منتقلة الطالبيّة - المقدمة

منتقلة الطالبيّة - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٤

١
٢

٣
٤

المقدمة

بقلم : العلامة السيد محمد مهدى الخرسان

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

١ ـ حديث المنتقلة

يلذ لى وأنا بين يدىّ كتاب لم يسبق له أن رأى النور فى عالم النشر الفسيح ، أن أتحدث الى القراء عن قصتى مع هذا الكتاب ، وكيف وصل الى يدى ومنها الى أيديهم بعد تسعة قرون مرت على تأليفه ، وكان بعضها مسرحا لحوادث وكوارث أتت على الأخضر واليابس ، فذهب ضحيتها آلاف من أمثال كتابنا هذا نتيجة الجهل والطيش ، فلم تسمع إلا باسمائها وما لم نسمع به فهو أكثر وأكثر.

ومن المستغرب أن يبقى كتابنا هذا فى سلامة من طيش العابثين مقبورا فى زوايا الخمول بين أضرابه وأترابه لم يكتب له الانتشار ليعم الإنتفاع به. ولشدة اليأس منه كاد أن يدخل فى قائمة أخبار كان ، لكثرة البحث عنه فى زوايا المكتبات العامة ، والتساؤل عنه حديث جل المعنيين بأنساب الطالبيين شأنه شأن لداته من اصول النسب الضائعة المفقودة ، ولولا ما ذكرته بعض الفهارس المعنية من الدلالة على وجود نسخته فى ايران فقد كدنا أن نيأس من الحصول عليه أو العثور على مكانه. وشاء الله ان تصل

٥

نسخته الى النجف الاشرف ، وان الله تعالى اذا أراد أمرا هيأ له أسبابه.

ففى امسية من عام سنة ١٣٨٢ ه‍ ذهبت على عادتى الى المكتبة الحيدرية ـ التى هى أوسع دور النشر وأقدمها فى النجف الاشرف ـ فاستقبلنى صاحبها الاستاذ الاخ الشيخ محمد كاظم الكتبى سلمه الله مرحبا ـ وتلك عادته مع زائريه ـ ولاحظت عليه سمة الارتياح فسرنى ذلك ، فابتدرنى مبشرا ومشيرا الى مظروف امامه : ان هذا كتاب (منتقلة الطالبيين) وناولنى المظروف فاذا فيه مصور بالفوتستات يضم ثلاثة كتب الاول قطعة من كتاب الادعياء والثانى سر السلسلة العلوية لأبى نصر البخارى والثالث كتاب منتقلة الطالبيين قد جمعت بينها وحدة الموضوع وألفت بينها يدا المجلد ، ولم يشأ المصور أن يفرق بين الاخوة فصور المجموع كما كان.

وسألته عن مصدر اقتنائه ـ وأنا مبتهج بتلك التحفة ـ فقال انى كلفت صديقنا الحميم فضيلة العلامة الجليل الشيخ محمد نجل آية الله الشيخ عبد الحسين الرشتى باستحصال نسخة من هذا الكتاب عن نسخة مكتبة سيهسالار فاجاب ـ مشكورا ـ وكتب الى صديقه ثقة الاسلام الاستاذ الحاج أغا عبد الله آل أغا مدير المكتبة المذكورة وطلب منه تصوير الكتاب ، فتفضل هو الآخر مشكورا فصوره وأرسله وهاهى النسخة تفضل بها العلامة الرشتى وأنا أحب أن أطبعها ليعم نفعها.

فشكرت له وللمساهمين فى تحصيل النسخة صنيعهم الجميل وشجعته على المبادرة بطبع الكتاب بعد تصحيحه وتحقيقه. فطلب رأيى فى ما يحتاج اليه الكتاب من موارد التحقيق والتعليق عليه فاستمهلته ريثما أتصفح الكتاب فانه لا يشبه كتب النسب التى عرفناها وانتشر بعضها فعرفها القراء ، واخذت النسخة معى وأحييت معها ليلة فى مكتبتى ، تعرفت فيها على طرف من اسلوب المؤلف ، وهو اسلوب جديد لم نعهده فى مثله من كتب الفن قبله ، كما اطلعت

٦

على حاجة الكتاب الى شىء من التعليق اللازم مما يفسر مصطلحا خاصا أو يعرف علما فذا ، أو يعين بلدا وغير ذلك من النقاط التى رأيت لزاما ان تؤخذ بعين الاعتبار قبل تقديم الكتاب الى المطبعة مضافا الى المحسنات الطباعية التى هى من وظيفة الاستاذ الناشر الكتبى.

وفى اليوم الثانى حملت المظروف وقصدت المكتبة العامرة وسلمته الى الاخ الكتبى فسألنى كيف رأيت الكتاب؟ فأجبته :

انه أثر مهم فى بابه وحلقة من حلقات علم النسب كنا نحسب انها مفقودة ، ولو تمت جميع تلكم الحلقات متسلسلة منتظمة لكانت كفيلة بتسليط الاضواء على جوانب عديدة من تاريخنا الماضى وهذا الكتاب وحده وثيقة خطيرة يجب ان يطبع وينشر ليتيح للباحثين الاطلاع على زوايا وخبايا ، فان الاطلاع عليها يغير بعض المفاهيم الخاطئة عن سلالة هى من أعرق السلالات فى نجابة الاعراق وطهارة المولد وطيب المنبت حتى ود كل احد من الناس ان يكون منهم ، ولم يودوا أن يكونوا من أحد. وذلك اقصى المجد وغاية الفخر.

ولكن مع الاسف الشديد ان يضلع بعض المحدثين مع ركب المتعصبين من القدامى فينظر الى هذه الارومة وأكارمها بنظر الحقد والشنآن والاحن والاضغان فيكيل السب جزافا ويفترى على القوم بهتانا وزورا ، كل ذلك ليبرر نقمة الحاكمين حينذاك الشنعاء ويغطى فعلتهم النكراء ، ناسيا أن وراء اليوم غدا وهنالك يسئل المجرمون ويعرف التالون غب ما أسس الاولون.

كما أنه غافل أو يتغافل عن ان التاريخ للجميع ويجب ان يسجل بقلم نزيه ولسان صادق لا مسرح فى أدواره للنزعة ولا تحكم بين ابطاله للعاطفة وانما يبحث التاريخ ويسجل للتاريخ وحده كيف ما كان لا تملكه فئة حاكمة ولا تخسره فئة ناقمة.

٧

على اى حال فان اشبال أبى طالب «ع» كانوا ابطال رواية الكثير من صفحات التاريخ فى مختلف عصوره وأدواره ، عجم الدهر قناتهم وشتت أفرادهم فلم يزدهم ذلك إلا صلابة وصمودا.

أما ما يجب ان يلحظ بعين الاعتبار قبل نشر هذا الكتاب هو تحقيق نصوصه وشرح بعض المصطلحات الخاصة بعلم النسب ، وأوكد على ذلك فان كثيرا من ذوى الثقافة العالية ـ فضلا عن عامة القراء ـ يجهلون تلك المصطلحات الخاصة وليس فى ذلك غضاضة عليهم بعد أن يكونوا بعيدين عن اصول هذا الفن ومصطلحاته.

كما ان من الخير تعريف اعلامه وبلدانه وفى ذلك تيسير للقارىء على فهم الكتاب وتوفير لوقته عن مراجعة مختلف المصادر للبحث عن علم أو بلد أو مصطلح؟

وهنا تقدم الاخ الكتبى سلمه الله يطلب منى ان أتولى ذلك وأتحمل عناء هذه المسؤلية الشاقة وعبثا حاولت الاعتذار ، وما انقض مجلسنا حتى قمت وأنا أتأبط المظروف أعود به الى مكتبتى لأفتح له صفحة من الحساب واخصص له وقتا مع أعمالى الاخرى ، وأنا فى زحمة منها ومع تلك المضايقة فانا أشعر بارتياح نفسى لحصول تلك النسخة التى طالما تشوقت لرؤيتها وبدأت العمل من تلك الليلة باعداد مقدمات تهيئة الكتاب لأدفع أول مسوداته الى المطبعة الحيدرية بعد أربع سنين من تاريخ عملى فيه. وهكذا بقيت مستمرا دؤوبا فى مراجعة الملازم وتصحيحها طيلة عامين آخرين تما وشرعنا فى العام الثالث ونحمد الله تعالى على تيسيره وتوفيقه باكمال اعداد مسوداته وتسليم آخرها الى المطبعة وعن قريب سينتهى العمل على إتمام طبعها.

وبعد ذلك العناء المضنى فى سبع سنين عجاف سيأتى العام الذى فيه يغاث القراء ويتسلمون الكتاب محققا غنيمة باردة بارك الله لهم فيها ، وأجزل

٨

ثوابنا واخواننا الذين شاركونا فى نشره وتحصيل نسخته وطبعه انه ولى الخير وهو أفضل مثيب.

٢ ـ عملى فى هذا الكتاب

وينحصر عملى فى خمسة امور :

١ ـ استنساخ الكتاب : لما كان الاصل الذى نريد ان نحققه مصورا (بالفوتستات) ولا مجال لعمل اى تعليق أو تحقيق على مثل ذلك لضيق المجال فى الهوامش من ناحية ، وطمس بعض الكلمات من ناحية اخرى لذلك شرعت فى الاستنساخ فى تلك الايام وانتهيت منه فى سنة ١٣٨٣ وشرعت فى معارضة المخطوط بالمصورة مرة ثانية خشية سهو القلم وكملت المقابلة فى سنة ١٣٨٤ وحينئذ تهيأت لدى نسخة مخطوطة ستكون هى الاصل التى يثبت عليها التعليق وبها يناط التحقيق.

٢ ـ تحقيق النص : وقد اتخذت فى ذلك (أولا) الطريقة المألوفة فى تصحيح النصوص قديما وحديثا وهى مطابقة الأصل المخطوط عن المصور مع نسخ اخرى مخطوطة ، وقد حصلت لى نسخة بقلم عادى نسخت عن النسخة الموجودة بمكتبة الحاج حسين آقا ملك بطهران هى تعتبر أقدم تاريخا من النسخة التى بمكتبة سيهسالار والتى عندنا صورة منها فعارضت مخطوطتى بتلك وحيث اختلف النصان أثبت أمثلهما صحة فى الصلب وأشير الى الآخر فى الهامش اذا كان ذا أهمية بالغة.

ولم أشأ ان أشير فى الهوامش الى جميع الفوارق البسيطة فارهق القارىء بتقليب نظره بين الصلب والهامش جريا وراء الارقام ، اذ ليس ـ فيما أرى ـ كبير نفع يستفيده القارىء بعد اعتقادى ان جل تلك الفوارق نشأت من سهو الاقلام وتصرف النساخ ، ولم أفترض فى كل قارىء له رغبة

٩

تامة فى مقارنة النص فى النسختين أوله الوقت الكافى لمتابعة ذلك العناء ، كما لم أفترض ان جمهرة القراء لهم الكفاءة التامة أو الاختصاص المؤهل لهم للاستفادة من مراجعة تلك الفوارق البسيطة التى ربما شوشت عليهم فكان إثم ذكرها اكبر من نفعه.

(والطريق الثانى) الذى سلكته فى تحقيق النص هو معارضة على اصول الفن المعتمدة ـ وستأتى الاشارة اليها ـ وسلوك هذا الطريق أكثر عناءا من الاول ، فكم أضنانى تحقيق نسب شخص ما ليالى وأياما وبذلت الجهد الكثير الكثير وتحملت العناء فى معارضته النص على ثبوت تلك المصادر وحرصت على تسجيل الفوارق بينه وبينها فى الهامش اذا كان الفرق بالغا وكبيرا.

أما اذا أعيانا الحصول على الصحيح من هذا الطريق فاثبت فى المتن ما هو متفق عليه فى النسختين أشير فى الهامش الى وجوده فيهما معتذرا الى القراء سلفا عن تحمل مسؤلية ذلك.

٣ ـ تنظيم الكتاب : اما ما عملته فى هذا الكتاب سوى تحقيق النص فقد استطعت ـ والحمد لله ومنه التوفيق ـ ان انظم الكتاب تنظيما ييسر للقارىء فهمه والانتفاع به ، فهو وان كان مبوبا إلا ان مواد الباب الواحد كانت متشابكة متداخلة ينساب بعضها وراء البعض الآخر فيكاد القارىء ان لا يعرف أين انتهى الحديث عن بلد ومن أين ابتدأ الحديث عن الثانى فحرصت على تنظيم ذلك قدر المستطاع.

٤ ـ التعليق عليه : اما التعليق على الكتاب فهو تلخيص فى ترجمة الاعلام وتعريف البلدان ، اما تعريف الاعلام فقد كنت أول الامر ارتأيت ان يكون التعريف بترجمة مناسبة تحدد مكانة المترجم له وتعين القارىء على فهمه فهما يمكن أن يتخذه مصدرا لتصوير الشخصية وحدودها

١٠

على أن يكون ذلك فى الهامش. ولما كان ذلك يختلف باختلاف قيم الرجال ومكانتهم وآثارهم فرب شخصية فذة مجهولة القدر تحتاج فى التحدث عنها الى صفحات ، واخرى ثائرة استهدفت أهدافا صحيحة لكن اكتنفها الغموض فيجب أن نميط عنها الستار قدر المستطاع ، وثالثة علمية غذت الفكر الاسلامى بلبانها فاغنته بتراثها ، ورابعة وخامسة وهكذا يختلف تعريفنا لأولئك الأعلام ايجازا واطنابا مما جعلنا نعدل عن ذكر ذلك فى الهامش وولدت فكرة جمع تلكم التراجم فى كتاب خاص أسميناه (معجم أعلام منتقلة الطالبيين) بعد ان كنا قطعنا شوطا على طريقتنا الأولى فاضطرنا ذلك العدول الى مراجعة الهوامش حتى ص ٤٠ من مخطوطنا لاستلال ما فيها من التراجم وضمها الى المعجم المذكور ، وتعديل الارقام فى الصلب والهامش بعد عملية الاستدلال وقد كلفنا ذلك تغيير بعض الصفحات بانتساخها من جديد مرة ثانية ، وفى ذلك من العناء ما يدركه ذوو الاختصاص والعمل فى تحقيق الكتب.

وقد أشير أحيانا فى الهامش الى ما أجده فى بعض اصول النسب الاخرى خصوصا المخطوطة منها لندرة نسخها وعدم تيسر الاطلاع عليها لسائر القراء ، وأرى فى اثباته كبير فائدة لعلاقته بما فى الصلب ، كتنبيه على انفراد المؤلف أو عدم ذكره لمن يجب ذكره ، وفاته ذلك أو خطأ فى بعض كتب النسب المطبوعة ونحو ذلك مما سجلته فى وقته لإفادة القارىء.

وأما تعريف البلدان فقد عانيت الكثير فى معرفتها لأن كثيرا منها تغيرت معالمه فجهل موقعه ، او انطمست آثاره وقام على انقاضها بلد آخر باسم جديد فغير اسمه الاول ، أو ان المؤلف نفسه لم يتحقق اسمها الصحيح فاثبتها كما ظن كما فى حراب وسماك فانهما لقبان وليسا باسمى موضع ، فالنسبة اليهما نسبة الى لقب لا الى موضع فجشمنا تحقيق ذلك عناء كبيرا حتى اتضح لنا ما بهم عليه ، وهذا التعريف أيضا آثرنا وضعه فى اطار خاص يرجع اليه

١١

القارىء عند الحاجة. ولم أشأ ان أذكره مفرقا فى ثنايا الكتاب حسب ورود أسماء البلدان لضيق الهوامش أحيانا عن استيعابه ، لذلك ألحقناه فى آخر الكتاب.

٥ ـ الاستدراك على المؤلف : وهذا موضوع دعتى اليه الرغبة الملحة باكمال الموضوع الذى ابتدأه المؤلف (ره) ولم يلم باطرافه إلمامة الاستقصاء التام حتى فى عصره ، ففاته الكثير من الطالبيين بل من أعيانهم وساداتهم ـ وكلهم أعيان وسادة ـ الذين يجب ان يذكرهم حسب شرطه فى أول كتابه ، وكم كانت رغبتى عظيمة فى تعميم مستدركى على كتابه فيكون لنا بمثابة نتميم له فيشمل حتى الطالبيين بعد عصر المؤلف ـ القرن الخامس الهجرى ـ ولكن قلة المصادر وضيق الوقت وسعة الموضوع كل ذلك دعانى الى تكريس الجهود فى استدراك ما فات المؤلف رحمه الله ذكره وكان عليه ان يذكرهم سواء السابقين عليه أو المعاصرين له.

فجمعت فى ذلك طائفة من الطالبيين ورتبتها حسب ترتيب الاصل ـ المنتقلة ـ واسميتها (مستدرك المنتقلة) ولا أدعى فى عملى هذا الاحاطة التامة بكل من فات المؤلف ذكره ، ولكنها محاولة اولى أرجو ان تكون نواة لعمل أتم وبحث أوفى فى المستقبل تتضاعف فيه الجهود ويكمل فيه النمو فيصل الى مداه من النجاح ان شاء الله.

نسخ المنتقلة

١ ـ نسخة خطية بمكتبة الحاج حسين أقا الملك بطهران وهى بخط محمود ابن صدر الدين بن سيفال داروغه انهى كتابتها يوم الاثنين فى شهر ربيع الثانى سنة ٩٠٤ وهى تبدأ من آمل وتنتهى باليمامة من ص ١٧٠ الى ص ٢٠٢ حيث هى منضمة الى سر السلسلة العلوية لأبى نصر البخارى وعنها أخذت نسخ

١٢

اخرى منها.

أ ـ فى مكتبة مجلس الشورى بطهران برقم ١١٢٥ نسخة مصورة.

ب ـ ومكتبة جامعة طهران (دانشكاه) برقم ٢٢ نسخة مصورة أهداها الدكتور على أصغر حكمت الى مكتبة الجامعة.

ج ـ بمكتبة الامام أمير المؤمنين العامة فى النجف الاشرف نسخة كتبت بقلم رصاص على ورق (الكاربون) وهى كثيرة الغلط والسقط ، وناسخها أعجمى وأظنه من العوام ، ولكنا استفدنا منها قدر المستطاع كما صححنا فيها كثيرا عند المقابلة.

٢ ـ نسخة خطية بمكتبة مدرسة (سبهسالار) بطهران فى مجموع يضم كتابين آخرين وهما :

أ ـ كتاب الأدعياء والنسب الباطلة (ولى عليه تعليقات تفسر مغلقه)

ب ـ كتاب سر السلسلة لأبى نصر البخارى وكلاهما ناقص من أوله والأول منهما ناقص من آخره أيضا والمجموع فى ١١٠ أوراق ، الأول من ٢ ـ ٨ ـ أ ، والثانى من ٨ ـ ب حتى ٣٢ والثالث من ٣٣ حتى ١١٠. وقياس النسخة المصورة : ٢٠ فى ١٣ ٢١ سطر.

وخط المجموع متقارب ولما كان الكتاب الأول ناقص الآخر لم نستيقن كاتبه بل نظنه هو نفس ناسخ الثانى لوحدة الخط ، وناسخ الثانى كما فى آخره : أبو القاسم الشريف ، ولم يؤرخ سنة انتساخه لذلك لم نتمكن من معرفته أما الكتاب الثالث وهو (منتقلة الطالبيين) فهو بخط رجل أعجمى غلبت عليه العجمة فصحف كثيرا.

وقد كتب على ظهر المجموع اعتضاد السلطنة وزير العلوم والصنايع فى سنة ١٢٨٠ صورة تملكه مع ختمه.

كما ان على ظهره صورة وقف المجموع على مكتبة مدرسة الناصرية

١٣

سيهسالار وذلك فى سنة ١٣٣٧ ومن مقارنة النسختين عند المقابلة اتضح لى انهما يرجعان الى أصل واحد هو الآخر مشوه بالاغلاط ، اذا أحسنا الظن بنسخة المؤلف وانها سليمة من الخطأ ، ولعلها كانت هى الاخرى مغلوطة ـ ولا يبعد ذلك ـ ومنها انتشرت الاخطاء وزيد عليها فى النسخ الفرعية أخطاء أخرى لأعجمية الناسخين.

اهمية علم النسب

ليس الإهتمام بالأنساب وليد عصر خاص أو قومية خاصة أو بلد خاص : بل هو وليد حاجة الانسان فى عصوره الغابرة حيث كانت الحاجة تدعوه الى الالفة والتعاطف وكان تنازع البقاء يخلق أجواء محمومة يحتاج معها الإنسان الى الحماية والقوة ، فهو منيع بعشيرته وعزيز بأقوامه ، لذلك أهتم بنسبه ووشائجه فحفظها ورعاها كما حدبت عليه اصوله فضمته بين أحضانها تحميه عادية الأبعدين وترد عنه كيد المعتدين ، وقد حكى القرآن الكريم حال نبيين من أنبياء الله تعالى نعى أحدهما قوته لفقدانه العشيرة فقال (لو ان لى قوة أو آرى الى ركن شديد) والثانى حمته منعة قومه حتى هابه أعداؤه فقالوا له (ولولا رهطك لرجمناك).

والذى يظهر من زبر الاولين وأخبار الماضين ان الاهتمام بالانساب لم يكن من خصائص العرب فحسب بل هناك أمم أخرى حفظت أنسابها ودونت أعقابها بما يحفظ لها ذلك عناية منها بطارفها وتليدها وتخليدا لعزها ومجدها وقد ذكر الامير شكيب أرسلان.

(ان الامة الصينية الكبرى هى أشد الامم قياما على حفظ الانساب حتى انهم يكتبون أسماء الآباء والجدود فى هياكلهم فيعرف الواحد أنساب اصوله الى الف سنة فاكثر ، وكذلك الافرنج كانت لهم عناية تامة بالانساب

١٤

فى القرون الوسطى والأخيرة ، وكانت لهم دوائر خاصة لاجل تقييدها وظبطها ووصل آخرها بأولها)

وحكى ابن الطقطقى فى النسب الاصيلى ـ مخطوط ـ ابن أعلام القرن السابع الهجرى.

(وأما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فضبطوا أنسابهم بعض الضبط ، بلغنى ان نصارى بغداد كان بأيديهم كتاب مشجر يحتوى على بيوت النصارى وبطونهم ، فهذه الامم وان اعتنت بانسابها بعض العناية واهتدت الى ضبط مفاخرها نوعا من الهداية ، فلم يبلغوا مبلغ العرب الذين كان هذا الفن غالبا عليهم وفاشيا فيهم)

ولما جاء الإسلام أكد على رعاية الأنساب وحث على صلة الارحام وبنى على ذلك كثيرا من أحكامه ليهتم المسلم بحفظها فى حدود حاجاته الشرعية فانه أوجب معرفة نسب النبى (ص) وانه هاشمى قرشى اذ لا بد فى صحة الإيمان من معرفة ذلك كما عن ابن حزم فى الجمهرة ص ٢ والقلقشندى فى مقدمة النهاية وغيرهما.

كما انه اعتبر النسب فى الإمامة فأوجب القرشية وانها من شروط الصحة عند عامة المسلمين الا من شذ من لا يؤبه بخلافه كما عن الشافعى والماوردى فى الاحكام السلطانية ص ٤ وابن الفراء الحنبلى فى الاحكام السلطانية ص ٤ وابن حزم فى الجمهرة ص ٢ والقلقشندى فى مقدمة النهاية وغيرهم.

وكذلك أوجب الاسلام معرفة قربى النبى (ص) لوجوب مودتهم المفروضة بنص الكتاب العزيز والتى جعلها أجر تبليغ الرسالة فقال عز من قائل (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة فى القربى).

كما انه رتب على معرفة أنسابهم خاصة أحكاما اخرى كتحريم الصدقة عليهم ووجوب الخمس لهم سوى ما يناط بمعرفة أنسابهم فى سائر أبواب

١٥

الفقه الاخرى كالنكاح والميراث والعتق والديات والوقف فان فى كثير من الكتب الفقهية الإسلامية أحكاما خاصة يجدها الباحث تتعلق بالهاشميين أو بخصوص الفاطميين منهم. وعلى سبيل المثال أذكر ان القاضى عثمان بن أسعد بن المنجا الحنبلى خص فى كتابه الوقف بابا فى الوقف على الاشراف لاحظ ص ٢٠ طبع المعهد الفرنسى سنة ١٩٤٩ م كما أذكر أن السيوطى فى العجاجة الزرنبية ذكر وقف بركة الحبش وان نصفها على الاشراف من بنى الحسن والحسين ونصفها على سائر الطالبيين من باقى ذرية على «ع» وأخويه جعفر وعقيل.

بل ان بعض الأوقاف كانت تخص بعض أفخاذ العلويين كما فى وقف الملك الصالح طلائع بن رزيك فانه أوقف ناحية بلقيس وجعل غلتها على الاشراف فخص سبع قراريط منها للسادة بنى الحسين أهل المدينة المنورة وقيراطا لبنى السيد معصوم فى الغرى (١) كما فى الخطط للمقريزى وتحفة الازهار (مخطوط) الى غير ذلك من الاوقاف التى تخص الأشراف.

فلولا معرفة الانساب لارتطم المسلمون فى الحرام من حيث يدرون ولا يدرون.

وأظن أن فيما ذكرناه كفاية لاقناع القارىء عن أهمية علم الانساب

__________________

(١) السيد أبو الحسن معصوم هو الجد الاعلى لكاتب المقدمة واليه ينتهى نسب السادة آل الخرسان فى النجف الاشرف وغيرها قال عنه الشدقمى فى التحفة : كان سيدا شريفا جليلا عظيم الشأن رفيع المنزلة ، كان فى المشهد الغروى كبيرا عظيما ذا جاه وحشمة ورفعة وعز واحترام عليه سكينة ووقار ثم نقل قصة رؤياه الإمام أمير المؤمنين «ع» فى شأن طلائع ابن رزيك وبشارته له بتوليته مصر واليها يعزى سبب اختصاصه بنى السيد معصوم بقيراط من وقف ناحية بلقيس.

١٦

ووجوب معرفتها بمقدار الحاجة خصوصا النسب النبوى فان لأفراده الاشراف ميزات خاصة زانهم بها الإسلام وصانهم حتى ودّ كل واحد أن يكون منهم ولم يرغبوا فى أن يكونوا من أى أحد لشرفهم الباذخ وسمو مجدهم الشامخ.

وحسب الهاشميين ما خصهم الله به كرامة لنبيه (ص) من تنزيههم عن الصدقات التى هى أوساخ ما فى أيدى الناس ، ففرض لهم فى محكم كتابه سهما قرنه بسهمه وسهم نبيه (ص) وتلك كرامة من الله تعالى لهم لا يسع المعاند انكارها مهما وسعته القوة فى دفعهم عن حقهم ومقامهم ، كما فرض لهم المودة على جميع المسلمين فى محكم كتابه وزادهم الرسول الكريم (ص) بعنايته الخاصة فزانهم بقوله الخالد. كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببى ونسبى (١).

وقد ذكر مشايخنا الاعلام فى مؤلفاتهم بعض ما يجب لهم فهذا رئيس المحدثين الشيخ أبو جعفر الصدوق المتوفى سنة ٣٨٨ ذكر فى اعتقادات الإمامية جانبا من حقوقهم. وهذا الشيخ الجليل آية الله العلامة الحلى المتوفى سنة ٧٢١ ذكر فى أواخر كتابه القواعد وصيته لولده فخر المحققين وفيها

__________________

(١) وقد ألف ابن عابدين رسالة فى ذلك تسمى (العلم الظاهر فى نفع النسب الطاهر) ذكر فيها من السنة ما يدل على المطلوب. عن هامش الصواعق لابن حجر.

كما ان القاسمى ألف رسالة شرف الاسباط وذكر فيها الأدلة على شرف النسب النبوى وشمول البنوة والذرية لأولاد البنات وأعقابهم وأحفادهم وأسباطهم وتوسع فى ذلك وذكر فتاوى العلماء فى باب الوقف بأن الذرية والعقب والنسل والبنين والاولاد تتناول أولاد البنات. ولا تخلو هذه التوسعة من مناقشة ليس هذا محل ذكرها.

١٧

أمره له برعاية حق الاشراف وصلتهم وذكر فيها جانبا من حقوقهم وما قاله النبى (ص) فى فضلهم.

فلهذا ونحوه حق لكل علوى بل وكل طالبى وحتى الهاشمى أن يطاول شهب السماء رفعة وسموا بمجده وشرفه.

ومهما عاب العصاميون العظاميين فى التفاخر بامجاد الرفاة البالية ، فانهم لا يسعهم أمام افتخار العلوى بآبائه والطالبى بقرباه إلا ان يطأطأوا الرؤوس إجلالا وإذعانا ، كيف لا وهما إنما يفخران بمن طأطأ كل شريف لشرفهم وبخع كل متكبر لطاعتهم وخضع كل جبار لفضلهم.

وإلا فبماذا يعيب الناقد قول أمير المؤمنين «ع» من كتاب له الى معاوية وهو يعدد مفاخره :

(فانا صنائع ربّنا والناس بعد صنائع لنا ، لم يمنعنا قديم عزنا ، ولا عادي طولنا على قومك ان خلطناكم بانفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الاكفاء ولستم هناك ، وأنى يكون ذلك كذلك ، ومنا النبى ومنكم المكذب ، ومنا أسد الله ومنكم أسد الاحلاف ، ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب فى كثير مما لنا وعليكم ، فاسلامنا ما قد سمع ، وجاهليتنا لا تدفع وكتاب الله يجمع لنا ماشذ عنا وهو قوله (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله).

أو ماذا ينعى الحاسد من خطاب أبى محمد الحسن «ع» لمعاوية وقد تعرض له عمرو بن العاص فى مجلس معاوية فانف سليل النبوة عن جواب ابن العاص فقال لمعاوية بعد كلام له :

أتأمر يا معاوى عبد سهم

بشتمى والملا منا شهود

إذا أخذت مجالسها قريش

فقد علمت قريش ما تريد

قصدت إلىّ تشتمنى سفاها

لضغن ما يزول وما يبيد

١٨

فما لك من أب كأبى تسامى

به من قد تسامى أو تكيد

ولا جد كجدى يا ابن هند

رسول الله ان ذكر الجدود

ولا ام كأمى من قريش

إذ ما حصّل الحسب التليد

فما مثلى تهكم يا ابن هند

ولا مثلى تجاريه العبيد

فمهلا لا تهج منا امورا

يشيب لهولها الطفل الوليد

أو ماذا يكذب من افتخار سيد الشهداء الحسين «ع» فى يوم عاشوراء وقد توازر عليه من غرته الدنيا وباع حظه بالارذل الأدنى فوقف آيسا من الحياة عازما على الموت وهو يقول :

أنا ابن على الطهر من آل هاشم

كفانى بهذا مفخرا حين أفخر

وجدى رسول الله أكرم من مشى

ونحن سراج الله فى الارض يزهر

أو بماذا ينقد هتاف الإمام زين العابدين «ع» مفتخرا بامجاده بين جموع الشاميين وقد حمل أسيرا الى يزيد ومعه أهل بيته :

أيها الناس اعطينا ستا وفضلنا بسبع ، اعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة فى قلوب المؤمنين ، وفضلنا بان منا النبى المختار محمدا ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سبطا هذه الامة ومنا مهدى هذه الامة.

من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى أنبأته بحسبى ونسبى :

أيها الناس أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن باطراف الرداء ، أنا ابن خير من اتزر وارتدى ، انا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حج ولبى ، أنا ابن من حمل على البراق فى الهواء ، أنا ابن من اسرى به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ، أنا ابن من بلغ به جبرئيل الى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلى بملائكة السماء ، أنا ابن

١٩

من أوحى اليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن على المرتضى أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله ، أنا ابن من ضرب بين يدى رسول الله (ص) بسيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وبايع البيعتين وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرقة عين.

الى آخر خطبته التى لم يزل يقول فيها أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء وخشى يزيد وقوع الفتنة فأمر مؤذنه ليقطع كلامه بالأذان.

أو ماذا يرد من قول شاعرهم الشريف الحمانى الزيدى :

بلغنا السماء بانسابنا

ولولا السماء لجزنا السماء

فحسبك من سؤدد إننا

بحسن البلاء كشفنا البلاء

يطيب الثناء لآبائنا

وذكر (على) يطيب الثناء

إذا ذكر الناس كنا ملو ..

كا وكانوا عبيدا وكانوا إماء

أو من قوله الآخر :

إذا فاخرتنا من قريش عصابة

بمط خدود وامتداد أصابع

فلما تنارعنا المقال قضى لنا

عليهم بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا

عليهم جهير الصوت فى كل جامع

فان رسول الله أحمد جدنا

ونحن بنوه كالنجوم الطوالع

وليس يقصر عنه قول الشريف الرضى الموسوى :

أخذنا عليكم بالنبى وفاطم

طلاع المساعي من مقام ومقعد

وطلنا بسبطي أحمد ووصيه

رقاب الورى من متهمين ومنجد

وحزنا عتيقا وهو غاية فخركم

بمولد بنت القاسم ابن محمد

فجدى نبى ثم جدى خليفة

فما بعد جدينا على وأحمد

وما افتخرت بعد النبى بغيره

يد صفقت يوم البياع على يد

وكل هؤلاء السادة هم تيجان الفخر واصول الفضل ، ومعدن السماحة

٢٠