الإسلام إلبا ثلاثة

فقد خر من تلك الثلاثة واحد

وفر أبو عمرو هبيرة لم يعد

ولكن أخو الحرب المجرب عائد

نهتهم سيوف الهند أن يقفوا لنا

غداة التقينا والرماح مصائد

وعنه «عليه السلام» :

الحمد لله الجميل المفضل

المسبغ المولي العطاء المجزل

شكرا على تمكينه لرسوله

بالنصر منه على الغواة الجهل

كم نعمة لا أستطيع بلوغها

جهدا ولو أعملت طاقة مقول

لله أصبح فضله متظاهرا

منه علي سألت أم لم أسأل

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ص ٦٢. وستأتي فقرة : الآن نغزوهم ولا يغزوننا ، مع مالها من مصادر في أواخر الفصل التالي إن شاء الله تعالى.

١٧٢

قد عاين الأحزاب من تأييده

جند النبي وذي البيان المرسل

ما فيه موعظة لكل مفكر

إن كان ذا عقل وإن لم يعقل

وعنه «عليه السلام» مخاطبا لعمرو بن عبدود :

يا عمرو قد لاقيت فارس بهمة

عند اللقاء معاود الأقدام

من آل هاشم من سناء باهر

ومهذبين متوجين كرام

يدعو إلى دين الإله ونصره

وإلى الهدى وشرائع الإسلام

بمهند عضب رقيق حده

ذي رونق يقري الفقار حسام

ومحمد فينا كأن جبينه

شمس تجلت من خلال غمام

والله ناصر دينه ونبيه

ومعين كل موحد مقدام

شهدت قريش والقبائل كلها

أن ليس فيها من يقوم مقامي (١)

وروي أنه لما قتل عمروا أنشد :

ضربته بالسيف فوق الهامة

بضربة صارمة هدامة

أنا علي صاحب الصمصامة

وصاحب الحوض لدى القيامة

أخو رسول الله ذي العلامة

قد قال إذ عممني عمامة

أنت الذي بعدي له الإمامة (٢)

__________________

(١) راجع المقطوعات الثلاثة المتقدمة في : البحار ج ٢٠ ص ٢٧٩ و ٢٨٠ وج ٤١ ص ٨٩ و ٩١ و ٩٠ عن ديوان علي أمير المؤمنين «عليه السلام» ص ٤٦ و ١٠٩ و ١١٠ و ١٢٦ و ١٢٧ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ١٣٦ و ١٣٧.

(٢) البحار ج ٤١ ص ٨٨.

١٧٣

وقال حسان بن ثابت :

أمسى (الفتى) عمرو بن عبد يبتغي

بجنوب يثرب عادة لم تنظر

ولقد وجدت سيوفنا مشهورة

ولقد وجدت جيادنا لم تقصر

ولقد رأيت غداة بدر عصبة

ضربوك ضربا غير ضرب المحسر

أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة

يا عمرو أو لجسيم أمر منكر (١)

قال ابن هشام : وبعض أهل العلم ينكرها لحسان فأجابه فتى من بني عامر :

كذبتم وبيت الله لا تقتلوننا

ولكن بسيف الهاشميين فافخروا

بسيف ابن عبد الله أحمد في الوغا

بكف علي نلتم ذاك فاقصروا

ولم تقتلوا عمرو بن عبد ببأسكم

ولكنه الكفؤ الهزبر الغضنفر

علي الذي في الفخر طال بناؤه

فلا تكثروا الدعوى علينا فتحقروا

ببدر خرجتم للبراز فردكم

شيوخ قريش جهرة وتأخروا

فلما أتاهم حمزة وعبيدة

وجاء علي بالمهند يخطر

فقالوا : نعم أكفاء صدق فأقلبوا

إليهم سراعا إذ بغووا وتجبروا

فجال علي جولة هاشمية

فدمرهم لما عتوا وتكبروا

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ص ٥٦ والبحار ج ٢٠ ص ٢٥٩ وج ٤١ ص ٩٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٨١ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٩٠ والبيت الأول فيه وفي البحار عن الإرشاد هكذا :

أمسى الفتى عمرو بن عبد ناظرا

كيف العبور وليته لم ينظر

١٧٤

فليس لكم فخر علينا بغيرنا

وليس لكم فخر نعد ونذكر (١)

وروي أن عليا «عليه السلام» لما قتل عمروا لم يسلبه ، وجاءت أخت عمرو حتى قامت عليه فلما رأته غير مسلوب سلبه قالت : ما قتله إلا كفؤ كريم ، ثم سألت عن قاتله ، قالوا : علي بن أبي طالب ، فأنشأت هذين البيتين (٢) :

ولكن نصا آخر يقول : لما نعي عمرو إلى أخته قالت : من ذا الذي اجترأ عليه؟!

فقالوا : ابن أبي طالب.

فقالت : لم يعد موته إلا على يد كفؤ كريم. لأرقأت دمعتي إن هرقتها عليه. قتل الأبطال ، وبارز الأقران ، وكانت منيته على يد كفؤ كريم من قومه.

وفي لفظ آخر : «على يد كريم قومه» ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر. ثم أنشأت تقول :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

لكنت أبكي عليه آخر الأبد

لكن قاتل عمرو لا يعاب به

من كان يدعى قديما بيضة البلد (٣)

وقال المعتزلي : «فأما قتلاه ، فافتخار رهطهم بأنه «عليه السلام» قتلهم أظهر وأكثر ، أخت عمرو بن عبدود ترثيه :

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ص ٥٦ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٦ والبحار ج ٢٠ ص ٢٥٩ وج ٤١ ص ٩٩.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٨ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦٢.

(٣) الإرشاد للمفيد ص ٥٧ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٩ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٠٧ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦٠ وج ٤١ ص ٧٣ و ٩٧.

١٧٥

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

بكيته أبدا ما دمت في الأبد

لكن قاتله من لا نظير له

وكان يدعى أبوه بيضة البلد (١)

وقالت أيضا في ذلك :

أسدان في ضيق المكر تصاولا

وكلاهما كفؤ كريم باسل

فتخالسا مهج النفوس كلاهما

وسط المدار مخاتل ومقاتل

وكلاهما حضر القراع حفيظة

لم يثنه عن ذاك شغل شاغل

فاذهب علي فما ظفرت بمثله

قول سديد ليس فيه تحامل

والثار عندي يا علي فليتني

أدركه والعقل مني كامل

ذلت قريش بعد مقتل فارس

فالذل مهلكها وخزي شامل

ثم قالت : والله ، لا ثأرث قريش بأخي ما حنت النيب (٢).

وقال مسافع بن عبد مناف يبكي عمرو بن عبدود ، لما جزع المذاد ، أي قطع الخندق :

عمرو بن عبد كان أول فارس

جزع المذاد وكان فارس مليل (٣)

إلى أن قال :

سأل النزال هناك فارس غالب

بجنوب سلع ليته لم ينزل

__________________

(١) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١ ص ٢٠ والبيتان في لسان العرب أيضا ج ٨ ص ١٩٥ وفيه : بكيته ما أقام الروح في جسدي. وراجع مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٣.

(٢) الإرشاد للمفيد ص ٥٧ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٩ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٧ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦٠ وج ٤١ ص ٩٨.

(٣) الصحيح : يليل ، وهو واد ببدر.

١٧٦

فاذهب علي ما ظفرت بمثلها

فخرا ولو لاقيت مثل المعضل

نفسي الفداء لفارس من غالب

لاقى حمام الموت الخ ... )

وعند ابن هشام : تسل النزال علي فارس غالب.

وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، يعتذر من فراره عن علي بن أبي طالب وتركه عمروا يوم الخندق ، ويبكيه :

لعمرك ما وليت ظهرا محمدا

وأصحابه جنبا ولا خيفة القتل

ولكنني قلبت أمري فلم أجد

لسيفي عناء إن وقفت ولا نبلي

إلى أن يقول :

كفتك علي لن ترى مثل موقف

وقفت على شلو المقدم كالفحل

فما ظفرت كفاك يوما بمثلها

أمنت بها ما عشت من زلة النعل (٢)

وقال هبيرة بن أبي وهب يرثي عمروا ، ويبكيه :

لقد علمت عليا لؤي بن غالب

لفارسها عمرو إذ ناب نائب

وفارسها عمرو إذا ما يسوقه (٣)

علي ، وإن الموت لا شك طالب

عشية يدعوه علي وإنه

لفارسها إذ خام عنه الكتائب

__________________

(١) راجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٨٨ وذكرها في آخر العثمانية ص ٣٣٦ عنه ، وراجع : مجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٢ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٠٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٧٨ و ٢٧٩.

(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٣ ص ٢٨٩ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٨٠ والملحق بالعثمانية ص ٣٣٦.

(٣) وفي نسخة (يسومه).

١٧٧

فيا لهف نفسي إن عمروا لكائن

بيثرب لا زالت هناك المصائب

لقد أحرز العليا علي بقتله

وللخير يوما لا محالة جالب (١)

وقال حسان :

لقد شقيت بنو جمح بن عمرو

ومخزوم وتيم ما نقيل

وعمرو كالحسام فتى قريش

كأن جبينه سيف صقيل

فتى من نسل عامر أريحي

تطاوله الأسنة والنصول

دعاه الفارس المقدام لما

تكشفت المقانب والخيول

أبو حسن فقنعه حساما

جرازا لا أفل ولا نكول

فغادره مكبا مسلحبا

على عفراء لا بعد القتيل (٢)

وقال مسافع يؤنب الفرسان الذين كانوا مع عمرو ، فأجلوا عنه وتركوه :

عمرو بن عبد والجياد يقودها

خيل تقاد له وخيل تنعل

أجلت فوراسه وغادر رهطه

ركنا عظيما كان فيها أول

عجبا وإن أعجب فقد أبصرته

مهما تسوم علي عمروا ينزل

لا تبعدن فقد أصبت بقتله

ولقيت قبل الموت أمرا يثقل

وهبيرة المسلوب ولى مدبرا

عند القتال مخافة أن يقتلوا

__________________

(١) المصدر السابق ج ٣ ص ٢٨٩ و ٢٩٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٨١ والملحق بالعثمانية ص ٣٣٧.

(٢) مسلحب : منبطح. والأبيات في شرح نهج البلاغة للمعتزلي ، ج ١٣ ص ٢٩٠ والملحق بالعثمانية ص ٣٣٧.

١٧٨

وضرار كان الباس منه محضرا

ولى كما ولى اللئيم الأعزل (١)

قال ابن هشام : بعض أهل العلم بالشعر ينكرها له. وقال حسان بن ثابت يفتخر بقتل عمرو بن عبدود :

بقيتكم عمرو أبحناه بالقنا

بيثرب نحمي والحماة قليل

ونحن قتلناكم بكل مهند

الخ ...

قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان (٢).

وروى المعتزلي عن بعض شعراء الإمامية قوله :

إذ كنتم ممن يروم لحاقه

فهلا برزتم نحو عمرو ومرحب (٣)

ولا ننسى هنا قول الأزري «رحمه الله» :

فانتضى مشرفيه فتلقى

ساق عمرو بضربة فبراها

وإلى الحشر رنة السيف منه

يملأ الخافقين رجع صداها

يا لها ضربة حوت مكرمات

لم يزن ثقل أجرها ثقلاها

هذه من علاه إحدى المعالي

وعلى هذه فقس ما سواها

المكر المفضوح :

إن من يلاحظ سيرة ابن هشام ، التي ادّعى أنها تلخيص لسيرة ابن إسحاق ، ويقارن بينها وبين ما وصل إلينا من سيرة ابن إسحاق ، من طرق

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٨٠.

(٢) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٨١.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ٥ ص ٧.

١٧٩

الآخرين يجد : أن ابن هشام لم يكن يريد مجرد تلخيص سيرة ذلك الرجل العلامة الخبير والمعتمد في شأن السيرة النبوية الشريفة.

بل أراد أيضا : أن يستبعد نصوصا ذات طابع معين رأى أن الاحتفاظ بها يضر ببعض الاتجاهات ، أو يضع علامة استفهام كبيرة عليها.

وهذا الأمر : يضع عمل ابن هشام في السيرة في عداد الأعمال الخيانية بالنسبة للحق وللحقيقة ، من منطلق تعصب مذهبي بغيض ومقيت.

والذي يلاحظ تعليقات ابن هشام على الأشعار المتقدمة يجد : أنه يحاول التشكيك في خصوص ذلك النوع من الشعر الذي يمقته ويبغضه ، ولا يطيقه ، فيدعي أن أكثر أهل العلم ينكره لحسان ، أو لعلي ، أو لمسافع الخ ..

رغم أننا لم نعثر ولو على رجل واحد قد أنكر أيا من تلك المقطوعات ، أو شكك في نسبتها لأصحابها. ما عدا أولئك الذين لا وجود لهم إلا في مخيلة ابن هشام.

ولا نريد بعد هذا أن نسأل ابن هشام ولا غيره : عن سبب تشكيكهم ذاك. فإننا لن نسمع منه جوابا مقنعا ولا مقبولا ، مهما طال بنا الانتظار.

تعصب يثير الغثيان :

كنا نتوقع كل شيء من التجني ، والافتراء ، والتحريف للحقائق الثابتة ، بدافع من الحقد والتعصب ضد علي وأهل بيته «عليهم السلام» ، إلا أننا لم نتوقع أن يتجاهل هؤلاء الحاقدون الأغبياء مواقف وبطولات وأثر علي في حرب الخندق ، خصوصا قتله كبش كتيبة جيش الشرك عمرو بن عبدود العامري ، لأن تجاهل مثل هذا الحدث المصيري ، الذي شاع وذاع ، يحتاج إلى

١٨٠