الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-178-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

قومهم وأبنائهم. مع أنهم من الطلقاء والمنافقين المؤلفة قلوبهم ، ومع أنه قد صدرت منهم أمور تدل على أنهم لم يسلموا ، وإنما استسلموا كما سنذكره عن خصوص أبي سفيان في أواخر غزوة أحد إن شاء الله تعالى.

استطراد هام :

ومما يلفت النظر هنا قولهم المتقدم : إنه «صلى الله عليه وآله» جعل يلعن صفوان وأبا سفيان الخ .. فنزلت الآية ، فتيب عليهم كلهم.

وأعجب من ذلك : أن نجد ابن كثير يدّعي ، بالنسبة لدعاء النبي «صلى الله عليه وآله» على معاوية بقوله : «لا أشبع الله بطنه ، قال : فما شبع بعدها» (١) : ـ يدّعي ـ أن معاوية قد انتفع بهذا الحديث دنيا وآخرة : أما في الدنيا فكان بعدما يأكل الكثير يقول : والله ما أشبع وإنما إعياء ، وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك.

وأما في الآخرة ، فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه البخاري ، وغيرهما من غير وجه ، عن جماعة من الصحابة :

أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال : اللهم إنما أنا بشر ، وفي رواية : اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر فأيما عبد سببته ، أو جلدته ، أو دعوت عليه ، وليس لذلك أهلا ، فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة.

وفي نص : سببته أو لعنته أو جلدته ، فاجعلها له زكاة ورحمة.

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٨ ص ٢٧ ، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١١٩.

١٦١

أو : فاجعل ذلك له قربة إليك (١).

قال ابن كثير : فركب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ، ولم يورد له غير ذلك (٢).

وثمة نصوص منقولة عن مصادر كثيرة حول شبع بطن معاوية لا مجال لإيرادها هنا. وقد علق عليها العلامة الأميني بما هو مفيد فليراجع (٣).

أما نحن فنكتفي هنا بالإشارة إلى الحديث الآخر ، فنسجل ما يلي :

١ ـ روي عنه «صلى الله عليه وآله» أنه قال : المؤمن لا يكون لعانا (٤) وقال ، وقد أبى الدعاء على المشركين : إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة (٥) ، فلم يلعنهم ولا دعا عليهم.

وقال «صلى الله عليه وآله» لما لعنت جارية ناقتها : لا تصاحبنا ناقة

__________________

(١) راجع هذه النصوص في : صحيح مسلم ج ٨ ص ٢٧ ، وج ٢ ص ٣٩١ كتاب البر والصلة ، والغدير ج ١١ ص ٨٩ ، وج ٨ ص ٢٥٢ عنه ، ومسند أحمد ج ٥ ص ٤٣٧ و ٤٣٩ ، وج ٦ ص ٤٥ ، وج ٢ ص ٣٩٠ و ٤٨٨ و ٤٩٣ ، و ٤٩٦ ، وج ٣ ص ٣٣ و ٣٩١ و ٤٠٠ ، وصحيح البخاري ج ٤ ص ٧٨ ، ودلائل الصدق ج ١ ص ٤١٦ ، وراجع : نسب قريش لمصعب ص ٢١٩ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٨٥ ، والمصنف ج ٥ ص ٢١٤ ، وج ١١ ص ١٨٩ ، وج ٩ ص ٤٦٩.

(٢) البداية والنهاية ج ٨ ص ١١٩ والغدير عنه.

(٣) راجع : الغدير ج ١١ ص ٨٩ و ٩٠.

(٤) مستدرك الحاكم ج ١ ص ١٢ و ٤٧ ، والغدير ج ١١ ص ٩٠ عنه. وبقية المصادر ستأتي في الجزء السادس في فصل القنوت والدعاء على القبائل.

(٥) الغدير ج ١١ ص ٩١ وج ٨ ص ٢٥٢ ، وصحيح مسلم ج ٨ ص ٢٤ ، وصحيح البخاري ج ٤.

١٦٢

عليها لعنة (١) ، وروي عنه «صلى الله عليه وآله» ما هو قريب من ذلك حينما سمع رجلا لعن ناقته (٢).

وقال سلمة بن الأكوع : كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه ، رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر (٣).

وجاء في اللعنة أحاديث كثيرة لا مجال لتتبعها (٤).

٢ ـ وقد ذكر في الرواية : السباب. مع أنه «صلى الله عليه وآله» قال : سباب المؤمن فسوق.

وقال «صلى الله عليه وآله» : المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان. وغير ذلك (٥).

٣ ـ وأما أن النبي بشر يرضى ويغضب ، فإنه «صلى الله عليه وآله» هو

__________________

(١) الغدير ج ١١ ص ٩٢ ، وصحيح مسلم ج ٨ ص ٢٣ ، وراجع : الترغيب والترهيب ج ٣ ص ٤٧٤ ، ومسند أحمد ج ٦ ص ٧٢ و ٢٥٨ و ١٣٨ وج ٤ ص ٤٢٩ و ٤٢٠ و ٤٢٣ ، وسنن الدارمي ج ٢ ص ٢٨٨ ، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٢٦ ، ودلائل الصدق ج ١ ص ٤١٦ و ٤١٧.

(٢) الترغيب والترهيب ج ٣ ص ٤٧٤ ، والغدير ج ١١ ص ٩٢.

(٣) الغدير ج ١١ ص ٩٢ ، والترغيب والترهيب ج ٣ ص ٤٧٢.

(٤) راجع هذه الأحاديث في الغدير للعلامة الأميني ج ١١ ص ٨٩ ـ ٩٣ وج ٨ ص ٢٥٢ عن كثير من المصادر ، ودلائل الصدق ج ١ ص ٤١٦.

(٥) الغدير ج ١١ ص ٩١ وج ٨ ص ٢٥٢ عن البخاري ج ١ ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، والطبراني ، والحاكم والدارقطني ، وأحمد ، والطيالسي ، والهيثمي ، والسيوطي ، والمناوي.

١٦٣

نفسه قال لعبد الله بن عمرو : أكتب عني في الغضب والرضا ، فوالذي بعثني بالحق نبيا ، ما يخرج منه إلا حق ، وأشار إلى لسانه (١).

٤ ـ وكان «صلى الله عليه وآله» كما وصفه أمير المؤمنين لا يغضب للدنيا ؛ فإذا أغضبه الحق ، لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له (٢).

٥ ـ وعنه «صلى الله عليه وآله» : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (٣).

٦ ـ وروى البخاري في كتاب الأدب : أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن سبّابا ، ولا فحّاشا ، ولا لعّانا (٤).

٧ ـ وقد قال تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)(٥).

وبعد هذا فإننا نعرف : أنه لا قيمة لقولهم : إن من خصائصه «صلى الله

__________________

(١) الغدير ج ١١ ص ٩١ وج ٦ ص ٣٠٨ و ٣٠٩ ، وسنن الدارمي ج ١ ص ١٢٥ ، وإحياء العلوم ج ٣ ص ١٧١ عن أبي داود ، ومستدرك الحاكم ج ١ ص ١٠٤ و ١٠٥ ، وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) ، وجامع بيان العلم ج ١ ص ٨٥ وراجع : ج ٢ ص ٦٢ و ٦٣ ، وليراجع أيضا : سنن أبي داود ج ٣ ص ٣١٨ ، والزهد والرقائق ص ٣١٥ ، والمصنف للصنعاني ج ٧ ص ٣٤ و ٣٥ وج ١١ ص ٢٣٧.

(٢) الغدير ج ١١ ص ٩٢ عن الترمذي في الشمائل.

(٣) صحيح البخاري ج ١ ص ٦.

(٤) صحيح البخاري ج ٤ ص ٣٧ و ٣٨ ، ودلائل الصدق ج ١ ص ٤١٧ و ٤١٦ ، وصحيح مسلم ج ٨ ص ٢٤ ، والغدير ج ١١ ص ٩١ وج ٨ ص ٢٥٢.

(٥) الآية ٥٨ من سورة الأحزاب.

١٦٤

عليه وآله» جواز لعن من شاء بغير سبب (١).

قال المظفر «رحمه الله» : نعم ربما يلعن بعض المنافقين وفراعنة الأمة ، الذين ينزون على منبره نزو القردة ، لكشف حقائقهم ؛ إذ يعلم بابتلاء الأمة بهم ، كبني أمية الشجرة الملعونة في القرآن. لكن أتباعهم وضعوا الحديث الذي صيروا فيه اللعنة زكاة ، ليعموا على الناس أمرهم ، ويجعلوا لعن النبي «صلى الله عليه وآله» لهم لغوا ، ودعاءه على معاوية بأن لا يشبع الله بطنه باطلا ، فجزاهم الله تعالى عن نبيهم ما يحق بشأنهم (٢).

فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ :

ومما يلفت النظر هنا : أننا نجد النبي «صلى الله عليه وآله» ، مع ما نالته به قريش ، كان يقول ـ وفي تلك اللحظات بالذات ـ : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. وما ذلك إلا لأنه رجل هادف ، وطبيب دوار بطبه ، لا يكرههم ، ولا يعاديهم ، لأنهم عدو ، وإنما هو يكره كفرهم ، وانحرافهم ، وأعمالهم الشاذة ، التي تعود أولا وأخيرا بالدمار عليهم وعلى إخوانهم من بني الإنسان. ولقد كان يذوب حسرة وشفقة عليهم ، حتى عاتبه الله تعالى بقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ)(٣).

نعم ، إن النبي «صلى الله عليه وآله» يرأف بعدوه ، وتذهب نفسه حسرات

__________________

(١) الغدير ج ١١ ص ٩٣ عن الخصائص الكبرى ج ٢ ص ٢٤٤ ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ٣٩٥.

(٢) دلائل الصدق ج ١ ص ٤١٧ ، وراجع الغدير ج ١١ ص ٨٩ ـ ٩٤.

(٣) الآية ٨ من سورة فاطر.

١٦٥

عليه ، ويهتم ويبذل كل غال ونفيس في سبيل إنقاذه.

وليس أشد على الإنسان من أن يعيش قضية شخص ، ويعيش مشكلته ، ويبذل كل ما في وسعه من أجل إنقاذه ، وإذا به يرى ذلك الغير يعاديه ويعلن الحرب عليه ، ويعمل على قتله ، من أجل أن يحتفظ بذلك الانحراف بالذات ، وفي سبيل الإبقاء على تلك المشاكل نفسها.

ومن أجل ذلك احتاج الأنبياء إلى أعظم مراتب الصبر ، كما يظهر من الآيات القرآنية.

وقد أشرنا من قبل إلى أنه في حرب الجمل ، حينما حارب علي «عليه السلام» البغاة ، خرج صائح يحذر جيش عائشة من سيف الأشتر ، وجندب بن زهير (١).

ونرى : أن هذا الصائح إنما فعل ذلك عن رأي علي «عليه السلام» ورضاه ، لأنه يريد إعلاء كلمة الله تعالى بأقل قدر ممكن من الخسائر ؛ لأنه يحب لهم الهداية ، ولا يريد أبدا لهم الضلالة والغواية.

وكان «عليه السلام» ـ كأخيه ـ تذهب نفسه حسرات عليهم ، كما يظهر من كلماته المرة المعبرة عن غصته وآلامه. هذا ، عدا عن أن ذلك من أساليب الحرب النفسية ، التي تعجل في كسر شوكتهم ، وتحطيم كبريائهم.

لم يثبت في أحد غير علي عليه السّلام :

وأما عن الذين ثبتوا يوم أحد ، فنجد الروايات مختلفة جدا ، وتذكر

__________________

(١) لباب الآداب ص ١٨٧ ، والإصابة ج ١ ص ٢٤٨ ، والجمل ص ١٩٤.

١٦٦

أرقاما متعددة من واحد إلى ثلاثين.

والصحيح هو أن عليا «عليه السلام» وحده هو الذي ثبت يوم أحد ، وفر الباقون. ويدل على ذلك :

١ ـ قال القوشجي ، بعد أن ذكر قتل علي «عليه السلام» لأصحاب اللواء : فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فضربوه بالسيوف ، والرماح ، والحجر ، حتى غشي عليه ، فانهزم الناس عنه سوى علي «عليه السلام» ، فنظر النبي «صلى الله عليه وآله» بعد إفاقته ، وقال : اكفني هؤلاء ، فهزمهم علي عنه ، وكان أكثر المقتولين منه (١).

٢ ـ وقد قالوا : كان الفتح يوم أحد بصبر علي (ر ض) (٢).

وقد يقال : إن هذا النص لا يدل على فرارهم ، وإنما هو يدل على عظيم جهاد علي «عليه السلام» وصبره ..

٣ ـ عن ابن عباس ، قال : لعلي أربع خصال ، هو أول عربي وعجمي صلى مع النبي «صلى الله عليه وآله» ، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف ، وهو الذي صبر معه يوم المهراس (أي يوم أحد) ، انهزم الناس كلهم غيره ، وهو الذي غسله وأدخله قبره (٣).

٤ ـ ما سنذكره ـ بعد الحديث عن موقف علي ـ من أن من يذكرونهم :

__________________

(١) شرح التجريد ص ٤٨٦ ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٧ عنه.

(٢) نور الابصار ص ٨٧ ، والإرشاد للمفيد ص ٥١ و ٥٢ ، والبحار ج ٢٠ ص ٦٩ و ٨٦ و ٨٧ و ١١٣ ، والاحتجاج ج ١ ص ١٩٩ و ٢٠٠.

(٣) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١١١ ، ومناقب الخوارزمي ص ٢١ و ٢٢ ، وراجع : إرشاد المفيد ص ٤٨ ، وتيسير المطالب ص ٤٩.

١٦٧

أنهم ثبتوا ؛ لا ريب في فرارهم ، كما تدل عليه النصوص.

وقبل أن نشير إلى هذه الناحية لا بد من إلماحة موجزة إلى ما يمكن أن يقال حول ثبات علي «عليه السلام» في هذا الموقف.

إنه مني وأنا منه :

إن قول النبي «صلى الله عليه وآله» عن علي «عليه السلام» : إنه مني وأنا منه ، لا بد أن نتدبر معناه ومغزاه.

وهو قريب من قوله «صلى الله عليه وآله» : حسين مني وأنا من حسين.

ولعل المراد : أن أمير المؤمنين «عليه السلام» هو من شجرة النبي ، وسائر الناس من شجر شتى ، هذه الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء. وهو «عليه السلام» من طينة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، لحمه لحمه ، ودمه دمه. وهو من النبي «صلى الله عليه وآله» سلوكا ، وعقيدة ، ومبدأ ، ونضالا ، وأدبا ، وخلوصا ، وصفاء ، الخ ..

كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي صنع عليا ، وعلمه ، وثقّفه ، وأدّبه. ومن الجهة الأخرى ، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» أيضا من علي ، حيث إن الوجود الحقيقي للنبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» إنما هو بوجود دينه ، ومبدئه ، وفكره ، وعقيدته ، وسلوكه ، ومواقفه ؛ فهذا النبي هو من علي ، وعلي «عليه السلام» هو الذي سوف يبعثه من جديد من خلال إحيائه لمبادئه ، وفضائله ، وآدابه ، وعلومه ، وغير ذلك.

وهكذا كان ؛ فلولا علي «عليه السلام» لم يبق الإسلام ، ولا حفظ الدين.

حتى إننا نجد أحدهم يصلي خلف علي «عليه السلام» مرة ؛ فيقول : إنه

١٦٨

ذكره بصلاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» (١).

هذه الصلاة التي لم يبق منها إلا الأذان ، وحتى الأذان فإنهم قد غيروه (٢).

ويلاحظ هنا : أنه «صلى الله عليه وآله» قد قدم قوله : (إنه مني) ، تماما كما قدم قوله : «حسين مني» ، لأن صناعة النبي «صلى الله عليه وآله» لهم سابقة على إحيائهم لدينه. فثقافة ، وفكر ، ونفسية ، ودين ، وخصائص ، وآداب النبي «صلى الله عليه وآله» ، لسوف يبعثها علي والحسين «عليهما السلام» ؛ وهكذا العكس.

ومن هنا صح للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يقول : أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة (٣).

كما أنه ليس من البعيد أن يكون جبرئيل قد كان يستفيد ويتعلم من النبي «صلى الله عليه وآله» وعلي «عليه السلام» ، ولأجل ذلك قال : وأنا منكما. وقد ناشدهم أمير المؤمنين بهذه القضية بالذات في قضية الشورى (٤) ، وذلك يؤكد مغزاها العميق ، ومدلولها الهام.

__________________

(١) راجع مصادر ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب.

(٢) راجع مصادر ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب.

(٣) راجع كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج ٢ بحث : الحب في التشريع الإسلامي وبحث آخر في نفس الكتاب حول : الوحدة الإسلامية أسسها ومنطلقاتها.

(٤) البحار ج ٢ ص ٦٩ ، عن الخصال ج ٢ ص ١٢١ و ١٢٤.

١٦٩

لا سيف إلا ذو الفقار :

وإن مناداة جبرئيل ب «لا سيف إلا ذو الفقار الخ ..» لها مغزى عميق أيضا ، فإنها تأتي تماما في مقابل ما فعله الذين فروا وجلسوا يتآمرون ـ هل يرسلون ابن أبي لأبي سفيان ليتوسط لهم عنده؟

أم أن كونهم من قومهم ، وبني عمهم يجعلهم لا شيء عليهم ، أم يرجعون إلى دينهم الأول؟ ـ كما سيأتي ـ فإن كل ذلك يدل على أن الذي كان سيفه خالصا لله حقا هو أمير المؤمنين «عليه السلام» فإنه لا سيف خالصا لله ، وفي سبيل الله ، إلا سيفه ذو الفقار.

وهذا السيف هو الذي قال عنه أمير المؤمنين «عليه السلام» في رسالته إلى بعض عماله ، يتهدده على تلاعبه بأموال الأمة ، مشيرا إلى هذا :

«ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار» (١). لأنه لا يقتل به إلا مستحقها ، ولأجل هذا صار لهذا السيف شرف ومجد ، وتفرد بين سائر السيوف بأنه في يد علي الذي هو نفس النبي «صلى الله عليه وآله».

كما أن أمير المؤمنين «عليه السلام» هو الذي كان الله ورسوله ، وجهاد في سبيله ، أحب إليه من كل شيء حتى من نفسه ؛ وجراحه الكثيرة جدا شاهد صدق على ذلك.

أما غير علي «عليه السلام» ، فقد كانت نفسه ـ بدرجات متفاوتة طبعا ـ أحب إليه من الله ورسوله ، وجهاد في سبيله. ولأجل ذلك تخلى عن كل ذلك ، حينما رأى نفسه تلك في خطر. بل لقد هم بعضهم بأن يتخلى حتى

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ٧٤ بشرح عبده الكتاب رقم ٤١.

١٧٠

عن دينه ، حيث قال : «إرجعوا إلى دينكم الأول»!.

بل نجد البعض يرى : أن عشيرته الكافرة أحب إليه من الله ورسوله ، وجهاد في سبيله ، ومن دينه ؛ فنراه يقول : «نلقي إليهم بأيدينا ، فإنهم قومنا وبنو عمنا» (١).

ويلاحظ : أن أكثر ذلك الكلام قد كان من المهاجرين على وجه العموم!!. كما أن أولئك كلهم لا فتوة لهم ، ولا رجولة عندهم.

وعلي «عليه السلام» وحده هو الفتى ، لأنه يملك نفسه ، ولا تملكه نفسه ، أما هم ، فإن نفوسهم تملكهم ؛ فتهلكهم.

ولعل مما يشير إلى ما ذكرنا : أننا نجد الله تعالى يؤكد في الآيات النازلة في أحد على أنه قد كان ثمة اتجاه إلى امتحان أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» هؤلاء ، وتمحيصهم. ثم هو يبين لهم مدى ارتباطهم بنبيهم الأعظم «صلى الله عليه وآله» ويبين لهم : أن أمر هذا النبي «صلى الله عليه وآله» لا يهمهم ، بل هو إن مات أو قتل انقلبوا على أعقابهم.

ونحن نكتفي هنا بذكر الآيات التالية :

(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش السيرة الحلبية) ج ٢ ص ٣٣ ، وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٢٧ ، والمغازي للواقدي ج ١ ص ٢٨٠ ، وراجع : البحار ج ٢٠ ص ٢٧ وغير ذلك.

١٧١

وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ، وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ..)(١).

وخلاصة الأمر : أننا نجد هؤلاء يفرون هنا ، ولا يثبت إلا علي «عليه السلام» ، ويتركون النبي «صلى الله عليه وآله» عرضة للشدائد والبلايا ، وعلي «عليه السلام» وحده هو الذي يثبت ، ويدفع عن هذا الرسول «صلى الله عليه وآله» ، ويرد عنه ، تماما كما كان «عليه السلام» في بدر يحارب ، ثم يرجع ليتفقد الرسول «صلى الله عليه وآله» كما تقدم.

والدليل على أنهم قد أهمتهم أنفسهم ، ولم يهتموا بحفظ نفس الرسول : أننا نجدهم ـ بعد سنوات ـ لا يعنيهم موت الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» في قليل ولا كثير ، حتى لقد أخرج ابن سعد ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع ، قال : جاء علي بن أبي طالب يوما متقنعا متحازنا ، فقال له أبو بكر : أراك متحازنا.

فقال علي : إنه عناني ما لم يعنك!!.

قال أبو بكر : اسمعوا ما يقول ، أنشدكم الله ، أترون أحدا كان أحزن على رسول الله «صلى الله عليه وآله» مني؟! (٢).

فإن عليا لم يكن يراهم محزونين على النبي «صلى الله عليه وآله» ، ولا مهتمين بأمره ، ولا حتى حين وفاته ، بل لم يكن يعنيهم أمره أصلا ، حتى

__________________

(١) الآيات ١٤٠ ـ ١٤٥ من سورة آل عمران.

(٢) حياة الصحابة ج ٢ ص ٨٤ ، وكنز العمال ج ٧ ص ١٥٩ عن ابن سعد.

١٧٢

اضطر أبو بكر إلى هذا الاستشهاد لإنقاذ موقفه. ولا بد أن يكون قد استشهد من هم على رأيه ، وعلى مثل موقفه ، من المقربين إليه.

بل نجد النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه يلمح للصحابة : أن غيرهم يحبه أكثر منهم.

فقد روي أنه قال : إن قوما يأتون من بعدي ، يود أحدهم أن يفتدي رؤيتي بأهله وماله (١).

بل إننا نجده «صلى الله عليه وآله» يفضل الذين يأتون بعده ولم يروه على أصحابه ، كما يظهر من عدد من الروايات (٢).

الفارون في أحد :

ومما يدل على أنه لم يثبت غير علي «عليه السلام» : أن من تحاول بعض الروايات التأكيد على ثباتهم لا ريب في فرارهم ، فيلاحظ التعمد والإصرار على ثبات طلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وغيرهما. ونكتفي هنا بذكر عبارة الشيخ الطوسي رحمه الله ، حيث قال :

«ذكر البلخي : أن الذين بقوا مع النبي «صلى الله عليه وآله» يوم أحد ، فلم ينهزموا ثلاثة عشر رجلا ، خمسة من المهاجرين : علي «عليه السلام» ، وأبو بكر ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، والباقون

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٦٦ عن البزار ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤١٧ عنه.

(٢) مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٦٦ و ٦٧ عن أبي يعلى والبزار ، وأحمد ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤١٦ و ٤١٧.

١٧٣

من الأنصار. فعلي وطلحة لا خلاف فيهما ، والباقون فيهم خلاف» (١).

وفي نص آخر : «أفرد النبي «صلى الله عليه وآله» في تسعة ، سبعة من الأنصار ورجلين من قريش».

ثم ذكر أن السبعة من الأنصار قد قتلوا أيضا (٢).

ورغم ذلك كله نقول : لا ينبغي الريب في أن عليا «عليه السلام» وحده هو الذي ثبت وفر الباقون جميعا ؛ حتى طلحة وغيره. ولبيان ذلك ، نقول :

فرار سعد :

إن مما يدل على فرار سعد :

١ ـ ما تقدم من أنه لم يثبت سوى علي «عليه السلام».

٢ ـ عن السدي : لم يقف إلا طلحة ، وسهل بن حنيف (٣).

ولعل عدم ذكر علي «عليه السلام» بسبب أن ثباته إجماعي ، لم يرتب فيه أحد.

٣ ـ وعند الواقدي : أنه لم يثبت سوى ثمانية ، وعدهم ، وليس فيهم سعد. أما الباقون ففروا والرسول يدعوهم في أخراهم (٤).

__________________

(١) التبيان ج ٣ ص ٢٥.

(٢) تفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٤١٢ عن أحمد ، وراجع ص ٤١٥ عن دلائل النبوة للبيهقي بنحو آخر.

(٣) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٢٠١ ، ودلائل الصدق ج ٣ ص ٣٥٦ عنه.

(٤) مغازي الواقدي ج ١ وشرح النهج عنه ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٦ عن الأول.

١٧٤

٤ ـ ويعد الإسكافي ، وابن عباس ، وغيرهما من ثبت يوم أحد ، وليس فيهم سعد (١).

٥ ـ وسلمة بن كهيل يقول : لم يثبت غير اثنين ، علي ، وأبو دجانة (٢).

٦ ـ عن سعد ، قال : لما جال الناس عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» تلك الجولة تنحيت ، فقلت : أذود عن نفسي ، فإما أن أستشهد ، وإما أن أنجو.

إلى أن قال : فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : أين كنت اليوم يا سعد؟!

فقلت : حيث رأيت (٣).

فرار طلحة :

ويدل على فراره :

١ ـ جميع ما تقدم في أنه لم يثبت سوى علي «عليه السلام».

٢ ـ ويدل على ذلك أيضا قول سلمة بن كهيل المتقدم.

٣ ـ إنتهى أنس بن النضر إلى عمر بن الخطاب ، وطلحة بن عبيد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يحبسكم؟

قالوا : قتل رسول الله.

فقال : فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا ، فموتوا على مثل ما مات عليه رسول الله «صلى الله عليه وآله».

__________________

(١) راجع شرح النهج ج ١٣ ص ٢٩٣ ، وآخر العثمانية ص ٢٣٩.

(٢) المصدر المتقدم.

(٣) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٢٦ ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٦.

١٧٥

ثم استقبل القوم ، فقاتل حتى قتل (١).

ويروي السدي : أنه خاف هو وعثمان أن يدال عليهم اليهود والنصارى ، فاستأذنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالخروج إلى الشام ليأخذ أحدهما العهد لنفسه من اليهود ، ويأخذه الآخر من النصارى ، فرفض «صلى الله عليه وآله» طلبهما (٢).

فرار أبي بكر :

ويدل على فراره :

١ ـ جميع ما تقدم في ثبات أمير المؤمنين «عليه السلام». وما تقدم في فرار سعد ، ما عدا الحديث الأخير المختص بسعد.

٢ ـ عن عائشة : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ، ثم قال : ذاك كان

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٩ ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٥٦ ، والثقات لابن حبان ج ١ ص ٢٢٨ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٨ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٣٤ عن ابن اسحاق ، وسيرة ابن هشام ج ٣ ص ٨٨ ، والدر المنثور ج ٢ ص ٨١ عن ابن جرير ، وقاموس الرجال ج ٢ ص ١٢٥ ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٦ عن الدر المنثور.

وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٤ ، وحياة الصحابة ج ١ ص ٥٣١ عنه. ولكن قد اقتصر في مغازي الواقدي ج ١ ص ٢٨٠ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢٨٦ على ذكر عمر فقط ، وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٣١٤ ، وسيرة ابن اسحاق ص ٣٣٠ ، والأغاني ج ١٤ ص ١٩.

(٢) نهج الحق ص ٣٠٦ و ٣٠٧ ، وتفسير الخازن ج ١ ص ٤٧١ ، وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٦٨ من دون تصريح بالاسم.

١٧٦

يوم طلحة.

ثم أنشأ يحدث ، قال : كنت أول من فاء يوم أحد ؛ فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فقلت : كن طلحة ، حيث فاتني ما فاتني ، يكون رجلا من قومي (١).

وحسب نص آخر ، عن عائشة ، عن أبيها : لما جال الناس عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم أحد كنت أول من فاء إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فبصرت به من بعد ، فإذا برجل قد اعتنقني من خلفي مثل الطير ، يريد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فإذا هو أبو عبيدة.

قال الحاكم : صحيح الإسناد (٢).

ولكن ما أراده أبو بكر لم يصل إليه ، فإن طلحة كان قد فر أيضا كما فر

__________________

(١) منحة المعبود في تهذيب مسند الطيالسي ج ٢ ص ٩٩ ، وطبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٥٥ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٨ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٣١ ، عن الصفوة ، وابن أبي حاتم ، والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٩ عن الطيالسي ، وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٦٨ و ٢٦٩ عن الطيالسي ، وابن سعد ، وابن السني ، والشاشي ، والبزار ، والدارقطني في الأفراد ، وأبي نعيم في معرفة الصحابة ، والطبراني في الكبير والأوسط ، وابن عساكر ، والضياء في المختارة.

وقد صرح في مقدمة الكنز بصحة ما يعزوه لبعض هؤلاء ، وحياة الصحابة ج ١ ص ٢٧٢ عن ابن سعد وعن الكنز عمن تقدم بإضافة ابن حبان ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٩ عن الكنز أيضا.

(٢) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٢٧ ، وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٩ عن المستدرك ، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١١٢ عن البزار.

١٧٧

هو ، ولكنه فاء إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبله.

ثم إننا لا نستطيع أن نوافق أبا بكر على هذه الروح القبلية التي كانت تستبد به ، وتهيمن على فكره وعقله وروحه ، حتى في هذه اللحظات الحرجة والخطيرة ، حيث يتمنى أن يكون رجلا من قومه!!.

٣ ـ قال الأمير أسامة بن منقذ : لما دون عمر الدواوين ، جاء طلحة بنفر من بني تميم يستفرض لهم. وجاء أنصاري بغلام مصفر سقيم ، فسأل عنه عمر ؛ فأخبر أنه البراء بن أنس بن النضر ، ففرض له في أربعة آلاف ، وفرض لأصحاب طلحة في ستمائة ؛ فاعترض طلحة.

فأجابه عمر : «إني رأيت أبا هذا جاء يوم أحد ، وأنا وأبو بكر قد تحدثنا : أن رسول الله قتل ؛ فقال : يا أبا بكر ، ويا عمر ، ما لي أراكما جالسين؟!

إن كان رسول الله قتل ؛ فإن الله حي لا يموت الخ ..» (١).

٤ ـ قال زيد بن وهب لابن مسعود : وأين كان أبو بكر وعمر؟

قال : كانا ممن تنحى (٢).

٥ ـ قال المظفر رحمه الله ما معناه : إنه كيف يتصور ثبات أبي بكر في ذلك اليوم الهائل ، وحومة الحرب الطاحنة التي لم يسلم فيها حتى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فضلا عن علي «عليه السلام» كيف يتصور ثباته في ظروف كهذه ، وما أصاب وما أصيب ، وكيف يسلم ، وهو قد ثبت ليدفع عن النبي «صلى الله عليه وآله» السيوف ، والرماح والحجارة؟

__________________

(١) لباب الآداب ص ١٧٩ ، وليراجع : حياة محمد لهيكل ص ٢٦٥.

(٢) الإرشاد للشيخ المفيد ص ٥٠ ، والبحار ج ٢٠ ص ٨٤ عنه.

١٧٨

ولا سيما مع ما يزعمه أولياؤه من أنه قرين النبي «صلى الله عليه وآله» في طلب قريش له ، حتى بذلوا في قتله ما بذلوه في قتل النبي «صلى الله عليه وآله» ثم أتراهم ينعون إصبع طلحة ، ولا ينعون جراحة أبي بكر؟! (١).

٦ ـ روى مسلم : أن رسول الله قد أفرد في أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش (٢).

قال الشيخ المظفر : «إن أحد الرجلين علي ، والآخر ليس أبا بكر ؛ إذ لا رواية ، ولا قائل في ثباته ، وفرار سعد أو طلحة» (٣).

هذا وقد ذكر في سحّ السحابة : أن الأنصار قد قتلوا جميعا واحدا بعد واحد (٤).

ولكن رواية أخرى تقول : إنهم سبعة من الأنصار ، ورجل من قريش ، وستأتي الرواية حين الحديث عن عدم ثبات أحد من المهاجرين سوى علي «عليه السلام».

٧ ـ ويرد الإسكافي على الجاحظ بقوله : أما ثباته يوم أحد ؛ فأكثر المؤرخين وأرباب السير ينكرونه (٥).

٨ ـ لقد رووا بسند صحيح ، عن ابن عباس ؛ في قوله : (وَشاوِرْهُمْ فِي

__________________

(١) راجع : دلائل الصدق للشيخ المظفر ج ٢ ص ٣٦٠.

(٢) صحيح مسلم ج ٥ ص ١٧٨ في أول غزوة أحد ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٩ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٤٦ عن سح السحابة.

(٣) دلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٩.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٣٦.

(٥) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٩٣ ، وليراجع آخر العثمانية ص ٣٣٩.

١٧٩

الْأَمْرِ) : أبو بكر وعمر (١).

قال الرازي : «وعندي فيه إشكال ؛ لأن الذين أمر الله رسوله بمشاورتهم ، هم الذين أمره بالعفو عنهم ، ويستغفر لهم ، وهم المنهزمون ؛ فهب أن عمر كان من المنهزمين ؛ فدخل تحت الآية ، إلا أن أبا بكر ما كان منهم ؛ فكيف يدخل تحت هذه الآية» (٢).

وأجابه المظفر بقوله : «إن الإشكال موقوف على تقدير ثبات أبي بكر ، وهو خلاف الحقيقة. هذا ، والآية ظاهرة في الأمر بمشاورتهم للتأليف ، كما يظهر من كثير من أخبارهم ، ومثله الأمر بالعفو عنهم ، والاستغفار لهم» (٣).

فرار عمر :

ويدل على فراره :

١ ـ ما تقدم في ثبات أمير المؤمنين فقط.

٢ ـ ما تقدم في فرار طلحة ، وما جرى بينهم وبين أنس بن النضر.

٣ ـ ما تقدم في فرار أبي بكر ، في حديث فرض عمر لابن أنس بن النضر.

وكذلك ما ذكره ابن مسعود. ثم ما قاله المظفر. ثم ما قاله مسلم ، وعلق

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٧٠ ، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة ، وصححاه على شرط الشيخين ، والدر المنثور ج ٢ ص ٩٠ عن الحاكم ، والبيهقي في سننه ، وابن الكلبي ، والتفسير الكبير للرازي ج ٩ ص ٦٧ عن الواحدي في الوسيط عن عمرو بن دينار ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٩ عمن تقدم.

(٢) تفسير الرازي ج ٩ ص ٦٧.

(٣) دلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٩.

١٨٠