الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

سرقة طعمة :

يذكر المؤرخون هنا : قصة «سرقة طعمة» ، ونحن نذكر أولا النص التاريخي للرواية ، ثم نشير إلى ما يرد عليها من مناقشات ، بقدر ما يسمح لنا به المجال هنا ، فنقول :

نص الرواية :

إنهم يقولون : إنه في شهر ربيع ، سنة أربع من الهجرة ، كانت قصة السرقة المعروفة عن بني أبيرق (١) وجعلها الدياربكري في السنة الثالثة (٢).

فقد جاء في تفسير القمي : «أن قوما من الأنصار ، من بني أبيرق (٣) ، أخوة ثلاثة ، كانوا منافقين : بشير ، وبشر ، ومبشر. فنقبوا على عم قتادة بن النعمان ـ وكان قتادة بدريا ـ وأخرجوا طعاما كان أعده لعياله ، وسيفا ودرعا.

فشكا قتادة ذلك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال : يا رسول

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٦ ، عن ابن سعد عن محمود بن لبيد.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٩.

(٣) الصحيح : بالراء لا بالزاي.

١٢١

الله ، إن قوما نقبوا على عمي ، وأخذوا طعاما كان أعده لعياله ، وسيفا ودرعا ، وهم أهل بيت سوء ، وكان معهم في الرأي رجل مؤمن ، يقال له : لبيد بن سهل.

فقال بنو أبيرق لقتادة : هذا عمل لبيد بن سهل ، فبلغ ذلك لبيدا ؛ فأخذ معه سيفه ، وخرج عليهم ، فقال : يا بني أبيرق ، أترمونني بالسرقة وأنتم أولى بها مني؟! وأنتم المنافقون تهجون رسول الله ، وتنسبون إلى قريش ، لتبينن ذلك ، أو لأملأن سيفي منكم.

فداروه ، فقالوا له : ارجع يرحمك الله ، فإنك بريء من ذلك ، فمشى بنو أبيرق إلى رجل من رهطهم ، يقال له : أسيد بن عروة ، وكان منطيقا بليغا ، فمشى إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال : يا رسول الله ، إن قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منا ، أهل شرف ونسب وحسب ، فرماهم بالسرقة ، واتهمهم بما ليس فيهم.

فاغتم رسول الله «صلى الله عليه وآله» لذلك ، وجاء إليه قتادة ، فأقبل عليه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وقال له : عمدت إلى أهل بيت شرف ، وحسب ، ونسب ، فرميتهم بالسرقة؟! فعاتبه عتابا شديدا ؛ فاغتم قتادة من ذلك ، ورجع إلى عمه ، وقال : يا ليتني مت ولم أكلم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقد كلمني بما كرهته ، فقال عمه : الله المستعان ؛ فأنزل الله في ذلك على نبيه «صلى الله عليه وآله» : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً* وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً* يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ

١٢٢

إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)(١). يعني الفعل ، فوقع القول مقام الفعل.

إلى أن قال في تفسير القمي : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر «عليه السلام» : أن أناسا من رهط بشر الأدنين ، قالوا : انطلقوا بنا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقالوا : نكلمه في صاحبنا ، أو نعذره أن صاحبنا بريء ؛ فلما أنزل الله : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) إلى قوله : (وَكِيلاً) ،

أقبل رهط بشر ، فقالوا : «يا بشر استغفر الله وتب إليه من الذنوب ، فقال : والذي أحلف به ، ما سرقها إلا لبيد ؛ فنزلت (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)(٢).

ثم إن بشرا كفر ، ولحق بمكة ، وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشرا وأتوا النبي «صلى الله عليه وآله» ليعذروه قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) ـ إلى قوله : ـ (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(٣)» (٤).

وذكر الطبرسي وغيره : الرواية السابقة ، مع بعض الاختلافات والإيضاحات

__________________

(١) الآيات ١٠٥ ـ ١٠٨ من سورة النساء.

(٢) الآية ١١٢ من سورة النساء.

(٣) الآية ١١٣ من سورة النساء.

(٤) تفسير القمي ج ١ ص ١٥١ ـ ١٥٢ وعنه في تفسير الميزان ج ٥ ص ٨٩ و ٩٠ وفي تفسير البرهان ج ١ ص ٤١٤ وفي تفسير نور الثقلين ج ١ ص ٤٥٣ و ٤٥٤ وراجع : مجمع البيان ج ٣ ص ١٠٥ ولباب النقول ص ٧٨ و ٧٩ والمصادر الآتية في آخر نقل هذه الروايات.

١٢٣

فقالوا ، والنص للطبرسي : «كان بشير (هكذا في نص الطبرسي) يكنى أبا طعمة ، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثم يقول : قاله فلان ، وكانوا أهل حاجة في الجاهلية والإسلام ، فنقب أبو طعمة على علية رفاعة بن زيد».

ثم يذكر شكواه لقتادة ، ثم يقول : «فتجسسا في الدار ، وسألا أهل الدار في ذلك ، فقال بنو أبيرق : والله ما صاحبكم إلا لبيد الخ ..».

إلى أن قال : «فلما سمع بذلك رجل من بطنهم الذي هم منه يقال له : أسير بن عروة ، جمع رجالا من أهل الدار ، ثم انطلق إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

إلى أن قال : «فلما أتى قتادة رسول الله بعد ذلك ليكلمه ، جبهه رسول الله جبها شديدا ، وقال : عمدت الخ ..».

ثم يستمر في كلامه ، إلى أن ذكر أخيرا ذهاب بشير إلى مكة : «فنزل على سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت امرأة من الأوس ، من بني عمرو بن عوف ، نكحت في بني عبد الدار ، فهجاها حسان ، فقال :

فقد أنزلته بنت سعد فأصبحت

ينازعها جلد أستها وتنازعه

ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتم

وفينا نبي عند ذي الوحي واضعه

فحملت رحله على رأسها ، فألقته بالأبطح ، وقالت : ما كنت تأتيني بخير ، أهديت إليّ شعر حسان.

هذا قول : «مجاهد ، وقتادة بن النعمان ، وعكرمة ، وابن جريج» (١).

__________________

(١) مجمع البيان ج ٣ ص ١٠٥ وراجع : التبيان ج ٣ ص ٣١٧ وتفسير الميزان ج ٥ ص ٩٠ ـ ٩٢ وفتح القدير ج ١ ص ٥١١ ـ ٥١٢ والروض الأنف ج ٢ ص ٢٩٢

١٢٤

ثم أضاف الطبرسي «رحمه الله» قوله : إلا أن عكرمة قال : إن بني أبيرق طرحوا ذلك على يهودي ، يقال له : زيد بن السهين (١) ، فجاء اليهودي إلى رسول الله ، وجاء بنو أبيرق إليه ، وكلموه : أن يجادل عنهم ؛ فهم رسول الله أن يفعل ، وأن يعاقب اليهودي ؛ فنزلت الآية. وبه قال ابن عباس (٢).

وقال الضحاك : نزلت في رجل من الأنصار ، استودع درعا ؛ فجحد صاحبها فخونه رجال من أصحاب النبي ؛ فغضب له قومه ، فقالوا : يا نبي الله ، خوّن صاحبنا وهو مسلم أمين ، فعذره النبي ، وكذب عنه ، وهو يرى : أنه بريء ، مكذوب عليه فأنزل الله الآيات (٣).

واختار الطبري هذا الوجه ، قال : لأن الخيانة إنما تكون في الوديعة ، لا في السرقة (٤). إنتهى كلام الطبرسي.

وفي رواية عن ابن عباس : أن طعمة سرق درع قتادة ، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق ، فجعل الدقيق ينتثر من خرق الجراب ، حتى انتهى إلى داره ، ثم خبأها عند رجل من اليهود ، يقال له : زيد بن السمين. ثم تذكر

__________________

و ٢٩٣ والدر المنثور ج ٢ ص ٢١٥ ـ ٢١٧ عن : الترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن سعد والحاكم ، وصححه ، عن قتادة بن النعمان ، وعن محمود بن لبيد.

(١) لعل الصحيح : السمين.

(٢) راجع بالإضافة إلى مجمع البيان : الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٨ عن ابن جرير.

(٣) راجع : الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٨ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وسنيد ، عن عكرمة ، هذا بالإضافة إلى مجمع البيان.

(٤) راجع ما تقدم في : مجمع البيان ج ٣ ص ١٠٥ والتبيان ج ٣ ص ٣١٨.

١٢٥

الرواية كيف اقتفوا أثر الدقيق ، حتى انتهوا إلى دار طعمة ؛ فحلف لهم ، فتركوه. ثم اقتفوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي ، ثم جاء قوم طعمة إلى النبي «صلى الله عليه وآله» الخ .. (١).

وقال الطبرسي أيضا : «يروى : أن أبا طعمة بن أبيرق سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النعمان ، وخبأها عند رجل من اليهود ؛ فأخذ الدرع من منزل اليهودي ؛ فقال : دفعها إليّ أبو طعمة ، فجاء بنو أبيرق إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى آخر ما مر عن الضحاك (٢).

وعن ابن زيد : «كان رجل سرق درعا من حديد في زمن النبي «صلى الله عليه وآله» طرحه على يهودي.

فقال اليهودي : والله ما سرقتها يا أبا القاسم ، ولكن طرحت عليّ ، وكان للرجل الذي سرق جيران يبرئونه ، ويطرحونه على اليهودي ، ويقولون : يا رسول الله ، إن هذا اليهودي خبيث ، يكفر بالله وبما جئت به ، حتى مال عليه النبي «صلى الله عليه وآله» ببعض القول.

فعاتبه الله في ذلك ؛ فقال : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً)(٣). واستغفر الله مما قلت لليهودي الخ ..» (٤).

وعند الطوسي : أنه بلغ بني أبيرق نزول الآيات فخرجوا من المدينة ،

__________________

(١) تفسير الخازن ج ١ ص ٤٠٠.

(٢) جوامع الجامع ص ٩٦.

(٣) الآية ١٠٥ من سورة النساء.

(٤) تفسير الميزان ج ٥ ص ٩٢ والدر المنثور ج ٢ ص ٢١٧ عن ابن جرير.

١٢٦

ولحقوا بمكة ، وارتدوا ؛ فلم يزالوا بمكة مع قريش ؛ فلما فتح مكة هربوا إلى الشام ؛ فأنزل الله فيهم : ومن يشاقق الرسول الخ .. (١).

وفي رواية عن ابن عباس ، بعد أن ذكر : أن صاحب الدرع أتى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال : إن طعمة بن أبيرق سرق درعي ،

فلما رأى السارق ذلك عمد إليها ، فألقاها في بيت بريء ، وقال لرجل من عشيرته : إني غيبت الدرع ، وألقيتها في بيت فلان ، وستوجد عنده ؛ فانطلقوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله».

إلى أن قالت الرواية : فقام رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فبرأه ، وعذره على رؤوس الناس ؛ فأنزل الله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ..)(٢)» (٣).

وقال الضحاك : أراد النبي «صلى الله عليه وآله» أن يقطع يده (أي يد اليهودي المتهم بالسرقة) وكان مطاعا ، فجاءت اليهود شاكين في السلاح ؛ فأخذوه ؛ وهربوا ؛ فنزل : ها أنتم هؤلاء ، يعني : اليهود (٤).

وقيل : إن زيد بن السمين أودع الدرع عند طعمة ؛ فجحده طعمة ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ ..)(٥).

وذكر السدي : «أن الآية نزلت في طعمة بن أبيرق ، استودعه رجل من اليهود درعا ؛ فانطلق بها إلى داره ؛ فحفر لها اليهودي ، ثم دفنها ، فخالف

__________________

(١) التبيان ج ٣ ص ٣١٧.

(٢) الآية ١٠٥ من سورة النساء.

(٣) الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٧ عن ابن جرير ، وابن أبي حاتم.

(٤) تفسير القرطبي ج ٥ ص ٣٧٦ وراجع ص ٣٧٩.

(٥) تفسير الخازن ج ١ ص ٤٠٠.

١٢٧

إليها طعمة ، فاحتفر عنها ، فأخذها ، فلما جاء اليهودي يطلب درعه كافره عنها ؛ فانطلق إلى أناس من اليهود من عشيرته ؛ فقال : انطلقوا معي ؛ فإني أعرف موضع الدرع ؛ فلما علم به طعمة أخذ الدرع ، فألقاها في بيت أبي مليك الأنصاري ، فلما جاءت اليهود تطلب الدرع فلم تقدر عليها ، وقع به طعمة ، وأناس من قومه ، فسبوه.

قال : أتخونونني؟ فانطلقوا يطلبونها في داره ؛ فأشرفوا على دار أبي مليك ، فإذا هم بالدرع.

وقال طعمة : أخذها أبو مليك.

وجادلت الأنصار دون طعمة ، وقال لهم : انطلقوا معي إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقولوا له : ينضح عني ، ويكذب حجة اليهودي ، فإني إن أكذب كذب على أهل المدينة اليهودي ، فأتاه ناس من الأنصار ؛ فقالوا : يا رسول الله ، جادل عن طعمة ، وأكذب اليهودي ، فهمّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يفعل ؛ فأنزل الله عليه : (لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً ..) إلى قوله : (أَثِيماً).

ثم ذكر الأنصار ومجادلتهم ، فقال : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ ..) إلى قوله : (وَكِيلاً).

ثم دعا إلى التوبة ، فقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ..) إلى قوله : (رَحِيماً).

ثم ذكر قوله حين قال : أخذها أبو مليك ؛ فقال : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً ..) إلى قوله : (مُبِيناً).

ثم ذكر الأنصار ، وإتيانها إياه : أن ينضح عن صاحبهم ، ويجادل عنه ،

١٢٨

فقال : (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) ، ثم ذكر مناجاتهم فيما يريدون أن يكذبوا عن طعمة ، فقال : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ).

فلما فضح الله طعمة بالقرآن بالمدينة ، هرب حتى أتى مكة ، فكفر بعد إسلامه ، ونزل على الحجاج بن علاط السلمي ، فأراد أن يسرقه ، فسمع الحجاج خشخشة في بيته ، وقعقعة جلود كانت عنده ؛ فنظر فإذا هو بطعمة ، فقال : ضيفي وابن عمي فأردت أن تسرقني؟! فأخرجه ؛ فمات بحرة بني سليم كافرا ، وأنزل الله فيه : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ..) إلى قوله : (وَساءَتْ مَصِيراً)» (١).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٨ عن ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي ، ومهما يكن من أمر فإنك تجد الروايات المتقدمة وغيرها مما يختلف عنها بعض الاختلاف في : الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٥ ـ ٢١٩ عن الترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم ، وابن أبي حاتم ، وابن سعد ، وأبي الشيخ وعبد بن حميد ، وسنيد ، وعبد الرزاق ، وراجع : تنوير المقباس بهامش الدر المنثور ج ١ ص ٢٨٩ ـ ٢٩٣ وفيه : أن النبي «صلى الله عليه وآله» هم بضرب اليهودي.

وراجع : تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٦١ ـ ٥٦٥ وفيه : أنه هم بقطع يد اليهودي وفي هامشه عن تفسير الثعلبي وعن الواحدي ، والترمذي والحاكم ، والطبري وتفسير جامع البيان ج ٥ ص ١٦٩ ـ ١٧٧ وغرائب القرآن بهامشه ج ٥ ص ١٦٥ فما بعده ، والجامع لأحكام القرآن ج ٥ ص ٣٧٥ عن : الترمذي ، وعن الليث ، والطبري ، وذكر قصة موته يحيى بن سلام في تفسيره والقشيري كذلك ، وزاد ذكر الردة ، ثم قيل : كان زيد بن السمين ولبيد بن سهل يهوديين ، وقيل : كان لبيد مسلما الخ .. والتفسير الكبير ج ١١ ص ٣٢ ـ ٤٢ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٥٥٠ ـ ٥٥٢ ولباب النقول ص ٧٨ ـ ٨٠ وفي ظلال القرآن ص ٧٥١ و ٧٥٢ و ٧٥٩

١٢٩

مناقشة النص :

ولكن لنا شكوك كبيرة في كثير من الجهات والأمور التي أثارتها النصوص المتقدمة ، ونكتفي هنا بتسجيل النقاط التالية :

أولا : إن ملاحظة النصوص المتقدمة ، ومقارنتها فيما بينها ، وكذلك مقارنتها مع غيرها من الروايات التي لم نذكرها ، وإنما اكتفينا بالإشارة إلى مصادرها في الهامش ،

إن هذه الملاحظة والمقارنة توضح لنا مدى التفاوت ، والاختلاف ، الذي قد يصل إلى درجة التناقض الواضح والفاضح فيما بينها ، ولا نريد أن نذكر النصوص المتخالفة هنا ، ما دام أن بوسع القارئ الكريم أن يلحظ ذلك بأدنى تأمل ومراجعة.

ثانيا : لقد ادّعت تلك النصوص : أن قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) قد نزل بهذه المناسبة.

__________________

والتبيان ج ٣ ص ٣١٦ وتفسير الخازن ج ١ ص ٤٠٠ ـ ٤٠٢ عن البغوي وغيره ، وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٣٠ و ٢٣١ وشرحه بهامشه ، وتفسير النسفي ، بهامش الخازن ج ١ ص ٤٠٠ ـ ٤٠٢ وأسباب النزول ص ١٠٣ وجوامع الجامع ص ٩٦ وفتح القدير ج ١ ص ٥١٢ والتفسير الحديث ج ٩ ص ١٦١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٩ وأنساب الأشراف ج ١ (قسم سيرة النبي «صلى الله عليه وآله») ص ٢٧٧ و ٢٧٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ١٧١ وهامشها ، والروض الأنف عن الطبري ، والترمذي والكشي ويحيى بن سلام في تفسيره وأكثر التفاسير ، وابن إسحاق وفيه إشارة إلى بعض وجوه الاختلاف عند ابن إسحاق وغيره.

١٣٠

وقد أريد به : أن استغفر الله يا محمد «صلى الله عليه وآله» مما هممت به من معاقبة اليهودي.

وقيل : من جدالك عن طعمة.

وقد تمسك بهذه الآية من يرى جواز صدور الذنب من الأنبياء ، وقالوا : لو لم يقع من الرسول «صلى الله عليه وآله» ذنب لما أمر بالاستغفار (١).

وقد صرحت بعض الروايات المتقدمة : بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد عمل أو همّ بعمل كان في غير محله على الأقل.

ففي بعضها : أنه «صلى الله عليه وآله» قد لام قتادة لوما شديدا.

وفي أخرى : جبهه رسول الله «صلى الله عليه وآله» جبها شديدا.

وفي ثالثة : أنه «صلى الله عليه وآله» مال على اليهودي ببعض القول.

ورابعة تقول : فعذره النبي «صلى الله عليه وآله» ، وكذب عنه وهو يرى أنه بريء مكذوب عليه ، فنزلت الآيات.

وفي خامسة : أنه «صلى الله عليه وآله» برأ السارق ، وعذره على رؤوس الناس ، فأنزل الله إنا أنزلنا الخ ..

ولعل كلمة «الخصام» تشير إلى الشدة في ذلك ؛ فإن المخاصمة : «المنازعة ، بالمخالفة بين اثنين ، على وجه الغلظة» (٢).

__________________

(١) تفسير الخازن ج ١ ص ٤٠١ والتفسير الكبير ج ١١ ص ٣٤ والجامع لأحكام القرآن ج ٥ ص ٣٧٧ والتفسير الحديث ج ٩ ص ١٦٣ وغرائب القرآن (مطبوع بهامش الطبري) ج ٥ ص ١٦٧ وراجع : جامع البيان ج ٥ ص ١٦٩.

(٢) مجمع البيان ج ٣ ص ١٠٦.

١٣١

إلى غير ذلك من النصوص المختلفة ، التي تفيد : أنه «صلى الله عليه وآله» قد عذر السارق ، وساهم في تبرئته فعلا ، أو أنه هم بذلك.

أما نحن فنقول : إن ذلك لا يصح ؛ وذلك للأمور التالية :

١ ـ إن النبي «صلى الله عليه وآله» إما أن يكون قد قصر في تحريه للحقيقة فانخدع ، فذلك لا يصح ؛ لأنّ النبي «صلى الله عليه وآله» ، لم يكن ليقدم على إدانة شخص ، والدفاع عن آخر ؛ ما لم يثبت له بعد التحري والتحقيق الدقيق براءته ، وصدقه.

وأما الإقدام على تبرئة شخص ، والدفاع عنه ، من دون تحر ولا تحقيق ، فهو لا يصدر عن أي إنسان عادي آخر ، فكيف بالنبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» الذي هو عقل الكل ، ومدبر الكل ، ورئيس الكل ، وقد تلقى «صلى الله عليه وآله» الحكمة عن الله سبحانه ، فلا يعقل أن يتصرف تصرفا غير معقول كهذا.

وإما أن يكون قد حكم وفق الضوابط الظاهرية ، التي جعلها الله سبحانه في موارد كهذه ؛ فلا معنى لاعتبار ذلك من الذنوب التي لا بد أن يستغفر منها.

وإما أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد حكم وفق هواه ، وعلى خلاف ما يريده الله سبحانه ، حتى صح أن يعد الله ذلك ذنبا يستوجب الاستغفار.

فمعنى ذلك : أن لا يكون «صلى الله عليه وآله» معصوما ، وهذا خلاف ما ثبت بالدليل القاطع ، والبرهان الناصع ، من عصمته «صلى الله عليه وآله» ، وخلاف الآيات التي ألزمت الناس بالرجوع إليه ليحكم بينهم ، واعتبار حكمه حكما إلهيا ، لا بد من قبولهم به وانتهائهم إليه.

١٣٢

٢ ـ إن قوله تعالى في بقية هذه الآيات التي يقال : إنها نزلت في هذه المناسبة : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(١).

ثم قوله : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ).

وكذا قوله : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ)(٢).

إن هذه الآيات تفيد : أنهم كانوا قد تناجوا في هذا الأمر ، وبيّتوا ما لا يرضي الله من القول ، بهدف الذب عن صاحبهم ، وإبعاد الشبهة عنه. ولكن لم يصل ذلك إلى درجة إقدامهم على تضليل النبي «صلى الله عليه وآله» ، فلم يقدموا على ذلك أصلا بصريح الآية التي تقول : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ)(٣) ، فقد دلت الآية : على أنهم لم يهموا بإضلال النبي «صلى الله عليه وآله» ، لا أنهم هموا بذلك وفعلوه ووقع النبي «صلى الله عليه وآله» والعياذ بالله في حبائل مكرهم ، وهمّ بمعاقبة السارق ، أو بقطع يده ، أو أنه برأه على رؤوس الأشهاد ، وجبه قتادة جبها شديدا!!

وبتعبير أوضح : إن هؤلاء الناس قد يحاولون إضلال النبي «صلى الله عليه وآله» ، زاعمين : أن ذلك ممكن لهم ..

ولكن بما أن هذا الأمر يستحيل حصوله .. فلا يصل سعيهم إلى نتيجة ،

__________________

(١) الآيتان ١١٢ و ١١٣ من سورة النساء.

(٢) الآية ١٠٨ من سورة النساء.

(٣) الآية ١١٣ من سورة النساء.

١٣٣

ويكون همهم به بمنزلة العدم من حيث إنه من قبيل الهم بالمستحيل.

فيصح القول : بأنهم لم يهموا بذلك تنزيلا له بمنزلة العدم .. بسبب استحالة تحقق مقتضاه ، لأجل فضل الله على رسوله «صلى الله عليه وآله».

٣ ـ إن نفس الآية الأنفة الذكر تدل على : أنهم حتى لو أنهم حاولوا إضلال النبي «صلى الله عليه وآله» في هذا ، فإنهم سوف يفشلون في ذلك قطعا وسوف لن يؤثر ذلك في النبي «صلى الله عليه وآله» ، وذلك لقوله تعالى : (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) فإنه بقرينة قوله بعده : (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) ، يفيد : أن إضلال هؤلاء لا يتعدى أنفسهم ولا يتجاوزهم إليك.

ويفيد : نفي إضرارهم بالنبي «صلى الله عليه وآله» نفيا مطلقا ، وذلك بسبب أن الله قد : (أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ).

فنفس هذه الآية تفيد : أنه «صلى الله عليه وآله» لم يرتكب ذنبا في حق أحد يجب أن يستغفر الله منه.

وبعد كل ما تقدم فإن الظاهر هو : أن الآية الشريفة : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً* وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) ،

إن كل ذلك لا بد أن يكون واردا مورد التأديب والتعليم له ولأمته في أن لا يبادروا بالخصام إلا بعد تبيّن الحق لهم ، وليس يريد إثبات أنه «صلى الله عليه وآله» قد خاصم فعلا عن الخائنين وجادل عنهم ، فأذنب بذلك ، فوجب أن يستغفر الله سبحانه ، فإن ذلك ليس مرادا قطعا ؛ وذلك لما قدمناه

١٣٤

من القرائن والأدلة ، وهو من قبيل قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(١) فإنه لا يدل على وقوع الشرك منه «صلى الله عليه وآله».

أضف إلى ذلك كله : أن الشيخ الطوسي «رحمه الله تعالى» يقول : «على أنّا لا نعلم : أن ما روي في هذا الباب وقع من النبي «صلى الله عليه وآله» لأن طريقه الآحاد ، وليس توجه النهي إليه بدالّ على أنه وقع منه ذلك المنهي» (٢).

ثالثا : وقالوا حول آية : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) : احتج به من ذهب من علماء الأصول : إلى أن له «صلى الله عليه وآله» أن يحكم بالاجتهاد ، بهذه الآية (٣).

ونقول : إن الآية على خلاف ذلك أدلّ ، حيث إن مفادها : أن الله سبحانه يريه الحق من الكتاب ، فيحكم به.

وإلا فلو كان مراد الآية : أن له «صلى الله عليه وآله» أن يحكم بالاجتهاد ، لكان ذكر إنزال الكتاب ، ثم تعليل ذلك بقوله : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ).

أضف إلى ذلك : أن الله سبحانه إذا أراه شيئا فإنما يريه الحق ، ولا يريه ما ليس بحق ، ولو كان من قبيل الاجتهاد ، الذي قد يخطئ ويصيب ، لكان ينبغي أن يقول : بما تراه أنت ليشمل ما كان حقا وما لم يكن كذلك.

__________________

(١) الآية ٦٥ من سورة الزمر.

(٢) التبيان ج ٣ ص ٣١٦.

(٣) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٥٠ وراجع : تفسير النسفي بهامش الخازن ج ١ ص ٤٠٠.

١٣٥

وقد قال عمر بن الخطاب : «لا يقولن أحدكم : قضيت بما أراني الله ، فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه «صلى الله عليه وآله» ، ولكن ليجتهد رأيه ، فإن الرأي من الرسول «صلى الله عليه وآله» كان مصيبا ، لأن الله كان يريه إياه ، وهو منّا الظن والتكلف» (١).

وروي عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام أنه قال : «كان الرأي من رسول الله «صلى الله عليه وآله» صوابا ، ومن دونه خطأ ؛ لأن الله تعالى قال : فاحكم بينهم بما أراك الله ، ولم يقل ذلك لغيره» (٢).

ويلاحظ هنا : أن الآية منقولة في هذه الرواية بالمعنى ، لا بنصها الحرفي. والآية هي : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ)

رابعا : أما ما ورد في رواية الضحاك ؛ من أن اليهود جاؤوا شاكين السلاح ، فخلصوا صاحبهم ، وهربوا به ، فهو موضع شك كبير ، إذ لم يكن اليهود ليجرؤوا على ذلك بعد أن رأوا ما جرى لبني قينقاع من قبل ، ثم لبني النضير.

وسيأتي بعض ما يرتبط بهذا الموضوع إن شاء الله تعالى.

كما ويرد هنا سؤال : إنه لماذا لم يتعقبهم المسلمون؟! وإلى أين هربوا؟ فهل إنهم خرجوا من البلاد التي تدين بالولاء لرسول الله «صلى الله عليه وآله»؟ ولماذا لم يذكر التاريخ لنا ذلك؟!

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ٥٦٢ وتفسير النسفي ج ١ ص ٤٠٠ والتفسير الكبير للرازي ج ١١ ص ٣٣ وتفسير النيسابوري ، بهامش جامع البيان ج ٥ ص ١٦٦ وراجع : الجامع لأحكام القرآن ج ٥ ص ٣٧٦.

(٢) تفسير نور الثقلين ج ١ ص ٤٥٣ والإحتجاج ج ٢ ص ١١٧.

١٣٦

هذا كله ، عدا عن أن ذلك يعتبر نقضا للوثيقة التي كتبت في مطلع الهجرة فيما بين اليهود والمسلمين ، والتي تنص على أن كل حدث واشتجار يخاف فساده : فإن مرده إلى الله عز وجل ، وإلى محمد «صلى الله عليه وآله» (١).

خامسا : إن الظاهر هو : أن سورة النساء قد نزلت بعد السنة السادسة للهجرة ، لأنهم يقولون : إنها نزلت بعد سورتي الأحزاب والممتحنة (٢) وهي قد نزلت بعد السنة الرابعة ولا سيما سورة الممتحنة ، فإن قصة حاطب بن أبي بلتعة وكتابته لقريش ، وانكشاف ذلك قد كان في قصة الحديبية (٣).

وثمة شواهد أخرى على ذلك في السورة مثل مجيء النساء المؤمنات في الحديبية ، ونزول آية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ ..)(٤).

وصرح في رواية ابن عباس : بأن سورة الممتحنة نزلت بعد صلح الحديبية (٥).

كما أنها قد نزلت بعد سورة : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)(٦) ولا شك في

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ١٤٧ ـ ١٥٠ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٢٤١ ـ ٢٦٣ وراجع في الأقوال : ص ١٨٤ وسنن البيهقي ج ٨ ص ١٠٦.

(٢) الإتقان ج ١ ص ١١.

(٣) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٠٣ عن ابن مردويه وأبي يعلى ، وابن المنذر.

(٤) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٠٥ و ٢٠٦ و ٢٠٧ و ٢٠٨ عن البخاري ، وأبي داود في ناسخة والبيهقي في السنن والطبراني ، وابن مردويه ، وابن دريد في أماليه ، وابن سعد ، وابن إسحاق ، وابن المنذر ، وابن جرير ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم.

(٥) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٠٨ عن ابن مردويه.

(٦) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٤٣.

١٣٧

أن هذه السورة قد نزلت في شأن الحديبية وصرح الرواة في آية بيعة النساء بأنها نزلت عام الفتح (١).

(وليراجع بقية تفسير سورة الممتحنة وتفسير سورة الأحزاب في الدر المنثور للوقوف على موارد أخرى تدل على ذلك).

أضف إلى ذلك : أنهم يقولون : إن قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) الواردة في سورة النساء قد نزلت يوم فتح مكة ، حيث رد الرسول مفاتيح الكعبة إلى عثمان بن أبي طلحة ، حسبما يقولون (٢).

بل لقد زعم النحّاس : الاتفاق على نزول هذه الآية في مكة ، حتى ادعى أن سورة النساء مكية (٣).

وفيها أيضا : آية التيمم ، التي يقول أبو هريرة وهو قد أسلم سنة سبع (٤) : إنها لما نزلت لم يدر كيف يصنع (٥).

وتتبع الموارد الأخرى يترك لمن أراد ذلك.

سادسا : تقدم : أن الطبري قد استظهر أن تكون القضية واردة في

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٠٩ عن ابن أبي حاتم.

(٢) الدر المنثور ج ٢ ص ١٧٤ و ١٧٥ عن ابن مردويه ، وابن جرير ، وابن المنذر.

(٣) الإتقان ج ١ ص ١٢.

(٤) راجع : أسد الغابة ج ٥ ص ٣١٦ والإصابة ج ٤ ص ٢٠٦ و ٢٠٧ والإستيعاب بهامشها ج ٤ ص ٢٠٨ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٠٢ وفتح الباري ج ٦ ص ٣١ وج ٧ ص ٣٧٧ و ٣٧٨ وشيخ المضيرة أبو هريرة وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٥٨٩ ومسند أحمد ج ٢ ص ٤٧٥ وعمدة القاري ج ٢٣ ص ٢٩١.

(٥) الدر المنثور ج ٢ ص ١٦٧ عن المصنف لابن أبي شيبة.

١٣٨

الخيانة في الوديعة لأن الخيانة إنما تقال في هذا المجال.

سابعا : لقد روي في تفسير قوله تعالى : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) ما يفيد : أن هذه الآيات قد نزلت في مورد آخر فراجع (١).

ولم نفهم لماذا لم يشتك نفس صاحب الدرع إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وأرسل شخصا آخر لهذا الغرض؟!

وأخيرا فإننا نلاحظ : أن بعض الروايات تهدف إلى الطعن بالأنصار ، والحط من قدرهم.

الكلمة الأخيرة :

ولكننا مع كل ما تقدم ، فإننا لا نستبعد أن يكون لهذه الرواية أصل ، وإن لم نستطع أن نحدده بدقة ، فربما يكون ثمة شخص قد سرق درعا لأحدهم ، فلما خاف أن تقطع يده هرب وارتد.

الارتداد لماذا؟!

ليس عجيبا أن يسرق الإنسان شيئا ما ، بدافع الحاجة أحيانا ، أو بدافع الإضرار بخصمه أحيانا أخرى ، أو لاقتضاء عادته وظروفه النفسية وغيرها وخصوصا مع عدم بنائه نفسه ، وأخلاقه ، وعاداته ، وسلوكه بصورة عامة ، وفق المبادئ والمثل العليا التي يؤمن بها.

ولكن العجيب حقا أن يتخلى هذا الإنسان عن عقيدته ، وفكره ، وقناعاته

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ج ١ ص ٤٥٤ و ٤٥٥ عن روضة الكافي ، والإحتجاج ، وتفسير العياشي وتفسير البرهان ج ١ ص ٤١٤ وتفسير العياشي ج ١ ص ٢٧٥.

١٣٩

بسبب أمر تافه كهذا؟! وهذا إن دل على شيء ؛ فإنما يدل على : أن هذه العقيدة لم تتخذ من نفسه صفة الأصالة والرسوخ الكامل ، ولا اتصلت بعقله وبروحه ، ولا هو تفاعل معها وعاشها فكرا وعقيدة وسلوكا ، وإنما كانت بالنسبة إليه نوعا من الترف الفكري ، أو انسياقا في جو معين لم ير بأسا من الانسياق معه ، ولا ضرورة للتخلف عنه.

ماذا يقطع في حد السرقة؟!

إن حد السرقة هو قطع اليد ، واختلفوا فيما يقطع منها ، فقال قوم : بأن القطع للأصابع فقط. وإن كان الجمهور على أن القطع من الكوع (١) على حد تعبير ابن رشد ، واتفق على ذلك الأئمة الأربعة : أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وابن حنبل (٢).

ولكن قد خالف الشيعة في ذلك ، وذهبوا تبعا لأئمتهم إلى أن القطع يجب أن يكون من أصول الأصابع. ويدل على ذلك من النصوص الواردة عن أمير المؤمنين «عليه السلام» وغيره :

١ ـ إن الجاحظ يذكر : أن أمير المؤمنين «عليه السلام» كان يقطع اليد من أصول الأصابع ، حتى عد الجاحظ ذلك من المطاعن عليه (٣). وذلك يدل على شهرة ذلك عنه.

__________________

(١) بداية المجتهد ج ٢ ص ٤٤٧. والكوع : هو طرف الزند الذي يلي الإبهام ، ومنه المثل : أحمق يمتخط بكوعه.

(٢) راجع : الفقه على المذاهب الأربعة ج ٥ ص ١٥٩.

(٣) العثمانية ص ٩١.

١٤٠