وصف إفريقيا

ابن الوزّان الزيّاتي

وصف إفريقيا

المؤلف:

ابن الوزّان الزيّاتي


المترجم: د. عبدالرحمن حميدة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥

يعطي بياض هذه الأقمشة فوق خضرة المرج منظرا بهيجا للعين. ويبدو ماء النهر الشديد الصفاء من بعيد بلون أزرق سماوي أو لازوردي. وهذا ما أثار قريحة بعض الشعراء الذين نظموا حول هذا الموضوع قصائد تتميز بأبيات أنيقة جدا (٢١٦).

مقابر خارج المدينة

يوجد في فاس بضعة عرصات لدفن الموتى ، وقد وهبت هذه الأراضي لوجه الله من قبل الشرفاء لاستخدامها مقابر. ويوضع فوق جسم المتوفي ، أو بالأحرى فوق المكان الذي يرقد فيه ، قطعة حجر طويلة رقيقة ذات ظهر مثلث الشكل. وأما بالنسبة للنبلاء أو ذوي الشهرة فتقضي العادة أن توضع لوحة من الرخام عند الرأس وأخرى فوق القدمين.

وتنقش فوق هذه الصفائح أشعار تعبر عن العزاء لوفاة هذا العظيم ، وما تركته هذه الوفاة في النفوس من مرارة وأحزان. ويذكر تحت ذلك اسم المتوفي واسم آبائه وكذلك يوم الوفاة وسنته. وقد عنيت كثيرا بجمع كل كتابات الشواهد التي رأيتها ، وهذا ليس في فاس وحدها ، بل في سائر مدن بلاد البربر ، وجمعتها في مجلد صغير قدمته هدية لشقيق الملك الذي يحكم حاليا على إثر موت والده ، الملك الهرم (٢١٧). ومن بين هذه الأبيات ما يعمل على استنهاض عزيمة الناس وتعزيتهم على حزنهم ، في حين أن بعضها الآخر يزيد في كآبتهم وحسرتهم ، ولكن يجب أن يتذرع الإنسان بالصبر في تحمل هذه وتلك.

أضرحة الملوك

يشاهد في خارج فاس أيضا ، باتجاه الشمال ، قصر فوق تل مرتفع ، وهناك توجد أضرحة بعض الملوك المرينيين. وهي قبور فخمة الزينة ، كتاباتها منقوشة فوق المرمر ومنمقة بألوان زاهية ، تفيض نفوس المتأملين فيها بالإعجاب والتقدير (٢١٨).

__________________

(٢١٦) لقد تلاشت صناعة القصارين فوق المرج ، كما فقد وادي فاس رونقه السماوي اللون.

(٢١٧) هو محمد الشيخ الذي توفي سنة ١٥٠٤ م عند ما كان عمر المؤلف ستة عشر عاما.

(٢١٨) لم يبق شيء من قبور المرينيين سوى أطلال مهدمة فوق مرتفع كان يدعى حينئذ الكلة ، أي قمة التل

٢٨١

مزارع الاشجار المثمرة والرياض

تقوم في شمالي فاس مثلما تقوم في الشرق والجنوب منها ، مزارع جميلة مليئة بالأشجار المثمرة من كل صنف. وتخترق هذه المزارع بعض تفرعات النهر. ولكثرة هذه الأشجار يخيل للناظر إليها من بعد أنها غابة حقيقية. ولا تزرع الأرض هنا بأي نبات آخر غير أنها تسقى في شهر أيار (مايو). ولهذا السبب تنتج منها الثمار بوفرة. وثمارها من نوع جيد ، باستثناء الخوخ الذي لا ينتج ثمرا لذيذ الطعم كثيرا. ويقدر ما يباع في اليوم من كل موسم خمسمائة حمل من الثمار ، فيما عدا العنب الذي لا أحسبه ضمن هذا الرقم. وتنقل كل أحمال الفواكه هذه إلى مكان معين في المدينة ، حيث يدفع عنها الرسم ، وهنا تباع لباعة الفواكه الذين يأتون لشرائها. وفي هذا السوق ذاته يباع الرقيق من الزنوج ويدفع رسم عن مبيعاته.

وإلى الغرب من فاس تقع أرض واسعة (٢١٩) عرضها خمسة عشر ميلا (٢٢٠) بطول مقداره ثلاثون ميلا (٢٢١) تكثر فيها العيون والجداول الخاصة بالجامع الكبير ، وقد استؤجرت الأرض من قبل البساتنة الذين يزرعون فيها الكتان والبطيخ والكوسا والخيار والجزر واللفت والقرنبيط والخس وسواها من الخضر ، وتزرع هذه المحاصيل بمقادير كبيرة جدا حتى لتقدر كمية المحاصيل التي تنتجها هذه الأرض بخمسة عشرة ألف حمل في الصيف ومثلها في الشتاء. ولكن هذه الأرض وخيمة ووجوه سكانها شاحبة ، وهم يشكون من حميات شديدة (٢٢٢) ويموت منها عدد كبير منهم.

مدينة فاس الجديدة

مدينة فاس الجديدة محاطة بأسوار بديعة عالية حصينة للغاية. وقد بنيت في سهل بهيج ، قرب النهر ، على مسافة ميل تقريبا غرب المدينة القديمة ، إلى الجنوب قليلا. ويمر بين السورين ذراع من النهر الذي يتجه نحو الشمال والذي تقع عليه الطواحين. وينقسم الذراع الآخر لهذا النهر إلى فرعين يمر أحدهما بين المدينة القديمة والمدينة الجديدة ، إلى

__________________

(٢١٩) كانت تدعى أرض زواغة.

(٢٢٠) ٢٥ كم.

(٢٢١) ٥٠ كم.

(٢٢٢) لعلها الملاريا.

٢٨٢

جانب القصبة ، ويتابع الآخر سيره في الوادي وسط مزارع الأشجار القريبة من المدينة القديمة حتى يدخلها من الطرف الجنوبي. ويمر الذراع الذي يخترق القصبة من مدرسة الملك أبي عنان. وقد بنى يعقوب بن عبد الحق (٢٢٣) وهو أول ملك من بني مرين هذه المدينة (٢٢٤) ولكن ملك تلمسان (٢٢٥) تسبب له في الكثير من المشاكل ، سواء بسبب دعمه الشديد لملوك مراكش أو بسبب حرصه على أن يحول دون تعاظم قوة المرينيين. وعندما فرغ يعقوب من حرب مراكش راودته رغبة الانتقام من ملك تلمسان ، فقرر شن حرب عليه ووجد أن مواقع قلاع مملكته نائية جدا عن تلمسبان. وهكذا قرر بناء هذه المدينة الجديدة ، ورأى أن ينقل إليها مقر الحكومة الملكية ، التي كانت حينئذ في مراكش. وقد تم له ذلك ، وأطلق على المدينة اسم المدينة البيضاء. ولكن الشعب سماها منذ ذلك الحين فاس الجديد.

وقد عمل الملك على تقسيم هذه المدينة ثلاثة أقسام منفصل بعضها عن بعض. فالأول للقصور المخصصة للملك وأبنائه وإخوته. ورغب يعقوب أن يكون لهذه القصور حدائقها. وشيد بجوار قصره جامعا غاية في الجمال ، كثير الزينة ، ذا هندسة عجيبة. وشيد في الجزء الثاني من المدينة زرائب كبيرة للخيل التي يستخدمها في ركوبه وعدة قصور لقواده ولأكثر شخصيات بلاطه تميزا. واختط سوق المدينة ونظمه بين الباب الغربي والباب الذي يطل على الشرق. ويبلغ طول هذا النهج نصف ميل. وهنا تقع دكاكين الباعة والحرفيين من كل صنف. وبنى رواقا كبيرا بجوار الباب الغربي عند السور الثاني مع عدة حجرات صغيرة يجلس فيها حارس المدينة مع جنوده ومستخدميه. أما القسم الثالث فكان مخصصا لسكنى الحرس الملكي الخاص ، الذي كان يتألف حينذاك من بعض المشارقة (٢٢٦) المسلحين بالقسي ، لأن استعمال راشقة السهام لم يكن حينئذ قد شاع في البلاد. وكان هؤلاء يتقاضون مرتبا عاليا من الملك. ويوجد الآن فوق هذا المكان بضعة جوامع مع حمامات جميلة جدا ، كلف بناؤها نفقات كبيرة.

وتقوم بجوار القصر الملكي دار سك العملة التي تدعى السكّة. وتتألف من بناية

__________________

(٢٢٣) أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق.

(٢٢٤) كانت حفلة وضع الأساس في ضحى الأحد ٢٣ آذار (مارس) ١٢٧٦ م.

(٢٢٥) وهو يغمو راسن بن زيان.

(٢٢٦) من الأتراك ، وكانوا يسمون الغز.

٢٨٣

تحيط بساحة مربعة ، وهي مقسمة إلى عدة حجيرات يعمل فيها العمال المعلمون. ويوجد في وسط الباحة مكتب يشغله مدير السكة مع محاسبيه وكتبته ، لأن السكة في فاس ، كما هو الشأن في غيرها ، مؤسسة تعمل لحساب الملك ويختص هو بعوائدها.

وإلى القرب من السكة يقع السوق الذي توجد فيه دكاكين الصاغة. وأمين هؤلاء الصاغة هو الشخص الذي يحتفظ بمنقش المعادن وبالقوالب النقدية (الدمغة). فلا يمكن صنع أي خاتم ولا أي شيء من فضة أو من ذهب في فاس ، إذا لم يكن المعدن منقوشا بيده (مدموغا) ، والذي يحاول بيع شيء لا يحمل نقشا يتعرض لخسارة كبيرة. ولكن كل شيء منقوش يباع بالسعر العادي ويمكن استعماله للتسديد مثل النقد. ومعظم الصاغة من اليهود الذين ينجزون أشغالهم في فاس الجديد ثم يحملونها إلى المدينة القديمة لبيعها. وقد اختصوا بسوق قرب سوق العطارين. ولا يمكن صياغة الذهب ولا الفضة في المدينة القديمة ، ولا يمكن لأي مسلم أن يمارس مهنة الصائغ ، إذ ينظر إلى الذي يبيع الأشياء الذهبية أو الفضية بسعر اعلى من الذي يساويه وزنها على أنه ربا. ولكن الملك يعطي اليهود الترخيص بممارسة صناعتها. ومع هذا يوجد في المدينة القديمة بعض الصاغة الذين يصنعون الحلى لأهل المدينة فقط ، ولكنهم لا يربحون سوى أجر يدهم.

ويشغل اليهود في أيامنا جزءا من المدينة كان يسكنه في الماضي الحرس الرماحة (٢٢٧). وكانوا يسكنون في المدينة القديمة سابقا. ولكن كان المسلمون ينهبون ممتلكاتهم في كل مرة يموت فيها ملك ، مما حدا بالملك أبي سعيد (٢٢٨) لأن يجليهم عن المدينة القديمة إلى المدينة الجديدة مع مضاعفة الجزية. وهناك يقيمون اليوم (٢٢٩) ، وهم يشغلون شارعا طويلا جدا وعريضا للغاية حيث تقع فيه دكاكينهم وكنائسهم.

وقد تزايد السكان اليهود تزايدا كبيرا حتى لم يعد من الممكن معرفة عددهم ، وخصوصا بعد إجلاء اليهود عن الأندلس على يد ملوك أسبانيا (٢٣٠). وهم محتقرون من كل الناس. ولا يحق لأي منهم أن ينتعل أحذية ، فهم لا يلبسون سوى نعال من القش

__________________

(٢٢٧) وربما كان هؤلاء من النصارى وليسوا من الغز الأتراك.

(٢٢٨) أبو سعيد عثمان الذي حكم بين ١٣٩٨ ، ١٤٢١ م.

(٢٢٩) أطلق على هذا الحي اليهودي اسم ملاح. والذي كان هو الحي الذي قدموا ليسكنوه ، ثم تعمم هذا الاسم فيما بعد على كل أحياء اليهود

(٢٣٠) في عام ١٤٩٣ م أي بعد عام واحد من سقوط غرناطة.

٢٨٤

ويضعون فوق رءوسهم عمامات سوداء. أما الذين يريدون أن يلبسوا قلنسوات فعليهم أن يخيطوا فوقها قطعة من قماش أحمر. وتبلغ جزية يهود فاس أربعمائة دينار شهريا لمصلحة الخزينة الملكية.

وقد تزودت فاس الجديدة خلال مائتين وأربعين سنة من تأسيسها بأسوار قوية وبقصور وجوامع ومدارس وبجميع التحسينات التي يمكن أن تتوافر في مدينة ما. وأظن أنه أنفق على هذه التجميلات مبلغ أكبر من ذلك الذي كلفه بناء الأسوار التي تحيط بها.

وقد أقيمت على النهر في خارج المدينة نواعير كبيرة تستمد الماء من النهر وتسوقه من فوق السور حيث بنيت قنوات تدفع بالماء إلى القصور والحدائق والجوامع. وقد صنعت هذه النواعير في عصرنا أي منذ مائة عام تقريبا. أما في الماضي فكان الماء يأتي إلى المدينة بواسطة قناة تأتي من مسافة عشرة أميال (٢٣١). وكانت القناة تمر من فوق حنايا متقنة البناء جدا. ويقال إن هذه القناة قد بنيت حسب مخططات معلم جنوي ، وهو تاجر ، وكان مقربا كثيرا من الملك في ذلك الوقت. أما النواعير فقد صنعها إسباني. وهي في الحق شيء عجيب ، لا سيما تلك الخاصة ، وهي أنه مهما بلغت قوة تيار الماء فهي لا تدور أبدا أكثر من أربع وعشرين دورة في يوم وليلة.

بقي علي أن أقول إنه لا يسكن في فاس الجديدة سوى قلة من الأشراف ، فيما عدا أقارب الملك وبعض أهل البلاط. ويتألف كل الباقين من الدهماء الذين يمارسون الخدمات الدنيئة. ويعود هذا إلى الناس ذوي السمعة الطيبة والنوعية الجيدة يأنفون من العمل في وظائف الحاشية الملكية ، حتى أنهم لا يرتضون تزويج بناتهم من العاملين في البلاط.

نمط الحياة المألوف في بلاط ملك فاس

لا نجد بين ملوك أفريقيا من نودي به ملكا أو أميرا عن طريق انتخاب الشعب ، ولا من سبق له أن استدعي من قبل الشعب من إقليم أو مدينة ولا يمكن لأي حاكم زمني ، باستثناء الخليفة ، أن يدعي بأنه حاكم شرعي استنادا إلى شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم. ولكن بعد أن ضعفت الخلافة ؛ أخذ كل رؤساء القبائل التي كانت تعيش في الصحاري تحتل البلاد

__________________

(٢٣١) من عين عميار ، وهو نبع يقع جنوبي فاس.

٢٨٥

المأهولة ، وبقوة السلاح بسط مختلف الملوك سلطتهم على خلاف شريعة محمد وعلى الرغم من الخلفاء الراشدين. وهذا ما حصل في المشرق حيث جاء الأتراك والأكراد والتتر والغز من الشرق ونصبوا منهم ملوكا. وهذا ما حدث في الغرب حيث أسست قبائل زناته مملكة ، ثم جاءت قبائل لمتونه ، ثم الموحدون وأخيرا بنو مرين فملكوا بالتعاقب. ومن الصحيح القول مع هذا بأن لمتونة قدمت لنجدة شعوب المغرب لانتشالها من أيدي المارقين عن الإسلام (٢٣٢) ، وبهذا المعنى يمكن اعتبار الملوك أصدقاء للأمة ، ولكنهم راحوا يمارسون سلطة يشوبها الطغيان كما رأينا.

ويفسر كل هذا في أيامنا كيف أن الملوك لا يعينون بموجب توارث حقيقي ، ولا من قبل كبار الشخصيات ، ولا من قبل قائد الجيش ، ولا عن طريق انتخاب الأمة ، ولكن يقسر كل أمير ، قبل وفاته ، الكبار وأكثر شخصيات بلاطه نفوذا ، على أداء القسم والاعتراف بابنه أو بأخيه خلفا له. وفي كثير من الأحيان لا يبر هؤلاء بقسمهم ، إذ يحدث دائما تقريبا ، أن يعين هؤلاء الأشخاص ملكا يعجبهم أكثر من سواه. وجرت العادة أن يتم تعيين ملك فاس حسب هذه الطريقة. وما أن يتم الاعتراف به ملكا حتى يسمى مستشاره الكبير من بين أكثر الشخصيات شرفا في حاشيته ، ويخصص له ثلث واردات مملكته. ويختار بعدئذ أمين سر لا يقتصر عمله على أمانة السر بل يكون خازن أمواله ومشرفا على شئون الجيش. ويعين بعد ذلك قادة الخيالة المكلفين بحماية مملكته ، ويقيم هؤلاء في الغالب ، في البوادي مع فرسانهم. ثم يقيم على كل مدينة حاكما يتمتع بدخل عوائدها مع التزامه بنفقات عدد معين من الفرسان على حسابه وتحت أوامر الملك ، ويكونون جاهزين للتعبئة في كل مرة يحتاج فيها الملك لحشد الجيوش. ثم يسمي بعدئذ القواد والوكلاء على القبائل التي تسكن الجبال وعلى العرب الخاضعين له. ويقوم القواد بتحقيق العدالة استنادا للتشريعات المختلفة لهذه القبائل. أما مهمة الوكلاء فهي جباية الضرائب وعليهم مسك كشوف حسابات دقيقة عن المدفوعات العادية وعن المدفوعات الاستثنائية. ثم يسمي الملك وجهاء يسمون كستود في لغة أهل البلاد (٢٣٣). ولكل واحد

__________________

(٢٣٢) يبدو أن المؤلف يعتبر الفتح المرابطي حملة جهاد إسلامية موجهة ضد برغواطة المارقة عن الإسلام ، أو ، وهذا أكثر احتمالا في نفسه ، يعتبره حملة جهاد سنية ضد خلافة الشيعة الفاطميين.

(٢٣٣) من الواجب تحديد المقابل لهذه الكلمة المستعارة من ألقاب رجال السلك البابوي في روما والتي تعني الحارس. أما التسميات العربية الدقيقة لموظفي المخزن الوطاسي التي يوردها المؤلف فقد درسها المستشرق ماسينيون ، ولكن هذه الدراسة تستدعي إعادة النظر ، ويسمى ماسينيون الواحد من هؤلاء النبلاء أي كستود : قائد الراحةQaidarraha

٢٨٦

منهم قصر أو قرية أو اثنتان يستمد منهما موردا ، سواء لمعيشته الخاصة ، أو كي يكون دوما على استعداد لمصاحبة الملك في حالة الحرب. وعلى هذا النبيل نفقات المعيشة لعدد معين من الخيالة الخفيفة على نفقته عند ما يكون في حملة عسكرية. ولكنه لا يقدم لهم وقت السلم سوى القمح والسمن واللحم من بيته وهي المواد التي تكون ضرورية لهم على مدى العام ، وكذلك مبلغا زهيدا من المال. ولكن يكسوهم مرة كل عام. ولا يقع على عاتق هؤلاء الفرسان نفقات علف رواحلهم لا في الأرياف ولا في المدينة لأن الملك يقدم لهم كل ما هو ضروري. أما السوّاس فهم من العبيد النصارى الذين يحملون أغلالا غليظة في أرجلهم ويمتطي هؤلاء العبيد النصارى الجمال التي تحمل الأثقال عند مسيرة الجيوش.

ولدى الملك مفوض يهتم على الخصوص بالجمال. فهذا الموظف يشرف على الرجال الذين يسرحون بالإبل للرعي ويوزع المراعي. وهو يحدد عدد الحيوانات اللازمة لحاجات الملك. وعلى كل جمّال أن يقتني أثنين مجهزين دوما للتحميل عندما تصدر إليه الأوامر.

ثم يأتي بعد ذلك الصراف الذي تكون مهماته جمع الأقوات اللازمة للملك وللجيش وصيانتها وتوزيعها. ولديه عشر خيام أو اثنتا عشرة خيمة كبيرة يخزن فيها الأقوات. ويعمد لتبديل الإبل باستمرار كي ينقل التموين الضروري وكيلا يشتكي الجيش قط. ويكون مستخدمو المطابخ تحت إمرة هذا الموظف.

وهناك أيضا رئيس الزرائب الذي يعتني بخيول الملك وبغاله وجماله. ويأخذ من الصرّاف كل ما يلزم للإنفاق على هذه الحيوانات وعلى جهاز المستخدمين المكلفين بشئونها.

وهناك مفوض للحبوب وظيفته نقل الشعير وكل الأعلاف الضرورية لتغذية هذه الحيوانات ولدى هذا المفوض كتبة ومحاسبون لضبط محاسبة توزيعاته وهو يقدم تقريرا بذلك لأمين سر الملك.

وتحت تصرف الملك خمسون خيالا بقيادة قائد ، مهمتهم الإعلام عن الضرائب المرسومة عن كاتب الملك وباسم الملك. وهناك قائد آخر ، له مكانة فريدة ، وهو رئيس حرس الملك الخاص. وله سلطة الأمر باسمه على الموظفين المكلفين بمهمات التنفيذ ومصادرة الأموال وتطبيق مراسيم العدالة. ويستطيع توقيف شخصيات هامة وإيداعهم السجن وتطبيق العقوبات القضائية إذا أمره الملك.

وإلى جانب الملك يوجد مستشار ، وهو خادم أمين ، يحتفظ بالخاتم الملكي. وهو

٢٨٧

الذي يكتب الرسائل الضرورية ويختمها بيده بهذا الخاتم. وهناك عدد كبير من الاتباع المشاة تحت تصرف الملك ، ولهم قائد خاص بيده تعيينهم وتسريحهم وتحديد أجرة كل واحد منهم حسب عمله. وعندما يستقبل الملك أحدا يكون هذا القائد حاضرا دوما ويقوم تقريبا بوظيفة حاجب.

وتحت تصرف الملك أيضا قائد للقوافل. ومهمته الإشراف على نقل الخيام التي تأوى اليها خيالة الملك الخفيفة. ويجدر بنا أن نشير الى أن خيام الملك تنقل على البغال في حين تنقل خيام الجنود على متون الإبل.

وهناك فرقة من حملة الأعلام. وهم يحملون الأعلام ملفوفة في أثناء السير. ويحمل واحد منهم فقط علما منشورا مرفوعا في طليعة القوات العسكرية. ويقوم حملة الأعلام هؤلاء بوظيفة الكشافة ويستكشفون الدروب ومخاضات الأنهار والغابات.

ولدى الملك العديد من الطبالين المزودين بطبول نحاسية لها شكل آنية ، عريضة في أعلاها ضيقة في أسفلها مع جلد رقيق مشدود عليها من الأعلى. ويحمل كل طبل على حصان النقل ويتوازن بواسطة ثقل مكافىء لأن هذه الأداة ثقيلة جدا. وخيول الطبالين هي أجود الخيول وأكثرها سرعة إذ يعتبر عارا كبيرا خسارة طبلة من هذه الطبول. وتدوي هذه الطبول برنين يثير الفزع كثيرا حتى إن دويها ليسمع حتى من مسافة كبيرة وتسبب ارتجاف الخيول وركابها وتقرع بعرق من عروق الثور.

هذا ولا يتعهد الملك بنفقة الأبواق ، لأن أهل المدن مجبورون على تقديم عدد معين منها ، وتكون كلها على نفقتهم. وتستعمل هذه الأبواق للدعوة إلى مائدة الملك وتستعمل كذلك إشارة للهجوم عند نشوب المعارك.

وهناك رئيس للتشريفات يقف عند قدمي الملك عندما يستقبل أو يعقد مجلسا ، ووظيفته أن يحدد للناس مكان جلوسهم ، ويجعلهم يتكلمون الواحد بعد الآخر بالترتيب ، حسب مرتبة كل واحد أو مكانته ويتألف حشم الملك الخاص في معظمه من الإماء الزنجيات ، وهناك عدد مماثل من خادمات القصر والخادمات العاديات. ولديه بعض الجواري النصرانيات ، وهن من الأسبانيات أو البرتغاليات. وجميع النساء تحت إشراف الخصيان وهم كذلك من الرقيق الأسود.

ولملك فاس مملكة واسعة الأرجاء ولكن ليس لديه دخل كبير ، فهو لا يكاد يناهز

٢٨٨

ثلاثمائة ألف دينار ، ولا يصل ليده منها سوى الخمس ، لأن الباقي ينفق على الأوجه التي ذكرناها ، وفضلا عن ذلك فإن نصف هذا الدخل يتألف من حنطة ومن ماشية ومن زيت وسمن. وتجبى هذه الضرائب على وجوه مختلفات. ففي بعض الأنحاء يكون الدفع حسب مساحة الأرض التي يستطيع حراثتها زوج من الثيران في اليوم الواحد وهو دينار ونصف (٢٣٤) ، وفي أمكنة أخرى يدفع نفس المبلغ عن كل أسرة ، وفي جهات أخرى يكون الدفع عن كل فرد يزيد عمره على خمسة عشر عاما. ولا توجد أية أعباء مالية إضافية أخرى سوى الرسوم التجارية على البضائع والتي تجبى في المدن. ومن المقرر أنه من غير المشروع في شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم جباية أية ضريبة غير الزكاة التي أمر الله بها (٢٣٥). فكل إنسان يملك مائة دينار نقدا عليه ، ما دام هذا المبلغ تحت تصرفه أن يدفع للملك دينارين ونصف دينار ، وكل إنسان يجني من أرضه عشرة مكاييل من الحب عليه أن يدفع العشر. وتنص الشريعة بأن تدفع هذه الزكاة إلى الخليفة الذي يستخدمها لحاجاته الخاصة وللصالح العام ، مثلما تفيده أيضا في إسعاف الفقراء والمرضى والأرامل ولدعم الحروب ضد العدو (*).

ولكن منذ أن تلاشت الخلافة اتخذ الخلفاء ، كما قلنا ، تدابير استبدادية إذ لم يكتفوا باغتصابهم كل هذه العوائد جملة وإنفاقها على هواهم ، بل أضافوا إليها ضرائب جديدة ، بحيث لا يوجد في سائر أفريقيا سوى القليل من الفلاحين الذين يستطيعون توفير ما يلزمهم لكسائهم وطعامهم. ونتج عن هذه الأوضاع أن أصبحنا لا نجد رجلا متعلما وشريفا يقبل أن يقيم علاقات عائلية مع الملوك العصريين ، أو أن يأكل معهم على نفس المائدة ، حتى ولا أن يقبل منهم هدية أو منحة. وتعتبر أملاك هؤلاء الحكام أكثر رجسا مما لو كانت مسروقة.

وأخيرا يحتفظ ملك فاس على الدوام بستة آلاف خيال من ذوي المرتبات ، وبخمسمائة من راشقي السهام ومثل عدد هؤلاء من حملة البنادق ، وكلهم من الفرسان ،

__________________

(٢٣٤) وحدة مساحية تسمى في شمالي بلاد الشام كدنة ، أو فدان (المترجم).

(٢٣٥) الزكاة وهي أحد الأركان الخمسة في الإسلام.

(*) مصارف الزكاة محددة في الآية الكريمة وهي قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ...) (آية ٦٠ من سورة التوبة) أنظر التفاصيل في كتب الفقه الاسلامي ، ومن هذا يتبين أن المؤلف يتخبط في بيان مصارف الزكاة. (المراجع)

٢٨٩

وهم دائما على تشكيلة نظامية ، جاهزون لتنفيذ كل الأوامر الملكية. وعند ما تكون الدولة بحالة سلم وعند ما يكون الملك في خارج المدينة فإنهم يعسكرون على مسافة ميل من معسكر الملك. وعند ما يكون الملك في فاس فإنه لا يحتاج لحرسه. وإذا اقتضى الأمر تجريدهم للحرب ضد أعدائه العرب ، فهو لا يكتفي بفرسانه الستة آلاف ، بل يستخدم رعاياه العرب قوات رديفة. فيجمع عددا كبيرا منهم على نفقتهم الخاصة ، فلدى هؤلاء العرب من الخبرة في الحرب أكثر من فرسانه الستة آلاف.

وحفلات البلاط الملكي نادرة ، ولا يقبل الملك إقامتها عن طيب خاطر. ولكن هناك ضرورة يجب أن يخضع لها في مناسبة الأعياد وفي مناسبات أخرى إليك بيانها :

عند ما يرغب الملك في الركوب ، يقوم رئيس التشريفات بإعلام سعاة البريد باسم الملك. فيقوم هؤلاء بنقل ذلك الخبر إلى أهل المدينة مسبقا وإلى قواده والكستوديين (*) والنبلاء الأخرين. فيجتمع كلهم في الساحة الواقعة أمام القصر وفي الشوارع المجاورة. وعند ما يخرج الملك من القصر يقوم السعاة بحفظ النظام في الموكب. فيسير حملة الأعلام في الطليعة يتبعهم الطبالون. ثم يأتي رئيس الاسطبلات مع مرءوسيه وحاشيته ، ثم وكيل الخرج وجماعته ، ثم الكستوديين ، ثم رئيس التشريفات ، ثم كتاب الملك ، فخازنه فالقاضي فالقائد العام للجيش ، ثم يأتي الملك بصحبة المستشار الكبير وأحد الأمراء. ويتقدم الملك بعض الضباط على الخيل ، فيحمل واحد منهم سيفه ، والثاني ترسه والثالث راشقة سهامه. ويسير حوله الخدم المشاة ، فيحمل أحدهم حربته ، وآخر غطاء سرجى ولجام حصانه. وحينما يصل الملك يغطي السرج بهذا الغطاء ، ويوضع حزام الوجه فوق العنان كي يقاد الحصان باليد. ويحمل خاذم آخر قبقات الملك ، وهو حذاء من خشب مزدان بتطريزات بديعة للغاية وهي من مستلزمات الفخامة والتباهي. ويسير رئيس الخدم خلف الملك ثم يتبعه الخصيان ويضم الموكب بعدئذ عائلة الملك ويتبعها الخيالة الخفيفة ، ثم راشقو السهام ورماة البنادق.

ويكون اللباس الذي يرتديه الملك في هذه المناسبة متواضعا ولائقا. والذي لا يعرف الملك لا يصدق عينيه بأنه هو ذاته ، لأن الخدم يكونون متسربلين بثياب أكثر رونقا مصنوعة من أقمشة ثمينة ومنمقة. ولا يضع أي أمير مسلم أو ملك على مفرقه تاجا أو أي

٢٩٠

شيء يماثله لأن شريعة محمد لا تبيح ذلك. وعند ما يستقر الملك في البوادي يبدأ بتشييد سور الحي الملكي الكبير في وسط المعسكر. ويتألف هذا السور من قماش (٢٣٦) مصنوع على هيئة اسوار قصر مع شرفات صغيرة. ويكون مربع الشكل ويكون طول كل ضلع خمسين ذراعا (٢٣٧). ويقام عند كلّ زاوية برج صغير له شرفاته وسقفه. ويعلو كل برج صغير كرة بديعة تبدو كأنها من الذهب. ولهذا السور القماشي اربعة ابواب يقف عند كل منها حارس من الخصيان. وتنصب الخيام في داخل السور. وتنصب الخيمة التي ينام فيها الملك وتطوى بسهولة كبيرة. وتنصب خيام الضباط وبطانة الملك من المقربين حول السور. وتنصب حول الخيام المذكورة خيام الكستوديين وتكون هذه من جلود الماعز كخيام العرب. ويقام في وسط المخيم تقريبا عنبر المؤن والمطبخ ومقصف خدم الملك وذلك في خيام فسيحة. وتوجد على مسافة غير بعيدة عنها خيام الخيالة الخفيفة الذين يأكلون في مطعم الملك ، ولكن بطريقة خشنة للغاية ويقع الاسطبل بعيدا نوعا ما ويتألف من مهاجع ترصف فيها الخيول بنظام ، واحد بجانب الآخر

ويخيم بغالة القافلة الملكية في خارج المعسكر. وهناك تقام دكاكين الجزارين والعقادين وكذلك باعة اللحم القديد. وينصب التجار والصناع الذين يتبعون الجيش خيامهم إلى جانب خيام البغالة.

وهكذا يبدو المعسكر الملكي بعد استقراره كأنه مدينة حقيقية حيث تقوم خيام الكستوديين فيه بدور الأسوار ، لأن هذه الخيام متلاحمة ، بحيث لا يمكن النفوذ لداخل المعسكر إلا من ممرات معينة. وتقوم الحراسة طول الليل حول السور الملكي ، ويتألف الحرس من أناس من أصل وضيع ولا يحمل أي منهم سلاحا. كما يقام حرس حول الاصطبلات. غير أنه نظرا لغفلة الحراس وكسلهم ، لم يحدث أن سرقت خيول فحسب بل عثر كذلك في داخل السور على خصوم تسللوا إليه لاغتيال الملك. ويمضي الملك العام كله تقريبا في الأرياف ، وذلك لحراسة مملكثه ، وللسهر على طمأنينتها ، ولتوثيق عرى الصداقة مع رعاياه العرب. ويتسلى الملك أحيانا بالصيد أو بلعب الشطرنج.

__________________

(٢٣٦) ويدعى بالبربرية عفرق.

(٢٣٧) حوالي ٣٥ مترا.

٢٩١

ولا أشك في أنني كنت مملا نوعا ما في هذا الوصف الطويل والغزير جدا عن مدينة فاس. ولكن كان من الضروري بالنسبة لي أن أطنب في الحديث عنها ، نظرا لأن حضارة بلاد البربر وعظمتها ، بل حضارة إفريقيا كلها وعظمتها ، يتمركزان فيها ، ومن ناحية أخرى كي أخبركم تماما بأدق التفاصيل عن وضع هذه المدينة وخصائصها.

مكرمده

مكرمده مدينة صغيرة تقع على مسافة عشرين ميلا (٢٣٨) شرقي فاس (٢٣٩). وقد بناها ملوك زناتة على ضفة نهر صغير في سهل بهيج جدا. وقد كانت في الماضي مركز كورة كبيرة وكانت آمنة للغاية. وتكثر الكروم ومزارع الأشجار المثمرة على طول النهر. وكان من عادة ملوك فاس منح عوائد هذه البلدة لرئيس وكلائهم على الإبل. ولكنها تخربت وهجرت على أثر حروب الأمير سعيد (٢٤٠) ولا يظهر منها اليوم سوى جدرانها. أما كورتها فمؤجرة لبعض أشراف فاس ولبعض المزارعين.

قصر العبّاد

وهو قصر مشيد فوق جبل عال على مسافة ستة أميال من فاس (٢٤١). ومن هذا القصر يمكن رؤية فاس والبوادي التي تحيط بها. ويعود أصل هذه التسمية إلى أنها كانت مقام زاهد يعتبره سكان فاس من الأولياء. ولكن هذا القصر لا يحوي حوله سوى القليل من الأراضي الصالحة للزراعة ، ولهذا فهو غير مأهول ، وبيوته مهدمة. ولم يبق منه سوى السور والمسجد. غير أن الأرض الزراعية الزهيدة فيه تخص جامع فاس. وقد قضيت في هذا القصر أربعة فصول صيف ، لأن هواءه عليل جدا ومعتدل ، ولأن هذا المكان المنعزل مناسب كثيرا لمن يرغب في الدرس ، ولأن والدي استأجر هذه الأرض مدة أربعة أعوام من وكيل الجامع (٢٤٢).

__________________

(٢٣٨) ٣٢ كم.

(٢٣٩) لم يمكن تحديد موقع هذه المدينة ، ولعلها كانت تقع في وادي ايناون.

(٢٤٠) بين ١٤١١ و ١٤١٢ م.

(٢٤١) ١٠ كم.

(٢٤٢) لا يزال هناك ضريح سيدي أحمد البرنوسي وهو واقع فوق هضبة شمال شرق جبل زلاغ ، على ارتفاع ٧٥٩ م وعلى ارتفاع حوالي ٥٥٠ م من وادي سبو ، ٣٠٠ م من سهل فاس.

٢٩٢

الزاوية

الزاوية بليدة بناها يوسف ، ثاني ملوك بني مرين (٢٤٣) وتقع على مسافة تقارب أربعة وعشرين ميلا (٢٤٤) من فاس (٢٤٥). وقد أسس الملك فيها دار ضيافة كبيرة (٢٤٦) وأوصى أن يدفن فيها ، ولكن لم يشأ القدر ذلك ، فقد قتل أمام أسوار تلمسان في أثناء حصاره لها (٢٤٧). وبعد هذا تدهورت أحوال الزاوية وتحولت إلى أطلال. ولم يبق فيها قائما سوى جدران دار الضيافة ، ويقوم بزراعة أرضها العرب الذين يصل استغلالهم إلى أراضي فاس ذاتها.

خولان

خولان (٢٤٨) هو قصر قديم بني على ضفة نهر سبو ، على مسافة ثمانية أميال جنوبي فاس. ويوجد خارج القصر حمام ماء ساخن جدا ، وقد شيد أبو الحسن ، زابع ملك مريني ، بناية بديعة جدا فوق هذا النبع المعدني (٢٤٩) ومن عادة أشراف فاس أن يقصدوه مرة في العام ، في شهر نيسان (إبريل) ويبقوا هناك ما بين أربعة إلى خمسة أيام للراحة فيه وللتسلية. ولكن ليس في القصر من سكان سوى جماعة من الأجلاف مؤلفة من أراذل الناس ، ومن أكثرهم شحا.

__________________

(٢٤٣) أبو يعقوب يوسف الناصر ، حكم بين ١٢٨٦ و ١٣٠٧ م.

(٢٤٤) ٥ ، ٣٨ كم.

(٢٤٥) تحدد خرائط المغرب القديمة مدينة الزاوية في شمال غرب فاس. ومع أننا نجهل مصدر معلومات سامني هذه الخرائط ، فإن تعيينها لمواضع البلاد الواردة فيها يبدو في الغالب دقيقا لدرجة تبعث على الدهشة. والخرائط الحديثة من مقياس ١ على ٠٠٠ / ١٠٠ تضع الزاوية على مسافة ٧ كم تقريبا جنوب غربي «سبت الأوداية» وهي سوق هامة على ضفة نهر سبو اليسرى. و «سبت الأوداية» تبعد عن فاس بنفس المسافة المذكورة ، آنفا (٥ ، ٣٨ كم).

(٢٤٦) تقابل هذه الكلمة كلمة زاوية العربية.

(٢٤٧) لقد اغتيل الملك المذكور بتاريخ ٣٠ أيار (مايو) ١٣٠٧ م.

(٢٤٨) أو سيدي حرازم.

(٢٤٩) لقد اختفى القصر ، ولكن بقايا بنائه لا تزال ماثلة فوق النبع الذي لم يعد يعرف بغير اسم سيدي حرازم لأن اسم خولان أصبح منسيا. أما الملك أبو الحسن علي الذي حكم بين ١٣٣١ و ١٣٤٨ م والذي كان يلقب بأبي الحسنات فقد كان في الحقيقة سادس ملك مريني.

٢٩٣

جبل زلاغ

زلاغ (٢٥٠) جبل يبدأ من سبو في اتجاه الشرق وينتهي غربا على مسافة تناهز أربعة عشر ميلا منه (٢٥١) وتقع قمته ، أي أعلى نقطة فيه ، في اتجاه الشمال ، على مسافة سبعة أميال من فاس (٢٥٢). وسفحه الجنوبي خاو تماما ، ولكن السفح المطل على الشمال مليء بأكمات رائعة يقوم عليها عدد لا يحصى من القرى والقصور. وتكاد تكون كل الأراضي الصالحة للزراعة مغروسة بالكروم التي تنتج أجود الأعناب ، وهي أكثر ما ذقت حلاوة في حياتي. ومن هذا النوع الممتاز كذلك أشجار الزيتون وجميع أشجار الفواكه الأخرى التي تنتجها هذه الكورة. ويرجع السبب في ذلك إلى أن أرضها جافة. وسكان هذه المنطقة من كبار الأغنياء ، وليس بينهم من لا يملك بيتا في مدينة فاس. ولكل أشراف فاس تقريبا كروم في جبل زلاغ. وتوجد عند حضيض الجبل ، وباتجاه الشمال أيضا ، سهول كثيرة البهجة وبساتين خضر لأن نهر سبو يسقي هذه السهول من الجنوب. ويصنع البستانيون ، بالاستعانة بالمواد المتوافرة لديهم ، نواعير ترفع ماء النهر لتروي به الأراضي الزراعية. ولهذا النطاق المزروع مساحة تعادل ما يستطيع حراثته مائتا زوج من الثيران. وقد منح إقطاعية لرئيس تشريفات الملك ، ولكنه لا يجني منها سوى خمسمائة دينار من الأرباح في العام ، لأن ضريبة العشور التي تذهب لبيت المال ترتفع أحيانا إلى ما يقارب ثلاثة آلاف كيل من الحب.

جبل زرهون

يبدأ الرزهون من سهى السايس على مسافة عشرة أميال من فاس (٢٥٣) ويمتد على مسافة ثلاثين ميلا (٢٥٤) نحو الغرب ويبلغ عرضه عشرة أميال (٢٥٥). ويبدو هذا الجبل من بعيد كأنه مغطى بالغابات ومهجور. ولكن كل هذه الأشجار هي أشجار زيتون ويضم

__________________

(٢٥٠) زلاغ أو بالبربرية أزلاغ أي التيس.

(٢٥١) ٥ ، ٢٢ كم.

(٢٥٢) ١١ كم ، وارتفاعه ٨٧٨ م وحوالي ٦٧٠ م فوق وادي سبو.

(٢٥٣) سهو والصحيح عشرون ميلا ، أو مسافة ٣٢ كم.

(٢٥٤) أي حوالي ٥٠ كم.

(٢٥٥) ١٦ كم.

٢٩٤

حوالي خمسين قرية وقصرا. وسكانه على درجة كبيرة من الرخاء لأن هذا الجبل يقع بين مدينتين كبيرتين ، أي فاس من الشرق ومكناس من الغرب.

وتنسج النسوة فيه أقمشة صوفية مصنوعة حسب طراز البلاد ، ويتجولن وهن بأبهى زينة من الخواتم والأساور الفضية. ويتصف الرجال بمتانة البنية والجسارة. ويعهد إلى هؤلاء بصيد الأسود في الغابات لتقديمها إلى ملك فاس. وينظم هذا الملك مسرحا لصراع الأسود في داخل قصبته في ساحة واسعة. وتصف في هذا القاعة عدة صناديق كبيرة يتسع داخل كل صندوق منها لرجل يقف فيه ويتحرك بسهولة. ولكل صندوق باب صغير. ويجلس في كل صندوق رجل مسلح. وعندئذ يطلق الأسد حرا في الباحة ، ويقوم أحد هؤلاء الرجال بفتح باب الصندوق ، فيجري الأسد حالا نحوه وعند ما يصل الأسد لمسافة قريبة جدا منه يغلق على نفسه الباب. ويعمل كل واحد من الرجال نفس الشيء على التوالي إلى أن يصبح الأسد بحالة ثوران عنيف. ثم يدخل ثور إلى الساحة وتنشب معركة دامية حينئذ بين الحيوانين. فإذا قتل الثور الأسد فإن المشهد ينتهي عند ذلك في هذا اليوم. ولكن إذا قتل الأسد الثور فحينئذ يخرج الرجال المسلحون من صناديقهم لمبارزة الأسد. ويصل عددهم إلى اثني عشر رجلا يحملون بأيديهم حرابا تنتهي بنصل حديد طوله ذراع ونصف ذراع (٢٥٦) ، وإذا أظهر الرجال تفوقا على الاسد يختصر الملك عددهم. وإذا أظهر الأسد تفوقا على الرجال عمد الملك وأتباعه إلى قتله براشقات سهامهم وهم يسددون إليه من أعلى شرفاتهم حيث يمكن مشاهدة المنظر ويحدث في أكثر الحالات أن يقتل الأسد أحد المصارعين ويجرح الآخرين قبل أن يموت. وتبلغ الجائزة التي يمنحها الملك عشرة دنانير لكل مبارز فضلا عن كسوة جديدة. وهؤلاء الرجال هم من أهل جبل زلاغ ، وهم غاية في الشجاعة ، بينما يكون قناصو الأسود في البوادي من أهل جبل زرهون.

وليلى : مدينة في جبل زرهون

وليلى (٢٥٧) مدينة أنشئت فوق قمة هذا الجبل على يد الرومان في الزمن الذي كانوا

__________________

(٢٥٦) ٣٥ ، ١ م.

(٢٥٧) شكل قديم لاسم وليلة ، واسمها الحالي مولاي إدريس.

٢٩٥

يحكمون فيه بلاد غرناطة الأندلسية. وهي محاطة برمتها بسور مبني بحجارة كبيرة منحوتة مع أبواب عالية عريضة. وتحيط بحوالي ستة أميال من الأرض (٢٥٨). ولكن هذه المدينة تخربت برمتها تقريبا على أيدي الأفارقة في العصور الغابرة. والحقيقة هي أنه عندما قدم إدريس الشيعي إلى هذه المنطقة (٢٥٩) بدأ فورا بترميم هذه المدينة وسكنها حتى لقد أصبحت بعد قليل من الوقت مدينة متحضرة يقصدها الناس كثيرا. ولكن بعد موت إدريس (٢٦٠) هجرها ابنه وراح يبني مدينة فاس كما سبق أن ذكرنا. ولكن مع هذا دفن فيها إدريس (٢٦١) ، وضريحه موضع تبجيل من جميع قبائل موريتانيا تقريبا التي تتردد على زيارته. لأن هذا الرجل لم يكن أقل من خليفة ولأنه ينحدر من سلالة محمد صلّى الله عليه وسلّم. أما اليوم فلم يبق في المدينة سوى بيتين أو ثلاثة تستخدم مسكنا لأولئك الذين يقومون بخدمة الضريح والتكريم الذي يستحق. والأرض حول المدينة مزروعة بصورة متقنة تماما ، إذ تقوم هنا بساتين بديعة ومزارع مزدهرة ، لأن هناك جدولين يستمدان منبعهما من داخل المدينة وينحدران بين تلال صغيرة في شعاب تقع فيها هذه المزارع.

قصر فرعون

قصر فرعون (٢٦٢) مدينة صغيرة قديمة أسسها الرومان على مسافة تقل قليلا عن ثمانية أميال (٢٦٣). ويؤمن سكان زرهون بعمق إلى جانب بضعة مؤرخين أن فرعون ، عزيز مصر في عصر موسى ، هو الذي بنى هذه المدينة ومنحها اسمه. وهذا لا يبدو صحيحا

__________________

(٢٥٨) هذا الرقم مبالغ فيه كثيرا.

(٢٥٩) أوائل أيام شهر ربيع الأول ١٧٢ ه‍ الذي يبدأ في ٩ أيلول (سبتمبر) ٧٨٨ م.

(٢٦٠) سنة ٧٩١ م.

(٢٦١) المقصود هو إدريس بن عبد الله. ولكن يجب مع هذا أن نذكر أن نصا قديما يوضح أن ابنه ، أي إدريس ابن إدريس ، قد توفي في وليلى بتاريخ ٢٨ آب (أغسطس) ٨٢٨ م وعمره ٢٨ عاما ودفن في مقبرة المدينة بجوار ضريح والده.

وهناك نص آخر يؤكد أنه توفي في فاس ودفن في جامعها ، وهو جامع الشرفاء. ولكن نلاحظ أن المؤلف عند وصفه مدينة فاس ، لم يشر إلى ذلك. وقد تلاشى قبر إدريس هذا بالفعل منذ زمن طويلى إلى أن تم ترميم هذا الجامع في ١٣٤٨ م فاكتشف قبر شخص مجهول. وقد أعلنت السلطات الحاكمة حينذاك بأنه ضريح إدريس بن إدريس. وسكوت المؤلف المطلق يدل على أنه لا يعتقد بصحة شخصية هذا القبر ، أو أنه على الأقل لم يكن له حينذاك نفس الإجلال العميق الذي يتمتع به في أيامنا.

(٢٦٢) يدعى قصر فرعون حاليا فولوبيليس VOLUBILIS وهو بذلك قد استرد اسمه الروماني القديم.

(٢٦٣) صوابه ميلان اثنان.

٢٩٦

لأننا لا نقرأ في أي مكان أن فرعون والمصريين حكموا هذه المنطقة مطلقا. ولكن هذا الظن السخيف نتج عن كتاب معنون في لغة البلاد «كتاب نبوءات محمد» ألفه المدعو الكلبي (٢٦٤). ويزعم هذا الكتاب بأنه يروى عن محمد صلّى الله عليه وسلّم أن هناك أربعة ملوك حكموا العالم قاطبة ، منهما أثنان مؤمنان واثنان كافران : فالمؤمنان كانا اسكندر الكبير وسليمان بن داوود ، والكافران هما نمرود وفرعون موسى. أما بالنسبة لي ، فإن وجود بعض الحروف اللاتينية التي تقرأ على الجدران أعطتني اليقين المطلق بأن الرومان هم الذين بنوها. ويمر من حولها نهران صغيران ، أحدهما من جانب والآخر من الجانب الآخر من المدينة ، وكل الشعاب والتلال المحيطة بها مزروعة بالزيتون. وعلى مسافة ليست بعيدة عنها تقوم غابة تضم أعدادا كبيرة من الأسود ومن الفهود.

الحجر الأحمر (٢٦٥)

الحجر الأحمر مدينة واقعة على خاصرة هذا الجبل ، وقد بنيت أيام الرومان. وهي صغيرة وقريبة جدا من الغابة ، حتى أن الأسود تأتيها وتأكل العظام التي تعثر عليها فيها.

وقد ألف السكان كثيرا رؤية هذه الأسود حتى إن النساء والأولاد لا يخشونها. وجدران المدينة عالية ومبنية بحجارة ضخمة ، ولكنها متهدمة في معظمها. وأصبحت هذه المدينة الآن نوعا من قرية أو مدشر. وتكثر في أرضها المزروعة أشجار الزيتون والحبوب ، لأنها قريبة من أزغار.

مغيلة

مغيلة مدينة صغيرة قديمة ، بناها الرومان أيضا على نتوء هذا الجبل من الجانب الذي

__________________

(٢٦٤) ابن عمار الكلبي المتوفي سنة ٨٠٩ م.

(٢٦٥) مدينة غير معروفة الآن ـ وقد ذهب الرحالة مرمول Marmol إلى وجود أطلالها وأعطاها اسم «الدار الحمراء» ويحدد مكانها بالقرب من سوق الأربعاء التابع لخيبرKhaiber. ولكن لا يوجد أي أثر لمدينة الدار الحمراء ولا لسوق الأربعاء. وأما «خيبر» فليس في الحقيقة إلا اسما لواحد من الحيين اللذين تضمهما مدينة «مولاي إدريس» وأما الأطلال الرومانية المشار إليها فليست في الحقيقة إلا أطلالا لبلدة قديمة هي توكولوزيدTocolosidal وهي ممر «ملالي» (ممرين جبليين) على الطريق من مكناس إلى فولوبيليس VOLUBILIS ، وعلى مقربة منها يوجد كذلك موضع يسمى روئبات السبع Rouibates ـ Sabu (أي غابة الأسود).

٢٩٧

يطل على فاس (٢٦٦) وتتبع هذه البلدة كورة طيبة في الجبل ، مغروسة كلها بأشجار الزيتون وكذلك كورة بديعة في السهل حيث نجد العديد من العيون الغزيرة. ويجنى من هذا السهل الكثير من القنب والكتان.

قصر الحياء (فرجوني Vergogne)

هذا القصر قديم جدا. وقد بني عند سفح جبل على الطريق الرئيسي بين فاس ومكناس. وقد سمي قصر الحياء لأن سكانه كانوا غاية في الشح ، كما هي العادة في كل البلدان الواقعة على طريق المسافرين. ويروى أن ملكا مر بها ذات يوم ، فدعاه أهل القصر لتناول الغذاء. فقبل الملك الدعوة. فذبحوا له بضعة خراف وملأوا الأوعية والقرب بالحليب حسب عادة البلاد كي يتناول الملك منه صباحا وجبة خفيفة. ولما كانت القرب كبيرة خطر ببال كل واحد منهم بأنه لو ملأ الواحدة منها نصفها ماء لما شعر به أحد ، وهذا ما صنعوه بالفعل. ولما أراد الملك متابعة سفره صباحا لم تكن عنده أية شهية في تناول الإفطار ولكن حاشيته ألحوا عليه في ذلك. ولما أفرغوا القرب وجدوا أن الحليب ممزوج بالماء ، ولما نمي إليه الخبر استغرق في الضحك قائلا : «يجب أن تعرفوا ، يا أصدقائي ، أن الغرائز الطبيعية لا يمكن أن تتلاشى» وخرج منها.

ويزرع عرب فقراء أراضي هذه البقعة (٢٦٧).

بني واريتين

وهي كورة تقع على مسافة ثمانية عشر ميلا إلى الشرق من فاس. وتتألف في جملتها من تلال مع أراض زراعية ممتازة ، وتنتج مقادير كبيرة من القمح ، وأريافها جميلة للغاية ،

__________________

(٢٦٦) تدل النصوص القديمة على أن مغيلة كانت تقع على طريق فاس ـ مكناس ، أي في السهل. وظل اسم مغيلة يعني نشزا صغيرا يشرف على وادي مغيلة ، ويقع على مسافة ١٦٠ كم غرب مفترق طريقي فاس ـ مكناس وطريق فاس ـ المحمدية (بور ليوتي سابقا) وعلى مسافة ٤٢ كم جنوب الطريق الأخير.

(٢٦٧) لا يزال اسم وموقع هذا المكان بحاجة إلى التحديد. ومع هذا يمكننا أن نلاحظ أنه على مسافة ٦ كم جنوب غرب مغيلة وشمال الطريق الذاهب من فاس إلى مكناس توجد أرض تحمل اسم بلاد المحية ، وهو اسم عشيرة معروفة ، توجد أهم جماعة منها في ضواحي وجدة في شرق المملكة المغربية. ومن الممكن أن يكون شبه هذا اللفظ بالكلمة العربية «المحيي» قد ساعد على تحريف هذا الاسم.

٢٩٨

ومراعيها ممتازة لتربية الماشية. وفي هذه الكورة مائة قرية ، ولكنها تتألف من بيوت بائسة ، والسكان هم من فقراء الناس فلا يزرعون الكرمة ، ولا البساتين ، ولا أشجارا مثمرة ، وكان من عادة الملك توزيع عائدات هذه الكورة بين إخوته وأخواته الذين هم في سن صغيرة. ونعود للكلام عن السكان فنقول بأن لدى هؤلاء الوفير من القمح والصوف. ولكن هندامهم رديء وليس لهم من أنعام الركوب سوى الحمير حتى أن جيرانهم يهزأون بهم ويزدرونهم (٢٦٨).

كورة السايس

السايس هي أيضا كورة مجاورة لفاس ، وتقع على مسافة عشرين ميلا إلى الغرب وتقع كلها في بسيط من الأرض. وتنقل الروايات أنه كان هنا العديد من القصور والقرى. ولم يبق منها الآن أي أثر ، حتى ولا أية بقية من بناء ، ولكن أسماء المواقع الداثرة لا تزال حية. ويمتد هذا السهل على مسافة ثمانية عشر ميلا نحو الغرب ، وعلى مسافة عشرين ميلا في اتجاه الجنوب. والأراضي فيها ممتازة ولكنها تنتج قمحا أسود صغير الحبات. ولا نجد سوى القلة من الآبار والينابيع في هذه الكورة. وقد كانت دائما في أيدي العرب الذي يعيشون فلاحين ، أي أصبحوا مزارعين مستقرين. وقد أقطعها الملك لصاحب قصر فاس رحاكمها (٢٦٩).

جبل تغات (٢٧٠)

يقع جبل تغات على مسافة سبعة أميال تقريبا إلى الغرب من فاس ، وهو جبل عال جدا ولكنه قليل العرض. ويمتد إلى الشرق حتى نهر بني نصر الصغير أي على مسافة خمسة أميال (٢٧١) ، وجميع الجزء المطل على فاس مزروع بالكرمة وكذلك القمة. أما القسم الذي

__________________

(٢٦٨) لا يجوز خلط اسم ورايتين مع بني ورّاثين ، وهم اسم معروف بأشكال تختلف من حيث كتابتها في العديد من النصوص العربية. وقد اختفى هذا الاسم من المنطقة ولكن أرض بني ورايتين هي بالتأكيد هضبة بني سادن الواقعة بين نهر سبو وايناون.

(٢٦٩) إن فحص السايس ، أي سهل السايس معروف جيدا تحت اسم السايس الواقع إلى جنوب فاس مباشرة ، والسايس تعني الذي يخدم الخيل. ويبدو ذلك استنادا إلى «الوصف» أن المؤلف وضعه إلى أبعد من ذلك بكثير في اتجاه الغرب.

(٢٧٠) تغات ومعناها بالبربرية معزة. وارتفاعه ٨٣٧ م ويشرف على السهل من ارتفاع قدره ٤٥٠ م.

(٢٧١) لا توجد سوى شعاب ليس فيها ماء متجهة إلى الشرق من تغات وإلى الغرب منها ، كما أن اسم بونصر الذي يظن أنه كان يطلق على نهر ميكاسي قد اختفى.

٢٩٩

يتجه نحو السيخ فهو عبارة عن أراض يزرع فيها القمح (٢٧٢).

وتوجد في قمة الجبل عدة كهوف وأنفاق يعتبرها الذين يذهبون إليها بحثا عن الكنوز (٢٧٣) أمكنة سرية أخفى الرومان فيها عند جلائهم ، كما يقال ، أشياءهم النفيسة جدا ، وفي خلال الشتاء عندما لا تكون هناك حاجة للاهتمام بكروم العنب ينهك هؤلاء المجانين قواهم مدفوعين بفضولهم ، في حفر واستئناف حفر الأرض الصلبة والصخرية. ومع ذلك يؤكد الجميع أنه لم يعثر فيها على شيء. كما أن ثمار هذا الجبل تبدو كئيبة المظهر ، ولعنبها منظر منفّر. وتنضج هذه الثمار والأعناب قبل نظائرها في المناطق المجاورة.

تيغريغره

تيغريغره اسم لجبل يجاور جبال الأطلس ، على مسافة أربعين ميلا (٢٧٤). ويقع جبل تيغريغره بين سهلين كبيرين. يقع الواحد من طرف فاس ، أي الكورة التي تكلمنا عنها قبل قليل ، والتي تدعى السايس ، والآخر يقع إلى الجنوب ويدعى سهل آدخسن (٢٧٥). وتوجد هنا أرض طيبة جدا لزراعة القمح ولرعي الماشية. وهذه السهول في أيدي عرب يسمون زعيرّ (٢٧٦) الذين هم من أتباع الملك. ويقطع الملك ، في أغلب الأحيان ، عوائد أحد هذين السهلين لهذا أو لذاك من إخوته ، ويغل السهل في المتوسط مقدار عشرة آلاف دينار في العام. ومن الصحيح القول إن عرب زعير كثيرا ما يتضايقون من عرب آخرين يدعون عرب الحسين الذين يسكنون الصحراء والذين ينتجعون صيفا في هذه المنطقة (٢٧٧). وقد دفع الملك هذا الخطر بأن أرسل لهذه المنطقة خيالة وراشقي سهام

__________________

(٢٧٢) تقع عين السيخ شمال تغات ، وكلمة سيخ تعني جرفا تنهار تربته بفعل المطر ، وهذا ما يميز المناطق المجاورة لفاس

(٢٧٣) أي الكنازون.

(٢٧٤) ٦٥ كم.

(٢٧٥) ويقصد بذلك حوض تيغريغره ، حيث كان موقع أزر وحينئذ ، وقد جعل عبد المؤمن من الموقع المذكور مركز عمليات العسكرية سنة ١١٤١ م.

(٢٧٦) تنحدر عشيرة زعير من عرب معقل المنتسبين إلى البرابيش ، وهم فخذ من دوي حسن ، وهؤلاء فرع من الحسّان استنادا إلى تصنيف المؤلف.

(٢٧٧) الحسين من عرب معقل ، وفخذ من دوى منصور ، وفرع من حسان ، وكانوا يتجولون في صحراء الدرعة وجبال الزيز مع مدينة غرسلوان

٣٠٠