وصف إفريقيا

ابن الوزّان الزيّاتي

وصف إفريقيا

المؤلف:

ابن الوزّان الزيّاتي


المترجم: د. عبدالرحمن حميدة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥

الحصان الوحشي

يعتبر الحصان الوحشي حيوان صيد ، ولا يرى عيانا إلّا فيما ندر. وعند ما يصطاد عرب الصحراء واحدا ، يأكلونه ويقولون إن لحمه لذيذ لا سيما إذا كان الحيوان صغير السن. ولكن من النادر أن يمكن القبض على واحد بواسطة خيول عادية وكلاب. ولهذا تصنع فخاخ توضع فوق الماء الذي تقصده هذه الحيوانات للشرب وتغطى برمل.

وما أن يضع حيوان منها احدى قوائمه في هذا الفخ يتعرقل حتى ليضطر للبقاء في مكانه وهكذا يمكن القبض عليه (٥٦)(*).

اللمت (٥٧)

وهو حيوان يشبه الثور من حيث شكله ، ولكنه أصغر حجما ، وقوائمه وقرونه أكثر دقة. ويكاد يكون لونه أبيض ، غير أن أظلافه سوداء فاحمة. ويتصف بسرعة قصوى ، بحيث لا يوجد حيوان يتجاوزه في الطراد ، باستثناء بعض الخيل البربرية كما سبق أن قلنا (٥٨). ويمكن قنصه بسهولة في الصيف لأنه يفقد أظفاره بسبب سخونة الرمل وبالتالي يفقد سرعة عدوه ، حتى يمنعه الألم من الركض. ولنفس السبب تصاد الوعول الكبيرة والغزلان. ويصنع من جلد اللمت تروسا شديدة المقاومة لا يخترقها شيء باستثناء قذيفة من سلاح ناري. وتباع هذه التروس بأسعار عالية جدا (٥٩).

الثور الوحشي

يشبه هذا الحيوان الثور ، ولكنه أصغر حجما. وتكاد تكون كل الثيران الوحشية

__________________

(٥٦) حيوان غير محدد ، ولكن بالتأكيد ليس هو حمار الوحشي المخطط الذي لم يوجد مطلقا في صحاري شمال المدار في لزمن التاريخي.

(*) [هناك طرق أخرى كثيرة لصيد الحصان الوحشي من أشدها غرابة طريقة كان يستخدمها بعض عشائر الهنود الحمر في أمريكا ، وقد شرحتها في كتابي عن «الهنود الحمر» (انظر صفحات ٦١ ـ ٧٢ من هذا الكتاب)] (المراجع).

(٥٧) اللمت أو وعل أوريكس أو المها.

(٥٨) وقد قال المؤلف قبل قليل أن اللمت يطارد بالخيول العربية.

(٥٩) لقد انقرض هذا اللمت. وكانت هذه الكلمة معرّبة منذ زمن طويل لأنها ترد مع أل التعريف دوما ، والمشهور عن لمت الصحراء الكبرى أنه كانت تصنع من جلده أفضل التروس.

٦٤١

ذات لون رمادي أسمر. وهو أيضا حيوان سريع جدا. ويوجد في كل الصحارى أو على تخوم الصحارى ، ولحمه ممتاز (٦٠)

الحمار الوحشي

يوجد الكثير من هذه الحمير في الصحراء. وهي أيضا ذات لون رمادي أسمر وسريعة جدا ، ولا يفوقها في السرعة سوى الخيول العربية. وما أن ترى إنسانا حتى تأخذ بالنهيق وبالرفس. وتظل في مكانها إلى ان يصل الانسان قرببا منها حتى ليكاد يلمسها وعندئذ تهرب. ويقبض عليها عرب الصحراء بالفخاخ وبوسائل اخرى ، وتظل هذه الحمير دوما على شكل قطيع عندما ترعى وعندما ترد الماء. ولحمها طيب ولكن عندما يكون ساخنا يعطي رائحة كريهة ، رائحة الحيوانات الوحشية. ولكن إذا ترك ليبرد مدة ساعتين بعد طهيه فإن لحمه يصبح طيبا لذيذ الطعم (٦١).

أبقار جبال إفريقيا

إن كل الأبقار الأهلية التي تولد في جبال افريقيا صغيرة جدا حتى لتشابه العجول العادية التي بلغت السنتين فقط. غير أن سكان الجبال يستخدمونها للحراثة ويقولون إنها جلدة كثيرا وشديدة الاحتمال للتعب.

آدمّين أو أديمّان

هذا الحيوان أهلي ، وله شكل خروف ، ولكن له قامة حمار هزيل. وأذناه طويلتان ومتدليتان. ولسكان ليبيا قطعان من أغنام من هذا النوع ويستخلصون منها كمية كبيرة من الحليب الذى يصنعون منه زبدة وجبنا. وصوفه جيد ولكنه قصير والإناث وحدها هي التي لها قرون لأن الذكور تخلو منها. وهي حيوانات هادئة جدا.

__________________

(٦٠) البقر الوحشي هوaddax. وقد سمّاه المؤلف في الكتاب الأول «المها» وهو إسم مستعمل دائما في بلاد موريتانيا الحالية.

(٦١) استنادا إلى علماء الطبيعة ، فقد انقرض الحمار الوحشي من افريقيا الشمالية منذ العصور القديمة ، والكلام هنا عن حمر كانت أهلية ، ثم انطلقت في الصحراء فتوحشت.

٦٤٢

وفي خلال طيش طفولتي أردت مرة التعرف على قوة هذا الحيوان : فركبت إحدى هذه. الاكباش الذي حملني لمسافة ربع ميل (٦٢). ولا نجد اعدادا ضخمة منه إلّا في صحارى ليبيا. ومع ذلك ترى بعض الرؤس منها في كور نوميديا ، ولكنها تعتبر هناك كأنها شيء غير مألوف (٦٣).

الأغنام

لا نختلف هذه الأغنام عن الأخرى إلا بالذيل الذي يكون ضخما. وكلما كان الذيل ضخما كان الحيوان سمينا. ويزن الذيل في بعض منها خمسة عشر رطلا إلى عشرين (٦٤). ويحدث هذا عندما تتغذى هذه الحيوانات بنفسها. ولكن هناك الكثير من الناس في مصر يمتهنون تسمين هذه الأغنام عن طريق تغذيتها بالنخالة وبالحبوب ، حتى ان ذيلها ليتضخم حتى يصل جزء كبير منه إلى الأرض لدرجة تجعل المربين يربطونه فوق عربة صغيرة حتى يستطيع الحيوان المشي. ولقد رأيت في أسيوط ، وهي مدينة مصرية واقعة على النيل ، على مسافة مائتين وخمسين ميلا من القاهرة (٦٥) ، إحدى هذه الأغنام التي كانت إليتها تزن ثمانين رطلا (٦٦). ويؤكد الكثير من الناس أنهم رأوا إليات تبلغ مائة وخمسين رطلا (٦٧). وكل دهن هذا الحيوان هو في الإلية ، ولا توجد هذه الحيوانات إلا في تونس وفي مصر (٦٨).

الأسد

وهذه الحيوانات وحشية وخطرة على سائر الحيوانات. وهي أكثر جلدا وشجاعة واكثر شراسة من كل تلك الحيوانات الأخرى. ولا تفترس الأسود الحيوانات فحسب بل الآدميين كذلك. وقد كان لبعضها ، في بعض الأماكن ، الجرأة على مهاجمة مائتي

__________________

(٦٢) ٤٠٠ م.

(٦٣) وهو الغنم الصحراوى أو السودانى والذى لا يزال يدعى دامان فى الصحراء الكبرى أوDrisIongipes

(٦٤) من ٥ إلى ٧ كغم.

(٦٥) أو ٤٢٢ كم وهو رقم صحيح والذي قدمه المؤلف فى وصفه أسيوط فى القسم السابع.

(٦٦) أكثر من ٢٧ كغم من الأرطال الايطالية.

(٦٧) أكثر من ٥٠ كغم من الأرطال الايطالية.

(٦٨) وهو الغنم البربرى. «ولكنه يكثر أيضا في آسيا الغربية مثل تركيا وبلاد الشام والعراق» (المترجم).

٦٤٣

فارس ويرمي الاسد بنفسه دون تردد على قطيع وينتزع منه فريسته التي يحملها الى الغابة او الي الكهف الذي يكون مأوى لصغاره. أما بالنسبة للرجال الفرسان ، كما قلت قبل قليل ، فقد يقتل منهم خمسة أو ستة. والأسود التي تعيش في الجبال الباردة أقل جرأة وشراسة ، فلا تكون مؤذية جدا ، وخاصة بالنسبة للإنسان. وعلى خلاف ذلك ، كلما كان الحر اكثر ، كانت هذه الحيوانات هائجة وجريئة. تلك هي حالة الاسود التي توجد بين تامسنة ومملكة فاس ، وفي صحراء انجاد قرب تلمسان ، وبين عنابة وتونس ، وهنا نجد أشهر الأسود وأكثرها قساوة في كل افريقيا. وفي الشتاء ، وعندما تكون الأسود في موسم اللقاح فإنها تثير فيما بينها معارك دامية ويا تعس من يصادفها وتظهر أحيانا عشرة إلى أثنى عشر أسدا تتبع نفس اللبوة.

وقد سمعت من كثير من الرجال ومن النساء أنه عندما تكون إمرأة وحدها في مواجهة أسد ، في مكان منعزل ، فما عليها إلّا أن تريه فرجها وعندئذ يطلق الأسد زئيرا شديدا ويخفض عينيه ويذهب لحاله. وليعتقد كل واحد ما يشاء. وأخيرا فإن كل ما يصطاده الأسد حتى لو كان جملا ، فإنه يحمله في شدقه. وفي مرتين كدت أن أكون فريسة أسود. ولكن بفضل لطف الله نجوت من الخطر في هاتين المرتين.

النمور

تعيش هذه الحيوانات (٦٩) في غابات بلاد البربر. وهي قوية وضارية ، ولكنها لا تتعرض للانسان بأذى ، الّا فيما نذر من الحالات حينما تصادف أحدهم في درب ضيق وحيث لا يستطيع الرجل أن يتزحزح عن الطريق. ولكنها تهاجم أي شخص يصرخ او يتحرش بها. وعندها يقفز الوحش على ظهر الرجل ويشرح وجهه بمخالبه ويقتلع من لحمه قدر استطاعته. وقد يهشّم أحيانا جمجمته ويقتله. والنمر لا يهاجم أبدا قطعان الماشية ، ولكنه عدو الكلاب اللدود فيقتلها ويفترسها. ومن عادة أهل جبال منطقة قسنطينة اصطياده على الحصان. فيقطعون عليه كل الدروب ، والنمر في محاولته الهرب يتجه نحو أحد هذه المخارج ، ولكن يجد عنده عددا من الفرسان ، فيجري نحو جهة أخرى ، ويجد منهم المزيد ، واخيرا وبعد أن يركض عبثا في كل الجهات ،

__________________

(٦٩) ويسمى الفهد في كل افريقيا الشمالية والغربية.

٦٤٤

يقتل. وأي رجل يتركه ليهرب من المكان الذي رابط فيه يفرض عليه ، جزاء على تقصيره ، ان يقوم بوليمة لكل الصيادين الآخرين ولو كان عددهم ثلاثمائة.

الضبع

الضبع حيوان له قامة الذئب وله تقريبا نفس شكل هذا الحيوان. ولرجليه وقائمتيه شبه مع أطراف الانسان السفلى (٧٠). والضبع هو الاسم الذي يطلقه عليه العرب ، أما الأفارقة فيسمّونه إيفيس. ولا يسبب هذا الحيوان ضررا لسواه من الحيوانات ، ولكنه ينبش الجثث البشرية من قبرها ويأكلها. وهو حيوان كريه وبليد. وعندما يعرف الصيادون الكهف الذي يسكنه ، يذهبون اليه وهم ينقرون الدفوف وينشدون. وتعجبه هذه الموسيقى كثيرا حتى انه لا يرى الرجل الذي يربط قائمتيه بحبل متين. وعندما يصبح مكبلا يسحب الى خارج وجاره ويقوم الصيادون الآخرون بقتله (٧١).

القط الذي ينتج الزباد

وهذه القطط وحشية طبعا. وتوجد في غابات اثيوبيا. ويقتنصها التجار وهي صغيرة ثم يربونها في قفص ويغذونها بالحليب وبمغلى النخالة ، ويقدمون لها اللحم كذلك. ويستخرج منه الزباد مرتين أو ثلاث مرات في اليوم. والزباد ليس سوى عرق الحيوان. ولهذا يضرب الحيوان بعصا صغيرة كي يضطرب في قفصه ويعرق ، وحينئذ يجمع العرق من تحت إبطيه وحالبيه ومن تحت ذيله. ويتكون الزباد من هذا العرق (٧٢).

__________________

(٧٠) هو شبه بعيد جدا.

(٧١) إن تذوق الضبع للموسيقى هو أمر اكثر من أن يكون مشكوكا فيه ، ولكن هناك شواهد عديدة تدل على ان هذا الحيوان يصاب بنوع من الشلل حينما يفاجأ في وكره.

(٧٢) الزباد هو بالواقع مادة لا تفرزها الغدد العرقية بل من غدة خاصة عند الحيوان تدعى Viverraciretta أو عموما زباد ويسميه العرب القط الزباد. ولا يتم جمع المادة الموجودة في كيس الزباد ، تحت الذيل ، عدة مرات في اليوم كما يقول المؤلف ، بل مرتين في الاسبوع فقط.

٦٤٥

القردة

القردة على أنواع مختلفة. فبعضها وهي التي تسمى في الايطالية ، مونه ، لها ذيل ، والأخرى التي تسمى ، بابويني ، لا ذيل لها. وتصادف القردة بأعداد كبيرة في جبال موريتانيا وفى جبال قسنطينة. ولا يقتصر شبهها بالانسان على أقدامها وأيديها ، بل يظهر هذا الشبه في وجهها كذلك. وقد وهبتها الطبيعة حيلة عجيبة وذكاء. وتتغذى بالأعشاب وبالحبوب. وعندما تريد السطو على السنابل تأتي مجتمعة بمقدار عشرين أو ثلاثين قردا ، ويبقى احدها خارج الحقل ليقوم بوظيفة الديدبان ، وما ان يرى مالك الحقل قادما ، حتى يطلق صرخات حادة. وحينئذ تهرب الأخرى بسرعة قافزة فوق الاشجار وتنتقل بقفزات كبيرة بين شجرة وأخرى. ومن عادة الإناث حمل صغارها على كتفيها وتقفز مع صغيرها المتشبث بها. وتقوم القردة المروضة بأشياء لا يصدقها عقل. وهي حيوانات غضوبة ومؤذية ، ولكنها تهدأ بسهولة.

الأرانب

توجد الأرانب الوحشية بكمية كبيرة في جبال غمارة وفي موريتانيا وتصاد هناك كالأرانب البرية ويقول بعض الجغرافيين ان هذه الحيوانات لم تكن فيما مضى من الزمن وحشية. ولكن بعد ان اجتاح القوط والرومان ممالك افريقيا ظل العديد من المدن والقصور مهجورا. وهكذا أصبحت الارانب التي كانت فيها متوحشة ولجأت الى الغابات. ولا يمكن التثبت من صحة ذلك أو من خطئه ، ولكن يمكن تصديقه لأن لحم هذه الأرانب الوحشية له نفس لون ونفس مذاق لحم الارانب الأهلية.

الأسماك

سمك العنبرة

لنتكلم الآن عن الأسماك. فالعنبرة سمك رهيب بشكله وكبره. ولا يشاهد مطلقا الا ميتا لأن البحر يقذفه عندئذ على الساحل. ورأسه صلب جدا ، كما لو كان من حجر. ومن هذا السمك ما يبلغ طوله خمسة وعشرين ذراعا (٧٣) ، ومنها ما هو أكثر

__________________

(٧٣) أي ٧٥ ، ١٦ م.

٦٤٦

من ذلك. ويقول سكان ساحل المحيط بأن هذا السمك هو الذي يفرز العنبر ، ولكنهم ليسوا متفقين على معرفتما إذا كان هذا عبارة عن برازه او منيه. ومهما كان عليه الأمر ، فهو يستحق ان يدعى حوتا ، اذا اعتبرنا حجمه (٧٤).

حصان البحر

يوجد هذا الحيوان في نهر النيجر وكذلك في نهر النيل (٧٥) وله شكل حصان ، ولكن ليس له وبر. وجلده شديد القساوة ، وحجمه يعادل حمارا وهو يعيش في الماء كما يعيش فوق الأرض ، ولكنه لا يخرج من الماء الا ليلا. وهو حيوان مؤذ وخطر بالنسبة للقوارب التي تهبط الى نهر النيجر وهي موسوقة ، فإذا ما اصطدمت بظهره فإنه يقوم بقلبها وإغراقها ، ويا لتعس من لا يعرف السباحة.

ثور البحر

وهو حيوان يشبه الثور من كل النواحي ، ولكنه أصغر حجما بكثير ، لان له تقريبا قوام عجل سنه ستة شهور. ويعثر عليه في النيجر وكذلك في النيل. ويقبض الصيادون على أفراده التي تعيش فترة طويلة على الارض. وجلده قاس للغاية. وقد رأيت منه واحدا في القاهرة كان يقوده رجل وهو مربوط في عنقه بواسطة سلسلة ، وقد قال لي بأنه اصطاده في النيل ، قرب إسنا ، وهي مدينة تقع على مسافة أربعمائة ميل جنوب القاهرة (٧٦).

السلحفاة الجبّارة

علينا أن نعتبر هذا الحيوان في عداد الحيوانات الارضية لأنه يعيش في

__________________

(٧٤) ان العنبر الرمادى ، وهو مرغوب جدا في صناعة العطور ، عبارة عن تخثر معوى فى حوت العنبر.

(٧٥) ويقصد به فرس البحر أو حصان الماء. «او باللهجة العامية المصرية سيد قشطة» (المترجم).

(٧٦) تقع إسنا على مسافة ٤٩٦ ميلا أو ٧٩٨ كم على الطريق النهرى جنوب القاهرة. والمقارنة مع الثور تجعل من المتعذر تشخيص هذا الحيوان بحيوان لامنتان ، هذا إلى أن اللامتنان غير معروف في حوض النيل. ترى هل المقصود به وعلا برمائيا؟ ويظهر أن المؤلف خلط أيضا فى هذه الفقرة معلومات تتعلق بحيوان لامنتان النيجر ـ ت. م. ور. م. Th. MonodetR. mauny

٦٤٧

الصحارى. ويوجد منها الكثير في صحارى ليبيا حيث يكون لها أبعاد البوّطة (٧٧). وقد كتب الجغرافي البكري في كتابه عن مسالك افريقيا وممالكها ان رجلا طيبا كان في إحدى هذه الصحارى الليبية في إحدى الليالي ، وقد كان مرهقا من طول الطريق التي قطعها ، فرأى بجواره صخرة عالية كثيرا وجد أنه يستطيع أن ينام عليها كي يكون بمنأى عن أذى بعض الدواب السامة. وفي صبيحة اليوم التالي وجد نفسه على مسافة ثلاثة أميال من المكان الذي توقف فيه. فذهل ولاحظ عندها أن ما خاله صخرة كان عبارة عن سلحفاة جبارة تظل ساكنة بلا حراك خلال النهار وتسري ليلا كي ترعى ، ولكن ببطء شديد حتى لا يكاد يشعر به أحد (٧٨). ولم أر مطلقا سلاحف كبيرة بمثل هذا الحجم ، ولكن رأيت مع ذلك بعضا منها لها حجم برميل كبير (٧٩). ويدعي سكان الصحراء أن أي شخص مصاب بالجذام منذ مدة تقل عن سبع سنين ويأكل من لحم هذه السلاحف مدة سبعة أيام فإنه يبرأ. وهم يعرفون عدة وصفات سرية قائمة على خصائص هذا الحيوان. ولكن لن أتكلم عنها ، لان هذا الكتاب الصغير ليس مطولا في الطب (٨٠).

التمساح

ويوجد هذا بأعداد كبيرة في نهري النيجر والنيل. وهو حيوان شرير ومؤذ للغاية. وطوله اثنا عشر ذراعا (٨١) ، ولا يقل طول ذيله عن طول بقية جسمه. ولكن من النادر أن نجد من مثل هذه الأبعاد. وله أربعة أطراف وله شكل الحرباء تماما. ولا يزيد ارتفاعه عن ذراع ونصف (٨٢). ويبدو الذيل وكأنه مؤلف من زمرة من

__________________

(٧٧) مكيال للخمر في عصره أو ٤٦٥ ، ٩٣٣ ليترا أو قرابة المتر المكعب.

(٧٨) تتعلق الرواية في نص البكري بالسلاحف الجبارة من برية وبحرية بالتأكيد ، ولكن الحكاية ليست على الوجه الذي ينقله المؤلف. فهو يتكلم عن مسافر أراد أن يضع أمتعته في مأمن من الأرض فطرح حملي جمله فوق ما اعتقد أنه صخرة كبيرة ولم يجد شيئا في الصباح عند بزوغ الفجر. فلحق بأثر السلحفاة ووجدها بعد بضعة أميال عن مكانه الأصلي ولا زالت أمتعته على ظهرها.

(٧٩) البرميل هو سدس البوطة وكان يعادل ٣٤١ ، ٥٨ لترا.

(٨٠) لقد كانت خصائص لحم هذه السلاحف في معالجة الجذام مقبولة في ذلك العصر ، وحتى في أوروبا ، فقد استعان الملك لويس الحادي عشر ، الذي ظن نفسه مجذوما ، بهذا العلاج (حكم من ١٤٦١ إلى ١٤٨٣ م).

(٨١) ٨ م.

(٨٢) ١ م.

٦٤٨

الحلقات. وجلد هذا الحيوان على قساوة لا تسمح لراشقة سهام قوية باختراقه. وهناك بعض التماسيح التي لا تأكل شيئا آخر سوى السمك ، ويأكل البعض الآخر الحيوانات الارضية والبشر. وتظل هذه التماسيح ، الشديدة المكر ، مختبئة قرب ضفاف النهر التي يتردد عليها الناس والحيوانات العديدة. وما ان ترى هذه التماسيح أحدا حتى تقذف فجأة بذيلها خارج الماء ، وتحيط بالرجل أو بالحيوان وتجره نحو الماء وتفترسه.

وعندما تأكل يتحرك فكها الأعلى فقط لأن الفك الاسفل ملتحم بعضم الصدر. ولكن ليست كل التماسيح من هذا الصنف ، إذ لو كان ذلك لما استطاع انسان ان يسكن على ضفاف النيجر او النيل.

وقد ابحرت مرة على متن مركب كان يذهب من القاهرة الى قنا ، وهي مدينة في مصر العليا ، تقع على مسافة اربعمائة ميل من القاهرة (٨٣) وبينما كنا في وسط الرحلة (٨٤) ، في ليلة كان القمر فيها شبه محجوب خلف الغمام ، صرنا نسير في ريح طيبة ، وكنا نياما جميعا تقريبا ما بين بحارة وركاب. أما بالنسبة لي فقد عدت إلى حجرتي وكنت اشتغل فيها على بصيص شمعة ، عندما ناداني رجل هرم طيب كان يسهر ويبتهل الى الله. وقال لي : «يا فلان ، ايقظ احدا من جماعتنا كي يساعدني في التقاط قطعة خشب كبيرة ستكون نافعة لنا في الغد من أجل طهو الطعام» فأجبته : «هل تريد ان احضر بنفسي؟ فهذا خير من ايقاظ احد في مثل هذه الساعة». وكان الوقت منتصف الليل تقريبا. وعندها قال لي الكهل : «سأريك انني استطيع التقاطها لوحدي». وعندما اصبح المركب حسب تقديره ، على مقربة من قطعة الخشب ، مد يده لتمرير عقدة انشوطة من هذه الخشبة المزعومة ، وفي هذه الفترة انبثق من الماء ذيل طويل طوّق خصره ورماه على الحال في النهر. وأخذت بالصراخ وقفز كل أهل المركب واقفين على اقدامهم. وطوى الشراع والقى المركب مراسيه. وقفز عدة أشخاص إلى الماء وبقينا حوالي الساعة الكاملة راسين بجوار الشط. ولكن كان كل ذلك عبثا ، اذ لم يعثر على أثر للرجل الهرم واقتنع الجميع بأن التمساح قد افترسه ومع متابعتنا طريقنا المائي رأينا طوائف منها تضم عشرة الى اثنى عشر فوق جزيرات النيل : وكانت تبقى في

__________________

(٨٣) قنا على مسافة ٤١٧ ميلا عن القاهرة بالطريق المائية.

(٨٤) أي في انحاء منفلوط وقرب كهف التماسيح المحنّطة المشهور.

٦٤٩

الشمس ، واشداقها مفتوحة ، وكانت عصافير صغيرة بيضاء في حجم عصفور السمّان تدخل فيها. وتبقى بضع برهات ثم تخرج لتطير لمكان آخر. وقد استفهمت عن ذلك فقيل لي : «ان التماسيح تأكل الكثير من الأسماك والحيوانات الاخرى ، وتظل دوما بين لثتها وأسنانها فضلات لحم تتعفن وتتولد فيها ديدان صغيرة تزعج هذه الحيوانات. وترى هذه العصافير الديدان في أثناء طيرانها فتدخل في شدق التمساح لتأكلها. ويقوم التمساح بغلق شدقه ليبتلع العصفور ، ولكن للعصفور فوق قمة جمجمته شوكة قاسية حادة توخز سقف حلق التمساح فيفتح له شدقه من جديد ، وبذلك يهرب العصفور. ومما لا شك فيه لو قدّر لي الحصول على واحد من هذه العصافير لسردت هذه الحكاية بوثوق أكبر.

وتضع التماسيح بيوضها على الارض وتسترها بالرمل. وما أن تتخلق صغارها حتى تهبط في النهر. وهناك أيضا بعض التماسيح التي تتحاشى الماء وتعيش في الصحراء. وهذه الاخيرة تكون سامة ، ولكن ليس للتماسيح التي تعيش في الماء سم. ويأكل كثير من الناس في مصر لحم التمساح ويؤكدون انه طيب جدا. ويباع شحم التماسيح في القاهرة بثمن غال للغاية. ويقال إنه يفيد في شفاء الجروح المزمنة والمتقرّحة.

ويصاد التمساح حسب الطريقة التالية : يستعين الصيادون بحبل طوله مائة ذراع (٨٥) أو أكثر من ذلك ويربطون رأسه بشكل متين بشجرة كبيرة أو بعمود مغروز في الارض لهذا الغرض على ضفة النيل. ويثبتون في النهاية الاخرى من الحبل كلّابة من حديد طولها ذراع (٨٦) ويعادل غلظها إصبع الانسان ويربطون بها نعجة أو عنزة حيّة. ويخرج التمساح من الماء ويتقدم للضفة ويبلع الحيوان على التوّ مع كلّابة الحديد التي تخترق احشاءه وتثبت فلا يمكن إخراجها. وحينئذ يقوم الصيادون بلفّ الحبل تارة او يجرّونه ناحيتهم تارة أخرى ، ويقاوم التمساح ويلطم الارض بذيله من هنا وهناك. وأخيرا يغلب على أمره ويسقط بجسمه كأنه ميت. وحينئذ يقتله الصيادون بضربات الحراب ، فيثقبون شدقه واعلا قائمتيه الاماميتين ، وعند البطن حيث يكون الجلد قليل الثخانة ، في حين يكون جلد الظهر سميكا جدا وقاسيا للغاية. فلا تستطيع

__________________

(٨٥) ٦٧ م.

(٨٦) ٦٧ سم.

٦٥٠

البندقية ولا المدفع الصغير اختراقه الا بصعوبة.

ولقد شاهدت على جدران قنا اكثر من ثلاثمائة رأس تمساح معلقة ، وأشداقها مفتوحة ، شدق عريض جدا وكبير بحيث تستطيع بقرة كاملة ان تدخل فيه. وكانت الاسنان فيها حادة وطويلة. ومن عادة كل صيادي مصر أن يقطعوا رأس التمساح بعد صيده ويربطونه الى الجدار ، كما يعمل القنّاصون في الحيوانات المفترسة.

التنّين

يوجد الكثير من التنينات الضخمة في كهوف الاطلس. وهي حيوانات ثقيلة تتحرك بصعوبة لأن جزءا من جسمها ضخم جدا ، وهو الجذع ، في حين تكون الأجزاء الأخرى دقيقة جدا ، سواء من طرف الذيل أو من طرف الرأس. ولهذه الحيوانات سم زعاف. فإذا صدف أن مسّها أحد أو عضته فإن لحم عضلاته يصبح على الفور هشّا ويتراخى كالصابون ولا يمكنه أن ينجو منها (٨٧)

الهيدرة

الهيدرة ثعبان قصير ، ذو رأس وذيل دقيقين. ويوجد الكثير منها في صحراء ليبيا. وسمّها فعّال للغاية. وليس هناك من دواء لمن عضّته هذه الأفعى ، كما يقال ، سوى بتر الجزء المصاب بالعضة من العضو قبل سريان السم الى الاعضاء الأخرى (٨٨).

الضب

وهو حيوان يعيش في الصحارى (٨٩) وهو يشبه الجرذ في شكله ولكنه أكبر حجما.

__________________

(٨٧) يشارك المؤلف معاصريه في هذا المعتقد عن وجود التنين. وربما يمكن تفسير ذلك بكثرة رسوم هذا الحيوان على النقوش التزيينية التي ترجع للعصر الروماني القديم. والمقصود هنا الثعبان الدرفيل ، وهو حيوان ضخم وبطيء موجود فعلا في المغرب الأقصى.

(٨٨) يغلب على الظن ان المقصود في الأفعى ذات القرنين Cerastes Cornutus التي تتكاثر فعلا في بعض نطاقات السهب ما قبل الصحراوي وكانت الهيدرة تعتبر في القرون الوسطى كأنها حيوان مائي كما وصفها برونية لاتان في «كتاب الكنز» حوالي عام ١٢٦٥ م والذي ذكره بول ألوار في كتابه «أولى المنتخبات الحية من شعر الماضي» نشر دار سيجيرSeghers باريس ١٩٥١ ص ٤٦.

(٨٩) وهو جرذ يدعى الضب ويشتهر باسم دارج عامي هو جرذ النخيل ، مع أنه لا علاقة له بالنخيل ، ولكن منظر ـ

٦٥١

ويبلغ طوله طول ذراع رجل وعرضه أربع أصابع. وهو لا يشرب مطلقا ، وإذا أريد إجباره على الشرب وذلك بوضع ماء في حلقه فإنه يموت من ذلك على الفور. ويضع بيضا مثل بيض السلحفاة. وليس له سم ورأينا بعض العرب يصطادونه من الصحراء وقد صدت انا نفسي بعضها وذبحتها ولكن لم يخرج منها الكثير من الدم. ولا ينتزع جلده إلّا بعد شيّه وعند أكله. ولحمه لذيذ الطعم كلحم الضفدع وله نفس المذاق. وهو حيوان سريع كالحرذون. وإذا اختبأ في حجر وبقي الذيل في الخارج ، فليس هنالك من قوة تقدر على اخراجه من هناك. ولهذا يقوم الصيادون بتوسيع الثقب بواسطة معول ويقبضون عليه. وإذا قرّبناه من النار بعد ثلاثة أيام من ذبحه ، فإنه يتحرك كما لو قد ذبح للتوّ (٩٠).

الورل

الورل (٩١) حيوان يشابه السابق ، ولكنه أكبر حجما. وسمّه في رأسه وفي ذيله. ورأيت بعض العرب يقطعون هاتين النهايتين ويأكلونه. وله لون كريه ومنظر قبيح ، حتى ان لم اتجرأ أبدا على أن آكل منه.

الحرباء

الحرباء حيوان له حجم الحرذون ولكنه قبيح ، أحدب ، هزيل ، مع ذيل طويل كذنب الجرذ. وهو يمشي ببطء. ويتغذى بالهواء وبأشعة الشمس (٩٢). وما أن

__________________

ـ الأشواك على ذيله يوحي بنوع من شبه مع جذع النخلة ، ويدعى أيضا «الذيل الكرباج» وهو حرذون نباتي اسمه العلمي uromastix acathinurus.

(٩٠) ينحصر وجود هذا الجرذ الضخم في المناطق الحجرية الوعرة والجبال. ويصظاده السكان المحليون بشكل حثيث.

ويقوم الطوارق من سكان الصحراء الكبرى والنطاقات شبه الصحراوية في شمالها وجنوبها لجبال الهقار وتاسيلي بتجفيفه وينقلونه إلى أسواق الواحات حيث كانت تتراوح أسعارها في عام ١٩٣٩ بين ربع ونصف الفرنك الفرنسي. ه. ل. H. L hote.

(٩١) في العربية ورل ، وقد حرفت الكلمة في الفرنسية إلى فاران واسمه العلمي Varanusgriseus ، وعلى خلاف ما يقول المؤلف ، فإن هذا الجرذ غير سام. ه. ل.H.L hote.

(٩٢) لقد ظل هذا الاعتقاد سائدا لمدة طويلة. فالسرعة القصوى التي يقتنص بها الحرباء الذباب بواسطة لسانه اللزج لا تسمح لملاحظ عادي أن يفهم الطريقة التي يتغذى بها هذا الحيوان.

٦٥٢

يظهر شعاع شمس حتى يتجه نحوه فاغرا فاه وحيثما استدارت الشمس دار معها هو أيضا. وهو يبدّل لونه باختلاف الأمكنة التي يوجد فيها : فإذا كان فوق أرضية سوداء ، يصح اسود ، واذا كان فوق مكان اخضر ، صار اخضر ، وهكذا دواليك بالنسبة لبقية الألوان. وقد قمت بنفس التجربة. وهو العدو اللدود للأفاعي السامة. فعندما يرى واحدة منها نائمة تحت شجرة ، يصعد حالا ، الى الشجرة ويختار مكانا يكون فيه تماما فوق رأس الأفعى. وعندئذ يبصق شريطا من لعاب مماثل للعاب الضفدع ، شريط تؤلف نهايته قطرة مشابهة لحبة لؤلؤ صغيرة. وإذا رأى أن الشريط لا يهبط بخط مستقيم على رأس الأفعى ، انتقل إلى أن تسقط هذه القطرة على رأس الحيوان ولهذه القطرة خاصية النفوذ في رأس الأفعى وبمجرد أن تلمسه تقتله. وقد قال كتابنا الأفارقة كثيرا من الأشياء عن خصائص وفوائد الحرباء ولم أعد أتذكرها الان (٩٣).

* * *

الطيور

النعام

لنتكلم أيضا شيئا يسيرا عن الطيور.

فالنعام طير وحشي كبير الجثة ، له تقريبا شكل أوزّة. ولكن لها قائمتان ورقبة طويلة للغاية. ولبعضها رقبة تبلغ ذراعين طولا (٩٤). وكذلك طول الساقين أيضا وجسم النعام ضخم ، ويزدان الجناحان بريش كبير. ولهذا تعجز عن الطيران ، ولكن عند ما تركض ، فهي تستعين بضرب جناحيها والذيل. وريشها أسود وأبيض كريش اللقلق. وتعيش عادة في الصحارى المتجففة حيث لا يوجد ماء. وتضع بيضها في الرمل ، ما بين عشر إلى اثنتي عشرة بيضة ، ويبلغ حجم البيضة حجم قذيفة مدفع من وزن خمسة عشر إلى ستة عشر رطلا (٩٥). ولكن النعامات الشابة تضع بيضا أصغر

__________________

(٩٣) الحرباء هو بالتأكيد من أكثر الحيوانات غرابة وأكثرها استثارة للفضول عند ملاحظته. ولكن لا رأي فيما ذكره المؤلف عن طريقة قضائها على الأفاعي السامة ، ونترك مسئولية هذه الحقيقة على المؤلف نفسه. وهذا الحيوان أساسا هو من آكلات الحشرات.

(٩٤) ٣٤ ، ١ م.

(٩٥) من ٥ إلى ٥ ، ٥ كغم.

٦٥٣

حجما. وما أن تضع بيضها حتى تنسى المكان الذي تركتها فيه لضعف ذاكرتها. وينتج عن ذلك أن الأنثى ما أن تجد أيّ بيض كان ، سواء كانت لها أم لغيرها ، فإنها تحضنه وتدفئه وما أن تفقس الفراخ حتى تنطلق في البرية باحثة عن غذائها. وهي سريعة جدا في العدو حتى قبل أن ينبت ريشها ، حتى ليتعذر الإمساك بها. والنعامة بليدة وليس لديها أي إحساس من طرف أذنيها ، فهي صمّاء (٩٦). وتأكل النعامة كل ما تجد ، حتى الحديد. ولحمها منفّر ولزج ولا سيما لحم الفخذين. ومع ذلك تؤكل اعداد كبيرة منها في بقاع نوميديا ، لأنهم يمسكون هناك بصغارها وتعلف وتسمّن ، كما سبق أن قلنا (٩٧). وتسير هذه الطيور في الصحراء على شكل قطيع ، الواحدة خلف الأخرى. ومن يراها من بعيد يخالها رتلا من الخيّالة ويتسبب هذا في حدوث قلق كبير وذعر شديد لدى رجال القوافل. وقد أكلت أنا أيضا من لحم النعام عند ما كنت في نوميديا ، ولم أجده رديئا جدا.

النسور (*)

تضم هذه الطيور بضعة أنواع متميزة حسب خصائصها ، وقامتها ، ولونها ، ويسمى النوع الأول الرئيسي منها «النسر» باللغة العربية (٩٨).

النسر

وهو اكبر طير موجود في افريقيا. وهو أكبر من الكركي ، ولكن قائمتيه ورقبته ومنقاره أقل طولا ويرتفع في الجو عند ما يطير إلى ارتفاع يختفي فيه فلا يرى ، وعند ما يرى جيفة ينقضّ عليها فورا. وعند طيرانه يكون دوما ضمن جماعة تضم بضعة نسور أخرى ، وهو يعمّر كثيرا ، ويتساقط ريشه كلما تقدم سنه ، حتى ليبدو المعمر دون أية

__________________

(٩٦) هذا غير صحيح. فقد رأينا حارس حظيرة لتربية النعام وهو يقوم بجمع فراخها لإعطائها غذاءها باستعمال قرقعة صفيحة بنزين فارغة ، وكان تتراكض بسرعة رائعة كتلك التي يذكرها المؤلف.

(٩٧) انظر القسم السادس ، بحث وصف الدرعة.

(*) [المشهور بأن ذكور النعام هي التي تقوم بحضانة البيض. وذلك أن طائفة من الإناث تجتمع في مكان ما وتبيض كل واحدة منها بيضة فيه ، ثم تنتقل إلى مكان آخر وتبيض فيه مجتمعة كذلك ، وهكذا حتى تفرغ ما في عنا قيدها من بيض ، ثم تأتى الذكور وتتوزع على هذه المواضع وتقوم بحضانة ما فيها من بيض. انظر كتابنا «غرائب النظم والتقاليد والعادات» خاتمة الجزء الثاني بعنوان «غرائب النزعات الاجتماعية الفطرية عند الحيوان» الجزء الثامن صفحة ١٥٨. (المراجع).

(٩٨) أو النسر الأصلع Vautour باللغة الفرنسية.

٦٥٤

ريشة على الرأس. كما لو كان حليقا. وتعيش هذه الطيور ، كما قلنا قبل قليل ، العديد من السنوات ، ومع تطاول الزمن يتساقط كل ريشها وريش قوادمها التي تطير بها. وينتهي بها الحال بان تبقى بالعش كما لو كانت قد فقست من البيضة من جديد ؛ وتقدم لها النسور الشابة غذاءها. وقد سمعت في اللغة الايطالية أن هذا الطير يحمل اسم فولتوري Voltore وهو شيء لم استطع التثبت منه. ويعشش عادة في جروف اعلى القمم الجبلية المهجورة ولا سيما في جبال الأطلس. والذين يقصدون هذه الأمكنة يقبضون على بعض هذه الطيور.

البازي

البازي ويسمى بالايطالية آستوري Astore (٩٩). وتوجد هذه الطيور بمقادير كبيرة في افريقيا وبعضها بيضاء اللون. وتصاد في جبال صحاري نوميديا. وهي أعلاها سعرا وأفضلها وهي التي تستخدم في الصيد فيستعان ببعضها لصيد اللقلق (١٠٠) ، والسمان ، ويستعان ببعضها الآخر لصيد الأرانب البرية.

وفي إفريقيا تدرب النسور العادية على اقتناص الثعالب والذئاب (١٠١) وتدرب كذلك على الصراع فيما بينها والنسور المدربة على الصيد تمسك الحيوانات من ظهرها بمخالبها ، وبرأسها بوساطة منسرها حتى لا تتمكن من عضها ، وقد تنقلب على ظهرها ، ولكن النسور لا تتخلى عنها إلى أن تقتلها أو تقتلع عيونها.

الخفاش

توجد هذه الطيور ، الكريهة ، عدوة النور ، في سائر أرجاء العالم. ولكن يرى الكثير منها في كهوف جبال الاطلس بحجم الحمام وأكبر منها ، ولا سيما فيما يتعلق بأبعاد أجنحتها. ولم أر منها شخصيا أي واحد منها ، ولكن بلغني ذلك من أولئك الذين يمارسون الحفريات عن الكنوز (١٠٢).

__________________

(٩٩) وهو الباز أو الصقر. ويقصد المؤلف بهذا الاسم صقور الصيد.

(١٠٠) «وربما يقصد بذلك الحباري وهي من فصيلة الدجاجيات» (المترجم).

(١٠١) وقد يكون المقصود بهذه الكلمة ابن آوى والنوع الذي يسمى بذئب أوروباCanis lupaster.

(١٠٢) تكون لخفافيش جبال الأطلس أبعاد متوسطة ، وليس فيها ما يبلغ قوام خفافيش «الحمراوات» في افريقيا المدارية.

٦٥٥

الببغاوات

توجد في غابات اثيوبيا كمية كبيرة من هذه الطيور ، وهي ذات ريش متنوع الألوان. وأفضلها هي التي تتعلم بصورة أفضل تقليد الصوت البشرى ، وهي الببغاوات الخضراوات. ويرى منها الكثير وهي كبيرة الحجم كالحمامات ، وهي من ألوان مختلفة : سوداء وحمراء ورمادية وسمراء. ولا تكون هذه قادرة تماما على تقليد النطق البشرى ولكن لها تغريد جميل وعذب.

الجراد

يشاهد احيانا في افريقيا مقادير هائلة من هذه الحيوانات التي تحجب الشمس حينما تطير أرجالها كالسحاب. وتأكل من الاشجار الثمر والورق. وعند مغادرتها تترك بيضها الذي تتولّد عنها جرادات أخرى لا تطير أبدا ، ولكنها أسوأ من أمهاتها ، فهي تقضي على الأخضر واليابس ، وتلتهم حتى لحاء الشجر. وحيثما مرت تخلف وراءها مجاعة كبرى ، ولا سيما في موريتانيا.

غير أن سكان جزيرة العرب وليبيا يعتبرون زحف أرجال الجراد هذه من أسعد الاحداث. فبعضهم يأكلها ، مقلّية ، والبعض الآخر يجففونها في الشمس ثم يسحقونها فيحصلون بذلك على نوع من دقيق يستهلكونه (١٠٣).

تلك هي تقريبا كل المميزات المتعلقة بالطيور والحيوانات التي لا توجد في أوروبا أو التي تختلف في بعض النقاط عن مثيلاتها الأوروبية. وسنقول الآن بعض النبذات الصغيرة عن المعادن التي تتوافر في افريقيا ، وبعض الثمار والاشجار المزروعة والبرية ، ومن ثم نختتم هذا التصنيف.

__________________

(١٠٣) هذه الطريقة في تخضير واستهلاك الجراد والتي ذكرها هيرودوت لدى الأقوام الليبية لا تزال معهودة لدى سكان الصحراء الكبرى. «وفي بادية الشام كان الجراد يسلق في ماء ملح ثم يجفف بالشمس ويوضع في عدول ويستخدم مئونة تستهلك شتاء» (المترجم).

٦٥٦

المعادن

الملح

لا يوجد في القسم الأعظم من إفريقيا أي ملح سوى ذلك الذي يستخرج من مناجم ، وذلك بحفر أنفاق كما يستخرج الجبس أو الرخام ، ومنه الملح الرمادي ، ومنه الأبيض ومنه الأحمر ويتوافر بمقادير كبيرة في بلاد البربر ، اما في نوميديا فهو نادر نوعا ما ، ولكنه كاف للحاجات المحلية. أما في بلاد السودان فلا يوجد منه شيء ، وخاصة في الحوزة الداخلية ، حيث يساوي ثمن الرطل منه نصف دينار. ولهذا لا يكون من عادة أهل هذه البلاد وضع ممالح على المائدة ، ولكن عند ما يأكلون خبزا ، يمسكون بقطعة ملح في اليد ، ومع كل لقمة ، يلحسون هذه القطعة كيلا يستهلكون منه الكثير.

ويتبلور الملح في بعض البحيرات والمستنقعات في بلاد البربر ، في أثناء الصيف ، ويشكل طبقة بيضاء ومنتظمة ، كما في ضواحي فاس مثلا.

الأثمد

ينشأ هذا المعدن في بعض بقاع افريقيا في مناجم الرصاص ، ويقوم العمال المعلّمون بفصله عن الرصاص بالاستعانة بالكبريت. وتوجد كمية كبيرة منه في حضيض جبال الأطلس ، نحو الجنوب ، ولا سيما عند تخوم نوميديا مع مملكة فاس (١٠٤). وفي بعض الأمكنة الأخرى يوجد أيضا الكثير من الكبريت.

اللبانة

اللبانة هي صمغ نبات ينمو على شكل شجيرة من شوك برّي (١٠٥). وينمو بين أغصان هذه النبتة ثمار بحجم الخيار ، تكون خضراء ومغطّاة بحبيبات كالخيار ،

__________________

(١٠٤) توجد مناجم الأثمد بالفعل في موقعي الكسايب وفي ادانة جنوب غرب عكا. ويعالج الفلز في قرية تيزونين على الطريقة العربية ويشوى في أفران. وكان هذا الأثمد في الماضي مادة يتاجر فيها مع مصر ، وحاليا يرسل الى مراكش على شكل مسحوق في أكياس صغيرة من وزن ١٥ كغم ـ ه. ل.H.L hote.

(١٠٥) واسمه العلمي Euphorbia resinifera ـ ت. م.Th.Monod.

٦٥٧

ولكنها أكثر طولا من الخيار ، ويصل بعضها الى ذراع (١٠٦) وبعضها يصل إلى أطول من ذلك. ولا تنمو هذه الثمار على أغصان الشجيرة ، بل تخرج من الأرض في صورة ساق أو جذع. ويتولد من شجيرة واحدة من اللبانة عشرون او خمس وعشرون وحتى ثلاثون ثمرة. وعندما تنضج هذه الثمار يشقها الفلاحون بسكين ويخرج منها عصير كالحليب يصبح لزجا. ويفصل هذا العصير بالاستعانة بسكين ويوضع في قرب حيث يجف. ويلاحظ أن هذه النبتة تكون مغطّاة بالاشواك (١٠٧).

القطران

هناك نوعان للقطران. فالأول طبيعي ، ويجمع من على الحجارة التي توجد في وسط الينابيع التي ينشر ماؤها رائحة كريهة وله نفس الطعم (١٠٨). والآخر اصطناعي ويستخرج من العرعر أو من الصنوبر (١٠٩). ولقد شهدت تحضيره في جبال الأطلس. فيصنع تنور مدوّر وعميق مع ثقب ، في قسمه الأسفل ، يتصل بتجويف على شكل وعاء. وتؤخذ أغصان خضراء من العرعر أو من الصنوبر ، ثم تقطع إلى قطع صغيرة وتوضع في التنور الذي تغلق فوهته ويحمى بنار هادئة. ويتقطر الحطب بالحرارة ويخرج الناتج في التجويف عن طريق الثقب المفتوح لهذا الغرض في قعر التنور ويجمع القطران بهذه الطريقة ويوضع في القرب الجلدية.

ثمر الموز

وهذه الثمرة جميلة جدا وكثيرة الحلاوة. وهي كبيرة تعادل خيارة صغيرة وتتولد فوق نبتة صغيرة ذات أوراق كبيرة عريضة ، وطولها ذراع ، ويقول العلماء المسلمون ان هذه الثمرة هي التي حرمها الله على آدم وحواء. وقد أرادا ان يسترا سوأتهما بعد ان أكلا الثمرة ، فعمدا إلى أوراق هذا النبات الذي يحقق هذا الغرض بشكل أفضل من

__________________

(١٠٦) ٦٧ سم.

(١٠٧) إن هذا الوصف لثمرة اللبانة هو وهمي إطلاقا.

(١٠٨) البيتوم أو البترول.

(١٠٩) وهو قطران الخشب ، أما الذي يستخرج من العرعر الشبيه بالأرز فهو زيت الكاد الطبي Epaulard. وفي تيديكلت وعند طوارق الصحراء الوسطى يستخدم نبات الفرسيغ والطرفاء. ويستخرج القطران بواسطة انبيق بدائي لا يخلو من مهارة في صنعه ـ ه. ل.H.Lhote.

٦٥٨

سائر النباتات الأخرى (١١٠). وينبت منها الكثير في سلا ، وهي مدينة من مملكة فاس ، ولكن أكبر كمية تنتج في مصر ولا سيما في دمياط.

خيار شنبر

الأشجار التي تنتج هذا الخيار ضخمة جدا وأوراقها شبيهة جدا بأوراق شجر التوت. وأزهارها كبيرة وشديدة البياض. وتنتج كمية ضخمة من الثمار حتى ليقطف كثير منها قبل النضج لتخفيف الاغصان التي تتكسر تحت الوزن. ولا تنبت إلّا في مصر (١١١).

الطرفاس (١١٢)

يمكن القول أن الطرفاس هو ، على الأرجح ، نوع من درن أكثر منه ثمرا. وهو يشبه الكمأة ، ولكنه أكبر حجما وله قشرة بيضاء. وينشأ في الرمل في الأمكنة الحارة. ويمكن التعرف على وجوده لأن الأرض التي ينبت فيها تحوي حدبات متشققة نوعا ما. وبعض ثمار الطرفاس كبيرة كالجوزة ، وبعضها الآخر ، كالبرتقالات. وتعتبر ثمرة مرطبة في نظر الأطباء الذين يسمونها الكمأة. وينبت بكمية كبيرة في صحراء نوميديا. ويأكلها العرب بشهية كما لو كانت من السكر والحقيقة أنها أكلة شهية جدا عندما تكون مشوية على الجمر ، ومقشرة ، ثم مطبوخة في مرق دسم. ويأكلها العرب مسلوقة في الماء أو في الحليب. وتوجد أيضا بكثرة في رمل ضواحي مدينة سلا.

__________________

(١١٠) ومن هذه القصة جاء الاسم العلمي لأحد انواع الموز ، وهو الموز الفردوسي MusaParadisiaca

(١١١) هذا الوصف غير صحيح. فقد كتب العالم الطبيعي بيار بيلون P.Belon الذي زار القاهرة بعد بضع سنوات بعد المؤلف يقول : «يكون شجر خيار الشنبرcassier بمثل كبر وارتفاع اشجار الموز ، ولها نفس الأوراق. وهي شجرةCaneficier أوCassiaFistula

(١١٢) الطرفاس واسمه العلمي terfesia ويشتمل على عدة أنواع ، وهو الكمأة البيضاء ، ذات الطعم الطيب ، ولكنه أقل نكهة من الكمأة السوداء ـ Epaulard. وينتشر الطرفاس خاصة في شمال الصحراء الكبرى. ويوجد أيضا في الهقّار حتى ارتفاع ١٦٠٠ م. ويكثر عادة في فصل الربيع الذي يتلو فترة كثيرة الامطار. وله قوام وطعم القلقاس تقريبا ويحضرّ غالبا مسلوقا بالماء. ويضاف له الزيت او الخل او يقلى ه. ل H.L hote «الكمأة البيضاء تدعى زبيدية وتسمى الكمأة عموما الفقع في جزيرة العرب ، وطرفاس في المغرب العربي» (المترجم)

٦٥٩

نخيل التمر

لن أقول شيئا الآن عن شجرة التمر التي تكلمنا عنها عندما وصفنا سجلماسة وهي إحدى مدن نوميديا.

تين مصر المسمّى الجميّز عند المصريين

أخشاب هذا النوع من التين وأوراقه مماثلة لأخشاب أنواع التين الأخرى ولأوراقها. ولكن هذه الاشجار ضخمة جدا ولا تنشأ الثمار بين الأوراق أو على الأغصان ، أو في نهاية الأفنان ، بل على جذع الشجرة نفسه ، حيث لا توجد أوراق ، ولها نفس طعم ثمار التين العادية ، ولكن قشرها سميك للغاية ولها لون بنفسجي (١١٣).

شجرة الطلح

وهي شجرة كبيرة شوكية لها أوراق كالعرعر وتنتج صمغا شبيها بالمصطكا ويستخدم عطار وافريقيا هذا الصمغ للتدليس به عن المصطكا ، لأن له نفس اللون ونفس الطعم تقريبا. ويوجد في صحاري نوميديا وليبيا وكذلك في بلاد السودان. ولكن لأنواع نوميديا عند شقّها نفس البياض من الداخل شأن الأشجار الأخرى في حين تكون أشجار بلاد السودان سوداء تماما. وخشب هذه الاشجار هو الذي يسمى سانغو في إيطاليا وتصنع منه المصنوعات الظريفة الجميلة. ويستعمل أطباء افريقيا الخشب البنفسجي حاليا لمعالجة المرض الافرنجي ، ولهذا يسمى باللغة الدارجة خشب المرض الافرنجي. (١١٤)

جذر السرغينة

وهو جذر عطري يوجد على ساحل المحيط ، إلى الغرب. ويجلبه تجار موريتانيا

__________________

(١١٣) وهي أشجار تين وفرعون او الجميز او سيكومور بالفرنسيه.

(١١٤) وربما عود الحبوب ، اي خشب السفليس وهو مرض الزهري وقد اختفى اسم سانغو من اللغة الايطالية الحديثة ، ولكن كلمة سانغو لا تزال تعنى في موريتانيا الحالية ، شمال السنغال نبات Dalbergia melanoxylon Guill ـ perr الذي يعتبر ابنوسا كاذبا ، وهو الخشب البنفسجي وهذه الشجرة ليست من طائفة الاكاسيا. ومن انواع الاكاسيا نوع يسمى الطلح واسمه العلمي AcaciaTortilis.

٦٦٠