الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-178-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

قال أبو فراس الحمداني :

كانت مودة سلمان لهم رحما

ولم يكن بين نوح وابنه رحم

٢ ـ كما أن نفس كونه «صلى الله عليه وآله» شريكا في المصيبة ، من شأنه أن يخفف المصاب على الآخرين ، الذين فقدوا أحباءهم في أحد ، ولا سيما إذا كان مصابه «صلى الله عليه وآله» بمن هو مثل حمزة أسد الله وأسد رسوله.

حمزة الذي لم يكن ليخفى على أحد موقعه في المسلمين ونكايته في المشركين ، ولم يكن ما فعلته هند وأبو سفيان بجثته الشريفة ، وأيضا موقف أبي سفيان من قبره الشريف في خلافة عثمان ؛ ثم ما فعله معاوية في قبره وقبور الشهداء ، بعد عشرات السنين من ذلك التاريخ ـ لم يكن كل ذلك ـ إلا دليلا قاطعا على ذلك الأثر البعيد ، الذي تركه حمزة في إذلال المشركين ، وإعلاء كلمة الحق والدين. حتى إن أبا سفيان وولده معاوية لم يستطيعا أن ينسيا له ذلك الأثر ، وبقي ـ حتى قبره ـ الذي كان يتحداهم بأنفة وشموخ ، كالشجا المعترض في حلقي الأب والابن على حد سواء.

لقد استطاع حمزة أن يحقق أهدافه حتى وهو يستشهد ، لأن شهادته جزء من هدفه كما قلنا.

أما أعداء الإسلام فقد باؤوا بالفشل الذريع ، والخيبة القاتلة ، وانتهى بهم الأمر إلى أن يكونوا طلقاء هذه الأمة ، وزعماء منافقيها ، المشهور نفاقهم ، والمعروف كفرهم.

ه : موقف أبي سفيان من قبر حمزة :

وإن موقف أبي سفيان من قبر حمزة ، ليعتبر دليلا واضحا على كفره ،

٢٨١

وأنه لا يزال يعتبر حربه مع النبي «صلى الله عليه وآله» حربا على الملك والسلطان ، والمكاسب الدنيوية.

وقد دخل أبو سفيان على عثمان ، فقال له : قد صارت إليك بعد تيم وعدي ، فأدرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني أمية ، فإنما هو الملك ، ولا أدري ما جنة ولا نار (١).

وكان أبو سفيان كهفا للمنافقين ، وكان يوم اليرموك يفرح إذا انتصر الكفار على المسلمين ، ويحزن حين يرى كرة المسلمين عليهم (٢).

وكفريات أبي سفيان معروفة ومشهورة ، ولا مجال لاستقصائها ، فمن أرادها فليراجع مظانها (٣).

و : مواساة الأنصار للنبي صلّى الله عليه وآله :

وإن مواساة الأنصار للنبي «صلى الله عليه وآله» حتى في البكاء على حمزة ، لهي في الحقيقة من أروع المواساة للنبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»

__________________

(١) الإستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٨٧ ، والكنى والألقاب ج ١ ص ٨٦ ، وقاموس الرجال ج ١٠ ترجمة أبي سفيان وج ٥ ص ١١٦ و ١١٧ ، والغدير ج ٨ ص ٢٧٨ عن الإستيعاب ، وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج ١٠ ص ٥٨ ، ومروج الذهب ج ٢ ص ٣٤٣.

(٢) النزاع والتخاصم للمقريزي ص ١٨.

(٣) راجع الغدير ، ولا سيما ج ٨ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ وج ١٠ ص ٧٩ ـ ٨٤ لمعرفة رأي علي في معاوية ، وفي أبيه ، وقاموس الرجال ترجمة أبي سفيان ، والإستيعاب وغير ذلك.

٢٨٢

فهم يواسونه بأموالهم وأنفسهم ، وحتى في عواطفهم الصادقة ، ومشاعرهم النبيلة.

وقد استمروا على صدقهم ، ووفائهم ، وإخلاصهم له ولرسالته ، ولوصيه علي «عليه السلام» ، وأهل بيته «عليهم السلام» إلى آخر لحظة ، ولذلك نكبهم الأمويون ، والحكام بعد النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأذلوهم ، وحرموهم ، كما تقدمت الإشارة إليه.

ز : صبر صفية :

وإن صبر صفية ، واعتبارها : أن ما جرى لحمزة قليل في ذات الله تعالى ، إنما هو نتيجة للوعي الرسالي الرائد للإسلام ، الذي لا يمكن اعتباره محدودا ومقوقعا ضمن طقوس وحركات ، أو جذبات صوفية ونحوها.

فالإسلام حياة. ولا يطلب فيه الموت والشهادة إلا من أجل هذه الحياة.

والإسلام هو السلام حتى في حال الحرب ، وهو الحياة فيما يراه الناس الموت ، والراحة في ما يراه الناس التعب ، والسعادة في ما يراه الناس الشقاء والآلام.

إنه سلام شامل وكامل ؛ فإذا بلغ الإنسان هذا السلام الشامل ، فهو المسلم الحق.

وهكذا كانت صفية رضوان الله تعالى عليها ، حتى أصبح ما جرى لأخيها قليلا في ذات الله ، وصار سلاما لها وعليها.

٢٨٣

التعصب :

ولما قتل حمزة رضوان الله عليه ، بعث النبي «صلى الله عليه وآله» عليا «عليه السلام» فأتاه ببنت حمزة ؛ فسوغها «صلى الله عليه وآله» الميراث كله (١).

وهذا يدل : على أنه لا ميراث للعصبة على تقدير زيادة الفريضة عن السهام إلا مع عدم القريب ، فيرد باقي المال على البنت ، والبنات ، والأخت والأخوات ، وعلى الأم ، وعلى كلالة الأم ، مع عدم وارث في درجتهم ، وعلى هذا إجماع أهل البيت «عليهم السلام» ، وأخبارهم به متواترة.

ويدل على ذلك أيضا ، قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٢) فعن الإمام الباقر «عليه السلام» في هذه الآية : «إن بعضهم أولى بالميراث من بعض ؛ لأن أقربهم إليه رحما أولى به.

ثم قال أبو جعفر «عليه السلام» : أيهم أولى بالميت ، وأقربهم إليه؟ أمه ، أو أخوه؟ أليس الأم أقرب إلى الميت من إخوته وأخواته»؟! (٣).

وللتوسع في هذا البحث مجال آخر.

الاختصام في ابنة حمزة :

ويقولون : إن عليا وجعفرا ابني أبي طالب ، وزيد بن حارثة ، اختصموا

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣١١ ، والوسائل ج ١٧ ص ٤٣٢.

(٢) الآية ٧٥ من سورة الأنفال.

(٣) الوسائل ج ١٧ ص ٤٣٤.

٢٨٤

في ابنة حمزة ، فقال «صلى الله عليه وآله» لكل واحد منهم ما أرضاه (١).

ونحن نشك في الحديث من أصله ، لأن جعفر كان في واقعة أحد في الحبشة ، وقد جاء إلى المدينة في سنة ست من الهجرة.

ودعوى أن الاختصام قد حصل بعد رجوعه تطرح أمامنا سؤالا عن السبب في سكوت زيد بن حارثة عن المطالبة ببنت حمزة كل هذه المدة.

الصلاة على الشهداء وتغسيلهم ودفنهم :

لقد روى بعضهم : أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يصلّ على شهداء (أحد). وبه أخذ الأئمة الشافعية.

ولكن ذلك غير صحيح ؛ فقد صرحت الروايات الكثيرة : بأنه «صلى الله عليه وآله» قد صلى عليهم. وروي ذلك عن بعض أئمة الحديث ، وبه أخذ الأئمة الحنفية (٢).

والصحيح : أنه «صلى الله عليه وآله» قد صلى عليهم ، ولم يغسلهم ، وهو الثابت عن أئمة أهل البيت «عليهم السلام» ، الذين هم سفينة نوح ، وباب حطة. ولذا فلا يعبأ بما رواه غيرهم ؛ ولذا فنحن لا نطيل الكلام في ذلك.

ولا سيما بعد أن قال (مغلطاي) : «.. وصلى على حمزة والشهداء من غير غسل. وهذا إجماع ؛ إلا ما شذ به بعض التابعين.

إلى أن قال : قال السهيلي : ولم يرو عنه «صلى الله عليه وآله» : أنه صلى

__________________

(١) التراتيب الإدارية ج ٢ ص ١٤٩ وغير ذلك.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٢ ، وليراجع أيضا : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٨ و ٢٤٩.

٢٨٥

على شهيد في شيء من مغازيه إلا في هذه.

وفيه (نظر) ؛ لما ذكره النسائي من أنه صلى على أعرابي في غزوة أخرى» (١).

وعن عدد التكبير عليهم ، وعلى غيرهم ، فقد تقدم في أول هذا الفصل : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد كبر على حمزة سبعا أو سبعين ـ كما هو الأصح ـ.

وأما ما يقال : من أن عدد التكبيرات على الميت أربع ، فقد أثبتنا بما لا يقبل الشك أنه لا يصح ، وأن التكبير على الميت (خمس) لا أربع (٢).

وبالنسبة للغسل ، فقد قال الديار بكري وغيره : «أجمع العلماء على أن شهداء أحد لم يغسلوا» (٣).

وتقدم : أن حنظلة خرج وهو جنب ، فأخبر «صلى الله عليه وآله» أن الملائكة تغسله.

ويقال أيضا : إن حمزة قد قتل جنبا ؛ فرأى النبي «صلى الله عليه وآله» الملائكة تغسله (٤).

ولكن هذا ينافي ما جاء في بعض النصوص من أنه قتل يوم أحد صائما. والله هو العالم.

__________________

(١) سيرة مغلطاي ص ٥٠ و ٥١.

(٢) راجع كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٢ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٨ ، وتقدم ذلك عن مغلطاي أيضا.

(٤) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٨ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٣٠٩ ، وشرح النهج ج ١٥ ص ٣٧.

٢٨٦

ومهما يكن من أمر ؛ فإن الشهداء لم يغسلوا ، وإخباره «صلى الله عليه وآله» بتغسيل الملائكة لمن مات جنبا ، بالإضافة إلى أنه إخبار عن واقع ؛ فإنه أيضا ليس لأجل موته بل هو لأجل جنابته ؛ لرفع الحزازة التي ربما تحدث في نفس أهله ، الذين يعرفون بأنه لم يغتسل من جنابته.

وأما بالنسبة للتكفين ؛ فإن الشهيد يدفن في ثيابه ، ولكن النبي «صلى الله عليه وآله» قد كفن حمزة وحنّطه ؛ لأنه كان قد جرد ، كما روي (١).

وأما عن دفنهم ؛ فيقال : إنه قد احتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة ، فدفنوهم بها ، ثم نهى «صلى الله عليه وآله» عن ذلك.

وقال «صلى الله عليه وآله» : ادفنوهم حيث صرعوا (٢).

ويقال : إنه «صلى الله عليه وآله» قال : ادفنوا الإثنين والثلاثة في قبر واحد ، وقدموا أكثرهم قرآنا (٣).

لماذا تقديم الأقرأ؟

وتقديم أكثرهم قرآنا حتى في هذا المقام ، له دلالة هامة هنا ، فإن

__________________

(١) راجع : الدر المنثور للعاملي ج ١ ص ١٣٥ عن من لا يحضره الفقيه.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٢ عن الإكتفاء ، وابن اسحاق ، وأحمد ، والترمذي ، وأبي داود ، والنسائي ، والدارمي ، والكامل لابن الاثير ج ٢ ص ١٦٢ و ١٦٣ ، وفي شرح النهج ج ٤ ص ٢٦٢ رواية ناقشها المعتزلي بما لا مجال له.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٢ عن أحمد ، والترمذي ، وأبي داود ، والنسائي ، وشرح النهج ج ١٥ ص ٣٨ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٣١٠ ، والثقات ج ١ ص ٣٣ ، ومجمع الزوائد ج ٦ ، والمصنف ج ٣ ص ٥٤١ وج ٥ ص ٢٧٢.

٢٨٧

أكثرهم قرآنا يفترض به أن يكون هو الأكثر وعيا وبصيرة في أمره ، ومن ثم يكون إخلاصه للقضية التي يقاتل من أجلها أشد ، وارتباطه بها أعمق. وكلما كان العمل أكثر إخلاصا لله ، كلما كانت قيمته أغلى ؛ وثمنه أغلى ، لأنه يستمد قيمته هذه من مدى اتحاده بذلك الهدف ، وفنائه فيه.

بل نجد أنه «صلى الله عليه وآله» يتجاوز ذلك ، إلى أنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يبعث بعثا وهم ذوو عدد ، فاستقرأهم ؛ ليعرف ما معهم من القرآن ؛ فوجد : أن أحدثهم سنا ، أكثرهم قرآنا ، فأمّره عليهم (١).

فهو «صلى الله عليه وآله» يعطي بذلك نظرة الإسلام الصحيحة للعلم والمعرفة الذين يتركان أثرهما الإيجابي حتى بالنسبة لما بعد الموت ، وحتى بالنسبة لهؤلاء المتساوين من حيث بذل أغلى ما لديهم في سبيله ، وإن لم يكونوا متساوين في درجات معرفتهم ، وثقافتهم ، ووعيهم.

ولقد رأينا أنه «صلى الله عليه وآله» يقول ـ كما يروي لنا أبو سلمة ـ : إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم وإن كان أصغرهم ؛ فإذا أمهم فهو أميرهم (٢).

وفي هذا دلالة واضحة على أن الملاك في التقديم هو المعرفة الخالصة ، التي تؤهل الإنسان لأن يكون أكثر خشية لله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٣). وليس هو الجمال ، أو الجاه ، أو المال ، أو النسب ، أو غير ذلك ؛

__________________

(١) حياة الصحابة ج ٢ ص ٥٤ ، والترغيب والترهيب ج ٢ ص ٣٥٢ ، وراجع : المصنف ج ٥ ص ١٦٥ ففيه ما يشير إلى ذلك.

(٢) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج ٥ ص ١٦٥.

(٣) الآية ٢٨ من سورة فاطر.

٢٨٨

فإن ذلك قد رفضه الإسلام والقرآن رفضا قاطعا ونهائيا.

أنا شهيد على هؤلاء :

وكان طلحة بن عبيد الله ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، يقولون : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» صلى على قتلى أحد ، وقال : «أنا شهيد على هؤلاء.

فقال أبو بكر : ألسنا إخوانهم ، أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا؟

قال : بلى ، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئا ، ولا أدري ما تحدثون بعدي.

فبكى أبو بكر ، وقال : إنا لكائنون بعدك»؟ (١).

وهذا يدل : على أن الرسول «صلى الله عليه وآله» لم يكن مطمئنا لما ينتهي إليه أمر أصحابه بعده. ولم يكن يعتقد أن مجرد صحبتهم له تدخلهم الجنان ، وتجعلهم معصومين ، أو أنها تكون أمانا لهم من كل حساب وعقاب ، عملوا ما عملوا ، وفعلوا ما فعلوا ؛ فإن ذلك خلاف ما قرره القرآن الذي يقول : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(٢) وقد بحثنا موضوع عدالة الصحابة في موضع آخر (٣).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ٣٨ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٣١٠ ، والمصنف ج ٣ ص ٥٤١ ، وليراجع ص ٥٧٥ وج ٥ ص ٢٧٣.

(٢) الآيتان ٧ و ٨ من سورة الزلزلة.

(٣) راجع الجزء الثاني من كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.

٢٨٩

وما ذكرناه هناك ما هو إلا رشحة من نهر ، وقطرة من بحر. والأدلة على ما نقول ، من أن كل صحابي محاسب على ما عمل ، وأن فيهم المؤمن ، والمنافق ، والعادل ، والفاسق كثيرة جدا ، لا مجال لحصرها.

عدد شهداء أحد :

وأما عن عدد الشهداء في أحد ، فقد كانوا سبعين : من المهاجرين أربعة ، والباقون من الأنصار (١).

وقيل : أربعة وستون من الأنصار ، وستة من المهاجرين ، وجرح سبعون.

وهذا ما وعدهم به النبي «صلى الله عليه وآله» في بدر حسبما تقدم.

وأما ما يقال : من أن عدتهم خمس وستون ، فيهم أربعة من المهاجرين ، أو أنهم ستة وتسعون.

أو أنهم ثمانون : أربعة وسبعون من الأنصار ، وستة من المهاجرين (٢).

فليس بمسموع بعد أن أخبرهم النبي «صلى الله عليه وآله» ـ كما هو المشهور ـ بأنه سيقتل من المسلمين بعدة أسرى بدر إن قبلوا بالفداء. وعدة أسرى بدر كانت سبعين كما يقولون (٣).

__________________

(١) مغازي الواقدي ج ١ ص ٣٠٠ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥٥ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٦.

(٢) راجع : سيرة مغلطاي ص ٤٩ و ٥٠ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٦ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥٥ ، وغير ذلك كثير وليراجع شرح النهج ج ١٥ ص ٥١ و ٥٢.

(٣) مغازي الواقدي ج ١ ص ١٤٤.

٢٩٠

أما ما عن أنس ، من أنه قتل من الأنصار في أحد سبعون ، وفي بئر معونة سبعون ، ويوم اليمامة على عهد أبي بكر سبعون ، رواه البخاري (١) :

فلا يمكن المساعدة عليه ؛ لأن قتلى أحد كانوا سبعين من الأنصار والمهاجرين معا ، لا من الأنصار وحدهم. ولأنه سيأتي في سرية بئر معونة الاختلاف الشديد في عدد أفرادها ، وهي تتراوح ما بين العشرة إلى السبعين رجلا (٢).

أكثر القتلى من الأنصار :

ويلاحظ هنا : أن أكثر القتلى كانوا من الأنصار ، وقد جاء ذلك بصورة لا تتناسب مع عدد المشاركين منهم في الحرب إذا قورن بمن قتل من المهاجرين ، إذا أضيف إلى عدد المشاركين منهم أيضا.

وقد أشرنا فيما تقدم : إلى أن قريشا ظلت تحقد على الأنصار ، وعلى أهل البيت «عليهم السلام» عشرات السنين والأعوام.

وكان يهمها : أن تجزرهم جزرا ، ولا يبقى منهم نافخ نار.

ولربما نفهم : أن الأنصار كانوا أكثر اندفاعا إلى الحرب ، وأشد تصديا لمخاطرها ، لأنهم يدافعون عن وطنهم ، وعن عقيدتهم معا.

وقد كان الإسلام فيهم أعرق وأعمق من كثير من المهاجرين ، فلا يقاس بهم مسلمو الفتح ، فإنهم إنما أسلموا خوفا أو طمعا ؛ ولذا فقد كثر فيهم المنافقون والمناوؤون لأهل البيت «عليهم السلام».

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ١٤٦ عن المشكاة.

(٢) راجع : الجزء الثامن من هذا الكتاب ، الباب الرابع : سرية بئر معونة.

٢٩١

ولعل كثيرا من المهاجرين كانوا مطمئنين إلى قبول قومهم لهم ، كما يظهر مما تقدم.

كما أن بعض المشاركين في الحرب من هؤلاء وأولئك ، لم تكن لديه دوافع عقيدية أيضا ، كما هو الحال بالنسبة لمن يقاتلون من أجل السلب ، والغنائم ، وغير ذلك.

زيارة القبور :

ويذكرون : أن المسلمين كانوا يتبركون بقبر حمزة ، ويستشفون بتربته ، وقد صنعوا السبحة منها (١).

ويذكر الواقدي هنا : أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يزور قبور شهداء أحد في كل حول ، فإذا لقوه رفع صوته يقول : السلام عليكم بما صبرتم ؛ فنعم عقبى الدار. وكان أبو بكر يفعل مثل ذلك ، وكذلك عمر ، ثم عثمان ، ثم معاوية.

ونقول :

كيف يذكر معاوية هنا ، وهو الذي نبش قبور الشهداء من أجل العين التي أجراها؟!.

وكانت فاطمة تأتيهم بين اليومين والثلاثة ؛ فتبكي عندهم ، وتدعو.

وكان «صلى الله عليه وآله» يأمر بزيارتهم ، والتسليم عليهم.

وكذا كان يزورهم سعد بن أبي وقاص ، وأبو سعيد الخدري كان يزور

__________________

(١) راجع : وفاء الوفاء ج ١ ص ٦٩ و ١١٦.

٢٩٢

قبر حمزة ، وأم سلمة أيضا كانت تزورهم كل شهر ؛ وقد أنّبت غلامها لأنه لم يسلم عليهم. وكذا أبو هريرة ، وابن عمر ، وفاطمة الخزاعية (١).

وعن السجاد «عليه السلام» : أن فاطمة «عليها السلام» كانت تزور قبر عمها حمزة في الأيام تصلي وتبكي عنده (٢).

وقد أمر النبي «صلى الله عليه وآله» أيضا بزيارة القبور. وشواهد هذا البحث كثيرة جدا لا تكاد تحصر ، وقد ألفت الكتب ، ونظمت البحوث في هذا الموضوع (٣).

فليراجعها من أراد التوسع ؛ فلا يصغى لمنع بعض الفرق من زيارة القبور ، فإن ذلك لا يستند إلى أي دليل معقول أو مقبول.

عدد قتلى المشركين :

ويقال : إنه قد قتل من المشركين في معركة أحد ثمانية عشر رجلا (٤).

وقيل : اثنان ، أو ثلاثة وعشرون (٥).

__________________

(١) راجع : مغازي الواقدي ج ١ ص ٣١٣ و ٣١٤ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ٤٠.

(٢) المستدرك للحاكم ج ٣ ص ٢٨.

(٣) راجع : شفاء السقام للسبكي ، والغدير ج ٥ من ص ١٦٦ حتى ص ٢٠٨ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٢٨ ، ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٨٣ فما بعدها و ٩٣١ ـ ٩٣٣ ، وتأويل مختلف الحديث ص ١٩٧ ، وغير ذلك.

(٤) مجمع البيان ج ٢ ص ٥٠٠ ، والبحار ج ٢٠ ص ٢٢ عنه.

(٥) سيرة مغلطاي ص ٥٠ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٧ ، والسيرة الحلبية ، وغير ذلك.

٢٩٣

وقيل : ثمانية وعشرون (١).

وقيل : أكثر من ذلك. لأن حمزة قد قتل وحده منهم واحدا وثلاثين رجلا كما يقولون (٢).

أكثر القتلى من علي عليه السّلام :

١ ـ ويروي البعض : أن أمير المؤمنين «عليه السلام» قد قتل في أحد اثني عشر رجلا (٣).

٢ ـ ونعتقد أنه «عليه السلام» قد قتل أكثر من ذلك ، لأنه قد قتل أصحاب اللواء بلا شك كما تقدم بيانه ، وهم تسعة أو أحد عشر ، كما أن المعتزلي يذكر : أن كتائب المشركين صارت تحمل على النبي «صلى الله عليه وآله».

وقد قتل من كتيبة بني كنانة أبناء سفيان بن عويف الأربعة. وتمام العشرة منها ، ممن لا يعرف بأسمائهم.

وقال : إن ذلك قد رواه جماعة من المحدثين ، ويوجد في بعض نسخ ابن إسحاق ، وأنه خبر صحيح فراجع كلامه (٤).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ٥٤.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٢٦ و ٢٥٥ ، والإصابة ج ١ ص ٣٥٤.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ٥٤.

(٤) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢٥٠ و ٢٥١ وفي ج ١٥ ص ٥٤ : أن في بعض كتب المدائني أن عليا «عليه السلام» قتل بني سفيان بن عوف ، وروى له شعرا في ذلك ، فراجع.

٢٩٤

٣ ـ قال القوشجي : وكان أكثر المقتولين منه (١) (أي من أمير المؤمنين «عليه السلام»).

٤ ـ وقال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى : وقد ذكر أهل السير قتلى أحد من المشركين ، وكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين «عليه السلام».

ثم ذكر أسماء اثني عشر من الأبطال المعروفين ممن قتلهم «عليه السلام» (٢).

٥ ـ ولسوف يأتي : أن قريشا قد عجلت بالمسير عن حمراء الأسد حينما علمت أن عليا «عليه السلام» قادم إليها.

٦ ـ ويقول الحجاج بن علاط في وصف قتله «عليه السلام» لكبش الكتيبة ، طلحة بن أبي طلحة ، وحملاته «عليه السلام» في أحد :

لله أي مذبب عن حزبه

أعني ابن فاطمة المعم المخولا

جادت يداك له بعاجل طعنة

تركت طليحة للجبين مجدلا

وشددت شدة باسل فكشفتهم

بالسفح إذ يهوون أسفل أسفلا

وعللت سيفك بالدماء ولم تكن

لترده حران حتى ينهلا (٣)

ومما يدل على مدى ما فعله أمير المؤمنين «عليه السلام» بقريش في أحد : أن النص التأريخي يؤكد على أن قريشا كانت ـ بعد ذلك ـ وإلى عشرات السنين تحقد على علي «عليه السلام» ، وعلى أهل بيته لذلك.

__________________

(١) شرح التجريد للقوشجي ص ٤٨٦.

(٢) الإرشاد ص ٥٤ ، والبحار ج ٢٠ ص ٨٨ و ٨٩ عنه.

(٣) الإرشاد للمفيد ص ٥٤ ، والبحار ج ٢٠ ص ٩٠ عنه ، وهامش ص ٥٠ عن الإمتاع.

٢٩٥

وقد ذكر النبي «صلى الله عليه وآله» هذه الأحقاد لعلي «عليه السلام» (١) ثم ظهرت آثارها في المجازر التي ارتكبها الأمويون في كربلاء وغيرها.

وقد صرحت الزهراء «عليها السلام» بأن ما جرى عليهم بعد شهادة النبي «صلى الله عليه وآله» ، قد كان بسبب الأحقاد البدرية والترات الأحدية (٢).

أويس القرني في أحد :

ويقولون : إن أويس القرني قد حضر أحدا ، وجرى عليه كل ما جرى على النبي «صلى الله عليه وآله» من كسر رباعيته ، وشج وجهه ، ووطء ظهره!! ويدل على أنه قد وطئ ظهر النبي «صلى الله عليه وآله» من قبل المشركين قول عمر : فلقد وطئ ظهرك ، وأدمي وجهك (٣).

والمراد بالوطء : الدوس بالأقدام.

ونحن لا نصدق ذلك أصلا ، لأنهم يقولون : إن أويسا لم ير النبي «صلى الله عليه وآله» أصلا ، لأنه ـ كما يقولون ـ كان مشغولا بخدمة أمه (٤).

__________________

(١) راجع : البحار ج ٢٦ ص ٥٤ و ٥٥ ، وراجع الطبعة الحجرية من البحار ج ٨ ص ١٥١.

(٢) راجع : المناقب لابن شهراشوب ج ٢ ص ٢٠٣ وفي ط أخرى ج ١ ص ٣٨١ ، والبحار ج ٤٣ ص ١٥٦.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥٥ ، و ٢٥٦ ، والطبقات الكبرى للشعراني ج ١ ص ٢٧.

(٤) الطبقات الكبرى للشعراني ج ١ ص ٢٧ ، والإصابة ج ١ ص ١١٥ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥٦ ، وراجع القصة في الزهد والرقائق قسم ما رواه نعيم بن حماد ص ٦٠.

٢٩٦

وروي عن النبي «صلى الله عليه وآله» قوله : خير التابعين رجل يقال له : أويس بن عامر (١).

وفي مسند أحمد : نادى في صفين رجل شامي : أفيكم أويس القرني؟

قالوا : نعم.

قال : سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول : من خير التابعين أويس القرني (٢).

فوصفه بالتابعي يشير إلى أنه لم يكن من الصحابة.

بل لقد كان الإمام مالك ينكر وجود أويس القرني من الأساس (٣).

ولكنه كلام لا يصح : فقد تواتر أنه شخصية حقيقة ، وقد ذكر العلماء والمصنفون أخباره وفضائله في كتبهم ومنقولاتهم.

ولعل سبب إنكار وجوده ودعوى : أنه توفي في خلافة عمر (٤) هو حضوره مع علي «عليه السلام» في صفين ، واستشهاده معه (٥).

__________________

(١) الإصابة ج ١ ص ١١٥ عن مسلم ، ولسان الميزان ج ١ ص ٤٧٢ و ٤٧٤ و ٤٧٥ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥٦ بعدة ألفاظ ، ومختصر تاريخ دمشق ج ٣ ص ١٦٢ و ١٦٣ ، وراجع : تيسير الوصول ج ٢ ص ١٦٧.

(٢) الإصابة ج ١ ص ١١٦ ، ولسان الميزان ج ١ ص ٤٧٥ وراجع ص ٤٧٤ ، وتهذيب تاريخ دمشق ج ٣ ص ١٧٥ ، وراجع ص ١٦٢.

(٣) الاصابة ج ١ ص ١١٥ ، وراجع تهذيب تاريخ دمشق ج ٣ ص ١٦٢ ، وراجع ص ١٦٥ و ١٦٦ و ١٧٢ ، ولسان الميزان ج ١ ص ٤٧٥.

(٤) راجع تهذيب تاريخ دمشق ج ٣ ص ١٦٢ عن ابن سعد ، وراجع ص ١٧٣ و ١٧٤.

(٥) راجع تهذيب تاريخ دمشق ج ٣ ص ١٧١ ، ولسان الميزان ج ١ ص ٤٧٤ و ٤٧٥.

٢٩٧

ولعل أكذوبة : أن المشركين قد وطئوا ظهر النبي «صلى الله عليه وآله» قد جاءت بهدف الحط من كرامته «صلى الله عليه وآله» ، أو إظهار خطورة الموقف ، ليخف النقد الموجه للفارين عنه «صلى الله عليه وآله».

مع أن ذلك آكد في ذمهم ، وأشد في قبح ما صدر منهم.

صفية واليهودي :

ويذكر البعض في غزوة أحد (١) قضية قتل صفية لليهودي ، وعدم جرأة حسان على قتله ، ولا على سلبه.

ولكن الظاهر هو : أن ذلك كان في غزوة الخندق ، ولذا فنحن نرجئ الحديث عنه إلى هناك.

بعض الحكم في معركة أحد :

قال السمهودي : قال العلماء : وكان في قصة أحد من الحكم والفوائد أشياء عظيمة :

منها : تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية ، وشؤم ارتكاب النهي ، لما وقع من الرماة.

ومنها : أن عادة الرسل أن تبتلى ، وتكون لها العاقبة.

ومنها : إظهار أهل النفاق ، حتى عرف المسلمون : أن لهم عدوا بين أظهرهم.

__________________

(١) مغازي الواقدي ج ١ ص ٢٨٨ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ١٦.

٢٩٨

ومنها : تأخير النصر هضما للنفس ، وكسرا لشماختها (١).

ثم ذكر كلاما يشتم منه رائحة الجبر ، وهو ما لا نوافقه عليه ، ولذلك أهملناه.

من مشاهد العودة إلى المدينة :

١ ـ وعاد النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمون إلى المدينة ، واستقبلته أم سعد بن معاذ تعدو ، فجاءت حتى نظرت في وجهه ، وقالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، هانت علي كل مصيبة إن سلمت. فعزاها رسول الله «صلى الله عليه وآله» بولدها عمرو.

وفي رواية : أنه لما بشرها النبي «صلى الله عليه وآله» بما للقتلى في الجنة ، قالت : رضينا يا رسول الله ، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟! (٢).

٢ ـ مر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بامرأة من الأنصار ، وقد أصيب زوجها ، وأخوها ، وأبوها مع الرسول «صلى الله عليه وآله» في أحد ؛ فلما نعوهم إليها قالت : ما فعل رسول الله؟

قالوا : خيرا يا أم فلان ، هو بحمد الله كما تحبين.

قالت : أرونيه حتى أنظر إليه.

فأشير لها إليه ، فلما رأته ، قالت : كل مصيبة بعدك جلل. يعني هينة.

وفي رواية : أنهم استقبلوها بجنائز : ابنها ، وأخيها ، وأبيها ، وزوجها ، أو

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٢٩٥ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٥.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥٤ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٣١٥ و ٣١٦ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٤.

٢٩٩

دلّت على مصارعهم ؛ فلم تكترث. وسألت عن الرسول «صلى الله عليه وآله» فدلّت عليه ؛ فذهبت حتى أخذت بناحية ثوبه.

ثم جعلت تقول : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لا أبالي إذا سلمت من عطب (١).

ونقول : إن هؤلاء النسوة قد بلغن من المعرفة والوعي حدا صرن معه يعتبرن وجود النبي «صلى الله عليه وآله» كل شيء بالنسبة إليهن ، وكل مصيبة بعد النبي «صلى الله عليه وآله» هينة ، ولا يبالين إن سلم من عطب. فالرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» هو مصدر الطمأنينة ، وعنوان الحياة ، والوجود لهن. وبدونه لا طعم للحياة ، ولا معنى للبقاء.

وقد بلغ من يقينهن بما يخبر به الرسول «صلى الله عليه وآله» : أنهن صرن كأنهن يرينه رأي العين ، حتى لتقول أم سعد بن معاذ حينما أخبرها بما للشهيد في الجنة : ومن يبكي عليهم بعد هذا؟!.

ولا يمكن أن نرجع ذلك كله لشخصية النبي «صلى الله عليه وآله» ، وقوة تأثيرها ، وإنما يرجع ذلك ـ ولا شك ـ إلى فطرية تعاليم الإسلام ومبادئه ، وانسيابها مع المشاعر والعواطف ، حتى لتمتزج بوجود الإنسان ، وفي كل كيانه ، وتسري فيه كما يسري الدم في العروق.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٣ و ٢٥١ و ٢٥٢ و ٢٥٤ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٤ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٢١٠ ، والكامل لابن الاثير ج ٢ ص ١٦٣ ، والبحار ج ٢٠ ص ٩٨ ، واعلام الورى ص ٨٥ ، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١١٥ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٥٦ عنه ، والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٧.

٣٠٠