الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

سلمة ، وأغمضه بيده (١) ، كان قد أتاه ليعوده ، فصادف خروج نفسه (٢) فضج ناس من أهله ، فقال «صلى الله عليه وآله» : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمّنون.

ثم قال : اللهم اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا ، وله يا رب العالمين (٣).

«فغسل من (اليسيرة) ، بثر بني أمية بن زيد بالعالية ، وكان ينزل هناك حين تحول من قباء ، غسل بين قرني البئر. وكان اسمها في الجاهلية «العبير» فسماها رسول الله «صلى الله عليه وآله» : (اليسيرة) ثم حمل من بني أمية بن زيد ، فدفن في المدينة» (٤).

من حياة أبي سلمة :

وأخيرا .. فإنهم يقولون : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان قد آخى بين أبي سلمة وبين سعد بن خيثمة (٥).

ولما أقطع رسول الله «صلى الله عليه وآله» الدور في المدينة ، جعل لأبي

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ١٧٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٠ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٩٦ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٠٩.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ١٧٢.

(٣) أسد الغابة ج ٣ ص ١٩٦ وراجع : ذخائر العقبى ص ٢٥٤ وطبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ١٧٢.

(٤) طبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ١٧٢ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣٤٣.

(٥) طبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ١٧١.

٨١

سلمة موضع داره ، عند دار بني عبد العزيز الزهريين اليوم ، وكانت معه أم سلمة ، فباعوه بعد ذلك ، وتحولوا إلى بني كعب (١).

واستخلف رسول الله «صلى الله عليه وآله» أبا سلمة على المدينة ، لما سار إلى غزوة العشيرة ، سنة اثنتين من الهجرة (٢).

وسيأتي حين الكلام على سرية قطن بعض ما يذكرونه عنه : أنه فعله في هذه السرية.

ورغم : أن الكثير مما تقدم يحتاج إلى بحث وتحقيق ، ولكننا سوف نعتبره من الأمور التي لا نجد ضرورة ملحة لمعالجتها في الوقت الحاضر ، ولأجل ذلك ، فنحن نرجئ الحديث عنها إلى فرصة أخرى ، ووقت آخر ، ونكتفي بتسجيل ملاحظات يسيرة ، رأينا في الاشارة إليها بعض الفائدة ، أو هكذا خيل لنا ، والملاحظات هي التالية.

هجرة أبي سلمة إلى الحبشة وإلى المدينة :

ويقولون : إن أبا سلمة كان قد : «هاجر إلى الحبشة ، وكان أول من هاجر إليها.

وقال ابن مندة : هو أول من هاجر بظعينته إلى الحبشة ، وإلى المدينة» (٣) فهو إذا قد كان الأول في الهجرتين معا.

وكان أبو سلمة قد التجأ ـ في أول الأمر ـ إلى خاله أبي طالب ، شيخ

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ١٧١.

(٢) أسد الغابة ج ٣ ص ١٩٦ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٣٣٨.

(٣) ذخائر العقبى ص ٢٥٣ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٠٩ وثمة مصادر كثيرة أخرى تقدمت طائفة منها في الجزء الثالث من هذا الكتاب.

٨٢

الأبطح «رحمه الله» حينما اشتد البلاء على المسلمين ؛ فمنعه أبو طالب ، ورفض تسليمه إلى بني مخزوم (١) ثم كانت الهجرة إلى الحبشة ، فكان أول من هاجر إليها.

وأما بالنسبة إلى هجرته إلى المدينة ، فإنه حينما قدم من الحبشة إلى مكة وآذته قريش ، وقد بلغه إسلام من أسلم من الأنصار ، خرج إليها ، وذلك قبل بيعة العقبة (٢).

وكان قدومه إلى المدينة لعشر خلون من المحرم ، ونزل على مبشر بن عبد المنذر (٣).

ومما تقدم يظهر : أن قولهم : إن عثمان كان أول من هاجر إلى الحبشة بأهله لا يصح ؛ ولا أقل من أنه يصير محل شك وريب ، وقد ألمحنا إلى ذلك في الجزء الثالث من هذا الكتاب في فصل : الهجرة إلى الحبشة.

أبو سلمة في حنين (!!)

قال ابن مندة : شهد أبو سلمة بدرا ، وأحدا ، وحنينا والمشاهد ومات بالمدينة ، لما رجع من بدر (٤).

ونقول :

أولا : إن غزوة حنين قد كانت سنة ثمان ، فمن مات بعد رجوعه من بدر ،

__________________

(١) أسد الغابة ج ٣ ص ١٩٦.

(٢) ذخائر العقبى ص ٢٥٣.

(٣) طبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ١٧١.

(٤) أسد الغابة ج ٣ ص ١٩٦ و ١٩٧.

٨٣

التي كانت في شهر رمضان المبارك ، في السنة الثانية كيف يشهد حرب حنين؟!

ثانيا (١) : قد تقدم أنه مات في السنة الرابعة على ما قاله الجمهور ، أو في الثالثة ، ونحن قد قوينا : أن وفاته كانت في الثانية ، ونسب ذلك إلى أبي عمر ، ولكن في كلام أبي عمر تناقض حسبما ألمحنا إليه.

نزول آية في أبي سلمة :

ويقولون : إن قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ)(٢). قد نزل في أبي سلمة «رحمه الله» تعالى (٣).

ولكن قد ورد أن هذه الآية قد نزلت في أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، روي ذلك عن أبي جعفر الباقر ، وأبي عبد الله الصادق ، وابن عباس ، فراجع (٤).

__________________

(١) أشار إلى هذين الإيرادين على ابن مندة في أسد الغابة ج ٣ ص ١٩٧.

(٢) الآية ١٩ من سورة الحاقة.

(٣) راجع : أسد الغابة ج ٣ ص ١٩٦ ، والتبيان ج ١٠ ص ١٠٠ وفيه : أبو سلمة بن عبد الأسود ، وروى ذلك عن الفراء ، والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٢٧٠ ، عن الضحاك ، ومقاتل ، والإصابة ج ٢ ص ٣٣٥ عن الأوائل لابن أبي عاصم ، عن ابن عباس.

(٤) تفسير البرهان ج ٤ ص ٣٧٧ و ٣٧٨ وراجع : تفسير الميزان ج ١٩ ص ٤٠٢.

٨٤

الفصل الخامس :

رجم اليهوديين حقيقة أم خيال؟!

٨٥
٨٦

اليهود والرجم في القرآن (!!)

ويقولون : إن بعض الآيات القرآنية قد نزلت في مناسبة ترتبط باليهود ، وموقفهم من الرجم في الزنى ، والآيات في سورة المائدة ، وهي التالية :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ* سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ* وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ

٨٧

بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(١) إلى آخر الآيات رقم ٥٠.

وأما القصة التي يقال : إن الآيات نزلت من أجلها ؛ فإن نصوصها شديدة الاختلاف ، بينة التهافت ، ونحن نذكر خلاصات عنها على النحو التالي.

نص الرواية :

ذكروا : أنه في ذي القعدة من السنة الرابعة رجم رسول الله «صلى الله عليه وآله» يهوديا ويهودية زنيا ، ونزل في هذه المناسبة قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٢).

وقيل : بل كان ذلك في شوال من السنة الرابعة (٣).

وعن أبي هريرة : أن ذلك كان حين قدوم النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة (٤) وللرواية نصوص متعددة ومختلفة نذكر منها :

__________________

(١) الآيات ٤١ ـ ٤٥ من سورة المائدة.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٧ وراجع : عون المعبود ج ١٢ ص ١٣١ عن القسطلاني ، وشرح الموطأ للزرقاني ج ٥ ص ٨٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١١٧ أما الذهبي ، فذكر ذلك في السنة الرابعة من دون تحديد الشهر فراجع : تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢١٠.

(٣) التنبيه والإشراف ص ٢٢٣.

(٤) نصب الراية ج ٣ ص ٣٢٦ وسنن أبي داود ج ٤ ص ١٥٦ وعمدة القاري ج ١٨ ١٤٧ وفتح الباري ج ١٢ ص ١٥١ و ١٥٢.

٨٨

١ ـ عن ابن عمر : إن اليهود أتوا النبي «صلى الله عليه وآله» برجل وامرأة منهم قد زنيا ؛ فقال : ما تجدون في كتابكم؟. «وحسب نص آخر عنه : كيف تفعلون بمن زنى منكم؟».

فقالوا : نسخّم وجوههما ، ويخزيان ..

وفي نص آخر عنه : «نفضحهم ، ويجلدون ، وفي نص ثالث أيضا : نحممهما ، ونضربهما» ، فسألهم : إن كانوا يجدون الرجم في التوراة ، فأنكروا.

فقال «صلى الله عليه وآله» : كذبتم ، إن فيها الرجم ؛ فأتوا بالتوراة ؛ فاتلوها إن كنتم صادقين.

وفي نص آخر : عن ابن عمر أيضا : «أن ابن سلام قال لهم ذلك». فجاؤوا بالتوراة ، وجاؤوا بقارئ لهم أعور ، يقال له : ابن صوريا.

وفي نص آخر عنه : «فدعا ـ أي النبي «صلى الله عليه وآله» ـ ابن صوريا».

فقرأ ، حتى انتهى إلى موضع منها ، وضع يده عليه ؛ فقيل له : وفي نص آخر «فقال له ابن سلام» ارفع يدك ، فرفع يده ، فإذا هي تلوح ؛ فقال : أو قالوا : إن فيها الرجم ، ولكنا كنا نتكاتمه بيننا ، فأمر بهما رسول الله «صلى الله عليه وآله» فرجما.

وفي نص آخر عنه : «فرجمهما رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، بالبلاط».

وفي نص ثالث عنه أيضا : «أنهما رجما قريبا من حيث توضع الجنائز في المسجد».

٨٩

قال : فلقد رأيته يجانئ عليها ، يقيها الحجارة بنفسه (١).

٢ ـ وفي نص آخر : إن اليهود دعوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى القف (٢) ، فأتاهم في بيت المدارس فقالوا : يا أبا القاسم ، إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم. فوضعوا للرسول «صلى الله عليه وآله» وسادة فجلس

__________________

(١) راجع في النصوص المختلفة لرواية ابن عمر ، المصادر التالية : منحة المعبود ج ١ ص ٣٠١ ومسند الطيالسي ص ٢٥٣ و ٢٥٤ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٥٤ ومسند أحمد ج ٢ ص ٥ وأشار إلى ذلك بصورة مجملة أو مفصلة في ص ٧ و ٦٢ و ٦٣ و ٧٦ و ١٢٦ و ٢٨٠ وج ٤ ص ٣٥٥ وج ٥ ص ٩١ و ٩٧ و ٩٤ و ١٠٤ وراجع : المسند للحميدي ج ٢ ص ٣٠٦ والجامع الصحيح ج ٤ ص ٤٣ والمنتقى ج ٢ ص ٧٠٦ وكنز العمال ج ٥ ص ٢٤٤ و ٢٤٥ وعمدة القاري ج ٢٤ ص ١٩ و ١٨ وج ٢٣ ص ٢٩٤ والمصنف للصنعاني ج ٧ ص ٣١٨ و ٣١٩ وجامع البيان ج ٦ ص ١٠٣ و ١٦٣ و ١٥٢ و ١٥٦ و ١٥٧ والمغني ج ١٠ ص ١٢٩ و ١٣٠ والشرح الكبير بهامشه ج ١٠ ص ١٦٢ وعون المعبود ج ١٢ ص ١٣٨ ـ ١٤٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١١٦ و ١١٧ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٨٢ ونصب الراية ج ٣ ص ٣٢٦ عن الستة وعن ابن حبان في صحيحه وصحيح البخاري ج ٤ ص ١١٧ وراجع ص ١١٤ وج ٣ ص ٧٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٧ وسنن الدارمي ج ٢ ص ١٧٨ و ١٧٩ والسنن الكبرى ج ٨ ص ٢٤٦ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٨ وراجع : فتح الباري ج ١٢ ص ١١٤ و ١١٥ و ١٤٨ ـ ١٥٣ والموطأ المطبوع مع تنوير الحوالك ج ٣ ص ٣٨ وسنن أبي داود ج ٤ ص ١٥٣ وراجع : صحيح مسلم ج ٥ ص ١٢٢ وأعلام الموقعين ج ٤ ص ٤٦٧ و ٣٦٨ وفتح القدير ج ٢ ص ٤٤ وتفسير الخازن ج ١ ص ٤٦٤ وفي ظلال القرآن ج ٢ ص ٨٩٤.

(٢) القف ـ بالضم ـ : اسم واد بالمدينة. وفي بعض المصادر : الأسقف : بدل القف.

٩٠

عليها ، ثم قال : ائتوني بالتوراة.

فأتي بها.

فنزع الوسادة من تحته ، فوضع التوراة عليها ، ثم قال : آمنت بك ، وبمن أنزلك.

ثم قال : ائتوني بأعلمكم.

فأتي بفتى شاب.

ثم ذكر قصة الرجم (١).

٣ ـ في نص آخر : عن البراء بن عازب قال : مر النبي «صلى الله عليه وآله» بيهودي محمم مجلود (٢) فدعاهم ؛ فقال : هكذا تجدون في كتابكم حد الزاني؟

قالوا : نعم.

فدعا رجلا من علمائهم فقال : أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، أهكذا تجدون حد الزنى؟

قال : لا ، ولو لا أنك نشدتني لم أخبرك ، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد.

ثم تذكر الرواية اختيارهم هذا الحل.

__________________

(١) سنن أبي داود ج ٤ ص ١٥٥ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٨ ، والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ١٧٨ وعمدة القاري ج ٢٣ ص ٢٩٤ وفتح الباري ج ١٢ ص ١٤٩.

(٢) محمم ، أي مسود الوجه بالحمم ، وهو ما أحرق من خشب ونحوه.

٩١

إلى أن تقول الرواية : وأمر به فرجم فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ..) إلى قوله : (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) إلى قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ).

قال : في اليهود ، إلى قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

قال : في اليهود وإلى قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ..)(١).

٤ ـ وفي رواية عن جابر : جاءت اليهود برجل منهم وامرأة زنيا ؛ فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : ائتوني بأعلم رجلين فيكم ؛ فأتوه بابني صوريا.

ثم تذكر الرواية مناشدته «صلى الله عليه وآله» لهما ، وإقرارهما بالرجم في التوراة ، إذا شهد أربعة أنهم نظروا إليه مثل الميل في المكحلة.

__________________

(١) راجع الآيات ٤٠ إلى ٤٧ من سورة المائدة.

وراجع في الحديث : سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٤٦ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٥٥ والنص لهما وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٢٢ و ١٢٣ وسنن أبي داود ج ٤ ص ١٥٤ والمنتقى من أخبار المصطفى ج ٢ ص ٧٠٦ و ٧٠٧ ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٨٦ وجامع البيان للطبري ج ٦ ص ١٥٠ و ١٦٤.

وراجع : تفسير النيسابوري بهامشه ج ٦ ص ١٤١ وتفسير القرآن ج ٢ ص ٥٩ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٨٢ و ٢٨٥ عن أحمد ومسلم وابن داود والنسائي ، والنحاس في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ ، وابن مردويه والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ١٧٧ وراجع : فتح الباري ج ١٢ ص ١٥٠.

٩٢

إلى أن قالت الرواية : فدعا رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالشهود فجاء أربعة فشهدوا ، فأمر برجمهما (١).

٥ ـ وفي نص آخر ، عن الإمام الباقر «عليه السلام» ما ملخصه : أن المرأة كانت من خيبر ، وكانت ذات شرف ، زنت مع آخر من أشرافهم ، وكانا محصنين ، فكرهوا رجمهما ؛ فأرسلوا إلى يهود المدينة ليسألوا النبي «صلى الله عليه وآله» طمعا في أن يأتيهم برخصة ؛ فانطلق قوم منهم كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد بن عمرو ، وشعبة ومالك بن الصيف ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وغيرهم ، فسألوه ، فنزل جبرئيل بالرجم ، فأخبرهم ، فأبوا ، فقال له جبرئيل : اجعل بينك وبينهم ابن صوريا. وهو شاب أمرد أبيض أعور يسكن بفدك ، فناشده «صلى الله عليه وآله» أن يخبره عن الرجم في التوراة ، فاعترف به ، إذا شهد أربعة شهداء بالرؤية المباشرة ، ثم كان سؤال وجواب.

ثم أمر النبي «صلى الله عليه وآله» بهما فرجما عند باب مسجده.

فأنزل الله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ

__________________

(١) راجع : مجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٧١ و ٢٧٢ وكشف الأستار ج ٢ ص ٢١٩ وسنن أبي داود ج ٤ ص ١٥٦ وتفسير الخازن ج ١ ص ٤٦٤ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٩ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٨٢ و ٢٨٣ عن ابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبي الشيخ ، وابن المنذر والحميدي في مسنده ، وأبي داود وابن ماجة ، وابن مردويه وتفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٦ ص ١٧٧ وفتح الباري ج ١٢ ص ١٥٠.

٩٣

تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)(١).

ثم تذكر الرواية طلب ابن صوريا من النبي «صلى الله عليه وآله» أن لا يذكر الكثير الذي عفا عنه في الآية ، فاستجاب لطلبهم ، ثم سأله ابن صوريا بعض الأسئلة ، ثم أسلم ، فوقعت فيه اليهود ، وشتموه ، فلما أرادوا أن ينهضوا تعلقت بنو قريظة ببني النضير.

ثم تذكر الرواية ما سيأتي من قضية القود والدية والتحميم والتجبيه عند قتل واحد من هذه القبيلة أو تلك ، فانتظر (٢).

٦ ـ وعن ابن عباس : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمر برجمهما عند باب المسجد ؛ فلما وجد اليهودي مس الحجارة أقام على صاحبته ، فحنى عليها يقيها الحجارة حتى قتلا جميعا ؛ فكان مما صنع الله لرسوله «صلى الله عليه وآله» في تحقيق الزنى منهما.

وعند الطبراني : أن النبي «صلى الله عليه وآله» أتي بيهودي ويهودية قد

__________________

(١) الآية ١٥ من سورة المائدة.

(٢) راجع : تفسير البرهان ج ١ ص ٤٧٢ و ٤٧٣ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٥٢٢ ومجمع البيان ج ٣ ص ١٩٣ وروي عن غيره نظيره فراجع : تفسير الخازن ج ١ ص ٤٦٣ و ٤٦٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١١٦ و ١١٧ و ١١٨.

وراجع : شرح الموطأ للزرقاني ج ٥ ص ٨٠ و ٨٣ والتفسير الكبير ج ١١ ص ٢٣٢ و ٢٣٣ وفتح القدير ج ٢ ص ٢٣ وتفسير النسفي بهامش الخازن ج ١ ص ٤٦٥ وتفسير الطبري ج ٦ ص ١٠٣ و ١٠٤ و ١٥٧ وتفسير النيسابوري بهامشه ج ٦ ص ١٤٢ وتفسير التبيان ج ٣ ص ٥٢٠.

٩٤

أحصنا ، فسألوه أن يحكم بينهما بالرجم ، فرجمهما في فناء المسجد (١).

٧ ـ وفي نص آخر عنه : أن رهطا أتوا النبي «صلى الله عليه وآله» ، جاؤوا معهم بامرأة ، فقالوا : يا محمد ، ما أنزل عليك بالزنى؟

فقال : اذهبوا فائتوني برجلين من علماء بني إسرائيل ، فذهبوا فأتوه برجلين أحدهما شاب فصيح ، والآخر شيخ قد سقط حاجبه على عينيه ، حتى يرفعهما بعصابة ، فناشدهما أن يخبراه بما أنزل الله على موسى في الزاني ، فأخبراه بنزول الرجم ..

إلى أن تقول الرواية :

فقال : اذهبوا بصاحبتكم ؛ فإذا وضعت ما في بطنها فارجموها (٢).

٨ ـ وعن أبي هريرة رواية طويلة مفصلة ، وملخصها : أن يهوديين زنيا ، فقرر علماؤهم رفع أمرهما إلى الرسول «صلى الله عليه وآله» ، فإن حكم بالرجم كما في التوراة خالفوه ، كما لم يزالوا يخالفونها في ذلك ، وإن حكم بما هو أخف من ذلك أخذوا به ، واعتذروا إلى الله بأنهم عملوا بفتيا نبي من أنبيائه.

فأتوه إلى المسجد ، فسألوه ؛ فلم يجبهم ، بل قام ومعه بعض المسلمين حتى أتى مدارس اليهود ، وهم يدرسون التوراة ، فقام «صلى الله عليه وآله» على الباب ، وناشدهم أن يخبروه بحكم التوراة في الزاني المحصن قالوا :

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٧١ عن أحمد والطبراني ومسند أحمد ج ١ ص ٢٦١ وراجع : فتح الباري ج ١٢ ص ١٥١.

(٢) راجع : مجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٧١ عن الطبراني وراجع تفسير جامع البيان للطبري ج ٦ ص ١٥٣ وراجع الدر المنثور ج ٢ ص ٢٨٢ عن ابن جرير ، والطبري ، وابن مردويه ، وراجع فتح الباري ج ١٢ ص ١٤٩.

٩٥

يحمم ويجبّه (والتحميم تسويد الوجه ، والتجبيه : أن يحمل الزانيان على حمار ويقابل أقفيتهما ، ويطاف بهما).

وسكت حبرهم الشاب. ثم اعترف للنبي بالرجم في التوراة ، ثم أمر النبي «صلى الله عليه وآله» برجمهما.

«فبلغنا : أن هذه الآية أنزلت فيه : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا)(١) وكان النبي «صلى الله عليه وآله» منهم (٢).

٩ ـ وفي رواية أخرى عنه ، جاء في آخرها : فخير في ذلك ، قال : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ)(٣).

__________________

(١) الآية ٤٤ من سورة المائدة.

(٢) الآية ٤١ من سورة المائدة.

راجع : كنز العمال ج ٥ ص ٢٤٥ ـ ٢٤٧ والمصنف ج ٧ ص ٣١٦ ـ ٣١٨ وليراجع :

سنن أبي داود ج ٤ ص ١٥٥ و ١٥٦ وأعلام الموقعين ج ٤ ص ٣٦٨ وفتح القدير ج ٢ ص ٤٣ وعن عبد الرزاق وأحمد ، وعبد بن حميد وأبي داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل والسنن وابن إسحاق وابن المنذر وتفسير الطبري ج ٦ ص ١٥١ و ١٦١.

وراجع : شرح الموطأ للزرقاني ج ٥ ص ٨١ وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٨ و ٥٩ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٨٢ عن عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبي داود ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل وتفسير القرطبي ج ٦ ص ١٧٨ وراجع : فتح الباري ج ١٢ ص ١٤٨.

(٣) راجع : كنز العمال ج ٥ ص ٢٤٥ ـ ٢٤٧ والمصنف ج ٧ ص ٣١٦ ـ ٣١٨ وليراجع سنن أبي داود ج ٤ ص ١٥٥ و ١٥٦ وأعلام الموقعين ج ٤ ص ٣٦٨ وفتح القدير

٩٦

١٠ ـ وعند البيهقي عنه : أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدارس حين قدم رسول الله «صلى الله عليه وآله» المدينة ، وقد زنى منهم رجل بعد إحصانه بامرأة من اليهود قد أحصنت ، فقالوا : انطلقوا بهذا الرجل وبهذه المرأة إلى محمد «صلى الله عليه وآله» فسلوه كيف الحكم فيهما وولوه الحكم عليهما ، فإن عمل بعملكم فيهما من التجبيه ..

إلى أن قال : فاتبعوه وصدقوه ، فإنما هو ملك ، وإن هو حكم فيهما بالرجم فاحذروا على ما في أيديكم أن يسلبكموه.

إلى أن تقول الرواية : إنه طلب من اليهود أن يخرجوا إليه أعلمهم ؛ فأخرجوا له ابن صوريا الأعور.

وقد روى بعض بني قريظة : أنهم أخرجوا إليه مع ابن صوريا أبا ياسر بن أخطب ، ووهب بن يهوذا ، فقالوا : هؤلاء علماؤنا.

إلى أن تقول الرواية : قالوا لابن صوريا : هذا أعلم من بقي بالتوراة ؛ فخلا به رسول الله «صلى الله عليه وآله» وكان غلاما شابا ، من أحدثهم سنا فألظ به المسألة رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ثم تذكر الرواية : «مناشدة النبي «صلى الله عليه وآله» له ، واعترافه بأن

__________________

ج ٢ ص ٤٣ عن عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبي داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل والسنن وابن إسحاق وابن المنذر وتفسير الطبري ج ٦ ص ١٥١ و ١٦١ وراجع : شرح الموطأ للزرقاني ج ٥ ص ٨١ وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٨ و ٥٩ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٨٢ عن عبد الرزاق وأحمد ، وعبد بن حميد ، وأبي داود ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل وتفسير القرطبي ج ٦ ص ١٧٨ وراجع : فتح الباري ج ١٢ ص ١٥٦.

٩٧

التوراة جاءت بالرجم ، فخرج «صلى الله عليه وآله» وأمر بهما ، فرجما عند باب مسجده في بني غنم بن مالك بن النجار ، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا ، فأنزل الله :

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ..) إلى قوله : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ..) يعني الذين لم يأتوه وبعثوا وتخلفوا أو أمروهم بما أمروهم به من تحريف الكلم عن مواضعه ، قال :

(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) ـ «للتجبيه» ـ (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ ـ «أي الرجم» ـ فَاحْذَرُوا ..)(١)» (٢).

هذا .. وقد صحح القرطبي نزول الآيات بهذه المناسبة (٣) وهو ما اعتمده كثير من المفسرين.

ولكن نصا آخر ذكر أنهم سألوا النبي «صلى الله عليه وآله» فأفتاهم بالرجم فأنكروه ؛ فناشد أحبارهم فكتموا حكم الرجم إلا رجلا من أصاغرهم أعور ، فقال : كذبوك يا رسول الله ، إنه في التوراة (٤).

__________________

(١) الآيات ٤١ و ٤٣ من سورة المائدة.

(٢) راجع : السنن الكبرى ج ٨ ص ٢٤٦ و ٢٤٧ ، وتفسير جامع البيان ج ٦ ص ١٥٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١١٧ والدر المنثور ج ٢ عن ٢٨١ عن ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي وراجع : فتح الباري ج ١٢ ص ١٥٠ وراجع في النصوص المتقدمة : عمدة القاري ج ٢٣ وج ٢٤ وفتح الباري ج ١٢ ص ١٤٨ ـ ١٥٥ وإرشاد الساري ، وغير ذلك.

(٣) الجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ١٧٦.

(٤) فتح الباري ج ١٢ ص ١٥٠.

٩٨

١١ ـ وأخيرا .. فقد نقل ابن العربي ، عن الطبري ، والثعلبي عن المفسرين ، قالوا : انطلق قوم من قريظة والنضير ، منهم كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسد ، وسعيد بن عمرو ، ومالك بن الصيف ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وشاس بن قيس ، ويوسف بن عازوراء ، فسألوا النبي «صلى الله عليه وآله» ، وكان رجل وامرأة من أشراف أهل خيبر زنيا ، واسم المرأة «بسرة» وكانت خيبر حينئذ حربا ؛ فقال لهم : اسألوه ، فنزل جبرئيل على النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فقال : اجعل بينك وبينهم ابن صوريا الخ .. (١).

مناقشة النص :

وبعد ما تقدم : فإننا نسجل على الروايات المتقدمة المؤاخذات التالية :

١ ـ إن مقارنة سريعة فيما بين هاتيك النصوص كافية للتدليل على مدى ما بينها من اختلاف وتناقض ظاهر وصريح حتى في روايات الراوي الواحد ؛ حتى إنك لا تكاد تجد فقرة إلا وثمة ما ينافرها ويناقضها ، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك بأن التصرف والتغيير لم يكن عفويا ، وإنما ثمة تعمد للتصرف والتزوير في هذه القضية.

فلا يمكن أن تكون الحقيقة هي كل ما تقدم على الإطلاق.

ولئن استطاعت بعض التمحلات للجمع ـ وبعضها ظاهر السخف والتفاهة ـ التخفيف من حدة التنافي في بعض الموارد ؛ فإن ذلك إنما يأتي في

__________________

(١) فتح الباري ج ١٢ ص ١٤٨ وتسمية المرأة ب «بسرة» ذكره السهيلي وغيره أيضا فراجع : عمدة القاري ج ١٨ ص ١٤٧ وعون المعبود ج ١٢ ص ١٣١ وكذا في جامع البيان للطبري أيضا.

٩٩

موارد محدودة ، وتبقى عشرات الموارد الأخرى على حالها من الاختلاف والتنافر.

٢ ـ ذكرت بعض الروايات نزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ..)(١).

في ابن صوريا الذي أسلم ، ثم كفر بعد ذلك ، أو في طائفة اليهود التي قامت بهذه اللعبة.

وتقول : إن ذلك لا يمكن أن يصح ؛ فإنه عدا عن أن سورة المائدة قد نزلت قبيل وفاة الرسول «صلى الله عليه وآله» ، فإن هاتين الآيتين لا تنطبقان على المورد ، وذلك لأن مفادهما وجود فريقين :

أحدهما : يسارع في الكفر ، ويظهر الإيمان ويبطن الكفر.

والثاني : فريق يهودي سماع للكذب ، سماع لقوم آخرين.

ويظهر أن الفريق الأول ليس من طائفة اليهود ، وإنما هو من المنافقين بقرينة التنصيص على كون الفريق الثاني كان يهوديا ، المشعر بأن الفريق الأول لم يكن من طائفة اليهود.

مع أن الرواية التي تذكر نزول الآيتين في ابن صوريا أو في طائفة اليهود تجعل الفريقين واحدا ، وهو خلاف ظاهر الايتين.

٣ ـ قد جاء في رواية ابن عباس : أن اليهودي لما وجد مس الحجارة ،

__________________

(١) الآيات ٤١ ـ ٤٣ من سورة المائدة.

١٠٠