الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

١ ـ إن بعض الروايات تقول : إن سفيان قتل لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة (١).

٢ ـ بل لقد أورد البعض قصة سفيان بن خالد في السنة الخامسة ، بعد غزوة بني قريظة (٢) ولا شك في أن قصة الرجيع قد كانت قبل ذلك.

٣ ـ إن الحافظ البيهقي قد ذكر في الدلائل : قتل سفيان بعد مقتل أبي رافع (٣) فإذا انضم ذلك إلى ما يظهر من ابن إسحاق من أن مقتل أبي رافع كان بعد الخندق وقريظة (٤) :

فإن النتيجة تكون : أن قتل سفيان قد كان بعد هاتين الغزوتين أيضا ، أما قصة الرجيع ، فلا شك في سبقها على ذلك.

٤ ـ قال البلاذري : «وسرية عبد الله بن أنيس ، من ولد البرك بن وبرة ، عداده في جهينة ، في المحرم سنة ست ، إلى سفيان بن خالد بن نبيح» (٥).

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٤ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٠ وسيرة مغلطاي ص ٥١ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٥٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٠ والتنبيه والإشراف ص ٢١٢.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥١ عن الوفاء والمحبر ص ١١٩ وذكره بلفظ قيل في التنبيه والإشراف ص ٢١٢.

(٣) السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٦٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٤٠.

(٤) السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٦١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٣٧.

(٥) أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٧٦ (قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله»).

٢٠١

جثة عاصم وما قيل حولها :

تقول الرواية المتقدمة : إنهم أرادوا قطع رأس عاصم بن ثابت ، ليبيعوه من سلافة بنت سعد ، فحمته الدبر منهم (أي من بني لحيان الهذليين) ، ثم احتمله السيل في المساء.

ونقول :

١ ـ إننا نجد عند أبي الفرج : أن حيا من قيس ، (وعند غيره : أن حيا من قريش) ، قد أرسلوا إلى عاصم ليؤتوا من لحمه بشيء ، وقد كان لعاصم فيهم آثار بأحد ، فبعث الله عليه دبرا فحمت لحمه (١).

ومعنى ذلك هو : أن السيل لم يكن قد احتمل عاصما ، حسبما ذكرته الرواية المتقدمة.

واعتذار العسقلاني وغيره عن ذلك : بأن من الممكن أن لا تكون قريش قد علمت بحماية الزنابير له من هذيل ، أو شعرت بذلك ، لكن رجت أن تكون الزنابير قد تركته (٢) ،

هذا الاعتذار لا يجدي في دفع ما ذكرناه ، لأن الرواية المتقدمة تذكر : أن

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج ٢ ص ٥٤٠ والأغاني ج ٤ ص ٢٢٨ وراجع : المواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٢٤ و ١٢٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٦٣ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ج ١ ص ١٨٨ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٥ وأسد الغابة ج ٢ ص ١٠٤ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١١٥ وج ٣ ص ١٩ ومسند أحمد ج ٢ ص ٣٩٥ و ٣١١.

(٢) فتح الباري ج ٧ ص ٢٩٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٧٠.

٢٠٢

السيل قد احتمل عاصما في مساء ذلك اليوم الذي أرادت هذيل قطع رأسه فيه فحمته الدبر.

وزاد في بعض الروايات : أن ذلك السيل قد احتمل معه خمسين من المشركين إلى النار أيضا كما تقدم (١).

٢ ـ لا ندري لماذا جاء ذلك السيل الذي احتمل عاصما ليلا ، ولم يأت نهارا؟! فهل خشي على نفسه من هذيل أن يعرفوه ، ويعاقبوه بعد ذلك؟

ولماذا اكتفى بحمل خمسين من المشركين ، ولم يحمل بقيتهم ، ويخلص الناس من شرهم؟!

ولماذا لم يعتبروا بما جرى ، وأصروا على أسر خبيب وأصحابه ، ثم قدموا بهم إلى مكة ، حتى جرى عليهم ما جرى؟!

ألم يكن الأنسب أن يطلقوا سراح أسراهم ، ويعتذروا إليهم؟!

ألم يكن الأجدر بهم أن يرجعوا إلى أنفسهم ، ويعرفوا : أن دعوة عاصم وأصحابه صحيحة ومحقة ، فيقبلوا بها ويعتنقوها ، ويعتذروا لنبي الإسلام عما صدر منهم؟! ولا أقل من أن يفعل بعضهم ذلك ، أو يختلفوا فيما بينهم لأجله!!

وقريش أيضا : لماذا لم تعتبر بما رأته من الكرامة لعاصم ، فترجع إلى نفسها ، وتصدق بالحق ، أو يصدق بعض رجالها به؟!

٣ ـ إن بعض الروايات تصرح : بأن المسلمين قد دفنوا عاصما بعد أن

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٥ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٠ عن البغوي.

٢٠٣

حمته الدبر (١) ، ومعنى ذلك هو : أن السيل لم يحتمله ، إلا أن يكون قد احتمله ثم أرجعه إليهم!!

كما أننا لم نعرف من أين جاء المسلمون إلى عاصم ليدفنوه ، فهل هم خبيب وأصحابه الأسرى الذين لم يكن يمكنهم القيام بأي عمل من دون إذن آسريهم؟

أم أنهم مسلمون آخرون كانوا حاضرين ، ولكنهم لم يشاركوا في المعركة ولم يدافعوا عن إخوانهم؟!

عاصم ليس قاتل عقبة :

لقد ذكروا : أن العظيم الذي قتله عاصم يوم بدر ، هو عقبة بن أبي معيط ، قتله صبرا بأمر النبي «صلى الله عليه وآله» ، بعد منصرفهم من بدر (٢).

ولكن ذلك لا يصح ؛ إذ قد تقدم : أن عليا «عليه السلام» : هو الذي قتل عقبة هذا بأمر من رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٣).

وقال معاوية للوليد بن عقبة في صفين يحرضه على علي «عليه السلام» :

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٥.

(٢) المواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٢ و ٨٧ والسيرة النبوية لابن هشام ومغازي الواقدي ج ١ ص ١٤٨ و ٢٨٢ و ١٣٨ والبحار ج ١٩ ص ٣٤٧ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٩٩ و ١٦٩ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٤٠.

(٣) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٢٩٨ بلفظ قيل ، والبحار ج ١٩ ص ٢٦٠ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٦٩ ، ومن دون ترديد وكذا في الدر المنثور ج ٥ ص ٦٩ عن عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر وغيرهما.

٢٠٤

«.. وأما أنت يا وليد فإنه قتل أباك بيده صبرا يوم بدر» (١).

ونقول أيضا :

١ ـ إننا لم نفهم السر في سكوت عبد الله بن طارق حتى بلغوا به مر الظهران ، ولماذا قال لهم في هذا المكان بالذات : هذا أول الغدر ، فكلمة (هذا) يراد بها الإشارة إلى أي شيء؟!

أليس كانوا قد وعدوه بأن يأخذوه إلى مكة ليصيبوا به وبرفيقيه مالا من أهلها؟ فهل غيروا خطتهم الآن ، وغدروا بهم وأخلفوا بوعدهم؟!

٢ ـ ما معنى قوله : إن بهؤلاء لأسوة ، يعني القتلى؟ فهل كان القتلى حاضرين في مر الظهران إلى جانبه حتى صح أن يشير إليهم بكلمة (هؤلاء)؟ ألم يترك القتلى في منطقة الرجيع البعيدة عن مر الظهران مسافات طويلة؟!

٣ ـ قد تقدم : أن من غير المعقول : أن يبقي آسروه سيفه معه ، وتقدم غير ذلك أيضا ، فلا نعيد.

٤ ـ ويفهم من عبارة ابن الوردي : أنه قد هرب من آسريه ، فلما حاولوا استعادته قاتلهم ، لا أنه تمرد عليهم ثم قاتلهم ، يقول ابن الوردي : «فهرب طارق (كذا) في الطريق ، وقاتل إلى أن قتلوه بالحجارة» (٢).

__________________

(١) الفتوح لابن أعثم ج ٣ ص ١٩١ وراجع : صفين للمنقري ص ٤١٧ وفيه :

(الجمل) وهو غلط.

(٢) تاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٥٨.

٢٠٥

خبيب مع بني النجار :

وحول ما ذكرته بعض الروايات المتقدمة ، من أن عقبة بن الحارث اشترى خبيبا من بني النجار (١).

فإن لنا أن نسأل : لماذا من بني النجار ، وليس من الهذليين؟!

ولماذا اشتراه بنو النجار؟ ثم لماذا عادوا فباعوه بعد ذلك؟!

فهل كانوا يريدون المتاجرة به والحصول على المال؟!

ابن طارق ، ومعتب مع الأعداء :

وتذكر الرواية المتقدمة : أن عبد الله بن طارق استأسر مع رفيقيه ، وسار معهم ، حتى إذا بلغوا مر الظهران ـ واد قرب مكة ـ انتزع يده من الحبل الذي ربط به ، ثم أخذ سيفه وقاتلهم ، فرموه بالحجارة حتى قتلوه ؛ فقبره بالظهران.

وذكر ابن سعد : أن معتب بن عبيد هو الآخر قد قتل يوم الرجيع بمر الظهران شهيدا (٢).

ونقول :

ألف : قد تقدمت الرواية الأخرى القائلة : إنه بعد قتل عاصم ورفيقيه رفض عبد الله أن يسير مع آسريه ، فقتلوه إلى جانب رفاقه.

ب : إننا لم نفهم سر بقاء سيفه معه ، إلى أن بلغ معهم مر الظهران ،

__________________

(١) الإستيعاب بهامش الإصابة ج ١ ص ٤٣١.

(٢) مغازي الواقدي ج ١ ص ٣٥٧ وطبقات ابن سعد ج ٣ ص ٤٥٥.

٢٠٦

وكيف لم ينتزعوه منه ، وهو أسيرهم ، ومربوط بحبالهم؟!

ج : لماذا رموه بالحجارة حتى قتلوه ، ألم يكن معهم سيوف يقاتلونه بها؟!

ولماذا لم يرموه بسهامهم ، وقد كانوا مئة رام ، أو مئتين؟!

أو لماذا لم يشجروه برماحهم؟!

د : معنى قول ابن سعد : أن معتبا هو الآخر قد استشهد بمر الظهران هو أن الأسرى كانوا أربعة لا ثلاثة.

تهافت عبارتي الواقدي وابن سعد :

وعبارة الواقدي هنا هي التالية : «حتى إذا كانوا بمر الظهران ، وهم موثقون بأوتار قسيهم ، قال عبد الله بن طارق : هذا أول الغدر ، والله لا أصاحبكم ، إن لي في هؤلاء لأسوة ، يعني القتلى ، فعالجوه ؛ فأبى ونزع يده من رباطه ثم أخذ سيفه الخ ..» (١).

وقريب منه عبارة ابن سعد أيضا ، فالقتلى لم يكونوا بمر الظهران ليصح قوله : إن لي بهؤلاء لأسوة.

من الذي اشترى خبيبا؟

وقد صرحت الرواية المتقدمة : بأن الذي اشترى خبيبا هو : حجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث ، ليقتله بأبيه الحارث بن عامر بن نوفل.

__________________

(١) طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٣ ص ٤٥٥.

٢٠٧

وصرح البعض : بأن خبيبا هو الذي قتل الحارث في غزوة أحد (١) أو في بدر (٢).

ونقول :

١ ـ قد تقدم : أن بعض الروايات تقول : إن ثلاثة قد اشتركوا في شراء خبيب. وهم : أبو سروعة ، وعقبة ، وأخوهما لأمهما حجير بن أبي إهاب (٣) وتقدمت روايات أخرى في من اشتراه.

٢ ـ إن رواية أخرى تقول : إن المقتول ببدر هو عامر بن نوفل (٤) وليس هو الحارث بن عامر.

٣ ـ إن الدمياطي قد أشكل على هذا المورد بأمرين :

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج ٢ ص ٥٤٠ والأغاني ج ٤ ص ٢٢٨ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٦٧.

(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ٦٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٢٤ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٣٤ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ج ١ ص ١٨٨ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢١٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٦ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٦ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٩٣ والإصابة ج ١ ص ٤١٨ والإستيعاب بهامشه ج ١ ص ٤٢٩ و ٤٣١ وأسد الغابة ج ٢ ص ١٠٤ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١١٥ وج ٣ ص ١٨ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٩٤ و ٣١٠ وصفة الصفوة ج ١ ص ٦٢٠ وحلية الأولياء ج ١ ص ١١٢ وجمهرة أنساب العرب ص ١١٦ وراجع : عمدة القاري ج ١٧ ص ١٠٠ و ١٦٨.

(٣) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٦.

(٤) المصدر السابق.

٢٠٨

أحدهما : أن خبيبا لم يذكره أحد من أهل المغازي في من شهد بدرا (١).

الثاني : أن الذي قتل الحارث هو خبيب بن أساف الخزرجي ، وهو غير خبيب بن عدي الأوسي (٢).

٤ ـ ونقول : بل قيل : إن قاتل الحارث هذا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» (٣).

مناقشة البعض لقول الدمياطي وجوابها :

وقد أجابوا عن قول الدمياطي الآنف الذكر : بأن في هذا تضعيفا للحديث الصحيح ، ولو لم يقتل خبيب بن عدي الحارث بن عامر ، لم يكن لاعتناء آل الحارث بشرائه وقتله به معنى ، إلا أن يقال : لكونه من قبيلة قاتله ، وهم الأنصار ، كذا قال ابن حجر (٤).

ونقول : إن هذه الأجوبة لا مجال لقبولها ، وذلك :

ألف : إن الحديث الصحيح ليس وحيا منزلا ، فكم من حديث ورد

__________________

(١) شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢١٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٦ و ١٦٧ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٩٣ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٦٨ و ١٠٠.

(٢) شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢١٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٦ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٩٣ وراجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ١٣٤ وفيه : أنه قتله وهو لا يعرفه وراجع : نسب قريش لمصعب ص ٢٠٤ وأنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله») ج ١ ص ١٥٤ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٠٠ و ١٦٨.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٦.

(٤) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٧ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٩٣.

٢٠٩

بسند صحيح في الصحاح الستة ، ومنها البخاري ، ثم ثبت كذبه ، وإذا جاء الحديث الصحيح مخالفا لكل الأدلة القطعية ، فلا بد من رده وتضعيفه.

وخذ مثلا على ذلك : حديث بدء نزول الوحي ، وحديث الإفك ، وحديث زواج علي «عليه السلام» ببنت أبي جهل ، إلى عشرات ، بل مئات من الأحاديث التي ثبت كذبها وضعفها ، أو التصرف العمدي فيها.

ب : وأما بالنسبة لاعتناء آل الحارث بشراء خبيب وقتله بصاحبهم ، فلا يدل على أنه قد قتل أباهم بنفسه ، إذ يكفي أن يكون من الفريق القاتل ومن مؤيديه ومناصريه.

ومن عادة العرب : أن يقتلوا أيا من أفراد القبيلة إذا كان أحد أفرادها قد قتل بعضهم.

ومن الواضح : أن خبيب بن عدي كان قحطانيا كخبيب بن أساف ، وكان من مؤيدي ومناصري النبي «صلى الله عليه وآله» ، وعلى دينه ، فإذا كان الحارث في حالة غليان ضد النبي «صلى الله عليه وآله» وكل من يلوذ به ، فإن اهتمامهم بأمر خبيب لا يكون غريبا ولا عجيبا.

وقد أشار ابن حجر إلى هذا المعنى ، فاعتبر كون خبيب من الأنصار كافيا لاهتمام آل الحارث بقتله ، وإن كان القاتل للحارث هو ابن أساف لا ابن عدي.

هذا كله ، مع غض النظر عن سائر ما يرد على الرواية مما تقدم وسيأتي فإنه لا يبقي مجالا للشك في عدم صحة هذا الحديث ، وإن كان مذكورا في الكتب التي اعتبروها صحاحا.

وبعد كل ما تقدم نقول : إن عد «الإستيعاب» خبيب بن عدي في من

٢١٠

شهد بدرا (١) لعله مستند إلى رواية قتله الحارث بن عامر ، فلا يصلح دليلا على صحتها.

دعوى نزول آيتين في هذه المناسبة :

وفي الرواية المتقدمة : كما في بعض المصادر : أن المنافقين قالوا في هذه المناسبة : يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا ، لا هم قعدوا في أهليهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ؛ فأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ، وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ، وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ)(٢).

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(٣).

قال ابن إسحاق : في أصحاب الرجيع نزلت : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ..) الخ .. (٤).

__________________

(١) عمدة القاري ج ١٧ ص ١٠٠.

(٢) الآيات ٢٠٤ ـ ٢٠٦ من سورة البقرة.

(٣) الآية ٢٠٧ من سورة البقرة.

(٤) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ١٨٣ و ١٨٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٦٧ وراجع البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١١ والجامع لأحكام القرآن ج ٣ ص ٢١ بلفظ : قيل.

٢١١

ونقول :

إن ذلك لا يصح ، وذلك لما يلي :

١ ـ أما بالنسبة لآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ..) ، فقد قال السهيلي ردا على ابن إسحاق : «أكثر أهل التفسير على خلاف قوله ، وأنها نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي ، رواه أبو مالك عن ابن عباس ، وقاله مجاهد.

وقال ابن الكلبي : كنت بمكة ، فسئلت عن هذه الآية ، فقلت : نزلت في الأخنس بن شريق ، فسمعني رجل من ولده ، فقال : يا هذا ، إنما أنزل القرآن على أهل مكة ؛ فلا تسم أحدا ما دمت فيها» (١).

٢ ـ كما أننا لم نفهم معنى لقول المنافقين : «ولا هم أدوا رسالة صاحبهم» ، فهل كانوا يحملون رسالة منه «صلى الله عليه وآله» لبني هذيل؟!

كما أن قول المنافقين : «لا هم قعدوا في أهليهم» يفيد : أن مسيرهم ذاك كان برأي منهم ، والفقرة السابقة تدل على : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد حملهم رسالة ، فما هذا التناقض؟

٣ ـ وأما بالنسبة لآية الشراء فإنهم تارة يقولون : إنها نزلت في قضية الرجيع ، حسبما تقدم ، وأخرى يقولون : إنها نزلت في حق الزبير والمقداد ، في محاولتهما إنزال جثة خبيب عن الخشبة التي كان مصلوبا عليها (٢).

__________________

(١) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٣٧ ونزول الآيات في الأخنس بن شريق مذكور في كثير من المصادر الروائية والتفسيرية ، فراجع.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٠ و ٢٢١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ وكلام الفضل بن روز بهان في دلائل الصدق ج ٢ ص ٨١.

٢١٢

وسيأتي في الفصل التالي : أن ذلك كله لا يصح.

وثالثة : إنها نزلت في صهيب لما أخذه المشركون ليعذبوه ، فأعطاهم ماله (١).

وقد ذكرنا في فصل : هجرة الرسول الأعظم أن ذلك أيضا لا يصح.

ولكن الصحيح هو : أنها نزلت في علي أمير المؤمنين «عليه السلام» حين مبيته على فراش النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» حينما هاجر ، ووقاه «عليه السلام» بنفسه (٢) ، كما قدمناه في فصل هجرة الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله».

دعاء خبيب :

وقد تقدم : أن خبيبا قد دعا عليهم بقوله : «اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا» فلبد رجل بالأرض خوفا من دعائه.

وقالوا : حضر قتلهما أكثر أهل مكة (٣).

وعند ابن سعد : «خرج معه الصبيان والنساء والعبيد ، وجماعة أهل

__________________

(١) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٣٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨ وج ٢ ص ٢٣ و ٢٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ والإصابة ج ٢ والدر المنثور ج ١ ص ٢٠٤ عن عدد من المصادر.

(٢) قد ذكرنا في الجزء الثالث من هذا الكتاب طائفة كبيرة من المصادر لهذه القضية فلتراجع هناك في فصل هجرة الرسول الأعظم.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٦ والإشتقاق ص ٤٤٢ باستثناء العبارة الأخيرة.

٢١٣

مكة فلم يتخلف أحد» (١).

ثم قالوا : «فلم يحل الحول ومنهم أحد حي ، غير ذلك الرجل الذي لبد في الأرض.

قيل : إن ذلك الرجل هو معاوية» (٢).

وأضاف البعض : «ولقد مكثت قريش شهرا ، أو أكثر ، وما لها حديث في أنديتها غير دعوة خبيب» (٣).

وأضاف بعض آخر قوله : «وقد قتلوا في الخندق متفرقين» (٤).

ونقول :

١ ـ إن الدعاء المنسوب إلى خبيب بعينه رواه غير واحد على أنه من كلام الإمام الحسين «عليه السلام» في كربلاء (٥).

وقد تعودنا في موارد كثيرة : أن نجدهم يسرقون كلام علي وغيره من الأئمة الأطهار «عليهم السلام» ، وينسبونه إلى آخرين ممن لهم هوى في مناصرته ، وإظهار أمره ، وتضخيم مواقفه.

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٣٠٢.

(٢) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٦ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٢٩٥ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٦٩ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٦ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠١ ولكنه لم يستثن ممن هلك أحدا.

(٣) مغازي الواقدي ج ١ ص ٣٦٠.

(٤) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٧.

(٥) مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٣٤ ومقتل الحسين للمقرم ص ٣٣٩ و ٣٤٠ عنه وعن نفس المهموم ص ١٨٩ وعن مقتل العوالم ص ٩٨.

٢١٤

٢ ـ كيف لم يحل الحول وأحد ممن حضر حيّ ، مع أن أبا سفيان قد كان في جملة من حضر ، وقد بقي بعد ذلك عشرات السنين ، هذا بالإضافة إلى كثيرين ذكرت أسماؤهم؟

بل تقدم : أن أكثر أهل مكة كانوا حاضرين ، فلو كان أكثرها قد هلك ، قبل أن يحول الحول ، فلماذا يحتاج النبي «صلى الله عليه وآله» إلى خوض حرب الخندق ، وما بعدها من حروب إلى فتح مكة؟

ألم يكن بإمكان الرسول «صلى الله عليه وآله» أن يهجم حينئذ على مكة ، ويستولي عليها ، ولماذا ينتظر إلى سنة ثمان من الهجرة أي حوالي أربع سنين من هلاك أكثر أهل مكة؟!

ولا ندري بعد هذا ما المقصود بقولهم : إنهم قتلوا في الخندق متفرقين ، ونحن نعلم أنه لم يقتل في الخندق من المشركين سوى عدة قليلة معروفين بأسمائهم وأعيانهم ، كما سيأتي.

توجيهات لا تجدي :

والغريب في الأمر : أننا نجد الزرقاني والسهيلي يتبرعان بحل هذا المشكل على النحو التالي :

إن دعوة خبيب أصابت منهم من سبق في علمه تعالى : أن يموت كافرا ، وأما من سبق في علمه تعالى أنه يسلم : فلم يعنه خبيب ، ولا قصده في دعائه فلم تصبه.

وعلامة استجابة دعوته : أن من هلك بعد الدعوة ، فإنما هلك بددا ، لأنهم قتلوا غير معسكرين ، ولا مجتمعين ، كاجتماعهم في بدر وأحد ، لأن

٢١٥

الدعوة بعدهما ، فنفذ الدعوة على صورتها (١). إنتهى.

ونقول :

ألف : إن صريح الكلام المتقدم هو أن جميع الذين حضروا قتل خبيب قد هلكوا ، ولم يبق منهم أحد قبل أن يحول الحول.

ب : من الذي أخبره أن خبيبا كان قد فكر هذا التفكير الذي ذكره ، فلعله لم يدر بخلده ، ولم يخطر له على بال أصلا ، فكيف حكم بأن خبيبا لم يعنه؟

ج : هل إن الذين ماتوا من مشركي مكة ما بين قتل خبيب وفتح مكة ماتوا جميعا قتلا ، ألم يمت من مكة طيلة الأربع سنين أحد حتف أنفه؟!

صلاة خبيب :

وذكرت الرواية المتقدمة : أن خبيبا قد صلى ركعتين قبل قتله ، ثم قتل ، فهو أول من سن الصلاة حين القتل (٢).

وقوله هذا يدل على أنها سنة جارية (٣).

١ ـ لا ندري كيف سمح له المشركون بالصلاة ، وهم الأشرار والموتورون ، الذين ما كانوا يتحملون ما هو أقل من الصلاة ، وكان يسرهم حتى آخر لحظة : أن يجعلوه يرجع عن دينه ويتخلى عنه؟

__________________

(١) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٦ عن الزرقاني وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢١٩ عن السهيلي.

(٢) تقدمت المصادر لذلك.

(٣) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٣٥.

٢١٦

٢ ـ لا ندري لماذا يقال : إن خبيبا هو أول من سن الركعتين ، مع أن المصادر قد ذكرت : «أن زيد بن الدثنة أيضا قد صلى هاتين الركعتين» (١) وكيف نفسر قول ابن سعد : «وكانا قد صليا ركعتين ركعتين قبل أن يقتلا ، فخبيب أول من سن ركعتين عند القتل» (٢)؟

وذكر الواقدي : أنهما التقيا في التنعيم ؛ فأوصى كل منهما الآخر بالصبر ، ثم افترقا (٣).

ويظهر من الرواية المتقدمة : أن قتل زيد بن الدثنة كان أسبق من قتل خبيب (٤).

إذا ، فما معنى أن يقال : إن خبيبا هو أول من سن الصلاة حين القتل؟

٣ ـ ثم إنهم يقولون : إن زيد بن حارثة هو الآخر حين أراد أحد

__________________

(١) راجع : طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٥٦ ومغازي الواقدي ج ١ ص ٣٦٢.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٥٦.

(٣) مغازي الواقدي ج ١ ص ٣٦٢.

تنبيه : ذكر في الكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٦٨ : أنهم لما خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه ، قال : ردوني أصلي ركعتين ؛ فتركوه فصلاهما إلخ ..

والصحيح : ذروني (كما في تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج ٢ ص ٤٥٦) وهو المناسب لقوله : فتركوه الخ ..

(٤) راجع أيضا : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٦.

ولكن سياق كلام الدياربكري يفيد : أن قتل خبيب كان أسبق : (راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨) ويبدو أنه قد استفاد ذلك من كون خبيب أول من سن الصلاة عند القتل.

٢١٧

الأشرار قتله قد صلى ركعتين ، ثم دعا الله سبحانه ؛ فخلصه الله منه (١).

قال مغلطاي : «وصلى خبيب قبل قتله ركعتين فكان أول من سنهما ، وقيل : أسامة بن زيد حين أراد المكري الغدر به كذا ذكره بعضهم وكان الصواب زيد» (٢).

قال في النور : والمعروف أن زيد بن حارثة صلاهما قبل خبيب بزمن طويل.

وفي الينبوع : إن قصة زيد بن حارثة «رضي الله تعالى عنهما» كانت قبل الهجرة (٣).

٤ ـ هل يصح أن يقال : إن خبيبا قد سن صلاة كذا؟ وهل يحق لغير الرسول أن يشرع من عند نفسه؟ وهل يحق للآخرين أن يقتدوا به؟!

التشريع من غير النبي صلّى الله عليه وآله :

وقد حاول البعض أن يجيب على هذا السؤال فقال : «وإنما صار فعل خبيب سنة ، والسنة إنما هي أقوال رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأفعاله وتقريره ؛ لأنه فعله في حياته «صلى الله عليه وآله» ، فاستحسن ذلك من

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٩ وزاد المعاد ج ٢ ص ١٠٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٦٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٧ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٢ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٣٥.

(٢) سيرة مغلطاي ص ٥٢.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٩.

٢١٨

فعله ، واستحسنها المسلمون ، والصلاة خير ما ختم به عمل العبد» (١).

ونقول لهؤلاء :

ألف : إن كلامهم يبقى مجرد دعوى بلا دليل ولا شاهد ؛ إذ لا بد من إثبات أن ذلك قد بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» أولا ، ثم إثبات : أن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد استحسن ذلك من فعله ثانيا ، وليس لدينا ما يثبت ذلك ولو حتى رواية واحدة.

ب : إنه لم يثبت أن المسلمين قد استحسنوا ذلك ، ولو قبلنا ذلك ؛ فإن استحسان المسلمين لا يصير تشريعا.

ج : إن كون الصلاة خير ما ختم به عمل العبد صحيح في نفسه ، ولكن جعل ذلك في وقت معين وحالة معينة بحيث يصبح من التشريعات والسنن ، يكون خلاف الشرع ، ولا يجوز ارتكابه ، لأنه تشريع وتقوّل على الله سبحانه.

والصحيح هو : أن يقال هنا : أن خبيبا أو زيدا لم يفعلا ذلك بقصد التشريع ، ولا إحداث سنّة ، وإنما أحبا أن يختم عملهما بالصلاة التي هي عمود الدين ، ففعلا ذلك وقد اقتدى الآخرون بفعلهما ، لا بقصد فعل ما هو مشرع ومسنون أيضا.

متى أسر خبيب؟!

وبينما نجد الروايات المتقدمة تقول : إن خبيبا أسر يوم الرجيع ، نجد

__________________

(١) المواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٢ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٣٥.

٢١٩

ابن دريد يقول : «ومنهم خبيب بن عدي أسر يوم الأحزاب ، وقتلته قريش بمكة وصلبوه» (١).

بلاغ الرسالة :

وأخيرا فإننا لم نستطع أن نفهم معنى قول خبيب : اللهم بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما أتى إلينا.

فهل طلب النبي «صلى الله عليه وآله» منهم أن يوصلوا رسالته إلى أحد؟ ولمن كان «صلى الله عليه وآله» قد أرسل تلك الرسالة؟

وما يذكر من أحداث في هذه الرواية يدل على أن أصحاب الرجيع قد قتلوا في الطريق ، وقبل أن يصلوا إلى أي قبيلة أو بلد يمكنهم إبلاغ رسالة رسولهم فيه.

ثم إننا لم نفهم وجه الربط بين هذه الكلمة من هؤلاء ، ودعواهم تبليغ رسالة الرسول ، وبين إنكار المنافقين لذلك ، حين قالوا : لا هم قعدوا في أهليهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم.

كما أن قول المنافقين الآنف الذكر يدل على أنهم كانوا متبرعين بالذهاب.

وحسبنا ما ذكرناه هنا ، فإن ذلك كله يكشف عن مدى التلاعب والتزوير للحقائق ، ويجعلنا نفقد الثقة فيما يدّعى أنه تاريخ وحديث لدى البعض بصورة عامة.

__________________

(١) الإشتقاق ص ٤٤٢.

٢٢٠