وصف إفريقيا

ابن الوزّان الزيّاتي

وصف إفريقيا

المؤلف:

ابن الوزّان الزيّاتي


المترجم: د. عبدالرحمن حميدة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥

المدينة بصحبة الأمير الشريف ، ومكثنا فيها ثلاثة أيام خلتها مثل هذا العدد من السنين ، وذلك بسبب البراغيث التي تجل عن الحصر ، وبسبب رائحة بول الماعز وبعره. ويملك كل حضري فيها كمية من الماعز : ففي النهار يذهب الماعز للرعي وفي الليل يبيت في دهاليز البيوت وترقد بجوار أبواب الغرف.

ايداواكال. أول قسم من جبال الأطلس

وهكذا أنجزت للتو وصف المدن الهامة في حاحه. ويبدو لي أن من المناسب ان أتكلم الآن عن الجبال ، دون إغفال ما يتراءى لي أنه يستحق الذكر وذلك لأن غالبية سكان حاحه يسكنون في الجبال ، ويقيمون فيها باستمرار.

والجزء الأول من جبال الاطلس هو جبل عشيرة ايدآوآكال. (٤٩) ويبدأ عند المحيط ويمتد شرقا حتى ايغيلنغيغيل. ويفصل منطقة حاحه عن منطقة السوس. ويبلغ عرضه مسافة ثلاثة أيام على الطريق ، لأن تفتنة واقعة على رأس الساحل باتجاه الشمال وماسه على الرأس الساحلي باتجاه الجنوب. وقد قضيت ثلاثة ايام للذهاب من تفتنة الى ماسّه. (٥٠)

وهذا الجبل كثيف السكان ويضم الكثير من القرى والمداشر (٥١). ويعيش السكان فيه من تربية الماعز ، ومن الشعير والعسل. ولا يلبسون أية ثياب مخيطة بالإبرة (٥٢) ، إذ لا يوجد بينهم من يعرف الخياطة بل يلفّون أجسادهم كلها قدر استطاعتهم بقماشة واحدة. ومن عادة النساء وضع حلقات كبيرة جدا من الفضة في آذانهن. ولبعضهن أربع حلقات في كل أذن. ويستعملن ايضا أنواعا من دبابيس كبيرة حتى ليزن الواحد منها أونسا واحدا (٥٣) لتثبيت الثياب على أكتافهن. كما يحملن كذلك خواتم من فضة بأصابعهن ،

__________________

(٤٩) لقد اختفى اسم ايدآوآكال ، وربما كان ايدآوايغوال ، اسم لعشيرة صغيرة تسكن على مسافة عشرة كيلومترات الى الشمال من تفتنة.

(٥٠) وهنا يبدأ خطأ المؤلف جسيما. صحيح انه أمضى ثلاثة أيام للذهاب من تفتنة إلى ماسّه ، ولكن اجتيازه الكتلة الجبلية لم يستغرق سوى يومين للوصول الى واد السوس. وسنرى فيما بعد انه تصور ، لضعف ذاكرته ، أن وادي السوس يمر من ماسّه.

(٥١) مداشر جمع مدشر ، ويعني تجمعا سكانيا يقل عن القرية ولا يتجاوز العشرين عائلة. والعبارة مستعملة في المغرب العربي. (المترجم).

(٥٢) لقد لاحظ المترجم ذلك لدى نساء سكان جبل الأخضر البدو في إقليم برقة في ليبيا ، وهم من قبيلتي البراعصة والعبيدات ، وذلك في عام ١٩٦٤ م. (المترجم).

(٥٣) أكثر من ٢٨ جرام.

١٢١

وأطواقا من فضة كذلك بكاحلهن. ولكن هذا مقصور على نساء الوجهاء والأغنياء. أما نساء العامة والفقراء فيضعن هذه الزينة من حديد أو من نحاس. ونرى هنا بعض الخيول ولكنها صغيرة الحجم ، ولا تحذى بالحديد ، وهذه الحيوانات رشيقة جدا فتقفز من أعلى لأسفل كالقطط. وتكثر هنا الأرانب والتيوس الجبلية (٥٤) والوعول (٥٥) ولكن سكان الجبال لا يعترضون أبدا سبيل هذه الحيوانات وبهذه المنطقة عدد كبير من العيون ومن الاشجار المثمرة ، ولا سيما الجوز.

ومعظم هؤلاء السكان كالأعراب ينتجعون من منطقة لأخرى. أما فيما يتعلق بالسلاح فإن رجالهم يحملون خناجر عريضة معقوفة. ولسيوفهم نفس الشكل مع ظهر عريض مثل المنجل الذي يستخدم في إيطاليا لحصد الكلأ. وعندما يذهبون للحرب يحملون في أيديهم ثلاث أو أربع حراب. ولا يوجد في المنطقة قاض أو فقيه ، ولا أي شخص يعرف العقيدة الدينية. وهم على العموم أناس أشرار وغدارون. وقد قيل للأمير الشريف بحضوري أن سكان هذا الجبل يستطيعون ان يقدموا عشرين ألف مقاتل.

حبل دمسرة

يؤلف هذا الجبل أيضا جزءا من جبال الاطلس. ويبدأ من تخوم الجبل السابق ويمتد شرقا على مسافة خمسين ميلا (٥٦) حتى جبل نيفيفة ، في منطقة مراكش (٥٧). ويفصل قسما كبيرا من منطقة حاحة عن السوس. وعند احدى نهايته يقع الممر الذي يجتازه الناس للذهاب إلى منطقة السوس (٥٨).

وهذا الجبل آهل جدا بالسكان ، ولكنهم أناس أجلاف شرسون ، ولديهم الكثير من الخيل. وكثيرا ما يحتربون مع جيرانهم ومع العرب لمنعهم من الدخول الى منطقتهم. ولا نجد هنا مدينة أو قصرا أو بيتا منعزلا ، بل العديد من القرى والمداشر. ونجد بين

__________________

(٥٤) الغزلان.

(٥٥) لم يحدد نوع هذه الوعول على الدقة.

(٥٦) ٨٠ كم.

(٥٧) تقع منطقة عشيرة «أنفيفة» الحالية في شمالي أراضي عشيرة «دمنسرة» ، بين وادي آمجنف الى الغرب ووادي ايمينتانوت شرقا.

(٥٨) وهو ممر بيباؤون.

١٢٢

ظهراني السكان الكثير من الوجهاء الذين تدين العامة لهم بالطاعة. وتعتبر أراضيهم ممتازة لزراعة الشعير والدخن. وتوجد فيها ينابيع عديدة تتولد عنها أنهار تهبط الى الأودية وتصب في نهر شفشاوة. (٥٩) والناس هنا جيدو الهندام ، ويستخرجون من أرضهم كمية كبيرة من الحديد الذي يباع في أماكن مختلفة مما يوفر لهم المال النقدي. ويتجول عدد كبير من اليهود على الخيل في هذا الجبل ، وهم يحملون السلاح ويحاربون لحساب رؤسائهم من سكان جبلهم. ويعتبر هؤلاء اليهود في نظر سائر يهود افريقيا الآخرين خارجين عن العقيدة الصحيحة ويسمّون كارائيم (٦٠).

وتظهر في هذه الجبال أشجار بطم وبقص ضخمة وكذلك أشجار جوز عملاقة. ويخلط سكان البلاد الجوز مع لوز الهرجان ويستخرجون منهما زيتا يميل للمرارة يتغذون به ويستضيئون.

وقد مررت بهذا الجبل عند عودتي من السوس فاستقبلت استقبالا طيبا جدا وكنت موضع رعاية بفضل كتب التوصية التي كنت أحملها من الأمير الشريف وذلك في عام ٩٢٠ ه‍ (٦١).

جبل الحديد

لا يؤلف هذا الجبل شطرا من الأطلس. ويبدأ من المحيط شمالا ويمتد جنوبا حتى نهر تانسفت (٦٢). وهو يفصل منطقة حاحة عن إقليم مراكش (٦٣) وعن إقليم دكالة. وتسكن هذا الجبل عشيرة تدعى رقراقة (٦٤).

__________________

(٥٩) ويسمى حاليا شيشاوه.

(٦٠) لقد تلاشت الكرائية (القراءون) من البلاد ، ولكن «يهود البارود» الذين يحملون السلاح ، لا يزالون دوما موجودين ، ويتميزون بوضوح عن أبناء ديانتهم الآخرين بمسلكهم.

(٦١) في حزيران أو تموز (يونية أو يولية) سنة ١٥١٤ م.

(٦٢) هذا غير صحيح. فلهذا الجبل اتجاه من الشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي ابتداء من ضفة نهر تانسفت اليسرى.

(٦٣) خطأ كلي.

(٦٤) هناك رسالة مؤرخة ٢ تموز (يولية) ١٥٠٩ م موجهة من سكان آسفي الى ملك البرتغال عمانوئيل الأول توضح بالفعل «أن عشيرة عرب العبدة تؤلف مع عشائر الرقراقة ورتنانة (عند مصب نهر تانسفت حيث كانت تقوم مدينة آقوز) وعشيرة دكالة ، وجميعا بربرية ، تؤلف «لفّا» واحدا (أي حزبا)». وكان عرب حريت القاطنين على ضفة تانسفت اليمنى والمرامر في جنوبي السهل المأهول بهؤلاء العرب يتبعون ايضا مدينة آسفى.

١٢٣

وفي هذا الجبل غابات كبيرة وكثير من الينابيع. ويكثر هنا العسل وزيت الهرجان. ولا تنتج المنطقة سوى القليل من القمح ، وتستورد ما تحتاج إليه منه من دكالة. والناس هنا فقراء ، وهم فضلاء وتقاة. ويسكن في قمة الجبل العديد من الزهاد الذين يعيشون على الثمار والماء. وهؤلاء الجبليون اوفياء ويجنحون للسلم. وعندما يرتكب احدهم سرقة صغيرة أو أية مخالفة أخرى ، ينفى من المنطقة لبعض الوقت. وهم سذج إلى حدّ يفوق الوصف. فعندما يصدر من أحد نساكهم عمل ما يعتبرونه معجزة. ولكن العرب المجاورين يسببون لهم الكثير من المتاعب ، لهذا يدفع لهم هؤلاء السكان ضريبة كي يتركوهم بسلام. وقد جرد. ملك فاس محمد (٦٥) حملة ضد هؤلاء العرب فلجأوا إلى الجبل ، ولما شعر هؤلاء الجبليون بالقوة بفضل مساعدة الملك ، هاجموا هؤلاء العرب في المضائق الجبلية ومزقوهم شر ممزق بمعونة القوات الملكية. وبعد المعركة غنم هؤلاء الجبليون خيول العرب الذين قتلوا ، وكان عددها ثلاثة آلاف وثمانمائة رأس وقدموها للملك. ولم يعد الجبليون يدفعون أي جزية. وقد شهدت هذه المعركة عندما كنت في جيش الملك ، في عام ٩٢١ ه‍. وكان عدد المحاربين القادمين من هذا الجبل حوالي اثني عشر ألفا (٦٦).

ويوجد في حاحه بضعة جبال أخرى ، ولكنها غير مأهولة. ولهذا لم أتكلم عنها خشية ان أجعل هذا الكتاب مفرط الطول أو مملا بصورة زائدة.

السوس

سنعرض الآن للكلام عن منطقة السوس. وتقع هذه المنطقة فيما وراء الأطلس باتجاه الجنوب ، تجاه منطقة حاحه ، أي عند نهاية بلاد البربر. وتبدأ عند المحيط غربا وتنتهي في رمال الصحراء جنوبا. وتنتهي شمالا عند الأطلس ، عند تخوم بلاد حاحه. وتنتهي في الشرق في النهر المسمى نهر السوس الذي استمدت المنطقة منه اسمها (٦٧).

__________________

(٦٥) أبو عبد الله محمد السعيد المللقب بالبرتغالي.

(٦٦) لا تتكلم الوثائق البرتغالية شيئا عن هذه المعركة الهامة التي لا يمكن أن تقع إلا في أواخر حزيران أو تموز (يونية أو يولية) ١٥١٥ م. وسنرى أن المؤلف الذي يغادر المغرب نهائيا في آب ١٥١٥ م لم يستطع أن يعرف ما إذا كان سكان جبل الحديد ظلوا على دفع الجزية للعرب بعد ذلك او امتنعوا عن دفعها.

(٦٧) لا نعرف مصدر اسم سوس. وربما اتى أصلا من كلمة حصان ، لأن المنطقة مشهورة بتربية هذا الحيوان. وفي البداية ـ

١٢٤

وسأبدأ من الغرب وسأتكلم على كل مدينة وعلى كل موقع هام على حدة.

مدينة ماسّه

وتتألف من ثلاث مدن صغرى تبعد الواحدة عن الأخرى بحوالي الميل الواحد ، وقد بناها قدامى الأفارقة على ساحل المحيط عند حضيض الرأس الذي يؤلف بداية جبال الاطلس. وهذه المدن محاطة بأسوار من الطوب النيء ، ويمر نهر السوس الكبير من بينها. ويعبر هذا النهر خوضا في الصيف ، ولكن لا يمكن اجتيازه شتاء إلا في مراكب صغيرة ليست مهيأة كل التهيئة لمثل هذه المهمة (٦٨). وتقع هذه المدن الصغرى في غابة تختلف عن الغابات المعهودة بأنها مجموعة كبيرة من النخيل يملكها هؤلاء السكان. ولكن تمور هذه النخيل ليست جيدة إذ لا يمكن حفظها على مدى العام (٦٩). وكل سكان «ماسّه» فلاحون يحرثون أراضيهم في أعقاب فيضانات النهر التي تقع في شهر أيلول (سبتمبر) وفي أواخر نيسان (إبريل) (٧٠). وتحصد الحبوب في حزيران (يونية). وإذا لم يحدث فيضان في أحد هذين الشهرين فإن المحصول ينعدم تماما. وتندر الماشية هنا. ويقوم في خارج «ماسّه» على ضفة البحر ، جامع له مكانة كبيرة في نفوس السكان. ويقول بضعة مؤرخين أن من هذا الجامع سيخرج الخليفة العادل الذي تنبأ به الرسول مجمد (٧١).

__________________

ـ كانت كلمة سوس تعني مجموع المغرب (السوس الأدنى) ، ولكن هذا الاسم انحصر فيما بعد بالمنطقة الواقعة جنوبي الاطلس (ل. ماسينيون ، ١٩٠٦ ، ص ١٩٣).

(٦٨) لقد تبيّن أن ماسّه كانت تتألف من ثلاثة أحياء ضخمة تحمل بلا شك الاسماء الحالية : أغبالو ، آغادير نسوق ، وتاسلنوت. ولكنها قريبة من وادي ماسه وليس من وادي السوس.

(٦٩) «ملاحظة هامة جدا وهذا يصح بالنسبة لكل النخيل الذي نجده بجوار سواحل البحر في كل البلاد العربية ، حتى إن بعض النخيل تكون وظيفته الأساسية تقديم السعف أو الجريد لاستعماله في صيد السمك ، كما في البحرين وجنوب تونس» (المترجم).

(٧٠) تنجم فيضانات أيلول عن الأمطار الخريفية ، أما فيضانات نيسان فتسبب عن ذوبان ثلوج جبال الأطلس.

(المترجم).

(٧١) وقد أشار اليعقوبي لهذا الجامع منذ أواخر القرن التاسع هجري تحت اسم جامع البهلول. ويقول لنا الجغرافي العربي أن السفن الناقلة للحبوب والمصنوعة في الأبلة في صدر الخليج الفارسي (العربي حاليا) كانت تقطر بحرا لهذا المكان ، ومن هنا كان يركب التجار للذهاب الى الصين. وقد جعلت هذه الجملة الشارحين في حالة حيرة. ويمكن مقارنة هذا القول مع ما يذكره لنا الجغرافي ابن خردازبة ، الذي اعتمد على مراجع النصف الأول من القرن التاسع الميلادي عن الرضبانية (الرودانيين أي سكان وادي الرون) ، وهم هؤلاء التجار اليهود المدهشون ، الذين كانوا ينطلقون بلا شك من مدينة آرل بجنوبي فرنسا ، ذاهبين أولا الى السوس الأقصى ، ومن ثم يتجهون الى مصر مرورا ببلاد البربر ، وثم إلى سورية والعراق وفارس والسندكي. ـ

١٢٥

ويقال أيضا ان الحوت عندما ابتلع النبي يونس ، لفظه تجاه ساحل ماسّه. وتتألف أخشاب هذا الجامع كلها من أضلاع الحوت ، وكثيرا ما يحدث أن يهيج البحر فيقذف على الشط الرملي بضعة حيتان ميتة. وتسبب هذه الحيتان الخوف لكل من يراها بسبب ضخامة أجسامها ومنظرها المشوّه. ويقول الأهلون ان كل حوت يمر من جوار هذا الجامع يموت بسبب الكرامة التي منحها الله لهذا الجامع. وقد صعب عليّ تصديق ذلك لولا انني كنت أشاهد يوميا اكثر من حوت ميت يطفو على الماء ، ولم أكن أعرف تفسيرا لهذه الظاهرة. ولكن بعدئذ ، وعلى أثر محادثة مع شيخ يهودي من البلدة ، قال لي : ليس في ذلك شيء من الدهشة ، إذ تقع على مسافة ميلين من الساحل تقريبا بعض الصخور الحادة على شكل عقبات. وعندما يكون البحر هائجا تسبح الحيتان هنا وهنالك والذي يرتمي على إحدى هذه الصخرات ويصطدم بها يتعرض لرضوض قاتلة تؤدي به إلى الموت من تأثيرها. ولهذا السبب يقذفها لهذه الظاهرة مما سمعته من جمهرة الناس.

ولقد ذهبت الى ماسّه في أيام الأمير شريف ، ودعاني أحد الوجهاء لتناول الغذاء معه في بستان خارج المدينة ، فصادفنا على طريقنا ضلع حوت وضع هناك على شكل قوس ، ومررنا من تحت هذا القوس كما نمر من تحت قنطرة باب وكنا راكبين جمالا ، دون ان يمس القوس رأسنا بسبب شدة ارتفاعه. ويقال ان هذا الضلع لا زال هنا منذ حوالي مائة سنة ويحتفظ به تحفة غريبة. هذا ويعثر في هذه المنطقة ، وذلك على شط البحر ذاته ، على العنبر من الصنف الأول ، ويباع بثمن بخس الى التجار البرتغاليين وإلى تجار فاس ، بسعر يقارب دينارا واحدا لكل أونس (٧٢) ويقول الكثيرون أن الحوت هو الحيوان الذي يفرز العنبر. ويقول بعضهم أنه عبارة عن برازه ، ويقول آخرون أنه المني الذي يسيل من أعضاء الذكر التناسلية ، عندما يريد الاقتراب من الأنثى ومن ثم يتصلب في الماء (٧٣).

__________________

ـ يصلوا الى الصين. وتتفق كل هذه الوثائق القديمة على اعتبار السوس منطقة مزدهرة. في صورة تسترعي الانتباه. أما النبوءة أو الحديث المتعلق بالفاطمي او المهدي المنتظر ، فقد استخدمها أحد الصوفيين الذي جاور في هذا الجامع ونادى بالمهدي المنتظر ، مما أدى الى هيجان عظيم من البربر ، مما دفع بزعيم البلاد لتدبير اغتياله.

(٧٢) ٢٥ ، ٢٨ جرام.

(٧٣) يقول المؤلف في الكتاب التاسع انه استنادا الى أقوال سكان الساحل فإن حوت كاشالوCachalot هو الذي يفرز العنبر الرمادي.

١٢٦

تيّوت ، مدينة في السوس

تيّوت مدينة قديمة بناها الأفارقة في سهل بديع جدا. وتقسم الى ثلاثة أجزاء ، يبتعد كل واحد عن الآخر بحوالي الميل ، فتشكل مثلثا. وتضم إجمالا حوالي ألف عائلة. ويمر نهر السوس من جوارها (٧٤). وتنتج هذه المنطقة الوفير من القمح ، والشعير وحبوبا أخرى وبقلا. كما تنمو فيها كمية كبيرة من قصب السكر. ولما كانوا يجهلون طبخه وتصفيته ، فإن سكرّهم يكون اسود اللون. ويأتي تجار كثر من فاس ومن مراكش ومن بلاد السودان لشراء السكر من تيوّت وفيها أيضا كمية طيبة من التمور.

والنقد الوحيد المتعارف عليه هنا هو الذهب الصافي (٧٥). ولا يوجد في المنطقة سوى القليل من الفضة ، والنسوة هن اللواتي يحملن هذا القليل من الفضة على شكل حلى ، وعوضا عن الربعيّة (٧٦) يتداول الأهالي قطعا من حديد وزن الواحدة حوالي أونسة.

ولا نجد سوى القليل من الفاكهة فيما عدا التين والعنب والتمر. والزيتون لا ينمو هنا. ولكن يجلب اليها الزيت من بعض جبال مراكش ويباع في السوس بسعر خمسة عشر دينارا للقنطار الذي يعادل مائة وخمسين رطلا إيطاليا. ونظرا لعدم وجود عملة مسكوكة ، فإن أونسة الذهب تعادل سبعة دنانير وثلث دينار. والأونسة هي نفس الأونسة الإيطالية ، ولكن الرطل يعادل ثماني عشرة أونسة ، ومائة رطل تعادل قنطارا والسعر العادي للشحن ، عندما لا يكون غاليا ولا رخيصا جدا ، هو دينار واحد لكل ثلاثة أحمال إبل ، ويزن كل حمل مائة وخمسين رطلا إيطاليا ، هذا في أثناء فصل الشتاء ، أما في الصيف فإن أجر خمسة أو ستة أحمال يبلغ دينارا واحدا (٧٧).

__________________

(٧٤) تقع تيّوت جنوب شرق تاردونت.

(٧٥) أي التبر ، أو شذرات الذهب.

(٧٦) أي الكواترين ، وهي نقود إيطالية تساوي الواحدة منها ٣ سنت من الذهب.

(٧٧) تسمح هذه التوضيحات بإجراء الحسابات التالية : الأونس الايطالي يزن ٢٥ ، ٢٨ جراما ، والرطل المؤلف من ١٢ أونسة يعادل إذن ٣٣٩ جراما. وكان الرطل المؤلف من ١٨ أونسة يعادل ٦ ، ٥٠٨ جرامات ، والقنطار المؤلف من ١٠٠ رطل يساوي ٨٦ ، ٥٠ كيلو جراما. وكان حمل الجمل ، وهو وحدة وزن كانت تدعى الوسق في ذلك العصر ، وهي كلمة لم يعد لها أي معنى في أيامنا ، كانت تعادل ٤٦٥ رطلا أي قرابة ٢٣٧ كيلو جرام.

١٢٧

ويصنع في مدينة تيوّت القرطواني الفاخر (٧٨) الذي يسمى المراكشي في إيطاليا. وتباع هذه الجلود بستة دنانير لكل اثني عشر ، وفي فاس بمبلغ ثمانية دنانير (٧٩).

وفي الجزء التابع لمنطقة تيوّت والذي يقع من طرف الاطلس باتجاه الجنوب (٨٠) تكون بقاعه المجاورة مزدانة بالعديد من القرى والمداشر ، ولكن في اتجاه الغرب تصبح هذه المنطقة خاوية لان السهل يكون هنا بيد العرب. ويوجد في وسط تيوّت جامع فسيح يدعى الجامع الكبير ، وقد أجري في وسطه فرع من النهر. ورجال هذه البلدة بطبيعتهم رهيبون ويعيشون باستمرار في حالة حرب فيما بينهم ، ومن النادر ان يقيموا في سلام. ولكل من أجزاء المدينة الثلاثة زعيم ، وتتألف الحكومة من مجلس يضم الثلاثة ، ولكن منصبهم لا يدوم اكثر من ثلاثة أشهر. وكساء اكثرية الناس هنا مثل اهل حاحه. ويلبس بعضهم الجوخ الصوفي ، ويلبسون قميصا ويضعون عمامة فوق رأسهم ، وهي من قماش أبيض.

وتساوي قيمة الكنا (٨١) من جوخ خشن ، مثل الفيجيت (٨٢) حوالي دينار ونصف. أما قطعة قماش الكتان البرتغالي أو الفلمنكي ، من النوع المتوسط الخشونة ، فتساوي أربعة دنانير ، وطول كل قطعة أربعة وعشرون ذراعا توسكانيا (٨٣).

وفي هذه المدينة قضاة وفقهاء لا طاعة لهم إلا في المادة الدينية. أما في الدعاوى المدنية فإن الذي عنده أقارب اكثر هو الذي يتمتع بحظوة أعظم. وإذا حدث وقتل رجل ما آخر ، فإن أقارب القتيل لهم الحق في قتله وهنا تكون القضية قد انتهت. وإذا لم يكن بمقدورهم قتله ، فإن هذا القاتل ينفى من البلد لمدة سبعة أعوام ، أو يبقى في المدينة رغما عنهم. وإذا أبعد عن البلد فهذا هو عقابه ، وعند انقضاء مدة النفي يقوم بصنع وليمة

__________________

(٧٨) نسبة إلى قرطبة التي اشتهرت بصناعة الجلود والأحذية واسمها بالاسبانية كوردوبا ، واسم صانع الأحذية بالفرنسية كوردونييه ومنها كلمة قندره وقندرجي العايتين. (المترجم) والقرطواني هو جلد الماعز او الضأن المدبوغ بالعفص مع زهرته ، والمار وكان الذي يدعى في المغرب الفلاني ، حاليا ، هو جلد الماعز المدبوغ بمادة تاكاءوت ، وهي نواة عفص الطرفاء.

(٧٩) لم يقدم المؤلف أي توضيح عن المثقال أو الدينار في فاس ، ولكن يبدو أنه شبّهه بالدوكا الإيطالي وهو ١٨ قراطا ، وكان يزن ٥٣ ، ٣ جرامات من الذهب.

(٨٠) أي في اتجاه الأطلس الصحراوي أو الخلفي ، وهو «الآنتي أطلس» في الخرائط الأجنبية.

(٨١) قياس إيطالي يساوي مترين.

(٨٢)؟

(٨٣) أي قرابة ١٤ م مما يجعل سعر المتر الواحد ٨ ، ٣ فرنكات ذهبية.

١٢٨

يدعو اليها كل الوجهاء ، وبهذه الطريقة يتم الصلح مع خصومه (٨٤).

وفي تيوّت الكثير من الصناع اليهود الذين لا يخضعون لأية جزية ، وهم مطالبون فقط بتقديم بعض الهدايا الصغيرة للوجهاء.

تارودنت ، مدينة في السوس

تارودنت مدينة كبيرة شيّدها قدماء الأفارقة. وتضم زهاء ثلاثة آلاف أسرة. وتقع تقريبا على مسافة تزيد قليلا عن أربعة أميال (٨٥) جنوبي الاطلس وعلى مسافة خمسة وثلاثين ميلا شرقي تيوّت (٨٦). وتشابه هذه المدينة من حيث مواردها وعاداتها بقية المدن التي سبق الكلام عنها ، ولكنها أقل سكانا. وهي مدينة اكثر تحضرا لأنه في العصر الذي كانت فيه أسرة بني مرين تحكم في فاس ، كانت تحكم ايضا في السوس وكانت تارودنت مقر نائب الملك. ولهذا نرى فيها حتى أيامنا هذه قلعة متهدمة شيّدها هؤلاء الملوك. ولكن بعد انقراض هذه الأسرة استعادت هذه المدينة حريتها. ويكتسي السكان بالجوخ وبقماش الكتان. وفيها الكثير من الصناع. ويحكم تارودنت وجهاؤها ، إذ يتسلّم أربعة منهم سويا السلطة التي لا يحتفظون بها أكثر من ستة أشهر. وأهل تارودنت أناس مسالمون لا يهينون جيرانهم قط.

ويقوم فوق هذه المنطقة ، من طرف جبال الاطلس ، يقوم الكثير من القرى والمداشر. أما السهول الواقعة في الجنوب فيحتلها العرب الذين جعلوا منها مراعيهم. ويدفع لهم سكان المدينة جزية كبيرة عن الأراضي الزراعية ، حسب المألوف ، وضريبة عن أراضيهم ولكي يؤمنوا سلامة الطرق. وقد ثارت هذه المدينة في أيامنا على العرب وخضعت للأمير شريف في عام ٩٢٠ ه‍ (٨٧).

__________________

(٨٤) «وهذا شبيه بما يسمى الجاهة في جنوب بلاد الشام» (المترجم).

(٨٥) ٥ ، ٦ كم.

(٨٦) تقع تارودنت على مسافة ٢٠ كيلومتر ، أي ٥ ، ١٢ ميل شمال غرب تيّوت وليس إلى شرقها كما يذكر المؤلف.

(٨٧) أو ١٥١٤ م.

١٢٩

غارتغويسّيم (أغادير)

اغادير قلعة واقعة عند النهاية القصوى لجبال الاطلس التي تتقدم على المحيط قرب المكان الذي يصب فيه نهر السوس في البحر (٨٨).

وتتبع كورتها أراض زراعية ممتازة ، وقد سقطت بيد البرتغاليين قبل عشرين سنة خلت (٨٩) وقد اتفق اهل حاحه وأهل السوس على أن يستردوا هذه القلعة ، وقدم العديد من المحاربين المشاة من مناطق بعيدة لمساعدتهم على استردادها. ونصبوا قائدا عاما عليهم كان وجيها وشريفا ، أي نبيلا من أسرة محمد صلّى الله عليه وسلّم (٩٠) وحاصر القصر لبضعة أيام (٩١) وسقط عدد كبير من القتلى بين صفوف الغرباء عن المنطقة ، فتخلى هؤلاء عن هذا المشروع وعادوا أدراجهم. ولكن ظل بعض المحاربين مع الشريف بقصد متابعة الحرب ضد النصارى. وأعطى أهل سوس هذا الشريف من المال ما يكفي للإنفاق على خمسمائة فارس. وبعد ان قبض الشريف هذا المبلغ الضخم للإنفاق على الجند ، وبعد أن اكتسب خبرة في معرفة البلاد ، أعلن استقلاله ونصّب من نفسه دكتاتورا. وعندما غادرت بلاط هذا الشريف كان لديه اكثر من ثلاثة آلاف فارس وعدد لا يحصى من المشاة ، فضلا عن خزينة حرب هامة ، كما سبق أن قلنا ذلك مع تفاصيل أكبر في «مختصر عن التاريخ الإسلامي» (٩٢).

تيدسي ، مدينة في السوس

تيدسي مدينة كبيرة تحوي أربعة آلاف أسرة. وقد بناها الأفارقة القدامى على مسافة ثلاثين ميلا شرقي تارودنت وعلى مسافة ستين ميلا من البحر وعشرين ميلا من جبال

__________________

(٨٨) كانت البلدة تحمل اسم «أغادير لا ربع» في زمن المؤلف ، أما القلعة فكانت تدعى سانتا كروز دوكا بوداغيه. وأما كلمة غارتغويسيم التي استخدمها المؤلف فهي غير معروفة ، ولعلها تحريف لكلمة بربرية «آغر كسيمة» أو ممر كسيمة ، أو رأس كسيمة.

(٨٩) وقع الاحتلال البرتغالي عام ١٥٠٥ م أي ٩١١ ه‍ أي أن هذه الاسطر قد كتبت حوالي العام ٩٣١ ه‍ / ١٥٢٤ م.

(٩٠) هو أبو العباس أحمد الأعرج.

(٩١) من المحتمل أن يكون ذلك في ٥ آب (أغسطس) ١٥١١ م.

(٩٢) يدل هذا النص على أن المختصر المذكور كان مدبجا سابقا وكان من اللازم أن يظهر في رأس الكتاب الذي بين أيدينا.

١٣٠

الأطلس (٩٣) وكورتها كثيرة الإنتاج وخصيبة. وتنبت فيها كمية لا يستهان بها من الحبوب وقصب السكر والنيلة. ونجد فيها اناسا يزاولون التجارة مع بلاد السودان. ويعيش الناس هناك في سلام ، ورجال هذه المدينة متحضرون وأمناء. ويحكمون أنفسهم على غرار النظام الجمهوري : فالسلطة بيد ستة اشخاص ينتخبون بالقرعة ويستبدلون مرة في كل ستة عشر شهرا.

ويمر نهر السوس من قرب المدينة ولكن على مسافة ثلاثة أميال (٩٤) وفي هذه البلدة الكثير من الصناع اليهود ، كالصاغة والحدادين ... الخ. ويقوم فيها ايضا مسجد يخدمه عدد من الأئمة والموظفين. كما يعقد فيها سوق في كل يوم سبت يجتمع فيه عرب وفلاحون وكثير من أهل الجبال. وقد وضعت تيدسي نفسها تحت تصرف الشريف سنة ٩٢٠ ه‍ الذي أقام فيها ديوانه (٩٥).

تاغاوست

تاغاوست مدينة كبيرة ، وهي أهم مدينة في سائر بلاد السوس ، ففيها ثمانية آلاف اسرة. ولها سور من الطوب النيء. وتقع هذه المدينة على مسافة ستين ميلا من المحيط وخمسين ميلا من جبال الأطلس باتجاه الجنوب. وقد عمرها الأفارقة. وعلى مسافة عشرة أميال منها نهر السوس (٩٦) وفيها الكثير من دكاكين الباعة والصناع في وسط المدينة. وينقسم السكان الى ثلاثة أحزاب تتصارع فيما بينها في معظم الأحيان. وقد استدعى احد الأحزاب العرب لنجدته ضد الحزب الآخر وهؤلاء العرب يقدمون عونهم تارة لهذا وتارة لذاك حسب الإمدادات التي ينالونها من أي جانب.

وتعتبر أراضي الزراعة في هذه الناحية خصبة للغاية ، والماشية وفيرة. ويباع الصوف فيها بثمن بخس ، وتصنع منه قطع قماش صغيرة يحملها تجار المدينة الى تومبوكتو

__________________

(٩٣) تقع تيدسي على مسافة تقارب ١٤ ميلا أو ٥ ، ٢٢ كم جنوب غرب تارودنت وعلى مسافة ٣٠ ميلا أو ٤٨ كم من البحر ، وعلى مسافة تقارب ٢٠ ميلا أو ٣٢ كم من جبال الأطلس.

(٩٤) الواقع ان نهر السوس يمر على مسافة ٢٠ كم أي ١٣ ميلا شمال تيدسي.

(٩٥) في ١٥١٤ م.

(٩٦) إن مدينة كسابي التي تحتل اليوم موقع تاغاوست ، تقع في الحقيقة على مسافة ١٢ كيلومتر إلى الغرب من غولمين ، وعلى مسافة ٣٠ كيلومتر من البحر وأكثر من ١٧٥ كم جنوب نهر السوس.

١٣١

وإلى ولّالة وإلى بلاد السودان مرة في العام. ويعقد السوق العام مرتين في الاسبوع. ويرتدي أهل تاغاوست ثيابا لائقة. والنساء جميلات جدا ولطيفات. وتظهر السمرة على كثير من الرجال لأنهم ولدوا من بيض وسود. ولا توجد هنا حكومة محدّدة المعالم. فالذي عنده أكبر سلطة هو الذي يحكم. وقد بقيت مدة ثلاثة عشر يوما في هذه المدينة مع مستشار الشريف كي أشتري منها إماء زنجيات لخدمة هذا الأمير ، وهذا في عام ٩١٩ ه‍ (٩٧).

جبل حنكيسة

يبدأ هذا الجبل تقريبا من المحيط في الغرب ويذهب في اتجاه الشرق على مسافة أربعين ميلا (٩٨) وعند حضيضه تقع ماسّه وبلاد السوس الأخرى (٩٩) وسكانه رجال أولو بأس شديد : فواحد من مشاتهم لا يهاب أن يدافع عن نفسه في وجه فارسين ، مع حربتين اعتاد حملهما. ولا يجود القمح في هذا الجبل ، ولكن زراعة الشعير تنجح فيه وتعطي محصولا غزيرا ، كما يكثر فيه العسل. ويتساقط الثلج في جميع الفصول. ولكن هؤلاء الجبليين لا يخشون البرد. ولهذا يظهرون أقرب للعرى في أثناء فصل الشتاء. وقد أراد الأمير شريف أن يقدم هؤلاء خضوعهم له وأن يدفعوا له الضريبة. ولكنهم لم يقبلوا أبدا ذلك وكانوا يشنون عليه الحرب على الدوام. وكانوا هم المنتصرين حتى العام الذي كان المؤلف موجودا فيه في هذه البلاد ، في عام ٩١٩ ه‍ (١٠٠).

جبل الهلالة (١٠١)

يبدأ هذا الجبل في الغرب من تخوم الجبل السابق وينتهي في منطقة جزولة في

__________________

(٩٧) سنة ١٥١٣ م.

(٩٨) ٦٤ كيلومتر.

(٩٩) لا تزال عشيرة حنكيسة ، التي تدعى حاليا نفيسة ، تسكن في الكتلة الجبلية وقمتها جبل لكيست ، وفي البربرية ادرارنكست. الذي يرتفع الى ٢٣٧٦ م ، واسم القبيلة بالبربرية اينغيست. وهنالك بلدة تقع عند مخرج وادمست في السهل الذي يدعى تانكست.

(١٠٠) ١٥١٣ م. ولا يشير تامبورال (طبعة ليون ١٥٥٦ م. ص ٦٧) الى هذا التاريخ وكذلك راموزيو.

(١٠١) ايلالن بالبربريه وهلالة بالعربية.

١٣٢

الشرق. وينتهي في الشمال عند سهول السوس. وسكانه رجال نبلاء وبواسل ، ولديهم أعداد كبيرة من الخيل. ويشنون دوما الحرب بعضهم على بعض بسبب منجم فضة يقع في الجبل. ويتمتع المنتصرون بإنتاج المنجم (١٠٢).

منطقة مراكش

موقع المنطقة

تبدأ هذه المنطقة من الغرب من جبل نيفيفة ، وتمتد شرقا حتى جبل آنيماي. وتهبط نحو الشمال حتى جوار نهر تانسفت كي تنتهي عند مفرق نهر آسيف اينوال مع النهر السابق الذكر. وهنا تبدأ حاحه من الغرب. ولهذه المنطقة شكل المثلث تقريبا. وتنتج المنطقة القمح وحبوبا اخرى بمقادير وفيرة جدا. وفيها العديد من الانعام والكثير من المياه والانهار والعيون والثمار كالتمر والعنب والتين والتفاح والاجاص (١٠٣) من كل الانواع. وتقع المنطقة كلها تقريبا في السهل مثل لومبارديا في ايطاليا (١٠٤). وتكون هذه الجبال مفرطة في بردها وعقيمة ، حتى أنه لا ينبت فيها شيء ما عدا الشعير.

وسنبدأ بالتعرف على القسم الغربي ووصف كل من هذه الجبال ، وكل من المدن ، حسب طريقتنا المعتادة.

الجمعة ، مدينة في هذه المنطقة

الجمعة مدينة صغيرة في السهل ، قرب نهر شيشاوة (١٠٥) على مسافة سبعة أميال(١٠٦)

__________________

(١٠٢) يعتبر أبناء عشيرة ايلالن أو هلالة باللغة العربية ، بكل تأكيد ، أحفاد قوم Validissimi Autololes الذين يتكلم عنهم المؤرخ الروماني بلين ، وهم الذين منعوا الرومان المنطلقين من سلا من بلوغ جبال الأطلس. ويبدو أن هؤلاء كانوا يشغلون رقعة كبيرة كانت تمتد حتى الساقية الحمراء. ولم يمكن تحديد موقع المنجم. وقد فكر البعض بأن الموضوع يتعلق بمنجم الفضة القديم في تمدولت.

(١٠٣) أو الكمثرى

(١٠٤) كان هذا السهل يحمل اسم حوز مراكش والذي احتفظ به حتى الآن.

(١٠٥) وهو نهر شفشاوة وحاليا شيشاوة.

(١٠٦) ١١ كم.

١٣٣

من جبال الأطلس. وقد شيّدت على أيدي الأفارقة. بيد أنها سقطت بأيدي العرب في الزمن الذي فقدت فيه أسرة الموحدين سلطتها (١٠٧). ولم يبق من هذه المدينة سوى النادر من الآثار (١٠٨). ولا يزرع العرب إلا جزءا من الأراضي التي تنتج ما يكفي معيشتهم فحسب ويتركون الباقي بورا. وعندما كانت المدينة مأهولة ، كانت تنتج ما قيمته مائة ألف دينار من الموارد في العام ، وكانت تحوي قرابة ست آلاف أسرة. وقد مررت من جوارها وبتّ لدى عرب وجدتهم كرماء جدا. ولكنهم أناس خونة وغدارون.

ايمجاجن

ايمجاجن (١٠٩) حصن يقع في قمة أحد جبال الاطلس (١١٠) ، وليس لها سور ، بل هي محمية بموضعها الطبيعي. وتقع على مسافة خمسة وعشرين ميلا (١١١) جنوب المدينة الآنفة الذكر. وكانت في الماضي بيد بعض وجهاء البلاد ، ولكنها سقطت بيد عمر السيّاف الرافضي الذي تكلمنا عنه فيما سبق. وقد أظهر في أثناء حكمه أكبر قدر من الجور ، إذ لم يكن يتورع عن قتل صغار الأطفال ، كما كان يبقر بطون النساء الحبالى ، ليستخرج منها الأجنة التي كان يقطعها إربا ويضعها على أثداء أمهاتها ، فقد كانت هذه الأجنة تذوق مرارة الموت قبل أن تعرف عذوبة الحياة. وحدث هدا عام ٩٠٠ ه‍ (١١٢) ، وهكذا ظل الحصن مهجورا. وأبتدىء سنة ٩٢٠ ه‍ (١١٣) بسكنى قسم منه ، وليس هناك ما يمكن حراثته وزرعه سوى سفوح الجبال كي يمكن الحصول على ما هو ضروري للعيش ، اذ لا يمكن المرور عبر السهل خوفا من العرب تارة ، وخشية البرتغاليين تارة اخرى.

__________________

(١٠٧) بعد عام ١٢٦٩ م.

(١٠٨) وربما كانت واقعة في الموقع الحالي لقرية جماعة بوانفير.

(١٠٩) ويجعلها ماسينيون (١٩٠٦ م ص ١٨٦) مطابقة لإيميلهاين (بلاد ايمرجان).

(١١٠) إن كتابة هذا الإسم في كتاب المؤلف يدفعنا إلى لفظة على شكل ايميجاجن ، وهو اسم لم يعثر عليه ، وربما كانت ايمين آيت واجنة ، أي الفم ، وآيت واجنّه هو اسم فخذ عشيرة نجده على مسافة ٨ كم شرق ايمينتانوت ، وعلى مسافة ٢٥ كم جنوب جماعة بو أنفير.

(١١١) ٤٠ كم.

(١١٢) بين ٢ / ١٠ / ١٤٩٤ و ٢٠ / ٩ / ١٤٩٥ م.

(١١٣) ١٥١٤ م.

١٣٤

تنزّه (١١٤)

تنزّه بلدة حصينة تقع في الجزء الغربي من جبال الأطلس الذي يسمى غدميوا. وقد بناها قدماء الأفارقة على مسافة ثمانية أميال تقريبا شرقي سيفينوال (١١٥). وتمتد سهول فسيحة عند حضيض هذه المدينة ، وهي سهول صالحة لزراعة الحبوب. ولكن السكان الذين نكّد العرب عليهم معيشتهم لا يستطيعون زراعة الأرض. فلا يزرعون سوى سفح الجبل الواقع بين النهر والمدينة. ويضطرون مع ذلك إلى دفع ثلث دخلهم السنوي جزية لهؤلاء العرب.

سوق الجمعة الجديد (١١٦)

هذه المدينة عبارة عن حصن يقوم فوق جبل عال جدا محاط بعدة جبال أخرى. وينبع من تحت هذا الحصن نهر آسيف اينوال ، وهو اسم معناه نهر الضوضاء باللسان الإفريقي (١١٧). وينحدر هذا النهر من الجبل مع ضجيج كبير ويحفر خندقا عميقا ، على غرار نهر الجحيم في تيفولي ، وهي مدينة تابعة لامارة روما (١١٨). وقد بنيت هذه المدينة في أيامنا على يد بعض الأمراء. وتضم قرابة ألف عائلة. وقد ظلت لمدة طويلة بيد طاغية من أسرة ملوك مراكش (١١٩). ولهذا الحصن ثكنة جيدة للمشاة وللخيالة. ويجبى من قرى ومداشر هذا الجزء من الأطلس دخل يقل قليلا عن عشرة آلاف دينار. ويرتبط السكان بصداقة حميمة مع العرب ويقدمون لهم أحيانا أعطيات قيمة بديعة. وهذا ما أغاظ ملوك

__________________

(١١٤)؟

(١١٥) أي حوالي ١٢ كم شرقي وادي ايمنينتانوت ، وهي نقطة تشير إليها الخارطة باسم جبل تيلسّة ، وربما كان هذا تحريفا مقبولا عن كلمة تنزّه.

(١١٦) وتقع هذه البلدة فعلا على مسافة ١٥ كم جنوبي بلدة الجمعة القديمة في الوادي الأعلى (ما سينيون ١٩٠٦ ، ص ١٩٦).

(١١٧) «ويقصد طبعا اللغة البربرية» (المترجم).

(١١٨) إن لعبارة آسيف اينوال معنى «نهر النوالات» أي الأكواخ ، وسيقول المؤلف فيما بعد أن هذا النهر ينبع من جبل السكساوة ، أي أبعد من ذلك باتجاه الغرب. والمقصود به بالتأكيد آسيف المل ، الذي عرّب سكان الساحل اسمه فسموه وادي الملّاح أي نهر الملاح. وتشير الخارطة في هذه البقعة لمدينة مذكورة عليها بإسم مجديد. ومن الممكن تشخيص الموقع لو عثر هناك على شلال يشبه شلال نهر آنييني عند بلدة تيفولي الإيطالية ، وهو الشلال الرائع الذي يبلغ ارتفاعه ١٠٨ م.

(١١٩) ربما كان المقصود هو ادريس الهنتائي ، الذي سماه البرتغاليون ملك الجبل ، وكان من أسرة الموحدين وابن عم ملك مراكش أبي علي الناصر بن يوسف.

١٣٥

مراكش بضع مرات. والناس هنا ذوو تربية جيدة ، وهندامهم لائق ، والمدينة مأهولة بكثرة ، وفيها كثير من الصناع ، ويعود هذا لقربها من مراكش الواقعة على مسافة خمسين ميلا منها (١٢٠). وتوجد بين هذه الجبال مزارع أشجار بديعة حيث تنتج كمية كبيرة من الثمار. ويزرع أيضا الشعير والكتان والقنب. ولدى السكان عدد كبير من الماعز. كما أن لديهم ما يكفي من الفقهاء والقضاة. ومع ذلك فهؤلاء الرجال غلاظ النفوس ، شديد والغيرة على نسائهم. وعندما قصدت هذه المدينة نزلت عند أحد أقاربي الذي كان ينوء تحت وطأة ديون ثقيلة حينما كان في فاس ، بسبب ممارسته الكيميا (١٢١) ، وهاجر إلى هذه البلدة حيث أصبح بعد زمن يسير أمين سر لأمير المدينة.

آميز ميز

آميز ميز مدينة كبيرة نوعا ما تقع على جرف صخري في أحد جبال الأطلس على مسافة أربعة عشر ميلا إلى الشرق من المدينة السابقة (١٢٢) ، وقد بناها القدامى. ويوجد في أسفلها ممر يمكن بواسطته اختراق جبال الاطلس للذهاب إلى منطقة جزوله ويدعى ممر «بوريش» (١٢٣) ، لأن البرد يتساقط فيه باستمرار ، والبرد يشبه في تساقطه الريش الأبيض

__________________

(١٢٠) ٨٠ كم.

(١٢١) أو «علم جابر» وهو بحث اشتغل العرب وغيرهم به أمدا طويلا. وكان الغرض منه تحويل المعادن بعضها إلى بعض وخاصة تحويل بعضها إلى الذهب والفضة. وسمي «علم جابر» نسبة إلى جابر بن حيان الذي كتب فيه بحوثا كثيرة. ويرتبط هذا العلم بعقائد الاسكندريين فيشتمل على عنصر الصوفية الشرقية. ويرى المشتغلون بهذا البحث أن الذهب كان أنبل المعادن ، وهدف أعمالهم هو العثور على وسيلة لإكثار الذهب بالاستعانة بالحجر الفلسفي. وقد انتقلت هذه البحوث إلى الغرب مع الصليبيين. وأما الكيمياء الحديثة فقد نبغ فيها عدد كبير من علماء المسلمين ، ويرجع إليهم الفضل في كثير من اكتشافاتها ، مثل اتقان التقطير والأنبيق وتحضير الماء الثقيل ، وهو مزيج من الدوتير يوم والأوكسجين وأكثر كثافة من الماء العادي ، والماء اللذيذ ، وهو خليط من ماء آزوتي وحامض الكلور وهيدريت الذي يذيب الذهب والبلاتين ، والأنبيق والماء القوي. وهو الآسيد النيتريكي ، وزيت الزاج ، والغول ، وحجر جهنم والسليماني. ونذكر من بين أهم علماء الكيمياء المسلمين جابر وابن سينا.

وفي العصر الوسيط كانت هناك شخصيات كبرى في عداد الكيميائيين مثل البرت الكبير وتوماس الاكويني. وكان ريمون لول ، وروجر باكون ، وآرند دوفيلونوف من الكيميائيين الحقيقيين. وفي القرن الرابع عشر والخامس عشر كان كثير من الكيميائيين عبارة عن دجالين ، ولكن كان منهم بحاثون ، دفعت أخطاؤهم ذاتها إلى تقدم علم الكيمياء الصحيح مثل باسيل فالنتان والاسحاقين وبرنار تريفزان. وظهر منهم في القرن السادس عشر مارسيل فيسان وبيك دولا ميراندول بالأضافة إلى كورينليوس أغريبا وباراسلز وفان هلمونت. (المترجم).

(١٢٢) ٢٢ كم. وهي إلى الغرب من المدينة وليس إلى الشرق كما يقول.

(١٢٣) أي أبو الريش حسب لهجة المغاربة.

١٣٦

وهو يتطاير. ويمتد تحت المدينة أيضا سهول واسعة تصل حتى مراكش على مسافة ثلاثين ميلا (١٢٤) ؛ ويجود فيها قمح طيب كبير الحبات ، وهو أفضل ما رأيت ، ودقيقه في غاية الجودة. ولكن العرب يرهقون هذه المدينة بالإتاوات ، ويصنع ملك مراكش نفس الشيء ، حتى أن القسم الأعظم من الحقول أصبح مهجورا. وأخذ سكان المدينة أيضا يهجرونها وهم معدمون جدا لقلة المال ، ولكن لديهم الكثير من الأملاك ومن الغلال. ولم أنزل في هذه المدينة ولكن إلى القرب منها ، في خيمة سيدي كانون ، وهو ناسك يتمتع هنا بسمعة كبيرة(١٢٥).

تومغلاست

تتألف تومغلاست (١٢٦) من ثلاثة قصور صغار في السهل على مسافة أربعة عشر ميلا (١٢٧) من الأطلس وعلى مسافة عشرين ميلا تقريبا (١٢٨) من مراكش. وجميع القصور الثلاثة محاطة بالنخيل والكروم والأشجار المثمرة. والريف المحيط بها (١٢٩) جميل وصالح لزراعة الحب ، ولكن لا يمكن زراعته بسبب غارات العرب. وتكاد تكون هذه القصور الثلاثة غير مأهولة ، إذ لا يقيم بها أكثر من خمس عشر أسرة تمت بصلة القرابة للناسك الذي سبق لي الكلام عنه قبل قليل ، ويستطيعون ، بفضل حمايته ، أن يزرعوا بعض القطع من الأرض بدون أن يدفعوا شيئا للعرب. وهؤلاء العرب يبيتون في مساكن أهل البلد عندما يأتون إلى هذه القصور ، ومساكنهم هذه حقيرة جدا ، فهي إلى حظائر الحمير أدنى منها إلى منازل الآدميين. وهي مليئة بالبراغيث والبق وهوام أخرى كثيرة. ومياه البلدة مالحة. وقد قصدت هذه البليدة وأقمت فيها مع سيدي يحيى ، الذي قدم لجمع الضرائب من هذه البلاد باسم ملك البرتغال الذي عينّ هذا الشخص قائدا لبادية آسفي (١٣٠).

__________________

(١٢٤) ٤٨ كم والصحيح ٦٠ كم.

(١٢٥) وهو المرابط سيدي أبو عبد الله محمد كانون الذي كان له فيما بعد دور تاريخي هام.

(١٢٦) يبدو أن موقعها ينطبق على موضع بلدة غويماسّة.

(١٢٧) ٢٢ كم.

(١٢٨) ٤٨ كم.

(١٢٩) وهو سهل حوز مراكش.

(١٣٠) هذا اللقاء الذي جرى بين المؤلف وبين أبي زكريا يحيى بن محمد او تعفوفت ، حدث في أواخر حزيران (يونيو) أو في تموز (يوليو) ١٥١٤ م. وسيقول لنا فيما بعد بأنه تكلم معه باسم ملك فاس والأمير شريف وأنه كان مع سيدي يحيى ٥٠٠ فارس برتغالي وأكثر من ٢٠٠٠ فارس عربي.

١٣٧

مدينة تشرافت

وهي مدينة صغيرة واقعة على ضفة آسيفلمل (١٣١) على مسافة أربعة عشر ميلا (١٣٢) من مراكش وعلى حوالي عشرين ميلا (١٣٣) من الأطلس. ويوجد حولها الكثير من البساتين المغروسة بالنخيل. والأراضي صالحة لزراعة القمح. وكل سكانها يشتغلون بزراعة البساتين. غير أن فيضانات النهر الواقعة عليه هذه المدينة كثيرا ما تتلف البساتين. وفضلا عن ذلك يأتي العرب صيفا ويلتهمون ما يجدونه قابلا للأكل. وقد ذهبت لهذه البليدة ولم أبق فيها إلا ما يكفي من الوقت لتقديم الشعير لخيولنا. وقد شاء حسن حظيّ أنني لم أقتل غيلة في هذا اليوم بأيدي هؤلاء العرب.

مدينة مراكش الكبرى

مراكش مدينة كبيرة جدا ومن بين المدن الرئيسية في العالم ، ومن أكثرها شرفا في افريقيا. وتقع هذه المدينة في سهل واسع على مسافة أربعة عشر ميلا من الاطلس. وقد شيّدت من قبل يوسف بن تاشفين ، ملك قبيلة لمتونة (١٣٤) في الزمن الذي دخل هذه المنطقة مع قبيلته. وجعل منها عاصمة مملكته ، قرب ممر أغمات الذي يخترق الاطلس من خلاله للذهاب إلى الصحراء حيث تقطن هذه القبيلة. وقد شيّدت وفق مخططات وضعها مهرة المهندسين على يد طائفة من العمال الحاذقين. وتحاط بأرض زراعية واسعة. وكانت يقطنها مائة ألف أسرة أو أكثر في حياة علي ، ابن الملك يوسف (١٣٥). وكان لها أربعة وعشرون بابا وجدار سور غاية في الجمال والمناعة ، مبنّى من اللبن الكلسي ومن رمل غليظ مخلوط بالجص. وعلى مسافة ستة أميال من مراكش يمر نهر كبير يدعى التانسفت (١٣٦) ، وتكثر في هذه المدينة الجوامع ، والمدارس ، والحمامات والفنادق حسب الأسلوب الشائع في افريقيا. ومن هذه الجوامع ما بناه ملوك لمتونة (١٣٧) ، ومنها ما شيده من جاءوا من

__________________

(١٣١) تشرافت واقعة على واد نفيس.

(١٣٢) ٢٢ كم.

(١٣٣) ٣٢ كم.

(١٣٤) لقد بناها يوسف بن تاشفين زعيم لمتونة في سنة ١٠٦٢ م.

(١٣٥) أبو الحسن علي بن يوسف الذي حكم من ٤ / ٩ / ١١٠٦ إلى ٢٦ / ١ / ١١٤٣.

(١٣٦) في الحقيقة لا تزيد المسافة كثيرا عن أربعة أميال (٧ كم) بين نهر التانسفت ومراكش.

(١٣٧) المرابطون.

١٣٨

بعدهم ، وهم ملوك الموحدين. ومن هذه الجوامع يوجد جامع بديع جدا ، في قلب المدينة ، وهو الجامع الذي بناه علي بن يوسف ، أول ملك على مراكش ، ويسمى جامع علي بن يوسف. ولكن أحد ملوك الموحدين واسمه عبد المؤمن (١٣٨) هدمه وأعاد بناءه لا لشيء إلا لمجرد القضاء على اسم «علي» كي يحل اسمه مكانه. وقد كان هذا جهدا ضائعا ، لأن الناس قد ظلوا يسمونه باسمه القديم. هذا ويوجد أيضا بجوار القصبة تقريبا جامع آخر بناه عبد المؤمن نفسه ، وكان ثاني ملك من الأسرة التي قضت على دولة المرابطين وخلفتها (١٣٩) ، وبعدئذ جاء حفيده المنصور (١٤٠) ووسّعه بمقدار خمسين ذراعا من كل جانب وزيّنه بالعديد من الأعمدة التي جلبها من أسبانيا. وبني تحت هذا الجامع خزان مياه (١٤١) يتمثل في نفق وجعل سقفه من رصاص محفوف بقنوات تجري فيها المياه الهاطلة على السقف وتصب في الخزان. كما شيد منارة مبنية بحجارة منحوتة ضخمة ، شبيهة ببرج الكوليزيه في روما. ويبلغ محيط هذه المنارة مائة ذراع توسكاني (١٤٢) ، وهي أعلى من برج آزينليّ في بولونيا (١٤٣). ويرقى إلى هذه المنارة بواسطة درج يبلغ عرضه تسعة أشبار (١٤٤). ويبلغ سمك الجدار الخارجي عشرة أشبار (١٤٥) ، وسمك جدار المنارة الداخلي خمسة أشبار (١٤٦). ويوجد في داخل المنارة سبع غرف فسيحة (١٤٧) ، جميلة جدا ، بعضها فوق بعض. ويكون الدرج منيرا بشكل كامل لأنه يحوي ، من الأسفل للأعلى ، طاقات بهية ، مفتوحة بمهارة فنية عظيمة ، وهي أكثر عرضا من الداخل مما هي من الخارج. وعندما يصل الانسان إلى أعلى المنارة يجد منارة صغيرة يكون أعلاها هرمي الشكل ، يبلغ

__________________

(١٣٨) هو الخليفة الموحدي أبو محمد عبد المؤمن بن علي وحكم من ٢١ / ٨ / ١١٣٠ إلى ٣ أو ٧ / ٤ / ١١٦٣ م.

(١٣٩) لقد كان أول إمام الموحدين المهدي محمد بن تومرت وحكم من ٢٥ / ١١ / ١١٢١ إلى ٢١ / ٨ / ١١٣٠ م.

(١٤٠) أبو يوسف يعقوب المنصور وحكم من ٣٠ / ٧ / ١١٨٤ إلى ٢١ / ١ / ١١٩٩ م.

(١٤١) يسمى حزان المياه «ماجن» في أقطار المغرب ، وتقابل هذه الكلمة «صهريج» في المشرق (المترجم)

(١٤٢) نسبة إلى توسكانيا وهي مقاطعة إيطالية. والرقم الذي يذكره يساوي ١٢ ، ٥٥ م في حين أن محيط منارة الكتبية الشهيرة هو ٥٠ م.

(١٤٣) برلونيا مدينة إيطالية. والواقع أن ارتفاع الكتبيّة يقل عن البرج المذكور بثلاثين مترا لأن ارتفاع برج آز ينللي هو ٦ ، ٩٧ م وارتفاع الكتبيّة ٥ ، ٦٧ م ، وبالاضافة إلى ذلك لمّا كان برج آز ينللي ممشوقا أكثر فهو يتراءى أكثر ارتفاعا بكثير من الكتبيّة.

(١٤٤) كان شبر مراكش يعادل ٦ ، ٢١ سم ولما كان عرض درج الكتبيّة ٥ ، ١ م فكان يجب أن يقول سبعة أشبار.

(١٤٥) أي ١٦ ، ٢ م والحقيقة ٢ م.

(١٤٦) ٠٨ ، ١ م والحقيقة ٥ ، ١ م.

(١٤٧) هي خمس غرف فقط.

١٣٩

إطاره خمسة وعشرون ذراعا (١٤٨) ، أي قدر حجم المنارة تقريبا (١٤٩) ، ويبلغ ارتفاعها رمحين (١٥٠) ، وتضم ثلاثة أدوار مسقوفة عقدا يصعد اليها بسلّم خشبي. وقد ثبت ساق فوق قمة هذا الهرم ، بصورة محكمة ، وضمّت فيه ثلاث تفاحات فضية ، السفلى أكبر من الوسطى وهذه أكبر من العليا. وتزن الثلاثة ثلاثة وتسعين رطلا إيطاليا (١٥١). وعندما يكون الانسان في الطابق العلوي من المئذنة الصغيرة ، يجب عليه أن يدير رأسه في سائر الاتجاهات ، كما لو كان في قفص الصاري في سفينة. وإذا ما نظرنا إليها من أسفل ، لا يظهر الرجال ، مهما كانت قامتهم ، أكبر من أطفال في السنة الأولى من عمرهم. ويكتشف الناظر من أعلاها جبل آسفي الذي يقع على مسافة مائة وثلاثين ميلا من مراكش (١٥٢) ، كما ترى أيضا السهول المجاورة حول المدينة على مسافة خمسين ميلا تقريبا (١٥٣).

وهذا الجامع المذكور ليس كثير الزينة من الداخل. غير أن السقف مصنوع من الخشب المخرّم مثل كثير من السقوف التي نراها في كنائس إيطاليا. وهو من أجمل مساجد العالم. ولكنه اليوم مهمل لأن سكان مراكش اعتادوا ألا يقيموا فيه سوى صلاة الجمعة ، وكذلك لأن المدينة قليلة السكان جدا ، وخاصة في الأحياء الملاصقة ، حتى لقد أصبح من الصعوبة بمكان الوصول إليه بسبب أنقاض الخرائب التي تعرقل الطريق. وكان تحت الباب الرئيسي للجامع ، في الماضي ، مائة دكان لبيع الكتب (١٥٤) ، ولكن لا يوجد شيء منها الآن.

وتبدو هذه المدينة البائسة خاوية بنسبة الثلثين. وأصبحت الأراضي الخالية مزروعة بالنخيل والكرمة والأشجار المثمرة ، لأن السكان لا يستطيعون الحصول على شبر من الأراضي الصالحة للزراعة في خارج الأسوار لكثرة ما يتعرضون لغارات العرب. ويمكن

__________________

(١٤٨) أي ٣٥ ، ٢٥ م وفي الحقيقة هي ٢٩ ، ٢٧ م.

(١٤٩) هذا في الواقع نواة المنارة لأن جدار المنارة الصغرى هو امتداد لجدار المنارة الكبرى الداخلي.

(١٥٠) وهذا القسم من المنارة تعرض للتعديل ولكن كانت توجد رماح رياضية طويلة تبلغ حوالي ستة أمتار من الطول.

(١٥١) يزن الرطل ٠٧١ ، ٣٣٩ جراما ، فيكون المجموع ٥٣٣ ، ٣١ كيلو جرام.

(١٥٢) أو ٢٠٨ كم ، والحقيقة أن الكتلة الجبلية التي سيسميها المؤلف جبل بني ماجر لا تبعد اكثر من ١٠٠ كم عن مراكش على خط مستقيم.

(١٥٣) أي حوالي ٨٠ كم.

(١٥٤) ومن هذا جاء اسمه : «جامع الكتبيّة».

١٤٠