معجم قرى جبل عامل - ج ١

الشيخ سليمان ظاهر

معجم قرى جبل عامل - ج ١

المؤلف:

الشيخ سليمان ظاهر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (ع) للبحوث في تراث علماء جبل عامل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣١
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

تقديم

بقلم سماحة الشيخ حسن بغدادي

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد» ولا شك أن العالم الجليل والمؤرخ الكبير العلامة الشيخ سليمان ظاهر هو من تلك المدرسة العاملية التي ينطبق عليه هذا الحديث الشريف ، والتي بات يفتخر بالانتساب إليها كلّ من تخرج منها ، فالمحقق الكركي نسب نفسه إلى جبل عامل رغم كونه من بلدة كرك نوح البقاعية ، من هنا وقع في الشبهة بعض من تناول جغرافية جبل عامل معتبرا حدوده تصل إلى حيث يتواجد علماء قد نسبوا أنفسهم إليه ولو كانوا من أقاصي البلاد من دون أن يلتفت هذا البعض إلى الدور الريادي الذي حظي به هذا الجبل خصوصا في عهد الشهيد الأول الشيخ محمد بن مكي الجزيني العاملي حيث تحوّل إلى حاضرة علمية وموقع متقدم في النهضة الشيعية ومركز أساسي في تدعيم الفكر الشيعي ، حتى بات علماؤه الذين تخرجوا منه أعلاما ومنارات على امتداد العالم الإسلامي ، ومع ذلك عرّفوا أنفسهم بالعامليين في سيرهم الذاتيّة ، ومن هؤلاء الأعلام في القرن الأخير للألفية الثانية العلامة الشيخ سليمان ظاهر مؤلف هذا الكتاب «معجم قرى جبل عامل» ، فالشيخ ظاهر لم يكن مجرد مؤرخ ينقل وقائع الأحداث ومشاهداته بقدر ما كان عالما له

٥

حضوره الفكري والأدبي والتاريخي والسياسي ، انتخب عضوا للمجمع العربي في دمشق وكان شاعرا ، واديبا ، وكاتبا ومؤلفا وباحثا في المؤتمرات ومحاضرا في الندوات وأحد المشاركين في المسرح السياسي ، ففي ٢٤ نيسان ١٩٢٠ م عقد علماء وزعماء وأعيان ورجال المقاومة في جبل عامل ، مؤتمرا في وادي الحجير لأجل التخلص من الانتداب الفرنسي وعودة جبل عامل إلى الحاضرة العربية ، حيث كانت المقاومة تفتقد إلى المظلة الدينية والسياسية واستطاع المؤتمرون أن يشكلوا هذه المظلة وخرجوا بتوصيات كانت في صالح أبناء جبل عامل ، هذه المحطة إحدى الأنشطة السياسية والاجتماعية التي شارك فيها علامتنا الراحل ، وإذ عمدنا إلى طبع هذا الكتاب في مناسبة احتفالنا التكريمي الذي سنقيمه في مدينة النبطية للشيخ سليمان ظاهر ، فإننا سنؤجل الحديث حول التفاصيل إلى تلك المناسبة ، فمؤسسة الإمام الصادق عليه‌السلام للبحوث في تراث علماء جبل عامل أخذت على عاتقها إحياء التراث العاملي بما يتضمن من طباعة للكتب المخطوطة وإقامة المؤتمرات والندوات الفكرية. والتوثيقية والاحتفالات التكريمية ، وعقدنا لهذا الغرض العديد من المؤتمرات والندوات لشخصيات أساسية منهم ـ على سبيل المثال ـ المحقق الكركي ـ الشهيد الثاني ـ السيد هاشم معروف الحسني الشيخ محمد مهدي شمس الدين ـ السيد عبد المحسن فضل الله ـ السيد حسن إبراهيم ـ وغيرهم ..

والتزاما منا بطباعة الكتب المخطوطة بدأنا بالكتاب الذي بين أيدينا «معجم قرى جبل عامل» بعد ما تعرفت على نجل المؤلف المربي والمؤلف الأستاذ عبد الله ظاهر وهو ابن ٨٦ عاما عن طريق سبط الشيخ ظاهر السيد شوقي صفي الدين ، هذا الكتاب الذي ينسجم مع طبيعة المؤلف ، فصحيح أن الشيخ ظاهر من مدينة النبطية إلّا أنه كان الباحث والمؤرخ والمشارك في جميع مكونات هذا الجبل حيث أدرك رحمه‌الله القيمة العلمية والأدبية

٦

والسياسية لهذا الجبل ، والخصائص التي ميزته عن كثير من المراكز العلمية ، فالأدب والشعر وعلم الكلام ، والتفسير والعلوم المختلفة مضافا للاهتمام بالشؤون الإجتماعية والسياسية ومواجهة الاحتلالات المتعاقبة ، شكّلت بمجموعها فارقا أساسيا ميزتهم عن غيرهم من علماء الإمامية.

هنا لا بد أن أشكر صاحب الفضل حجة الإسلام والمسلمين سماحة السيد حسن نصر الله على اهتمامه بهذه المؤسسة ودعمه لنا في إحياء تراث علماء جبل عامل حيث تحول هذا الجبل بعهده إلى محطة أساسية أضاءت سماء عالمنا الإسلامي كما لا بد أن أنوه بسعادة سفير الجمهورية الإسلامية في بيروت الأخ السيد مسعود إدريسي على مساهمته معنا في طباعة هذا الكتاب ومشاركته لنا في العديد من المؤتمرات والندوات الفكرية.

حسن بغدادي

مدير مؤسسة الإمام الصادق (ع)

للبحوث في تراث علماء جبل عامل

٧

نبذة عن حياة المؤلف

بقلم الأستاذ عبد الله الشيخ سليمان ظاهر

نسبه ومولده ونشأته :

هو سليمان بن محمد بن علي بن إبراهيم بن حمود بن ظاهر زين الدين العاملي النبطي (١) ، ولد في النبطية من أبوين صالحين في العاشر من المحرم الحرام سنة ١٢٩٠ ه‍ ١٨٧٣ م ، وتوفيت والدته وهو في الثالثة من عمره ، فكفلته خالته زوج أبيه ، فأحسنت كفالته وتربيته.

ولما بلغ العاشرة قرأ القرآن المجيد وتعلم شيئا من الخط والإملاء وهو كل ما كان يظفر به بعض أترابه في ذلك العهد في الكتاتيب العاملية التي لم تكن لتخرج إلّا أنصاف الأميين الذين لم تبلغ نسبتهم المئوية من مجموع سكان جبل عامل أكثر من اثنين في المائة عهد ذاك ، إذ لم تكن الدولة العثمانية في ذلك الحين لتعنى في نشر العلم ومحاربة الأمية والجهل وخاصة في القرى والرساتيق البعيدة عن المدائن والحواضر ، ولو لا قيام رهط صالح من العلماء في القطر العاملي بإشادة بعض المدارس الخاصة الدينية وتعليمهم المجاني للناشئين ، وإنفاقهم على الفقراء منهم وجلّهم من الفقراء

__________________

(١) ينتمي إلى الإمام فقيد الإمامية الشيخ زين الدين الشهيد الثاني المتوفى قتيلا وهو في طريق الاعتقال إلى القسطنطينية في قونية سنة ٩٦٥ ه‍.

٨

لا نقطعت سلسلة العلم من البلاد ولطغى عليها الجهل المطبق ، على أن كل ما يستهدفه ذلك الرهط من التعليم في مدارسهم ولا سيما في المائة الثالثة عشرة وأوائل المائة الرابعة عشرة كاد يتمحض لتعليم علوم الفقه وأصوله والتوحيد والنحو والصرف والبيان والمنطق ، وما عدا ذلك من العلوم الأخرى المثقفة والمهذبة للنفوس ولو بأساليبها القديمة فلم تكن منها لا في العير ولا في النفير.

خرج المترجم له من كتّابه وهو لم يتزود منه غير بلغة يسيرة لا تسمن ولا تغني من جوع ، وفي نفسه نزوع إلى ارتشاف مناهل العلم غرسه فيها والده الذي كان على جانب من التقى والصلاح ومحبة العلم والعلماء ، ولم تمنعه سن الأربعين أن يتلقى القرآن الكريم في صفوف الناشئين في كتّابهم وأن يسعى لاكتساب ما ينفقه على أسرته.

لاحظ الوالد ميل ولده سليمان للتعليم الذي وجهه إليه وهو يرى وسائله مفقودة في بلده ، والرحلة إلى غيره خارجة عن حدود طاقته ، والمدارس الدينية الخاصة قد أقفل أكثرها ، ولم يبق منها في البلاد سوى مدرستين أو ثلاث ، والرحلة إليها شاقة متعذرة على ناشئ في الحادية عشرة من السن ، فلم يجد وسيلة لقضاء حاجة ولده الملحة من طلب العلم أقرب من أن يلتمس من صديقه السيد محمد نور الدين الموسوي من العلماء الأجلة المقيم في قرية النبطية الفوقا على بعد ميل وبعض الميل من بلده منحه جزءا من وقته يلقنه به مبادئ النحو ، فأجابه إلى ما التمسه ، فأخذ يتردد عليه صباح كل يوم ويقرأ عليه بعض المتون في علم النحو ، وثابر على ذلك مدة من الزمن إلى أن تهيأت له الرحلة مع رفيق له إلى مدرسة العلامة السيد حسن آل إبراهيم الحسيني التي أنشأها في قرية النميرية من أعمال مقاطعة الشومر على بعد سبعة أميال من النبطية.

مكث سليمان في هذه القرية بضعة أشهر يدرس في مدرستها مبادئ

٩

علمي النحو والصرف ، ثم أقفلت تلك المدرسة لأسباب لا مجال لذكرها ، فعاد إلى بلده وعاود الدرس على أستاذه الأول من بعض رفاقه حتى سنة ١٣٠٣ ه‍. التي قدم فيها النبطية تلبية لدعوة من أهلها السيد محمد آل إبراهيم للتعليم والارشاد ، فلازمه وقرأ عليه شطرا من العلوم العربية وآدابها وطرفا من رسائل ابن سينا وشيئا من الإلهيات وعلوم الكلام وقسما من آمالي الشريف المرتضى ، وكان لهذا الاستاذ الفضل الكبير في إذكاء قريحة سليمان لنظم القريض وممارسة الكتابة وتوجيهه للتجديد وقبول الجديد ، وفي تلك الأيام علا شأن مدرسة بنت جبيل في القسم الجنوبي من جبل عامل لمؤسسها المصلح الكبير الشيخ موسى شرارة ، فارتحل إليها وأقام بها بضعة أشهر ، وعاد في أيام عطلتها ، وكان ذلك آخر عهده بها لوفاة مؤسسها.

وفي سنة ١٣٠٦ ه‍. جدّد أول أساتذته السيد محمد نور الدين مدرسة آبائه في النبطية الفوقا ، فأقبل عليها الطلاب من كل حدب وصوب ، وانتقل سليمان إليها ودرس فيها على الأستاذ الفاضل الشيخ جواد آل السبيتي بعض شروح الشمسيات للقطب الرازي في المنطق وشرح التلخيص للسعد التفتزاني في المعاني والبيان إلى سنة ١٣٠٩ ه‍. التي قدم فيها النبطية من النجف الأشرف بدعوة من سكانها العلامة الكبير السيد حسن يوسف مكي ، وأنشأ فيها مدرسة حفلت بالطلاب من مختلف الأنحاء العاملية واللبنانية ومن بعض قرى بعلبك ، فكانت من خيرة المدارس العاملية ، بل كانت فتح عهد جديد بعد التراجع العلمي وبعد الفترة التي كادت تندثر فيها البقية الباقية من المدارس العاملية التي لم ينقطع لها صلة في البلاد منذ المائة الثامنة للهجرة.

وبعد تأسيس هذه المدرسة بثلاث سنوات افتتحت عدة مدارس في شقراء وعيثا وعيناثا وجبع وغيرها. وقد أمّ مدرسة النبطية فريق من الفضلاء

١٠

الذين تخرجوا من مدرسة حنويه ومدرسة بنت جبيل ، وكان من جملة الوافدين على مدرسة النبطية الأستاذ الشيخ أحمد مروّة المحقق ، فدرس سليمان عليه تتمة شرحي الشمسية والتلخيص ومقدمة معالم الدين في أصول الفقه والشرائع في الفقه وبعض كتب الكلام ، ودرس كتب العلامة الأصولي المجدّد الشيخ مرتضى الأنصاري في الأصول وكتابيه الطهارة والمكاسب في الفقه ، والقوانين في الأصول للميرزا القمي ، وشرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني على رئيس المدرسة ، وكان مع تلقيه هذه الدروس يلقي على الطلاب دروس المنطق والمعاني والبيان والأصول والفقه والكلام والتوحيد إلى سنة ١٣٢٤ ه‍. وهي السنة التي توفي فيها آخر أساتذته ، فتفرق شمل الطلاب وكان ذلك آخر عهده بالطلب ، ولكنه عكف على المراجعة والمطالعة ودرس على نفسه من مبادئ العلوم التي لم تكن تدرس في مدارس ذلك العهد ما كان له به بعض المشاركة لدارسيها ، وأولع بمطالعة الكتب العصرية والمجلات العلمية والأدبية التي كانت تصدر في ذلك الزمن في مصر وبيروت كمجلة المقتطف ومجلة الهلال ومجلة المنار وغيرها ، فكانت له في ذلك قدم صالحة وفتحت له آفاقا جديدة لم يكن للعاملين عهد بها.

نشأته الأدبية :

نما فيه الميل إلى مزاولة الأدب وممارسة الكتابة والتمرن على أساليبها العصرية نابذا الطريقة القديمة العقيمة التي كانت متبعة في جبل عامل ، فلم ينتقص حظه من ثمرة اجتهاده ، وتحرى طريقة الكرام الكاتبين من أبناء عصره ، وراسل بعض الصحف البيروتية خاصة واللبنانية والدمشقية عامة ، وتولى كتابة المقالات الافتتاحية في جريدة المرج التي أصدرها في أوائل الانقلاب العثماني في جديدة مرجعيون صديقه الطبيب أسعد رحال إلى أن حجبتها الحرب العامة.

١١

وكتب في جريدة القبس المحتجبة وفي مجلة العرفان لصديقه الأستاذ الشيخ أحمد عارف الزين ، وفي جريدته جبل عامل المحتجبة ، أبحاثا في السياسة والاجتماع والأخلاق والتاريخ ، وكتب في غيرها من الصحف والمجلات.

أولع بنظم الشعر وهو ابن خمس عشرة سنة ، ولكنه نهج فيه منهجا وسطا بين القديم والجديد ، وجل منظوماته في الأخلاق والاجتماع والوصف وذم مساوئ المدنية الحاضرة.

مؤلفاته :

أحب التأليف وهو في عهد الطلب والتحصيل ، وكلما خطا في مراحل التعليم خطوة نما فيه ذلك الحب ، ولكن كان يعترض طريقه حب التجدّد والتزيّد في الموضوع الذي يحاول التأليف فيه ، وهو يطلب المصادر الكثيرة وهي غير موفورة لديه ، فكان هذا السبب الذي صرفه عن عزمه على التأليف مقتنعا بما كان يكتبه من المقالات في مختلف الموضوعات في الصحف إلى أن تستكمل له مواد التأليف ، حتى إذا جمع مكتبة تحتوي زهاء ألف كتاب بعد أن أدرك سن الكهولة انصرف إلى التأليف ، فكان مما ألفه من المطبوع :

١ ـ تاريخ قلعة الشقيف ، وقد أستأذنه بعض الأدباء في نقله إلى اللغة الإنكليزية.

٢ ـ بنو زهرة الحلبيون.

٣ ـ معجم قرى جبل عامل.

٤ ـ الذخيرة وقد طبع على حدة.

٥ ـ الإلهيات : أحد أجزاء ديوان شعره.

٦ ـ الفلسطينيات : أحد أجزاء ديوان شعره.

١٢

ومما ألّفه من غير المطبوع :

٧ ـ تاريخ الشيعة السياسي.

٨ ـ الرحلة العراقية : وهي قصيدة تبلغ زهاء ٥٠٠ بيت وصف فيها مشاهداته في العراق يوم سافر إليه مع الوفد العاملي لحضور حفلة أربعين المرحوم الملك فيصل بن الحسين سنة ١٣٥٢ ه‍.

٩ ـ الحسين بن علي : يبحث فيه عن أسباب شهادته.

١٠ ـ الرحلة الإيرانية.

١١ ـ الملحمة الإسلامية الكبرى. (شعر).

١٢ ـ الشعر والنثر العامليان المنسيان.

١٣ ـ مجموع ما دار بينه وبين رهط من أعاظم العلماء وأكابر الأدباء من المراجعات الشعرية.

١٤ ـ عدة مجامع أدبية.

١٥ ـ ديوان شعره وهو ينيف على عشرين ألف بيت.

١٦ ـ القصائد النبوية.

١٧ ـ نقض مذهب داروين.

١٨ ـ رسالة في أحوال أبي الأسود الدؤلي وهو أحد جامعي العراقيات.

١٩ ـ تاريخ جبل عامل القديم والحديث.

حياته السياسية :

عني بالسياسة منذ الصغر ولا سيما ما يتعلق منها بوطنه ، ونكب في سبيلها نكبات في الحرب العالمية الأولى ، وكان في القافلة الأولى بين مسجوني عاليه سنة ١٣٣٣ ه‍. وبعد سجنه ثلاثة وخمسين يوما خرج مع رهط من إخوانه مبرّءا من التهم السياسية ، ولم يسلم بعد تلك الحرب من أذاها.

١٣

في الجمعيات والمؤتمرات :

دخل عضوا في جمعية التعاون الخيري العام سنة ١٣١٦ ه‍. وهو أحد مؤسسي المحفل العلمي العاملي في العهد الحميدي ، ولكنه لم يكتب له البقاء ، وكان عضوا في الهيئة المركزية بفرع جمعية الاتحاد والترقي الذي أسّس في بلدة النبطية في أوائل الانقلاب العثماني ، وكان عضوا في الجمعية الخيرية العاملية التي أسست في النبطية سنة ١٣٣١ ه‍. وعضوا في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية التي أسسها هو ورهط من فضلاء بلده لنشر العلم وإنشاء وقوف ثابتة لها من التبرعات ومن شتى الوجوه ، وكان للمرحوم توفيق بك الميداني من وجهاء دمشق أيام كان مديرا في ناحية الشقيف يد بيضاء في مساعدتها وتنمية وارداتها ، ثم انتخب سليمان رئيسا للجمعية المذكورة التي أصبح لها من الأملاك المبنية ما يقوم ريعها في الإنفاق على مدرستها التي أقامتها على أنقاض المدرسة الحميدية التي أسسها العلامة الكبير المرحوم السيد حسن يوسف مكي ، وجدّد داثرها الأخوان المحسنان الحاج حسين الزين ويوسف بك الزين ، وكان عدد تلامذتها في ذلك الحين زهاء المائتين ، وتولى المترجم له رئاسة جمعية نشر العلم في صيداء بعد الحرب العالمية الأولى ، وكان أحد أعضاء المؤتمر الإسلامي العام الذي عقد في القدس الشريف سنة ١٣٥١ ه‍. وكان عضوا في مؤتمر بلودان ، وعضوا في أكثر المؤتمرات الوطنية التي عقدت في بيروت وغيرها ، وكان أحد أعضاء جمعية العلماء العاملية ، وعضو شرف في جمعية الرابطة الأدبية النجفية ، وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق.

رحلاته :

كان في سنة ١٣٥٢ ه‍. في الوفد العاملي الذي سافر إلى بغداد مع وفود الأقطار السورية واللبنانية والفلسطينية لحضور حفلة التأبين الكبرى بعد مرور أربعين يوما على وفاة الملك فيصل الأول ، وقد أحاط نجله

١٤

الملك غازي الأول هذا الوفد برعايته الخاصة ، كما لقي كثيرا من الاحتفاء والتكريم في مدن الفرات الأوسط كربلاء والنجف والكوفة والحلة.

وفي سنة ١٣٥٣ ه‍. قام برحلة إلى العراق وإيران استغرقت ستة أشهر ، وكان محاطا بعطف العراقيين والإيرانيين ، ووضع مذكرات في هذه الرحلة ، ووصف البلاد التي طوّف فيها وصفا جامعا. ودعي لحفلة تأبين ياسين باشا الهاشمي في بغداد ، وكان من المتكلمين فيها ، ودعي لحفلة تأبين الملك غازي الأول ، وإلى عدة مؤتمرات وحفلات لا مجال لذكرها.

في التجارة والوظائف :

مارس التجارة مع اشتغاله بالعلم والكتابة فلم يفلح ، وندب إلى الوظائف العدلية ، فكان قاضي تحقيق في صيدا في بدء الاحتلال الفرنسي ، ثم اضطر إلى التخلي عن الوظيفة بسبب نزعته الاستقلالية ونصرته القضية العربية ، ثم اعتقل عام ١٩٢٢ م ، وعين بعدها مستشارا في محكمة بداية كسروان ، ثم حاكم صالح في الهرمل والنبطية ، ولكنه ما عتم أن فصل من الوظيفة لأسباب سياسية ، ولكنه لم يكن راغبا في الوظيفة التي حمل عليها مكرها ، فحمد ذلك الإخراج منها لأنه كان سببا لانصرافه إلى ما هو أهم منها ، وإلى ما هو ميسّر له من المطالعة والتأليف.

أعماله :

عمل كثيرا مع رهط صالح من بلاده وخاصة بلدته النبطية ، فكانوا هم أساس النهضة العلمية العاملية الجديدة التي آتت أكلها ، وباعثين روح التجديد فيها. وقد أنفق معظم أوقاته في هذه الناحية ، وفي ناحية الكتابة وفي تأليف كتابه تاريخ الشيعة ، والملحمة الإسلامية الكبرى وغيرها ، وفيما يفيد وطنه مما يبلغه وسعه.

١٥

وفاته :

وقضى باقي سني حياته منكبا على المطالعة والكتابة ونظم الشعر ، مهتما بتثقيف أبناء منطقته وخدمتهم ، وإذكاء الروح الوطنية في النشئ ، متعاونا في ذلك مع رهط من العامليين المجاهدين ، ومضى في ذلك قدما إلى أن أقعده المرض وقد بلغ السابعة والثمانين ، وتوفاه الله نهار الإثنين الواقع في السادس عشر من شهر جمادى الآخرة سنة ١٣٨٠ ه‍ الموافق للخامس من شهر كانون الأول سنة ١٩٦٠ م.

١٦

المقدمة الأولى

صابر جبل عامل المحن ، وثبت على نوائب الزمن ، مدافعا عن عمرانه ، مستبقيا على سكانه بشم جباله ، وشمم رجاله ، ومنعة معاقله وصياصيه ، وإباء بنيه ووحدة مذهب ساكنيه.

كان رقعة مغمورة من رقاع سورية ، مندمجا في الأعمال ، مستتبعا ما يقرب إليها من قواعد الولايات ، حيث لم يكن له وجود سياسي مستقل ، فكان يتبع منها ما يراه في تقسيمها الولاة. فكان تارة جزءا من عمل فلسطين أو الأردن ، وطورا من عمل بانياس ووادي التيم ، وآونة من عمل صيدا. ولم يكن معروفا باسم جبل عامل أو جبال بني عاملة على أنه عمل مستقل إلا في القرون الأخيرة.

عرف في عهد الدولة الصلاحية بجبل عاملة وجبل الخيل ، على رواية الكامل (١) ، أو الخليل (بالخاء المعجمة الفوقية) ، وعرفه قبل ذلك قدماء المؤرخين والجغرافيين كاليعقوبي في أعلاقه المطبوع في أوروبا حيث قال «وجبل الجليل (بالجيم) وأهلها قوم من عاملة» (٢) ، وياقوت في معجمه ذكر

__________________

(١) ابن الأثير ، أبو الحسن علي : الكامل في التاريخ. المطبعة الأزهرية المصرية ١٣٠١ و/ ١٨٨٤ م ، ١٢ : ٦٠ (حوادث سنة ٥٩٣).

(٢) اليعقوبي ، أحمد بن أبي يعقوب : كتاب البلدان. المكتبة المرتضوية ومطبعتها الحيدرية. النجف الأشرف ـ ١٩٣٩ ، ص ٨٥.

١٧

حدودها (١) ، وأبو الفداء في تقويمه (٢) حددها فقال : «إن جبل عاملة من الأماكن المشهورة ، وهو ممتد في شرقي الساحل وجنوبيه حتى يقرب من صور إلى أن قال : «وكانت رعاياه في حكم الافرنج ، وفي شرقيه وجنوبيه جبل عوف (عجلون)».

ضيق دائرته بعضهم حتى حصرها في القسم الجنوبي وهو المسمى ببلاد بشارة. ووسعه آخرون حتى ألحقوا به قسما كبيرا من لبنان الجنوبي. وجملة القول أن الأقاويل في تحديده مضطربة ، وأقربها إلى العرف والمعقول ما صدرنا به فقال (قلعة الشقيف) (٣) في المجلد السادس من العرفان.

قلنا إن جبل عامل لم يكن معروفا على أنه عمل مستقل إلا في القرون الأخيرة. ونقول الآن أن عمله المستقل كان على مثال الأعمال الإقطاعية ، التي قضت سياسة الغالب تجزئة بلاد الشام إليها.

وفيها تركتها ميدانا للتنازع بين حكام الاقطاعات المتجاورين ، وبابا للتفريق بين ملتمسي الإمرة من كل مقاطعة ، وكيف كان فقد قام في جبل عامل حكم إقطاعي موزع على رؤوساء أسره المعروفة ، امتد زهاء قرنين أو أكثر ، كانت الحرب فيها بين العامليين ومجاوريهم سجالا ، وقد امتنعوا بمنعة قلاعهم الكثيرة ، وحصونهم التي رمموها أو شيدوها ، وببسالة أبطالهم

__________________

(١) ياقوت : معجم البلدان. دار صادر بيروت ١٩٧٩ ، ٢ : ١٤ : «تبنين بلدة في جبال عاملة المطلة على بلد بانياس بين دمشق وصور» و ٥ : ٤٢٠ «وهو نين بلد في جبل عامل مطل على نواحي مصر».

(٢) أبو الفداء : تقويم البلدان. بعناية رينو ودسلان ـ باريز ١٨٤٨ ، ص ٢٦٠.

(٣) «من الجانب القبلي للنهر المسمى نهر القرن الجاري شمالي طرشيحا إلى البحر جنوب قرية الزيب (الزيب) ، بالقرب من عكا ، وشمالا النهر المسمى بالأولي الذي يصب في البحر المتوسط شمالي مدينة صيداء ، ومن الغرب البحر ، ومن الشرق طرف الأردن والخيط والحولة إلى نهر الغجر ووادي عوبا» شبيب باشا الأسعد : العقد المنضد ، ص ١٢٥ ، ولقد كانت قصبة جزين وملحقاتها وجبل الريحان حق مشغرة من أعمال البقاع تابعة جبل عامل.

١٨

الذين تعودوا خوض غمرات الوغى على الطامعين بإخضاعهم والاستيلاء على بلادهم ، وحسبك أن الولاة العثمانيين في الشام وعكا وصيدا كانوا يستنفرون أحيانا كثيرة إلى حربهم ولاة الشوف وحكام فلسطين ، ومرات يحشدون عليهم الجيوش الجرارة من أكثر الأقطار الشامية ، ويغزونهم في عقر دورهم ، كما جرى في حرب كفررمان التي خرجوا منها ظافرين (١).

وقد استعزّ الشيخ ظاهر العمر الزيداني باتفاقه معهم. كما استعزّوا بحلفه ، وكان له ولهم من الشأن ما عرفه لهم مؤرخو ذلك العهد ، ورواه المؤرخ الأمير حيدر الشهابي فقال : «وكان (ظاهر العمر) متفقا مع مشايخ المتاولة حكام مدينة صور وبلاد بشارة. وكان في تلك الأيام أعظمهم جاها وأكثرهم مالا ورجالا الشيخ ناصيف النصار ، وكان تحت يده حصون منيعة ، وأبطال أشداء ، فطابت لهم الأيام ، وغفلت عنهم حكام بلاد الشوف من الغارات والغزوات المعتادة بينهم» (٢).

طوى صحيفة استقلال جبل عامل أحمد باشا الجزار سنة ١١٩٥ و/ ١٧٨٠ م وعلى رواية الأمير حيدر ١١٩٧ ه‍ / ١٧٨١ م (٣). أما البلاء الذي استقبله العامليون من ذلك الظالم منذ إزالة حكم امرائهم إلى مهلكه ١٢١٩ ه‍ / ١٨٠٤ م وما أصابهم منه من التنكيل والتشريد والتخريب فلم يسبق له مثيل.

استرد حكم البلاد إلى أمرائهم في ولاية سليمان باشا وعبد الله باشا (٤) ، وأعيد إليهم ما صادره الجزار من أملاكهم وامتد هذا الحكم إلى

__________________

(١) أنظر كفر رمان.

(٢) الغرر الحسان في تواريخ لبنان. طبعة مصورة عن طبعة مصر سنة ١٩٠٠ دار الآثار ـ بيروت لات ، ص ٨٠١.

(٣) المصدر السابق ، ص ٧٣٨ ـ ٧٤١.

(٤) في بعض المخطوطات : عبد الله باشا بن علي باشا حكم بعد موت سليمان باشا سنة ١٢٣٥ و ١٢٧٠ ه‍ حكم المتاولة بلادهم (سليمان ظاهر).

١٩

سنة ١٢٨١ ه‍ / ١٨٦٤ م ، وفي أثنائه كانت بلاد الشام تخوض بحارا من الفتن (١) ، وحلّ في جبل عامل سنة ١٢٥٠ [١٨٣٤ ـ ١٨٣٥ م](٢) من الظلم المريع بسبب النظام العسكري الذي أدخل إلى بلاد الشام ما لا تبرك عليه الإبل.

وبعد فإن نكبات الحروب التي عانتها البلاد الشامية قديما وحديثا من الغزاة والفاتحين ، وتعاقب السلطات المختلفة عليها كان منها لجبل عامل القسط الأكبر. وعانى كثيرا من أهوال الحروب الصليبية لاتخاذ المحاربين له ميدانا للهجوم والدفاع من هنا وهناك ، وألقاه في هذه المهاوي البعيدة القعر قربه من البحر ، ومنعته الطبيعية بجباله التي تزل عنها العصم ، وقلاعه الكثيرة الحامية عوراته من طموح الغزاة.

إن يد التخريب لم تنل منه في الحروب الصليبية ، وهو مجرى العوالي ومجرى السوابق ، ما نالته منه القرون الأخيرة ، ولا سيما أيام الجزار التي كانت كلها شؤما عليه ، وهو يراه معترضا في سبيل مطامعه اعتراض الشجا في الحلق ، وحدوده الجنوبية متاخمة لقاعدة حكمه عكاء ، فكان همه خضد شوكته فنال منه في مدة سلطانه ما لم تنله منه القرون الكثيرة ، قلنا إن يد التخريب لم تنل منه في الحروب الصليبية ما نالته منه في القرون الأخيرة ، وإليك البرهان في مثالين من حالة جبل عامل في الحروب الصليبية ، وفي الثورات الأهلية في أزمنة الحكم الاقطاعي.

أما المثال الأول فنرويه عن ابن جبير (٣) في وصف بلاد جبل عامل في

__________________

(١) إشارة إلى فتنة ١٨٦٠ بين الدروز والموارنة.

(٢) في عهد حملة إبراهيم باشا.

(٣) عن رحلته التي تبتدي بشوال سنة ٥٨٢ [٥٧٨] وتنتهي بمحرم سنة ٥٨٧ [٥٨٢] ص ٢٨٤ سليمان ظاهر.

[والرحلة عن طبعة بريل بليدن ، مطبعة السعادة مصر ط ١ ١٩٠٨ م.

٢٠