الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

وفي نص آخر : أنه دعا عليهم سبع عشرة ليلة (١).

وفي ثالث : خمس عشرة ليلة أو يوما (٢).

وفي رابع : سبعين يوما (٣).

وفي خامس : أربعين يوما (٤).

ن : مصير ملاعب الأسنة :

وحول مصير ملاعب الأسنة ؛ فإن الروايات المتقدمة تذكر : أنه قد بقي حيا ، وأنه حين بلغه قول النبي «صلى الله عليه وآله» : هذا عمل أبي براء ، شق عليه ذلك ، ولكنه كما يقول الواقدي : كان لا حركة له من الكبر (٥).

ولكن نصا آخر يقول : إن أبا براء قد مات أسفا على ما صنع به ابن أخيه عامر بن الطفيل (٦).

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٢٥.

(٢) مغازي الواقدي ج ١ ص ٣٤٧ و ٣٥٠ والسنن الكبرى ج ٢ ص ١٩٩.

(٣) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٩٤ و ١٩٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥١.

(٤) راجع : أسد الغابة ج ٣ ص ٩١ والإستيعاب هامش الإصابة ج ٣ ص ٨ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٢ وراجع : مغازي الواقدي ج ١ ص ٣٥٠ وجامع المسانيد ج ١ ص ٣٣٠ والسنن الكبرى ج ٢ ص ١٩٩ وعمدة القاري ج ٢٣ ص ١٨ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٠ ومسند أحمد ج ٣ ص ٢١٠ وبداية المجتهد ج ١ ص ١٣٤ ولباب التأويل ج ١ ص ٣٠٢.

(٥) مغازي الواقدي ج ١ ص ٣٥١ وراجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٥٤٧ وغير ذلك.

(٦) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٠١ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٩.

٢٨١

ونص ثالث يقول : إن أبا براء أسلم عند ذلك ، وقاتل حتى قتل (١).

وفي رواية أخرى : أن أبا براء طلب من النبي إرسال رجال إليه لتعليم القرآن ، فبعث إليه المنذر بن عمرو في أربعة عشر رجلا ، فلما ساروا إليهم بلغهم موت أبي براء ، فأرسل المنذر بن عمرو إلى النبي «صلى الله عليه وآله» يستمده فأمده بأربعين رجلا أميرهم عمرو بن أمية ، على أن يكون المنذر بن عمرو أميرهم حين يجتمعون فلما وصلوا إلى بئر معونة كتبوا إلى ربيعة بن أبي البراء : نحن في ذمتك وذمة أبيك فنقدم عليك أم لا؟!

قال : أنتم في ذمتي فأقدموا الخ .. (٢).

وفي نص آخر دلالة على : أن ملاعب الأسنة قد قتل نفسه بعد موت عامر بن الطفيل ، لأن قومه بعد موت عامر حين انصرافه من عند النبي «صلى الله عليه وآله» أرادوا النجعة دون مشورته لأنهم يزعمون : أنه قد حدث له عارض في عقله ، بسبب إرساله إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فدعا لبيدا وقينتين ، فشرب وغنتاه ، فقال للبيد : أرأيت إن حدث بعمك حدث ما أنت قائل؟ فإن قومك يزعمون أن عقلي قد ذهب والموت خير من عزوب العقل ، فقال لبيد :

قوما تجوبان مع الأنواح

في مأتم مهجر الرواح

في السلب السود وفي الأمساح

وابّنا ملاعب الرماح يا عامرا

يا عامر الصباح

وعامر الكتيبة الرداح

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٢.

(٢) عمدة القاري ج ١٧ ص ١٧٤.

٢٨٢

حتى أتمها ، وغيرها من المراثي ، فلما أثقله الشرب اتكأ على سيفه حتى مات ، وقال :

لا خير في العيش ، وقد عصتني عامر

 ........

وتزعم عامر : أنه مات مسلما ولم يقتل نفسه (١).

وقال الذهبي : الصحيح أنه لم يسلم (٢).

س : مصير عامر بن الطفيل :

ونجد رواية تقول : إن ربيعة بن أبي براء ، بعد موت أبيه طعن عامر بن الطفيل فقتله (٣).

وأخرى تقول : إن عامرا عاش بعد ذلك حتى ابتلي بغدة كغدة البعير ، ومات كافرا ، وهو منصرف من عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٤).

__________________

(١) المحبر ص ٤٧٢ و ٤٧٣.

(٢) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٨.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٣ عن معالم التنزيل ، وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٤ عن تفسير البغوي.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٣ والمحبر ص ٤٧٢ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣٥١ ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٦ ص ١٢٥ و ١٢٦ عن الطبراني وفتح الباري ج ٧ ص ٣٠١ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٤ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٠٨ و ١٩٤ و ١٩٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧١ و ٧٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٤٠ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٩.

٢٨٣

وقيل : إنه قدم على النبي «صلى الله عليه وآله» وهو ابن بضع وثمانين سنة ، ولم يسلم ، وعاد من عنده ؛ فخرج له خراج في أصل أذنه ، أخذه منه مثل النار ، فاشتد عليه ، ومات منه (١).

ع : مكان موت عامر :

وتناقض آخر ، وهو : أن عامر بن الطفيل ، هل مات على ظهر فرسه ، بعد تركه بيت السلولية ، كما جاء في الروايات المتقدمة؟

أم أنه مات في بيت السلولية بالذات ، كما رواه الطبراني؟! (٢).

هذا كله .. عدا عن الاختلاف في أنه مات قبل موت أبي براء ، أو بعده.

وحسبنا هذا الذي ذكرناه من التناقضات والاختلافات بين الروايات ، ولو أردنا استقصاء ذلك لاحتجنا إلى جهد أعظم ، ووقت أطول ، ولملأنا العديد من الصفحات ، والمهم هو الإلماح والإشارة ؛ ليتضح : أن ثمة تعمّدا للكذب ، والوضع ، والتحريف ، وأنه لا يمكن الركون إلى النصوص ، ولا اعتماد بعض دون بعض ، إلا بعد تزييف الزائف ، وتحقيق ما هو حقيقة.

والله هو الموفق ، والمسدد.

__________________

(١) لباب التأويل للخازن ج ١ ص ٣٠٢.

(٢) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٢٦ عن الطبراني.

٢٨٤

الفصل الثاني :

نقاط ضعف

٢٨٥
٢٨٦

بداية :

وبعد ما تقدم ، فإن لنا على كثير من الفقرات التي أوردتها روايات هذه السرية العديد من الملاحظات والإيرادات التي تبقى لا جواب لها.

الأمر الذي يزيد في تشكيكنا وريبنا في كثير من الأحداث والتفاصيل التي تحدثت عنها.

ونحن نجمل هنا ما نريد التنبيه إليه فيما يلي من مطالب ، وفصول :

مكحول .. وتاريخ غزوة بئر معونة :

يقول مكحول : إن سرية بئر معونة قد كانت بعد غزوة الخندق (١).

ونقول :

١ ـ إنهم يقولون : إن بئر معونة كانت سببا لغزوة بني النضير بل لقد ادّعي اتفاق عامة المؤرخين على ذلك (٢) والنضير كانت قبل الخندق فكيف تكون بئر معونة بعد الخندق؟

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٤ ص ٧١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٩ وعمدة القاري ج ٧ ص ١٨.

(٢) نص على هذا الاتفاق في بهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٣.

٢٨٧

٢ ـ قد تقدم : أن غزوة بني النضير كانت حسب روايات آخرين في السنة الثالثة ، فلا بد أن تكون بئر معونة قبلها.

أما غزوة الخندق ، فهي في الرابعة ، وقال عدد من المؤرخين : إنها في السنة الخامسة.

٣ ـ تقدم أن كعب بن زيد : ارتث في بئر معونة ، وتركوه وبه رمق ، فعاش وقتل يوم الخندق ، فكيف تكون بئر معونة بعدها؟.

الرجيع .. وبئر معونة في وقت واحد :

قد تقدم أنهم يقولون : إن سرية الرجيع ، وسرية بئر معونة قد كانتا في وقت واحد ، وبلغ النبي «صلى الله عليه وآله» خبرهما في آن (١).

ونقول :

روي عن أنس ، قال : لما أصيب خبيب ، بعث رسول الله السبعين إلى حي من بني سليم ؛ فقتلوا جميعا (٢).

ومعنى ذلك هو : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد عرف بقتل خبيب قبل إرساله السبعين ، فكيف بلغه خبرهما في آن واحد؟!

__________________

(١) راجع : مغازي الواقدي ج ١ ص ٣٤٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٠ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٤ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٧٤ و ١٧٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٢ و ١٧٤ وطبقات ابن سعد ج ٢ قسم ٢ ص ٣٧.

(٢) راجع : كنز العمال ج ١٠ ص ٣٧١ و ٣٧٢ عن الطبراني ، وأبي عوانة ، وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٩٥ و ١٩٦.

٢٨٨

بئر معونة سبب لغزوة بني النضير :

قد عرفنا : أن عامة المؤرخين يذكرون : أن النبي قد جاء إلى بني النضير ، يستمدهم في دية العامريين ، اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري حين رجوعه من بئر معونة ، فظهر منهم الغدر به «صلى الله عليه وآله» ، فكانت غزوة بني النضير بسبب ذلك.

وتقدم أنهم يقولون : إن بئر معونة كانت في السنة الرابعة للهجرة.

ونقول :

إن ذلك موضع شك وريب ، وذلك لما يلي :

أولا : إنه وإن كان عدد من المؤرخين يذكرون : غزوة بني النضير ـ تبعا لابن إسحاق ـ في السنة الرابعة للهجرة ، ولكننا نجد من الشواهد والدلائل ، وأقوال المؤرخين الآخرين ما يرجح لدينا خلاف ذلك ، وذلك استنادا إلى ما يلي من نقاط :

١ ـ قد روى الزهري ، عن عروة : أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر فتكون في السنة الثالثة من الهجرة وكذا روي عن الزهري ، وعائشة (١).

__________________

(١) راجع : صحيح البخاري ج ٣ ص ١٠ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١١٩ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٤٤٢ وذكر الرواية عن الزهري ص ٤٤٣ ، وعن عائشة وعروة ص ٤٤٤ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٣ عن عبد الرزاق ، وزاد المعاد ج ٢ ص ٧١ والجامع للقيرواني ص ٢٧٩ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٢٦ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢١٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٤٥ كلاهما عن البخاري ، وعن البيهقي ، وعن تفسير ابن حبان.

٢٨٩

وهذا هو ما ذهب إليه النووي وغيره (١) وقواه السهيلي أيضا ، حيث قال معترضا على ابن هشام :

«كان ينبغي أن يذكرها بعد بدر لما روى عقيل بن خالد ، وغيره عن الزهري : قال : كانت غزوة بني النضير على رأس ستة أشهر من بدر ، قبل أحد» (٢).

٢ ـ قال موسى بن عقبة ، والذهبي : كان إجلاء بني النضير في المحرم سنة ثلاث (٣).

٣ ـ وعند الحاكم : أن إجلاء بني النضير وإجلاء بني قينقاع كان في زمن واحد.

قال العسقلاني : «ولم يوافق على ذلك ، لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة ، أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق» (٤).

ثانيا : «وروي أيضا من طريق عكرمة : أن غزوتهم (أي بني النضير)

__________________

(١) بهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٣ و ٢١٣ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٠ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٥٩ ونسبة في مرآة الجنان ج ١ ص ١٩ إلى بعضهم.

(٢) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٥٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٠ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٢٥٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٤.

(٣) راجع : تاريخ الإسلام للذهبي ص ١٢٢ و ١٩٧ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٤٥٠ عن موسى بن عقبة.

(٤) فتح الباري ج ٧ ص ٢٥٦.

٢٩٠

كانت صبيحة قتل كعب بن الأشرف ، كذا في الوفاء» (١).

ويؤيد ذلك : أنهم يذكرون : أنه لما صار النبي «صلى الله عليه وآله» إليهم يستعينهم في دية العامريين ، واطلع على محاولتهم الغدر به انصرف راجعا عنهم ، وأمر بقتل كعب بن الأشرف ، وأصبح غاديا عليهم بالكتائب ، وكانوا بقرية يقال لها : زهرة ، فوجدهم ينوحون على كعب ، فقالوا : يا محمد ، واعية إثر واعية؟! ثم حشدوا للحرب الخ .. (٢).

وقد ذكر البعض النص السابق من دون ذكر : أنه أمر بقتل كعب بن الأشرف بعد محاولتهم الغدر به حين استعانته بهم في دية العامريين (٣).

ويؤيد ذلك : الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» بالمناسبة ، ومن جملة أبياته :

وأن تصرعوا تحت أسيافه

كمصرع كعب أبي الأشرف

إلى أن قال :

فدس الرسول رسولا له

بأبيض ذي هبة مرهف

فباتت عيون له معولات

متى ينع كعب لها تذرف

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦١ عن معالم التنزيل ، وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٦ عن عبد بن حميد في تفسيره.

(٢) بهجة الحافل ج ١ ص ٢١٤ عن البخاري ، وشرح بهجة المحافل ج ١ هامش ص ٢١٥ عن مسلم وأبي داود ، والترمذي عن ابن عمر وفي السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٩ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٥ كلاهما عن البخاري والبيهقي : أن مقتل كعب بن الأشرف كان بعد قصة بني النضير.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦١.

٢٩١

وقلن لأحمد : ذرنا قليلا

فإنا من النوح لم نشتف

فخلاهم ثم قال : اظعنوا

دحورا على رغم الآنف

وأجلى النضير إلى غربة

الخ .. (١) ..

فإن هذه الأبيات ما هي إلا تقرير للقصة الآنفة الذكر.

ومعلوم : أن كعب بن الأشرف إنما قتل على رأس خمسة وعشرين شهرا من الهجرة ، وهذا ينسجم مع القول بأن بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر.

ثالثا : قد ذكرت بعض النصوص : أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود ، يهددونهم ويأمرونهم بقتال رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فلما بلغ كتابهم النبي «صلى الله عليه وآله» اجتمعت بنو النضير بالغدر ، وأرسلوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله» : اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك.

ثم تذكر الرواية : أنه «صلى الله عليه وآله» غدا عليهم بالكتائب ، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء (٢).

قال العسقلاني : «قلت : فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق ، من أن سبب غزوة بني النضير طلبه أن يعينوه في دية الرجلين. ولكن وافق ابن إسحاق

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٠٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٥٢ و ١٥٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٩.

(٢) دلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٤٤٥ و ٤٤٦ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٥ عن ابن مردويه ، وعبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق.

٢٩٢

جل أهل المغازي ، والله أعلم» (١).

رابعا : أما بالنسبة لسبب غزوة بني النضير ، ففيه أقوال عديدة ، فقيل :

١ ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد ذهب إليهم ليسألهم كيف الدية عندهم ، وذلك للعهد الذي كان بينهم وبين بني عامر.

ولا ندري كيف يجهل رسول الله «صلى الله عليه وآله» وسائر أصحابه مقدار الدية عند اليهود ، وهم قد عاشوا معهم هذه السنين الطويلة.

ولا ندري أيضا لماذا لا يرسل إليهم بعض أصحابه ليسألوهم عن ذلك؟

ولا ندري كذلك ، ما هو أثر العهد بينهم وبين بني عامر في مسألة الدية والسؤال عنها؟

ولماذا يريد أن يعطي مقدار دية يهودية؟

٢ ـ وقيل : ذهب إليهم ليستمدهم في دية العامريين ، لأنه «صلى الله عليه وآله» كان قد أخذ العهد عليهم أن يعاونوه في الديات.

٣ ـ وقيل : ذهب لأخذ دية الرجلين منهم ، لأن بني النضير كانوا حلفاء لبني عامر قوم الرجلين.

ولا ندري لماذا يأخذ الدية من حلفاء المقتول ، فهل جرت عادة العرب على ذلك؟ أم ماذا؟

٤ ـ وقيل : إنهم طلبوا إليه أن يخرج إليهم في ثلاثة ، مقابل ثلاثة من أحبارهم للمناقشة في أمر الدين ، وكانوا قد خبأوا الخناجر ، فأرسلت إليه

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ٢٥٥.

٢٩٣

امرأة منهم ، فأعلمته بخيانتهم (١).

وقد تقدم تقوية العسقلاني لهذا الأخير.

وخامسا : إنه لا شك في أن غزوة بني النضير كانت قبل الخندق وقريظة بثمانية أشهر في أقل الأقوال ، وقد تحدثنا في كتابنا «حديث الإفك» حول تاريخ غزوة الخندق ، وقوينا أن تكون في السنة الرابعة ، وإن كان عدد من المؤرخين يقول : إنها كانت سنة خمس (٢).

استدلال لا يصح :

قال العسقلاني : «حكى ابن التين عن الداودي : أنه رجح ما قال ابن إسحاق : من أن غزوة بني النضير كانت بعد بئر معونة ، مستدلا بقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ).

قال : وذلك في قصة الأحزاب.

قلت : وهو استدلال واه ؛ فإن الآية نزلت في شأن بني قريظة ، فإنهم هم الذين ظاهروا الأحزاب ، وأما بنو النضير ، فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر ، بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من جلائهم ، فإنه كان من رؤوسهم حيي بن أخطب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر ، وموافقة الأحزاب ، كما سيأتي ، حتى كان من هلاكهم ما كان ، فكيف يصير السابق لاحقا؟» (٣) إنتهى.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٣ و ٢٦٤.

(٢) راجع : حديث الإفك ص ٩٦ ـ ١٠٦.

(٣) فتح الباري ج ٧ ص ٢٥٤ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٤.

٢٩٤

الأنصار في بئر معونة :

وتذكر روايات بئر معونة : أن الذين قتلوا في بئر معونة كانوا كلهم من الأنصار واستثنت بعض الروايات واحدا أو أكثر.

وفي مسند أنس : «ذكر سبعين من الأنصار ، كانوا إذا جنّهم الليل أووا إلى معلّم بالمدينة ، فيبيتون يدرسون القرآن ، فإذا أصبحوا فمن كان عنده قوة أصاب من الحطب ، واستعذب الماء ، ومن كانت عنده سعة أصابوا الشاة ، وأصلحوها ، فكانت تصبح معلقة بحجر رسول الله ، فلما أصيب خبيب ، بعثهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخ ..» (١).

ونقول :

تواجهنا في هذا النص الأسئلة التالية :

١ ـ لماذا اختار رسول الله «صلى الله عليه وآله» خصوص هذه الثلة ولم يخلطهم بغيرهم من سائر الأنصار؟

٢ ـ لماذا لم يدخل في هذا التجمع ، على كثرته ، أحدا من المهاجرين الذين كانوا قد فقدوا أموالهم في مكة ، فقدموا المدينة وهم لا يملكون شيئا ، فتوزعهم الأنصار في بيوتهم ، فآووهم وأطعموهم ، وقاموا بخدمتهم على أتم وجه؟

٣ ـ لماذا شكل هؤلاء هذا التجمع الخاص بهم ، ولم يحاولوا زيادة

__________________

(١) راجع على سبيل المثال : كنز العمال ج ١٠ ص ٣٧١ و ٣٧٢ عن الطبراني ، وأبي عوانة وراجع المصادر المذكورة عند تناقض الروايات ، فإن هذا النص موجود في عدد منها.

٢٩٥

عددهم على السبعين ، ولا رضوا بإنقاصه عن ذلك؟!

٤ ـ تنص الرواية على أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أرسلهم لما أصيب خبيب ، لماذا تخصيص خبيب ، دون سائر شهداء سرية الرجيع؟!

٥ ـ وهل هو قد أرسلهم إلى مكة للثأر من قاتلي خبيب؟!

٦ ـ وهل أرسلهم النبي «صلى الله عليه وآله» في مهمات من هذا القبيل قبل قتل خبيب؟!

٧ ـ أو ليس يقولون : إن خبر أصحاب الرجيع قد ورد عليه هو وخبر أصحاب بئر معونة في آن واحد؟!

٨ ـ إن معنى ذلك هو : أن حجر رسول الله «صلى الله عليه وآله» كانت شبيهة بسوق القصابين في تعليق اللحم فيها يوميا ، مع أنهم يذكرون من معاناة رسول الله وأهل بيته في هذه الفترة ، من حيث المعاش الشيء الكثير ، وقصاع سعد بن عبادة وغيره ، كان لها دور في التخفيف عنهم إلى حد كبير ، ولم تذكر شيئا عن هذا الفريق المنظم!

حرام بن ملحان شهيدا :

وتذكر الروايات المتقدمة : أن حرام بن ملحان قد استشهد على يد عامر بن الطفيل أو غيره ، قبل إغارة عامر على سائر المسلمين في بئر معونة.

بل إن بعض الروايات تنص على : أنه بعد أن قتل أصحاب المنذر بن عمرو ، طلب عمرو (أي بن أمية) من الأعداء أن يمنحوه الفرصة ليصلي على حرام بن ملحان ففعلوا ، فصلى عليه ، ثم أخذ سيفا (ولا ندري لم تركوا

٢٩٦

له هذا السيف؟) وأعنق نحوهم ، فقاتلهم حتى قتل (١).

ونقول :

إن ثمة نصا آخر يقول : إن حراما قد ارتث يوم بئر معونة وظنوا أنه مات ، فقال الضحاك بن سفيان الكلابي ـ وكان مسلما يكتم إسلامه ـ لامرأة من قومه :

هل لك في رجل إن صح كان نعم الراعي؟ فضمته إليها ، فعالجته ، فسمعته يقول :

أتت عامر ترجو الهوادة بيننا

وهل عامر إلا عدو مداهن (٢)

إذا ما رجعنا ثم لم تك وقعة

بأسيافنا في عامر ، أو نطاعن

فلا ترجونّا أن يقاتل بعدنا

عشائرنا والمقربات الصوافن

فوثبوا عليه فقتلوه» (٣).

ولكن لنا ملاحظات على هذا النص أيضا ، إذ لماذا لم يأخذه الضحاك إلى بيته هو؟ وكيف لم ينكشف أمره في بيت تلك المرأة؟! ومتى أتت عامر ترجو المودة بينها وبينهم؟!

إلا أن يكون ثمة تفاصيل لم تصل إلينا ، تفيد أن بني عامر قد حاولوا

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧٢ وراجع : المغازي للواقدي ج ١ ص ٣٤٨.

(٢) في الإصابة : أبا عامر نرجو .. ومداجن.

(٣) راجع : الإصابة ج ١ ص ٣١٩ والإستيعاب بهامشه ج ١ ص ٣٥٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ مع بعض الاختلاف فيما بينها في كلمات الشعر المذكور.

٢٩٧

إصلاح ما صدر منهم تجاه المسلمين ، ولعل وفود عامر بن الطفيل إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد كان لأجل ذلك.

بالإضافة إلى الحاجة إلى تفاصيل أخرى حول كيفية احتفاظ تلك المرأة بابن ملحان عندها ، وعدم تمكن الضحاك من جعله في بيته.

سعد بن أبي وقاص في بئر معونة :

وقد ذكرت بعض الروايات : حضور سعد بن أبي وقاص في قضية بئر معونة ، وأنه حين رجع إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، قال له : «ما بعثتك قط إلا رجعت إلي من بين أصحابك» (١).

ونحن نسجل هنا النقاط التالية :

ألف : لقد صرحت بعض الروايات ، ولا سيما الواقدي في مغازيه : بأنه لم يشترك في هذه السرية إلا أنصاري ، واستثنى البعض بعض المهاجرين ، وليس من بينهم سعد.

وإذا كان قد حضرها حقا ، فلعله التحق بهؤلاء الركب بعد مسيرهم ، ثم تمكن من الهرب ، حينما وقعت الواقعة.

ب : إن كلمات الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» المتقدمة لسعد تدل على : أنه كان ماهرا في الهرب ، بارعا في التخلص من المآزق ، وأنه قد تخلص مرات عديدة أشار النبي «صلى الله عليه وآله» إليها في كلمته الآنفة الذكر ، والتي تشير إلى تعجب النبي «صلى الله عليه وآله» من هذا الأمر.

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ١ ص ٣٥٢ وراجع ص ٣٥٠.

٢٩٨

ج : إننا لا ندري شيئا عن المرات الأخرى التي تخلص فيها سعد ورجع سالما ، الأمر الذي يشير إلى خيانة تاريخية في هذا المجال.

د : وإذا صح أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد لا حظ عودة سعد سالما إليه «صلى الله عليه وآله» من بين أصحابه ، فهل يمكن أن نفهم من كلمته «صلى الله عليه وآله» تلك : أنه «صلى الله عليه وآله» كان يرغب في التخلص من سعد ، ولا يرغب في عودته إليه سالما في كل مرة؟!

لا ندري ، ولعل الفطن الذكي يدري.

ابن الصمة أحد الشهداء :

قد تقدم قولهم : إن الحارث بن الصمة كان أحد الشهداء في بئر معونة (١).

ونقول :

كيف يصح ذلك وهم يقولون : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قسم أموال بني النضير بين المهاجرين ، ولم يعط أحدا من الأنصار إلا ثلاثة لفقرهم وهم : أبو دجانة ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصمة (٢)؟

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ١ ص ٢٤٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٢ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧٢ وراجع : لباب التأويل للخازن ج ١ ص ٣٠٢.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٢ عن المدارك ، وعن معالم التنزيل والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٦٩ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٥١ عن غير ابن إسحاق وبهجة المحافل ج ١ ص ٢١٦.

٢٩٩

وجعل رواية شهادته في بئر معونة دليلا على عدم صحة القسمة له (١) ليس بأولى من العكس ، مع ملاحظة الضعف الشديد والتناقضات الكثيرة ، وكثرة النصوص التي لا تصح في حديث سرية بئر معونة ، لا سيما وأن أمر القسمة ملفت للنظر من قبل كل أحد ، ومثير لفضول الجميع.

أنس بن عباس السلمي في بئر معونة :

وبعد .. فقد جاء في الأبيات التي يرثي بها أنس بن عباس السلمي حراما :

تركت ابن ورقاء الخزاعي ثاويا

بمعترك تسفي عليه الأعاصر

ذكرت أبا الريا لما رأيته

وأيقنت أني عند ذلك ثائر (٢)

فهو يخبر عن أنه قد رأى جثة ابن ورقاء ، فهل كان قد شارك هو الآخر في هذه السرية ، وسلم من القتل فيمن سلم؟!

أم أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان قد أرسله ليكشف له الخبر فرأى جثة ابن ورقاء؟!

أو أنه قد شارك في دفن الشهداء ، فرأى جثة نافع؟!

كل ذلك محتمل ولا بد من انتظار العثور على دلائل وشواهد أخرى.

رفع عامر بن فهيرة إلى السماء :

لقد ذكرت طائفة من المصادر : أن عامر بن فهيرة قد رفع إلى السماء ،

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩٦.

(٢) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ١٩٧ و ١٩٨.

٣٠٠