وصف إفريقيا

ابن الوزّان الزيّاتي

وصف إفريقيا

المؤلف:

ابن الوزّان الزيّاتي


المترجم: د. عبدالرحمن حميدة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥

ولكنها تشكو من تنغيص العرب لها. ولحاكمها القليل من السلطة في داخل المدينة وأقل من ذلك في خارجها.

مستغانم

وهي مدينة بناها الأفارقة على البحر الابيض المتوسط على مسافة ثلاثة أميال شرقي المدينة السابقة على الجانب الآخر من النهر (٧٩). وقد كانت مدينة متحضرة للغاية وآهلة بالكثير من السكان في غابر الزمن. ولكن ما إن أخذت سلطة ملوك تلمسان في الضعف حتى أصبحت عرضة لمضايقات العرب ، ففقدت ثلث أهليها. ومع هذا لا تزال تضم قرابة ألف وخمسمائة أسرة ، ولها جامع جميل جدا. وفيها العديد من الصناع الذين ينسجون أقمشة الكتان. وبيوتها جميلة كما تكثر بها موارد المياه. ويجتاز البلدة نهر صغير يحرك طواحينها (٨٠). ويوجد في خارج المدينة الكثير من البساتين البديعة ، ولكن معظمها مهجور. والأراضي التي حولها جيدة للزراعة وخصيبة. ولها ميناء صغير تقصده أحيانا السفن الأوربية ، ولكن لا يعقد التجار فيها صفقات هامة لأن سكانها في فقر مدقع.

برشك

وهي مدينة قديمة بناها الرومان (٨١) على البحر المتوسط على مسافة أميال عديدة من المدينة السابقة (٨٢). وهي مأهولة جدا بسكان أجلاف يعمل أكثرهم في حياكة أقمشة الكتان. وهم رجال مهرة وبواسل كالأسود ومن عادة كل واحد أن يرسم على خديه وعلى إحدى يديه صليبا أسود وصليبا في راحة يده ، تحت الأصابع. ويحتفظ كل الجبليين المجاورين لمدينة الجزائر وبجاية بهذه العادة. ويروى لنا المؤرخون الافارقة أن عددا لا يحصى من البلاد والسواحل والجبال كانت تحت سلطة القوط (٨٣) ، وأصبح الكثير من

__________________

(٧٩) الحقيقة هي على مسافة ٤ كم شمال مازاغران و ١٤ كم جنوب مصب نهر الشلف.

(٨٠) وهو نهر عين صفرا

(٨١) هناك مسافة قدرها ٢٣٧ كم أو ١٥٠ ميلابين مستغانم من جهة وبين قبة وزاوية سيدي إبراهيم الخواص من جهة أخرى. وقد بنيت هذه القبة والزاوية بين أنقاض غرنوغو. ولكن برشك لم تترك أي أثر وقد تخرب جدار سورها على أثر زلزال عام ١٥١٣ م. وفي سنة ١٥٣٣ كانت لا تزال تحوي ٧٠٠ نسمة.

(٨٢) مستعمرة غونوغو الرومانية.

(٨٣) أي الفندال.

٤٠١

٤٠٢

٤٠٣

المغاربة نصارى. وقد أصدر ملوك القوط أمرا بعدم استيفاء أية جزية من الذين كانوا نصارى. وفي وقت دفع الضريبة كانوا يدّعون جميعا أنهم نصارى ، ولكن القوط الذين كانوا يجهلون لغة السكان وعاداتهم لم يكونوا قادرين على التمييز بين النصراني الحقيقي ومدعى النصرانية. فأعطيت الأوامر عندئذ للنصارى باستعمال الوشم بهذه الصلبان. وعندما انتزعت السلطة من القوط عاد كل الناس إلى الديانة الإسلامية. ولكن مع مرور الزمن بقيت عادة الوشم بهذه الصلبان ، وهناك عدد لا يحصى من الناس لا يعرفون سبب ذلك. ولأمراء موريتانيا ، شأن عامة الناس ، هذه المعادة نفسها ، وهو رسم صليب على الخد بواسطة شفرة سكين (٨٤) ، ونرى في أوربا بعض الأشخاص يصنعون نفس الشىء مثل أولئك.

وتعيش مدينة برشك فى رخاء ، ولا سيما لكثرة التين. وتنتج الأرياف الجميلة الواقعة حولها الكتان والشعير بكمية كبيرة. وسكانها حلفاء وأصدقاء لسكان الجبال المجاورة (٨٥) ، وبفضل دعم هؤلاء استطاعت أن تحمى نفسها خلال مائة عام ، وأن تظاحرة من الضريبة حتى عهد التركى بربروس الذي فرضها بشكل ثقيل. وينقل كثير من أهل برشك التين والكتان بحرا إلى الجزائر وبجاية وإلى تونس ، ويجنون من وراء ذلك كسبا طيبا.

ولا يزال فى المدينة كثير من آثار أبنية وعمارات رومانية وقد بنيت الأسوار من مواد أنقاضها (٨٦).

مدينة شرشال

تلك هي مدينة كبيرة جدا وموغلة في القدم بنيت بدورها في عهد الرومان على ساحل البحر المتوسط (٨٧) ، وكان محيطها في الماضي يعادل ثلاثة أميال (٨٨) ، وهو طول

__________________

(٨٤) انقرضت هذه العادة الآن.

(٨٥) من قبيلة زتيمة ، وهي فرع من نفزاوة.

(٨٦) لم يبق شيء من هذه الآثار ، والتي تعرضت لحت البحر الذي قرض قسما من الرأس الصخري الذي كانت تقوم عليه المستعمرة الرومانية غونوغو.

(٨٧) وهي كولونيا جوليا قيصريا. وكانت في البدء مكتبا تجاريا فينيقيا ثم بونيا قرطاجيا اسمه يول ، ثم عاصمة موريتانيا ـ

٤٠٤

جدار سورها الشديد الارتفاع والمبني بحجارة ضخمة منحوتة. ويظهر فيها بجوار البحر جامع كبير عال جدا لا يزال محرابه قائما حتى الآن وهو مستور كليا بالرخام من الداخل. وفي عصر مضى كانت هناك قلعة كبيرة قائمة فوق جرف صخري يمكن منها مراقبة البحر على مسافة شاسعة وتحيط بالمدينة أراض زراعية طيبة. ومع أن هذه المدينة تعرضت لتخريب شديد على أيدي القوط (٨٩) فإن قسما منها كان مأهولا بكثرة إبان الحكم الإسلامي. واستمر هذا الوضع مدة خمسمائة عام تقريبا. وبعدئذ هجرت المدينة في أعقاب الحروب بين ملوك تلمسان وملوك فاس ، وظلت خاوية خلال مدة تقارب ثلاثمائة عام حتى سقوط غرناطة بأيدي النصارى (٩٠) ، وحينئذ قصدها كثير من الغرناطيين وأعادوا بناء قسم كبير من منازلها وكذلك قلعتها وزرعوا أراضيها ، ثم بنوا كثيرا من سفن الملاحة ، وكانوا يزاولون كذلك أعمال صناعة الحرير ، لأنهم وجدوا كمية لا تحصى من أشجار التوت الأبيض والأسود. وتحسنت أحوال هؤلاء يوما بعد يوم حتى إنهم أصبحوا يسكنون مائتين وألفا من البيوت. ولم يخضعوا إلا لبربروس ، وكانوا يدفعون له ضريبة لا تزيد عن ثلاثمائة دينار في السنة.

مليانة

مليانة مدينة كبيرة جدا قديمة بناها الرومان وكانت تدعى ماغنانه ، ولكن العرب حرفوا هذا الاسم (٩١). وتقع هذه المدينة فوق قمة جبل (٩٢) وتقع على مسافة أربعين ميلا (٩٣) عن البحر ، أي عن شرشال. والجبل الذي شيدت عليه مليء بالينابيع ومغطى بأشجار الجوز حتى إن ثمارها لا تقطف ، وحتى إن أحدا من أهلها لا يحتاج إلى شراء

__________________

ـ البربرية ، التي منحها ملكها البربري جوبا ، لويوبا ، اسم جوليا قيصريا ، تكريما لذكرى يوليوس قيصر ، ثم أصبحت مستعمرة رومانية.

(٨٨) أو ٤٨٠٠ مترا.

(٨٩) الفندال.

(٩٠) في عام ١٤٩٢ م.

(٩١) يعطي كتاب مسالك انطونان اسم ملّيانا.

(٩٢) فى الحقيقة فوق هضبة السفح الجنوبي لجبل زكار. وارتفاع هذه القمة ١٥٧٩ م ومليانه على ارتفاع ٧٢٠ م ووادي الشلف على ارتفاع ٢٧٢ م فوق سطح البحر.

(٩٣) ٦٤ كم.

٤٠٥

الجوز. وتحيط بالمدينة أسوار عالية قديمة. ويشرف الجرف من جانب (٩٤) على واد سحيق (٩٥) ، ومن جهة أخرى يوجد سفح يبدأ من قمة الجبل (٩٦) ويذكرنا بنارنى ، وهى مدينة قريبة من روما (٩٧) وبيوت مليانة متقنة وفى داخلها فستقيات جميلة. ويكاد السكان جميعا يكونون من الصناع ومن الحاكة ومن الخراطين. ويصنع هؤلاء اواني جميلة من الخشب. وينصرف كثيرون منهم للعمل في الأرض كذلك. وقد عاشوا جميعا فى حرية حتى عهد بربروس الذى فرض عليهم ضرائب.

مدينة تينس

هي مدينة قديمة جدا شيدت في غابر الزمن على أيدي الأفارقة على سفح جبل ، وعلى مسافة خطوات من البحر المتوسط (٩٨) وهي محاطة بسور وفيها العديد من السكان وهم أجلاف للغاية. وقد كانت دائما تابعة لملك تلمسان. ولكن عندما أدرك الموت الملك محمد (٩٩) ، وهو جد الملك الذي يحكم اليوم (١٠٠) ، كان قد خلف ثلاثة أبناء. فالأكبر كان يدعى عبد الله ، والثاني أبازيان ، والثالث يحيى. وإلى الأول آل الحكم بعد والده (١٠١). وقد تواطأ الاثنان الأخيران مع بعض شخصيات تلمسان فى مؤامرة لاغتياله. ولكن تم اكتشاف هذه الخيانة ، وقبض على أبي زيان وأودع السجن ولكن

__________________

(٩٤) حيث توجد حاليا ساحة.

(٩٥) أي وادي نهر الشلف.

(٩٦) أي الهضبة.

(٩٧) إن مقطع الطريق الذي يهبط من مليانه إلى أفروفيل يشبه ، إلى حد ما ، الطريق الذي يهبط من نارنى إلى وادي نارا ، ولكن النبات البهيج في مليانه لا مثيل له فوق التل الذي تقوم في أعلاه مدينة نارنى الإيطالية.

(٩٨) المقصود هنا ما نسميه تينس القديمة. أما تينس الحالية فتقوم فوق أطلال مدينة رومانية هي كرتناس أو كارت تناس ، حيث كان لا يزال قصر مأهول بالسكان عندما وصلها بحارة أندلسيون سنة ٢٦٢ ه‍ / ٨٧٦ م وأسسوا على منعطف النهر المسمى حينئذ تناتين ، على مسافة كيلومترين من البحر ، المدينة التي بقيت باسم تينس القديمة. وقد استوطنها معمرون اندلسيون ومن بربر المنطقة. وقد استلم قيادتها أمير سليماني ، هو إبراهيم بن محمد بن سليمان.

(٩٩) أبو عبد الله محمد بن تبتي المتوفي سنة ١٥٠٥ م.

(١٠٠) أبو عبد الله محمد الذي نودي به ملكا سنة ١٥٢٨ ، وهو توضيح يبرهن على أن هذه الأسطر قد كتبت في تاريخ يلي ١٠ آذار (مارس) ١٥٢٦ وهو التاريخ الذي يعطيه المؤلف في خاتمة كتابه.

(١٠١) وهو أبو عبد الله محمد ، حكم بين ١٥٠٥ و ١٥١٦ م.

٤٠٦

بعد أن طرد الشعب أبا حمو (١٠٢) ، استرد أبو زيان حريته واسترجع التاج وظل يحكم إلى أن قتله بربروس (١٠٣) كما قلنا آنفا. وهرب الأخ الثالث (١٠٤) إلى فاس وارتمى بين يدي الملك (١٠٥). واستدعاه سكان تينس ونودي به ملكا وحكم فيها بضعة أعوام وترك المملكة بعد وفاته لابنه ، وهو شاب طرده بربروس أيضا. وهكذا اضطر إلى الذهاب إلى أسبانيا لمقابلة صاحب الجلالة القيصرية الامبراطور شارل ، الذي كان حينئذ ملك أسبانيا. ووعده بالمساندة ، ولكن مضى وقت طويل قبل أن يفي بوعده ؛ وفي هذه الأثناء تنصر أمير تينس وكذلك أخوه الأصغر ، وظل الاثنان في أسبانيا ومنحهما الامبراطور معاشا طيبا. وآلت تينس إلى يدي أحد الأخوين بربروس (١٠٦).

ولا يوجد أي أثر للتهذيب في هذه المدينة ، وتنتج أرضها الكثير من القمح والكثير من العسل ، ولكن هذا كله لا يعود إلا بمبالغ تافهة.

مازونه

مازونة مدينة قديمة بنيت ، حسب قول بعضهم ، على أيدي الرومان على مسافة أربعين ميلا من البحر (١٠٧). وتمتد على مساحة كبيرة وأسوارها منيعة ، ولكن بيوتها قبيحة وبائسة. وفيها جامع وبعض مساجد.

وقد كانت في الماضي مدينة متحضرة جدا ولكنها كثيرا ما تعرضت للنهب ، تارة من قبل ملوك تونس ، وتارة أخرى من قبل العصاة. وكان آخر خراب لحق بها في أعقاب سيطرة العرب (١٠٨) حتى لم يبق فيها الآن سوى النذر اليسير من السكان. وهؤلاء هم من الحياك أو من الفلاحين. وجميعهم فقراء لأن العرب يرهقونهم بالإتاوات ، وأراضيها الزراعية طيبة ومنتجة.

__________________

(١٠٢) استلم أبو حمو بن تبتي السلطة عام ١٥١٦ على إثر وفاة ابن أخيه ثم خلع وطرّد عام ١٥١٧ م.

(١٠٣) سنة ١٥١٨ م.

(١٠٤) يحيى.

(١٠٥) محمد البرتغالي ، الوطّاسي.

(١٠٦) وهو خير الدين ، أمير البحر الذي عمل في خدمة العثمانيين.

(١٠٧) أي حواني ٦٤ كم عن تينس.

(١٠٨) أي الهلاليون.

٤٠٧

ويظهر قرب المدينة الكثير من البلدان الخربة التي كان الرومان قد بنوها. ولا تحمل أى اسم معروف لدينا ، ولكن يمكن التعرف على أنها كانت رومانية من العدد الهائل من الكتابات المنقوشة على صفحات الرخام. ولا يورد مؤرخونا الإفريقيون عنها ذكرا.

الجزائر

الجزائر ومعناها الجزر ، وقد دعيت هذه المدينة بهذا الاسم لأنها مجاورة لجزر مايورقة ومينورقة ولويزة (١٠٩) ولكن الأسبان يسمونها آلجر. وهي مدينة قديمة بنتها قبيلة إفريقية تدعى مزغنة ولذلك كان الأقدمون يسمونها مزغنة (١١٠).

وهي كبيرة جدا وتضم حوالي أربعة آلاف أسرة. وأسوارها رائعة وقوية للغاية ، ومشيدة بحجارة كبيرة وتتألف من بيوت جميلة وأسواق جيدة التنسيق لكل منها مكانها الخاص. كما نجد فيها أيضا عددا كبيرا من الفنادق والحمامات. ويشاهد فيها ، فى عداد الأبنية الأخرى ، جامع بهي كبير جدا يقع على حافة البحر. وتمتد أمام الجامع ساحة جميلة جدا ممددة فوق سور المدينة ذاته ، وتتلاطم الأمواج عند أسفلها. ويظهر حول الجزائر الكثير من البسانين والأراضي المزروعة بأشجار مثمرة.

ويمر من جوار المدينة ، من الجانب الشرقي ، نهر نصبت عليه طواحين. ويستخدم هذا النهر لحاجات المدينة من ماء الشرب وللاستعمالات الأخرى.

وسهول المنطقة جميلة جدا ، ولا سيما ما يسمى المتيجه الذي يبلغ طوله حوالي خمسة وأربعين ميلا بعرض مقداره ست وثلاثون ميلا (١١١) وحيث ينمو قمح وفير للغاية من أجود الأنواع.

وقد ظلت الجزائر ، ولمدة طويلة ، تحت سلطة تلمسان. ولكن بعد أن قام ملك جديد في بجاية وضعت نفسها تحت تصرفه ، لأنها كانت أقرب إلى مملكة بجاية ، ولما

__________________

(١٠٩) تفسير غير صحيح لأن جزائر بني مزغنة كانت عبارة عن جزر صغيرة صخرية ارتبطت اليوم بالبر وتغلق ميناء الجزائر من طرف واحد.

(١١٠) والحقيقة هي أن المدينة كانت تدعى في عصر الرومان ايكوسيوم.

(١١١) أي ٧٢ كم في ٤٨ كم.

٤٠٨

راى أهل الجزائر أن ملك تلمسان لا يستطيع أن ينجدهم ، وأن ملك بجاية يستطيع أن يضرهم كثيرا ، فقد قدموا لهذا الأخير خضوعهم وضريبتهم ، ولكنهم ظلوا أحرارا نوعا ما. وبعدئذ سلحوا بعض المراكب للقرصنة وتحولوا إلى قراصنة ، وهكذا راحوا يغيرون على جزر إبيزا ومايورقة ومينورقة ، وحتى السواحل الأسبانية.

ولهذا السبب أرسل الملك الكاثوليكي فرديناند أسطولا عظيما لمحاصرة الجزائر. فبنى هذا الأسطول فوق جزيرة صغيرة صخرية ، وفي مواجهة المدينة تماما ، بنى قلعة جميلة وكبيرة وقريبة جدا ، فكان الرمي يصيب الأرض ، حتى إن رمي المدفعية كان يمر من فوق اسوار المدينة ، من سور لآخر (١١٢).

ونتيجة لذلك اضطر سكان الجزائر لإرسال سفارة إلى أسبانيا لاقتراح هدنة مدتها عشرة أعوام مقابل دفع جزية معينة رضي بها الملك (١١٣) ، وهكذا ظلوا في سلام مدة بضعة أشهر.

وفي هذه الأثناء جاء بربروس وحاصر بجاية (١١٤) ، وبعد أن احتل قلعة من بناء الأسبان ، أحكم الحصار أمام الأخرى. ولكن ذلك لم يؤد إلى نتيجة لأن كل قبائل الجبل التي هرعت لمساعدته ، تخلت عنه بدون استئذان في موسم البذار ، وفعل الكثير من جنود الأتراك نفس الشيء (١١٥). واضطر بربروس للهرب ؛ ولكن قبل أن يذهب أشعل بيده النار في اثني عشر زورقا كانت راسية في النهر على مسافة ثلاثة أميال من بجاية. والتجأ مع أربعين من جماعته إلى قصر جيجل الذي يقع على مسافة ستين ميلا (١١٦) وظل فيه بعض الوقت (١١٧) وفي هذه الفترة مات الملك الكاثوليكي (١١٨) ورغب

__________________

(١١٢) لقد عهد الكونت بيار نافارو الأمير الأكبر للأسطول الأسباني ، عهد في عام ١٥١٠ م لديبجو ديفيرا ، قائد العمارة البحرية في البحر المتوسط ببناء قلعة صخرة الجزائر ، وهذا بموافقة الجزائريين من أبناء المدينة ، الذين ساعدوه بالأعمال وقدموا له مواد البناء.

(١١٣) ربما كان ذلك في ربيع عام ١٥١٥ م.

(١١٤) ٤ آب (أغسطس) ١٥١٥ م.

(١١٥) هطلت في أواسط شهر أيلول (سبتمبر) أمطار شديدة في جبال القبائل أدت إلى خسائر جسيمة ، فهربوا من المعركة لحراثة أراضيهم.

(١١٦) جيجلى وتقع فعلا على مسافة ٩٦ كم من بجاية.

(١١٧) من أواخر أيلول (سبتمبر) حتى ١١ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٥١٥ م.

(١١٨) مات فرديناند الكاثوليكي في ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ١٥١٦ م.

٤٠٩

سكان الجزائر في نقض الهدنة والتخلص من الجزية التي كانوا يدفعونها لأسبانيا. ولما وثقوا بقدرة بربروس العسكرية الكبرى وكفاءته في شن الحرب على النصارى ، استدعوه ونادوا به أميرا. وكان بربروس يعيش في حالة سوء تفاهم مع شخص كان قد جعل من نفسه أميرا على مدينة الجزائر. فقتله غيلة في حمام. وكان هذا الحاكم أميرا على العرب الذين كانوا يسكنون سهل المتيجة ، ويدعى سليم التومي من قبيلة ثعلبة ، وهي فرع من معقل (١١٩). فعلى أثر احتلال الأسبان بجاية (١٢٠) جعل هذا الأمير من نفسه حاكما على الجزائر واحتفظ بالسلطة لمدة بضعة أعوام حتى وصل بربروس. وبعد مقتل سليم نادى بربروس بنفسه ملكا وضرب عملة باسمه (١٢١) ووعده كل سكان المناطق المجاورة بالطاعة وأرسلوا له الجزيرة. ذاك هو أصل قوة بربروس وعظمته.

وقد كنت حاضرا خلال معظم هذه الأحداث ، لأنني كنت أقوم حينئذ برحلة من فاس إلى تونس. ونزلت بضيافة السفير الذي أوفد إلى أسبانيا والذي جلب معه ، عند عودته ، حوالي ثلاثة آلاف مخطوط عربي اشتراها من شاطبة ، وهي مدينة في مملكة بلنسية. ثم غادرت الجزائر إلى بجاية حيث وجدت بربروس منهمكا في حصاره قلعتها ، ومكثت معه لرؤية نهاية هذه المعركة ، حتى الوقت الذي هرب فيه والتجأ إلى جيجل. ثم غادرتها وقصدت قسنطينة كي أرحل منها إلى تونس ، وفي ذلك الوقت قيل لي إن بربروس قد قتل في تلمسان وأن أحد إخوته المدعو خير الدين سمي أميرا على الجزائر ولا زال يحكم حتى الساعة الحالية (١٢٢). وقد روى لي أن الامبراطور شارل حاول مرتين احتلال الجزائر وأرسل في سنتين مختلفتين أسطولا ضد هذه المدينة. ففي الأولى هزم الأسطول وغرقت معظم قطعه الحربية في ميناء الجزائر. واستطاعت الثانية

__________________

(١١٩) سليم التومي ، أمير نعلبة ، فخذ من معقل.

(١٢٠) في ٥ كانون الثاني (يناير) ١٥١٠ م.

(١٢١) لقد جرى خنق سليم التومي بواسطة عروج ، الذي نودي به أميرا ، مع لقب ملكي هو القائم بأمر الله.

(١٢٢) في الحقيقة لم يستطع المؤلف أن يغادر فاس قبل منتصف شهر آب (اغسطس) لأنه إذا لم يكن قد شهد معركة المعمورة ، قرب الرباط ، فهو قد علم بتفاصيلها ، لأنه يذكر لنا كثيرا من الأمكنة التي قطعها في أثناء الطريق ، ولم يتمكن إذن من بلوغ بجاية إلا بعد منتصف أيلول (سبتمبر). وقد قتل عروج في أيار (مايو) ١٥١٨ م في الوقت الذي كان فيه المؤلف في المشرق منذ وقت طويل ، لأنه سيذكرنا أنه كان في رشيد ، في مصر ، مع امبراطور الأتراك السلطان سليم ، ونحن نعرف من جهة أخرى أن الامبراطور العثماني زار رشيد في حزيران (يونية) ١٥١٧ م. وحكم خير الدين بربروس مدينة الجزائر من ١٥١٨ حتى ١٥٣٣.

٤١٠

أن تنزل قواتها ونشبت معركة لا هوادة فيها خلال ثلاثة أيام. وقد انكسر النصارى ، فقتل معظمهم ، وتم أسر الآخرين الذين أصبحوا عبيد بربروس ، ولم ينج من هذا الجيش إلا عدد قليل. وقد حدث هذا عام ٩٢٢ للهجرة (١٢٣).

تغدمت

هذه مدينة قديمة جدا تأسست ، حسب قول بعضهم ، في عهد الرومان. وقد أطلق عليها الأفارقة هذا الاسم ، لأن هذه الكلمة تعني عتيقة. وطول محيطها عشرة أميال (١٢٤) ، كما يلاحظ ذلك من أساسات جدار السور عند متابعتها. ولا تزال تظهر فيها آثار معبدين كبيرين حيث كانت تعبد الأوثان. وفي الوقت الذي آلت فيه لحكم المسلمين غدت مدينة متحضرة جدا ، آمنة ، وكان فيها عدد كبير من العلماء والشعراء. وقد تولى إمارتها أخ لوالد إدريس الثاني مؤسس فاس. وظلت الإمارة في أسرته قرابة مائة وخمسين سنة. ثم خربت تغدمت بسبب الحرب التي شنها خليفة القيروان الشيعي عام ٣٦٥ للهجرة (١٢٥). ولا يرى فيها الآن سوى بقايا أساساتها ، كما لاحظت ذلك بنفسي (١٢٦).

__________________

(١٢٣) حدثت أولى هاتين الحملتين بتحريض الكاردينال كسيمينس في أيلول (سبتمبر) ١٥١٦ م / شعبان ٩٢٢ ه‍. فقد أنزلت ثمانون سفينة قواتها أمام مدينة الجزائر ، وكانت هذه القوات بقيادة دييغو ديفيرا ، ولكن مكائد عروج بربروس الخربية قهرت البسالة الأسبانية ، وهبت عاصفة أغرقت الاسطول برمته تقريبا ، بحيث سقط ٣٠٠٠ قتيل منهم ، وسقط ٤٠٠ منهم أسرى ، وانتهت المحاولة الثانية بهزيمة اشنع أيضا. ففي ١٧ آب (أغسطس) ١٥١٨ م قدمت مجموعة من سفن نقل مخفورة بثمانية وثلاثين سفينة حربية وأنزلت قوات عظيمة العدد بقيادة دون أوغو دومنكادا ، نائب الملك في صقلية. ولكن هذا تردد في مهاجمة خير الدين بربروس الذي خلف أخاه عروج ، الذي قتل في شهر أيار السابق ، وكان قد أجاد تجهيز دفاعه. وحدت الهجوم في ٢٥ آب (أغسطس) الموافق ١٨ شعبان ٩٢٤ ه‍ ، وفي أثناء نشوب معركة شرسة مستمرة ، هبت عاصفة رهيبة ، ثارت فجأة وبعثرت الاسطول وقضت على ست وعشرين سفينة. وخسر الأسبان أربعة آلاف قتيل وثلاثة آلاف أسير.

(١٢٤) أي ١٦ كم.

(١٢٥) أو ٩٧٥ ـ ٩٧٦ م.

(١٢٦) تتألف تغدمت من أطلال تقع على مسافة ٤ كم غرب تيارت. ولهذا الاسم بالبربرية فعلا معنى قديمة ، ولكن له أيضا ، مع نطق يختلف قليلا حسب اللهجات ، معنى طبل صغير مربع الشكل ، ولهذا مدلوله أيضا ، لأن المدينة سبق لها أن شغلت تلّا بشكل هضبة ولا يزال يرى في نهايتها الغربية القصوى بقايا أسوار قصر رباعي الأضلاع. ولا تزال أنقاضه تتناثر فوق المنحدر الجنوبي لهذا التل فوق رقعة يبلغ إطارها ثلاثة كيلومترات تقريبا ، ولم نشاهد هنا أي أثر يظهر أنه روماني. وكانت المدينة الرومانية تدعى ، كما يعتقد ، تنغورتيا. تحرفت بلا شك على لسان العرب إلى شكل تيهارت أو ـ

٤١١

ميديه

وهي مدينة بناها الأفارقة على تخوم نوميديا ، على مسافة ثمانين ميلا تقريبا من البحر المتوسط (١٢٧). وتقع في سهل خصيب جميل للغاية وتحيط بها عدة أنهار صغيرة وبساتين. وسكانها أغنياء لأنهم يتاجرون مع نوميديا. وهم جيدو الهندام يقطنون بيوتا جميلة. بيد أنهم يتعرضون لتعسف العوائد التي يدفعونها للعرب. ونظرا إلى أنهم يبعدون مسافة مائتي ميل (١٢٨) عن تلمسان ، فإن ملكها لا يستطيع أن يدافع عنهم ولا أن يسيطر عليهم. وقد كانت ميديه بيد أمير تينس ، ثم آلت إلى بربروس ، ثم إلى أخيه (١٢٩). وقد مكثت بهذه المدينة مدة شهرين تقريبا ، وكانت إقامتي فيها ممتازة ،

__________________

ـ تاهرت ، ولا تختلف في استعمالها عن تسمية تيارت لدينا ، وربما خربت المدينة الرومانية عام ٦٨٢ م على أثر حملة عقبة من نافع الذي خاص معركة في هذا الموقع. وأعيد بناء المدينة سنة ١٤٤ ه‍ / ٧٦١ م على يد عبد الرحمن بن رستم ، زعيم الخوارج الاباضيين والوهبيين الذي قدم ليسكنها بعد أن طرد من القيروان ، ونادى بنفسه خليفة. وقد استمرت هذه الخلافة ، العزيزة دوما على قلوب سكان «المزاب» الحاليين ، ورثة هذه العقيدة ، استمرت مدة ١٥٢ سنة هجرية ، أي حتى رمضان ٢٩٦ ه‍ / حزيران (يونية) ٩٠٩ م ، وكان لتاهرت بريق جعلها تستحق لقب عراق المغرب ، وكانت سلطتها تضم شرقا جبل نفوسة جنوبي طرابلس ، الذي لا زالت جماعة من الخوارج الأباضية تقيم فيه ، وهم بربر ، وبلغت جنوبا ضفاف النيجر ، وامتدت غربا حتى الإمارات «الخارجية» حتى لقد كان لها منفذ على البحر في مرسى فروج أو فاروخ ، وربما في موقع بلدة تدعى بالفرنسية بوسكيه حاليا ، وشرقا حتى رأس إيفي. والواقع كان هناك مدينتان تحملان اسم تاهرت ، كما كان هناك فولوبيليس ووليلي ، وزالي ومسيلة ... الخ. وقد اتخذت المدينة التي بناها عبد الرحمن بن رستم اسم تاهرت الجديدة ، أو السفلى ، او تغدمت ، في حين استخدم الحصن الروماني القديم الذي يحرس المدينة من الشرق ، في عهد الأمير الرستمي ، استحدم قلعة لقبيلة بركجانه ، واتخذ اسم تاهرت القديمة أو العليا ، وهي تيارت الحالية. وكانت مدينتا تاهرت على قدر كبير من الأهمية ، لأن تاهرت الجديدة كانت المدينة التجارية على الخصوص. ولا نزال نجهل تاريخها ، لأن كتب التاريخ دمجتها في نفس التسمية. وكان الدعي الفاطمي أبو عبد الله هو الذي قضى على الأسرة الرستمية في حزيران (يونية) ٩٠٩ م عند ما انطلق من القيروان إلى سجلماسة لإنقاذ المهدي عبيد الله الذي كان سجينا. وظلت تاهرت مع ذلك مركزا هاما جدا تعرض لتقلبات كثيرة إلى أن خربت ، ويظهر أن خرابها وقع بعد الغارة التي شنها عليها في عام ١٢٠٨ م الدعي المرابطي يحيى بن غانية والتمرد الزناتي العنيف الذي أعقب ذلك : وفي ١٢٢٣ م لم يبق فيها شيء سوى الآثار. ولم يغفل المؤلف ذكر مدة بقاء الخليفة الرستمي ولا بريق خلافته ، ولكنه أخطأ بتقديمه على أنه أمير سليماني. فقد أسس سليمان بن عبد الله ، أخو إدريس وحفدته ، بالفعل ، في بلاد التل كثيرا من إمارات ، امتدت من نومالاته ، وهي مغنية الحالية في الغرب حتى سوق حمزة ، وهي البويرة الحالية شرقا ، ولكنها تعايشت مع الخلافة الرستمية ، وقد تم القضاء عليها جميعا في القرن العاشر الميلادي مع الفتح الفاطمي.

(١٢٧) لا تبعد ميديه أكثر من ٥٦ ميلا أو ٩٠ كم عن الجزائر. وكانت هي المدينة الرومانية التي كانت تدعى لاميديا ، بإسم لمديّه ، وهي قبيلة صنهاجية. ولا تزال أسرة في ميديه تدعى حتى الآن بالعربية لمداني.

(١٢٨) على الاقل ٣٠٠ ميل أو ٤٨٠ كم.

(١٢٩) أي كانت بيد عروج بربروس ثم آلت إلى خير الدين.

٤١٢

ممتعة حقا. وقد أحطت فيها بتقدير أكثر من أمير المدينة. والحقيقة هي أنهم عند ما يمر بهم غريب ، يمسك به السكان بالقوة تقريبا لتسوية خلافاتهم ، ولكتابة العقود ، ولإسدائهم النصح حول ما يدور بينهم من منازعات. وهكذا جنيت في هذين الشهرين بضع عشرات الدنانير ، سواء على شكل بضائع أو مال أو حيوانات ، حتى لقد كانت نفسي تراودني على البقاء في هذه المدينة ، ولكن اضطررت للتخلي عن ذلك بسبب ما كنت مكلفا به من مولاي.

تامند فوست

تامند فوست مدينة قديمة بناها الرومان على ساحل البحر المتوسط على مسافة اثني عشر ميلا من مدينة الجزائر (١٣٠) ، ولها ميناء طيب يستخدمه أهل الجزائر ، إذ ليس لدى هؤلاء ميناء ، وليس عندهم سوى ساحل رملي. وقد هدم القوط هذه المدينة (١٣١). وشيدت جميع أسوار الجزائر تقريبا من الحجارة المقلوعة من تامند فوست.

دلّيس

دلّيس مدينة قديمة من بناء الأفارقة على مسافة تربو على الخمسين ميلا (١٣٢) على ضفاف البحر المتوسط وهي محاطة بأسوار قديمة وقوية. وأكثر سكانها من الصباغين لأن للمدينة عدة ينابيع وجداول. وهؤلاء السكان لطفاء ويحيون حياة مرحة. ويجيدون كلهم تقريبا الضرب على العود وعلى القانون. ولديهم الكثير من الأراضي الزراعية الخصيبة التي تجود بها زراعة القمح. ويلبسون ثيابا لائقة ، مثلما يفعل سكان الجزائر. ولجميعهم عادة الصيد بالشباك ويصيدون الكثير من السمك (١٣٣). ولا يباع هذا السمك ولا يشترى بل يعطى منه لمن يشاء. وقد حاكت هذه المدينة دوما ما كانت تفعله الجزائر ، سواء فيما يتعلق بحكومتها أو إمارتها.

__________________

(١٣٠) المقصود بها الأطلال الرومانية لمستعمرة روسغونية ، شرقي ساحل الجزائر ، على مسافة ٢٧ كم من العاصمة وغرب البلدة التي كان الفرنسيون يسمونها لابيروز ، وهي ميناء صغير طيب يحميه رأس ماتيفو. وقد ظلت مع ذلك عند الحصن التركي القديم الذي لا يزال فوق هذا الرأس.

(١٣١) أي الفندال.

(١٣٢) أي أكثر من ٨٠ كم.

(١٣٣) أو الحوت عند المغاربة.

٤١٣

جبال مملكة تلمسان

جبال بني سناسن

يقع جبل يني سناسن على مسافة خمسين ميلا (١٣٤) غرب تلمسان. فهو يتاخم صحراء غارت من جهة ، وصحراء أنجاد من جهة أخرى. ويمتد على طول يناهز خمسة وعشرين ميلا (١٣٥) وعلى عرض مقداره خمسة عشر ميلا (١٣٦). وهو جبل وعر ، عال جدا وعسير المرتقى كثيرا. وهو مستور بالكثير من الأحراش التي تنتج كمية كبيرة من الخروب الذي يعتبر الغذاء الرئيسي للسكان ، إذ ليس لديهم سوى القليل من الشعير. وفي هذا الجبل الكثير من القرى المأهولة بأناس بواسل وشجعان.

وتقوم في أعلى الجبل قلعة قوية جدا يقيم فيها أمراء البلاد ، وهم يقتتلون فيما بينهم ، لأن كل واحد يطمح إلى أن يكون قائدا. وقد كانت لي علاقات ودية مع هؤلاء الأمراء الذين تعرفت عليهم في بلاط فاس ، والذين كانوا يجلونني كثيرا.

وفي هذا الجبل حوالي عشرة آلاف محارب.

جبل متغاره

هذا الجبل عال جدا وشديد البرد ، ولكنه مأهول بشكل طيب. ويقع على مسافة ستة أميال عن ندرومه. وسكانه بواسل ، ولكنهم فقراء إذ لا ينبت في جبلهم من الحبوب سوى الشعير. ولكن تنبت فيه كمية كبيرة من شحر الخروب. ويرتبط سكان ندرومه بحلف مع هؤلاء الجبليين. وهم يتناصرون فيما بينهم ضد ملك تلمسان (١٣٧).

__________________

(١٣٤) ٨٠ كم.

(١٣٥) ٤٠ كم.

(١٣٦) ٢٤ كم.

(١٣٧) ترتفع كتلة فيلاوسين الجبلية إلى ١١٥٦ م كما أن ندرومه الواقعة فوق أسفل السفح يكون متوسط إرتفاعها ٤٠٠ م. وكانت هذه المدينة تحمل في القرن التاسع الميلادي اسم فالوسان. وتسكنها حاليا قبيلة الترارة ، الذين تسميهم النصوص القديمة اتراره ، وتسميهم في نفس الوقت متغارة.

٤١٤

جبل أولاسّة (١٣٨)

يجاور هذا الجبل المرتفع مدينة حنين وتسكنه قبيلة شرسة ، ولكنها في فقر مدقع ، تقاتل سكان حنين في أكثر الأوقات ، وهم الذين نهبوا هذه المدينة. وينبت فيه قليل من الحنطة ، وكثير من الخروب (١٣٩).

جبل أغبال

تقطن هذا الجبل جماعة منحطة تخضع لحكومة مدينة وهران وكل سكانه فلاحون وحطابون. ويجلب هؤلاء الحطب إلى وهران. وفي العصر الذي كانت فيه وهران تابعة للمسلمين كان هؤلاء يعيشون بحالة طيبة من الرخاء ، ولكن بعد أن سقطت هذه المدينة في أيدي النصارى ، انحدروا إلى درك شديد من الفقر ، وينالهم دائما من هؤلاء النصارى أضرار أخرى (١٤٠).

بني أورنيد

يقع هذا الجبل على مسافة ثلاثة أميال من مدينة تلمسان ، وهو آهل كثيرا بالسكان ، وينتج الكثير من الثمار ، لا سيما التين والكرز ، وأهله فحامون وحطابون ويزاولون كذلك فلاحة الأرض حتى إن هذا الجبل يعطي أثني عشر ألف دينارا من العوائد في العام ، استنادا إلى ما قاله لي كاتب ملك تلمسان (١٤١).

__________________

(١٣٨) أو جبل ولهاسّه.

(١٣٩) لا تشغل قبيلة ولهاسة في أيامنا هذه سوى ضفاف نهر التافنة جنوب رشغون ، ولكن المحتمل أنهم شغلوا في الماضي كورة كبيرة تمتد من حنين غربا حتى رأس اولاسّه شرقا.

(١٤٠) تعني كلمة أغبال بالبربرية نبع. وقد أطلق اسم محرف ، هو إربال ، على محطة سكة حديد واقعة على مسافة ١٩ كم من وهران التي تخدم مزرعة تدعى آربال ، القريبة من أطلال رومانية تعتبر خرائب آدرجياس حسب مسالك انطونان. وقد وجد في اغبال ، فيما مضى ، بلدة مسورة يبدو أنها تخربت لأول مرة حوالي ١٣٣٥ م في أثناء حملة السلطان المريني أبو الكساس على ضد تلمسان. ولما احتل الأسبان المنطقة أقاموا فيها سورا من حجارة لسكنى حامية صغيرة أبيدت على أيدي العرب في آذار (مارس) ١٥٣١ م.

(١٤١) لا تزال زناتة بني أورنيد باقية جنوب تلمسان. ويبدو أن الشكل البربري القديم لهذا الاسم كان آيت وارينيد.

٤١٥

جبل مغراوه

يمتد هذا الجبل على مسافة أربعين ميلا (١٤٢) على طول البحر المتوسط ، غرب مستغانم ، وهي مدينة سبق لنا الكلام عنها آنفا. وأهله أشراف وبواسل. ويملكون أراض طيبة وهم فضلا عن ذلك بشوشون وغاية في الكرم (١٤٣).

جبل بني أبو سعيد

يجاور هذا الجبل مدينة تينس وهو مأهول جدا بأناس في غاية القساوة والعنف ، ولكنهم شجعان. ولديهم مقادير كبيرة من العسل والشعير والماعز ، ويجلبون الصمغ والجلود حتى شط تينس الرملي لبيعها إلى التجار الأوربيين. وكانوا يدفعون ضريبة زهيدة لملك تينس عند ما كان أقاربه يحكمون المنطقة (١٤٤).

جبل الورسنيس

وهو جبل شديد الارتفاع ، تسكنه قبيلة شريفة (١٤٥) شنت الحرب على ملوك تلمسان أكثر من مرة. وقد استمرت هذه الحروب أكثر من ستين عاما وربما أكثر بفضل دعم ملوك فاس. ولهذا الجبل تربة ممتازة للزراعة وتكثر فيه العيون. وتوجد في قمته ، وهي قاحلة جدا ، كمية كبيرة من التوتياء (١٤٦). وفي هذا الجبل عشرون ألف مقاتل منهم ألفان وخمسمائة من الفرسان. وسكان هذا الجبل هم الذين قدموا دعمهم للأمير يحيى ، وهو الذي نصب نفسه ملكا على تونس ، ولكن بعد أن بدّلت دولة تينس إمارتها راح فرسان هذا الجبل يشنون الغارات في سائر أنحاء البلاد (١٤٧).

__________________

(١٤٢) ٦٤ كم.

(١٤٣) لم يبق ما يذكرنا اليوم بهذه القبيلة الكبيرة سوى راس مغراوة الذي يقع على مسافة ١٠٤ كم شرق مستغانم و ١٦ كم غرب تينس ، ويبدو أن زناته مغراوة ، وفي البربرية إيما غران ، يبدو أنها هي الماشليس الذين أشار اليهم هيرودوت في الأصقاع المجاورة لجزيرة جربه وهم الماشراية عند بلين Pline والماشريس عند بطليموس Ptolemee.

(١٤٤) كان بنو أبي سعيد فرعا من مغراوة ، وكانوا يشغلون على التحديد جبل زتيمة الواقع جنوب برشك.

(١٤٥) أي زناته بني توجين.

(١٤٦) أو كسيد الزنك ، فلز الزنك.

(١٤٧) تحمل هذه الكتلة الجبلية اليوم اسم الورسنيس ، وهو تحريف لكلمة ونشريش التي أصبحت ونشريس ثم ونسريس.

٤١٦

جبال دولة الجزائر

يوجد في جنوب وشرق سهل الجزائر ، وعلى تخومه ، عدد لا يحصى من جبال تقطنها قبائل جريئة ، معفاة من أية ضريبة وهم أغنياء جدا وغاية في الأريحية ، ولديهم أراض زراعية ممتازة ، وكثير من الماشية وعدد كبير من الخيل. وهم في أغلب الحالات في حالة حرب فيما بينهم ، حتى أنه لا يجرؤ إنسان ، سواء كان من أبناء المنطقة أو غريبا ، أن يمر بسلام دون أن يكون مصحوبا بأحد الفقهاء.

ويقيم هؤلاء فيما بينهم معارض وأسواق. ولا يوجد في هذه الجبال شيء سوى الحيوانات والحبوب والصوف والقليل من أدوات الخياطة التي تجلب من المدن ، المجاورة.

٤١٧
٤١٨

القسم الخامس

٤١٩

٤٢٠