وصف إفريقيا

ابن الوزّان الزيّاتي

وصف إفريقيا

المؤلف:

ابن الوزّان الزيّاتي


المترجم: د. عبدالرحمن حميدة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥

أكثر الأنهار والنباتات والحيوانات

شهرة في أفريقيا

يعالج هذا القسم جميع الأنهار ، والحيوانات ، وأكثر النباتات جدارة بالذكر في افريقيا. وسنتكلم أولا عن أكثر الأنهار شهرة في بلاد البربر بادئين من الغرب.

نهر تانسفت

التانسفت نهر كبير ينشأ في الأطلس قرب مدينة تدعى آنيماي ، إلى الشرق من مراكش (١) ويجري نحو الغرب من خلال سهول إلى أن يصب في المحيط ، في كورة آسفي ، في منطقة دكالة. وقبل أن يدرك البحر يتلقى بضعة أنهار أشهرها نهران : أحدهما يدعى آسيف المل ، الذي ينبع من جبل هنتاتة ، القريب من مراكش ، ثم يهبط في السهل إلى أن يلتحق بالنهر ، والآخر يدعى النفيس الذي ينبع أيضا من جبال الأطلس في أطراف مراكش ، ثم يجري في السهل الذي يطيف بمراكش ويصب في النهر.

ونهر التانسفت عميق جدا ، ولكن يمكن اجتيازه خوضا في بعض الأمكنة ، مع أن الماء يغطي ركابات الخيّال ويضطر الماشي إلى خلع ثيابه كي يقطعه. ويوجد قرب مراكش جسر بناه الملك المنصور (٢) وعليه خمس عشرة قنطرة (٣) وهو من أجمل الأبنية التي توجد في افريقيا. وقد تخربت ثلاث قناطر في عهد أبي دبوس ، آخر ملك وخليفة في مراكش كي يمنع عبور يعقوب ، أول ملك من أسرة مرين ، ولكن هذا لم ينفعه إطلاقا في شيء (٤).

__________________

(١) يقع نبع التانسفت ، أو رأس الماء ، على مسافة بضعة كيلومترات شمال غرب آنيماي ، التي تدعى اليوم سيدي رحّال ، الواقعة على واد ردوم رافد التانسفت.

(٢) لقد ابتدأت أعمال بناء الجسر يوم الأحد ٢٥ تشرين الأول (اكتوبر) ١١٧٠ م في عهد الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن والد المنصور.

(٣) الواقع له خمس وعشرون قنطرة ، وطوله ٣٥٠ م وعرضه ٥ م ، ولكن ربما تعرض لبعض التعديل منذ بداية القرن السادس عشر.

(٤) كان لا يزال أبو العلا ، الملقب بأبي دبوس ، يمارس سلطته بوصفه خليفة موحّديا شرعيا في منطقة مراكش عند ما قرر المريني ابو يعقوب يوسف بن عبد الحق ، الذي تم الاعتراف به ملكا في المنطقة الواقعة شمال نهر أم الربيع منذ ٣٠ تموز ـ

٦٢١

تسّاوين

تسّاوين هما نهران ينبعان من جبل غجدامه ويبعد الواحد عن الآخر ثلاثة أميال تقريبا. ويحمل كل من هذين النهرين نفس الإسم ، وهو تسّاوت بالمفرد وتسّاوين بالمثنى والجمع ، الذي يعني باللغة الافريقية تخوم (٥).

واد العبيد

ينبع هذا النهر من الأطلس بين جبال عالية وباردة ، ويمر من أودية سحيقة على تخوم هسكورة مع إقليم تادلة ، ويهبط في السهل متجها نحو الشمال إلى أن يصب في نهر أم الربيع ، وهو نهر كبير جدا ، ولا سيما في شهر أيار (مايو) على أثر ذوبان الثلوج في الجبل.

أم الربيع

أم الربيع نهر كبير جدا يتولد في الأطلس بين جبال عالية على تخوم تادلة ومنطقة فاس (٦) ويجري هذا النهر مخترقا سهل آداخسن (٧) ثم يجتاز خوانق ضيقة حيث يظهر جسر جميل بناه أبو الحسن ، رابع ملك مريني (٨). وبعد ذلك الجسر وفي اتجاه

__________________

ـ (يولية) ١٢٥٨ م ، قرر أن يحتل مراكش. وقام في أواخر تموز (يولية) ١٢٦٩ م بمحاولة ضد هذه المدينة ، ولكن قطع الجسر أدى إلى فشلها. ولكن أبا دبوس لاحق خصمه فقتل في معركة في دكالة يوم الجمعة ٣٠ آب (أغسطس) ، ١٢٦٩ م ، إذن لم يؤد قطع جسر التانسفت إلى الحيلولة دون نهاية أسرة الموحدين في مراكش.

(٥) هذان النهران هما واد الأخضر في الشمال وتسّاوت في الجنوب ثم إلى الغرب. وقد أعطى المؤلف في القسم الثاني اسم تسّاون للكتلة الجبلية حيث ينبعان منها ، وهما متباعدان أحدهما عن الآخر. والكتلة الجبلية هي جبل فتواكة وليس جبل غجدامه ، الذي يقع إلى الغرب أكثر من تسّاوت. وتسّاوين هو جمع تسّاوت ، وهي كلمة لا تعني شيئا في اللهجات البربرية في المغرب الأقصى ، ولكن يمكن ربطها بأصل لغوي وهو كلمة آسا ، ومعناها تجويف ، حوض ، واد.

(٦) ومعناه أم فصل الربيع أو أم العشب ، ولكن اللفظ المحلي هو مربعة. وربما كان هذا تشويها لهذا الإسم أو أنه اسم بربري قديم.

(٧) والآن سهل خنيفرة.

(٨) أبو الحسن علي ، حكم بين ١٣٣١ ـ ١٣٤٨ م وهو سادس سلطان مريني. والمقصود بلا شك الجسر المتهدم عند دشرة الواد ، والذي ربما تخرب سنة ١٥٤٥ م بعد أن ألحق الشريف أبو عبد الله محمد الشيخ ، سلطان مراكش ، هزيمة بسلطان فاس ، احمد الوطاسي ، على واد درنة ، الذي سقط بيده أسيرا. وبعد خمسة عشر عاما قامت أرملة السلطان محمد الشيخ ، وهي مسعودة بنت أحمد الوزغيتي الوار زازاتي ، وأم السلطان الشهير أبي العباس احمد المنصور الذهبي ، قامت ببناء جسر آخر يبدو أنه هو الذي تقع أطلاله على مسافة بضعة كيلومترات في سافلة الجسر السابق ، قرب زاوية الشيخ.

٦٢٢

الجنوب ، يخترق النهر سهولا بين دكالة ومنطقة تامسنة إلى أن يصب في المحيط قرب جدار أسوار مدينة آزمّور. ومن المستحيل عبوره خوضا في الشتاء أو في الربيع ، ولكن سكان القرى المجاورة له يقومون بتمرير الناس وأمتعتهم بالاستعانة بأرماث كبيرة مثبتة فوق قرب منفوخة.

وتصب بعض الأنهار الصغيرة في هذا النهر.

وابتداء من موسم هطول الأمطار في افريقيا حتى شهر أيار (مايو) تصاد من نهر ام الربيع كمية كبيرة من ذلك السمك الذي يسمى لكشيا (٩) في إيطاليا. والذي تشبع منه كل مدينة آزمور. وتذهب سفن عديدة موسقة بهذا السمك المملّح إلى مملكة البرتغال كما سبق أن قلنا عند الكلام عن مدينة آزمور.

أبو الرقراق

يتولّد هذا النهر من أحد جبال تتفرع عن جبال الأطلس. ويمر عبر أودية وغابات عديدة ، ثم يبرز من بين التلال في سهل يمر منه إلى المحيط. وهنا تقع مدينتان ، سلا والرباط ، وتقعان عند بداية مملكة فاس. وليس لهاتين المدينتين من ميناء سوى مصب النهر الذي يكون مدخله عسيرا على السفن. ويجب أن تكون السفينة بقيادة ربّان محنّك ، وإلّا فإنها تجنح على الرمل. ولو لم يكن مدخل النهر عسيرا لما بقيت هاتان المدينتان حرتين : إذ لكان الدفاع عنهما مستحيلا ضد أسطول صغير لأي ملك نصراني.

البهت

البهت نهر ينبع أيضا من الأطلس ويجرى نحو الشمال بين جبال وغابات ثم يجرى وسط تلال كي ينساح فى سهل من اقليم آزغار ، حتى أنه ليتحول فيه إلى بطائح وإلى بحيرات يصاد فيها عدد لا يحصى من الأسماك ، والحنكليس والشبّوط والجرّى ، وهي مدهشة لكبرها ولدهنها. ويقيم حول هذه الغيضات وهذه البحيرات رعاة من العرب يعتاشون من ماشيتهم ومن صيدهم. وهم يأكلون كثيرا من السمك ، ومن

__________________

(٩) سمك الشوط.

٦٢٣

الحليب ومن الزبدة ، حتى أن الكثير منهم مصابون بمرض يسمى المورفيه (١٠). ويمكن اجتياز هذا النهر خوضا في كل وقت ، ومن بعض الممرات المعروفة ، إلّا في موسم الأمطار الكبرى أو عند ذوبان الثلوج. وهو يتلقّى عدة أودية صغيرة تنبع هي أيضا من جبال الأطلس.

السبو

السبو نهر ينبع من جبل يدعى سليلغو ، في الحوز ، اقليم مملكة فاس. وأصله من نبع كبير في غابة مخيفة. ويهبط من هنالك في واد بين جبال وتلال ، ثم يجري في سهل ويمر على مسافة ستة أميال (١١) من فاس. ويجتاز بعدئذ سهلا ويفصل الهبط عن آزغار. ويتابع مجراه إلى أن يصب في المحيط قرب منطقة تدعى المعمورة ، تبعد

بمقدار اثنين وعشرين ميلا (١٢) ، عن سلا وتصب بضعة أنهار في السبو. فبعضها يهبط من جبال غماره مثل الورغة والاودور (١٣) ، وبعضها يأتي من جبال تقع في إقليم تازه. ومجرى هذا النهر طويل ، ومياهه غزيرة ، ولكن توجد عليه ، مع ذلك ، نقاط عديدة يمكن عندها اجتيازه خوضا ، وهذا ما لا يمكن عمله في فصل الشتاء ولا في الربيع. وعندئذ يستعان بمراكب صغيرة لعبوره. وكذلك يصب في نهر السبو النهر الذي يخترق مدينة فاس والذي يحمل اسم نهر اللآلىء في لغة أهل البلاد (١٤). وتوجد في السبو كمية كبيرة من الأسماك ، ولا سيما في موسم سمك الآلوزalose كما سبق أن قلنا في أوضاع المعيشة في فاس ، حتى أن هذا السمك يكون فيها بثمن بخس.

__________________

(١٠) كانت تعني هذه العبارة حينذاك عدة أمراض تتميز بظهور بقع جلدية ، ومن بينها مرض الجذام ، ومن الصحيح أن الناس الذين يعيشون على السمك يكونون حسّاسين على الخصوص بهذه الأمراض.

(١١) ١٠ كم.

(١٢) ٣٥ كم. واستنادا إلى هذه المعطيات غير الواضحة التي يقدمها في كتابه الثالث ، فإن نهر السبو يجتاز منطقة فاس حتى ضواحي تنصور ، وهي منطقة أشار إليها أنها تقع إلى الشرق اكثر من الهبط ، ثم يفصل الاقليم المذكور عن منطقة فاس حتى المصب الحالي لنهر المكسّ ، وربما كان هذا نهر بونصر عند المؤلف. ولهذا اعتبره كحد فاصل بين الهبط وآزغار على مسافة قصيرة بين هذه النقطة وأخرى تقع جنوب شرق سوق الجمعة في بلاد بني مالك ، الواقعة في آزغار على الضفة اليمنى لنهر الورغة ، ثم يجتاز الآزغار ويعتبر مصبه ، من جديد ، حدا فاصلا بين آزغار وإقليم فاس. وتقع المعمورة في هذا الإقليم.

(١٣) الاودور رافد الورغة.

(١٤) وهو واد الجواهر ، وهو إسم وادي فاس ، وهو اسم لا يعرفه سوى المثقفين.

٦٢٤

ويشكل السبو عند وصوله البحر مصبّا غاية في العرض ، وكثير العمق ، حتى لتستطيع السفن الضخمة أن تلج فيه ، كما برهن على ذلك الأسبان والبرتغاليون في عدة مرات. وهذا النهر صالح للملاحة تماما. ولكن نظرا إلى جهل أهل البلاد فليس فيه أية سفينة نهرية ولا أي مركب يستطيع أن ينقل أي شيء. ولو كان أهل فاس يستغلّون السبو في الملاحة ، لأدى هذا بالتأكيد إلى انخفاض سعر القمح بمقدار النصف. وقد لاحظت بالفعل أن نقل قمح أزغار إلى فاس يكلف نقل كل وسق منه ما يعادل ثمن القمح نفسه ، مع أن القمح يباع في فاس بثلث دينار حسب هذا الأسلوب في النقل. ولو كان القمح ينقل بطريق الماء لما بلغ ثمنه حينئذ ولا ربع دينار لكل وسق (١٥).

اللّكوس

اللّكوس أو اللّقس ، نهر ينشأ في جبال غمارة ويجري في اتجاه الغرب عبر سهلي الهبط وآزغار ، ويمر من قرب مدينة القصر الكبير ثم يستأنف سيره إلى أن يصب في المحيط إلى قرب مدينة الاعراش (١٦) في إقليم آزغار على تخوم الهبط. ويقع ميناء المدينة في مصب النهر ، ولكن من العسير جدا الولوج فيه ، وخاصة لمن ليس لديه أية خبرة.

ملّولو

ملّولو نهر ينبع من جبال الأطلس على تخوم مدينة تازه ودبدو ، ولكنه أقرب إلى دبدو. ويمر في سهول قاحلة ومتجففة تدعى تيرست وطفراته ، وبعد ذلك يصب في نهر الملوية (١٧).

__________________

(١٥) نحن لا نعرف ما كان يمثله الوسق في ذلك العصر ، وهي وحدة وزن يترجمها المؤلف بكلمة سوما الايطالية أي الحمل. ولكننا نعرف من جهة أخرى أنه من فترة رخاء في القرن السادس عشر كان الوسق من القمح يساوي في مراكش ربع مثقال. وحمل الجمل في «سوس» كان يزن ٢٣٧ كغم ، وسعر القمح في فاس كان كل مائة كيلو جرام منه تساوي فرنكين دهبا. فلو استخدمت الوسيلة التي يصفها الوزان وهي النفل بطريق الماء لبلغ ثمن هذه الكمية اقل من فرنك ونصف فرنك من الذهب.

(١٦) أو العرايش.

(١٧) هذا الوصف غير صحيح ، فنهر الملولو هو رافد أيسر لنهر الملويّة في حين ان سهل طفراته يقع على الضفة اليمنى. أما اسم نيرست فيبدو أنه قد اختفى من المنطقة.

٦٢٥

الملويّة

الملويّة نهر كبير ينبع في جبال الأطلس في منطقة الحوز على مسافة خمسة وعشرين ميلا من مدينة غارسلوين (١٨). ويخترق هذا النهر من البداية بعض السهول القاحلة والمتجففة ثم يدخل في سهل أسوأ من هذه كثيرا ، بين صحراء أنجاد وصحراء غارت. ويمر من سفح جبل بنيّ سناسن ويدخل في البحر المتوسط غير بعيد عن مدينة غساسة (١٩). وفي الصيف يمكن عبور هذا النهر خوضا على كل طول مجراه ، ويوجد فيه قرب البحر سمكا ممتازا.

زاء

الزاء نهر ينبع من الاطلس ويحري في سهل صحراء أنجاد ، على تخم مملكتي فاس وتلمسان. ولم أر مطلقا سرير هذا النهر مليئا ، ولكنه متعمق كثيرا. ويوجد الكثير من السمك في زاء بيد أن اهل المنطقة ، وهم جهلة ، لا يستطيعون صيدها لسببين :

أولا لأنهم لا يملكون وسائل صيد ، والثاني لأن ماء النهر صاف تماما ، ولذلك لا يصلح أبدا للصيد.

التافنة

التافنة نهر هو أقرب إلى الصغر وينشأ من جبال واقعة على تخوم نوميديا ويجري نحو الشمال عبر صحراء أنجاد إلى أن يدخل في البحر المتوسط. ويمر على مسافة خمسة عشر ميلا من تلمسان (٢٠). ولا يوجد في هذا النهر سوى أسماك غاية في الصغر لا قيمة لها مطلقا.

__________________

(١٨) يقع نبع الملوية على مسافة تزيد على ١٠٠ كم إلى الغرب. ويمر هذا النهر على مسافة ٨٠ كم شمال غارسلوين ، على واد زيز.

(١٩) غساسة على الساحل الغربي لشبه جزيرة الشوكات الثلاث ، وعلى مسافة ٨٠ كم تقريبا غرب مصب نهر الملوية.

(٢٠) الحقيقة على مسافة ٣٠ كم أو ١٩ ميلا.

٦٢٦

المينا

المينا نهر كبير نوعا ما يهبط من الجبال المجاورة لتكدمت ويمر من سهل مدينة البطحة. ثم ينطلق نحو الشمال إلى أن يصب في البحر المتوسط (٢١).

الشلف

الشلف نهر كبير يتولد في جبال الورسنيس (٢٢) ويهبط عبر سهول خاوية تقع على تخوم مملكتي تلمسان وتينس. ويتابع مجراه إلى أن يصب في البحر المتوسط فاصلا بلدة تدعى مازغران عن مدينة مستغانم (٢٣) ، ويصاد في مصب هذا النهر كمية كبيرة من سمك غاية في الجودة ، بين كبير وصغير.

الشفة

وهو نهر ليس بالطويل كثيرا. وينبع من الأطلس ويجري في سهل يدعى المتيّجة المجاور لمدينة الجزائر. ويصب في البحر المتوسط قرب مدينة قديمة تدعى تامندفوست (٢٤).

النهر المسمّى الكبير (٢٥)

ينبع هذا النهر من الجبال التي تحاذي إقليم الزاب. ويهبط من بين جبال عالية جدا إلى أن يصب في البحر المتوسط على مسافة ثلاثة أميال (٢٦) من بجاية. وليس له من فيضان إلّا في زمن المطر والثلج. وليس من عادة صيادي بجاية الصيد فيه لأن لديهم البحر بجوارهم مباشرة.

__________________

(٢١) وهذا خطأ لأن المينا هو رافد للشلف.

(٢٢) وكانت في الماضي الونشريس.

(٢٣) الواقع لا يمر الشلف بين مازغران ومستغانم ، بل يصب في البحر شمال هذه المدينة وتلك.

(٢٤) يصب نهر الشفة في البحر غرب مدينة الجزائر تحت إسم وادي مازفران. أما الوادي الذي يقع مصبه قرب أطلال المستعمرة الرومانية روسغونيا ، أو تامندفوست البربرية فيدعي واد الحميز.

(٢٥) الوادي الكبير واسمه الآن الصمّام.

(٢٦) ٥ كم.

٦٢٧

سوفغمار (٢٧)

ينبع هذا النهر من الجبال التي تتاخم جبال الاوراس ويهبط عبر بريّة متجففة كي يجري في أراضي إقليم قسنطينة. وهنا يمر من تحت الأرض ويجتمع بنهر آخر. ثم يذهب نحو الشمال ، تارة بين التلال ، وتارة بين الجبال ، إلى أن يصب في البحر المتوسط بعد أن فصل كورة مدينة القالة عن كورة قصر جيجل (٢٨).

نهر إيدوغ (٢٩)

وهو نهر ليس بالكبير. وينبع من بعض الجبال المجاورة لمدينة قسنطينة ويجرى بين جبال ، نحو الشرق ، إلى أن يصب في البحر المتوسط قرب عنابة (٣٠).

وادي البربر

ينبع هذا النهر من بعض جبال تتاخم كورة مدينة الاربص. ويجري دوما بين تلال وجبال ، ومجراه شديد التعرج حتى أن المسافرين الذين يقصدون تونس من عنابة يضطرون لعبوره حوالي خمس وعشرين مرة ، بينما لا توجد قنطرة عليه ولا مركب. ويصب أخيرا فى البحر المتوسط قرب ميناء خال يدعى طبرقة ، على مسافة خمسة عشر ميلا من باجة (٣١).

__________________

(٢٧) نهر الرمل.

(٢٨) ذكر المؤلف ، فى القسم الخامس ، اسم سوفغمار علىّ اعتباره اسم ذلك النهر ، وربما نهر الرمل ، مع أنه لم يذكر أنه ينبع من طرف جبال الاوراس. أما النهر الصغير المقصود هنا فالمعتقد أنه بومرزوق الذي يلتقي فعلا بنهر الرمل فى عالية خوانق قسنطينة وليس فى سافلتها.

(٢٩) نهر ايدوغ واسمه الحالي نهر السيبوز.

(٣٠) يحمل هذا النهر فى أيامنا إسم السيبوز ، وهي كتابة محرّفة عن اسم سبوز ، أى حيث كانت تقع أطلال مدينة هيبونة الرومانية. أما أدوغ فهو الجبل الذى يطل على عنابة من الغرب. من المحتمل أن المؤلف قد تعرض هنا إلى التباس.

(٣١) لقد كان النهر الصغير الساحلي الذي يقع مصبه عند طبرقة ، والذى يدعى حاليا الوادى الكبير ، كان يحمل اسم وادى البربر. ولكن النهر الذى ينبع في منطقة الأربص هو نهر تسّه ، الرافد الأيمن للمجردة. والنهر الذى يجب اجتيازه خمس وعشرين مرة على طريق تونس ـ عنابة لا يمكن أن يكون غير المجرّدة فى مجراه الجبلى.

٦٢٨

المجردة

المجردة (٣٢) نهر كبير جدا ينبع من الجبال التي تتاخم إقليم الزاب ، قرب مدينة تبسّة (٣٣). ويتجه هذا النهر نحو الشمال إلى أن يصب في البحر المتوسط في المكان المسمى غار الملح ، على مسافة أربعين ميلا من تونس. وتغزر مياهه كثيرا في موسم الأمطار ، حتى ان التجار والمسافرين يضطرون الانتظار يومين أو ثلاثة كي تنخفض مياهه ، إذ لا يوجد هنا أي مركب ، كما أن هذا الممر يقع على مسافة ستة أميال من تونس. ويمكننا أن نحكم من هذا الواقع على قلة قيمة الأفارقة ، وعلى هزال ذكائهم ، وعلى قلة حماسهم في العمل.

نهر قابس

وهو مجرى مائي يولد في صحراء ، نحو الجنوب ، وينحدر بين سهول رملية إلى أن يدخل في البحر المتوسط قرب مدينة قابس. ولمائه طعم الكبريت وهو حار جدا. ويجب تركه ليبرد مدة ساعة كي يمكن شربه.

تلك هي الأنهار التي تستحق الذكر في بلاد البربر. وهناك أنهار كثيرة أخرى هامة لن نتكلم عنها في هذا الكتاب الصغير كيلا أكون مفرطا في الإطناب في سرد أشياء غير معروفة. وسنتابع الآن كلامنا عن أنهار نوميديا.

السوس

السوس نهر كبير ينبع من جبال الأطلس ، أي من الجبال التي تفصل منطقة حاحة عن منطقة السوس. وينحدر نحو الجنوب بين هذه الجبال ويجري في براري منطقة السوس ، ثم يجري غربا إلى أن يدخل في المحيط قرب بلدة تدعى آغادير. وفي الشتاء تعزر مياهه كثيرا حتى أنه يجرف الكثير من التراب الهشّ ، ولكن مستوى مياهه يهبط في الصيف حتى ليمكن عبوره خوضا بسهولة في بعض الأمكنة.

__________________

(٣٢) وهو نهر بغرادة عند الرومان.

(٣٣) إن نهر الملّاق هو الذي ينبع قرب تبسّه ويصب بعدئذ في المجردة.

٦٢٩

الدرعة

وهو نهر ينبع من جبال الأطلس عند تخوم هسكورة ويهبط نحو الجنوب عبر إقليم الدرعة. ثم يمر في الصحراء ناشرا ماءه عبر برّية ينمو فيها الكثير من العشب فى الربيع ، ويأتي إليها العرب المجاورون لرعي إبلهم. ولكنهم كثيرا ما يحتربون على هذه المراعي ويقتتلون.

وفي الصيف يصبح هذا النهر جافا حتى ليمكن اجتيازه مع الاحتفاظ بالأحذية. ولكن تغزر مياهه في الشتاء حتى ليتعذر عبوره بأية وسيلة كانت ، حتى بالقوارب. وعندما يكون الطقس حارا يغدو ماء هذا النهر ساخنا.

زيز

ينبع الزيز من الأطلس ، من جبال تسكنها قبائل زناقة. ويجرى نحو الجنوب بين جبال عديدة ويمر من قرب مدينة تدعى غار سلوين. ويستمر فيما بعد عبر كورة خانق ، ومتغارة ، ورطب. ويدخل في أراضي مدينة سجلماسة ، ويمر بين أراض زراعية ويجري قرب قصر السغيلة (٣٤). ثم يؤلف بحيرة وسط الرمل ، حيث لا نجد أى مسكن (٣٥) ، ولكن للقنّاصة العرب عادة التردد على المناطق المجاورة لهذه البحيرة حيث يحصلون على صيد وفير للغاية.

غير

غير نهر ينبع أيضا من الأطلس ويجري نحو الجنوب عبر صحارى ، ثم يمر من منطقة مأهولة تدعى بني قومي (٣٦) وبعد ذلك يعود للصحراء وينتهي به الأمر أن يتحول هو أيضا إلى بحيرة وسط الصحراء (٣٧).

__________________

(٣٤) السغيلة ، قصر غير معروف المكان.

(٣٥) لم تذهب ذكرى هذه البحيرة بعد من هذه المنطقة.

(٣٦) الحقيقة هي أن بني قومي يسكنون على ضفاف زوزفانه قبل التقائه بوادي غير عند إيغلي ، حيث يتخذ الواديان المتحدان اسم وادي الساورة.

(٣٧) لقد اختفت هذه البحيرة منذ زمن طويل بسبب زحف الرمال في المنطقة.

٦٣٠

لقد تكلمت لكم مسبقا عن النهر الذي يسميه بطليموس النيجر في القسم الأول من هذا الكتاب في معرض كلامي عن تقسيمات افريقيا.

* * *

نهر النيل الكبير

إن جميع ما يتعلق بالنيل ومجراه لظواهر ذات أهمية بالغة وإعجاب شديد. ويمكن قول نفس الشيء بالنسبة للحيوانات التي توجد في هذا النهر ، كخيول البحر وعجول البحر ، والتماسيح العديدة جدا والشديدة الضراوة ، كما سبق أن قلنا في الفصل المتعلق بالنيجر وكما سنقوله في الفصل المخصص للحيوانات الغريبة في افريقيا.

ولم تكن التماسيح في عصر المصريين والرومان تحدث من الأضرار مثل ما تصنعه اليوم. ولكنها أصبحت رهيبة أكثر منذ أن احتل المسلمون مصر. ويروى المسعودي (٣٨) في كتابه عن الاكتشافات الرائعة فى الأزمنة الحديثة ، في عصر كان فيه أحمد بن طولون واليا على مصر بإسم جعفر المتوكل ، خليفة بغداد ، في عام ٢٧٠ هجرية ، وذلك عندما عثر على تمساح من رصاص ، له نفس حجم أحد هذه الحيوانات ، وكان تظهر عليه حروف مصرية (٣٩). وقد تم اكتشاف هذا التمثال في أساسات معبد وثني. وقام الحاكم بإتلافه ، وفي نفس العام ، أخذت التماسيح تعيث فسادا وتحدث أضرارا كبيرة ، ولقد ساد الاعتقاد بأن هذا التمساح قد صنع تحت بعض الاقترانات الكوكبية والسحرية لاتقاء شرور هذه الحيوانات. لكن ما يبدو أقرب للخوارق هو أن التماسيح التي تعيش في النيل بين القاهرة والبحر لا تقوم بأى أذى فى حين أن تلك التي توجد في عالية القاهرة تقتل الناس وتحدث الكثير من الأضرار المادية.

__________________

(٣٨) هو ابو الحسن علي المسعودي ، المتوفي حوالي سنة ٩٨٥ م ، ومؤلف كتاب يقع في ثلاثين مجلدا هو «أخبار الزمان ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الدائرة» وهو مؤلف ضخم لم يصلنا منه سوى بعض أجزائه. [العنوان الأصلي لكتاب المسعودي الكبير في التاريخ هو «مروج الذهب ...» (المراجع)].

(٣٩) هو ابو العباس احمد بن طولون. وقد استلم وظائفه حاكما على مصر في ١٥ ايلول (سبتمبر) ٨٦٨ م باسم الخليفة زبير المعتز الذي كان أباه الخليفة جعفر المتوكل قد اغتيل في ١٠ كانون الأول (ديسمبر) ٨٦١ م. وتوفي احمد بن طولون فى رمضان ٢٧٠ ه‍ ١ آذار (مارس) ٨٨٤ م.

٦٣١

ويستمر فيضان النيل أربعين يوما في مصر وذلك ابتداء من السابع عشر من حزيران (يونية) ، وتستمر التحاريق أربعين يوما أيضا (٤٠) وقبل أن يصل إلى مصر يستغرق الفيضان كل شهر أيار (مايو) وقسما من حزيران (يونية) كي ينزل إلى مجرى النيل (٤١). وتوجد آراء مختلفة حول موضوع أصل النيل. فالبعض يقولون أنه يأتي من جبل يدعى جبل القمر. ويدّعي آخرون أنه ينبع في سهول مهجورة في حضيض هذا الجبل ، عن طريق بضعة ينابيع شديدة التباعد بعضها عن بعض. ويؤكد أنصار الرأي الأول أن النهر يهبط من الجبل مع عنفوان شديد حتى أنه ليدخل تحت الأرض ويخرج منها بعدئذ بواسطة عيون مختلفة. ولكن هذين الرأيين ليسا أكثر من افتراضين إذ لم ير أحد أبدا شيئا من ذلك ولا يزال من غير الممكن رؤية ذلك عيانا.

بيد أن تجار الحبشة الذين يزاولون التجارة في دنقلة يقولون أن النيل يزداد عرضا في الجنوب حتى إنه ليصبح بحيرة ، وحتى ليتعذر تماما معرفة معالم مجراه. ويتشعب في الجنوب كذلك إلى فروع لا تحصى تجري بين هذه القيعان الضحلة وتنتشر من الشرق إلى الغرب فتمنع الناس من تجاوز المجاري الأصلية للنهر.

ويؤكد الكثير من الأحباش الذين ينتجعون في هذه الأرجاء كالعرب ، أن بعضا منهم فقدوا جمالا في موسم اللقاح ، وأنهم ذهبوا للبحث عنها جنوبا على مسافة ألف ميل (٤٢) ولم يروا شيئا آخر من النيل سوى زمرة من بحيرات صغيرة ومن فروع كثيرة ، ووجدوا جبالا كبيرة جافة وخاوية. ويسرد نفس المؤرخ ، أي المسعودي ، أنه يعيش في هذه الجبال متوحشون يركضون كالوعول ويأكلون العشب ويعيشون في الصحاري كالحيوانات المفترسة. ولكن ربما كان في ذلك بعض الأكاذيب المشهورة ، من بين

__________________

(٤٠) يبدأ الفيضان في القاهرة فقط ، في ١٧ حزبران (يونية) كما أن نظام النيل يختلف عما يذكره لنا المؤلف ، كما رأينا ، ويدّعي أن هذا الواقع يعود إلى كثرة الأمطار في ايثيوبيا في بداية أيار (مايو). والحقيقة في شباط (فبراير) وفي آذار (مارس) تتضافر الأمطار وذوبان الثلوج في منطقة البحيرات الاستوائية على تشكيل كتل الماء التي تؤلف الفيضان ، والذي يستغرق بضعة أشهر ريثما يصل إلى مصر.

(٤١) بتاريخ ٢٦ نيسان (ابريل) يبدأ النيل الأزرق القادم من الحبشة فيضانه في الخرطوم ، وفي ١٩ أيار (مايو) يأتي النيل الأبيض القادم من البحيرات الكبرى الاستوائية ليضم موجته عند الخرطوم. وفي ١٧ أيار (مايو) يصل الفيضان إلى دنقلة ، وفي ٢٩ أيار (مايو) يصل إلى أسوان. ويستغرق الفيضان ٥٢ يوما كي يقطع مسافة ٢٧٥٩ كم التي تفصل الخرطوم عن القاهرة.

(٤٢) ١٦٠٠ كم.

٦٣٢

أكاذيب أخرى أضعفت الثقة في مسائل هذا الكتاب. ويقول أيضا أنه يوجد فى هذه الجبال أحجار الزمرد وهذا ربما كان صحيحا. ولو سردنا كل ما قاله الجغرافيون عن النيل ، إذن لأصيب كل الناس بالدهشة والتعجب. ومن المحتمل ألّا يصدّقوا ذلك. ولهذا لن نتعرض لذلك بشيء كيلا يضيع الوقت في أمور غير موثوق بها.

* * *

عن الحيوانات

لننتقل الآن إلى الحيوانات. وليس لديّ النية الكلام عن كل الحيوانات الموجودة في افريقيا. لأن هذا سيكون حقا أمرا يكاد يكون مستحيلا ، ولكن سنقتصر فى كلامنا على تلك التي لا توجد في أوروبا. أو تختلف ببعض خصائص عن نظائرها في أوروبا. وسأتعرض بالتعاقب للحيوانات الأرضية ، فالحيوانات المائية ، فالحيوانات الطائرة. وسأغفل كثيرا من الأشياء التي كتبها بلين المؤرخ ، الذي كان عالما فريدا فى مكانته. غير أنه ارتكب أخطاء عن بعض الأشياء الصغيرة في افريقيا. ولم يكن ذلك خطؤه ، بل خطأ الذين أخبروه من المؤلفين الذين كتبوا قبله ، كما يقول المثل العامي العربي «ما هو الوسخ الذي يسببه تبول طفل في مياه البحر؟».

الفيل

الفيل حيوان وحشي ، ولكنه قادر على التعلم. ويوجد عدد كبير من هذه الحيوانات في غابات بلاد السودان. وعند ما تتصادف مع انسان فهي تتحاشاه وتخلي له المكان ، ولكن إذا أثارها ، امسكته بخرطومها الطويل ، ورفعته في الهواء ثم رمته على الأرض وتدوسه إلى أن تتركه ميتا. وعلى الرغم من أن الفيل حيوان ضخم وشرس فإن صيادي الحبشة يصطادون الكثير منه بالطريقة التالية :

يذهبون إلى الغابات الكثيفة حيث يعرفون ان هذه الحيوانات تستريح فيها خلال الليل. وهنا يصنعون بين الأشجار حظيرة مؤلفة من أغصان قوية تشكل زريبة منيعة ، ولكنهم يتركون فيها مساحة صغيرة فارغة ، ويربطون بها بابا يتركونه ممّددا على الأرض ، ويستطيعون رفعه بحبل لإغلاق الممر بسرعة. وعند ما يدخل الفيل لينام في الزريبة يشدّون الحبل بقوة فيصبح الحيوان سجينا. وعندئذ ينزل الصيادون من

٦٣٣

الأشجار ويقتلون الفيل بالسهام ثم يأخذون أنيابه لبيعها. ولكن إذا نجا الفيل من الزريبة فهو يقتل جميع من يراهم من الرجال.

ويوجد في الهند وفي الحبشة العليا طريقة أخرى للصيد سأغفل ذكرها.

الزراف

هذا الحيوان وحشي حتى ليكون من النادر أن يتمكن أحد من رؤيته ، لأنه يختفي في الغابات وفي الصحاري حيث لا توجد حيوانات أخرى. وعند ما يرى البشر يهرب ولكنه ليس سريعا في عدوه. وله رأس جمل ، وأذني ثور وقوائم .. (٤٣) ولا يحاول الصيادون صيد الزرافات الكبيرة ، بل يقصدون الغابات بحثا عن الصغار وهي في كناسها.

الجمل

الجمل حيوان أهلي هادىء ، وتوجد مقادير كبيرة منه في افريقيا ، وخاصة في صحاري نوميديا ، وليبيا ، وحتى في بلاد البربر. وتؤلف الجمال ثروة العرب وارزاقهم. وعند ما يريد أحدهم الكلام عن ثروة أمير أو شريف عربي يقول عادة : «لدى فلان كذا من آلاف الإبل» ولا يقال أبدا : «لديه كذا من الدنانير أو كذلك من الأملاك».

وكل العرب الذين يملكون إبلاهم أمراء يعيشون أحرارا ، لأنهم يستطيعون مع هذه الحيوانات البقاء في الصحاري حيث لا يقدر ملك أو أمير أن يذهب إليها بسبب الجفاف.

وتوجد هذه الحيوانات في كل أجزاء العالم ، في آسيا ، في افريقيا ، وحتى في اوروبا (٤٤). ففي آسيا تستخدمه جماعات التتر والاكراد والديلم (٤٥) والتركمان ،

__________________

(٤٣) هنا ابيض. وقد ترجمه تامبورال «آذار وقوائم ثور ...»

(٤٤) لم تصل أنباء اكتشاف امريكا إلى مسامع الحسن الوزان علما بأنه كان يكتب هذه الأسطر بعد مضي أكثر من ثلث قرن من وصول كولومب إلى القارة الجديدة.

(٤٥) سكان الديلم وجيلان من العرب ، ومازانديران من الفرس ، والديلم كتلة جبلية تطيف ببحر قزوين من الجنوب.

٦٣٤

كما يوجد لدى أمراء الترك في أوروبا ويستخدمونه في قوافلهم ، وكذلك الحال في افريقيا بالنسبة للعرب وسكان صحراء ليبيا ، كما يقتنى الملوك منها لنقل الأقوات والمتاع.

ولكن جمال افريقيا أفضل من جمال آسيا لأنها تحمل الوسق خلال أربعين أو خمسين يوما دون أن يكون من الضروري تقديم ما تأكله عند المساء : بل تحط عنها الرحال ويطلق سراحها لكي ترعى في البرية قليلا من العشب ، ومن الأشواك ، وبعض الأغصان. ولا يمكن عمل ذلك مع جمال آسيا.

وللذهاب في رحلة ما يجب أن يكون الجمل سمينا تماما. وقد أظهرت التجربة أن الجمل عند ما يسافر مدة خمسة أيام حاملا وسقه بدون طعام ، يختفي منه أولا شحم سنامه ، وبعد خمسة أيام أخرى يفقد شحم بطنه ، وبعد خمسة أيام أخريات يخسر شحم فخذيه ، وعند ما يفقد كل شحمه ، لا يستطيع أن يحمل مائة رطل (٤٦). ولهذا يعمد التجار الذين يستخدمون الجمال في آسيا إلى إعطائها في كل مساء نصيبا من العلف ، مما يضطرهم إلى أن يقتادوا مع كل جمل جملا آخر ينقل الأعلاف. وبهذا الأسلوب نجد الجمال ، في قوافل آسيا ، تمشي دوما وهي محمّلة ، سواء في الذهاب أو في العودة ، غير أنها تظل مع ذلك سمينة ، مع أنها تضاعف الرحلة. غير أن التجار الأفارقة الذين يقصدون ايثيوبيا (٤٧) لا يشغلون بالهم بالعودة ، لأن حيواناتهم تعود بلا حمل ، لأن ما يجلب من ايثيوبيا لا وزن كبيرا له بالقياس إلى ما حمل إليها. ويؤدى ذلك إلى أن تصبح الجمال هزيلة ، وتصبح ظهورها مليئة بالفروح عند ما تصل الى اثيبويا وعندئذ تباع ببعض الدنانير إلى أهل الصحراء الذين يجهدون فى إعادتها لحالتها الأولى.

ولا يحتاج التجار لعودتهم إلى نوميديا أو إلى بلاد البربر إلا لعدد قليل من الحيوانات معدّة لحملهم ولنقل الأقوات والذهب وبعض الأشياء الخفيفة

وهناك ثلاثة أصناف من الإبل. فجمال النوع الأول تدعى الهجن (٤٨) وهى

__________________

(٤٦) ٣٤ كغم.

(٤٧) أي السودان جنوبي الصحراء الكبرى ، أو افريقيا الغربية.

(٤٨) جمع هجين ، أي جمل من نوعية دنيا ، في حين أن الجمل الأصيل يحمل أيضا اسم هجان ومنها جاءت كلمة هجّان أو مهاري في المغرب ، والذي ورد في الكتاب السابق كناية عن البريد السريع.

٦٣٥

رشيقة القوام وغليظة ، وهي حيوانات حمل ممتازة ، ولكنها لا تستطيع أن تحمل حملا قبل سن الرابعة من عمرها. وحينئذ يصبح أضعفها قادرا على حمل ألف رطل ، من أوزان إيطاليا (٤٩). ولتحميله تضرب ركبته وعنقه ضربة خفيفة بعصا صغيرة ، فيبرك حالا على الأرض بغريزته الطبيعية. وعند ما يشعر الجمل أن الوزن الذي صار عليه كافيا بالنسبة له ، ينهض. ومن عادة الأفارقة الذين يرغبون في الاحتفاظ بمزايا حمالهم أن يخصوها ، فلا يتركون اكثر من ذكر واحد لكل عشر من الإناث.

أما الجمل من النوع الثاني فيدعى البختي (٥٠) ، ولهذا الجمل سنامان ، وهذا النوع كالسابق يصلح للأثقال أو للركوب ، ولكنه لا يوجد إلّا في آسيا ، وتدعى جمال الصنف الثالث رواحل (٥١). وهي رقيقة الجسم ، دقيقة الأطراف ولا تصلح لغير الركوب. ولكنها سريعة جدا. ويستطيع الكثير منها أن يقطع بالفعل مائة ميل في يوم واحد (٥٢) ، وحتى اكثر من ذلك مع محافظة على هذه المسيرة خلال ثمانية أو عشرة أيام في الصحراء ومع أقوات زهيدة. ويستخدم كل الزعماء بين عرب نوميديا ومن أفارقة ليبيا هذه الحيوانات مطايا لهم. وعند ما يريد ملك تومبوكتو نقل معلومات هامة لتجار نوميديا ، فإنه يرسل خطابه بواسطة ساع يركب أحد هذه الجمال التي تقطع مسافة تسعمائة ميل (٥٣) بين تومبوكتو والدرعة أو سجلماسة في ستة أيام أو ثمانية. ولكن مما لا غنى عنه أن يكون لدى الرجال المكلفين بمثل هذه المهمات خبرة كبيرة بالصحراء. ويطلبون خمسمائة دينار للقيام بهذه الرحلة ذهابا وإيابا.

ويحل موسم لقاح الإبل في بداية الشتاء (٥٤). وفي هذا الحين لا تتقاتل فيما بينها فحسب ، بل تهاجم باستماتة الرجال الذين أساءوا معاملتها ، لأنها تتذكر عندئذ كل

__________________

(٤٩) ٣٤٠ كغم.

(٥٠) البختي ، وجمعها بخاتي أي من بلاد بكتريان ، أي بلاد ما وراء النهر «أو تركستان السوفياتية حاليا» (المترجم).

(٥١) رواحل ، جمع راحلة ، أي حيوان السفر أو جمل القتب ، وفي أيامنا تدعى المهارة ، ومفردها مهاري ، ومنها الجندي المهاري في المغرب أو الهجّان في المشرق.

(٥٢) ١٦٠ كم. ولا يمكن أن يستمر هذا النسق من السرعة اكثر من ثلاثة أو أربعة أيام وعلى حيوانات ممتازة. وإذا بذل الحيوان جهدا متواصلا أكثر فقد يؤدي ذلك غالبا إلى موت الحيوان ـ ه. ل.H.L hote.

(٥٣) ١٤٤٠ كم ، لا يمكن قطع مسافة كهذه من الزمن المذكور إلّا بتبديل المطيّة عدة مرات ، ومن ناحية أخرى فإن القليل من الرجال هم الذين يستطيعون بذل مثل هذا المجهود ، وتبدو كل هذه الفقرة مبالغة. ه. ل H.L hote

(٥٤) أي نزوان ذكورها على إناثها.

٦٣٦

دقيقة تلقّت فيها ضربات من صاحبها. وعند ما تأخذ أحدا بين أسنانها فهي تدعه يسقط ثم تدوسه بعنف بمقدمة قوائمها. ولا تظل في حالة الهيجان هذه سوى أربعين يوما وتعود لهدوئها بعدئذ. وتتحمل هذه الحيوانات العطش وتصبر على الجوع. فهى تستطيع أن تبقى مدة خمسة عشر يوما دون شراب ودون أن يؤذيها ذلك. وإذا سقى أحد هذه الإبل مرة كل ثلاثة أيام ، فإن هذا سيؤذيها ، لأنها اعتادت ألّا تشرب إلّا كل خمسة أيام أو مرة كل تسعة أيام. وتستطيع أن تبقى منتظرة مدة خمسة عشر يوما إذا اقتضت الضرورة ذلك. ولدى الجمال حساسية عاطفية طبيعية وتملك بعض العواطف الانسانية. وعند ما يحدث للذين يقودونها على الطريق بين ايثيوبيا وبلاد البربر أن يضطروا في بعض المرات أن يتوقفوا في مرحلة اكثر من العادة ، وعند ما يرون أن جمالهم لا تريد السير لأبعد من ذلك ، فلا يضطروها للمشي بضربات العصي ، بل ينشدون لها بعض الألحان الخاصة. وتشعر عندها هذه الحيوانات بسرور كبير حتى أنها تتابع طريقها بسرعة تفوق سرعة حصان مدفوع بالسوط أو بالمهماز ، وبسرعة تجعل رجال القافلة يجدون صعوبة في اللحاق بها.

وقد رأيت في القاهرة جمالا ترقص على نغمات الطبل. وقد شرح لي صاحبه كيف درّبه. وإليك ما فام به. فقد اختار قعودا وحبسه مدة نصف ساعة في غرفة مبنيّة كأنها غرفة حمّام ، وكانت أرضيتها مدّفأة بواسطة موقد. وفي خلال هذا الوقت كان يقف الرجل خارج الحجرة ويلعب بدقّ الطبل. وكان الجمل يرفع رجلا ويخفض أخرى ، كما لو كان يرقص ولكن ليس بسبب هذه الموسيقى بل بسبب السخونة التي كانت تؤلمه. وبعد عشرة أشهر أو سنة من هذا الترويض ، قاد الرجل هذا الجمل إلى الساحة العامة ، وما أن يسمع هذا قرعات الطبل ، حتى يظن أنه فوق الأرض التي كان عليها وذلك بسبب تذكّره حرارة النار التي كان تلسع خفّيه ، فيروح يرفع قوائمه بنفس الطريقة ، حتى ليبدو وكأنه يرقص. وبما أن العادة طبع ثان ، فإن الجمل لن ينس مطلقا هذه العادة المذكورة.

ويمكنني قول الكثير من الأشياء عن الجمل وسأضرب عنها صفحا كيلا أكون مملا.

٦٣٧

٦٣٨

٦٣٩

الحصان العربي

تدعى هذه الخيول فى ايطاليا «البربرى» وكذلك الحال فى كا أوروبا (٥٥) ، لأنها تأتي من بلاد البربر. وهي من نوع يولد في هذه البلاد. والذين يعتقدون أنها من عرق خاص ينخدعون لأن الخيول العادية فى بلاد البربر هي كالأخرى فى البلاد الخارجية. ولكن سواء كنا فى بلاد الشام ، أم فى مصر ، أو في بلاد العرب الصحراوية ، أو السعيدة ، أو فى آسيا ، فإن الخيول الرشيقة والسريعة تدعى باللغة العربية الخيل العراب. ويرى المؤرخون أن هذا النوع نتج عن خيول متوحشة كانت تتيه فى صحاري جزيرة العرب ، وأن العرب هم الذين عملوا على تأهيلها منذ أيام إسماعيل ، حتى ان عدد هذه الحيوانات تزايد وانتشرت فى كل افريقيا. وأرى أن هذا الرأى مؤكد لأننا لا نزال ، فى العصر الحالي ، نرى بعض هذه الخيول الوحشية فى صحارى جزيرة العرب ، وفي بعض الصحارى الإفريقية ، وقد رأيت أنا نفسى فى صحراء نوميديا ، فى أثناء رحلتي الثانية التي قمت بها ، مهرا عمره سنة ونصف ، كان أبيض اللون وكانت له ذؤابة منتصبة ، مع وجه حيوان وحشى ، ولم يكن يبعد عنى اكثر من رميتى حجر

والامتحان الرئيسي لسرعة هذه الخيول هو الجري خلف حيوان يدعى اللمت أو خلف نعامة. وعند ما يتمكن الحصان من اللحاق بأحد هذين الحيوانين يقدر ثمنه بألف دينار أو بمائة بعير.

ولا يوجد الكثير من الخيول العربية في بلاد البربر ، ولكن عرب الصحراء وسكان ليبيا يربّون الكثير منها ولا يستخدمونها للسفر ولا للحرب بل للصيد فحسب. ولا يقدمون لها شيئا سوى حليب الناقة مرتين في الليل وفي النهار. وبذلك يبقون عليها خفيفة متحفزة على الرغم من أنها تبدو ضامرة. وفي موسم المراعي يتركونها ترعى العشب ولكن لا يركبونها في ذلك الوقت.

أما الخيول التي يملكها ملوك البربر فهي ليست بمثل هذه السرعة في السباق ، ولكنها أكثر جمالا بكثير ، وأكثر اكتنازا ، لأنهم يقدمون لها علفها من الغلال. وبهذه الخيول يطلبون النجاة عند ما يكون عليهم التخلص من مطاردة أعدائهم.

__________________

(٥٥) وقد تفوقت كلمة «بارب» في فرنسا.

٦٤٠