السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٧٥
سرقة طعمة :
يذكر المؤرخون هنا : قصة «سرقة طعمة» ، ونحن نذكر أولا النص التاريخي للرواية ، ثم نشير إلى ما يرد عليها من مناقشات ، بقدر ما يسمح لنا به المجال هنا ، فنقول :
نص الرواية :
إنهم يقولون : إنه في شهر ربيع ، سنة أربع من الهجرة ، كانت قصة السرقة المعروفة عن بني أبيرق (١) وجعلها الدياربكري في السنة الثالثة (٢).
فقد جاء في تفسير القمي : «أن قوما من الأنصار ، من بني أبيرق (٣) ، أخوة ثلاثة ، كانوا منافقين : بشير ، وبشر ، ومبشر. فنقبوا على عم قتادة بن النعمان ـ وكان قتادة بدريا ـ وأخرجوا طعاما كان أعده لعياله ، وسيفا ودرعا.
فشكا قتادة ذلك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال : يا رسول
__________________
(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٦ ، عن ابن سعد عن محمود بن لبيد.
(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٩.
(٣) الصحيح : بالراء لا بالزاي.
الله ، إن قوما نقبوا على عمي ، وأخذوا طعاما كان أعده لعياله ، وسيفا ودرعا ، وهم أهل بيت سوء ، وكان معهم في الرأي رجل مؤمن ، يقال له : لبيد بن سهل.
فقال بنو أبيرق لقتادة : هذا عمل لبيد بن سهل ، فبلغ ذلك لبيدا ؛ فأخذ معه سيفه ، وخرج عليهم ، فقال : يا بني أبيرق ، أترمونني بالسرقة وأنتم أولى بها مني؟! وأنتم المنافقون تهجون رسول الله ، وتنسبون إلى قريش ، لتبينن ذلك ، أو لأملأن سيفي منكم.
فداروه ، فقالوا له : ارجع يرحمك الله ، فإنك بريء من ذلك ، فمشى بنو أبيرق إلى رجل من رهطهم ، يقال له : أسيد بن عروة ، وكان منطيقا بليغا ، فمشى إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال : يا رسول الله ، إن قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منا ، أهل شرف ونسب وحسب ، فرماهم بالسرقة ، واتهمهم بما ليس فيهم.
فاغتم رسول الله «صلى الله عليه وآله» لذلك ، وجاء إليه قتادة ، فأقبل عليه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وقال له : عمدت إلى أهل بيت شرف ، وحسب ، ونسب ، فرميتهم بالسرقة؟! فعاتبه عتابا شديدا ؛ فاغتم قتادة من ذلك ، ورجع إلى عمه ، وقال : يا ليتني مت ولم أكلم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقد كلمني بما كرهته ، فقال عمه : الله المستعان ؛ فأنزل الله في ذلك على نبيه «صلى الله عليه وآله» : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً* وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً* يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ
إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)(١). يعني الفعل ، فوقع القول مقام الفعل.
إلى أن قال في تفسير القمي : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر «عليه السلام» : أن أناسا من رهط بشر الأدنين ، قالوا : انطلقوا بنا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقالوا : نكلمه في صاحبنا ، أو نعذره أن صاحبنا بريء ؛ فلما أنزل الله : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) إلى قوله : (وَكِيلاً) ،
أقبل رهط بشر ، فقالوا : «يا بشر استغفر الله وتب إليه من الذنوب ، فقال : والذي أحلف به ، ما سرقها إلا لبيد ؛ فنزلت (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)(٢).
ثم إن بشرا كفر ، ولحق بمكة ، وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشرا وأتوا النبي «صلى الله عليه وآله» ليعذروه قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) ـ إلى قوله : ـ (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(٣)» (٤).
وذكر الطبرسي وغيره : الرواية السابقة ، مع بعض الاختلافات والإيضاحات
__________________
(١) الآيات ١٠٥ ـ ١٠٨ من سورة النساء.
(٢) الآية ١١٢ من سورة النساء.
(٣) الآية ١١٣ من سورة النساء.
(٤) تفسير القمي ج ١ ص ١٥١ ـ ١٥٢ وعنه في تفسير الميزان ج ٥ ص ٨٩ و ٩٠ وفي تفسير البرهان ج ١ ص ٤١٤ وفي تفسير نور الثقلين ج ١ ص ٤٥٣ و ٤٥٤ وراجع : مجمع البيان ج ٣ ص ١٠٥ ولباب النقول ص ٧٨ و ٧٩ والمصادر الآتية في آخر نقل هذه الروايات.
فقالوا ، والنص للطبرسي : «كان بشير (هكذا في نص الطبرسي) يكنى أبا طعمة ، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثم يقول : قاله فلان ، وكانوا أهل حاجة في الجاهلية والإسلام ، فنقب أبو طعمة على علية رفاعة بن زيد». ثم يذكر شكواه لقتادة ، ثم يقول : «فتجسسا في الدار ، وسألا أهل الدار في ذلك ، فقال بنو أبيرق : والله ما صاحبكم إلا لبيد الخ ..». إلى أن قال : «فلما سمع بذلك رجل من بطنهم الذي هم منه يقال له : أسير بن عروة ، جمع رجالا من أهل الدار ، ثم انطلق إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله». إلى أن قال : «فلما أتى قتادة رسول الله بعد ذلك ليكلمه ، جبهه رسول الله جبها شديدا ، وقال : عمدت الخ ..». ثم يستمر في كلامه ، إلى أن ذكر أخيرا ذهاب بشير إلى مكة : «فنزل على سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت امرأة من الأوس ، من بني عمرو بن عوف ، نكحت في بني عبد الدار ، فهجاها حسان ، فقال :
فحملت رحله على رأسها ، فألقته بالأبطح ، وقالت : ما كنت تأتيني بخير ، أهديت إليّ شعر حسان. هذا قول : «مجاهد ، وقتادة بن النعمان ، وعكرمة ، وابن جريج» (١). __________________ (١) مجمع البيان ج ٣ ص ١٠٥ وراجع : التبيان ج ٣ ص ٣١٧ وتفسير الميزان ج ٥ ص ٩٠ ـ ٩٢ وفتح القدير ج ١ ص ٥١١ ـ ٥١٢ والروض الأنف ج ٢ ص ٢٩٢ |