مجموع بلدان اليمن وقبائلها - ج ١

محمّد بن أحمد الحجري اليماني

مجموع بلدان اليمن وقبائلها - ج ١

المؤلف:

محمّد بن أحمد الحجري اليماني


المحقق: إسماعيل بن علي الأكرع
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

حرف الهمزة

(حرف الهمزة مع الألف وما إليهما)

آلاف : نهر بصنعاء يعرف بغيل آلاف بصيغة جمع ألف. منابعه من قرب أرتل في الجنوب الغربي من صنعاء على مسافة ساعتين وسقيه في الصافية جنوبي صنعاء وفي بير العزب (غربي) صنعاء. حكى المؤرخون أن الذي أخرجه السيد الحسين بن القاسم الزيدي من ولد الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وكان عاملا بصنعاء للإمام القاسم بن علي العياني في آخر القرن الرابع للهجرة.

وهذا غيل آلاف هو الذي قصده السيد علي بن حسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن الإمام القاسم المعروف بالخفنجي في أبياته التي ضمّنها المفاخرة بين الروضة وبير العزب بقوله : ـ

فجوّبت بير العزب بإنصاف

إن كان عندك غيل فعندي آلاف

وسنذكر هذه القصيدة عند الكلام على صنعاء إن شاء الله فإنها اشتملت على ذكر كثير من بلدان صنعاء.

أنس : بوزن فاعل بلد واسع في الجنوب الغربي من صنعاء على مسافة يومين نحو ستين كيلومترا قاعدته ضوران.

بلاد آنس في العصر الحاضر تشمل تسعة مخاليف كل مخلاف يشمل جملة قرى وحصون ومزارع وهي :

١) مخلاف ضوران.

٢١

٢) مخلاف بني أسعد.

٣) مخلاف جبل الشرق ـ بكسر الشين المعجمة وسكون الراء المهملة والقاف ـ.

٤) مخلاف ابن حاتم.

٥) مخلاف حمير.

٦) مخلاف بني خالد.

٧) مخلاف المنار.

٨) مخلاف بني قشيب.

٩) مخلاف بني سلامة.

هذه مخاليف آنس في العصر الحاضر ، ويلحق بها ناحية جهران الواقعة شرقي بلاد آنس حسبما يأتي. وكانت بلاد آنس قديما تعرف بمخلافي الهان ومقرى ـ قال في معجم البلدان : مخلاف الهان أخو همدان مخلاف واسع وفيه قرى كثيرة وقال في مادة الهان ما لفظه : الهان بوزن عطشان سميت باسم الهان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن زيد بن كهلان وحكي في مخلاف مقرى فقال : وهو مخالط مخلاف الهان وفيه وادي رمع وهما في غربي ذمار ، وقال في مادة مقرى ما لفظه مقرى بالضم ثم السكون وراء وألف مقصورة تكتب ياء لأنها رابعة من أقرت الناقة تقرى فهي مقرية إذا ثبت ماء الفحل في رحمها : قرية على مرحلة من صنعاء وبها معدن العقيق ينسب إليها فيما أحسب جبلة المقري وشريح بن عبيد المقرى روى عن أبي أمامة وروى عنه جرير. وأبو شعبة يونس بن عثمان المقرى عن راشد بن سعد روى عن يحيى بن صالح الوحاظي ، وقال الهمداني ابن الحائك هو مقرىء بن سبيع ابن الحارث بن مالك بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير بن سبأ الأصغر. انتهى كلام ياقوت.

قلت وممّن ينسب الى مخلاف مقرى الفقيه العلّامة يحيى بن محمد بن حسن بن حميد بن مسعود بن عبد الله المقرائي الحارثي مصنّف شرح الفتح المسمى بالشموس والأقمار في الفقه أكمل تأليفه في سنة ٩٧٢.

وقال الهمداني في صفة الجزيرة ـ ما لفظه مخلاف الهان ومقرى هو مخلاف واسع ينسب إليه غربي حقل جهران مثل ذي خشران ومعبر والهان

٢٢

في ذاتها بلد واسع ومجمعها ، الجبجب ويسكنها الهان بن مالك أخو همدان وبطون من حمير وقراها تكثر ، ومقرى يسكنها آل مقرى بن سبيع ومنها يصلى الهان إلى وادي الشّجبة الذي يصب الى شجبان ثم رمع جبل أنس ، وفيه محفر البقران ووتيح وسمح وريمة الصغرى ، ومن هذا الصقع في حيز سهام هو وبقلان وأعشار وكثير من غربي ذمار يعد في مقرى. وشجبان سوق أغوار هذه المخاليف ، وهو الحد بين هذه المخاليف وبين جبلان ريمة وما بين جبل آنس وحقل جهران ضوران ومذاب وبها قوم من حمير. انتهى كلام الهمداني.

وقال في منجم العمران أنس بكسر النون : قضاء من لواء صنعاء في ولاية اليمن قاله البستاني ، وذكر في الأصل إستطرادا بفتح الهمزة المقصورة ، وقال في معجم ما إستعجم للبكري أنس بفتح أوله وكسر ثانيه على بناء فعل جبل بديار الهان أخي همدان سمي بأنس أخي الهان وفي كتاب الجزيرة للهمداني أنس من أعالي جبلان سراة اليمن انتهى.

وقال في شرح القاموس آنس كصاحب : حصن عظيم باليمن وقد نسب إليه جملة من الأعيان منهم القاضي صالح بن داود الآنسي صاحب الحاشية على الكشاف توفي سنة ١١٠٠ وولده يحيى درس بعد أبيه بصنعاء وصعدة. انتهى كلام شارح القاموس.

وحكى العلّامة أحمد بن عبد الله الجنداري في تاريخه أن وفاة القاضي صالح بن داود الأنسي الحدقي في سنة ١٠٦٢ وهو يخالف ما حكاه شارح القاموس من أن وفاته سنة ١١٠٠ ولعل ما ذكره الجنداري هو الصحيح والله أعلم.

وممّن نسب إلى آنس القاضي العلّامة عبد الملك بن حسين الآنسي بن محمد بن عبد الفتاح بن أحمد بن يحيى بن ابراهيم بن صلاح بن عبد الله بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن راشد بن أحمد بن أسعد بن عمرو السحاقي نسبة الى جبل إسحق وهو من بيت علم وفضل ، سكن أخيرا صنعاء وتوفي بها سنة ١٣١٥ وله ذرية بصنعاء الى اليوم.

والقاضي العلّامة الأديب الشاعر عبد الرحمن بن يحيى الآنسي المتوفى بصنعاء سنة ١٢٥٠ وهو من جرف الطاهر إحدى قرى مخلاف ابن

٢٣

حاتم وله ذرية بصنعاء الى اليوم وديوان شعره الحميني متداول بأيدي الناس مرغوب فيه لحسن أسلوبه فمن شعره :

ليت شعري من أكثر ترقاب الفرص

فيك يا طير واحتال واحتاش

وتردد عليك كل ساع حتى اقتنص

شاردك والحذر من قدر لاش

وربط ساق رجلك وقصّر بالمقص

من جناحك طويلات الأرياش

وتجاوز الى ظلم حبسك في القفص

بعد ما كنت مطلق في الأعشاش

توشيح

ما فساد البلاد غير من الناس

فهم الرّجل في الشر والرأس

من كفى شرهم ما لقي بأس

هم رموا صفو عيشه باكدار النغص

هم أعلوا فؤاده بالأعطاش

هم وهم جرعوه بالفراق مر الغصص

عجبي كيف إلى الآن زاد عاش

بيت

كم يقلب من الفكر طرفه في السما

إن سمع في الهوى خفق الاجناح

ويطرب غناه إن رأى خضره وما

ويصفق جناحه ويلتاح

ويظنوه قد ارتاح وفي الجهل العما

كيف محبوس مفارق ويرتاح

ذاك حين كان على الغصن إن غنا رقص

تحت رجله وان نوّشه ناش

ومنها

طير عند الله أفراج وعند الله سعه

من مضايق على بابها أقفال

فتحها الصبر والصبر رأس المنفعة

فيه وكم لك من الخلق أمثال

ماجرا لك جرا له وقد يحصل معه

حال مما خطر له على بال

كلما ظن أنه من الورطة خلص

جا وهي مثل ما لعبة الباش

توشيح

من مبلغ بعيدين الأوطان

من معنا بهم صب ولهان

أن حبّه لهم مثلما كان

تقفيل

لا تظنوه لما ناء خفّ أو نقص

أو تعلق بأحد غيرهم ماش

٢٤

العزيمة أبت من تتبّاع الرخص

والنصيحة تبرت من الغاش

والقاضي العلّامة علي بن عبد الله الآنسي بن عبد الله بن علي محمد بن علي بن حسين بن محمد بن سليمن بن أحمد بن طميح بن داود بن قاسم بن فاضل بن محمد بن أحمد بن حنظل بن غازي بن زريب الوضاحي الجبري من علماء العصر أحد أعضاء المحكمة الاستئنافية الشرعية بصنعاء وتعرف عشيرته في أنس ببني طميح يسكنون محل القارة (١) من جبل الشرق ومن قرابتهم القضاة بنو السّباعي أولاد أحمد بن قاسم بن فاضل أخي داود بن قاسم جد بني طميح.

والسيد الأديب الشاعر أحمد بن أحمد الأنسي المعروف بالزّنمة المتوفى سنة ١١١٥ ترجمه في نسمة السّحر وقرابته في أنس يعرفون ببيت القهدة وهو القايل من أبيات :

ألا حيّ ذاك الحي من ساكني صنعاء

فكم أحسنوا بالنازلين بهم صنعا

ومن شعره في عود يسمى السلوان وصاحبه المطاع :

أنت المطاع وعندك السلوان عود للسماع

كم قلت لما أن أتى أهلا بسلوان المطاع

والقاضي العلّامة محمد بن محمد الآنسي بن علي بن محمد بن سعيد من علماء العصر بصنعاء توفي قريبا وأولاده بصنعاء في حارة عقيل وهو من محل صاعد ؛ إحدى قرى مخلاف حمير من أنس ومن فضلاء أنس الولي الزاهد ابراهيم بن أحمد الكينعي نسبة الى بني الكينعي من مخلاف ضوران توفي سنة ٧٩٣ رحمه‌الله بصعدة وقد وضع أحد تلامذته مؤلفا في سيرة شيخه الكينعي سماه (صلة الاخوان في حلية بركة الزمان) والمؤلّف موجود.

والقضاة بيت اللّاحجي من مخلاف بني أسعد من أنس.

والقضاة بيت الغشم من هجرة القارة في جبل الشّرق.

والقضاة بيت الحضراني من قرية حضران بجبل الشّرق أيضا.

__________________

(١) يسكنون ذي العتر من عزلة القارة.

٢٥

والقضاة بيت الشّرقي أهل صنعاء والأهنوم من جبل الشرق من حضران.

والقضاة بيت الحلالي في صنعاء من قرية أحلال إحدى قرى مخلاف ابن حاتم من آنس.

والقضاة بيت الخالدي من مخلاف بني خالد في أنس ومن هذا المخلاف عزلة بني العنسي.

والقضاة بنو الفضلي من بلد بني فضل من مخلاف حمير أنس. والى بني فضل ينسب القشر الفضلي المجلوب الى صنعاء وذمار ، ومن مخلاف حمير قرية الخرابة محل القاضي محسن الحرازي المؤرخ وقرية وينان محل القضاة بني الويناني من مخلاف حمير ، ومن مخلاف بني قشيب قرية الجمعة منها القضاة بنو الواسعي (١) الذين في صنعاء وأنس ، والقضاة بنو السلامي من مخلاف بني سلامة من أنس. ونسب الى قرية سمح التي حكاها الهمداني آنفا في جبل أنس الأديب سعيد السمحي المتوفى سنة ١١٢٦ ترجمه في نفحات العنبر ، ومن شعره لما سرقت نقوده من جيبه ..

وأقسم إنّ لصا قصّ جيبي

وسلّ دراهما منه خبيت

لألطف من نسيم الريح جرما

فاني ما سمعت ولا رأيت

وداعبه بعض إخوانه بقوله :

قل لسعيد كيف اجفانه

من بعد ما سارت جميع النقود

ما بعد شق الجيب يا سيدي

إلا بكي العين ولطم الخدود

وفي قرية سمح المذكورة احد مساجد الامام الهادي يحيى بن الحسين الرسّي رحمه‌الله وهي حمسة مساجد في اليمن نظمها القاضي سعيد بن حسن العنسي بقوله : ـ

مساجد الهادي الى الحق خمسة

مباركة مشهورة اليمن في اليمن

بثات رداع ثم في سمح أنس

وفي منكث أيضا له جامع حسن

وفي بيت بوس ثم في بيت حاضر

فجوزي بأسنى المنّ من وافر المنن

__________________

(١) هم من هجرة القحقحة بالقرب من الجمعة.

٢٦

وفي ضوران جامع من أحسن الجوامع عمّره الحسن بن الامام القاسم بن محمد المتوفى سنة ١٠٤٨ وقبره بضوران وفي ضوران (١) قبر الامام المتوكل إسماعيل بن الامام القاسم المتوفى سنة ١٠٨٧ وقبر ابنه الامام المؤيد محمد بن المتوكل المتوفى سنة ١٠٩٧. ومن أشهر المحلات في بلاد أنس حصن أشيح بوزن أفلح في بني سويد من مخلاف ابن حاتم ويعرف الآن عند أهل آنس بحصن ظفار وهو خراب ، وقد ذكره في معجم البلدان فقال : أشيح بالفتح ثم السكون وياء مفتوحة وحاء مهملة : اسم حصن منيع عال جدا في جبال اليمن. قال عمارة حدّثني سليمان بن ياسين وهو من أصحاب أبي حنيفة قال بت في حصن أشيح ليالي كثيرة وأنا عند الفجر أرى الشمس تطلع من المشرق ليس لها من النور شيء وإذا نظرت الى تهامة رأيت عليها من الليل ضبابا وطخا يمنع الماشي من أن يعرف صاحبه من قريب وكنت أظن ذلك من السحاب والبخار فاذا هو عقابيل الليل فأقسمت أن لا أصلي الصبح إلا على مذهب الشافعي لأن أصحاب أبي حنيفة يؤخرون صلاة الصبح إلى أن تكاد الشمس أن تطلع على وهاد تهامة وما ذاك إلا لأن المشرق مكشوف لأشيح من الجبال لعلو ذروته. وقال أبو عبد الله الحسن بن القاسم الزبيدي يمدح الداعي سباء بن أحمد الصليحي وكان منزله بهذا الحصن.

إن ضامك الدهر فاستعصم بأشيح أو

إن نابك الدهر فاستمطر بنان سبا

انتهى كلام صاحب المعجم باختصار.

ولعل الشاعر المذكور هو ابن القمّ صاحب زبيد فإنه وفد إلى صاحب أشيح ومدحه ، ومن قرى أنس قرية المرون من مخلاف بني خالد إليها ينسب السادة بنو المروني وهم من ولد يحيى بن منصور بن مفضل بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن الامام يوسف الداعي ، وقرية ذي حود محل القضاة بيت الشبيبي ، والقضاة بيت الحودي أهل ذمار ، وهذه القرية من مخلاف المنار ومن مخلاف المنار أيضا عزلة بني الذاهبي محل القضاة بني محيى الدين ، وعزلة كهال وفيها هجرة القضاة بني الفاضلي. وفي مخلاف المنار

__________________

(١) قبر المتوكل وقبر ابنه المؤيد في جبل ضوران وليس في المدينة نفسها.

٢٧

معدن العقيق الصافي وهو الذي حكاه الهمداني سابقا وسمّاه محفر البقران وفي مخلاف ابن حاتم المذكور سابقا حصن هداد من الحصون المشهورة ، وفي مخلاف بني قشيب حصن الدّروع وهو مشهور وفي مخلاف ضوران حصن الدامغ ، وفي مخلاف ضوران أيضا حمام طبيعي يعرف بحمام علي ، وحمام آنس يقصده الناس من جهات شتى للإستشفاء به من الأمراض وجبال آنس ترتفع أعلاها عن سطح البحر نحو ثلاثة آلاف متر تقريبا. وفي آنس مزارع وعيون جارية وفي أوديتها أشجار البن والقطن وفي بلاد أنس مزارع الذرة والبر والشعير والعدس وقد غرس في بعض الأودية أخيرا أشجار البرتقال والليم العجيب الذي حبه في حجم الأترج وصلح صلاحا كاملا ، وانتفع الناس بها وحملت على السيارات الى صنعاء وتهامة وغيرهما.

وجمهور مياه آنس تسيل في تهامة وتفضي الى البحر الأحمر عن طريق وادي سهام شمالي أنس ، وعن طريق وادي رمع جنوبي أنس وهذان الواديان من أشهر أودية اليمن كما نبينهما في محلهما من هذا الكتاب إن شاء الله. ومن أعمال آنس ناحية جهران. وهي ناحية متسعة شرقي بلاد آنس ذات حقل واسع يعرف بقاع جهران وفيها قرى كثيرة منها معبر فيها مركز ناحية جهران ، ورصابة وهي أكبر قرية في جهران وفي المثل (ما في المدن غير صنعاء وفي البوادي رصابة) وقرية ضاف وسربة وأفق والواسطة وخشران ويكار ، وليكار قصة عجيبة وهي أن بني بخيت من قبائل الحدا أخذوا بقر أهل يكار ظلما واقتسموها بينهم وفضل منها ثور اتفق بنو بخيت على أن يستسقوا بالثور الفاضل (١) وبعد الاستسقاء وقع المطر على مزارع يكار محل أصحاب البقر المأخوذة. ومياه جهران تسيل في مأرب جميعها ، ومساحة جهران من الجنوب الى الشمال مسافة ست ساعات مشيا على الأقدام ومن الشرق إلى الغرب نحو أربع ساعات تقديرا.

قال في معجم البلدان : مخلاف جهران يقرب من صنعاء ويعد في بلاد همدان ، وفيه قرى منها ضاف وتفاضل وقرن عسم وقرن تراحب وقرن قباتل ينسب الى جهران بن يحصب بن دهمان بن سعد بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير. حدّثني القاضي المفضل بن أبي الحجاج

__________________

(١) الفاضل : الباقي.

٢٨

قال : حدّثني راشد بن منصور الزبيدي أن قبر روبيل بن يعقوب بظاهر جهران وقال اللّحجي : جهران في بلاد عنس انتهى كلام ياقوت ـ قلت وقباتل في جنوبي جهران ، وهي الآن من مخلاف منقذة تابع ذمار .. ويرتفع حقل جهران عن سطح البحر سبعة آلاف قدم وسبعماية قدم تحقيقا والقدم ثلاثون سنتمترا. ومزارع جهران الذرة والشعير والبر وأكثره على ماء المطر.

وفيه آبار كثيرة قريبة المياه على نحو ستة أمتار تسقى منها بعض الأراضي بنزع المياه على البقر والجمال.

يتصل بجهران من جهة الجنوب بلاد عنس من أعمال ذمار ومن جهة الشرق بلاد الحدا ومن جهة الشمال بلاد الروس من نواحي صنعاء ومن جهة الغرب بلاد آنس ، وتتصل بلاد آنس من جهة الجنوب بمغرب عنس وناحية عتمة ومن جهة الغرب ببلاد ريمة ومن جهة الشمال الشرقي ببلاد الروس ، ومن جهة الشمال الغربي بناحية البستان والحيمة الخارجية وعانز من أعمال حراز.

مساحة قضاء آنس بما فيه جهران من الشرق إلى الغرب مسافة ثلاثة أيام تقريبا مشيا تقريبا ومن الجنوب إلى الشمال مثل نصف ذلك نحو يوم ونصف تقريبا أو يومين ، الطريق بين ذمار وصنعاء من قاع جهران ، أول محطة من ذمار الى صنعاء معبر ، وهي مركز جهران ، ومنها يمر المسافر عن طريق نقيل يسلح الى وعلان من بلاد الروس ثم صنعاء وهذه الطريق محدثة إذ الطريق في الماضي من شرقي جهران الى يكلى من بلاد الحدا ، وتعرف الآن يكلى بالجهارنة من مخلاف الكميم ثم سيّان من بلاد سنحان ثم صنعاء وقد ذكر هذه الطريق الحاج أحمد بن عيسى الرداعي ثم الخولاني في أرجوزة الحج وهو من علماء القرن الثالث وهذه الأرجوزة حكاها الهمداني في صفة الجزيرة وأثبتها جميعها وهي طويلة جدا سنثبت منها ما نحتاج إليه في محلات من هذا الكتاب كقوله في ذكر المحلات التي مر بها من طريق يكلى.

(أوّل مسيرة)

ثم انده العيسّ بزجر ماض

ذي عنق لا هدج الايفاض

وادع إلى الله الجليل القاضي

مبرم أمر الغيب والتقاضي

يا رب فاصرف حدث الاعراض

عن صحبتي وعرض الأمراض

٢٩

ثم القنا منك بوجه راضي

حتى إذا مرت على الفراض

بحيث فاض السيل ذو الأفياض

بخضر ذي الروض أو الرياض

قال الهمداني وهذه مواضع بين رداع وأسبيل والعنق والهدجان والايفاض ضروب من السير إلى أن قال :

ثم معشى ليلها أسيّ

حيث بنى حمّامه النبي

حتى إذا ما وقع المطي

وقام يلحي نفسه الكري

وجنه ليل له دويّ

هبت كما هب القطا الكدري

عن ظهر شوكان لها خوى

ينضها حاد قراقري

همته الادلاج والمضي

ثم المضحي المنهل الروي

قال الهمداني حمّامه يريد حمام سليمان بن داود عليهما‌السلام وخوى أي امتد في الأبواع ، ومنه خوى للصلاة أي تفتح وخوى البعير أي تفتح باركا وجبل الأسي من بلاد ذمار .. انتهى!

ذو حدب ثم المعشى الثاني

يكلى ومعداها على سيّان

وقد قضت من أبؤر الخولاني

أو طارها عن مشرع ريان

قد حفّ بالخوخ وبالرمان

وهمها بالسير ذي الأدغان

صنعاء أعني جنة الجنان

بحيث شيد القصر من غمدان

أرض التقى والبر والاحسان

بها مقيلي وبها اخواني

قال الهمداني قال أبؤر وهو يريد بئر الخولاني لأن الموضع يسمى بهذا الاسم وكذلك تقول العرب أخذنا طريق الشقرات وهي شقرة واحدة.

وفي هذا القدر كفاية من الأرجوزة وسنذكر منها ما نحتاج إليه في محله كما قدمنا فهي طويلة عدة أبياتها ستماية بيت وخمسة وثلاثون بيتا ذكر فيها جملة مواضع في طريق مكة. قال الهمداني : والحاج أحمد بن عيسى من خولان العالية سكن رداع. ومن أقسام مخلاف حمير المذكور سابقا خمس بني السهاقي وخمس بني فضل وخمس الحبس وخمس الوسط وحزيم غشيم والسلف ، وشيخ مخلاف حمير أحمد صالح غشيم ومن قبائل بلاد آنس : بيت المقداد وبيت غيلان وبيت السنحاني. ومن علماء آنس السابقين بيت

٣٠

معرّف وبيت الأعقم والقاضي ابراهيم حثيث المقبور في قبة حثيث (١) رأس نقيل المصنعة وفي ضوران اليوم طائفة من الأشراف من ذرية المتوكل اسماعيل ومنهم بيت زبارة وبيت مغل وغيرهم ..

(حرف الهمزة مع الباء وما إليهما)

الابارة : عزلة من ناحية كسمة وأعمال ريمة.

إبّ : بكسر الهمزة وبالباء الموحدة مدينة مشهورة في الجنوب الغربي من صنعاء على مسافة ست مراحل يفصل بينها وبين قضاء آنس الذي تقدم قضاء ذمار وقضاء يريم. وفي إبّ مركز القضاء الذي يشمل مخلاف الشوافي ومخلاف بعدان وناحية جبلة وناحية المخادر وناحية حبيش.

إبّ من أجمل مدن اليمن ذات أرض خصبة وهواء معتدل ترتفع عن سطح البحر نحو ألفي متر تقريبا. وموقع إبّ في رأس ربوة متصلة بمساقط جبال بعدان من غربي بعدان ، ويتصل بإب من غربيها مخلاف الشوافي ، ومن جهة الجنوب ناحية ذي جبلة ، ومن جهة الشمال ناحية المخادر. وهي تمتد الى جهة الشمال الشرقي يقابلها من الشمال الغربي ناحية حبيش ، يفصل بين إبّ وحبيش مخلاف السحول من ناحية المخادر. وفي إبّ جامع ومساجد كثيرة وحمام ، وفيها عين جارية تأتي من جبل بعدان تعرف بالمشنة لها ساقية توصلها إلى إب وإلى مساجدها وحمامها. وحول إبّ عيون جارية يسقى بها بعض الأراضي التي يزرع فيها القضب وهو القتّ أو البرسيم ويزرع عليها البقول والبن ونحو ذلك. أمّا معظم بلاد إبّ فتزرع على ماء المطر وتكتفي به ، وأكثر مزارعها الذرة ما خلا جبال بعدان وجبال المخادر وجبال حبيش وجبال مخلاف الشوافي وجبال ناحية جبلة ففيها مزارع الذرة والبر والشعير والعدس والقلا والحلبة ونحو ذلك. وفي ناحية المخادر وناحية حبيش أودية تزرع البن والقات. أما البقاع المنخفضة كمخلاف السحول وناحية جبلة وباب ميتم من بعدان ونحو ذلك ممّا يساويها مثل شرقي مخلاف

__________________

(١) ابراهيم حثيث من قرية ذي العليب من جهران وقد توفي بذمار سنة ١٠٤١ والذي قبر في قبة حثيث هو محمد بن يحيى حثيث من أعيان المائة الثامنة وهو من تلاميذ ابراهيم بن أحمد الكينعي.

٣١

الشوافي والحوجين من إبّ فجلّ مزارعها الذرة. ومياه قضاء إبّ تسيل الى ناحيتين أمّا ناحية المخادر وناحية حبيش والجانب الشمالي من بعدان ومخلاف الشوافي والحوج الشمالي من إبّ فجميع ما ذكر تسيل الى زبيد عن طريق وادي زبيد النافذ بين ناحية حبيش من يمانيه (١) وناحية وصاب من شماليه فينفذ الى زبيد ثم يصب في البحر الأحمر من ساحل زبيد .. وأما ناحية جبلة والجانب اليماني من مخلاف الشوافي وبعدان والحوج اليماني من إبّ فجميعها تسيل في باب ميتم وتنفذ الى وادي لحج وتصب في البحر الهندي من ساحل عدن.

حتى نفس مدينة إبّ ما انحدر من أزقتها جنوبا فالى البحر الهندي وما انصب شمالا فالى البحر الأحمر .. يتصل ببعدان من شرقيه ناحية النادرة ويتصل بناحية المخادر من شرقيها وشماليها قضاء يريم ، ويتصل بناحية حبيش ومخلاف الشوافي وناحية ذي جبلة من جهة الغرب قضاء العدين ويتصل بناحية جبلة من جهة جنوب وشرق ناحية ذي السفال. قال في معجم البلدان : أبّ بالفتح والتشديد كذا قال أبو سعيد ، والأب : الزرع في قوله تعالى وفاكهة وأبا ؛ وهي بليدة باليمن ينسب إليها أبو محمد عبد الله بن الحسن بن الفياض الهاشمي وقال ابن سلفة إبّ بكسر الهمزة قال سمعت أبا محمد عبد العزيز بن موسى بن محسن القلعي يقول سمعت عمر بن عبد الخالق الإبيّ يقول : بناتي كلهن حضن لتسع سنين قال : وإبّ مكسور الهمزة من قرى ذي جبلة باليمن وكذا يقول أهل اليمن بالكسر ولا يعرفون الفتح. انتهى كلام ياقوت.

قلت والصحيح أنها بكسر الهمزة وما حكاه من أنها من قرى ذي جبلة فذلك فيما سبق ، أما اليوم فقد صارت ذي جبلة من أعمال إبّ كما أسلفناه .. قال في شرح القاموس وينسب إلى إبّ الفقيه المحدّث أبو العباس أحمد بن سليمن بن أحمد بن صبرة الحميري مات سنة ٧٢٨ وليّ قضاء إبّ ترجمه الجندي انتهى .. قلت : ومن مشاهير فضلاء إب الفقيه العلّامة سيف السنّة أحمد بن محمد بن عبد الله بن مسعود بن سلمة البريهي

__________________

(١) يمانيه : جنوبيه.

٣٢

ثم السكسكي المتوفى سنة ٥٨٦ ترجمه الجندي وغيره ، وقبره في إب مشهور.

والشيخ أبو الخطاب عمر بن عبد الرحمن بن حسان القدسي والده قدسي وامه عسقلانية توفي سنة ٦٨٨ في إب ، وخلف بنتا واحدة تزوجها الشيخ عيسى بن محمد بن عمران الصوفي انتهى من تاريخ الأهدل قلت ولم يزل في إبّ وبلادها علماء وأدباء وشعراء وفضلاء وفي كتب التراجم والتواريخ ذكر عدد كثير منهم من نسب الى إب ، ومنهم من نسب إلى بلد من أعمالها مثل ذي جبلة وبعدان ونحو ذلك .. وفي إب وبلادها من بيوت العلم من الأشراف أولاد علي بن المتوكل على الله اسماعيل بن الامام القاسم بن محمد في إب وجبلة توفي علي بن المتوكل في إب سنة ١٠٩٦.

وفي جبلة من ولد إبراهيم بن محمد بن إسحق بن المهدي بن أحمد بن الحسن الامام القاسم جماعة. وفي إبّ أولاد اسماعيل بن محمد بن الحسن بن الامام القاسم والسادة بيت الغرباني من ذرية الامام القاسم بن علي العياني في إب والملحمة من أعمال إب ، والسادة بيت سفيان وبيت شيخ من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب والفقهاء بنو المجاهد وبنو العنسي وبنو الحداد وبنو المفتي وهم في الأصل من بيت الحبيشي أهل وصاب وبيت البريهي وبيت صبرة وبيت الشويطر وبيت الصباحي وبيت الصنعاني وبنو النزيلي وبيت أبا سلامة وغيرهم من فقهاء إبّ وأعمالها. ويسكن في إب وبلادها كثير من قبايل المشرق من بطون همدان وخولان وغيرهم كآل أبي لحوم من قبايل نهم في ناحية المخادر والشوافي والثماثمة من سفيان وبنو الوادعي من حاشد وآل الرصاص وآل عنان وغيرهم من قبائل حاشد في ناحية المخادر وآل دماج والبرابرة وآل دمينة وغيرهم. من قبائل ذو محمد بن غيلان في جبلة ومخلاف الشوافي والحوجين في إبّ وفي السحول من ناحية المخادر ، ومن قبائل خولان العالية آل راجح وبنو الصوفي وآل أبو حليقة وبنو السعيدي وغيرهم في بعدان وحبيش ، ومن قبائل ذو حسين نفر يسير من آل فلاح والشوف في بعدان.

مساحة قضاء إبّ بما إليه من النواحي مسافة يومين (للماشي ، نحو ستين كيلومترا (١) من الجنوب إلى الشمال ومثلها من الشرق إلى الغرب ، وقد

__________________

(١) زيادة من أخي المؤلف.

٣٣

صارت إبّ في العصر الحاضر مركز لواء يشمل قضاء إبّ وقضاء العدين غربي قضاء إبّ ، وناحية ذي السفال جنوبي قضاء إبّ ، وقضاء قعطبة بما فيه ناحية النادرة شرقي قضاء إبّ بجنوب ، وقضاء يريم شمالي قضاء إبّ بشرق.

ومساحة هذا اللواء من الشرق إلى الغرب مسافة خمسة أيام تقديرا ، ومن الجنوب الى الشمال نحو مسافة أربعة أيام تقديرا.

ومن أعمال إب ذي جبلة بكسر الجيم وإسكان الموحدة وفتح اللام ثم هاء التأنيث وهي في الجنوب الغربي عن إب على مسافة ساعة ونصف ساعة. ولذي جبلة أعمال هي عزلة الوقش ، وعزلة الأسلاف ، وعزلة وراف وعزلة الربادي ، وعزلة المكتب ، وعزلة أنامر العليا ، وعزلة أنامر السفلى ، وعزلة الثوابي ، وعزلة النقيلين ، وعزلة المعشار ، وعزلة الأصابح ، وعزلة الشراعي ، وعزلة الشهلي ، وعزلة جبل رعويين. وكل عزلة مما ذكر تشتمل جملة قرى ومزارع.

قال في معجم البلدان : جبلة بالكسر ثم السكون ذو جبلة مدينة باليمن تحت جبل صبر هكذا قال وهو خطأ فإن صبر هو جبل تعز ثم قال : وتسمى جبلة ذات النهرين وهي من أحسن مدن اليمن وأنزهها وأطيبها قال عمارة : جبلة اسم رجل يهودي كان يبيع الفخار في الموضع الذي بنت فيه الحرة الصليحية دار العروبة وسميت باسمه وكان أول من اختّطها عبد الله بن محمد الصليحي المقتول بيد الأحول (١) يوم المهجم في سنة ٤٧٣ وكان أخوه علي ولّاه حصن التعكر وهذا الحصن على الجبل المطل على جبلة وهي في سفحه وهي مدينة بين نهرين جاريين في الصيف والشتاء وكان عبد الله بن محمد قد إختطها في سنة ٤٥٨ وحشر إليها الرعايا من مخلاف جعفر وقال علي بن محمد بن زياد الماربي وكانت ذو جبلة للمنصور بن المفضل أحد ملوك بني الصليحي فأخذها منه الداعي محمد بن سبأ فقال : ـ

بذي جبلة شوقي إليك وإنها

لتظهر بالشيخ الذي ليس يعمّر

عوايد للغيد الغواني فإنها

عن الشيخ نحو ابن الثلاثين تنفر

وكان بذي جبلة الفقيه عبد الله بن أحمد بن أسعد المقرىء صنّف

__________________

(١) هو سعيد بن نجاح.

٣٤

كتابا في القراءات السبع وكان أبوه فقيها قال القاضي مسلم بن ابراهيم قاضي صنعاء حدّثني عبد الله بن أحمد قال رأيت في المنام قايلا يقول لي كلم السلطان فخرجت وتبعني أبي سريعا قال وتأويل هذه أني أموت وسيموت أبي بعدي. قال فمات ومات أبوه بعده بثلاثة أيام حزنا عليه وصنّف أيضا كتابا في الحديث جمع فيه بين الكتب الخمسة الصحاح. وأوصى عند موته بغسل تلك الكتب فغسلت ، انتهى كلام ياقوت.

وقال أبو محمد الطيب ابن مخرمة في كتاب النسبة الى البلدان وسبب انتقال المكرم الى ذي جبلة أنه كان يهوى الإقامة بصنعاء وكانت امرأته السيدة التي فوض تدبير المملكة اليها لما فلج (كان) هواها في الاقامة بجبلة فأمرته يوما أن يحشر الناس الى الميدان فحشرهم وأشرف عليهم فلم يقع بصره إلا على برق السيوف ولمع البيض والأسنة ، ثم توجهت والمكرم معها الى جبلة وأمرته أن يحشر الناس الى الميدان بجبلة فحشرهم وأشرف عليهم فلم يقع بصره إلا على رجل يجر كبشا وآخر يحمل ظرفا فيه سمن أو عسل وآخر يخرز نعلا فقالت له : العيش بين هؤلاء أصلح فانتقل المكرم الى جبلة واختطّ بها دار العز وفيها يقول عبد الله بن يعلى :

هب النسيم فبتّ كالحيران

شوقا إلى الأهلين والجيران

ما مصر ، ما بغداد ، ما طبرية

كمدينة قد حفّها نهران

خدد لها شام وحبّ مشرق

والتّعكر العالي المنيف يماني

انتهى كلام ابن مخرمة.

قلت وخدد وحبّ والتّعكر حصون في بلاد إبّ وسنذكرها إن شاء الله قريبا.

وفي جبلة جامع حسن من عمارة السيدة أروى (١) بنت أحمد بن محمد الصليحي وقبرها بجانبه وله أوقاف كثيرة ، ومن علماء جبلة بيت السادة ومن قرى ذي جبلة قرية عرشان قال في معجم البلدان : عرشان بلد تحت

__________________

(١) اسمها الصحيح سيدة بنت أحمد بن محمد الصليحي كما في مصادر الصليحيين أنفسهم وكما جاء في وصيتها. وكذلك في تاريخ عمارة اليمني والسبب في الخطأ أن ثمة امرأة من آل الصليحي اسمها اروى بنت شمس المعالي علي عبد الله الصليحي زوج المنصور بن أبي المفضل بن أبي البركات فاطلقه المتأخرون على الملكة السيدة بنت أحمد بن محمد خطأ ، وقد شاع هذا الاسم منذ أن أصدر الدكتور حسين الهمداني كتابه (الصليحيون والدولة الفاطمية في اليمن).

٣٥

التعكر باليمن بها كان يسكن الفقيه علي بن أبي بكر وكان محدّثا صنّف كتابا في الحديث سمّاه شروط الساعة ذكر فيه ما حدث باليمن من الخسف والرجف يروى عن ملاحن وابنه القاضي صفي الدين أحمد بن علي قاضي اليمن في أيام سيف الاسلام طغتكين بن أيوب صنّف كتابا فيمن دخل اليمن من الصحابة والتابعين رضي‌الله‌عنهم وشرع في كتاب طبقات النحويين ولم يتمه وكان مشاركا في النحو واللغة والطب والتواريخ مات في ذي جبلة وقبره في عرشان مشهور وكان يظهر الشماتة بموت الفقيه مسعود فرأى في المنام قارئا يقرأ ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين فعاش بعده ستة أشهر ومات في حدود سنة ٥٩٠. انتهى كلام ياقوت.

قلت والفقيه علي المذكور هو أبو الحسن علي بن أبي بكر بن حمير بن تبّع بن يوسف بن فضل الهمداني المعروف بالعرشاني. وأما الفقيه مسعود فلعله مسعود بن علي بن مسعود القري العنسي قاضي اليمن في ذلك العصر وسيأتي ذكره في تعز إن شاء الله. وقد ترجمه الأهدل (١) في أهل ذي أشرق. ومن قرى ذي جبلة قرية ذي عقيب منها الفقيه العلّامة عمر بن سعيد بن أبي السعود بن أحمد بن أسعد الهمداني العقيبي المتوفى سنة ٦٦٣ ترجمه الشرجي (٢) في طبقات الخواص. وابن أخيه عبد الصمد بن سعيد بن علي بن ابراهيم بن أسعد بن أحمد المتوفى سنة ٧٢٢. ومن ناحية ذي جبلة حصن التعكر قال في معجم البلدان تعكر بضم الكاف وراء : قلعة حصينة عظيمة مكينة باليمن من مخلاف جعفر مطلة على ذي جبلة ليس باليمن قلعة أحصن منها فيما بلغني قال ابن القنيني شاعر علي بن مهدي المتغلب علي اليمن :

أبلغ قرى تعكر ولا جرما

أن الذي يكرهون قد دهما

وقل لجناتها سأنزلها

سيلا كأيام مأرب عرما

واشرب الخمر في ربا عدن

والسمر والبيض بالحصيب ظما

__________________

(١) وترجمه الجندي في السلوك والخزرجي في العقد الفاخر الحسن.

(٢) وترجمه الجندي والخزرجي والأهدل وغيرهم.

٣٦

وقال الصليحي : ـ

قالت ذرى تعكر سكونك في

عليائها علما أوفى على علم

انتهى كلام ياقوت.

قلت والمشهور أن التعكر بفتح التاء المثنّاة من فوق وسكون العين المهملة وفتح الكاف ثم راء مهملة. وفي عدن حصن يسمى التعكر أيضا وسيأتي ، ومن علماء ذي جبلة بيت السادة. ومن ناحية ذي جبلة مدينة الثجة وهي خاربة ، والذي يدل عليه كلام الهمداني في صفة الجزيرة أن مدينة الثجة كانت في سفح جبل التعكر من ناحية ذي جبلة وأعمال إبّ فإنه قال في سياق الكلام على أودية اليمن ما لفظه : وادي رسيان مآتيه الجند من شرقيه وشمالي جبل صبر ومن حدود الكلاع الثجة من يمانيها (١) ونخلان إلى آخر كلامه عن رسيان ثم قال أيضا ما لفظه وادي الرغادة قوم من حمير فجبل صرر من أرض السكاسك فجبل الحشا من بلد السكاسك فبعدان وريمان والشعر من بلد الكلاع وسخملان ودلال وتبن ميتم وهي تبن ابن الروية غير تبن لحج والثّجة من جبل التعكر إلى آخر الكلام عن الأودية. فظهر من كلامه أن يماني الثجة تسيل مياهه إلى جهة رسيان ونخلان من أعمال ذي السّفال وشرقي الثجة أو شماليها تسيل مياهه إلى باب ميتم فيكون محل الثجة في سفح جبل التعكر والله أعلم.

وقال في معجم البلدان : ثجة بالضم ثم الفتح : من مخاليف اليمن بينه وبين الجند ثمانية فراسخ وكذلك بينه وبين السحول يقال ثج الماء إذا دفق انتهى.

قلت والمشهور أن الثجة بفتح الثاء المثلثة والجيم المشددة ثم هاء التأنيث لا كما ضبطه صاحب المعجم والله أعلم.

وما حكاه من أنها متوسطة بين الجند والسحول فهو الحق.

كتب بعض الادباء مقامة في ذي جبلة أحببت إثباتها هنا وهي :

__________________

(١) هذا من الأخطاء التي وقع فيها لسان اليمن فمياه الثجة والتعكر وذي السفال تصب كلها الى واد ورزان وتذهب الى تبن لحج وليس إلى وادي رسيان.

٣٧

قال : روي عن السيد علي المشرعي وكان في رواية الأخبار وحفظ الأشعار كالأصمعي قال سئمت من ملازمة البيت ، ومللت عن مصاحبة لعلّ وليت ، وضاقت نفسي واستوحشت من أبناء جنسي ، فلما حصلت لي من الشواغل رخصة ، انتهزت الفرصة ، وعلمت أن لي في الهوى الذي تستنشقه أنفاس الخلايق حصة ، فخرجت على حين غفلة ، الى المزّق الذي بين إب وجبلة ، فحمدت عقبى ذلك الخروج وأخذت اسرّح طرفي في تلك المروج. وهي أرض خضراء شبه العروس العذراء ، بالسندس الأخضر مفروشة جنات معروشات وغير معروشة ، ووجه الأفق طلق ، ولم يكن بين السماء والأرض فرق ، ووقفت على شاطىء الوادي ، انظر الى الرايح والغادي ، فهو مجتمع أهل هذه المدينة وتلك المدينة ، وحيث كان يتلو لسان اللهو (كل نفس بما كسبت رهينة) فبينا أنا مستمع سجع الحمايم واستنشق النسايم وأساجل بمدمعي فيض الغمايم وأتلفّت يسرة ويمنة وأتذكر أيام آل جفنة ، إذ سمعت راعي غنم وهو يتغنى على رأس علم :

ما الروضة الغناء غبّ الحيا

مزهرة مثل سجاياهم

كلا ولا زهر السماء أشرقت

جنح الدجا تحكي مزاياهم

تأرّجت أرجاء تلك الربا

جميعها من طيب ريّاهم

نتنشق العنبر والمسك وال

كافور إن نحن انتشقناهم

فكدت أخرج من الوجود الى العدم وأعارض سيل الوادي بمثله إلا أنه ممزوج بدم ، وأمزق ثيابي وأود أن أخرج من إهابي. وما زلت أعاني الأشجان ، وأتعجب من صنع الزمان لقلب الأعيان ، وتمكنه من عمل الطلاسم والأوفاق التي يخيل للانسان وهو مستيقظ انه نايم وإذا ذلك الراعي قد قال مناديا ، ورفع صوته تاليا : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) فهذه شيمة الدهر فخذوا حذركم منه خذوا. فعجبت لمقتضى الحال وتمكن مثله من مثل هذا السحر الحلال ، ثم أخذتني فكرة ، أين جاءت تلك الجموع التي كانت من جموع الكثرة ، ثم استعنت بالصبر وانما ساعدتني العبرة ، وعرضت مدة إقامتي هنالك وطالت ، وكثرت مسائل إعتباري حتى عالت وإذا أنا بفتى من تلقاء جبلة قد أتى كأنما صاغه الله من طينة الملك وهو في

٣٨

لجة ذلك الماء راكب على الفلك فقلت : (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) وواها لما بقي من المهجة واها ، وعلمت بصحة القيافة أنه غصن من أغصان شجرة الخلافة.

فاني لم أكن قد أثبته معرفة فلما قرب مني قاربت الموصوف الصفة ، وتبين أنه من لا أسميه إجلالا وتكرمة والبدر الذي به نفس السيادة مغرمة وإذا ذلك الراعي يترنّم بمطلع الشعر الذي تقدم :

لله أحباب عرفناهم

لما رأيناهم بسيماهم

إنا رأينا السعد قد أشرقت

نجومه حين رأيناهم

وقد لقينا كلما تشتهي

نفوسنا يوم لقيناهم

رقّوا وراقوا فوحقّ الهوى

لو استطعنا لشربناهم

فلما رآني الفتى قال لي ، وهو مبتسم : متى جئت متى؟ ـ فأخبرته بالخبر اليقين فقال : أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين ، وكان قد سمع الراعي وهو يتغنى بهذه الأبيات فقال أعدها عليّ فأعدتها له ثلاث مرات ، فصفق بيديه ، وخرّ مغشيا عليه ، فنضحته بشيء من الماء ، وعوذته بالرقى والأسماء ، فلما رجع عليه حسّه ، واطمأنت نفسه ، وتأكدني أنسه ، أخذت أعلله برقايق الأخبار ، وأسليه بمحاسن الأشعار وأريه تلك الربا التي ضحكت فيها الأزهار ، وبكت عليها الأمطار ، وتجاوبت ما بينها الأطيار ، وطابت فيها الأصال والأسحار ، فما كان أسرع ما أنشد الراعي وكأنه قصد إسماعه وإسماعي فقال : ـ

ما كان عن هذا وهذا وذا

أغنى المحبين وأغناهم

يا ليتنا عن مهجات لنا

مشوقة غابت سألناهم

فإنها يوم النوى فارقت

صدورنا تحذوا مطاياهم

لقد عدمناها ، ورب السماء

والأرض من يوم عدمناهم

سقيا ورعيا لهم ما غدت

قلوبنا تزهو بلقياهم

فقال حين سمعها : الحمد لله وحده ، اللهمّ عجّل بالفرج بعد هذه الشدة وإعترته حينئذ هزة ، وكاد يمزق ما عليه من البزة ، وندمت على

٣٩

الخروج الى ذلك المتنزه ، فلما أفاق ممّا به ، وعرف خطأه من صوابه ، استعملت الافتنان في عتابه ، وأقسمت بالله ورسوله وكتابه ، لا تنزهت بعدها أبدا ، ولا تنفست قط إلا الصعدا ، فقال لله درّك وهذا الطراز المذهب ، فانك استعملت هاهنا القول بالموجب ، فقلت : وعالم السر والنجوى ، ما تعمدت ذلك وإنما جاء عفوا ، وما زال يذكرني لطايف قد مرت أحلى من الحلوى ، والّذ من المنّ والسلوى ، ثم سألني بالأسماء الحسنى ، أن أنظم هذا المعنى ، فقلت ارتجالا ، ولأمره امتثالا : ـ

وصديق قال لي ما نظرت

مثل وادي السيل عيني أبدا

قد تنفسنا به قلت : نعم

قد تنفسنا هناك الصعدا

فاستحسن ذلك ، وأراد أن يسلك بي هذه المسالك ، فقلت قصّر الأعنة ، فاني في حال لا يقوى على إمساك القلم فيها ملاعب الأسنة ، وأعلم أني ما خرجت هذا اليوم ، إلا لأتذكر أولئك القوم ، وأتأسف على انتثار ذلك النظام ، والأيادي البيض التي كانت الأطواق والناس الحمام ، وأين تلك الدولة ، التي كانت عليها طلاوة ، ولها في الأسماع والأبصار حلاوة ، وأين الملوك الذين تفيئو ظلّ السعادة ، وجرت أفعالهم وأقوالهم على وفق الإرادة ، وكانوا في الحسن والاحسان ممن له الحسنى وزيادة ، وإذا ذلك المنشد قد انشد واستعمل فينا نغمات معبد : ـ

ما كان ذكر المنحنا طعمه

مثل فجاج النحل لولا هم

كم قد أضفناهم الينا وكم

وكم على الضم بنيناهم

تلقى هدايانا اليهم متى

سارت بها الريح هداياهم

كم بالايادي ابتدونا وكم

والله والله ابتديناهم

لهم علينا نعم جمّة

تالله لا نجحد نعماهم

يا ليتنا بالقول إذ لم يكن

يسعدنا الفعل جزيناهم

وحرمة الودّ الذي بيننا

وبينهم ما إن نسيناهم

فلما سمع هذا الصوت ، نظر إلي نظر المغشي عليه من الموت ، ثم إني سألته عن بني أبيه ، فتلا علي قوله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) وما زال يذرف من شؤونه ، ويتساقط اللؤلؤ الرطب من عيونه ،

٤٠