وصف إفريقيا

ابن الوزّان الزيّاتي

وصف إفريقيا

المؤلف:

ابن الوزّان الزيّاتي


المترجم: د. عبدالرحمن حميدة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥

قليل من الشعير الذي يتغذى به السكان.

غار الغار

وهي أرض تظهر فيها حفريات عديدة ذات اتساع كبير. ويظّن أن الحجارة التي استخدمت في بناء طرابلس القديمة قد اقتلعت من هذه الحفر ، لأن هذا الموقع قريب منها (٢١٦).

صرمان (٢١٧)

هي قرية كبيرة آهلة بالسكان ، قرب طرابلس القديمة ، وتكثر فيها التمور ، ولكن لا ينبت في أرضها غير الشعير.

زاوية ابن يربوع (٢١٨)

هي قرية أخرى لا تبعد كثيرا عن البحر ، ينبت فيها القليل من القمح. ويسكنها نساك. ويظهر فيها كثير من النخيل.

جنزور (٢١٩)

أو زنزور ، قرية قريبة من البحر على مسافة اثنى عشر ميلا من طرابلس. وهي مليئة بالصناع وخصيبة جدا بالتمور والرمان والسفرجل. وسكانها فقراء ، وخاصة بعد ان استولى النصارى على طرابلس. غير انهم يمارسون التجارة مع هؤلاء النصارى ويبيعون لهم الفواكه.

عمروس (٢٢٠)

وهي قرية على مسافة ستة أميال من طرابلس في داخل الاراضي. وتضم عددا

__________________

(٢١٦) يجب ان تساعد هذه التوضيحات على التعرف بسهولة على المقالع القديمة وعلى التعرف على اسمها الحالى.

(٢١٧) تقع صرمان على مسافة ١٠ كم شرق صبراتة.

(٢١٨) من المحتمل ان المقصود بها مدينة الزاوية الحالية ، وهى بلدة واقعة على مسافة ٢٠ كم الى الشرق من صرمان والتي كانت تدعى فى الماضي زاوية أولاد سهيل والزاوية الغربية.

(٢١٩) تقع جنزور او زنرور كما يلفظها السكان المحليون ، على مسافة ٣٠ كم شرق الزاوية و ١٦ كم غرب طرابلس.

(٢٢٠) عمروس حديقة نخيل صغيرة على مسافة ١٠ كم تقريبا شرقي طرابلس.

٤٨١

تاجوراء (٢٢١)

تاجورة هي منطقة ريفية على مسافة ثلاثة عشر ميلا تقريبا شرقي طرابلس. وفيها بضع قرى مع حدائق مزروعة بالنخيل وبأشجار مثمرة اخرى. وقد أصبحت هذه المنطقة مزدهرة جدا بعد سقوط طرابلس (٢٢٢) إذ لجأ اليها الكثيرون من سكان هذه المدينة. ولكن يوجد في كل القرى والمداشر المذكورة أناس جهّال ولصوص. ويسكن هؤلاء الناس في أخصاص من سعف النخيل ويتغذون بخبز الشعير وبالبازين. ويخضعون جميعا لملك تونس وللعرب ، باستثناء أولئك الذين يعيشون في البادية.

إقليم مسلّاتة

مسلّاتة إقليم على حافة البحر المتوسط على مسافة خمسة وثلاثين ميلا من طرابلس (٢٢٣). ويحوي بعض القصور والقرى الكثيفة السكان. وأهلها أثرياء. ويوجد بها كثير من النخيل ومن شجر الزيتون. ويعيش أهلها في حرية. وقد اعتادوا أن يختاروا من بينهم رئيسا يحكى صورة الأمير ، ويدبر شئون السلم والحرب مع العرب. وبهذا الإقليم نحو خمسة الف مقاتل.

إقليم مصراتة

مصراتة هي كذلك اقليم على ساحل البحر المتوسط ، وتبعد عن طرابلس بنحو مائة ميل (٢٢٤). وتشتمل على قصور وقرى يقع بعضها في السهل ، ويقع بعضها الآخر في الجبل. وسكانها واسعو الثراء لا يدفعون اية ضريبة. ويزاولون التجارة ، فيأخذون البضائع التي تصل الى البلاد على سفن البنادقة وينقلونها الى نوميديا حيث يقايضون عليها ببضائع تأتي من أثيوبيا ومن السودان وتتمثل في الرقيق ، وقط الزباد

__________________

(٢٢١) أو تاجورة.

(٢٢٢) في كانون الثاني (يناير) ، ١٥١٠ م.

(٢٢٣) في الحقيقة ٦٥ ميلا تقريبا أي حوالي ١٠٤ كم.

(٢٢٤) نحو مائة وثلاثين ميلا ، أي زهاء ٢٠٠ كم.

٤٨٢

والمسك. ويحملون كل ذلك الى تركيا وهكذا يجنون ربحا من رحلة الذهاب ومن رحلة الإياب.

* * *

لقد فرغنا من مملكة تونس وسنتابع الحديث عن صحراء برقه

صحراء برقة

تبدأ هذه الصحراء بكورة مصراتة وتمتد نحو الشرق حتى تخوم الاسكندرية على مسافة تقارب ألف وثلاثمائة ميلا (نحو ٢٠٨٠ كم) ويقارب عرضها مائتي ميل (٢٢٥). وبرقة إقليم صحراوي وقاحل ، ولا يوجد فيها ماء ولا أراض زراعية. وحتى قبل مجيء العرب إلى افريقيا ، كانت هذه الصحراء خالية من السكان (٢٢٦). ولكن حينما جاءها العرب ، استقر أقواهم في المناطق الخصبة ، والذين كانوا أقل منهم بأسا ظلوا في الصحراء ، حفاة عراة يتضورون من الجوع. وهذه الصحراء نائية عن كل منطقة مسكونة ولا ينبت فيها شيء ، حتى إن العرب إذا ما أرادوا الحصول على القمح أو أي شيء ضروري ، لا يحصلون عليه إلا إذا وضعوا أبناءهم رهينة. ويأتيهم القمح وتأتيهم هذه الأشياء عن طريق البحر بواسطة الصقليين الذين يعودون بالرهائن. وما أن يذهب هؤلاء ، حتى ينطلق العرب من جهتهم إلى السلب حتى نوميديا ، وهم أكبر اللصوص وأسوأ الغدّارين في العالم قاطبة. فهم يسلبون الحجاج المساكين والمسافرين. ولما كانوا يظنون أن ضحاياهم ربما يكونون قد ابتلعوا ما يملكونه من نقود وأخفوه في بطونهم عندما اقتربوا من هذه الصحراء ، لذلك يسقونهم الحليب الساخن ، ويهزونهم بعنف ، ويتقاذفونهم في الهواء ، إلى أن يضطر هؤلاء المساكين إلى التقيّؤ ، حتى لتكاد أمعاؤهم تخرج من أفواههم. ويبحث هؤلاء العرب في هذا القيء عما يحتويه من بعض الدنانير ، لأن هؤلاء البهائم الأجلاف يتوهمون أن المسافرين ربما يكونون قد ابتلعوا نقودهم عندما اقتربوا من هذه الصحراء ، كيلا تظهر عليهم فى متاعهم.

__________________

(٢٢٥) ٣٢٠ كم. ربما كان المؤلف يضم تحت هذا الاسم كل المنطقة الساحلية المحدودة جنوبا ببرقة عن طريق القوافل بين بلاد طرابلس ومصر وبواحات أوجلة والجغبوب وسيوه والبحرية.

(٢٢٦) تقول الشواهد التاريخية على خلاف ذلك فمن هذه الشواهد يظهر أن المناطق الصالحة للزراعة فى برقة كانت تتمتع بازدهار نسبي حتى الزحف الهلالي في أواسط القرن الحادي عشر الميلادى.

٤٨٣

٤٨٤

القسم السادس

٤٨٥

٤٨٦

نوميديا

لقد سبق أن قلنا فى القسم الأول من هذا الكتاب أن نوميديا تعتبر أقل أهمية من بلاد البربر لأسباب يوردها الجغرافيون والمؤرخون الأفارقة.

وبعض بلاد نوميديا قريبة جدا من جبال الأطلس. وقد تكلمنا عنها في القسم الثاني من هذا الكتاب الذي يعالج بلاد حاحة وإقليم السوس وإقليم جزولة. وقد ذكرنا في مملكة تونس الحامّة وقابس. ويرى بعضهم أن هاتين البلدتين تنتسبان إلى نوميديا. غير أننا عددناهما في جملة مناطق بلاد البربر لأن بطليموس يضم كل ساحل مملكة تونس في بلاد البربر. وسنتكلم عن الأخرى واحدة فواحدة.

تيسّت : مدينة في نوميديا

هي مدينة صغيرة ، بناها النوميديون في أزمنة سحيقة في القدم على تخوم صحراء ليبيا. ولها جدار سور من الطوب النيء (١). ولا ينبىء مظهرها عن الشيء الكثير ، حتى انها لا تعطي أبدا صفة مدينة متحضرة آمنة. وفيها قرابة أربعمائة أسرة. ولا يوجد حولها سوى مناطق رملية. ويوجد قرب المدينة رقعة صغيرة صالحة للزراعة ، ومزروعة فعلا بالنخيل ، ورقعة أخرى تزرع شعيرا ودخنا يقيم بها السكان أود معيشتهم البائسة. ويدفع هؤلاء الناس جعلا ثقيلا للعرب ، جيرانهم في الصحراء ، ومن عادتهم أن يقوموا برحلات تجارية مع بضائعهم إلى بلاد السودان وإلى جزولة ، حتى إنه لا يمكث في البيوت سوى نصفهم. وهم شديد والقبح وسود تقريبا وليس لهم أي حظ من التعليم. والنساء هن اللواتي يتعلمن ويقمن بدور معلمات المدرسة للفتيات وللفتيان. وعند ما يبلغ الفتية سن الثانية عشرة يشغّلهم أبوهم في مزرعته ، سواء لعزق الارض أو لاستخراج الماء من البئر لريها. والنساء اكثر بدانة من الرجال

__________________

(١) ويقول راموزيو إنها من الحجر الغشيم. وهذه العبارة تعني من حجارة غير متلاحمة بملاط.

٤٨٧

واكثر بياضا منهم. وفيما عدا اللواتي يمارسن التدريس واللواتي يغزلن الصوف ، فإن جميع الباقيات منهن يبقين عاطلات عن العمل ، وايديهن على نطاقاتهن. والفقر هنا من نصيب الجميع. فالماشية نادرة وتتألف من فصيلة الأدمّان (٢) وليس لديهم ثيران ولا أغنام ، وتحرث الأرض بمقرونة تتألف من حصان وجمل. وهي العادة في كل نوميديا (٣).

__________________

(٢) أدمّان. وهو اسم بربري للغنم الصحراوي Ovis Longipes

(٣) على الرغم من ان كل الشارحين قد ذهبوا بدون تردد إلى أن بلدة تيسّت التي يوردها الحسن الوزان هي نفسها تيشيت في صحراء موريتانيا ، فإن من الضروري ان نتقدم في هذا الموضوع برأي يختلف نوعا ما في هذا الصدد عما يذهب اليه هؤلاء فبلدة تيسّت تتفق مع تيشيت فيما يلي :

١ ـ انعزال تيسّت : تبعد ٣٠٠ ميل عن أي مسكن في صحراء ليبيا.

٢ ـ اهمية البلدة ـ ٤٠٠ أسرة ـ كما تبين قصورها استنادا الى ما تبقى منها.

٣ ـ موقعها : على تخوم ليبيا [من الجنوب]. ج ٦ ص ٥.

٤ ـ بها واحة نخيل وزراعة دخن وشعير (ج ٦ ص ٥).

٥ ـ يأتي عرب كمن؟ إلى هذه المنطقة شتاء لقضاء مصالحهم : والشتاء هو حقا الفصل الموائم لبدو شمال الصحراء كي يذهبوا إلى تشيت. ونضيف الى ذلك ان الحوائط التي يذكرها الحسن الوزان (ج ٦ ص ٥) على أنها محيطة بالمدينة لا توجد الآن. ولكن من الممكن أنها كانت موجودة وهدمت منذ القرن السادس عشر الميلادي. ولكن هناك تفاصيل أخرى لا يمكن أن تنطبق على تيشيت :

١ ـ موضع تيشيت إنما هو في نوميديا (شمال الصحراء الكبرى ج ٦ ص ٥) على حين أن من المفروغ منه أن هذه البلدة التي يتحدث عنها الحسن في هذه الفقرة يجب أن تكون موضوعة في ليبيا مثل وادان ، توات ، قوارة ، فزان ، وغدامس.

٢ ـ يقول إن المناطق المجاورة للبلدة التي يتحدث عنها رملية خالصة (ج ٦ ص ٥) على حين أن تيشيت واقعة على بروز عال مؤلف من ضلع.

٣ ـ حراثة : «مع حصان واحد وجمل» (ج ٦ ص ٥) ، في حين ان المحراث مجهول تماما في موريتانيا الحالية. وقد ساهم مارمول (ج ٣ ص ٧٢٦) في هذا الالتباس والبلبلة عند كلامه عن الزيتون ومعاومات أخرى يشك كثيرا في صحتها ، بل تبدو مختلقة (وجود فرقة عسكرية تابعة للشريف ... الخ) ولا سيما وصفه تيست بأنها بلدة في الجنوب المغربي وهي التي سماها الوزان تيّوت. وهذا ما يفسر حيرة رسّامي الخرائط في القرن السادس عشر والسابع عشر الذين وضعوا تيسّت في جنوبي المغرب.

ولم يذهب الحسن الوزان الى تيشيت ، ولكن يظهر أنه حصل على معلومات عن هذه المدينة في أثناء وجوده في منطقة الأطلس الصحراوية ، وحسب أن هذه المدينة هي أقرب للشمال. لأن «الثلاثمائة ميل» التي يذكرها هي في الحقيقة مسافة ١٢٠٠ كم على خط مستقيم والتي تفصل تيشيت عن قوليمين ، وبالتالي جعلها في نوميديا. وهذا الخطأ في الموقع ، المضاف إلى معلومات خاطئة ، هو الذي يفسر الالتباسات التي قام بها مؤلفنا. وعلى كل فإن تيست عنده يقصد بها تيشيت الحقيقية ـ ت. م ، ور. م.R.mauny وTh.monod

٤٨٨

وادان

وادان (٤) قرية واقعة في صحراء نوميديا التي تتاخم ليبيا. ويقطنها سكان حفاة وفقراء. ولا ينبت فيها شيء آخر سوى كمية ضئيلة من النخيل. وليس لدى السكان موارد ، ويعيشون شبه عراة. ولا يجرؤون على الخروج من قريتهم بسبب عداء جيرانهم. ويزاولون الصيد بواسطة الأشراك (٥) فيلقون القبض على بعض الحيوانات الوحشية في هذه المناطق ، مثل اللمت (٦) وطيور النعام. وليس عندهم من لحم غير لحم هذه الحيوانات. وهم يملكون بعض الماعز ، ولكنهم يوبونها لحليبها ، وهم يميلون للسواد اكثر من البياض (٧).

أفران

تتألف أفران (٨) من أربعة قصور بناها النوميديون ، يبعد الواحد عن الآخر مسافة ثلاثة أميال ، مع جدول يجري خلال الشتاء ويجف صيفا. وفي هذه القصور عدة حدائق نخيل. والسكان أغنياء نسبيا لأنهم يتاجرون بسلعهم مع البرتغاليين في ميناء غار تغسّم (٩) حيث يأخذون منهم الأقمشة الخشنة والأقمشة الكتانية ... الخ التي يحملونها إلى بلاد السودان بين ولّاته وتومبوكتو. ويقيم في هذه القصور الكثير من الصناع ، ولا سيما صانعو آنية النحاس ، وهي أدوات رائجة في بلاد السودان. ويعود هذا إلى أن بضعة مناجم للنحاس توجد في ضواحي أفران عند حضيض جبال الأطلس (١٠).

__________________

(٤) هي بلا ريب وادان الحالية على الخرائط ، قصر في ادرار في جمهورية موريتانيا الاسلامية الحالية. إقرأ عنها كتاب ت مونو «وصف ساحل افريقيا من سبته حتى السنغال» تأليف فرناندز (١٥٠٦ ـ ١٥٠٧ م) باريس. دار لاروز ١٩٣٨ م ص ١٥٥ ، هامش ١٥٤.

(٥) المقصود بها فخ ذو أسنان شعاعية ، سيشير إليه الحسن الوزان فيما بعد في معرض كلامه عن الخمر الوحشية ـ ه. ل.H.Lhote

(٦) الوعل addax أوoryx «وتعني كلمة ودّان في ليبيا نوعا من المها البري بحجم العجل» (المترجم).

(٧) لقد كانت وادان في ذلك العصر مخزن الملح المستخرج من ايجل ، ومرحلة هامة بين السودان والجنوب المراكشي.

(٨) أفران ، في واد نون الأعلى.

(٩) وهو ميناء أغادير على المحيط الاطلنطي والذي كان بيد البرتغاليين بين ١٥٠٥ م إلى ١٥٤١ م.

(١٠) كان النحاس معروفا حينذاك بإسم صيني.

٤٨٩

ويقام مرة في كل أسبوع سوق في أحد هذه القصور (١١). ولكن هناك عوز مزمن للحبوب. والناس يكتسون بصورة لائقة تماما. ولهم جامع جميل ويقوم على شؤون أفران أئمة وقاض لمعالجة قضايا الديون والإرث. أما فيما يتعلق بالمجرمين ، فليس هناك من عقوبة غير النفي (١٢).

عكا

تتألف عكا من ثلاثة قصور صغيرة متقاربة ، في صحراء نوميديا ، على تخوم ليبيا. وقد كانت مأهولة جدا بالسكان. ولكن على أثر اضطرابات أهلية ، هجرت من سكانها. وبعد ذلك ، وبفضل تدخل شخصية دينية ، هدأت هذه المنازعات وعقدت صلات قرابة بين الخصوم السابقين ، وعادت القصور لتعمر من جديد بالسكان. وقد أصبح هذا الشخص أميرا على عكا. وهؤلاء هم في الحقيقة أكثر أهل الدنيا فقرا. فليس لهم من عمل سوى جني تمورهم (١٣).

درعة

الدرعة إقليم يبدأ من جبال الأطلس ويمتد جنوبا على مسافة مائتين وخمسين ميلا عبر صحراء ليبيا (١٤). وهذا الإقليم ضيق. ويقيم سكانه فعلا على ضفاف النهر الذي يحمل نفس الإسم ، والذي قد يفيض في أثناء الشتاء حتى إنه ليشبه بحرا ، وتارة ينضب خلال الصيف حتى ليمكن اجتيازه خوضا. وحينما يفيض يسقي كل البلاد وإذا

__________________

(١١) «القصور في بلاد المغرب الجنوبية تعني قرى محصنة فيها مخازن متعددة الطوابق لخزن الحبوب» (المترجم).

(١٢) تذكر النصوص العربية هذه المدينة على شكل ايفران أو أفران. وكان الأحرى وصف قصور أفران في بحث إقليم السوس أو في جزولة.

(١٣) لقد كانت حدائق نخيل عكا ، الواقعة في خانق Cuse في جبل باني ، على السفح الجنوبي للاطلس الصحراوي ، كانت واقعة ضمن بلاد جزولة.

(١٤) لما كان المؤلف قد ألحق تنزيته بإقليم هسكورة ، فإن قطاع وادي الدرعة الذي يعتبره إقليما من نوميديا يجب أن يبدأ من جنوب زاوية تنزيته التي تقع الى القرب من ثكنة زاغورة. وأول كورة نوميدية يجب أن تكون كورة تمغدرت. وابتداء من هذه المنطقة لا يكون وادي الدرعة مسكونا على مسافة ١٠٠ كم. وهذه المسافة المذكورة هي ٢٥٠ ميلا أي ٤٠٠ كم تنطبق على القسم المأهول من الوادي ، سواء في عالية زاغورة أو في سافلتها.

٤٩٠

لم يحدث الفيضان في بداية نيسان (ابريل) (١٥) فإن كل المحصول يتلف ، وإذا وقع في الوقت المذكور جادت الأرض بمحصول طيب.

ويتعاقب على ضفاف النهر عدد كبير من القرى والقصور المبنية بالحجر وبالطين. وجميع السقوف مصنوعة من جذوع النخيل ، ويستعاض عن ألواح الخشب بجريد النخيل ، مع أن هذا الخشب لا قيمة كبيرة له لأنه ليفي وغير متكتل كأنواع الخشب الأخرى. ويوجد بجوار النهر ، على مسافة خمسة إلى ستة أميال (١٦) عدد لا يحصى من حدائق النخيل التي تنتج تمورا كبيرة الحجم من النوع الفاخر. ويمكن خزن هذه التمور مدة سبعة أعوام في مستودع دون أن تفسد ، بشرط أن يكون هذا المستودع واقعا في الطابق الأول. ولما كانت هذه التمور من أصناف مختلفة ، ومن ألوان متباينة ، فإن أسعارها تكون بالتالي مختلفة. فبعضها يساوي الكيل منها دينارا واحدا ، وبعضها الآخر ربع دينار. وهذه تصلح فقط لتغذية الجمال والخيل. والنخل منها المؤنث ومنها المذكر. والإناث منها هي التي تعطي الثمار ، بينما لا تنتج الذكور منها سوى عناقيد التلقيح. وقبل تفتح الأزهار يجب قطع فرع صغير من الزهور المذكرة وتثبيته على الزهور المؤنثة ، وإلا فإن الشجرة لن تنتج سوى تمورا ردئية مع نواة كبيرة جدا. ويتغذى سكان البلاد بالتمور من هذا النوع ، ولا سيما في الأيام التي لا يأكلون فيها شيئا آخر. ويقتاتون بحساء من شعير وببعض الأشياء التافهة الأخرى ، ولا يأكلون خبزا إلا في أيام العيد وفي الأعراس.

وليس في قصور هذا الإقليم سوى القليل من موارد الحياة المتحضرة. ومع هذا يوجد صناع من المسلمين وكذلك صناع من اليهود في نهاية الإقليم التي تواجه موريتانيا ، على طريق فاس توميوكتو. إلا أن المنطقة تحوي أيضا ثلاثة أو أربعة بلدان

__________________

(١٥) «إليكم قائمة بالأشهر الشمسية كما في اقطار آسيا العربية ، ثم في وادي النيل وليبيا ، وأخيرا في أقطار المغرب وذلك تسهيلا لمعرفة الأشهر المذكورة في كل أنحاء العالم العربي.

كانون الثاني ، شباط ، آذار ، نيسان ، أيار ، حزيران ، تموز ، آب ، أيلول ، تشرين الأول ، تشرين الثاني ، كانون الأول : يناير ، فبراير ، مارس ، إبريل ، مايو ، يونيه ، يوليه ، أغسطس ، سبتمبر ، أكتوبر ، نوفمبر ، ديسمبر ، جانفي ، فيفري ، مارس ، افريل ، ماي ، جوان ، جويليه ، أوغشت ، سبتمبر ، أكتوبر ، نوفمبر ، ديسمبر.» (المترجم)

(١٦) من ٨ إلى ١٠ كم.

٤٩١

ضخمة يقيم فيها تجار غرباء عن البلاد وتجار محليون. ولهذه البلاد حوانيتها ، وجوامعها المجهزة بكل الضروريات.

وتسمى أهم بلدة من هذه البلدان صبيح (١٧). ولها جدار سور. وتقسم إلى قسمين ويحكمها زعيمان مختلفان ، يحتربان في أغلب الأوقات ، وفي حالة شقاق دائما ، وهذا على الخصوص في موسم سقي المزروعات بسبب شح المياه الجارية. وأهل هذه البلاد رجال بواسل وكرماء. ويقبلون استضافة تاجر عندهم ، وعلى حسابهم ، لمدة عام كامل وحتى أكثر ، ولا يأخذون منه إلا ما يتركه لهم ، حسب طيب خاطره.

ويوجد بين سكان الدرعة بضعة زعماء يشتبكون بالأسلحة باستمرار. ويستعين كل حزب منهم بالعرب المجاورين الذين يؤجرون على ذلك بسخاء بمعدل نصف دينار يوميا لكل خيال يتطوع ليحارب على حسابه. ولكن يؤجر هؤلاء العرب يوميا فيوما وعن بضعة أيام فقط استخدموا فيها سلاحهم. وقد بدا أهل هذه البلاد منذ وقت وجيز باستخدام راشقات السهام والطبنجات ، ولم أر رماة أفضل من هؤلاء ، فهم يصيبون رأس الإبرة. وهكذا أخذوا يبيدون بعضهم البعض بهذه الراشقات.

وتنمو في هذه المنطقة كمية كبيرة من أشجار النيلة (١٨) ، وهو نبت للصباغة يشبه نبات الباستل (١٩) ، ويقايضونه بالبضائع المجلوبة من فاس وتلمسان. والحنطة غالية جدا ، ويحصل عليها بالتبادل مع التمور ، ويستورد القمح من فاس ، ومن مدن مجاورة أخرى. والخيل قليلة ، وكذلك الماعز. وتعلف الخيول بالتمر عوضا عن الشعير مع نوع من علف يدعى فارفا في مملكة نابولي. وتغذى الماعز بنوى التمر بعد جرشها. وبفضل هذا الغذاء تسمن العنزات وتعطي الكثير من الحليب ، ويأكل الناس عادة الكثير من لحم التيس الهرم والجمل المتقدم في السن ، وهي في الواقع وجبة تافهة. كما تربى طيور النعام ، من ناحية لأخرى ، لأكلها. ويماثل طعم هذا الحيوان تقريبا لحم الدجاج ، ولكنه قاس وله رائحة منفرة ولا سيما لحم الفخذ الذي يكون لزجا.

__________________

(١٧) يقع قصر بني صبيح في ناحية لكتاوة ، وهي على مسافة ٢٠ كم شمال كوع الدرعة ، وقد أقيم مخفر تاغوديت فى جواره.

(١٨) واسمها العلمي indigofera argentea ، أو النيلة الفضية.

(١٩) نبات صباغي من الصليبيات ، يعطي أزهارا بلون أزرق ، واسمه العلمي isatis tinticorea

٤٩٢

والنساء جميلات وسمان : وهن لطيفات وللكثير منهن أخلاق غير محمودة. ولأهل البلاد عبيد زنوج من الجنسين الذين يتوالدون ويحتفظ الناس بهؤلاء الأولاد وبأهليهم لخدمتهم. ولهذا السبب يكون بعض الناس سودا ، وبعضهم هجناء ، ولكن القليل جدا منهم بلون أبيض خالص.

سجلماسة

بلاد سجلماسة (٢٠) إقليم يستمد اسمه من المدينة الرئيسية ، وتمتد على طول نهر زيز» ابتداء من الخانق القريب من مدينة غرسلوين (٢١) كما تمتد جنوبا على مسافة مائة وعشرين ميلا (٢٢) حتى تخوم صحراء ليبيا. وتقطن الإقليم قبائل بربرية تنتسب إلى زناتة وصنهاجة وهوارة. وقد كانت في الماضي تحت سلطة ملك كان مستقلا ، ولكنها انضوت بعدئذ تحت سلطة يوسف ، ملك لمتونة (٢٣) ، ثم انتقلت لأيدي الموحدين.

وبعد أن فقد الموحدون مملكتهم ، حكمتها أسرة بني مرين. وعهد بحكمها لأقارب الملوك الأقربين ، ومن ناحية المبدأ لأبنائهم. وظل الأمر كذلك حتى موت أحمد ، ملك فاس. وعندئذ ثارت المنطقة ، وقتل أهل البلاد الحاكم وخربوا جدار سور المدينة. وظلت هذه المدينة مهجورة حتى الوقت الحاضر. وتجمع الناس من جديد وبنوا قصورا ضخمة بين مزارعهم وفي كور الإقليم. وبعض هذه القصور حرة ، وبعضها الآخر خاضع للعرب (٢٤).

__________________

(٢٠) أو كورة سجلماسة. لم يبق في أيامنا من مدينة سجلماسة سوى بعض قصور متهدمة ، مرتصفة على طول وادي زيز وتعرف باسم مدينة الحمراء.

(٢١) عند فم زهبل.

(٢٢) ١٩٠ كم.

(٢٣) وهو يوسف بن تاشفين ، زعيم المرابطين.

(٢٤) لا تزال آثار عديدة شاهدة على استيطان قديم جدا وهام كثيرا في وادي الزيز ، في عالية تافيلالت. وقد اعتبرت بعض آثار هذه المنطقة على أنها رومانية ، ولكن هذا الرأي ليس يقينا. وتعود أوائل الروايات التاريخية لعام ١٤٠ ه‍ / ٧٥٧ ـ ٧٥٨ م وهو تاريخ تأسيس سجلماسة ، التي خلفت من جهة أخرى مدنا سابقة منها مدينة زيز. ولقد سبق أن قلنا في معرض كلامنا عن جبل نفوسة أن كثيرا من الخوارج الشرقيين ، أو المشارقة المضطهدين من الخلفاء السنيين ، قد التجأوا لبلاد البربر في آخر القرن السابع الميلادي ودعوتهم هي التي أدت لدخول البلاد في الإسلام. وقد تمرد الخوارج من المذهب الصفري خاصة ، والذين كان لهم أتباع حتى بين القوات البربرية في أسبانيا ، تمردوا جهارا ضد الحكم القائم حتى كادوا يقضون عليه في سنة ٧٤٠ م. وقد كان القمع قاسيا وتجمع الصفريون في نقاط منيعة بالنسبة ـ

٤٩٣

__________________

ـ للقوات النظامية. وهكذا أسست قبيلة مكناسة الصفرية الجنوبية مدينة سجلماسة عام ١٤٠ ه‍ ، وعهد بإمارتها لأسرة تدعى بنو مدرار. وقد احتفظت هذه الأسرة بالسلطة حتى عام ٣٦٦ ه‍ / ٩٧٦ ـ ٩٧٧ م. وكان لإمارة سجلماسة حظ خارق : فقد حظر سلطان مصر أحمد بن طولون على القوافل وعلى الجماعات المنعزلة سلوك الطرق التي كانت تذهب من واحة الخارجة في جنوب مصر قاصدة المغرب أو السودان المغربي نظرا لكثرة الحوادث التي وقعت بسبب طول الطريق الصحراوي وانعدام الأمن على هذا الطريق. وحينئذ راح التجار القادمون من الكوفة والبصرة وبغداد ومن مدن المشرق الأخرى للمتاجرة في السوداني الغربي ، راحوا يسلكون هم وعائلاتهم ، طريق قوافل يؤدي إلى سجلماسة مرورا ببلاد البربر. وقد أشار المؤلفون القدامى في القرن العاشر الميلادى إلى اتساع سجلماسة العجيب وتشابه أبنيتها مع عمارات المشرق. وكانت دهشة المؤرخين كبيرة لوجود الشبه بين قصبات جبال الأطلس والعمائر المذكورة ، وللصلات الوثيقة بينهما في الفن الموسيقي وفي كثير من التفاصيل ، ومن المستغرب ألا نجد أي مؤرخ لم يذكر حتى ذلك الوقت أن إمارة سجلماسة كانت متأثرة كل التأثر بحضارة المشرق والأندلس. وبلغ ازدهار البلاد حدا جعل عمالة سجلماسة تقدم للخزينة الفاطمية فى القيروان عام ٩٥١ م ، مبلغ ٤٠٠٠٠٠ دينار من الضرائب سنويا تجبى في ثلاث فترات ، مدة كل فترة منها خمسة أيام ، أو ما يعادل ما كانت تقدمه بلاد البربر كلها لهذه الخزينة أو بيت المال. ويبدو أن الإمارة المدرارية ظلت مستقلة حتى عام ٩٠٩ م ، أي حوالي الوقت الذى جاء فيه المدعي الفاطمي أبو عبد الله لإنقاذ المهدى عبيد الله الذى كان معتقلا فيها. وألحق هذه الإمارة بالإمبراطورية. وفى أواسط القرن العاشر ترك الأمير الحاكم العقيدة الصفرية واعتنق المذهب السني المالكي. ولكن في ذلك الوقت كان خلفاء بني أمية في قرطبة يتنازعون مع الفاطميين في المغرب ، كما كان أمراء البربر ينحازون تارة لقرطبة وتارة أخرى إلى القيروان.

وانتهى الأمر بحكم المدراريين إلى الزوال في سنة ٩٧٦ م. وانتقلت السلطة من مكناسة إلى زناتة مغراوة. ولكن هذا التبدل في الأسرة الحاكمة لم يحل دون ازدهار الإمارة. ففي اواسط القرن الحادي عشر كانت تضم إليها أودية الزيز والدرعة والملوية الأعلى وتجاوزت الأطلس لتشمل صفرو. وكانت آخر نقطة في الإمارة غربا ، قلعة المهدي بن تواله ، في منطقة فزاز. وقد كانت لقمة شهية بالنسبة للمرابطين الصحراويين القادمين من موريتانيا الحالية. وفي عام ٤٤٥ ه‍ / ١٠٥٣ ـ ١٠٥٤ م ، قاموا بغزوة على قطيع من الإبل يبلغ تعداده خمسين ألف رأس أرسلها أمير سجلماسة لترعى في مراعي وادي الدرعة. وكان هذا الأمير ، وهو مسعود بن وانودين ، يرغب في استخلاص إبله وطرد الصحراويين. ولكنه انكسر وقتل في المعركة واحتل المرابطون سجلماسة. ولم يظهر يوسف بن تاشفين على مسرح التاريخ إلا في نهاية أيار (مايو) ١٠٥٦ م ، بوصفه قائدا تحت زعامة ابن عمه أبي بكر عمر ، أمير لمنونة وزعيم المرابطين الحربي. وظل كذلك حتى موت ابن عمه ، الذي قتل في تاغنت في موريتانيا الحالية ، في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٠٨٧ م ، ولكن في ١٠٦١ كان أبو بكر قد ترك سجلماسة باتجاه الصحراء الكبرى وترك يوسف بن تاشفين في هذه المدينة مع نصف الجيش المرابطي ، أي مع أربعين ألف رجل ، وقيادة البلاد المفتوحة. ويبدو أن الفتح المرابطي أدى ، عن طريق إبادة مدينة أوداغست ، وخراب مملكة غانا ، إلى القضاء على ازدهار إقليم سجلماسة الفريد ، التي أصبح تاريخها بعدئذ تاريخ ولاية عادية. ويبدو أنها انحازت إلى المرابطين في عام ١١٤٥ م في الوقت الذي كان فيه عبد المؤمن يحاصر تلمسان ، بعد موت الخليفة الموحدي تاشفين بصورة مأساوية في وهران. وقد استولى عليها الأمير المريني أبو يحيى عام ١٢٥٧ م ، ولا توجد أية وثيقة أخرى معروفة تؤيد الخبر الذي يعطيه المؤلف هنا عن تاريخ خراب سجلماسة بعد موت السلطان المريني أبي عباس أحمد المستنصر ، الذي وقع في تازة بتاريخ ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٣٩٣ م.

٤٩٤

الخانق

الخانق (٢٥) ولاية ، أو على الأصح كورة على نهر زيز. وهي تتاخم جبال الاطلس (٢٦). ونجد فيها بضعة قصور ، وقرى ، وحدائق نخيل صغيرة. ولكن الأراضي الزراعية هزيلة وضئيلة الرقعة. وهي هنا عبارة عن شرطان ضيقة على حافة النهر عند حضيض الجبل ، ولا يتجاوز عرضها مرمى حجر أحيانا وحيث يزرع بعض الشعير.

وبعض سكانه تابعون للعرب أو لمدينة غرسلوين ، وبعضهم الآخر أحرار. والأولون فقراء للغاية ، حتى إنهم تحولوا إلى التسول ، في حين أن الآخرين أغنياء لأنهم يسيطرون على ممر طريق فاس إلى سجلماسة ويقسرون التجار على دفع مبالغ عالية.

ويوجد في هذا الخانق ثلاثة قصور هامة. الأول يدعى زهبل ، ويقع في أعلى جرف عند مدخل الخانق (٢٧). ويقال إن هذا الجرف يلامس السماء لشدة ارتفاعه. ويقف في اسفله الحرس الذي يجبي رسم المرور ، وهو ربع دينار عن كل جمل.

ويدعى القصر الآخر غسترير ، وهو على مسافة خمسة عشر ميلا من السابق ، ولكنه على سفح الجبل ، حتى لكأنه في السهل ، وهو أكثر شرفا وغنى من الأول (٢٨).

ويسمى الثالث تامارا كشت : ويوجد على مسافة عشرين ميلا تقريبا من غسترير وعلى الطريق الكبيرة (٢٩). وإضافة إلى ذلك توجد بعض القرى والقصور الصغيرة. وتعوز الحبوب سكان هذا الخانق كثيرا ، ولكن لديهم عدد كبير من الماعز التي يؤوونها في الشتاء ضمن كهوف كبيرة. وهنا تقع قلاعهم لأن هذه الكهوف واقعة على ارتفاع شاهق ولها مدخل ضيق جدا ولا يمكن الوصول إليها إلا بدروب محفورة بيد الإنسان

__________________

(٢٥) الخانق. ممر جبلي ضيق.

(٢٦) الواقع هو عبارة عن كلوزCluse في الأطلس يجتازه واد زيز.

«الكلوز تعبير فرنسي يعني ممرا يقطع طية من صخور التوائية ، كممر وادي بردى عند الربوة قبيل دخوله دمشق» (المترجم).

(٢٧) لقد تلاشى القصر ، ولكن تم حفر نفق في الجرف يسمح للطريق الحديثة باجتياز فم زهبل.

(٢٨) لم يمكن التحقق من هذا القصر.

(٢٩) لا يزال قصر تاماراكشت قائما على مسافة خمسة كيلومترات جنوب فم زهبل.

٤٩٥

وحيث يستطيع شخصان أن يتصديا لهجوم المنطقة برمتها. ويمتد هذا الممر على طول مقداره أربعون ميلا تقريبا (٣٠).

متغارة

وهي كورة أخرى تتاخم السابقة في اتجاه الجنوب في خارج الممر. وتحتوي على عدة قصور واقعة أيضا على نهر زيز. ويسمى أهلها هلال (٣١). وهنا يقيم أمير الكورة ، وهو عربي وهناك فخذ من قبيلته (٣٢) يسكنون الخيام في البادية. ويوجد أمير آخر في القصور مع بعض الجنود. ولا يستطيع أحد أن يجتاز منطقته بدون إذن صريح. وإذا صادف جنوده قافلة بدون جواز مرور ، نهبوها حالا وسلبوا التجار والسائقين ويوجد هنا أيضا قصور أخرى وقرى ، كما رأيت ذلك بنفسي ولكنها كلها بائسة.

رطب

وهي أيضا كورة تتاخم متغارة وتمتد على طول واد زيز ، باتجاه الجنوب ، وعلى مسافة عشرين ميلا (٣٣). وأهلها بخلاء للغاية وجبناء : ولا يجرؤ مائة من خيرة فرسانهم التصدي لعشرة فرسان من العرب. ويزرعون أراضيهم لحساب هؤلاء العرب كما لو كانوا عبيدا لهم. وتتاخم هذه الكورة من الشرق جبلا غير مأهول (٣٤) ومن الغرب سهلا خاويا ورمليّا حيث يخيم العرب عند عودتهم من الصحراء (٣٥).

منطقة سجلماسة

لقد تكلمت بإيجاز عما بدا لي أنه جدير بالتسجيل عن إقليم سجلماسة. غير أنه بقي لي أن أقول إن المنطقة الخاصة بسجلماسة والتي تمتد على مسافة عشرين ميلا (٣٦)

__________________

(٣٠) في الحقيقة عشرون ميلا.

(٣١) لا وجود له وربما حل مكانه قصر السوق.

(٣٢) قبيلة مندبة.

(٣٣) حوالي ٢٠ كم.

(٣٤) وهو هضبة تيماسنت الصحراوية تماما.

(٣٥) تافيلالت.

(٣٦) ٣٢ كم.

٤٩٦

بمحاذاة واد زيز ، من الشمال للجنوب ، تحتوي أيضا على ثلاثمائة وخمسين قصرا ، بين صغير وكبير ، هذا فيما عدا القرى (٣٧).

وعدد القصور الرئيسية ثلاثة :

فالأول يدعى تاينجيوت (٣٨). ويضم ألف أسرة. وهو أقربها إلى سجلماسة. ويحوى بضعة صناع. ويدعى الثاني تابوعسمت : ويقوم على مسافة ثمانية أميال (٣٩) تقريبا جنوبي القصر السابق. وهو أكبر وأكثر تمدنا ، ونجد فيه العديد من الباعة الغرباء والكثير من اليهود ، من صناع وتجار. وفي الحقيقة يوجد في هذا القصر من السكان أكثر من كل بقية الإقليم (٤٠) ويحمل الثالث اسم المأمون. وهذا الأخير كبير أيضا ، وهو حصين ومأهول كثيرا بالسكان ، ولا سيما من التجار اليهود والمسلمين (٤١).

ويحكم كل قصر من هذه القصور أمير خاص وهو زعيم طائفة.

ويوجد بالفعل بين هؤلاء السكان انقسامات شديدة وشقاقات. وهم على الدوام في حرب بعضهم ضد بعض ، ويسبب بعضهم الضرر لبعض قدر استطاعتهم كتخريب قنوات الري القادمة من النهر ، كما يقطعون النخيل أيضا من على مستوى الأرض وينهب بعضهم بعضا ويساعدهم العرب على ذلك.

وتضرب في هذه القصور عملة فضية وذهبية ، فالدنانير تشابه «البسلاكشي» الخفيفة والذهب من عيار خفيف. ويعادل وزنه قطعة الفضة النقية أربع حبات (٤٢) ،

__________________

(٣٧) تشتمل المنطقة حاليا على حدائق نخيل تيزميت وتافيلالت. ومنذ زمن طويل ، في القرن السادس عشر ، كان اسم تافيلالت يعني منطقة سجلماسة ذاتها ، ولكن الاستعمال المتشابه والمتكافىء تقريبا لكلمتي سجلماسة وتافيلالت جعل الأوربيين يعتقدون ـ شأن مارمول الذي كتب حوالي العام ١٥٧٣ م ، بعد أن أمضى بضعة أعوام رقيقا في مراكش ، والذي تجول في أفريقيا الشمالية ـ يعتقدون أن سجلماسة وتافيلالت كانتا مدينتين متميزتين ، ولم يتلاش هذا الخطأ تماما إلا بعد أن استطاع الأوربيون التعرف على جغرافية هذه البلاد في القرن التاسع عشر.

(٣٨) لقد اختفى قصر تاينجوت ولكن اسمه ظل على الكورة الواقعة في شمال شرق تافيلالت.

(٣٩) ١٣ كم.

(٤٠) لا يزال قصر تابوعسمت باقيا على الضفة اليمنى لوادي الزيز على مسافة خمسة كيلومترات تقريبا من أطلال سجلماسة الواقعة على الضفة اليمنى.

(٤١) لقد تخرب قصر المأمون حوالي عام ١٨٣٠ م وكان يقع على مسافة كيلومتر واحد جنوب شرق تابوعسمت ، على ضفة الزيز اليسرى ، مباشرة إلى الشمال من قصر عبادو الحالي.

(٤٢) الحبة ٤٩ جرام فالأربع حبات تساوي ١٦٩ جراما.

٤٩٧

وأربع وعشرون قطعة من هذه النقود تساوي دينارا. ويستولي زعماء الطوائف على قسم من الضرائب. تلك مثلا حالة جزية اليهود وأرباح سك العملة. والقسم الآخر يقبضه العرب (٤٣) رسوما للجمرك. والسكان أدنياء وكل الذين يهاجرون منهم يمارسون مهنا وضيعة (٤٤). ولكن يوجد بينهم بعض الأغنياء الوجهاء ، وكثير منهم يسافرون إلى بلاد السودان حاملين بضائع بلاد البربر لمقايضتها بالذهب والرقيق.

وتتغذى عامة الناس بالتمور وبالقليل من القمح.

وتكثر العقارب هنا بصورة مفرطة في كل القصور ، ولكن لا توجد براغيث. وتكون الحرارة في الصيف شديدة والغبار يملأ الجو حتى لقد اعتقدت أنه السبب في إصابة جميع السكان بالتهاب في عيونهم. ويكون النهر ، في هذا الفصل جافا على الأكثر ، وتكون ندرة المياه كبيرة ، إذ لا يكون لديهم سوى الماء المالح المستخرج من آبار محفورة باليد. ويبلغ محيط هذه الكورة ثمانين ميلا من الطول (٤٥). وحينما كان كل الناس على وئام ، تم بناء جدران لمنع غزو الفرسان العرب وذلك بالقليل من النفقات. وقد ظلوا أحرارا طالما كانوا متوحدين مع إرادة مشتركة. ولكن ما إن تشكلت الأحزاب حتى تقوضت هذه الجدران ، وأصبح كل حزب منها يستدعي العرب للدفاع عن نفسه. وهكذا أصبح هؤلاء الناس أتباعا أو عبيدا تقريبا للعرب.

مدينة سجلماسة (٤٦)

لقد بنيت هذه المدينة ، وذلك استنادا إلى بعض مؤلفينا ، على يد قائد روماني ، سبق أن انطلق من موريتانيا ، وفتح كل نوميديا ثم وصل غربا حتى ماسّه ، فبناها وأعطاها اسم سيجيللوم ماسة لأنها كانت آخر بلدة في دولة ماسّه ، ولأنها كانت نوعا ما

__________________

(٤٣) من قبيلة العمارنة.

(٤٤) «والغريب أن أهل هذه المناطق الفقيرة نسبيا يهاجرون في أيامنا هذه إلى فرنسا على الخصوص طلبا للعمل ، ويعملون في المهن الشاقة التي يأنف العمال الفرنسيون منها أو في المهن الخطرة على الصحة ، كما في مناجم الفحم» (المترجم).

(٤٥) ١٢٨ كم.

(٤٦) سجلماسة ، أو المدينة الحمراء على الزيز. أنظر تراس. مذكرات عن أطلال سجلماسة. المجلة الأفريقية. الجزائر ١٩٣٦ بالفرنسية

٤٩٨

الخاتم الذي يشير إلى نهاية فتحه. وقد تحرف هذا الاسم بعدئذ وتحول إلى سجلماسة. وحسب رواية أخرى ، هي بالأحرى رواية الجغرافي البكري وأتباعه ، أن الإسكندر الكبير هو الذي بنى هذه المدينة للمرضى وللعجزة في جيشه (٤٧). وقد قامت هذه المدينة في سهل على واد الزيز ، وكانت محاطة بسور عال لا تزال بعض أجزائه ماثلة (٤٨). وعندما دخل المسلمون إلى إفريقيا ، كانت خاضعة لملوك من قوم زناتة ، وقد استمر حكمهم إلى أن طردهم الملك يوسف بن تاشفين زعيم لمتونة.

وكانت سجلماسة مدينة آمنة جدا ، وذات منازل جميلة ، وكان سكانها أغنياء بسبب التجارة التي كانوا يمارسونها مع بلاد السودان. وكانت تحوي جوامع بهية ومدارس مجهزة بالعديد من الموارد التي كان يأتي ماؤها من النهر. وكانت هناك نواعير كبيرة تنتح هذا الماء من نهر الزيز وتصبه في قنوات تسوقه إلى المدينة. وكان هواؤها طيبا ، غير أن الشتاء كان كثير الرطوبة ، وكان ذلك يسبب الكثير من مرض الزكام بين السكان. وكانوا يعانون في الصيف من أمراض العيون ولكن كانوا يشفون بسرعة.

وتبدو سجلماسة في الوقت الحاضر مهدمة تماما كما سبق أن قلنا ، فإن سكانها تجمعوا في قصور وتشتتوا في كل مكان تقريبا من أراضي المنطقة. وقد أقمت في هذه المدينة وفي منطقتها وعقدت علاقات مع أهلها ، وكانت البلاد آهلة جدا بالسكان حتى أني مكثت في إحدى المرات مدة سبعة أشهر في قصر المأمون (٤٩).

__________________

(٤٧) والحقيقة أن البكري هو الذي كتب في مؤلفه سنة ١٠٦٨ م وأعطى أولى المعلومات عن تأسيس سجلماسة في عام ١٤٠ ه‍. ولكن النص الذي بين أيدينا لا يقول كلمة واحدة عن الإسكندر الكبير في هذا الصدد. ومن المحتمل أن الرواية التي أصبحت منسية اليوم ، قد وجدت آنئذ عن احتلال روماني مزعوم لمدينة تافيلالت.

(٤٨) من المحتمل أن خرائب سجلماسة الحالية تتطابق مع هذه المدينة المسورة ، ولكن الرقعة الحقيقة لسجلماسة كانت ، كما ينتظر ، أكثر اتساعا لأن المسعودي كتب في القرن العاشر ، أنه كان للمدينة شارع طوله مسافة نصف يوم مشيا ، وأن ابن بطوطة قال ، في القرن الرابع عشر ، أن كل واحد من سكان سجلماسة كانت عنده حديقة وحقل يتوسطهما بيته ، تماما كما في مدن الصين ، مما يجعل هذه المدينة كبيرة الاتساع.

(٤٩) لقد ظل اسم سجلماسة شائع الاستعمال حتى خلال القرن السابع عشر الميلادي ، وقد أصبح الآن منسيا تماما بين عامة الناس ، ويبدو أنه كان يلفظ فعلا سجلماسة كما كتبه المؤلف ، وكما ظهر في النصوص الفرنسية في القرن السادس عشر الميلادي.

٤٩٩

قصر السويهيلة (٥٠)

وهو قصر صغير يقع على مسافة اثني عشر ميلا (٥١) عن إقليم سجلماسة نحو الجنوب. وقد بناه العرب في الصحراء كي يودعوا فيه أرزاقهم وأقواتهم بمنأى عن أعدائهم. ولا يوجد شيء فيما حوله سوى لعنة الله ، إذ لا يظهر هنا لا مزارع أشجار ولا خضر ولا حقل زراعي ، ولا أي أثر عن حياة ، ولا شيء سوى الحجارة السوداء والرمال (٥٢).

أم الحدج

وهو قصر آخر على مسافة ثمانية عشر ميلا من سجلماسة (٥٣) وقد بناه العرب أيضا للسبب الذي أوردناه ، ولا يوجد حول القصر سوى برية كالحة حيث ينمو كثير من ... (٥٤) والذي عندما ينظر إليها من بعيد ، يخالها برتقالات رميت على الأرض (٥٥).

أم العفن

وهو قصر رديء على مسافة خمسة وعشرين ميلا (٥٦) من سجلماسة. وقد بناه العرب في صحراء جرداء ، على الطريق بين سجلماسة والدرعه. وجدرانه من حجر أسود تقريبا يشابه الفحم. ويقيم هنا بصورة دائمة حرس بعض الأمراء العرب. ولا

__________________

(٥٠) اسم غير معين أو محدد مكانيا

(٥١) ٢٠ كم.

(٥٢) سيقول المؤلف في الجزء التاسع أن واد الزيز ، يجري بجوار قصر سوغيهيله ، بعد أن خرج من واحة النخيل كما يظن ، ولم يكن من المستطاع استعادة الاسم الصحيح لقصر سوغيهيله ، ولم يمكن التثبت من الاسم الصحيح لهذه القصة ، التي كتت أيضا على شكل السويهلية واسوغيلة ، ولا العثور على أثر منها

(٥٣) ٥٩ كم والحقيقة ٢٤ كم عن الطريق المباشر.

(٥٤) ترك المؤلف المكان أبيض لأنه يجهل بلا شك الاسم الايطالى لنبات الحنظل.

(٥٥) لا تزال خرائب قصبة أم الحدج تهيمن بصورة بديعة على واد الزيز ، وتبدو مرئية بشكل جيد على مسافة خمسة كيلومترات من مقرن واد الزيز ووادي آمر بوح. وأم الحدج تعني «أم الحنظل» والصورة التي يقدمها المؤلف صحيحة تماما. فمن حيث اللون تبدو ثمار الحنظل هذه وكأنها برتقالات كبيرة متناثرة على الأرض.

(٥٦) ٤٠ كم.

٥٠٠