الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-183-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

وقال : امض لشأنك.

فلما انصرف ، قال : اللهم أعنه عليه (١).

ولكن ابن شهر آشوب قال : إن عمروا جعل يقول : هل من مبارز؟! والمسلمون يتجاوزون عنه.

فركز رمحه على خيمة النبي «صلى الله عليه وآله» ، وقال : ابرز يا محمد.

فقال «صلى الله عليه وآله» : من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي؟!

فنكل الناس عنه.

إلى أن قال : روي أنه لما قتل عمرو أنشد علي «عليه السلام» :

ضربته بالسيف فوق الهامة

بضربة صارمة هدامة

أنا علي صاحب الصمصامة

وصاحب الحوض لدى القيامة

أخو رسول الله ذي العلامة

وقال إذ عممني عمامة

أنت الذي بعدي له الإمامة (٢)

وعند الحسكاني عن حذيفة قال : فألبسه رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) راجع المصادر التالية : شرح النهج للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٣ و ٦٤ والإرشاد للمفيد ص ٥٩ و ٦٠ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦١ وإعلام الورى ص ١٩٤ و ١٩٥ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٧٠ و ٤٧١ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦١ وراجع : مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٥ والبحار ج ٤١ ص ٨٨ و ٨٩ وج ٢٠ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٨ ـ ٢٠٣ و ٢٠٥ و ٢٥٤ ـ ٢٥٦ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٨١ ـ ١٨٥ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٠٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٦ و ٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٥ والبحار ج ٤١ ص ٨٨.

١٢١

وآله» درعه ذات الفضول ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وعممه بعمامته السحاب على رأسه تسعة أكوار ، ثم قال : تقدم.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله» لما ولى : اللهم احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوق رأسه ، ومن تحت قدميه (١).

ويضيف البعض : «أنه رفع عمامته ، ورفع يديه إلى السماء بمحضر من أصحابه ، وقال : اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحرث يوم بدر ، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد ، وهذا أخي علي بن أبي طالب. (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ)(٢)» (٣).

وتصور لنا رواية عن علي «عليه السلام» الحالة حين عبور الفرسان الخندق ، فهو يقول : «وفارسها وفارس العرب يومئذ عمرو بن عبدود ، يهدر كالبعير المغتلم ، يدعو إلى البراز ، ويرتجز ، ويخطر برمحه مرة ، وبسيفه مرة ، لا يقدم عليه مقدم ، ولا يطمع فيه طامع ، فأنهضني إليه رسول الله

__________________

(١) مجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٠٣ وج ٤١ ص ٨٨. وشواهد التنزيل (ط سنة ١٤١١ ه‍. ق) ج ٢ ص ١١ وينابيع المودة ص ٩٥ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٥.

(٢) الآية ٨٩ من سورة الأنبياء.

(٣) راجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٩ ص ٦١ وج ١٣ ص ٢٨٣ و ٢٨٤ وكنز الفوائد للكراجكي (ط دار الأضواء) ج ١ ص ٢٩٧ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٦ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٩ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢١٥ وكنز العمال ج ١٢ ص ٢١٩ وج ١٠ ص ٢٩٠ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٢٢١.

١٢٢

«صلى الله عليه وآله» ، وعممني بيده ، وأعطاني سيفه هذا ـ وضرب بيده إلى ذي الفقار ـ فخرجت إليه ونساء أهل المدينة بواك إشفاقا عليّ من ابن عبد ود ، فقتله الله عز وجل بيدي ، والعرب لا تعد لها فارسا غيره» (١).

ونحن نشك في الفقرة التي تذكر خروج نساء المدينة بواك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ويذكر البعض : أنه «صلى الله عليه وآله» : «أدناه ، وقبله ، وعممه بعمامته ، وخرج معه خطوات كالمودع له ، القلق لحاله ، المنتظر لما يكون منه. ثم لم يزل «صلى الله عليه وآله» رافعا يديه إلى السماء ، مستقبلا لها بوجهه ، والمسلمون صموت حوله ، كأن على رؤوسهم الطير الخ ..» (٢).

برز الإسلام كله إلى الشرك كله :

وقال «صلى الله عليه وآله» حينئذ : برز الإسلام أو الإيمان كله ، إلى الشرك كله (٣).

__________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٣٦٨ والبحار ج ٢٠ ص ٢٤٤ وشرح الأخبار ج ١ ص ٢٨٧ و ٢٨٨ والإختصاص ص ١٦٦.

(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٨٥.

(٣) راجع : كشف الغمة ج ١ ص ٢٠٥ وينابيع المودة ص ٩٤ و ٩٥ وإعلام الورى ص ١٩٤ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٦ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٦١ و ٢٨٥ وج ١٩ ص ٦١ والطرائف ص ٦٠ وكنز الفوائد للكراجكي ص ١٣٧ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٥ و ٢٧٣ وج ٤١ ص ٨٨ وج ٣٩ ص ١ ونهج الحق ص ٢١٧.

١٢٣

فخرج له علي «عليه السلام» وهو راجل ، وعمرو فارسا ، فسخر به عمرو ، ودنا منه علي (١) ومعه جابر بن عبد الله الأنصاري «رحمه الله» ، لينظر ما يكون منه ومن عمرو (٢).

وصرحت بعض الروايات : بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال لأصحابه : أيكم يبرز إلى عمرو وأضمن له على الله الجنة؟ فلم يجبه منهم أحد هيبة لعمرو ، واستعظاما لأمره. فقام علي ثلاث مرات والنبي «صلى الله عليه وآله» يأمره بالجلوس (٣).

وحسب نص ابن إسحاق ، وغيره من المؤرخين : خرج عمرو بن عبد ود ، وهو مقنع بالحديد ، فنادى : من يبارز؟! ..

فقام علي بن أبي طالب ، فقال أنا (له) يا نبي الله.

فقال : إنه عمرو ، إجلس.

ثم نادى عمرو : ألا رجل يبرز؟ فجعل يؤنبهم ، ويقول : أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون إليّ رجلا؟!.

فقام علي ، فقال : أنا يا رسول الله.

فقال : إجلس.

ثم نادى الثالثة ، فقال :

ولقد بححت من النداء

لجمعهم هل من مبارز

__________________

(١) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٢.

(٢) راجع الإرشاد للمفيد ص ٥٩ و ٦٠ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦١ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٠٤ وإعلام الورى ص ١٩٤.

(٣) كنز الفوائد للكراجكي ص ١٣٧.

١٢٤

ووقفت إذ جبن المشجع

موقف القرن المناجز

ولذاك إني لم أزل

متسرعا قبل الهزاهز

إن الشجاعة في الفتى

والجود من خير الغرائز

قال : فقام علي رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله ، أنا له.

فقال : إنه عمرو.

فقال : وإن كان عمروا.

فأذن له رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فمشى إليه حتى أتاه وهو يقول :

لا تعجلن فقد أتاك

مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية وبصيرة

والصدق منجا كل فائز

إني لارجو أن أقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى

ذكرها عند الهزاهز

وفي الديوان المنسوب لعلي «عليه السلام» بيتان آخران هما :

ولقد دعوت إلى البراز

فتى يجيب إلى المبارز

يعليك أبيض صارما

كالملح حتفا للمبارز

فقال له عمرو : من أنت؟.

قال : أنا علي.

قال : ابن عبد مناف؟.

قال : أنا علي بن أبي طالب.

فقال : يا ابن أخي ، من أعمامك من هو أسن منك ، فإني أكره أن أهريق دمك.

١٢٥

فقال له علي : لكني والله لا أكره أن أهريق دمك.

فغضب ، فنزل ، وسل سيفه كأنه شعلة نار ، ثم أقبل نحو علي «عليه السلام» مغضبا ، واستقبله علي بدرقته ، فضربه عمرو في درقته ، فقدها ، وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأسه فشجه. وضربه علي «عليه السلام» على حبل عاتقة فسقط ، وثار العجاج ، فسمع رسول الله التكبير ، فعرفنا أن عليا قد قتله ، فثم يقول علي :

أعلي تقتحم الفوارس هكذا

عني وعنهم أخروا أصحابي

الأبيات.

إلى أن قال : وخرجت خيولهم منهزمة ، حتى اقتحمت الخندق (١).

__________________

(١) راجع المصادر التالية : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٦ عن البيهقي في دلائل النبوة ، عن ابن إسحاق. وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٤ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣ والبحار ج ٢٥ ص ٢٠٣ و ٢٠٤ و ٢٣٩ وج ٤١ ص ٨٩ وراجع : مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٥ و ١٣٦. وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٦ و ٤٨٧ وعيون الأثر ج ١ ص ٦١ و ٦٢ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٧ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٣٨ و ٤٣٩.

وراجع أيضا : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٦ و ٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٩ و ٣٢٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٦١ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٦٧ و ١٦٨ وراجع : ديوان أمير المؤمنين علي «عليه السلام» ص ٦٧ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٢ و ٣٣ والمناقب للخوارزمي ص ١٠٤ وراجع : ينابيع المودة ص ٩٥ و ٩٦ وراجع أيضا كنز الفوائد للكراجكي ص ١٣٧.

١٢٦

الخصال الثلاث وقتل عمرو :

وقد ذكرت بعض النصوص : أن عليا «عليه السلام» لما بارز عمروا عرض على عمرو خصلتين ، وهما : الإسلام ، فرفضه ، أو النزال ، فاعتذر بالخلة بينه وبين أبي طالب ، أو بغير ذلك (١).

لكن بعض الروايات ذكرت : أنه عرض عليه ثلاث خصال.

فهي تقول :

قال علي لعمرو : يا عمرو ، إنك كنت تقول في الجاهلية : لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا قبلتها.

قال : أجل.

قال علي : فإني أدعوك إلى : أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتسلم لرب العالمين.

__________________

(١) راجع عرض الخصلتين على عمرو ، ثم قتل علي «عليه السلام» له في المصادر التالية : الإرشاد للمفيد ص ٥٨ ، وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٣ و ١٩٨ و ١٩٩ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨١ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٤٠.

وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢٥٣ و ٢٥٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٦ و ٧ وبهجة المحافل وشرحه ج ١ ص ٢٦٦ و ٢٦٧ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧٣ و ١٧٤ وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٨٨ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٦٦ و ١٦٧ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦١ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٣٦ وتهذيب سيرة ابن هشام ص ١٩٣ و ١٩٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٣٦ و ٤٣٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٩ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٢ وشرح الأخبار ج ١ ص ٢٩٥.

١٢٧

قال : يا ابن أخي ، أخّر عنى هذه.

قال : وأخرى ، ترجع إلى بلادك ، فإن يك محمد صادقا كنت أسعد الناس به ، وإن كاذبا كان الذي تريد.

وفي نص آخر : كفتهم ذؤبان العرب أمره.

قال : هذا ما لا تحدث به نساء قريش أبدا ، وقد نذرت ما نذرت ، وحرمت الدهن (١).

قال : فالثالثة؟.

قال : البراز.

فضحك عمرو ، وقال : إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومني عليها ، فمن أنت؟!

قال : أنا علي بن أبي طالب.

قال : يا ابن أخي ، من أعمامك من هو أسن منك ، فإني أكره أن أهريق دمك.

فقال علي رضي الله عنه : لكني والله لا أكره أن أهريق دمك.

فغضب عمرو ، فنزل عن فرسه وعقرها ، وسل سيفه كأنه شعلة نار ، ثم أقبل نحو علي مغضبا ، واستقبله علي بدرقته.

ودنا أحدهما من الآخر وثارت بينهما غبرة ، فضربه عمرو ، فاتقى علي الضربة بالدرقة ، فقدها ، وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأسه ، فشجه الخ ..

__________________

(١) زاد في نص القمي : ولا تنشد الشعراء في أشعارها أنه جبن ورجع ، وخذل قوما رأّسوه عليهم. وعند المعتزلي : إذن تتحدث نساء قريش عني : أن غلاما خدعني.

١٢٨

أما المفيد وغيره ، فقالوا : إن عمروا قال لعلي «عليه السلام» : إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك لي نديما.

وعند الواقدي : «فأنت غلام حدث إنما أردت شيخي قريش : أبا بكر وعمر.

فقال علي «عليه السلام» : لكني أحب أن أقتلك ، فانزل إن شئت ، فأسف عمرو ، ونزل ، وضرب وجه فرسه حتى رجع» انتهى.

وعند آخرين : أنه عرقب فرسه ، وضرب عليا «عليه السلام» بالسيف ، فاتقاه بدرقته ، فقطها ، فثبت السيف على رأسه.

وقال القمي وغيره : فقال له «عليه السلام» : أما كفاك أني بارزتك ، وأنت فارس العرب ، حتى استعنت علي بظهر؟!.

فالتفت عمرو إلى خلفه ، فضربه على ساقيه ، فقطعهما جميعا.

وعبارة حذيفة هكذا : «وتسيف علي رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه» (١).

وتستمر رواية القمي فتقول : وارتفعت بينهما عجاجة ، فقال المنافقون : قتل علي بن أبي طالب ، ثم انكشفت العجاجة ، فنظروا ، فإذا أمير المؤمنين «عليه السلام» على صدره آخذ بلحيته ، يريد أن يذبحه.

فذبحه ، ثم أخذ رأسه ، وأقبل إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، والدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو ، وسيفه يقطر منه الدم ، وهو يقول والرأس بيده :

__________________

(١) راجع عبارة حذيفة في : مجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٤ وج ٤١ ص ٩٠ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٦ و ١٣٧.

١٢٩

أنا علي وأنا ابن المطلب

الموت خير للفتى من الهرب

فقال له «صلى الله عليه وآله» : يا علي ، ماكرته؟!.

قال : نعم يا رسول الله ، الحرب خدعة.

وينقل المفيد عن جابر ، ونقله غيره من دون تصريح باسم الراوي قوله : فثارت بينهما قترة ، فما رأيتهما. فسمعت التكبير تحتها ، فعلمت أن عليا «عليه السلام» قد قتله.

فانكشف أصحابه ، حتى طفرت خيولهم الخندق.

وتبادر أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم ، فوجدوا نوفل بن عبد الله الخ .. (١).

__________________

(١) راجع فيما تقدم بتفصيل أو إجمال المصادر التالية : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٤ والإرشاد للمفيد ص ٥٩ و ٦٠ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٤ و ٢٠٣ وإعلام الورى ص ١٩٤ و ١٩٥ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٨١ ـ ١٨٥ ، والبحار ج ٢٠ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٨ و ٢٠٣ فما بعدها و ٢٥٤ ـ ٢٥٦ وج ٤١ ص ٩٠ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٦ و ٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٩ ، والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٧٠ و ٤٧١ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٣ و ٤٦ وبهجة المحافل وشرحه ج ١ ص ٢٦٦ و ٢٦٧ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦١ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٢ والمختصر في أخبار البشر ج ١ ص ١٣٥.

وراجع المصادر التالية : شواهد التنزيل (ط سنة ١٤١١ ه‍. ق) ج ٢ ص ١١ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٣ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٨ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٦٦ وشرح الأخبار ج ١ ص ٢٩٥ و ٢٩٦ وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٩٠ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٩.

١٣٠

وعند المعتزلي : ثارث الغبرة ، وسمعوا التكبير من تحتها ، فعلموا أن عليا قتل عمروا فكبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وكبر المسلمون تكبيرة سمعها من وراء الخندق من عساكر المشركين (١).

وروي : أن عمروا جرح رأس علي «عليه السلام» ، فجاء إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فشده ، ونفث فيه ، فبرئ وقال : أين أكون إذا خضب هذه من هذه؟! (٢).

وفي القاموس وغيره : كان علي ذا شجتين في قرني رأسه ، إحداهما من عمر بن عبدود ، والثانية من ابن ملجم ، ولذا يقال له : ذو القرنين (٣).

وعنه «عليه السلام» أنه قال عن عمرو : «وضربني هذه الضربة. وأومأ بيده إلى هامته» (٤).

نص الحسكاني :

وقد ذكر لنا الحاكم الحسكاني بعض التفصيلات الهامة هنا ، فقال :

«ثم ضرب وجه فرسه فأدبرت ، ثم أقبل إلى علي «عليه السلام» ، وكان

__________________

(١) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي ج ١٣ ص ٢٨٤.

(٢) مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٢٢٠.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٧ وتاج العروس ج ٩ ص ٣٠٧ والنهاية لابن الأثير ج ٤ ص ٥٢ و ٥١ والقاموس المحيط ج ٤ ص ٢٥٨ ولسان العرب ج ١٣ ص ٣٣٢ و ٣٣٣ وراجع : مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٣ لتجد حديث : إنك لذو قرنيها. وكذا نوادر الأصول ص ٣٠٧.

(٤) الخصال ج ٢ ص ٢٦٨ و ٢٦٩ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٢٤.

١٣١

رجلا طويلا ، يدواي دبرة البعير وهو قائم.

وكان علي في تراب دق ، لا يثبت قدماه عليه ، فجعل علي ينكص إلى ورائه يطلب جلدا من الأرض يثبت قدمه ، ويعلوه عمرو بالسيف. وكان في درع عمرو قصر ، فلما تشاك بالضربة ، تلقاها علي بالترس ، فلحق ذباب السيف في رأس علي ، حتى قطعت تسعة أكوار ، حتى خط السيف في رأس علي.

وتسيف علي رجليه بالسيف من أسفل ، فوقع على قفاه.

وثارث بينهما عجاجة ، فسمع علي يكبر.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : قتله والذي نفسي بيده.

فكان أول من ابتدر العجاج عمر بن الخطاب ، فإذا علي يمسح سيفه بدرع عمرو.

فكبر عمر بن الخطاب ، فقال : يا رسول الله ، قتله.

فحز علي رأسه ، ثم أقبل يخطر في مشيته ، فقال له رسول الله : يا علي ، إن هذه مشية يكرهها الله عز وجل إلا في هذا الموضع الخ .. (١).

وفي نص آخر عند الحسكاني عن علي «عليه السلام» : أنه لما برز لعمرو دعا بدعاء علمه إياه رسول الله «صلى الله عليه وآله» : اللهم بك أصول ، وبك أجول ، وبك أدرأ في نحره (٢). لكن البعض يقول :

__________________

(١) شواهد التنزيل (ط سنة ١٤١١ ه‍. ق) ج ٢ ص ١١ و ١٢ ومجمع البيان ج ٨ ص ٢٤٣ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٠٤ عنه.

(٢) شواهد التنزيل (ط سنة ١٤١١ ه‍. ق) ج ٢ ص ١٣.

١٣٢

«أتى برأسه وهو يتبختر في مشيته ، فقال عمر : إلا ترى يا رسول الله إلى علي كيف يتيه في مشيته؟!

فقال «صلى الله عليه وآله» : إنها مشية لا يمقتها الله في هذا المقام» (١).

نصوص أخرى :

وذكر نص آخر : أنه احتز رأسه ، وحمله ، وألقاه بين يدي النبي «صلى الله عليه وآله» ، فقام أبو بكر وعمر فقبلا رأس علي ، ووجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» يتهلل ، فقال : هذا النصر ، أو قال : هذا أول النصر (٢).

وقال له أبو بكر : المهاجرون والأنصار رهين شكرك ما بقوا (٣).

وقالوا : إن عليا «عليه السلام» ضرب عمروا على حبل العاتق فسقط وثار العجاج.

وقيل : طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه ، فسقط وسمع رسول الله «صلى الله عليه وآله» التكبير ، فعرف أن عليا قتله (٤).

__________________

(١) كنز الفوائد للكراجكي من ١٣٧.

(٢) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٢ والإرشاد للمفيد ص ٦١ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٢٠٥ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٤ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٦ وج ٤١ ص ٩١ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦٢.

(٣) مناقب آل طالب ج ٣ ص ١٣٨.

(٤) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٤ من ٥٣٣ و ٥٣٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٦ و ١٠٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٥ وخاتم النبيين ج ٢ ص ٩٣٧.

١٣٣

وحكى البيهقي عن ابن إسحاق : أن عليا طعنه في ترقوته (١).

وقالوا أيضا : أنه حين قتل علي عمروا ومن معه «انصرف إلى مقامه الأول ، وقد كادت نفوس القوم الذين خرجوا معه إلى الخندق تطير جزعا» (٢).

وقال علي «عليه السلام» في المناسبة أبياتا نذكرها ، ونضم ما ذكروه بعضه إلى بعض ، وهي :

أعلي تقتحم الفوارس هكذا

عني وعنهم أخرجوا أصحابي

اليوم تمنعني الفرار حفيظتي

ومصمم في الرأس ليس بناب

آلى ابن ود حين شد ألية

وحلفت فاستمعوا إلى الكذاب

أن لا أصد ولا يولي والتقى

رجلان يضطربان كل ضراب

عرف ابن عبد حين أبصر صارما

يهتز أن الأمر غير لعاب

أرديت عمروا إذ طغى بمهند

صافي الحديد مجرب قضاب

نصر الحجارة من سفاهة رأيه

ونصرت رب محمد بصواب

فصدرت حين تركته متجدلا

كالجذع بين دكادك وروابي

وعففت عن أثوابه ولو أنني

كنت المقطر بزني أثوابي

لا تحسبن الله خاذل دينه

ونبيه يا معشر الأحزاب (٣)

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧.

(٢) راجع : الإرشاد للمفيد ص ٦٠ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٥٤.

(٣) هذه الأبيات توجد موزعة ومجتمة في مصادر كثيرة ، لكن رواية السهيلي لها تختلف جزئيا عما ذكرناه هنا ، ومهما يكن من أمر ، فإن ما ذكرناه مذكور كله أو بعضه

١٣٤

قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر يشك فيها لعلي رضي الله تعالى عنه (١).

وستأتي لنا : وقفة مع ابن هشام فيما يرتبط بكلامه هذا ، وما أشبهه مما سيأتي.

وخرجت خيولهم منهزمة حتى اقتحمت الخندق.

قال ابن هشام وغيره : وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذ ، وهو منهزم عن عمرو ، فقال حسان بن ثابت في ذلك :

فرّ وألقى لنا رمحه

لعلك عكرم لم تفعل

__________________

ـ في المصادر التالية وغيرها : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٣٦ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ١٩٩ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٥ والإرشاد للمفيد ص ٥٩ و ٦١ وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص ١٠٠ و ١٠١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٣ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣٩ وراجع : مجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٣ و ٣٤٤ والبحار ج ٤١ ص ٩١ عن المناقب وج ٢٠ ص ٢٠٥ و ٢٠٦ عنه وص ٢٥٤ و ٢٥٧ عن الإرشاد وص ٦٥ عن الديوان المنسوب لأمير المؤمنين «عليه السلام» ص ٢٣ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦١ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٨ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦٢ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٦٨ و ١٦٩ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٣٧ و ١٣٨ وشرح الأخبار ج ١ ص ٢٩٦ وكنز الفوائد للكراجكي ١٣٧ و ١٣٨.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٣٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٣ عن ابن هشام.

١٣٥

ووليت تعدو كعدو الظليم

ما إن تجور عن المعدل

ولم تلق ظهرك مستأنسا

كأن قفاك قفا فرعل (١)

وحول مبارزة علي لعمرو ، وقتله على يده ، راجع المصادر الموجودة في الهامش (٢) ، وبعضها قد صرح بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد رد عليا «عليه السلام» مرتين ، وأجازه في الثالثة (٣).

وذكرت أبيات عمرو في طلب البراز ، وجواب علي له بشعر على نفس

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٤ و ٥٣٥ وراجع : خاتم النبيين ج ٢ ص ٩٣٨ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٣٧ وتهذيب سيرة ابن هشام ص ١٩٤ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٧ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٦. والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٠٣ و ٢٠٥ وشرح الأخبار ج ١ ص ٢٩٦.

(٢) راجع فيما عدا المصادر التي تقدمت في الهوامش السابقة ما يلي : مرآة الجنان ج ١ ص ١٠ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٨ وراجع : جوامع السيرة النبوية ص ١٥٠ والوفاء ج ٢ ص ٦٩٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٣٢ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٠ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٦ و ٢٦٧ وراجع : إعلام الورى (ط دار المعرفة) ص ١٠٠ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٠ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣٩ وتجارب الأمم ج ٢ ص ١٥٣ والأوائل للعسكري ج ٢ ص ٢٢٣ والطرائف ص ٦٠ والبحار ج ٣٩ ص ١ عنه.

(٣) خاتم النبيين ج ٢ ص ٩٣٧ وينابع المودة ص ٩٤ و ١٣٦ وشواهد التنزيل (ط سنة ١٤١١ ه‍. ق) ج ٢ ص ١٠.

١٣٦

الوزن والقافية في كثير من المصادر أيضا (١).

يقول أهلكت مالا لبدا :

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر في قوله : (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً)(٢) ، قال :

هو عمرو بن عبدود ، حين عرض عليه علي بن أبي طالب الإسلام يوم الخندق ، وقال : فأين ما أنفقت فيكم مالا لبدا؟! وكان قد أنفق مالا في الصد عن سبيل الله ، فقتله علي (٣).

ولم نجد هذه الرواية إلا في تفسير القمي ، فليلاحظ ذلك ولنا مع ما تقدم وقفات ، هي التالية :

لماذا طلب عمرو من علي أن يرجع؟!

قال المعتزلي الشافعي ، حين بلغ في حديثه الموضع الذي يطلب فيه عمرو من علي «عليه السلام» أن يرجع لأنه لا يحب أن يقتله :

__________________

(١) راجع عدا المصادر المتقدمة ما يلي : كشف الغمة للأربلي ج ١ ص ١٩٨ و ١٩٩ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٨٣ والبحار ج ٢٠ ص ٢٢٥ و ٢٦٦ و ٢٣٩ وعن ديوان أمير المؤمنين ص ٦٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٣ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٦٧ و ١٦٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٨ و ٣١٩.

(٢) الآية ٦ من سورة البلد.

(٣) تفسير القمي ج ٢ ص ٤٢٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٤٢.

١٣٧

«كان شيخنا أبو الخير مصدق بن شبيب النحوي يقول ـ إذا مررنا في القراءة عليه بهذا الموضع ـ : والله ، ما أمره بالرجوع إبقاء عليه ، بل خوفا منه ، فقد عرف قتلاه ببدر وأحد ، وعلم أنه إن ناهضه قتله. فاستحيا أن يظهر الفشل ، فأظهر الإبقاء والإرعاء وإنه لكاذب فيهما» (١).

علي عليه السلام غلام حدث؟! وشيخا قريش :

وقد تقدم أن رواية الواقدي تقول : «فأنت حدث ، إنما أردت شيخي قريش ، أبا بكر وعمر» (٢).

ورواية المعتزلي تقول : «إذن تتحدث نساء قريش عني : أن غلاما خدعني» (٣).

ونقول :

ألف : أما بالنسبة لصغر سن علي «عليه السلام» فقد كان عمره الشريف حينئذ سبعة وعشرين ، أو ثمانية وعشرين عاما. كما هو الأصح والأقوى.

بل بعض الأقوال تزيد في عمره عدة سنوات أخرى على ذلك ، ولا يقال لمن هو بهذا السن : أنه غلام حدث.

ب : بالنسبة لأبي بكر وعمر ، فإنهما لم يكونا شيخي قريش آنئذ ، ولا قبل ذلك أيضا.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٤ وراجع : البحار ج ٢٠ ص ٢٧٤ وسيرة المصطفى ص ٥٠٢.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٧١.

(٣) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٩ ص ٦٤.

١٣٨

ولم يكونا أيضا معروفين بالفروسية والشجاعة ليقصدهما عمرو بالبراز الذي يريد أن يكتسب به مجدا وشهرة عامة. فقتلهما لم يكن ليكسر شوكة المسلمين العسكرية. أما قتل علي «عليه السلام» فهو المقصود بعد النبي «صلى الله عليه وآله» لهم ، لأنه هو الذي قتل فرسانهم في بدر وأحد.

ومن جهة ثالثة : فقد تقدم أن ضرار بن الخطاب ، وخالد بن الوليد لم يقتلا عمر في أحد وفي الخندق ، رغم تمكنهما من ذلك.

بل كان موقفهما منه يرشح بروائح المودة والمحبة ، والاهتمام بنجاته. وهل خلص أسرى المشركين في بدر غير أبي بكر حسبما تقدم بيانه؟.

جرح علي عليه السلام :

وهل جرح علي «عليه السلام» حقا بسيف عمرو؟! وكان ذا شجتين؟! أم أن المقصود هو أظهار شجاعة عمرو وفروسيته في مقابل علي «عليه السلام»؟!.

إن البلاذري يقول : ويقال : إن عليا لم يجرح قط (١).

الكبرياء والغطرسة :

ذكر الحاكم الحسكاني : أن عليا «عليه السلام» حينما برز لعمرو وكان عمرو طويلا : «جاء حتى وقف على عمرو ، فقال : من أنت؟!.

فقال عمرو : ما ظننت أني أقف موقفا أجهل فيه ، أنا عمرو بن عبدود ، فمن أنت؟!

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٣٤ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٥.

١٣٩

قال : أنا علي بن أبي طالب.

فقال : الغلام الذي كنت أراك في حجر أبي طالب؟.

قال : نعم.

قال : إن أباك كان لي صديقا ، وأنا أكره أن أقتلك.

فقال له علي «عليه السلام» : لكني لا أكره أن أقتلك.

ثم ذكر تخييره بين الخصال الثلاث ، فرفضها ، فقال له علي «عليه السلام» : فأنت فارس وأنا راجل.

فنزل عن فرسه وقال : ما لقيت من أحد ما لقيت من هذا الغلام (١).

فعلي «عليه السلام» إذن يريد إذلال عمرو ، وتحطيم كبريائه. وقد تحقق له ما أراد ، حتى شكا ذلك عمرو نفسه كما ترى.

إنه عمرو :

قد اعتبر الإسكافي : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد ضنّ بعلي «عليه السلام» عن مبارزة عمرو ، حين دعا عمرو الناس إلى نفسه مرارا ، وفي كلها يحجمون ، ويقدم علي ، فيسأل الإذن له في البراز ، حتى قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» : إنه عمرو.

فقال : وأنا علي (٢).

ونقول :

إننا لا نعتقد : أن هذا الكلام دقيق ، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» كان

__________________

(١) شواهد التنزيل (ط سنة ١٤١١ ه‍. ق) ج ٢ ص ١١.

(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي ج ١٣ ص ٢٨٣ و ٢٨٤.

١٤٠