الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

حينما طعنه قاتله (١).

وتضيف بعض المصادر : أنه لما طعن أخذ رمح قاتله ، وصعد به (٢) ، وأن ملائكة الجنة دفنته وأنزل في عليين (٣).

إلى غير ذلك من نصوص (٤) لا مجال لاستقصائها ولا لتتبع خصوصياتها ، فلتراجع في مصادرها.

ونحن نشك في صحة هذه الروايات ، وذلك استنادا إلى ما يلي :

أولا : تقدم عن بعض المصادر : أنه لم يكن في السرية إلا أنصاري ولم يكن فيها مهاجري أصلا (٥).

__________________

(١) راجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٧٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٣ والمحبر ص ١٨٣ و ١٨٤ و ١١٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٠٠ وراجع أيضا : المغازي للواقدي ج ١ ص ٣٤٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٣ والإصابة ج ٢ ص ٢٥٦ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٣٩ والإكتفاء ج ٢ ص ١٤٤ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ ص ٨ وجميع المصادر الأخرى الآتية في الهوامش التالية.

(٢) راجع : أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٧٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٣ والمحبر ص ١٨٣ و ١٨٤ و ١١٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٠٠.

(٣) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٩ وراجع : المواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٣ ومغازي الواقدي ج ١ ص ٣٤٩ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٣ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٠٠ وأنساب الأشراف ج ١ ص ١٩٤ و ٣٧٥ وطبقات ابن سعد ج ٢ قسم ١ ص ٣٧ و ٣٨ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٤ و ٢٢٥.

(٤) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٩.

(٥) مغازي الواقدي ج ١ ص ٣٥٢ و ٣٤٨ وراجع ص ٣٥٠ وراجع : تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج ٢ ص ٥٥٠ وراجع أيضا : صحيح البخاري ج ٣ ص ١٩ وفتح

٣٠١

واستثنى البعض : عمرو بن أمية الضمري (١) ، كما أن نافع بن بديل الخزاعي أيضا كان فيهم ، بدليل رثاء أنس بن عباس السلمي ، وعبد الله بن رواحة له «رحمه الله تعالى» (٢).

ثانيا : تناقض النصوص في أمره ، فبعضها يذكر : أنه لم يوجد في القتلى ، فلذلك قيل : إن الملائكة رفعته أو دفنته (٣) ، وهو ظاهر في أن القول برفعه إلى السماء أو دفن الملائكة له تكهن منهم.

وبعضها الآخر يذكر : أنه كان موجودا بين القتلى ، وأن عامر بن الطفيل أشار إلى قتيل ، وسأل عمرو بن أمية عنه فكان هو (٤).

__________________

الباري ج ٧ ص ٢٩٦ وطبقات ابن سعد ج ٢ قسم ١ ص ٣٦ و ٣٧ والثقات ج ١ ص ٢٣٨.

(١) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٢٥ عن الطبراني وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٧٤ عن العسكري.

(٢) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ١٩٧ و ١٩٨ وغيره من المصادر.

(٣) الثقات ج ١ ص ٢٣٨ وراجع : المحبر ص ١٨٣ و ١١٨ وطبقات ابن سعد ج ٢ قسم ١ ص ٣٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٩ وأنساب الأشراف ج ١ ص ١٩٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٣ والجامع للقيرواني ص ٢٧٨ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٧٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٤١ عن مغازي موسى بن عقبة ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٢ والإكتفاء ج ٢ ص ١٤٤ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٥ و ٢٢٤ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٣٩ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٢٧ عن الطبراني ورجاله رجال الصحيح وأسد الغابة ج ٣ ص ٩١ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ ص ٨.

(٤) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٤٠ و ١٤١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٢ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٤ والسيرة الحلبية ج ٣

٣٠٢

وقد حاول البعض رفع التناقض : بأن من المحتمل أن يكون قد رفع ، ثم وضع ، ثم فقد من بين القتلى (١).

ونقول : إن صريح الروايات حسبما تقدم : أن فقده من بين القتلى مستند إلى رفعه حين قتله كما يدل عليه سؤال عامر بن الطفيل عمرو بن أمية عمن يفقد ، فأخبره ، فقال عامر : إنه حين قتل رآه يرفع إلى السماء ، فهو يذكر له سبب فقده من بين القتلى ، كما هو ظاهر.

هذا بالإضافة إلى النص القائل : إن فقدهم له قد نشأ عنه قولهم : إنه رفع إلى السماء.

ثالثا : لقد روى ابن مندة بأسناده عن أيوب بن سنان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، عن عامر بن فهيرة ، قال : تزود أبو بكر مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» في جيش العسرة بنحي من سمن ، وعكيكة (٢) من عسل ، على ما كنا عليه من الجهد (٣).

ومعنى ذلك هو : أن عامر بن فهيرة قد كان حيا إلى ما بعد ست سنين أو أكثر من غزوة بئر معونة ، حيث كان تجهيز جيش العسرة إلى تبوك.

ولكن أبا نعيم قال : أظهر ـ يعني : ابن مندة ـ في روايته هذا الحديث غفلته وجهالته ، فإن عامرا لم يختلف أحد من أهل النقل : أنه استشهد يوم

__________________

ص ١٧٣ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٩٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٩ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٧٥.

(١) راجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٩.

(٢) النحي : إناء السمن. العكيكة : إناء السمن أو غيره.

(٣) أسد الغابة ج ٣ ص ٩١ والإصابة ج ٢ ص ٢٥٦.

٣٠٣

بئر معونة ، وأجمعوا : أن جيش العسرة هو غزوة تبوك ، وبينهما ست سنين ، فمن استشهد ببئر معونة ، كيف يشهد جيش العسرة؟

وصوابه : «أنه تزود مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» في مخرجه إلى الهجرة ، والحق مع أبي نعيم أخرجه الثلاثة» (١).

ولكننا نقول :

إن تأكيد البعض على أنه لم يشترك في السرية إلا أنصاري واستثنى البعض عمرو بن أمية ، يدل على أن عامر بن فهيرة لم يكن في هذه السرية.

وكذلك رواية ابن مندة المتقدمة تدل على ذلك.

وأما ما ذكره أهل المغازي ، فإن معظمهم تبع لابن إسحاق ، وعيال عليه ، وعلى الواقدي ، وقد نص الواقدي على عدم حضور أي مهاجري في السرية ، فالنصوص على استشهاده ببئر معونة تنتهي إلى أفراد معدودين ، ولا يجدي إجماع من هذا القبيل ، وصرف حديث التزود إلى قضية الهجرة يحتاج إلى ما يثبته ويدل عليه.

والخلاصة : أن ما ذكره ابن مندة يوجب الشك فيما روي من استشهاده يوم بئر معونة ، بالإضافة إلى دعوى :

أنه لم يكن مهاجري في السرية إلا الضمري ، أو بدونه أيضا.

رابعا : إننا نجد : أن حسان بن ثابت ، وأنس بن عباس السلمي ، وعبد الله بن رواحة قد رثوا من شهداء بئر معونة كلا من :

__________________

(١) المصدران المتقدمان.

٣٠٤

المنذر بن عمرو ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي (١).

مع أنه لو كان عامر بن فهيرة قد رفع إلى السماء ، وأن الملائكة دفنته وأن جثته قد فقدت من بين القتلى الخ .. لكان المناسب أن يذكره المسلمون في أشعارهم ، وللزم أن يحتجوا على المشركين ، وعلى كل أحد بهذه الكرامة الظاهرة في كل مناسبة وموقف.

ولكان المناسب أن يترك الشعراء كل أحد ، ويخصصوا كل قصائدهم به وفيه ، ولسارت بذلك الركبان.

خامسا : قال دحلان : «وفي هذا تعظيم لعامر بن فهيرة رضي الله عنه ، وترهيب للكفار وتخويف ؛ ومن ثم تكرر سؤال ابن الطفيل عن ذلك» (٢).

ونقول :

إن هذا الحدث العظيم تقشعر له الأبدان ، وتخشع له النفوس وتعنو له الجباه بالخضوع والتسليم.

ولكن العجيب هنا هو : أننا لم نجد هذا الحدث قد أثر أثرا يذكر فلم يتراجع عامر بن الطفيل ولا أصحابه عن قتل من تبقى من أصحاب عامر بن فهيرة ، ولا أظهر ندما على ما صدر منه ، بل أصر على ما فعل.

ولما قدم على النبي «صلى الله عليه وآله» أعلن بالتهديد والوعيد له «صلى الله عليه وآله» بألف أشقر ، وألف شقراء ، حتى قتله الله في بيت

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ١٩٥ و ١٩٦ ومغازي الواقدي ج ١ ص ٣٥٣ ومصادر أخرى فراجع الهوامش المتقدمة.

(٢) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٩ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣٠٠ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٧٥.

٣٠٥

سلولية حسبما ذكروه.

وقد كنا نتوقع منه أن يعلن إسلامه فور مشاهدته هذه الكرامة الباهرة.

ولا أقل من أن نجد من أصحابه من يعترض عليه ، أو من يتردد في مواصلة الحرب مع البقية الباقية من أصحاب عامر بن فهيرة ، أو من يعلن منهم بعد ذلك بإسلامه محتجا لعمله بما ظهر لعامر بن فهيرة؟!

وحينما ذهب عامر بن فهيرة بطائفة من الرمح الذي طعنه به قاتله ، ما بالنا لا نرى قاتله يقع مغشيا عليه؟! أو لماذا لا يفر على وجهه من ساحة المعركة؟! أو لا يصاب بالذهول والوجوم مما شاهد ورأى؟!

بل على العكس نجد الكل يستمرون على شركهم ، وعلى طغيانهم ، ولا تظهر منهم أية بادرة خوف أو ندم أو تردد أمام هذا الأمر الخطير ، بل يواصلون هجومهم على من تبقى من المسلمين ، حتى أبادوا خضراءهم واستأصلوا شأفتهم.

بل ويقتلون حتى المنذر بن محمد الذي كان غائبا عن المعركة ورجع فرأى مقتل أصحابه (١) ، ويقتلون الحارث بن الصمة أيضا بعد أن عاد فرأى ما رأى (٢) لو صح ذلك.

سادسا : لماذا اختص عامر بن فهيرة بالرفع إلى السماء ودفن الملائكة له في عليين دون سائر الشهداء الكبار ، الذين اهتم النبي «صلى الله عليه وآله»

__________________

(١) راجع : الثقات ج ١ ص ٢٣٩ ومغازي الواقدي ج ١ ص ٣٤٨ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧٢ إلى غير ذلك من مصادر تقدمت في الهوامش السابقة.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧٢.

٣٠٦

ـ ولا بد أن يكون ذلك بأمر الله ـ بتعظيم شأنهم وإظهار أمرهم من أمثال سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، الذي قال عنه : أما حمزة فلا بواكي له ، وجعفر بن أبي طالب ذي الجناحين ، وزيد بن حارثة ، وعبد الله بن رواحة ، وغيرهم من الشهداء الذين اهتم «صلى الله عليه وآله» بإظهار فضلهم وعظيم منزلتهم ، وبكى أو أمر بالبكاء عليهم؟

ولماذا لم نجد النبي «صلى الله عليه وآله» يمنح عامر بن فهيرة ولو وساما متواضعا في هذا المجال فيترحم عليه مثلا ، ويذكر للمسلمين بعض مقاماته في الجنة ، كما تحدث عن حمزة وجعفر وغيرهما؟

ولماذا لم يرفع عمار بن ياسر ، ولا علي بن أبي طالب ، ولا الحسين بن علي ، ولا أخوه الحسن بن علي «عليهم السلام» ، ولا غيرهم من الشهداء حتى النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» إلى السماء؟

سر تعظيم عامر بن فهيرة :

ونحن وإن كنا نقدر بما لا مزيد عليه جهاد عامر بن فهيرة ، ونرى : أنه قد فاز فوزا عظيما ، وأنه من الشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون إن صح أنه قد استشهد.

إلا أن ما يلفت نظرنا :

هو هذا الإصرار على إعطاء وسام له ، لا تؤيده ، بل وتنافيه سائر الشواهد والدلائل التاريخية.

ولعلنا لا نبعد عن الصواب إذا بادرنا إلى القول : إنهم أرادوا : أن يمنحوه هذا الوسام ، ليس حبا به ، ولا تقديرا لجهاده هو ، وإنما لأجل اعتقادهم : بأنه

٣٠٧

كان من موالي أبي بكر الخليفة بعد النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، فهذا هو الذي جعلهم ينسجون له هذه الفضيلة ، ويتفضلون عليه بهذا التعظيم ، أي حبا منهم بسيده ، وليس به هو. وحبك الشيء يعمي ويصم.

ولو أنهم علموا : أن أبا بكر لم يكن هو الذي أعتقه ، وإنما الذي أعتقه هو رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه ـ كما قاله الإسكافي ، كما قدمنا (١) ـ لكان لهؤلاء موقف آخر ، ولكان ثقل عليهم تحمل عناء جعل هذه الفضيلة له أو تلك ، ومنحه هذا الوسام أو ذاك.

وقد يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد اشتراه من نفس أبي بكر ، ثم أعتقه ، وذلك بدليل :

أنهم يقولون : إنه كان للطفيل بن عبد الله بن سخبرة ، واشترى أبو بكر عامر بن فهيرة من الطفيل كما يقولون (٢).

ولعل ما يؤيد ذلك : أنهم يقولون : إن عامر بن فهيرة كان من السابقين إلى الإسلام ، أسلم وهو مملوك قبل دخول النبي «صلى الله عليه وآله» دار الأرقم. ودخوله «صلى الله عليه وآله» إلى دار الأرقم قد كان قبل ظهور الإسلام في مكة ، وقبل الهجرة إلى الحبشة.

وقد قدمنا : أن أبا بكر قد أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا ، أي في حوالي السنة الخامسة من البعثة فإن النتيجة تكون : أن عامر بن فهيرة قد أسلم قبل أبي بكر ، وإذا كان مملوكا لربيبه فلا نستبعد أن يكون أبو بكر

__________________

(١) راجع : هذا الكتاب ج ٢ ص ٣٤ ـ ٣٨.

(٢) راجع : فتح الباري ج ٧ ص ٢٩٩.

٣٠٨

نفسه هو الذي كان يقوم بتعذيبه ، فيبدو أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد اشتراه من أبي بكر الذي كان قد اشتراه من الطفيل ، ولذا عدّوه من موالي رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، حسبما قدمناه.

تصحيح خطأ :

ألف : وحول رواية البخاري وغيره : أن عامر بن فهيرة كان غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها :

نقول :

الصواب ـ كما قال الدمياطي ـ : «الطفيل بن عبد الله بن سخبرة ، وهو أزدي من بني زهران ، وكان أبوه زوج أم رومان والدة عائشة ، فقدما في الجاهلية ، فحالف أبا بكر ، ومات وخلف الطفيل ، فتزوج أبو بكر امرأته أم رومان ، فولدت له عبد الرحمان ، وعائشة ، فالطفيل أخوهما من أمهما» (١).

ب : قال أبو عمر : الطفيل بن عبد الله بن سخبرة القرشي.

قال ابن أبي خيثمة : لا أدري من أي قريش هو؟!

والصحيح أنه أزدي ، وليس بقرشي (٢).

__________________

(١) راجع : صحيح البخاري ج ٣ ص ١٩ و ٢٠ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٩٦ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٩٩ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٧٣ وراجع : أسد الغابة ج ٣ ص ٥٣ وراجع ص ٩٠ والإصابة ج ٢ ص ٢٢٤ وراجع ص ٢٥٦ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٢٢٩ وج ٣ ص ٧.

(٢) راجع : أسد الغابة ج ٣ ص ٥٣ والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٢٢٩ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٧٣.

٣٠٩

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا :

وأما بالنسبة لنزول آية : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ..) في شهداء بئر معونة (١).

فإننا نجد في مقابل ذلك :

أولا : إن كثيرا من المصادر والروايات عن ابن عباس وأبي الضحى ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع ، وأنس ، وسعيد بن جبير ، تذكر : أنها نزلت في حمزة أو فيه وفي غيره من شهداء أحد (٢).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٩٥ عن ابن جرير وابن المنذر وجامع البيان ج ٤ ص ١١٥ وراجع : فتح القدير ج ١ ص ٣٩٩ و ٤٠١ والجامع لأحكام القرآن ج ٤ ص ٢٦٨ و ٢٦٩ ومجمع البيان ج ٢ ص ٥٣٥ و ٥٣٦ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٤٢٦.

(٢) الدر المنثور ج ٢ ص ٩٤ و ٩٥ عن : الحاكم ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وأحمد ، وهناد ، وأبي داود وابن جرير ، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل ، وابن أبي شيبة ، والطبراني ، وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٤٢٦ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٤ وتنزيه القرآن عن المطاعن ص ٨٣ وتفسير المنار ج ٤ ص ٢٣٢ وأسباب النزول ص ٧٣ و ٧٤ وسنن سعيد بن منصور ج ٢ ص ٢١٩ والتبيان ج ٣ ص ٤٧ والتفسير الكبير ج ٩ ص ٨٨ و ٨٩ وتفسير الكشاف ج ١ ص ٤٤٠ وجامع البيان ج ٤ ص ١١٣ و ١١٤ و ١١٥ وتفسير غرائب القرآن للنيسابوري بهامشه ج ٤ ص ١٣٧ وفتح القدير ج ١ ص ٣٩٩ و ٤٠٠ و ٤٠١ ولباب التأويل للخازن ج ١ ص ٣٠١ والجامع لأحكام القرآن ج ٤ ص ٢٦٨ و ٢٦٩.

٣١٠

وقيل : غير ذلك (١).

ثانيا : إن سياق الآيات التي قبل هذه الآية والتي بعدها يؤيد أن تكون قد نزلت في واقعة أحد ، ردا على المنافقين الذي خذلوا المسلمين ، وقالوا لإخوانهم : (لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا ..)(٢).

وكذلك الحال بالنسبة للآيات اللاحقة ، فإن للجميع سياقا واحدا ، وهي تناسب بمجموعها واقعة أحد ، وما جرى فيها من أحداث ، كما أيدته الروايات المختلفة ، والواردة في بيان شأن نزولها فراجع.

التقدم بين يدي الله ورسوله :

وذكر البعض نزول آية : التقدم بين يدي الله ورسوله ، فيما فعله عمرو

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٩٥ عن ابن جرير ، عن الربيع في شهداء بدر وأحد معا وراجع : نفس الصفحة من الدر المنثور عن : الترمذي ، وابن ماجة ، وابن أبي عاصم في السنة ، وابن خزيمة ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأحمد وهناد وأبي داود وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل ، وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٤ وتفسير المنار ج ٤ ص ٢٣٣ وأسباب النزول للواحدي ص ٧٤ وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٥ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٣٦ والجامع الصحيح ج ٥ ص ٢٣٠ و ٢٣١ ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ٨٨ وتلخيصه للذهبي بهامشه والتبيان ج ٣ ص ٤٥ والتفسير الكبير ج ٩ ص ٩٠ وجامع البيان ج ٤ ص ١١٣ و ١١٤ وغرائب القرآن بهامشه ج ٤ ص ١٣٧ ولباب التأويل للخازن ج ١ ص ٣٠١.

(٢) وقد أشار إلى ما ذكرناه أيضا : تفسير المنار ج ٤ ص ٢٣٣ وراجع : فتح القدير ج ١ ص ٢٩٨ و ٣٩٩.

٣١١

بن أمية الضمري لقتله العامريين المعاهدين (١).

وهو أيضا محل ريب.

فأولا : لقد روي في شأن نزولها :

١ ـ أنه كان أناس يتقدمون بين يدي شهر رمضان بصيام ، يوما أو يومين ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ)(٢).

٢ ـ إن أناسا ذبحوا قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم النحر أو ذبحوا قبل الصلاة فنزلت الآية (٣).

٣ ـ عن قتادة قال : ذكر لنا أن أناسا كانوا يقولون : لو أنزل في كذا وكذا لو صنع كذا وكذا ، فكره الله ذلك ، وقدم فيه (٤).

__________________

(١) البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٢ والكشاف ج ٤ ص ٣٥٠ والجامع لأحكام القرآن ج ١٦ ص ٣٠١.

(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٨٤ عن ابن النجار في تاريخه ، وابن مردويه ، والطبراني في الأوسط والكشاف ج ٤ ص ٣٥٠ ولباب التأويل ج ٤ ص ١٦٤ ومدارك التنزيل بهامشه وفتح القدير ج ٥ ص ٦١ وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج ٢٦ ص ٧٢.

(٣) الدر المنثور ج ٦ ص ٨٤ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا في الأضاحي وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٣٩٧ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٤ ص ١٧١٢ والكشاف ج ٤ ص ٣٥٠ والتبيان ج ٩ ص ٣٣٨ ولباب التأويل ج ٤ ص ١٦٤ ومدارك التنزيل بهامشه ج ٤ ص ١٦٣ والجامع لأحكام القرآن ج ١٦ ص ٣٠١ وغرائب القرآن بهامش تفسير الطبري ج ٢٦ ص ٧٢ وجامع البيان ج ٢٦ ص ٧٤.

(٤) الدر المنثور ج ٦ ص ٨٤ عن عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٣٩٧ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٤

٣١٢

٤ ـ أنهم نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه «صلى الله عليه وآله» عن ابن عباس (١).

٥ ـ وعن الحسن : لما استقر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالمدينة أتته الوفود من الآفاق ، فأكثروا عليه بالمسائل ، فنهوا أن يبتدؤوه بالمسألة حتى يكون هو المبتدئ (٢).

ولعل سبب ذلك : أن ركبا من بني تميم ، قدم على النبي «صلى الله عليه وآله» فقال أبو بكر : أمّر القعقاع بن معبد.

وقال عمر : بل أمّر الأقرع بن حابس.

فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي.

فقال عمر : ما أردت خلافك.

فتماريا ، حتى ارتفعت أصواتهما ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا

__________________

ص ١٧١٢ وصحيح مسلم.

وراجع : تفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٥ والكشاف ج ٤ ص ٣٥١ ولباب التأويل ج ٤ ص ١٦٤ والجامع لأحكام القرآن ج ١٦ ص ٣٠١ وجامع البيان ج ٢٦ ص ٧٤.

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٨٤ عن ابن أبي حاتم وابن مردويه ، وابن جرير وأحكام القرآن لابن العربي ج ٤ ص ١٧١٢ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٥ والكشاف ج ٤ ص ٣٥٠ وفتح القدير ج ٥ ص ٦١ والجامع لأحكام القرآن ج ١٦ ص ٣٠١ ومجمع البيان ج ٩ ص ١٣٠ وجامع البيان ج ٢٦ ص ٧٤.

(٢) الكشاف ج ٤ ص ٣٥١ وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج ٢٦ ص ٧٣.

٣١٣

تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ). حتى انقضت الآية (١).

ويؤيد ذلك ما رواه المفيد من : أنه قام رجل إلى أمير المؤمنين ، فسأله عن هذه الآية ، فيمن نزلت :

فقال «عليه السلام» : في رجلين من قريش (٢).

٦ ـ إنها نزلت في وفد بني تميم ، كانوا إذا قدموا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وقفوا على باب حجرته ، فنادوا : يا محمد ، أخرج إلينا وكانوا إذا خرج رسول الله ، تقدموه في المشي ، وكانوا إذا كلموه ، رفعوا أصواتهم ، ويقولون : يا محمد ، يا محمد ، ما تقول في كذا وكذا كما يكلمون بعضهم بعضا ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا ..)(٣).

ثانيا : إنهم يقولون : إن سورة الحجرات قد نزلت بعد سورة الأحزاب ، وبعد سور : الحج ، والطلاق ، وإذا جاء نصر الله والفتح ، بل يظهر : أنه لم ينزل بعدها سوى سبع سور.

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٨٣ و ٨٤ عن البخاري ، وابن المنذر ، وابن مردويه وأسباب النزول للواحدي ص ٢١٨ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٢٢ والجامع الصحيح ج ٥ ص ٣٨٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢٠٥ و ٢٠٦ ولباب التأويل ج ٤ ص ١٦٤ وفتح القدير ج ٥ ص ٦١ والجامع لأحكام القرآن ج ١٦ ص ٣٠٠ و ٣٠١ وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج ٢٦ ص ٧٢.

(٢) تفسير البرهان ج ١ ص ٢٠٣ عن الإختصاص.

(٣) تفسير القمي ج ٢ ص ٣١٨ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٨٠ وتفسير البرهان ج ٤ ص ٢٠٣ وفيه : (عن القمي) ونزلت في بني عدي ، وفي بني تميم ، كانوا إذا قدموا الخ ..

٣١٤

فمعنى ذلك : أنها من أواخر ما نزل في المدينة ، لا سيما وأن الوفود على النبي «صلى الله عليه وآله» كانت في سنة تسع.

وإذا كانت هذه الآية قد نزلت بمناسبة بئر معونة ، فتكون من أوائل ما نزل بعد الهجرة ، بل يكون تاريخ نزولها موافقا لتاريخ نزول سورة آل عمران ، مع أن نزولها قد تأخر عنها بحوالي سبع عشرة سورة (١).

واحتمال أن تكون الآية المذكورة قد نزلت في بئر معونة ، ثم بعد نزول سورة الحجرات في سنة تسع ألحقت الآية بها :

هذا الاحتمال لا يصح ، فقد قدمنا أكثر من مرة : أن نزول القرآن كان تدريجيا ، وأنه كان يعلم ابتداء السورة ، وانتهاء غيرها ، بنزول : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، كما عن عثمان ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير (٢).

__________________

(١) راجع : الإتقان ج ١ ص ١١.

(٢) راجع : الدر المنثور ج ١ ص ٧ وج ٣ ص ٢٠٨ عن أبي داود ، والبزار ، والدارقطني في الأفراد ، والطبراني والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في المعرفة ، وفي شعب الإيمان ، وفي السنن الكبرى ، وعن أبي عبيد والواحدي ، وفتح الباري ج ٩ ص ٣٩ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ١٦ ونيل الأوطار ج ٢ ص ٢٢٨ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٢٣١ و ٢٣٢ وصححه على شرط الشيخين ، وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه ، وأسباب النزول للواحدي ص ٩ و ١٠ والسنن الكبرى ج ٢ ص ٤٢ و ٤٣ ومحاضرات الأدباء المجلد ٢ ج ٤ ص ٤٣٣ والإتقان ج ١ ص ٧٨ وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص ٥٦ و ٥٧ وراجع ص ٥٥ عن بعض من تقدم ، والجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ٩٥ ، وعمدة القاري ج ٥ ص ٢٩٢ ونصب الراية ج ١ ص ٣٢٧ والمستصفى ج ١ ص ١٠٣ وفواتح الرحموت بهامشه ج ٢ ص ١٤ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٤ والتفسير الكبير ج ١ ص ٢٠٨ وغرائب القرآن بهامش

٣١٥

وروي عن أبي عبد الله أيضا (١) ونسب القرطبي إلى أصحابه : أنهم كانوا يعلمون الابتداء والانتهاء بنزول البسملة (٢).

وبذلك يعلم عدم صحة الرواية القائلة : إنه «صلى الله عليه وآله» كان يكتب أولا : باسمك اللهم ـ كأهل الجاهلية ـ فلما نزل : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) ، كتب : (بِسْمِ اللهِ) ؛ فلما نزل : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) ، كتب : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ) فلما نزل : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كتب : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٣).

أما أن تكون بعض الآيات قد نزلت ، فيتركها جانبا ، ثم بعد سنوات كثيرة ، ونزول العشرات من السور ، يأتي بتلك الآيات ، ويجعلها في سورة نزلت حديثا ، فذلك ما لا نفهمه ، ولا نتعقله.

واحتمال أن يكون قد حدث تشويش وتصرف في ترتيب الآيات

__________________

الطبري ج ١ ص ٧٧ والمصنف لعبد الرزاق ج ٢ ص ٩٢ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٣١٠ وج ٢ ص ١٠٩ وكنز العمال ج ٢ ص ٣٦٨ وسنن أبي داود ج ١ ص ٢٠٩ والتمهيد في علوم القرآن ج ١ ص ٢١٢ والمنتقى ج ١ ص ٣٨٠ وتبيين الحقائق ج ١ ص ١١٣ وكشف الأستار ج ٣ ص ٤٠ ومشكل الآثار ج ٢ ص ١٥٣.

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ١٩ وعنه في التمهيد في علوم القرآن ج ١ ص ٢١٢ ، وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص ٥٦ ومصباح الفقيه (كتاب الصلاة) ص ٢٧٦.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ٩٥.

(٣) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠ والوزراء والكتاب ص ١٤ والتنبيه والإشراف ص ٢٢٥ وطبقات ابن سعد ج ١ قسم ٢ ص ٩ وبحوث في تاريخ القرآن الكريم وعلومه ص ٥٣ وأكذوبة تحريف القرآن ص ٣٥ عن مصادر أخرى.

٣١٦

القرآنية ، بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» ، لا يصح ، ولا سيما بالنسبة للسور القصيرة كسورة الحجرات ، ونحوها.

وقد تحدثنا عن ذلك في كتابنا : «حقائق هامة حول القرآن الكريم» ، فراجعه.

ثالثا : مما يدل على نزول سورة الحجرات في سنة تسع أيضا : أن آية النبأ ، الواردة في سورة الحجرات ، قد نزلت في السنة التاسعة ، بمناسبة غزوة بني المصطلق ، وافتراء الوليد بن عقبة عليهم ، حسبما يقولون.

ومعنى ذلك : هو أن بدء نزول سورة الحجرات قد كان في ذلك الحين ، ولا يمكن قبول أن يكون بعض منها قد نزل في السنة الرابعة ، ثم نزل الباقي بعد خمس سنوات من ذلك التاريخ ، حيث تخللها نزول العديد من السور القرآنية وذلك لما تقدم.

آيات منسوخة!!

ثم إنهم يقولون : إن الله سبحانه قد أنزل في الذين قتلوا يوم بئر معونة قرآنا.

قال أنس : «قرأناه» ثم نسخ ، أي نسخت تلاوته ، وهو : «بلّغوا عنا قومنا : أنّا قد لقينا ربنا ، فرضي عنا ، ورضينا عنه ، وفي رواية عنه : وأرضانا» (١).

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٣ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٩ و ٢٠ وج ٢ ص ١١٧ وصحيح مسلم ج ٢ ص ١٣٦.

وراجع : كنز العمال ج ١ ص ٢٣٩ والثقات ج ١ ص ٢٣٩ و ٢٣٧ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣٥٠ وحياة الصحابة ج ١ ص ٥٤٥ ومسند أبي عوانة ج ٢ ص ٣١١

٣١٧

ونقول :

إننا نجزم بعدم صحة كون ذلك من القرآن ، وذلك للأمور التالية :

١ ـ إن نسخ التلاوة المدعى مرفوض جملة وتفصيلا ، وقد تحدثنا عن ذلك بشيء من التفصيل في كتابنا : «حقائق هامة حول القرآن الكريم».

ومعنى نسخ التلاوة هو : أن يصبح الكلام ، ليس له حكم القرآن ، أي بحيث يتعبد بتلاوته ، ويقرأ في الصلاة ، ولا يقرؤه الجنب ولا يمسه ، إلا

__________________

و ٣١٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٠ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٥٣ و ٥٤ (ط دار صادر) والإكتفاء ج ٢ ص ١٤٥ والسنن الكبرى ج ٢ ص ١٩٩ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٤ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٣٩ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٢ والإتقان ج ٢ ص ٢٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٩ و ١٤٠ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٧٢ ومشكل الآثار ج ٢ ص ٤٢٠ وأصول السرخسي ج ٢ ص ٧٩ وحلية الأولياء ج ١ ص ١٢٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧١ و ٧٢ وج ٧ ص ٣٤٩.

وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٢٩٧ وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج ٢ ص ٥٥٠ وجامع البيان ج ١ ص ٣٨١ وراجع ج ٤ ص ١١٥ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٠٧ و ١٩٥ ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٨٩ و ٢٥٥ و ٢١٠ و ٢١٥ والدر المنثور ج ١ ص ١٠٥ وج ٢ ص ٩٥ عن بعض من تقدم ، وعن : أبي دواد في ناسخه ، وابن الضريس ، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل ، ولباب التأويل للخازن ج ١ ص ٣٠٢ و ٣٠٣ ومجمع البيان ج ٢ ص ٥٣٦ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٤٢٦.

٣١٨

الطاهر (١) ، إلى غير ذلك من الأحكام ، وإن كان بعضهم قد اختار بقاء بعض تلك الأحكام كعدم جواز مسه لغير الطاهر ، حتى بعد نسخ تلاوته (٢).

٢ ـ لو كان ثمة آيات من هذا القبيل لأثبتها الرسول «صلى الله عليه وآله» ، والصحابة في مصاحفهم ، ولكان لا بد من إرسال الرسل إلى جميع العباد في مختلف البلاد ، لإبلاغهم بنسخ تلاوتها ، وأمرهم بمحوها من مصاحفهم ، وليس ثمة ما يشير إلى ذلك أو يدل على شيء منه ، من قريب ، ولا من بعيد.

٣ ـ قال السهيلي : «ليس عليه رونق الإعجاز ، فيقال : إنه لم ينزل بهذا النظم ، بل بنظم معجز ، كنظم القرآن» (٣).

ولكننا لا نوافق السهيلي على قوله ـ محيلا على مجهول ـ : إنه قد نزل بنظم معجز آخر ، كنظم القرآن ، وذلك لأنه ليس ثمة ما يؤيد ، أو يدل على نزوله بنص آخر ، بل ظاهر ، إن لم يكن صريح النقل هو أن نفس ذلك المنقول كان قرآنا ، قد نسخت تلاوته.

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٢ والأحكام للآمدي ج ٣ ص ١٣٠ والمستصفى للغزالي ج ١ ص ١٢٣ وفواتح الرحموت بهامش المستصفى ج ٢ ص ٧٤ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٩٩ ومناهل العرفان ج ٢ ص ١١٢ وأصول السرخسي ج ٢ ص ٨١ والبيان لآية الله الخوئي ص ٢٢٤.

(٢) البيان في تفسير القرآن ص ٢٢٤ و ٢٢٥ وراجع : الأحكام للآمدي ج ٣ ص ٢٠١ و ٢٠٣.

(٣) راجع : الروض الأنف للسهيلي ج ٣ ص ٢٣٩ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٠.

٣١٩

وإلا فلماذا لم ينقلوا لنا نفس النص المعجز ، فهل هذا إلا محض تخرص ورجم بالغيب لا شاهد له ، ولا دليل عليه؟!

٤ ـ لقد روي في الصحيحين ، وغيرهما ما يدل على أن هذه العبارة ليست وحيا ، وإنما هي من كلام النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، حكاه للناس نقلا عن المقتولين ، أنهم قالوه ، تقول الرواية :

إن النبي «صلى الله عليه وآله» نعاهم فقال : «إن أصحابكم قد أصيبوا ، وإنهم قد سألوا ربهم ، فقالوا : ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ، ورضيت عنا» (١).

وفي رواية أخرى عن أنس : «بلّغ الله نبيه «صلى الله عليه وآله» على لسان جبريل «عليه السلام» : أنهم لقوا ربهم ، فرضي عنهم ، وأرضاهم» (٢).

وعن ابن مسعود : قتلوا فقالوا : «اللهم بلغ نبينا «صلى الله عليه وآله» عنا : أنّا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا» (٣).

وعن الضحاك قال : «لما أصيب الذين أصيبوا يوم أحد ، لقوا ربهم فأكرمهم ، فأصابوا الحياة والشهادة ، والرزق الطيب ، قالوا : يا ليت بيننا وبين إخواننا من يبلغهم : أنّا لقينا ربنا ، فرضي عنا وأرضانا ، فقال الله : أنا رسولكم إلى نبيكم وإخوانكم ، فأنزل الله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا ..) إلى

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٠ وصحيح مسلم ج ٦ ص ٤٥ وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٣٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٤١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٢ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٩٤.

(٢) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٠.

(٣) مسند أحمد ج ١ ص ٤١٦.

٣٢٠