وصف إفريقيا

ابن الوزّان الزيّاتي

وصف إفريقيا

المؤلف:

ابن الوزّان الزيّاتي


المترجم: د. عبدالرحمن حميدة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥

أسوار تطوان وشيّد فيها قلعة حصينة للغاية وأحاطها بخندق وهو نفس ما فعله حول سور المدينة. وكان عليه بعد ذلك أن يناجز البرتغاليين. فكان يفلح أحيانا في إلحاق الأذى الشديد بسبتة والقصر الصغير وطنجة. وكان تحت تصرفه على الدوام ثلاثمائة فارس ، وكلهم من الغرناطيين ومن نخبة أهل غرناطة. واستطاع بهذا الجيش أن يغزو كل أنحاء المنطقة وأن يأسر العديد من النصارى الذين كان يحتفظ بهم أسرى ينهك قواهم في أشغال التحصينات. ولقد رأيت في إحدى المرات التي ذهبت فيها إلى هذه المدينة ثلاثة آلاف من الرقيق النصارى ، وكانوا يلبسون جميعا سترة من الصوف ، وينامون ليلا ، مقيدين بالاصفاد ، في قعز سراديب تحت الأرض. وكان هذا الرجل غاية في الكرم ، حتى إنه كان يستضيف أي غريب يمر في مدينته. وقد توفي منذ عهد قريب بعد أن فقد بصره ، لأنه فقد إحدى عينيه بطعنة خنجر ، وفقدت العين الأخرى بصرها في شيخوخته. وآلت المدينة الآن لأحد أحفاده وهو رجل يتصف بشدة بسالته.

جبال الهبط

يوجد في إقليم الهبط ثماني جبال شهيرة اكثر من سواها. وهي مأهولة برجال غمارة (٣٧٠) ، ولسائر هؤلاء الناس تقريبا نفس نمط الحياة ، وحتى نفس الأخلاق ، لأنهم مع انتسابهم جميعا لدين الإسلام فهم يشربون الخمر على خلاف تعاليم الدين. وهم رجال أشدّاء ، جلودون على تحمل التعب والارهاق ، ولكنهم ليسوا حسنى الهندام. ويخضعون لملك فاس ، ويدفعون له ضرائب باهظة ومن أجل ذلك لا يتاح لهم أن يلبسوا ملابس لائقة ، ما خلا بعضهم كما سنذكر ذلك على حدة.

جبل رهونة

جبل رهونة هو جبل مجاور لبلدة آزجن (٣٧١) وطوله ثلاثون ميلا (٣٧٢) وعرضه اثنا عشر

__________________

(٣٧٠) والحقيقة تؤلف قبائل هذه المنطقة خليطا من أصول مختلفة : مصمودة ، صنهاجة ، كتامة ، هوارة ، غمارة .. الخ. وتدمج جميعا تحت إسم جبالة ، أي الجبليين ، تمييزا لهم عن غمارة بالمعنى الدقيق.

(٣٧١) لا تزال قبيلة رهونة دوما حيث هي على ضفة نهر لقّس اليسرى شمالي آزجن.

(٣٧٢) ٤٨ كم.

٣٢١

ميلا (٣٧٣). ونجد فيه الزيت والعسل والأعناب بمقادير كبيرة. وليس لأهل البلاد حرفة إلا صنع الصابون وتكرير الشمع ، كما يصنعون النبيذ الأبيض والنبيذ الأحمر لاستهلاكهم الشخصي. ويغلّ هذا الجبل مقدار ثلاثة آلاف دينار لحساب ملك فاس تدفع لحاكم آزجن لينفق على أربعمائة فارس يعملون في خدمة الملك.

جبل بني زكار (٣٧٤)

وهو جبل يتاخم الجبل السابق (٣٧٥) وطوله حوالي خمسة عشر ميلا (٣٧٦) وعرضه ثمانية أميال (٣٧٧). وهو أكثر سكانا من الجبل السابق. ويكثر فيه دباغو جلود الثيران وكذلك العاملون في حياكة قماش الكتان الخشن. ويجمع هنا الكثير من الشمع. ويعقد في كل يوم سبت سوق كبير نجد فيه كل صنف من التجار ومن السلع. ويقصده كذلك الجنويون الذين يأتون لشراء الشمع وجلود الثيران التي يصدرونها إلى جنوا والبرتغال. ويغلّ هذا الجبل ستة آلاف دينار سنويا ، نصفها تدفع لقائد آزجن والباقي يدفع لبيت مال ملك فاس.

جبل بني عروس

يجاور هذا الجبل مدينة القصر الكبير. ويمتد على مسافة ثمانية أميال (٣٧٨) في اتجاه الشمال وعلى مسافة عشرين ميلا نحو الغرب (٣٧٩) ويبلغ عرضه ستة أميال (٣٨٠) ويسكنه اشراف وفرسان (٣٨١) وقد كان هذا الجبل كثيف السكان وكثير الانتاج. ولكن هؤلاء

__________________

(٣٧٣) ٢٠ كم.

(٣٧٤) بني فنزكار ، أو بني زكار.

(٣٧٥) استقر بنور زكار ، الذين كانوا يسمون سابقا بني فنزكار ، على الضفة اليمنى لنهر لقّس الذي يفصلهم عن الرهونة.

(٣٧٦) أو ٢٤ كم.

(٣٧٧) ١٢ كم.

(٣٧٨) ١٣ كم.

(٣٧٩) ٣٢ كم.

(٣٨٠) ١٠ كم.

(٣٨١) لقد كانت ذرية الإمام إدريس الثاني عديدة للغاية ، فقد كان له عشرة أبناء. وقد استقر عدد كبير من هذه الأسرة الشريفية لدى بربر صوماتة حتى إنهم شكّلوا مع اتباعهم ، من هؤلاء الفرسان ، قبيلة حقيقية دعيت «بني عروس».

٣٢٢

الأشراف ظلموا السكان الذين اضطروا إلى الهجرة منه بعد سقوط أصيلا بيد البرتغاليين (٣٨٢). ولم يبق سوى بضعة مداشر فوق المرتفعات في حين ظلت بقية الجبل مهجورة. وكان ريع الجبل يرتفع عادة الى ثلاثة آلاف دينار ، كان تدفع لقائد القصر الكبير.

جبل حبيب

يضم هذا الجبل ما بين ستة وسبعة قصور ويقطنه أناس ممتازون كرام. وذلك أنه على أثر سقوط طنجة بأيدي البرتغاليين (٣٨٣) جاء الكثيرون من أبناء هذه المدينة المتحضرين واستقروا فيه لأنه كان على مسافة خمسة وعشرين ميلا (٣٨٤) من المدينة المذكورة. ولكن الوضع في هذه المنطقة وضع مهدد ومضطرب في جملته ويسير دائما من سيء إلى أسوأ ، نظرا لأن القائد الذي يحمي هذه المنظقة (٣٨٥) يقيم على مسافة ثلاثين ميلا (٣٨٦) منها بحيث يعجز عن نجدة السكان في الوقت المناسب في كل مرة يقوم فيها البرتغاليون بشن غارات يدمرون خلالها كل ما يستطيعون تدميره.

بني حسن

جبل بني حسن عال جدا (٣٨٧) ، وهو عسير المنال بالنسبة للعدو ، إذ فضلا عن طبيعة أرضه يتميز رجاله بشدة بأسهم وجرأتهم الكبيرة. وهؤلاء الناس لم يستطيعون احتمال ظلم أبناء بلدتهم ، الذين كانوا يقضون بقوة السلاح على عزة نفوسهم ويحولون عددا منهم إلى أوضاع بائسة. ولهذا قام شاب من هؤلاء الأشراف ، وكان حانقا لأنه أصبح من رعايا تابعيه القدامى وامتلأ صدره حقدا عليهم ، فقصد غرناطة حيث انخرط لفترة من الزمن مرتزقا في خدمة النصارى ، إلى أن أصبح محاربا مجرّبا ، وعاد بعدئذ ليستقر في أحد

__________________

(٣٨٢) عام ١٤٧١ م.

(٣٨٣) في عام ١٤٧١ م.

(٣٨٤) ٤٠ كم.

(٣٨٥) أي قائد مدينة القصر الكبير.

(٣٨٦) ٤٨ كم.

(٣٨٧) لا زال بنو حسن في مكانهم بين تطوان وشفشاون وأعلى قمة في هذه المنطقة الجبلية تبلغ ١٨٠٠ م.

٣٢٣

هذه الجبال الذي التجأ إليه أقرانه. فجمع عددا لا بأس به من الفرسان ودافع عن الجبل ضد صولة البرتغاليين. ولهذا أمدّه الملك بخمسين رجلا من راشقي السهام لما رأى فعالية هذا الرجل البطولية وراح يحارب بهم أهل الجبل وطرد منه أعداءه. ولكنه استولى على ريع الجبل الذي كان يخص الملك ، وهنا استشاط هذا عليه غضبا وجرد عليه حملة على رأس جيوش عديدة. ولكن صاحبنا ندم على خطئه ، وعفا عنه الملك وأقرّه في حكم شفشاون وكورتها (٣٨٨). وهكذا أصبح أميرها الشرعي. وكان من نسل محمد صلّى الله عليه وسلّم ومن سلالة إدريس مؤسس فاس. ويعرفه البرتغاليون جيدا ويحترمونه ويسمونه باسمه وباسم أسرته ، وهو علي بن راس (٣٨٩).

جبل عنجرة

يقع هذا الجبل على مسافة ثمانية أميال (٣٩٠) تقريبا من القصر الصغير. ويمتد على مسافة عشرة أميال (٣٩١) طولا وعلى مسافة ثلاثة أميال عرضا (٣٩٢). وفيه أراض زراعية طيبة لأن أهل هذه البلاد جرّدوا الأرض من الأشجار لصنع القوارب في القصر الكبير حيث كانت تقوم دار صناعة. وكان من عادتهم زراعة الكتان وكانوا حاكة أو بحارة. ولكن بعد أن سقطت مدينة القصر الكبير بأيدي البرتغاليين (٣٩٣) هجر هؤلاء السكان جبالهم. ومع هذا لا زالت هناك بيوتهم وأملاكهم في نفس الحالة التي كانت عليها عندما كانت مأهولة ومزروعة.

__________________

(٣٨٨) نشأت شفشاون في أواخر سني القرن الخامس عشر على يد سلف هذا الشخص وإبن عمه وهو الذي ثابر على عملية بنائها.

(٣٨٩) أطلق البرتغاليون اسم «برّاشة» على الشريف أبي الحسن علي بن موسى بن الرشيد ، الذي يلفظ برشيد في اللهجة الدارجة في المغرب.

(٣٩٠) ١٣ كم.

(٣٩١) ١٦ كم.

(٣٩٢) ٥ كم.

(٣٩٣) من شهر تشرين الأول (اكتوبر) ١٤٥٨ م.

٣٢٤

ودراس

ودراس جبل عال بين سبتة وتطوان (٣٩٤) ويسكنه قوم من ذوي الجرأة البالغة وقد قدّموا على إقدامهم وجرأتهم براهين ساطعة في أثناء الحروب التي وقعت بين ملوك غرناطة وملوك أسبانيا. ومن عادة هؤلاء الجبليين الذهاب إلى غرناطة متطوعين ، وهم على قلتهم يعدلون من حيث القيمة جميع الجنود النظاميين لهؤلاء الملوك. وإلى هذا الجبل يعود أهل المدعو هلّول الذي خاض معارك ضارية ضد الأسبان. ويتداول الناس في افريقيا وفي غرناطة قصصا شعبية ، بعضها في عبارات نثرية وبعضها في قصائد شعرية ، تمجّد بطولات هذا الرجل المقدام ، كما نجد في إيطاليا قصصا عن بطولات رولاند (٣٩٥). وقد قتل هلّول في حرب أسبانيا عندما انهزم يوسف الناصر قرب قصر في قطالونيا يسميه المسلمون قصر العقاب (بضم العين). وقد قتل في هذه المعركة عشرة آلاف محارب بين صفوف المسلمين ولم ينج سوى الملك مع قلة من اتباعه. وقد حدث هذا عام ٦٠٩ للهجرة ، الذي يقابل عام ١١٦٠ من الميلاد (٣٩٦). وبعد هذه الهزيمة الاسلامية راح النصارى يحققون الانتصارات في أسبانيا ، فاستردوا كل المدن التي كانت بأيدي المسلمين. وقد مضى بين الهزيمة المذكورة وبين سقوط غرناطة بيد ملك أسبانيا مدة مائتين وخمسة وثمانين عاما تقريبا (٣٩٧).

جبل بني واغرفت

ويقع هذا الجبل على مقربة من تطوان وهو كثير السكان ، ولكنه ليس متسعا. وسكانه رجال بواسل تكثر فيهم المناقب الطيبة. وهم تحت سلطة قائد تطوان الذي

__________________

(٣٩٤) تبلغ أعلى قمة في كتلة ورداس ارتفاعا قدره ٦٩٠ م.

(٣٩٥) احد جنود شارلمان البواسل.

(٣٩٦) حدث ذلك يوم الاثنين ٢ صفر ٦٠٩ ه‍ / ١٦ تموز (يونية) ١٢١٢ م ، عندما هاجم الجيش النصراني بقيادة ملوك قشتالة وآراجون ونافار جيش المسلمين فوق هضبة لاس نافاس دو تولوشة ، في جبال سييرا مورينا ، في إقليم جيّان ، وكان جيش المسلمين بقيادة الخليفة الموحدي أبو يوسف محمد الناصر الذي كان معسكرا أمام حصن العقاب. وقد أبيد الجيش الإسلامي برمته.

(٣٩٧) في الحقيقة ٢٨٨ سنة هجرية ، لأن دخول الملكين الكاثوليكيين فرديناند وايزابللا إلى غرناطة ، كان يوم الاثنين الأول من شهر ربيع الأول ٨٩٧ ه‍ / ٢٠ كانون الثاني (يناير) ١٤٩٢ م.

٣٢٥

يطيعونه بانقياد ، ويذهبون بالفعل معه لتخريب كورة هذه المدينة (٣٩٨) التي هي بأيدي النصارى. وفي مقابل ذلك لا يدفعون لملك فاس أية ضريبة باستثناء عوائد زهيدة من أراضيهم الزراعية. بيد أنهم يجنون الكثير من الربح من جبلهم الذي ينتج الكثير من خشب البقص الذي يستخدمه صنّاع الأمشاط العاملين في فاس. ففي كل السنين يستورد هؤلاء الصناع كمية كبيرة من الخشب من هذا الجبل (٣٩٩).

الريف : منطقة من مملكة فاس

الريف منطقة من مملكة فاس تبدأ من تخوم مضيق أعمدة هرقل (٤٠٠) وتمتد شرقا حتى نهر النكور ، وهذا يمثل حوالي مائة وأربعين ميلا (٤٠١) ، وتنتهي شمالا على البحر المتوسط بمحاذاة قسم منه. وتمتد من هناك في اتجاه الجنوب على مسافة أربعين ميلا (٤٠٢) أي حتى الجبال التي تحاذي نهر الورغة ، الذي يقع في منطقة فاس. وهذه المنطقة عبارة عن بلاد كؤودة ، مليئة بالجبال الشديدة البرودة والمستورة بالعديد من الغابات التي تظهر فيها أشجار ضخمة جدا مستقيمة تماما (٤٠٣). ولا ينبت في الريف الكثير من القمح ، ولكن نعثر فيه على الكثير من أشجار التين والبرتقال.

وسكان الريف شجعان ، غير أنهم اعتادوا شرب الخمر ، وكسوتهم رديئة. وفي هذه البلاد القليل من الحيوانات ، باستثناء الماعز والحمير والقردة ، التي تعيش على شكل مجموعات كبيرة في هذه الجبال. وليس في هذه الجبال سوى القليل من المدن ، وكل القرى الهامة عبارة عن قصور أو قرى (٤٠٤) لسكانها بيوت بائسة لا تحوي أكثر من مسكن أرضي ، ومبنية كالزرائب التي نراها في أرياف أوروبا ، مع سقوف من قش أو من لحاء الشجر.

__________________

(٣٩٨) أي حوز تطوان.

(٣٩٩) كان بنو واغرفت هؤلاء ـ وهم بنو غرفت الحاليون ـ يقيمون جنوب غرب جبل بني عروس وشمالي مدينة القصر الكبير. ويبدو أن هذا الوصف لا ينطبق على بني هزمار جنوب تطوان وعلى بني أدير ، جيرانهم في الغرب ، أي جنوب بني ودراس.

(٤٠٠) الحقيقة من وادي اللّو.

(٤٠١) أو ١٤٤ كم والحقيقة حوالي ١٣٠ كم.

(٤٠٢) الصحيح ٥٠ ميلا أو ٨٠ كم في المتوسط.

(٤٠٣) أشجار الصنوبر.

(٤٠٤) أي دشر جمع دشرة وتجمع كذلك على مداشر.

٣٢٦

وكل رجال هذه القبائل ونسائها مصابون بانتفاخ غدة العنق (٤٠٥) ، وهم غلاظ وجهلة.

ترغة

ترغة مدينة صغيرة بناها القوط حسب قول بعض المؤلفين. وتقع على ساحل البحر المتوسط على مسافة خمسين ميلا تقريبا (٤٠٦) من المضيق وتضم قرابة مائة وخمسين أسرة. ويغلب على اسوارها الضعف. ويقطنها صيادون من عادتهم تمليح السمك الذي يصطادونه ويبيعونه لتجار الجبل ، وينقل لمسافة مائة وعشرين ميلا تقريبا (٤٠٧) في الداخل. وكانت هذه البلدة منظمة وكثيرة السكان. ولكن ما ان وضع البرتغاليون فيها أقدامهم (٤٠٨) حتى أخذت في الانحطاط ، سواء في مظهرها أو في عدد سكانها. وتظهر في ضواحيها غابات تغطي جبالا وعرة وباردة. وينبت الشعير في هذه الجبال ولكن بكميات زهيدة لا تسدّ استهلاك نصف السنة. وأهل هذه المنطقة شجعان حقا ، ولكنهم أجلاف ، جهال وعربيدون ، ومظهر لباسهم ردىء عادة.

بادس

بادس مدينة مبنية على ساحل البحر المتوسط ، ويسميها الأسبان فيليزدولا غمارة. وتضم ستمائة أسرة. ويقول بعض مؤرخينا أن الأفارقة بنوها ، ويقول الآخرون أن القوط هم الذين بنوها. ومهما كان الأمر فهي واقعة بين جبلين عاليين جدا (٤٠٩) وبجوار واد كبير يتشكل فيه نهر عندما يهطل المطر (٤١٠). ويقوم في داخل البلدة سوق مع العديد من الحوانيت وجامع متوسط الأبعاد. ولكن تخلو المدينة من ماء صالح للشرب. وفي خارج البلدة يوجد بئر قرب ضريح أحد الأولياء (٤١١). ولكن من

__________________

(٤٠٥) «وهذا من علائم سوق التغذية» (المترجم).

(٤٠٦) ٨٠ كم.

(٤٠٧) ٢٠٠ كم.

(٤٠٨) على أثر محاولة إنزال في عام ١٥٠٢ م.

(٤٠٩) حوالي ٥٠٠ م إرتفاعا.

(٤١٠) هو واد تالمبادس.

(٤١١) هو سيدي أبو يعقوب البادسي.

٣٢٧

الخطورة بمكان شرب هذا الماء ليلا لأنه ملىء بالعلق.

ويقسم السكان إلى فئتين ، هم الصيادون والقراصنة ، ويذهب هؤلاء بقواربهم لنهب السواحل النصرانية. والجبال حول بادس مرتفعة وموحشة. وتحتوي على أخشاب تصلح لبناء القوارب والطرادات. ولا يعيش سكان الجبال إلّا من تصدير هذا الخشب بعد نقله إلى مختلف البلاد. ولا ينبت في المنطقة سوى القليل من القمح ، ولهذا يأكل الناس في هذه المدينة خبز الشعير. ويتغذون خاصة بالسردين وبأسماك أخرى. ويحرص الصيادون على أن يحصلوا على كميات كبيرة من هذه الأسماك ، ولذلك يحتاجون دوما لبعض الأشخاص ليعينوهم في سحب الشباك. ولهذا كان من عادة الفقراء الذهاب كل صباح تقريبا لساحل البحر لتقديم العون للصيادين الذين يكافئونهم بأن يتركوا لهم قسما طيبا من السمك الذي يصيدونه مثلما يقدمون منه لكل الأشخاص المتواجدين هناك. أما بالنسبة لأسماك السردين فهم يملّحونها ويرسلونها إلى الجبال. ويوجد في هذه المدينة أيضا شارع طويل يسكنه اليهود ويباع فيه الخمر. ويبدو النبيذ كأنه مشروب مقدس بالنسبة لكل السكان. وفي كل أمسية يكون الطقس فيها صحوا يذهب الناس في مراكب صغيرة للرياضة في عرض البحر ، ويستمتعون هناك بالشراب والغناء.

ولبادس قصبة صغيرة ليست شديدة المنعة. وفيها يسكن الأمير ، مثلما يملك أيضا في خارج القصبة قصرا مع بستان بديع جدا. ونجد في خارج القصر أيضا ، بجوار البحر ، دار صناعة صغيرة حيث تبنى القوارب ، والطرادات ، وبعض المراكب. ومن عادة الأمير وسكان المدينة ، تسليح مراكب وإرسالها للبلاد النصرانية حيث يلحقون بها الكثير من الأضرار. ولهذا السبب قام دون فرناندو ، ملك أسبانيا الذي تكلمنا عنه ، وأرسل (٤١٢) أسطولا بقيادة دون بدر ونافارّ والذي احتل جزيرة واقعة تجاه بادس تماما وعلى مسافة ميل واحد من المدينة. وهناك شيّد حصنا فوق رصيف صخري (٤١٣) وجهزه بالجند وبالأقوات ، وبمدفعية قوية جدا حتى أن رمى الأسبان كان يقتل الناس في شوارع البلدة وفي الجامع. وعندها طلب أمير بادس النجدة من ملك فاس الذي أرسل العديد من الجنود المشاة لانتزاع الجزيرة ، ولكن مزّق شملهم

__________________

(٤١٢) في عام ١٥٠٨ (ترّاس ، تاريخ المغرب ، ج ٢ ، ص ١٢٢ ، عام ١٥٠٧ م)

(٤١٣) تدعى بنيون دوفيليز ، ومعناها بالأسبانية صخرة بادس الكبرى.

٣٢٨

شر ممزق فبعضهم قتل بشكل تعيس ، في حين سقط بعضهم في الأسر ، وعاد الباقون إلى فاس جرحى ، واحتفظ النصارى بالجزيرة إلى أن أرسل ملك فاس بعد أحد عشر عاما جيشا من جديد. فسقطت الجزيرة بأيدي المسلمين بفضل خيانة جندي أسباني قتل قائده الذي زنى بزوجته. فقتلوا كل النصارى الموجودين فيها باستثناء الجندي المتعاون مع المسلمين وزوجته اللذين أكرمهما أمير بادس وملك فاس ودفعها لهما مبلغا طيبا. وحدث هذا عام ١٥٢٠ من التاريخ الميلادي (٤١٤). وقد سمعت هذه القصة في نابولي من أناس كانوا موجودين عند سقوط الجزيرة. ولكن عندما احتل النصارى الجزيرة كنت حينئذ في فاس (٤١٥). ويحتفظ أمير بادس بهذه الجزيرة اليوم مع أكبر يقظة ويساعده في ذلك ملك فاس ، إذ يقع هنا أقرب ميناء إلى فاس على البحر المتوسط ، رغم وجود مسافة قدرها مائة وعشرون ميلا (٤١٦) بين بادس وفاس.

ومن عادة سفن البندقية أن تقصد بادس مرتين في العام مع بضائعها. ويزاول البنادقة التجارة هنا بالمقايضة أو بالبيع النقدي. وبالاضافة الى ذلك ينقلون البضائع وحتى الركاب المسلمين أنفسهم من هذا الميناء إلى تونس وأحيانا إلى البندقية أو حتى الاسكندرية وبيروت.

إيلليش

ايلليش مدينة صغيرة على ساحل البحر المتوسط ، على مسافة أربعة أميال (٤١٧) من بادس. ولها ميناء طيب ، ولكن صغير ، تلتجىء إليه السفن الضخمة القادمة إلى بادس عندما يكون البحر هائجا. وتظهر بجوار المدينة بضعة جبال مغطاة بأحراش كبيرة من شجر الصنوبر. وفي أيامنا كانت هذه المدينة مهجورة بسبب القراصنة الأسبان. ولا يرى فيها سوى بعض أكواخ الصيادين ، وهم دائما في حالة تأهب بمجرد

__________________

(٤١٤) تدل هذه الفقرة على مدى أهتمام الحسن الوزان بشؤون وطنه ومسلمي المغرب حتى بعد سقوطه بالأسر فكان يتابع أوضاعهم عن كثب وهو في ايطاليا (المترجم).

(٤١٥) لا يتكلم تامبورال (شيفرج ٢ ص ٢٧٥) عن وجود الحسن في فاس في تلك الفترة.

(٤١٦) ٢٠٠ كم.

(٤١٧) ٥ ، ٦ كم إلى الغرب.

٣٢٩

أن يروا مركبا. فيهربون إلى الجبال وسرعان ما يعودون بصحبة عدد كبير من الجبليين للدفاع عن أنفسهم.

تاغسّة

تاغسّة مدينة صغيرة كثيرة السكان ، وتقع على نهر صغير على مسافة ميلين من البحر (٤١٨) ، وفيها أقل من خمسمائة أسرة ، ولكن ليس فيها سوى مساكن رديئة. وكل سكانها صيادون وملّاحون. ويجلب هؤلاء البحارة الأقوات إلى المدينة لأن كل أراضيها عبارة عن جبال وغابات. ويوجد عدد لا بأس به من أشجار الكرمة والأشجار المثمرة ، والباقي خلاء. ولا يأكل الأشراف فيها شيئا سوى خبز الشعير وسمك السردين والبصل. وقد أقمت مرة في هذه المدينة مدة ثلاثة أيام ولاحظت أن رائحة السردين تفوح من الجدران والشوارع. وقد تراءت لي هذه الأيام الثلاثة كأنها ثلاثة أشهر نظرا لقذارة وشناعة هذه المدينة وأهلها.

جبها

جبها مدينة صغيرة ذات أسوار جيدة. وقد بناها الأفارقة على ساحل البحر المتوسط ، على مسافة حوالي خمسة وعشرين ميلا (٤١٩) من بادس. وهي تارة تكون مأهولة وتارة مهجورة وذلك حسب موارد الرزق التي يجدها الحاكم والحرس. وتحيط بها اراض موحشة تكثر فيها العيون والغابات. وتظهر في جوارها بعض الكروم والأشجار المثمرة الأخرى. ولا يوجد في هذه البلدة أي بناء ، ولا أي مسكن مناسب باستثناء السور المشيّد بشكل متقن.

المزّمة

كانت المزّمة (٤٢٠) مدينة كبيرة واقعة فوق جبل صغير على ساحل البحر المتوسط ،

__________________

(٤١٨) والحقيقة هناك مسافة تزيد على الكيلومترين بقليل من مصب وادي تاغسّة الواقع على مسافة ٥ كم غرب مصب وادي اورنغه.

(٤١٩) تقع أطلال «جبها» فوق هضبة موجودة في قمة رأس جبها ، وهي صخرة ضخمة تتقدم في البحر لمسافة ٤٠ كم غرب بادس وعلى مسافة ٥ ، ٢ كم شرق مصب واد اورنغه وتهيمن على موقع بويرتو كاباز.

(٤٢٠) المزّمة اسم موقع يستدعي التحديد قرب أجدير في مقابل صخرة الحسيمة.

٣٣٠

قرب حدود إقليم غارت. ويقع في أسفلها سهل فسيح يمتد على مسافة عشرة أميال (٤٢١) عرضا وثمانية وعشرين ميلا طولا من الشمال للجنوب (٤٢٢). ويمر نهر النكور من وسطه وهو الذي يفصل إقليم الريف عن إقليم غارت. ويسكنه عرب يزرعون أرضه ويحصدون منه كمية كبيرة من القمح ، تبلغ حصة أمير بادس منها حوالي خمسة آلاف كيل.

وقد كانت هذه المدينة كثيرة السكان وآمنة جدا ، ففيها كان يقيم أمير هذه المنطقة. ولكنها تخربت على ثلاث دفعات. فقد تخربت أول مرة على يد خليفة القيروان (٤٢٣) الذي غضب من رفض أمير المزّمة دفع الضريبة العادية ، فسقطت المدينة بيده وخربها وأحرقها. وقطع رأس أميرها وأرسله إلى القيروان فوق رأس رمح ، في عام ٣١٨ للهجرة (٤٢٤).

وبعد ذلك ظلت هذه المدينة مهجورة لمدة خمسة عشر عاما ، قام في نهايتها بعض الأمراء بإعمارها تحت حماية خليفة قيروان. غير أن الغيرة انتابت ملك قرطبة منها لأن هذه المدينة لم تكن تبعد أكثر من ثمانين ميلا عن حدوده البحرية ، مما يعادل عرض البحر بين مالقة التي تقع في مملكة غرناطة ، وبين هذه المدينة الواقعة في موريتانيا. وابتدأ ملك غرناطة إذن محاولته للحصول على الضريبة منها ، ولكن رفض طلبه.

فأرسل حينئذ اسطولا احتل المدينة في فترة وجيزة ، إذ لم يكن هناك أية نجدة متوقعة من خليفة القيروان التي تبعد عنها الفين وثلاثمائة ميل (٤٢٥) ، حتى أنه قبل أن يصل طلب النجدة إلى القيروان ، كانت المدينة قد سقطت ودمّرت ونهبت واقتيد أميرها سجينا إلى

__________________

(٤٢١) ١٦ كم.

(٤٢٢) لهذا السهل المثلث الشكل قاعدة طولها ١٠ كم في طول البحر و ١٦ كم من الشمال للجنوب.

(٤٢٣) الخليفة الفاطمي عبيد الله ، أول خلفاء الفاطميين.

(٤٢٤) هذه الحوادث لا تتعلق بالمزمّة ذاتها ، بل بمدينة اسمها النكور ، عاصمة إمارة عربية مستقلة. ويعتقد أن النكور كانت واقعة على الضفة اليسرى لوادي النكور ، على مسافة خمسة عشر كيلومترا من المزمّة التي كانت تشكل ميناءها ـ وفي ٢٦ حزيران (يونيه) ٩١٧ م ، قام القائد مسّالة بن حبوس ، الذي أرسله خليفة القيروان الفاطمي لفتح المغرب ، بتخريب المدينة وأرسل رأس أميرها العربي مع بضعة من أفراد أسرته إلى القيروان.

(٤٢٥) ٣٦٠٠ كم والحقيقة ١٤٠٠ كم فقط.

٣٣١

قرطبة حيث ظل حتى وفاته (٤٢٦). وتبدو المزمة حاليا مهدمة ، ولكن أسوارها سليمة تماما. وآخر مرّة تخربت فيها كانت في سنة ٨٧٢ هجرية (٤٢٧).

جبل بني جرير

سنتكلم الآن عن بعض جبال الريف ، فجبل بني جرير يسكنه فخذ من غمارة وهو مجاور لبلدة ترغة (٤٢٨). ويمتد على طول مقداره عشرة أميال وعلى عرض أربعة أميال (٤٢٩) تقريبا. وتظهر فيه أحراش كثيرة ، ومزارع الكرمة والزيتون. وسكانه غاية في الفقر ويلبسون الأسمال الحقيرة ، وليس لديهم سوى القليل من الماشية ويصنعون الكثير من الخمر والدبس المطبوخ. ولا ينبت الشعير إلا بكميات زهيدة في هذه المنطقة.

جبل بني منصور

يمتد هذا الجبل على مسافة خمسة عشر ميلا بعرض مقداره أربعة أميال (٤٣٠) ، وفيه تكثر الغابات والعيون. وسكانه أناس أولو بأس ، ولكنهم فقراء لأن جبلهم لا ينتج شيئا سوى العنب. غير أن لديهم مع هذا بعض الماعز. ويقيمون مرة في الأسبوع سوقا ، ولكن لم أجد فيه سوى البصل والثوم والزبيب والسردين المملح والشيء الزهيد من الشعير والذرة البيضاء التي يصنعون منها خبزهم ، وهو بجوار البحر تحت سلطة أمير بادس (٤٣١).

__________________

(٤٢٦) في الحقيقة لقد اضطر الخليفة الفاطمي عبيد الله سنة ٣١٧ ه‍ / ٩٢٩ م أن يعيد فتح بلاد البربر الغربية بواسطة حليفه أمير قبائل مكفاسة ، وهو حاكم تازه وجرسيف ، واسمه موسى بن أبي العافية ، وقد خربت مدينة النكور حينئذ تماما ، ويبدو أنه بعد تدمير هذه المدنة تدميرا كليا أصبحت المزمّة عاصمة هذه الإمارة.

(٤٢٧) أو عام ٨٩٢ ه‍. ولا نزال نجهل الأحداث التي أدت لخراب المزمّة سواء في عام ١٤٦٧ ـ ١٤٦٨ م أو في ١٤٨٧ م.

(٤٢٨) لا تزال قبيلة غمارة بني جرير موجودة حيث هي في جوار بلدة ترغة.

(٤٢٩) أي ١٦ كم في ٥ ، ٦ كم.

(٤٣٠) أي ٢٤ كم في ٥ ، ٦ كم.

(٤٣١) يبدو ان بني منصور قد ابتعدوا فيما بعد عن البحر مصعدين في وادي المطر.

٣٣٢

جبل بوكوّيه

يمتد هذا الجبل على مسافة أربعة عشر ميلا تقريبا من الطول وعلى مسافة ثمانية أميال من العرض (٤٣٢). ويعيش سكان هذا الجبل في بحبوحة أكثر نسبيا من سواهم من أهل الجبال ، ولباسهم لائق. ولديهم بعض الخيول لأن جبلهم يحوي أراض طيبة فيما حوله. ولا يدفعون الكثير من الضرائب نظرا لأن أحد الأولياء ، وهو المدفون في بادس ، يرجع أصله إلى هذه المنطقة (٤٣٣).

جبل بني خالد

يمر الطريق بين بادس وفاس من هذا الجبل ، وهو بارد جدا تغطيه الغابات ، وفيه ينابيع ذات مياه شديدة البرودة. ويخضع سكانه لأمير بادس. وهم لصوص قتلة بسبب فقرهم والضرائب التي ينوؤون تحت وطأتها (٤٣٤).

بني منصور (٤٣٥)

يمتد هذا الجبل على مسافة ثمانية أميال تقريبا. وهو يبتعد عن الساحل كالجبلين السابقين. وسكانه بواسل واقوياء البنية ، ولكنهم ثملون دائما. ويجنون الكثير من الأعناب ، والقليل من الحب. وتذهب نساؤهم خلف قطعان ماعزهم التي يرعينها ويقمن بالغزل في اثناء ذلك. ولا توجد بينهن واحدة وفية لزوجها (٤٣٦).

__________________

(٤٣٢) ٥ ، ٢٢ كم و ٢٣ كم.

(٤٣٣) لا يزال البوكوّيه يشغلون الساحل شرق بادس ، ويروى ابن خلدون ، الذي ولد في ٢٧ أيار (مايو) ١٣٣٢ م ، والذي جاء ليدرس في فاس سنة ١٣٥٤ م ، يروي أن أساتذته يتذكرون جيدا أنهم رأوا وليا كبيرا يدعى أبا يعقوب البادسي. وبادس لا وجود لها الآن ، ولكن لا يزال فيها ضريح الولي.

(٤٣٤) يعيش بنو خالد حاليا شمال غرب بني زروال ، بعيدا جدا إلى الغرب من الطريق المباشرة بين بادس وفاس ، ويبدو أن المؤلف قد وقع هنا في الخطأ.

(٤٣٥) اسم غير معروف.

(٤٣٦) لا يمكن تشخيص بني منصور. والراجح ان بوكوّيه قبيلة ساحلية ، وبني خالد قبيلة في داخل الريف. ومن المحتمل أن المؤلف وقع هنا في خطأ أيضا.

٣٣٣

بني يوسف (٤٣٧)

لهذا الجبل طول مقداره اثنا عشر ميلا مقابل ثمانية أميال تقريبا عرضا (٤٣٨). وأهله فقراء وأكثر رداءة في لباسهم من الآخرين إذ لا ينبت شيء طيب في جبلهم عدا كمية زهيدة من الذرة البيضاء. ويمزجون هذه الذرة مع بذور العنب ويعملون منها دقيقا ويعملون من هذا الدقيق خبزا أسود اللون كريه المذاق مزعج المنظر. ويأكلون عادة الكثير من البصل وينابيعهم عكرة المياه. غير أنهم يملكون كمية كبيرة من الماعز يعتبر حليبها بالنسبة لهم غذاء ثمينا.

جبل بني زرويل

أرض هذا الجبل خصيبة جدا يزرع فيها الكرم والزيتون وطائفة أخرى من أشجار الفاكهة. ويخضع سكانه الفقراء لأمير شيشاون الذي يثقل كاهلهم بضرائب باهظة ، يعجز هؤلاء البؤساء عن الحصول عليها مما يدره عليهم ما يصنعونه ويصدرونه من نبيذ. ويقيمون مرة في كل أسبوع سوقا يعرض فيه التين المجفف والزبيب والزيت. ومن عادتهم ذبح كثير من تيوسهم ومن عنزاتهم الهرمة التي لا تصلح للتوالد (٤٣٩).

جبل بني رزين

يكاد يكون هذا الجبل ملاصقا للبحر المتوسط في ضواحي ترغة. ويعيش سكانه في رخاء وأمان لأن جبلهم موائم للدفاع وخصيب. ولا يدفعون أية ضريبة ، ويجنون القمح والزيتون ولديهم الكثير من الكروم. وأرضهم طيبة ولا سيما على سفوح الجبل. وتقوم نساء هذه المنطقة بحراسة الماعز وبزارعة الأرض (٤٤٠).

__________________

(٤٣٧) لا يبدو أن المقصود بهم ، كما افترض البعض بني إيسف ، وهي قبيلة من زمرة الجبالة المقيمة في شمال بني زكار ، بل هم بنو يويسف الذين انصهروا من قبائل الخماس.

(٤٣٨) ٢٠ كم / في الطول و ١٣ كم في العرض.

(٤٣٩) لا يزال بنو زرويل المقيمون على الضفة اليمنى لأعالي نهر لقس يقيمون سوق الأحد على ضفة النهر.

(٤٤٠) من المحقق أن المؤلف ارتكب هنا خطأ ، لأن بني رزين هم في جنوب تاغسّة ويفصلهم عن البحر بنو جرير ، وهذه قبيلة من النجارين في بلاد تكثر فيها الغابات قبل كل شيء.

٣٣٤

جبل شيشاون

هذا الجبل أكثر كل جبال افريقيا بهجة. فنجد فيه مدينة صغيرة مليئة بالصناع وبالتجار. ويقيم فيها أمير له القيادة على عدة قبائل في هذه الجبال ، وبدأ ازدهار هذه البلاد في عهده. وقد تمرد على ملك فاس. وكان يدعى سيدي برّشيد. كما شن حربا لا هوادة فيها على البرتغاليين. ولا يدفع سكان هذه المدينة ولا سكان هذا الجبل أية ضريبة للأمير لأن معظمهم من الجنود بين مشاة وخيّالة. ولا ينبت هنا سوى القمح الى جانب الكثير من الكتان. وتوجد هنا غابات كثيرة وعدد لا يحصى من العيون. وسكان هذه المنطقة يتميزون بحسن هندامهم.

بني جبارة

هذا الجبل وعر جدا وشديد الارتفاع (٤٤١) وتمر بعض الجداول من حضيضه الذي يتغطّى بالكروم وبأشجار التين ، ولكن لا يوجد فيه القمح ، وسكانه ذو وهندام رديء. ولديهم الكثير من الماعز وبعض الثيران الصغيرة التي تشبه في قامتها عجولا عمرها ستة أشهر. ويقام هنا سوق أسبوعي ، ولكنه يكاد يكون بدون بضائع ، ومع هذا يقصده تجار من فاس وبغّالة ينقلون منه الثمار إلى فاس. وقد كان هذا الجبل إقطاعية لأحد أقارب الملك. ويقدم ريعا مقداره الفا دينار في العام (٤٤٢).

جبل بني يرزو

كان هذا الجبل كثيف السكان. وكانت فيه مدرسة لطلبة الفقه. ولهذا كان سكانه معفيين من الضرائب ، ولكن جاء طاغية استعان بالملك واستأثر به بعد أن خربه بما في ذلك المدرسة التي عثر فيها على أربعة آلاف دينار. وقد أعدم هذا الطاغية رجالا محترمين جدا. وحدث هذا عام ٩١٨ للهجرة (٤٤٣).

__________________

(٤٤١) يبلغ ارتفاع جبل سوغنه ، في بلاد بني جبارة ، ١٦١٤ م.

(٤٤٢) بنو جبارة هم اليوم إحدى قبائل حلف الخماس إلى الشمال من بني زرويل وجنوب شرق شيشاون.

(٤٤٣) أي بين ٩ / ٣ / ١٥١٢ و ٨ / ٢ / ١٥١٣. وتشير النصوص القديمة إلى ان بني يرز وشكلّوا جزءا من الخماس. وربما كان هذا الحادث متناسقا مع تدخل السلطان ، على أثر جولة للشرطة عام ١٥١٢ ، في قضايا زاوية الشيخ الغزاوي ، وهو شخصية دينية وسياسية هامة جدا. ولكن هذه الزاوية كانت في بلاد بني زكار. ويعطي النص تسلسلا للأحداث يختلف تماما عن الملخص الوارد أعلاه.

٣٣٥

جبل تيزارين

تيزارين (٤٤٤) جبل مجاور للجبل السابق. وتقع فيه عيون عديدة وأحراش وكروم. وتظهر فيه على الخصوص أطلال قديمة بدت لي كأنها من أبنية رومانية. ومن أجل ذلك فإن الباحثين عن الكنوز الذين تكلمنا عنهم سابقا (٤٤٥) يقومون فيه بأعمال التنقيب. وسكان هذا الجبل جهال ، كما أن الضرائب تفقرهم.

بني بوشيبة

وهذا الجبل بارد جدا وشديد الوعورة ، فالحبوب لا تنمو فيه كما لا يمكن اقتناء الماشية فيه بسبب البرد والجفاف. وللأشجار طبيعة قاسية حتى أن الماعز لا تستطيع أن تتغذّى عليها. وتجنى منه كمية كبيرة من الجوز الذي تتمون منه فاس والمدن المجاورة. وكل العنب الذي يجنى فيه اسود اللون ، ويصنع منه زبيب كبير الحجم كثير الحلاوة.

كما يصنع منه الكثير من الدبس المطبوخ وكمية كبيرة من النبيذ. ويلبس كل الناس «درّاعة» قصيرة (٤٤٦) من الصوف من صنف الأغطية الرديئة التي يستخدمها التجار في ايطاليا لتغطية الأقمشة التي يحملونها من بلد لآخر. ولهذه الدرّاعة المخططة بالأسود والأبيض قبعة يضعها هؤلاء الناس فوق رئوسهم فيكونون في هذا الزي أدنى إلى الحيوانات منهم إلى الأناس.

وفي الشتاء لا يجد تجار الجوز والزبيب ، الذين يأتون من فاس إلى هذا الجبل ، ما يقتاتون به ، لا خبزا ولا لحما ، وإنما يجدون البصل والسردين المملح فقط ، وسعرهما مرتفع جدا في هذه الأنحاء. ويتغذى الناس بالدبس المطبوخ وبحساء الفول ، ويعتبر انهما غذاء فخما ، ويأكلون هذا الدبس المطبوخ مع الخبز (٤٤٧)

__________________

(٤٤٤) يرسمه مارمول «تيزيران» وهو الاسم الذي لا تزال تشتهر به هذه الكتلة الجبلية.

(٤٤٥) وهم الذين يشتغلون في فاس بالبحث عن الكنوز.

(٤٤٦) وتدعى كشابية.

(٤٤٧) يؤلف بنو بوشييه حاليا قبيلة صغيرة بين عالية وادي السر وعالية واد جزار.

٣٣٦

جبل بني وليد

هذا الجبل عال جدا وعسير المرتقى (٤٤٨). وسكانه أغنياء لأن لديهم الكثير من الكروم ذات العنب الأسود ويصنعون منه الزبيب. ولديهم أيضا أراض واسعة مزروعة بكميات كبيرة من أشجار اللوز والتين والزيتون. ولا يدفعون لملك فاس أية عوائد سوى ربع دينار فقط عن كل دشرة ، مما يسمح لهم بالذهاب بأمان إلى فاس لإجراء صفقات البيع والشراء. وإذا أساء أحد إليهم لا يتركون قريب المذنب ، إذا مرّ من جبلهم ، يعود إلى بيته ما دامت هذه الإساءة لم تجبر.

ويظهر رجالهم بهندام جيد ، كما يتزينون بالحلى ، وكل مذنب من فاس ينفى الى بلادهم يلقى عندهم الأمان ، حتى إنه ليعيش على حسابهم في أثناء إقامته. ولو كان هذا الجبل يعترف بسلطة ملك فاس لاستطاع الملك أن يجني منه ستة آلاف دينار من الضرائب لأنه يضم ستين قرية ، ليس فيها قرية فقيرة (٤٤٩).

جبل مرنيسة

يتاخم هذا الجبل الجبل السالف الذكر. وينزع سكانه إلى الأصل نفسه الذي يرجع إليه بنو وليد (٤٥٠) ويعدلونهم ثراء وحرية ونبلا. ولكن تظهر لديهم خصلة ليست موجودة عند اولئك وهي أن كل امرأة تتلقى أية إهانة من زوجها ، مهما كانت ضئيلة ، تهرب إلى الجبال الأخرى ، تاركة أولادها ، وتتزوج رجلا آخر. وهذا هو السبب الذي يجعل الرجال يحملون على الغالب السلاح ويدخلون في مشاجرات مستديمة فيما بينهم. وإذا جنح الزوج القديم والجديد إلى الصلح وجب على الزوج الجديد ان يدفع للزوج القديم ما تجشمه من نفقات بسبب زواجه. وهم لا يعرفون التساهل في معاملاتهم. ولديهم قضاة مختصون يتسمون بالقسوة والجشع : لا يكتفون بسلخ جلود المشتكين البؤساء ، بل ينتزعون منهم قلوبهم نفسها (٤٥١).

__________________

(٤٤٨) يرتفع جبل درنكل ، في بلاد بني وليد ، إلى ١٦٠٢ م على الضفة اليسرى لنهر الورغة.

(٤٤٩) لقد تضاءلت اهمية بني وليد كثيرا في الوقت الحاضر.

(٤٥٠) يرى ابن خلدون ان مرنيسة هم من نفزاوة ، أما القبائل التي تجاورهم من الغرب فهي من صنهاجة.

(٤٥١) تعترف تقاليد بعض القبائل البربرية فعلا للمرأة بحق النشوز وهجربيت الزوجية ولا تزال مرنيسة تشغل دوما أعالي وادي الورغة شرقي بني وليد.

٣٣٧

جبل آيشتوم

آيشتوم جبل عال جدا شديد البرد. به ينابيع عديدة وكروم ذات عنب أسود ، وتين ممتاز غاية في جودته ، وسفرجل مدهش في حجمه ورونقه وعطره ، وليمون ، ولكن أشجار الليمون توجد في السهول في سفح الجبل. وفي هذا الجبل أيضا الكثير من أشجار الزيتون (٤٥٢) التي تعطي كمية كبيرة من الزيت ، وسكانه معفون من أية ضريبة ولكنهم يقدمون في كل سنة ، باختيار منهم ، هدايا جميلة وثمينة لملك فاس (٤٥٣). ومن أجل ذلك يستطيعون الذهاب إلى فاس في كل أمان لشراء القمح منها والصوف ونسيج الكتان. وهم يلبسون لباس الأشراف ولا سيما أهل القرية الرئيسية حيث يقيم أكثر الصناع والتجار والأعيان (٤٥٤).

جبل بني ايدر

هذا الجبل كبير جدا ومأهول بالسكان ، ولكنه لا ينتج سوى العنب الأسود الذي يصنع منه الزبيب والخمر. وكان سكانه معفين من الضرائب ولكنهم مع ذلك كانوا يغتالون الغرباء ويسلبونهم بسبب بؤسهم. ولهذا السبب أخضعهم أمير بادس بالأستعانة بقوات ملك فاس ، وسلبهم حريتهم. وفي هذا الجبل نحو خمسين قرية. ولكن غلتها لا تكاد تساوي في مجموعها أربعمائة دينار في العام (٤٥٥).

__________________

(٤٥٢) «يطلق العرب في المغرب كلمة الزياتين على مزارع الزيتون الواسعة» (المترجم).

(٤٥٣) وكان يطلق عليها اسم «الهدية» ولم تكن إجبارية في ذلك العصر.

(٤٥٤) آيشتوم وهو اسم تحمله بعض قرى شمالي المملكة المغربية. وهناك قرية لها نفس الأسم في بلاد قبيلة المتيوه على الضفة اليمنى لنهر الورغة قرب واد جزار. ومن المحتمل أن هذه القرية هي المقصودة وأن الكتلة الجبلية المقصودة هي جبل متيوه الذي يرتفع لأكثر من ١٨٠٠ م.

(٤٥٥) يسكن بنو ايدر في أيامنا بضع قرى صغيرة في منطقة بني زروال الواقعة قرب مقرن وادي آودور ووادي تسرافت على سفوح جبل صغير لا يزال يحمل اليوم إسم بني ايدر.

٣٣٨

جبل لوكاي

هو جبل عسير المرتقى نظرا لشدة ارتفاعه (٤٥٦) ، وسكانه أغنياء جدا لأن الجبل ينتج كمية من العنب التي يصنع منها الزبيب ، كما ينتج التين واللوز والزيتون والسفرجل والليمون. ونظرا لوقوع هذا الجبل على مسافة خمس وثلاثين ميلا من فاس (٤٥٧) فإن أهله يبيعون كل ثمارهم في المدينة المذكورة.

ويعيش فيه أعيان وفرسان متغطرسون بصورة تتجاوز الحدود ، حتى انهم لم يقبلوا قط أن يدفعوا أية إتاوة. وهم متمتعون بالفعل بحماية الجبل. ويرحبون بجميع من يفد إليهم من المنفيين من فاس ويستقبلونهم بحفاوة ، وذلك باستثناء الزناة ، لأن الناس هنا غيورون ولا يرغبون في وجودهم بينهم. ويحتمل الملك وجودهم بسبب الفائدة الجزيلة التي يقدمها هذا الجبل لمدينة فاس.

بني زروال

يمتد هذا الجبل بطول ثلاثين ميلا وعلى عرض يقارب خمسة عشر ميلا (٤٥٨). ويتشعب إلى ثلاثة جبال فرعية أخرى. وبين هذه الجبال وبين الجبلين اللذين تكلمنا عنهما (٤٥٩) تجري أنهار صغيرة. وأهل هذه البلاد شجعان وجسورون ، ولكنهم ينوءون تحت وطأة ضرائب يدفعونها لقائد ملك فاس ، فهم يدفعون له سنويا ثمانية عشر الفا من الدنانير.

وهذا الجبل خصيب جدا وينتج الأعناب والزيتون والتين والكتان. وتصنع فيه كمية كبيرة من الخمر ، ومن الدبس المطبوخ ، ومن الزيت ومن نسيج الكتان الخشن.

__________________

(٤٥٦) كان لقبيلة لوكّاي دور تاريخي على قدر لا بأس به من الأهمية. ويشرف جبلها على مقرن الورغة مع وادي تشريس. وتحمل صنهاجة لوكاي في أيامنا اسم صنهاجة مصباح. وقمة الجبل وحدها هي التي ترتفع على شكل مخروط إلى ١٦٢٩ م في حين أن الوادي يقع على ارتفاع ٣٠٠ م وقد احتفظ باسم لوكاي ويرسمه خطأ علماء الخرائط في أيامنا «الكيل».

(٤٥٧) صوابه ٦٥ ميلا أي ١٠٤ كم وهي مسافة صحيحة تقريبا.

(٤٥٨) ١٨ كم و ٢٤ كم.

(٤٥٩) أي بني ايدر غربا ولو كاي شرقا.

٣٣٩

ويستمد من كل هذه الثمرات والصنائع المال الضروري لدفع هذا المبلغ للقائد الذي ينوب عنه باستمرار مفوضون ووكلاء يرهقون هؤلاء الجبليين ويمتصونهم امتصاصا (٤٦٠).

وفي هذا الجبل من القرى والمداشر ما لا يكاد يحصره عد ، وتضم بعض هذه القرى مائة أسرة ويضم بعضها مائتين. ويمكن تقدير عدد هذه التجمعات السكانية بحوالي مائة وعشرين ما بين قرية ومدشر. والسكان بحالة حرب مستمرة مع جيرانهم ، ويسقط الكثير من القتلى. ويطلب الملك دية القتلى من الطرفين ، بحيث تشكل هذه الحروب موارد للملك. وفي هذا الجبل مدينة صغيرة راقية جدا تحوي الكثير من الصناع ، وهي محاطة بكثير من مزارع الكروم والسفرجل والليمون ومنها تحمل الفواكه إلى فاس. ويصنع في هذه المدينة كمية كبيرة من نسيج الكتان. وفيها قضاة ومحامون لأنه عندما ينعقد السوق يأتي الكثير من أهل الجبال المجاورة ليجتمعوا فيه (ويحدث بيهم من النزاع ما يقتضي وجود قضاة ومحامين).

وفي هذا الجبل تجويف في قعر واد يشبه كهف ينبعث مه باستمرار لهب كبير. ولاحظت ان الكثير من الغرباء يقصدون هذا الوادي لرؤية هذه النار. ويرمون فيها أغصانا وقطعا من أخشاب سرعان ما تلتهما النار على الفور. وهذا أكثر الأشياء عجبا من التي رأيتها بين الظواهر الطبيعية. ويعتقد البعض أن هذه الفتحة هي فوهة الجحيم (٤٦١).

جبل بني ورياغل

يتاخم هذا الجبل الجبل السابق ولكن سكان هذين الجبلين في عداء مستحكم ويظهر عند حضيض هذا الجبل سهل جميل للغاية يتاخم أراضي فاس ويجري نهر الورغة مخترقا هذا السهل. ويحصل من هذا الجبل كمية كبيرة من الزيت ومن القمح ومن الكتان. ويصنع فيه الكثير من قماش الكتان. ولكن كان للملك دائما حق وضع

__________________

(٤٦٠) في الأصل يقتلعون عيونهم.

(٤٦١) لم تترك المدينة التي يقصدها المؤلف ولا انبثاق البترول الذي يذكره المؤلف أي أثر في منطقة بني زروال ، أو بني وازروال في اللغة البربرية القديمة ، وكانت قبيلة كبيرة شمالي نهر الورغة.

٣٤٠