الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-183-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

يعلم قدرات علي عليه الصلاة والسلام ، ومدى ما عنده من استعداد للتضحية والإقدام في سبيل الله سبحانه ، ومواقفه في بدر ، وصده للكتائب في أحد ، حتى نادى الملك بين السماء والأرض :

لا فتى إلا علي

لا سيف إلا ذو الفقار

وقد كانت هذه المواقف معروفة لدى النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أكثر من أي شخص آخر ، وهو الذي ربى عليا «عليه السلام» ، وعلمه وهذبه ، ودربه.

والصحيح هو : ما ذكره بعض المؤرخين حسبما تقدم وهو : أنه أراد أن يفسح المجال أمام الآخرين ، فكان يأمره بالجلوس ، انتظارا منه ليتحرك غيره. وليعلم بذلك فضله ، ويظهر زيف دعوى من سوف يحاول الدس والتشويه ، وإطلاق الدعاوى الفارغة ، لأهداف سياسية ، وغيرها.

إذن ، فنستطيع أن نلخص الأسباب في ضمن النقاط التالية :

١ ـ لكي يظهر للجميع : أن غير علي «عليه السلام» قد أحجم عن مبارزة عمرو خوفا وجبنا. ولولا أنه «صلى الله عليه وآله» أمره بالجلوس ثلاث مرات لكان من الممكن للبعض أن يدّعي : أن كل واحد من المسلمين كان قادرا على مبارزة عمرو وقتله ، لكن عليا سبقهم إلى الاستئذان لمبارزته ، رغبة منه في الثواب والأجر. وهو أمر يشكر عليه.

٢ ـ إنه «صلى الله عليه وآله» كان يريد أن يظهر للناس جميعا : أن عليهم النظر إلى بواطن الأمور ، فلا تغرهم الدعاوى العريضة والشعارات الرنانة والانتفاخات الكاذبة في حالات الأمن والرخاء. ولا يجوز أن يخططوا ويقرروا ويتخذوا المواقف استنادا إلى ذلك بل لا بد من اختبار القدرات

١٤١

والطاقات في الحالات الصعبة ، واللحظات المصيرية ..

٣ ـ وكان لا بد من التنويه بجهاد علي «عليه السلام» ، وتعريف الناس بمن يضحي ويبذل نفسه في سبيل الله سبحانه ، وبمن يستثمر تضحيات الآخرين ويسرق جهدهم وجهادهم لمصلحة نفسه أو من يمت إليه بصلة أو رابطة .. ويتضح ذلك من قوله «صلى الله عليه وآله» لعلي : إنه عمرو (١).

وبذلك يتضح : أن عدم الإذن لعلي «عليه السلام» بمبارزة عمرو في بادئ الأمر ، لم يكن رغبة بعلي عن المخاطر ، وحبا بالإبقاء عليه ، وتعريض غيره لذلك.

٤ ـ وقوله «صلى الله عليه وآله» له : إنه عمرو ، فارس يليل أو نحو ذلك ، ليفهم الناس : أن هذا الإقدام من علي «عليه السلام» ليس مجرد نزوة طائشة ، ألقى نفسه بسببها في المهالك ، دون أن يكون عارفا بحقيقة عمرو ، ومكانته في الفروسية ، ثم حالفه الحظ فقتله ، لأن عليا رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب ، كما يريد أعداؤه أن يقولوا.

بل كان هذا الإقدام منه عن علم وتثبت ، واطلاع تام على شجاعة عمرو ، ومكانته بين فرسان العرب.

الخصال الثلاث :

وحين عرض علي «عليه السلام» الخصال الثلاث على عمرو ، نجد أن هذه الخصال قد جاءت من خلال الوعي والإحساس بالمسؤولية ، وفي أعلى

__________________

(١) تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٢٦ و ٢٠٣ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣.

١٤٢

درجات السداد ، وفي منتهى الموضوعية والنصفة. وتركت عمروا يبوء بعار البغي ، والعدوان ، والتجني بلا مبرر ، ولا سبب على الإطلاق.

فلم يفرض عليه أن يسلم فقط ، بل هو كما عرض عليه أن يسلم من منطلق الإنصاف في الدعوة ، ولإعطائه فرصة أخيرة لينقذ نفسه من النار ، فإنه أيضا يقدم له خيارا آخر لا يتعارض مع رغاتبه وطموحاته ، ولا مع آرائه ومعتقداته ، وهو أن يرجع عن حرب محمد والمسلمين. ثم قدم له ما يثير اهتمامه ، ويقربه إلى اختيار هذه الخصلة مثيرا أمامه ما يوجب إعادة النظر في صوابية القرار الذي اتخذه في خصومته لمحمد «صلى الله عليه وآله» ، مستثيرا في نفسه نوازع الطموح ومستحثا في داخله المشاعر القبلية التي ينزع إليها ، ويعتمد عليها ، حين ذكر له : أنه إن يكن محمد صادقا كان أسعد الناس به ، وإن يك كاذبا كفتهم ذؤبان العرب أمره.

وفي كلمته الأخيرة تلويح يقرب من التصريح بما يراود النفوس عادة من حب السلامة والراحة والابتعاد عن المشاكل والمخاطر.

ولكن ما احتج به عمرو لاتخاذه قراره برفض هذا الخصلة الثانية ما كان غير سراب خادع ينطلق من غرور وعنجهية لا مبرر لهما ، إلا روح الاستكبار والبغي والتجني والظلم الذي جره بالتالي إلى الخزي والخسران في الدنيا وفي الآخرة ، وساء للظالمين بدلا.

ولم يبق أمام أمير المؤمنين «عليه السلام» إلا أن يبادر إلى دفع غائلة هذا الظالم المتجبر فكان النصر على يديه ، وكانت ضربته له التي تعدل عبادة الثقلين.

١٤٣

قطع رجل عمرو :

ويقول ابن شهر آشوب : «وتبادر المسلمون يكبرون ، فوجدوه على فرسه برجل واحدة ، يحارب عليا «عليه السلام» ، ورمى رجله نحو علي ، فخاف من هيبتها رجلان ، ووقعا في الخندق» (١).

وهذا النص غير معقول : وذلك لأنه إذا كان على فرسه برجل واحدة ، فإنه لا يستطيع أن يأخذ رجله عن الأرض يرمي بها عليا «عليه السلام» أو غيره ، لأنها حين تقطع لا بد أن يقع القسم المقطوع منها على الأرض إلا أن يكون قد فعل ذلك بعد وقوعه على الأرض.

علي عليه السلام ودرع عمرو :

لما قتل علي «عليه السلام» عمروا ، وأقبل نحو رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ووجهه يتهلل قال له عمر بن الخطاب : هلا سلبته يا علي درعه؟! فإنه ليس في العرب درع مثلها.

فقال علي «عليه السلام» : إني استحييت أن أكشف سوأة ابن عمي ، أو قال : ضربته فاتقاني بسوأته ، فاستحييت من ابن عمي أن أسلبه.

وعند الحسكاني : أن النبي «صلى الله عليه وآله» سأل عليا عن سبب عدم سلبه له (٢).

__________________

(١) مناقب آل طالب ج ٣ ص ١٣٧.

(٢) راجع : الإرشاد للمفيد ص ٦١ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣ وشواهد التنزيل ج ٢ ص ١٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٥٧ و ٢٠٤ وج ٤١ ص ٧٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٤ و ٥٣٥ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٧ ـ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٨٠ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٣٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٠ وخاتم النبيين ج ٢ ص ٩٣٨ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧٤.

١٤٤

ويقال : إنه حين جلس على صدر عمرو ، يريد أن يذبحه ، وهو يكبر الله ويمجده طلب منه عمرو أن لا يسلبه حلته ، فقال له علي «عليه السلام» : هي عليّ أهون من ذلك ، ثم ذبحه (١).

وزعم الحلبي : أن هذا اشتباه من الرواة ، وأن ذلك كان في حرب أحد مع طلحة بن أبي طلحة (٢).

ويردّ قوله : أنه في قضية أحد كان السؤال من سعد لعلي «عليه السلام» ، وفي الخندق كان السؤال من عمرو لعلي «عليه السلام» ، فهما قضيتان.

ونعود فنذكر كلام المعتزلي وهو يقارن بين علي وسعد بن أبي وقاص في ذلك :

«قلت : شتان بين علي وسعد ، هذا يجاحش على السلب ، ويتأسف على فواته (كما في قصة أحد) وذلك يقتل عمرو بن عبدود يوم الخندق ، وهو فارس قريش وصنديدها ، ومبارزه فيعرض عن سلبه ، فيقال له : كيف تركت سلبه ، وهو أنفس سلب؟!.

فيقول : كرهت أن أبزّ السبي ثيابه.

فكأن حبيبا (أي أبا تمام) عناه بقوله :

__________________

(١) كنز الفوائد للكراجكي ص ١٣٧.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٠.

١٤٥

إن الأسود أسود الغاب همتها

يوم الكريهة في المسلوب لا السلب (١)

ونقول :

إننا لا نريد أن نضيف إلى ذلك شيئا ، غير أن ما يستوقفنا هنا هو ما نجده من حرص واهتمام ظاهر لعمر بن الخطاب بأمر الدرع كي لا تفوت عليا ، وكأنه يظن أنه «عليه السلام» إنما يحارب ليحصل على الغنائم والأسلاب.

ولم يلتفت إلى أن ما يهم عليا «عليه السلام» هو الدفاع عن أساس الدين ، وفتح باب الأمل على مصراعيه أمام المسلمين المهزومين نفسيا ، كما أخبر الله عنهم : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً ...).

إلى أن قال : (.. وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً)(٢).

أما جواب أمير المؤمنين «عليه السلام» لعمر ، ففيه تأكيد منه على أنه «عليه السلام» : لم يزل ولا يزال يتصرف وفق قواعد النبل والرجولة والقيم ، حتى في مثل هذا الموقف ، الذي هو أكثر المواقف صعوبة وخطرا ، حيث تزل فيه الأقدام ، وتضيع فيه المعايير والضوابط في زحمة الأهوال والمخاطر ، وفي خضم ثورات النفوس والمشاعر.

فسلام الله عليك يا أبا الحسن ، يوم ولدت في الكعبة ، ويوم اغتالتك يد

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢٣٧.

(٢) الآيات ١٠ ـ ٢٥ من سورة الأحزاب.

١٤٦

الإفك والحقد في مسجد الكوفة ، ويوم تبعث حيا ، حيث تقف لتسقي المؤمنين والمجاهدين من يدك على حوض الكوثر.

قتله في الله :

ولما أدرك علي «عليه السلام» عمرو بن عبدود لم يضربه ، فوقعوا في علي «عليه السلام» ، فرد عنه حذيفة ، فقال النبي «صلى الله عليه وآله» مه يا حذيفة ، فإن عليا سيذكر سبب وقفته.

ثم إنه ضربه ، فلما جاء سأله النبي «صلى الله عليه وآله» عن ذلك ، فقال : قد كان شتم أمي ، وتفل في وجهي ، فخشيت أن أضربه لحظ نفسي ، فتركته حتى سكن ما بي ، ثم قتلته في الله (١).

ونقول :

إننا لا نشك في أن عليا «عليه السلام» لا يمكن أن يقتل عمروا غضبا لنفسه ، وإن كان ذلك جائزا له .. ولكنه «عليه السلام» أراد أن يتعامل مع الأمور كما لو كان رجلا عاديا ليمكن أن يقدم للناس العظة والأمثولة بصورة عملية وحية ليروا بأم أعينهم كيف يكون هو الرجل الإلهي ، الذي يتعامل مع كل الأمور من موقع المعرفة ، والوعي ، والثبات والتثبت ، ويصل كل أعماله ، ما دق منها وقل ، وما عظم وجل بالله سبحانه ، ليقربه خطوة إليه.

إنه ذلك الجبل الأشم الشامخ ، الذي لا تزله الرياح العواصف ، وهو الإنسان القوي والرصين ، الذي لا يثور ولا يغضب إلا لله ، ولله فقط ، وحده لا شريك له.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ١١٥ والبحار ج ٤١ ص ٥١.

١٤٧

فبإرادة الله ورضاه يسل سيفه ، ويقاتل الأبطال ، ويسحق كل جبروتهم وكبريائهم ، وهو يغمد سيفه ويستسلم لإرادة الله سبحانه وامتثالا لأمره ، حين يهجمون عليه في بيته ، ويضربون زوجته ، ويسقطون جنينها ، ويحرقون عليه بيته ، أو يكادون. وهو علي هنا ، وهو علي هناك ، ولا أحد غير علي يستطيع أن يفعل ذلك.

الوسام الإلهي :

عن ابن مسعود ، وعن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : لمبارزة علي (أو قتل علي) لعمرو بن عبدود (أو ضربة علي يوم الخندق) أفضل (أو خير) من عبادة الثقلين ، أو أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة (١).

__________________

(١) راجع النصوص التي تشير إلى ذلك في : كنز العمال ج ١٢ ص ٢١٩ وتاريخ بغداد ج ١٣ ص ١٩ ومقتل الحسين للخوارزمي ص ٤٥ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٢ وتلخيصه للذهبي بهامشه ، والمناقب للخوارزمي ص ٥٨ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٨ وشرح المواقف ج ٨ ص ٣٧١ وفرائد السمطين ج ١ ص ٢٥٦ وشواهد التنزيل (ط سنة ١٤١١ ه‍) ج ٢ ص ١٤ والغدير عن بعض من تقدم ، وعن هداية المرتاب ص ١٤٨ والتفسير الكبير للرازي ج ٣٢ ص ٣١ وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٢ ص ٣٢٣ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦٢ وينابيع المودة ص ٩٤ و ٩٥ و ٩٦ وسعد السعود ص ١٣٩ والطرائف ص ٦٠ وكنز الفوائد للكراجكي ص ١٣٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٩ و ٣٢٠ وشرح المقاصد للتفتازاني ج ٥ ص ٢٩٨ وفردوس الأخبار ج ٣ ص ٤٥٥ ونفحات اللاهوت ص ٩١ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣ والبحار ج ٤١ ص ٩١ و ٩٦ ـ

١٤٨

وفي نص آخر عن ابن مسعود : أبشر يا علي ، فلو وزن عملك اليوم بعمل أمتي لرجح عملك بعملهم (١) ، زاد المجلسي والطبرسي قوله :

«وذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهن بقتل عمرو. ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو» (٢).

تمحلات وتعصبات ابن تيمية :

وقد اعتبر ابن تيمية حديث : قتل علي لعمرو أفضل من عبادة الثقلين ، ونحوه ، من الأحاديث الموضوعة ، التي ليس لها سند صحيح ، ولم يروه أحد من علماء المسلمين في شيء من الكتب التي يعتمد عليها. بل ولا يعرف له أسناد صحيح ولا ضعيف. وهو كذب لا يجوز نسبته إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فإنه لا يجوز أن يكون قتل كافر أفضل من عبادة الجن والإنس ، فإن ذلك يدخل فيه عبادة الأنبياء.

وقد قتل من الكفار من كان قتله أعظم من قتل عمرو ، مثل أبي جهل

__________________

وج ٢٠ ص ٢٠٥ وإحقاق الحق (الملحقات) ج ٨ وج ٦ ص ٥ وج ١٦ ص ٤٠٣ عن بعض من تقدم ، وعن حياة الحيوان (ط القاهرة) ص ٢٧٤ وعن المصادر التالية : نهاية العقول (مخطوط) ص ١١٤ وروضة الاحباب للدشتكي (مخطوط) ص ٣٢٧ وتجهيز الجيش للدهلوي (مخطوط) ص ٤٠٧ و ١٦٣ ومفتاح النجاة ص ٢٦ وتاريخ آل محمد لبهجت أفندي ص ٥٧ ومناقب علي ص ٢٦ ووسيلة النجا ص ٨٤.

(١) ينابيع المودة ص ٩٤ وشواهد التنزيل (ط سنة ١٤١١ ه‍) ص ١٢.

(٢) راجع : مجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٥ وشواهد التنزيل (ط سنة ١٤١١ ه‍) ج ٢ ص ١٢ وكنز الفوائد للكراجكي ص ١٣٧.

١٤٩

وعقبة بن أبي معيط ، وشيبة. وقصته في الخندق لم تذكر في الصحاح (١).

أما الذهبي ، فقال عن حديث : ضربة علي أفضل من عبادة الثقلين : «قبح الله رافضيا افتراه» (٢).

ونقول :

قد رد الحلبي استبعاده أن تكون ضربة عمرو أفضل من عبادة الثقلين بقوله : «فيه نظر ، لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين ، وخذلان للكافرين» (٣).

فإنه إذا كانت قد زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، وصاروا يظنون الظنون السيئة بالله سبحانه. وإذا كان المسلمون قد أحجموا عن مبارزة عمرو ، خوفا ورعبا ، وكانوا كأن على رؤوسهم الطير.

وإذا كان عمرو هو فارس الأحزاب ، الذين هم ألوف كثيرة ، وقد جاؤوا لاستئصال المسلمين ، وهم قلة ، وقد جاءهم اليهود من جانب ، وقريش من جانب ، وغطفان من جانب ، وكانوا في أشد الخوف على نسائهم وذراريهم ،

وإذا كان المنافقون لا يألون جهدا في تخذيل الناس وصرفهم عن الحرب ، حتى أصبح الرسول «صلى الله عليه وآله» في قلة قليلة ، لا تزيد على ثلاث مئة رجل ، بل قيل : لم يبق معه سوى اثني عشر رجلا كما سنرى ،

وإذا كان الجوع والبرد يفتكان فيهم ، ويضعفان من عزائمهم ...

__________________

(١) منهاج السنة ج ٤ ص ١٧١ و ١٧٢ باختصار. والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٠ وسيرة الرسول (ط سنة ١٩٦٨ دار الفكر للجميع) ص ٢٢٠.

(٢) تلخيص مستدرك الحاكم للذهبي ج ٣ ص ٣٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٠.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٠.

١٥٠

نعم ... إذا كان ذلك ، فمن الطبيعي : أن يكون قتل هذا الكافر فيه حياة الإسلام ، وانتعاش المسلمين ، وفيه خزي الأحزاب ، وفشلهم ، وسيأتي بعض الكلام حول : أن النصر كان بسبب قتل عمرو في الفصل التالي إن شاء الله.

وأما بالنسبة لضعف سنده ، وعدم ذكره في الصحاح ، فلا يقلل ذلك من قيمته واعتباره إذ ما أكثر الأحاديث الصحيحة ، والمتواترة التي لم تذكر في كتب الصحاح.

وقد عرفنا تحصب أصحاب الصحاح على علي «عليه السلام» وأهل بيته ، وقول ابن تيمية ليس له سند ضعيف ولا صحيح ، يكذبه رواية المستدرك لهذا الحديث عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة ، عن أبيه ، عن جده ، وقد قال أبو داود : بهز بن حكيم أحاديثه صحاح (١).

شهادة حذيفة :

قال المفيد : «روى قيس بن الربيع ، قال : حدثنا أبو هرون العبدي ، عن ربيعة السعدي ، قال : أتيت حذيفة بن اليمان ، فقلت له : يا أبا عبد الله ، إنا لنتحدث عن علي «عليه السلام» ومناقبه ، فيقول لنا أهل البصرة : إنكم تفرطون في علي «عليه السلام». هل أنت محدثي بحديث فيه؟.

فقال حذيفة : يا ربيعة ، وما تسألني عن علي «عليه السلام»! فو الذي نفسي بيده ، لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد «صلى الله عليه وآله» في كفة الميزان ، منذ بعث الله محمدا إلى يوم الناس هذا ، ووضع عمل علي «عليه السلام» في

__________________

(١) خلاصة تهذيب الكمال ص ٣٨١ ، وراجع سائر كتب الرجال والتراجم مثل تهذيب التهذيب ، وتهذيب الكمال ، وغير ذلك.

١٥١

الكفة الأخرى لرجح عمل علي «عليه السلام» على جميع أعمالهم.

فقال ربيعة : هذا الذي لا يقام له ولا يقعد.

فقال حذيفة : يا لكع : وكيف لا تحمل؟ وأين كان أبو بكر ، وعمر ، وحذيفة ، وجميع أصحاب محمد «صلى الله عليه وآله» يوم عمرو بن عبدود دعا إلى المبارزة ، فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا «عليه السلام»؟! فإنه برز إليه وقتله الله على يده. والذي نفس حذيفة بيده ، لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد «صلى الله عليه وآله» إلى يوم القيامة (١).

شهادات ومواقف أخرى :

شهادة أبي الهذيل والمعتزلي.

قال المعتزلي :

١ ـ «فأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبدود ، فإنها أجلّ من أن يقال : جليلة ، وأعظم من أن يقال : عظيمة.

٢ ـ وما هي إلا كما قال شيخنا أبو الهذيل ، وقد سأله سائل : أيما أعظم منزلة عند الله : علي أم أبو بكر؟

فقال : يا ابن أخي ، والله ، لمبارزة علي عمروا يوم الخندق تعدل أعمال

__________________

(١) الإرشاد ص ٥٥ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٥ وسيرة المصطفى ص ٥٠٤ شرح النهج للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٠ و ٦١ وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص ١٩٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢٥٦ و ٢٥٧ ونهج الحق ص ٢٤٩ و ٢٥٠ وشرح الأخبار ج ١ ص ٢٢٩ و ٣٠٠.

١٥٢

المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلها ، وتربي عليها ، فضلا عن أبي بكر وحده.

٣ ـ وقد روي عن حذيفة بن اليمان ما يناسب هذا ، بل ما هو أبلغ منه الخ .. (١).

وعن حذيفة : لو قسمت فضيلة علي «عليه السلام» بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم (٢).

٤ ـ وقال أبو بكر بن عياش : لقد ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أعزّ منها ـ يعني ضربة عمرو بن عبدود ـ ولقد ضرب علي ضربة ما ضرب الإسلام أشأم منها ـ يعني ضربة ابن ملجم لعنه الله (٣).

٥ ـ وقال الحافظ يحيى بن آدم ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري : ما شبهت قتل علي عمروا إلا بقوله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ)(٤).

__________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٩ وص ٦٠. وعنه في إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٨ وسيرة المصطفى ص ٥٠٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٧٣.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٨٤.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ١٩ ص ٦١ والنص للمفيد في الإرشاد ص ٦١ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٥ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٤ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٦ و ٢٥٨ وج ٤١ ص ٩١ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٨.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٥ والإرشاد للمفيد ص ٦٠ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٥ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٤ وتلخيصه للذهبي بهامشه ، وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص ١٩٦ والبحار ج ٢٠ ص ٢٥٦ وج ٤١ ص ٩١ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي ج ١٩ ص ٦١ و ٦٢ والمناقب للخوارزمي ص ١٠٦ وكنز الفوائد للكراجكي ص ١٣٨ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٧.

١٥٣

٦ ـ وروي أن عمروا قال لعلي : ما أكرمك قرنا (١).

لا نأكل ثمن الموتى :

قال ابن إسحاق ـ كما رواه البيهقي عنه ـ : وبعث المشركون إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» يشترون جيفة عمرو بن عبدود بعشرة آلاف.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : هو لكم ، لا نأكل ثمن الموتى (٢).

وقال أبو زهرة : «ويظهر : أنه كان عظيما بين المشركين ، يعتزونه ، فأرسلوا يطلبون جثمانه (٣).

وقد ذكرت نفس هذه الحادثة : بالنسبة لجيفة نوفل بن عبد الله بن المغيرة ، ونكاد نشك في صحة ذلك. ولعل الزبيريين قد حرفوا ما جرى لجيفة عمرو ليكون لصالح جيفة نوفل وذلك بهدف تضخيم شأن نوفل ، ليصبح أهم من عمرو بن عبدود ، زعما منهم أن روايتهم المكذوبة : أن الزبير قد قتل نوفلا قد راجت على الناس.

وسيأتي أن عليا «عليه السلام» أيضا هو الذي قتل نوفلا وغيره.

وإن كنا نحتمل أيضا : أن يكون بنو مخزوم قد طلبوا جيفة صاحبهم ليرفعوا من شأنه حتى لا يكون أقل من عمرو.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٦ والبحار ج ٤١ ص ٩٠.

(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٥ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧ والسيرة الحليبة ج ٢ ص ٣٢٠.

(٣) خاتم النبيين ج ٢ ص ٩٣٨.

١٥٤

فرح الملائكة بقتل عمرو :

عن الصادق «عليه السلام» : لما قتل علي «عليه السلام» عمرو بن عبدود أعطى سيفه الحسن «عليه السلام» ، وقال : قل لأمك تغسل هذا الصيقل.

فرده وعلي «عليه السلام» عند النبي «صلى الله عليه وآله» وفي وسطه نقطة لم تنق ، قال : أليس قد غسلته الزهراء.

قال : نعم.

قال : فما هذه النقطة؟.

قال النبي «صلى الله عليه وآله» : يا علي ، سل ذا الفقار يخبرك.

فهزه ، وقال : أليس قد غسلتك الطاهرة ، من دم الرجس النجس؟!

فأنطق الله السيف فقال : بلى ، ولكنك ما قتلت بي أبغض إلى الملائكة من عمرو بن عبدود ، فأمرني ربي فشربت هذه النقطة من دمه ، وهو حظي منه ، فلا تنتضيني يوما إلا ورأته الملائكة وصلّت عليك (١).

وليس لدينا ما يثبت أو ينفي صحة هذه الرواية. وحين يصعب علينا فهم بعض ما ورد فيها ، فإن علينا أن نكل علم ذلك إلى أهله ، ما دام أن ذلك لا يمس أساس العقيدة ، ولا يؤثر على الضوابط والمرتكزات العامة للبحث العلمي الرصين.

أين المقداد وعمار؟!

وقد يقال : أين كان المخلصون الأوفياء ، والأبرار الأتقياء آنئذ عن

__________________

(١) البحار ج ٢٠ ص ٢٤٩ و ١٥٠ والخرائج والجرائح ج ١ ص ٢١٥ و ٢١٦.

١٥٥

مبارزة عمرو بن عبدود؟!

ولماذا لم يبادروا إلى إجابة طلب النبي «صلى الله عليه وآله» ، لينالوا الجنة ، التي وعد بها رسول الله من يبارز عمروا؟!

ونجيب : إنه قد كانت هناك مهمات كثيرة كان لا بد من التصدي لها وإنجازها على يد أهل الإيمان ، ومنها : حراسة أبواب الخندق الثمانية ، وحراسة الجيش الإسلامي ، ومنع جيش الأعداء من التسلل والالتفاف ، ورصد جميع تحركات الأعداء ، حتى لا يجدوا أنهم في فسحة من أمرهم ، ويستطيعوا أن يتصرفوا كما يحلو لهم. وهذا يفرض إفراز قوات تكفي لإنجاز هذه المهمات في المواقع المختلفة ..

ولعل من يستطيع النبي «صلى الله عليه وآله» أن يطمئن لسلامة أدائهم ، أو عدم تأثرهم بإغراءات العدو وتسويلاته هم أمثال عمار ، والمقداد ، وسلمان ...

وكانت الكثرة من المقاتلين الآخرين موجودة في محضر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وكان هو الذي يضبط حركتها ، ويهيمن على قرارها ، ويراقب مسارها ..

ويفترض فيها هي : أن تتولى صد العدو ، ومبارزة فرسانه ، وتحطيم استكباره وإسقاط عنفوانه ..

وقد واجههم عمرو بن عبدود بالتحدي القوي ، وجاءت كلمات رسول الله «صلى الله عليه وآله» لتعبر عن مدى خطورة الموقف ، وأهمية الإنجاز الذي يتمثل بسحق هذا التحدي القوي ،

١٥٦

الذي يتمثل بسحق هذا التحدي ، من خلال قتل عمرو هذا ..

وكان الطامحون والطامعون وأصحاب الدعاوى العريضة ، وكذلك سائر من يلتقي معهم في الفكر ، والرأي والمصالح ، يتحلقون حول رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ويتصدرون مجالسه ، قد فشلوا أمام أنفسهم ، وأمام الناس كلهم في اتخاذ القرار الحاسم بالخروج من سجن ذواتهم وذاتياتهم وخصوصياتهم إلى آفاق الحرية في رحاب التقوى والورع ، والعزوف عن الدنيا ، وطلب رضا الله تبارك وتعالى ..

ولذلك امتلأت قلوبهم رعبا وخوفا من مواجهة أعداء الله ، طلبا لمرضاته تبارك وتعالى ، وحبا برسوله «صلى الله عليه وآله» ..

فأحجموا عن هذا الأمر ، حبا بالدنيا ، وبادر إليه علي بن أبي طالب «عليه السلام» صفوة الخلق ، وعبد الله ، وأخو رسوله ، بل نفسه كما صرح به القرآن الكريم .. فأنزل صلوات الله وسلامه عليه ضربته الخالدة ، التي تعدل عبادة الثقلين : الجن والإنس إلى يوم القيامة. أنزلها بعدو الله عمرو بن عبدود .. وألحقه بالفراعنة والجبارين ، إلى درك الجحيم.

قتل عمرو هزم بني قريظة والأحزاب :

وحين أرسل النبي «صلى الله عليه وآله» عليا «عليه السلام» إلى بني قريظة قال له : «إن الذي أمكنك من عمرو بن عبدود ، لا يخذلك» (١).

قال علي «عليه السلام» : «فاجتمع الناس إلي ، وسرت حتى دنوت من

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ص ٥٧ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦١ وج ٤١ من ٩٥ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٤٥.

١٥٧

سورهم ، فأشرفوا عليّ ، فلما رأوني صاح صائح منهم : قد جاءكم قاتل عمرو ، وقال آخر : قد أقبل إليكم قاتل عمرو.

وجعل بعضهم يصيح ببعض ، ويقولون ذلك ، وألقى الله في قلوبهم الرعب ، وسمعت راجزا يرتجز :

قتل علي عمروا

صاد علي صقرا

قصم علي ظهرا

أبرم علي أمرا

هتك علي سترا

فقلت : الحمد الله الذي أظهر الإسلام وقمع الشرك (١).

وكما كان قتل عمرو سببا لهزيمة بني قريظة فإنه كان أيضا سببا لهزيمة الأحزاب كما سيأتي.

وقد أقنع قتله وقتل ابنه ونوفل بن عبد الله ، أقنع قريشا ومن معها : أن أية مغامرة من هذا القبيل سيكون مصيرها الفشل الذريع ، والخيبة القاتلة.

وسيأتي في أواخر الفصل التالي نصوص تدل على أن قتل عمرو ومن معه كان سبب هزيمة الأحزاب فانتظر.

الخوارج وحديث قتل عمرو :

كنا نتوقع كل شيء من أعداء علي عليه الصلاة والسلام ، إلا أننا لم نتوقع أبدا أن يشككوا في قتل علي «عليه السلام» لعمرو بن عبدود.

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ص ٥٨ والبحار ج ٢٠ ص ٢٦١ و ٢٦٢ وج ٤١ ص ٩٥ و ٩٦ ومناقب آل طالب ج ٣ ص ١٤٥.

١٥٨

وقد ألفت نظري الحاكم النيسابوري ، وهو يورد في مستدركه أحاديث صحيحة تثبت قتل علي «عليه السلام» لعمرو ، فتساءلت في نفسي عن الداعي لإيراد أحاديث في أمر هو من أوضح الواضحات وأجلاها ، وإذا به هو نفسه يصرح بسبب ذلك ، ويبين لنا : أن أعداء علي قد حاولوا التشكيك حتى بهذا الأمر ، فهو يقول :

«قد ذكرت في مقتل عمرو بن عبدود من الأحاديث المسندة ، ومما عن عروة بن الزبير ، وموسى بن عقبة ، ومحمد بن إسحاق بن يسار ما بلغني ، ليتقرر عند المصنف من أهل العلم : أن عمرو بن عبدود لم يقتله ، ولم يشترك في قتله غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وإنما حملني على هذا الاستقصاء فيه قول من قال من الخوارج : أن محمد بن مسلمة أيضا ضربه ضربة ، وأخذ بعض السلب.

ووالله ، ما بلغنا هذا من أحد من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.

وكيف يجوز هذا وعلي رضي الله عنه يقول ما بلغنا : إني ترفعت عن سلب ابن عمي ، فتركته. وهذا جوابه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضرة رسول الله «صلى الله عليه وآله» (١) انتهى.

متى قتل عمرو؟ :

أما متى قتل عمرو ، فإن اليعقوبي يقول : إن قتله كان بعد مضي خمسة أيام من الحصار (٢).

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٤.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٠.

١٥٩

لكن آخرين يقولون : إن ذلك كان بعد مضي بضع وعشرين ليلة منه (١).

وفريق ثالث يقول : بعد مضي شهر من الحصار (٢).

ونحن نستقرب هذا الأخير : وذلك لما تقدم من أن الحصار قد دام شهرا. وقد علمنا أن قتل عمرو ، كما سيأتي في أواخر الفصل التالي ، كان سبب هزيمة الأحزاب بالإضافة إلى الريح العاتية التي أرسلها الله تعالى عليهم.

قتل حسل بن عمرو بن عبدود :

قال ابن هشام : حدثني الثقة أنه حدث عن ابن شهاب الزهري ، أنه قال : قتل علي بن أبي طالب يومئذ عمرو بن عبدود ، وابنه حسل بن عمرو.

قال ابن هشام : عمرو بن عبدود ، يقال : عمرو بن عبد (٣).

قتل نوفل بن عبد الله :

قد ادّعت بعض المرويات : أن الزبير بن العوام هو الذي قتل نوفل بن عبد الله فهي تقول : «رجع المشركون هاربين ، وخرج في آثارهم الزبير وعمر

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ص ٥٧ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٣ وإعلام الورى ص ٩١ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٢ و ٢٥١ و ٢٥٣ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦٠ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٣٦.

(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٢ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٦٥.

(٣) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٦٥ وراجع : سيرة المصطفى ص ٥٠٢ و ٥٠٣ عنه والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٢٢ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٢ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ١٩٨ و ١٩٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٢ وراجع : نهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧٩.

١٦٠