الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

١
٢

٣
٤

الفصل الثاني :

سلمان الفارسي حرا

٥
٦

تذكير ضروري :

إننا قبل أن ندخل في موضوع تحرر سلمان من الرق ، نشير إلى أن هذا البحث قد كتب ، بالإضافة إلى بحوث أخرى تتعلق بسلمان ، كموضوع التمييز العنصري ، الذي عانى منه سلمان كما عانى منه الآخرون ، وموضوع بيان السبب في قبوله الإشتراك في الحكم في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، مع أنه يعتبر من المعارضين لخلافة من عدا أمير المؤمنين «عليه السلام» ، وموضوعات أخرى.

وقد كتبت هذه البحوث ، لتكون جزءا من هذا الكتاب ، ثمّ رأينا أنها قد أصبحت من السعة بحيث لا مناص من إفرادها ، كتأليف مستقل ، يمكن الرجوع إليه للراغبين في الاطلاع عليه ، فأفردناها في كتاب باسم «سلمان الفارسي في مواجهة التحدي».

ولكننا لم نجد بدّا هنا من إيراد الفصل الذي يرتبط بتحرير سلمان من الرق ، لأنّه يعتبر جزءا من هذا الكتاب بالذات ولعل الإحالة على ذلك الكتاب فيه لا تخلو من بعض المحاذير.

فرضينا لأنفسنا : أن نقع في محذور إيراد هذا الفصل في كتابين ، وهو أمر لم نكن نحب أن يصدر منا ؛ من أجل أن نوفر على القارئ معاناة محذور

٧

الإحالة على كتاب لربما لا يكون متوفرا لديه : فنقول :

متى تحرر سلمان؟!

ويقولون : إن تحرير سلمان من رق العبودية بصورة كاملة قد كان في أول السنة الخامسة من الهجرة النبوية الشريفة (١) وذلك قبل وقعة الخندق ، التي يرى عدد من المؤرخين : أنها كانت سنة خمس ، في ذي القعدة منها (٢).

ولكننا بدورنا نقول : إن ذلك مشكوك فيه من ناحيتين :

الأولى : في تاريخ وقعة الخندق.

الثانية : في تاريخ عتق سلمان.

تاريخ غزوة الخندق :

فأما بالنسبة للناحية الأولى ، أعني تاريخ غزوة الخندق ، فإننا نقول :

__________________

(١) الثقات : ج ١ ص ٢٥٧ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٥٢ و ٤٦٨.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٥٣ وتاريخ الأمم والملوك للطبري طبع الإستقامة ج ٢ ص ٢٣٣ والكامل في التاريخ ، ج ٢ ص ١٧٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٧٩ والمحبر ص ١١٣ وفتوح البلدان ج ١ ص ٢٣.

وليراجع : صفة الصفوة ج ١ ص ٤٥٥ ـ ٤٥٩ ومختصر التاريخ لابن الكازروني ص ٤٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٨ ، وشذرات الذهب ج ١ ص ١١ والتنبيه والإشراف ص ١١٥ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٦. وليراجع أيضا : مغازي الواقدي ج ٢ ص ٤٤٠ و ٤٤١ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٦٧ وطبقات ابن سعد ج ٢ قسم ١ ص ٤٧ وج ٤ قسم ١ ص ٦٠ وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٧٠ ، وأنساب الأشراف ج ١ (قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله») ص ٣٤٣.

٨

١ ـ لو سلم أنها كانت في السنة الخامسة ، فإن مجرد ذلك لا يكفي في تعيين زمان عتقه على النحو المذكور ، إذ قد يكون العتق قد تم بعد أحد بأشهر يسيرة ، في السنة الرابعة مثلا ، ثم حضر الخندق بعد ذلك بسنة أو أكثر ، أو أقل.

٢ ـ لقد جزم البعض بأن الخندق كانت في سنة أربع ، وصححه النووي في الروضة ، وفي شرحه لصحيح مسلم (١).

بل لقد قال ولي الدين العراقي عن غزوة الخندق : «المشهور أنها في السنة الرابعة للهجرة» (٢).

وقال عياض : «إن سعد بن معاذ مات إثر غزوة الخندق ، من الرمية التي أصابته ، وذلك سنة أربع بإجماع أهل السير ، إلا شيئا قاله الواقدي» (٣).

فقوله : «بإجماع أهل السير» يحتمل رجوعه إلى سنة أربع ، فيكون قد ادّعى الإجماع على كون الخندق في سنة أربع ، ويحتمل رجوعه إلى موت سعد بن معاذ بعد الخندق ، وتكون كلمة : «وذلك سنة أربع» معترضة ، ولا

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣١ والجامع لابن أبي زيد القيرواني ص ٢٧٩ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣٠٢ والمحبر ص ١١٣ وعنوان المعارف في ذكر الخلائف ص ١٢ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٧٦ وشرح صحيح مسلم للنووي ، ج ٨ ص ٦٤ ونقله في وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٠ وفي تاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٠ عن النووي في الروضة ، وأصر عليه في العبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٢٩ و ٣٣ وصحيح البخاري ج ٣ ص ٢٠.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٠ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٠.

(٣) شرح صحيح مسلم للنووي ، بهامش إرشاد الساري ج ١٠ ص ٢٢٦ وفتح الباري ج ٨ ص ٣٦٠.

٩

تعبر إلا عن رأيه.

ومما يدل على أن الخندق قد كانت سنة أربع :

١ ـ أنهم يذكرون بالنسبة لزيد بن ثابت : أن أباه قتل يوم بعاث وهو ابن ست سنين ، وكانت بعاث قبل الهجرة بخمس سنين (١) وقدم النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة وعمر زيد إحدى عشرة سنة (٢).

ثم يقولون : إن أول مشاهد زيد ، الخندق (٣) ، لأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أجازه يوم الخندق (٤) وهو ابن خمس عشرة سنة (٥).

__________________

(١) تهذيب الكمال ج ١٠ ص ٢٧ ـ ٣٠ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٢١ وراجع : شذرات الذهب ج ١ ص ٥٤ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٩.

(٢) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥ عن زيد نفسه ، وتهذيب التهذيب ج ٣ ص ٣٩٩ والثقات ج ٣ ص ١٣٦ وصفة الصفوة ج ١ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٢٧ ـ ٤٢٨ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٢٥ ـ ٢٧ وتهذيب الأسماء ج ١ ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ١ ص ٥٥١ وشذرات الذهب ج ١ ص ٥٤ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٩.

(٣) تهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣٠ و ٣١ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٢١ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٣٠ وشذرات الذهب ج ١ ص ٥٤ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٩ وراجع : تهذيب التهذيب ج ٣ ص ٣٩٩ عن الواقدي.

(٤) تهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٦ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣١.

(٥) تهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣٠ و ٣١ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٢١ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥.

١٠

والخندق إنما كانت في شوال سنة أربع (١).

ويروى عن زيد قوله : أجازني رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم الخندق ، وكساني قبطية (٢).

وعنه : أجزت يوم الخندق ، وكانت وقعة بعاث وأنا ابن ست سنين (٣).

وعنه : لم أجز في بدر ، ولا في أحد ، وأجزت في الخندق (٤).

وتوفي زيد سنة ثمان وأربعين ، وسنه تسع وخمسون سنة (٥).

وقال الواقدي : مات سنة خمس وأربعين وهو ابن ست وخمسين سنة (٦).

وقد استدل النووي ، وابن خلدون ـ وربما يظهر ذلك من البخاري ـ على أن غزوة الخندق قد كانت سنة أربع (٧) : بأنهم قد أجمعوا على أن حرب

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣١ وتقدمت طائفة من المصادر.

(٢) سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٣٢ وفي هامشه عن الطبراني ، وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٢٩ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٩.

(٣) سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٣٣ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٢١ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٩ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣٠.

(٤) الإصابة ج ١ ص ٥٦١.

(٥) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣١.

(٦) صفة الصفوة ج ١ ص ٧٠٤ و ٧٠٥.

(٧) راجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣٠٢ وشرح صحيح مسلم (بهامش إرشاد الساري) ج ٨ ص ٦٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٢٩ و ٣٣ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٠.

وراجع : المواهب اللدنية ج ١ ص ١١٠ وصحيح البخاري (طبع سنة ١٣٠٩ ه‍) ج ٣ ص ٢٠ فإنه نقل في عنوان الباب عن موسى بن عقبة : أن الخندق كانت سنة أربع.

١١

أحد ، كانت سنة ثلاث ولم يجز النبي «صلى الله عليه وآله» عبد الله بن عمر أن يشترك فيها ؛ لأن عمره كان أربع عشرة سنة ، ثم أجازه في وقعة الخندق لأنه كان قد بلغ الخامسة عشرة (١) ، فتكون الخندق بعد أحد بسنة واحدة.

وقد حاول البعض الإجابة على ذلك بطرح بعض الاحتمالات البعيدة ، وقد أجبنا عنها في كتابنا : «حديث الإفك» ص ٩٦ ـ ٩٩ ، فليراجعه من أراد.

ومهما يكن من أمر ؛ فإن احتمال أن يكون تحرر سلمان من الرق قدتم قبل السنة الخامسة من الهجرة ؛ يصبح على درجة من القوة.

تاريخ الحرية :

وأما بالنسبة لتحديد تاريخ الحرية ، فإننا نقول :

إننا نكاد نطمئن إلى أنه قد تحرر في السنة الأولى من الهجرة ، بل لقد ورد في بعض الروايات ما يدل على أنه قد أعتق في مكة (٢).

__________________

(١) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٥٠ ومسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٢ ص ١٧ ، وصحيح البخاري ج ٣ ص ٢٠ وج ٢ ص ٦٩ ، وصحيح مسلم ج ٦ ص ٣٠ ، والمصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج ٥ ص ٣١٠ ـ ٣١١ وطبقات ابن سعد ج ٤ ص ١٠٥ وأنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله») ج ١ ص ٣٤٣ و ٣٤٤ بإضافة كلمة : واشف منها ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٠ وراجع نسب قريش ص ٣٥٠.

(٢) راجع : مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٦٠٣ ، ٦٠٤ وغيره ، وستأتي رواية أخرى تدل على أنه كان هو المشير بدعوة أبي بكر إلى الإسلام.

١٢

ويدل على تحرره في السنة الأولى :

١ ـ إن روايات عتقه يدل عدد منها على أنه قد أعتق عقيب إسلامه بلا فصل ، وهو إنما أسلم ـ أو فقل : أظهر إسلامه ـ في السنة الأولى من الهجرة (١).

٢ ـ قد صرح البعض ـ كتاريخ كزيده ـ بأن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد اشتراه في السنة الأولى من هجرته (٢).

وسيأتي التصريح بذلك عن الشعبي وعن بريدة ، وذلك حين الكلام عن كونه من موالي رسول الله «صلى الله عليه وآله».

٣ ـ ومما يدل على أن سلمان قد تحرر في أول سني الهجرة :

كتاب النبي صلّى الله عليه وآله في مفاداة سلمان :

حيث يقولون : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أملى كتاب مفاداة سلمان على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» ، وهو ـ والنص لأبي نعيم ـ كما يلي :

هذا ما فادى محمد بن عبد الله ، رسول الله ، فدى سلمان الفارسي من عثمان بن الأشهل اليهودي ، ثم القرظي ، بغرس ثلاثمائة نخلة ، وأربعين أوقية ذهب ؛

__________________

(١) راجع : نفس الرحمن ص ٢٠ ، وهو ظاهر إن لم يكن صريح الرواية التي ذكرها ص ٥ ، ٦ واعتبرها أصح الروايات ، وهي موجودة في إكمال الدين ص ١٦٢ ـ ١٦٥ وفي روضة الواعظين ص ٢٧٥ ـ ٢٧٨ والبحار ج ٢٢ ص ٣٥٥ ـ ٣٥٩ والدرجات الرفيعة ص ٢٠٣ ونقلها النوري أيضا عن الدر النظيم ، وعن قصص الأنبياء للراوندي وعن الحسين بن حمدان.

(٢) نفس الرحمن ص ٢٠.

١٣

فقد برئ محمد بن عبد الله رسول الله لثمن سلمان الفارسي ، وولاؤه لمحمد بن عبد الله رسول الله ، وأهل بيته ، فليس لأحد على سلمان سبيل.

شهد على ذلك : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وبلال مولى أبي بكر ، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم.

وكتب علي بن أبي طالب يوم الإثنين في جمادى الأول ، مهاجر محمد بن عبد الله رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وقد ذكرت بعض المصادر هذا الكتاب من دون ذكر الشهود (١).

تأملات في الكتاب :

قال الخطيب : «في هذا الحديث نظر ، وذلك أن أول مشاهد سلمان مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» غزوة الخندق ، وكانت في السنة الخامسة من الهجرة ، ولو كان يخلص سلمان من الرق في السنة الأولى من الهجرة لم يفته شيء من المغازي مع رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وأيضا ، فإن التاريخ بالهجرة لم يكن في عهد رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) ذكر أخبار أصفهان ج ١ ص ٥٢ ، وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٧٠ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٩٩ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٣٢٨ عن الأولين وعن جامع الآثار في مولد المختار لشمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي وطبقات المحدثين بأصبهان ج ١ ص ٢٢٦ ـ ٢٢٧ ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص ٢٠ ـ ٢١ عن تاريخ كزيده ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٠٩ عن أكثر من تقدم ، وقال : «وأو عز إليه في البحار عن الخرائج».

١٤

وآله» ، وأول من أرخ بها عمر بن الخطاب في خلافته» (١).

وقال العلامة المحقق الأحمدي : «أما الشهود فإن فيهم أبا ذر الغفاري «رحمه الله» وهو لم يأت المدينة إلا بعد خندق ، مع أن صريح الكتاب أن ذلك كان في السنة الأولى من الهجرة. وتوصيف أبي بكر بالصديق يخالف رسوم كتب صدر الإسلام» (٢).

قال هذا «رحمه الله» بعد أن ذكر : أن الخطيب قد تنظر في الكتاب وأنه لم يذكر الشهود. كما وذكر «رحمه الله» : أن ابن عساكر والنوري في نفس الرحمن لم يذكرا الشهود أيضا (٣).

الرد على الشكوك المشار إليها :

ونقول :

إن لنا هنا ملاحظات ، سواء بالنسبة لما ذكره الخطيب أو بالنسبة لما ذكره العلامة الأحمدي.

فأما بالنسبة إلى ما ذكره الخطيب فنشير إلى ما يلي :

أولا : قوله : إن أول مشاهد سلمان الخندق ، ينافي ما ورد في الكتاب من أنه قد كوتب في السنة الأولى للهجرة.

هذا القول لا يصح وذلك لما يلي :

١ ـ إن من الممكن أن يتحرر في أول سني الهجرة ، ثم لا يشهد أيا من

__________________

(١) تاريخ بغداد ج ١ ص ١٧٠.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤١٠.

(٣) المصدر السابق.

١٥

المشاهد ، لعذر ما ، قد يصل إلينا ، وقد لا يصل.

٢ ـ إن مكاتبته في السنة الأولى لا تستلزم حصوله على نعمة الحرية فيها مباشرة ، إذ قد يتأخر في تأدية مال الكتابة ، فتتأخر حريته.

وإن كنا قد ذكرنا آنفا : أن سلمان لم يكن كذلك ، بدليل نفس ما ورد في ذلك الكتاب الآنف الذكر ، وأدلة أخرى.

ولكننا نريد أن نقول للخطيب : إن ما ذكرته ليس ظاهر اللزوم في نفسه ، ولا يصح النقض به ، مجردا عن أي مثبتات أخرى ، كما يريد هو أن يدعيه.

٣ ـ إن البعض قد ذكر : أن سلمان قد شهد بدرا وأحدا أيضا (١).

وهو الذي يظهر من سليم بن قيس ، فقد عد سلمان في جماعة أهل بدر (٢).

ولعل هذا يفسر لنا سبب فرض عمر له خمسة آلاف ، الذي هو عطاء أهل بدر (٣).

وقد حاول البعض أن يقول : إن مراد القائلين بحضوره بدرا : أنه حضرها وهو عبد ، ومراد القائلين بأنه قد شهد الخندق فما بعدها ، ولم يحضر

__________________

(١) الإستيعاب ج ٢ ص ٥٨ بهامش الإصابة. وراجع الإصابة ج ٢ ص ٦٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٣٥ والبحار ج ٢٢ ص ٣٩٠ وتهذيب التهذيب ج ٤ ص ١٣٩ والدرجات الرفيعة ص ٢٠٦ ونفس الرحمن ص ٢٠.

(٢) راجع : سليم بن قيس ص ٥٢ ونفس الرحمن ص ٢٠ عنه.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٢١٥ وراجع ج ١٨ ص ٣٥ وذكر أخبار أصبهان ج ١ ص ٤٨ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٥٨ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٦١٤.

١٦

بدرا ، أنه لم يحضرها وهو حر (١).

ونقول :

إن هذا جمع تبرعي ، لا يرضى به أولئك ، ولا هؤلاء ، لأن مدار النفي والإثبات هو أصل الحضور والشهود ، من دون نظر إلى الحرية والعبودية ، ولذا تجد في بعض العبارات المنقولة التعبير بأن لم يفته مشهد بعد الخندق ، فإنه يكاد يكون صريحا في فوات بعض المشاهد قبل ذلك.

ثانيا : قول الخطيب إن التاريخ الهجري لم يكن في عهد الرسول ، وأن عمر بن الخطاب هو أول من أرخ به ،

لا يمكن قبوله : فقد أثبتنا في كتابنا هذا : أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو واضع التاريخ الهجري وقد أرخ به هو نفسه «صلى الله عليه وآله» أكثر من مرة ، وهذا الكتاب يصلح دليلا على ذلك أيضا.

وأما بالنسبة لكلام العلامة البحاثة الأحمدي ، فنحن نشير إلى ما يلي :

أ ـ قوله : إن الخطيب ، وابن عساكر ، ونفس الرحمن لم يذكروا الشهود ، ليس في محله ، كما يعلم بالمراجعة.

ب ـ إن ما ذكره حول توصيف أبي بكر بالصديق صحيح ، وقد تحدثنا في كتابنا هذا : أن تلقيبه بهذا اللقب لا يصح لا في الإسراء والمعراج ، ولا في أول البعثة ، ولا في قضية الغار ، حسب اختلاف الدعاوى.

وذكرنا هناك : أن الظاهر : هو أن هذا اللقب قد خلع عليه بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» بمدة ليست بالقصيرة.

__________________

(١) راجع : نفس الرحمن ص ٢٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٥٦٦.

١٧

ونضيف إلى ذلك : أنه إن كان أبو بكر نفسه قد كتب هذه الكلمة على كتاب عتق سلمان ، فنقول :

إن من غير المألوف أن يطلق الإنسان على نفسه ألقاب التعظيم والتفخيم ، بل إن الإنسان العظيم ، الذي يحترم نفسه ، يعمد في موارد كهذه إلى إظهار التواضع والعزوف عن الفخامة والأبهة.

وإن كان الآخرون هم الذين أطلقوا عليه لقب «الصديق» ، وأضافوه إلى الكتاب من عند أنفسهم ، تكرما وحبا ورغبة في تعظيمه ، وتفخيمه.

فذلك يعني : أنهم قد تصرفوا بالكتاب ، وأضافوا إليه ما ليس منه ، دون أن يتركوا أثرا يدل على تصرفهم هذا ، وهو عمل مدان ، ومرفوض ، إن لم نقل إنه مشين ، لا سيما وأنهم أهملوا صديقه عمر بن الخطاب ، فلم يصفوه بالفاروق كما أهملوا غيره أيضا.

ولا يفوتنا التذكير هنا : بأن النوري قد أورد الكتاب في نفس الرحمن عن تاريخ كزيده وليس فيه وصف أبي بكر ب «الصديق» ، بل وصفه ب «ابن أبي قحافة» ، وهو الأنسب ، والأوفق لظاهر الحال.

ج ـ وأما قولهم : إن أبا ذر لم يكن قد قدم المدينة حينئذ ، لأنه إنما قدمها بعد الخندق ،

فإننا نقول :

المراد : أنه إنما قدمها مستوطنا لها بعد الخندق ، أما قبل ذلك ، فلعله قدمها للقاء رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، أو لبعض حاجاته ، فصادف كتابة هذا الكتاب ؛ فشهد عليه ، ثم عاد إلى بلاده ، وثمة رواية أخرى تشير

١٨

إلى حضوره (١) ، فلتراجع.

د ـ أضف إلى ذلك : أن وصف بلال بأنه مولى أبي بكر ، قد يكون من تزيد الرواة أيضا ؛ إذ قد ذكرنا فيما سبق من هذا الكتاب : أن بلالا لم يكن مولى لأبي بكر.

وأخيرا .. فإن مما يدل على أن الرواة والكتاب قد زادوا شيئا من عند أنفسهم : إضافة عبارة : «رضي الله عنهم» إلى الشهود ؛ إذ لا شك في أن ذلك قد حصل بعد كتابة ذلك الكتاب ، بل ويحتمل أن يكون الشهود جميعا قد أضيفوا بعد ذلك ، وإن كان هذا احتمالا بعيدا جدا.

حديث الحرية بطريقة أخرى :

وقد جاء في بعض الروايات : أن الرق قد شغل سلمان حتى فاته بدر وأحد ، حتى قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : كاتب يا سلمان ، فكاتب سيده على ثلاث مئة نخلة (وقيل : على مئة وستين فسيلة ، وقيل : خمس مئة وقيل : مئة فقط) يحييها له ، وأربعين أوقية من ذهب.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : أعينوا أخاكم بالنخل.

فأعانه أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» بالخمس والعشر حتى اجتمعت عنده ، فأمره «صلى الله عليه وآله» أن يفقّر لها ، ولا يضع منها شيئا

__________________

(١) راجع : البحار ج ٢٢ ص ٣٥٨ وإكمال الدين ج ١ ص ١٦٤ و ١٦٥ وروضة الواعظين ص ٢٧٦ ـ ٢٧٨ والدرجات الرفيعة ص ٢٠٣ عن إكمال الدين ، ونفس الرحمن ص ٦ و ٢٢ عن الحسين بن حمدان وص ٥ وصححها عن إكمال الدين ، وعن الراوندي في قصص الأنبياء ، وعن روضة الواعظين ، وعن الدر النظيم.

١٩

حتى يكون النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي يضعها بيده ؛ ففعل ، فجاء رسول الله «صلى الله عليه وآله» فغرسها بيده ، فحملت من عامها.

وقال «صلى الله عليه وآله» : إذا سمعت بشيء قد جاءني فأتني ، أغنيك بمثل ما بقي من فديتك ، فبينا رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذات يوم في أصحابه ، إذ جاء رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : ما فعل الفارسي المكاتب؟

فدعي له سلمان ، فقال : خذ هذه فأدبها ما عليك يا سلمان.

إلى أن تقول الرواية : فأخذها فأوفى منها حقهم كله : أربعين أوقية (١).

وفي بعض المصادر : أنه بقي منها مثل ما أعطاهم.

وأعتق سلمان ، وشهد الخندق ثم لم يفته معه مشهد (٢).

__________________

(١) الأوقية : وزن أربعين درهما.

(٢) راجع : الثقات ج ١ ص ٢٥٦ و ٢٥٧ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٨ وحلية الأولياء ج ١ ص ١٩٥ وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٦٩ وراجع ١٦٣ و ١٦٤ وطبقات المحدثين بأصبهان ج ١ ص ٢٠٩ ـ ٢٢٣ ودلائل النبوة لأبي نعيم (طبع ليدن) ص ٢١٣ ـ ٢١٩ وسيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٢٨ ـ ٢٣٦ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٣٠ وطبقات ابن سعد ج ٤ ص ١٩٧ ـ ١٩٩ عن أبي يعلى والمصنف للصنعاني ج ٨ ص ٤١٨ و ٤٢٠ وتهذيب الأسماء ج ١ ص ٢٢٧ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٣٥ و ٣٣٧ و ٣٤٠ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٧ و ٤٢٨ وأنساب الأشراف (سيرة النبي «صلى الله عليه وآله») ج ١ ص ٤٨٦ و ٤٨٧ البحار ج ٢٢ ص ٢٦٥ و ٣٦٧ و ٣٩٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٣٥ و ٣٩ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٥٧ وصفة الصفوة ج ١ ص ٣٥٢ و ٥٣٣ عن أحمد وفي هامشه عن ابن هشام وعن الطبراني في الكبير وعن الخصائص للسيوطي ج ١

٢٠