الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-178-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

هزيمة المشركين :

ويقولون : إنه لما قتل أصحاب اللواء ، وانتكست راية المشركين ، صاروا كتائب متفرقة ، وصار أصحاب الثغرة يرمون المشركين ، و «اقتتل الناس قتالا شديدا ، وأمعن في الناس حمزة ، وعلي ، وأبو دجانة في رجال من المسلمين ، وأنزل الله نصره على المسلمين ، وكانت الهزيمة» (١).

وعلى حد تعبير الديار بكري : «وقاتل علي في رجال من المسلمين» (٢). وانهزم المشركون ، واتبعهم المسلمون ، يضعون السيف منهم حيث شاؤوا ، حتى أجهضوهم ، ووقعوا ينتهبون العسكر ، ويأخذون ما فيه من الغنائم.

وقد روى كثير من الصحابة ممن شهد أحدا ، قال كل واحد منهم : والله ، إني لأنظر إلى هند وصواحبها منهزمات ، وما دون أخذهن شيء لمن أراده ، ولكن لا مرد لقضاء الله (٣).

ويذكرون هنا أيضا : أن سعد بن أبي وقاص قتل بطلا آخر ، رماه بسهم ، ثم أخذ يسلبه درعه ، فنهض إليه نفر ، فمنعوه سلبه ، وكان أجود سلب لمشرك درع فضفاضة ، ومغفر ، وسيف جيد ، يقول سعد : «ولكن حيل بيني وبينه».

ويذكرون كذلك : أن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، قد قتل أحد

__________________

(١) الكامل لابن الاثير ج ١ ص ١٥٣.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٢٧.

(٣) مغازي الواقدي ج ١ ص ٢٢٩ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢٣٩ عنه ، ومجمع البيان ج ٢ ص ٥١٣ ، وغير ذلك كثير.

١٤١

فرسان المشركين ؛ فنذرت أم المقتول : أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر ، وجعلت لمن جاءها به مئة من الإبل ؛ فلما قتل يوم الرجيع ، وأرادوا أن يأخذوا لها رأسه حمته الدبر ـ أي جماعة النحل والزنابير ـ وثمة تفصيلات أخرى تقال هنا لا مجال لتتبعها.

وسنتكلم عن قضية حماية الزنابير لرأس عاصم في الجزء التالي من هذا الكتاب إن شاء الله.

ونحن نشير هنا إلى ما يلي :

ألف : لماذا لم يسب من نساء قريش أحد؟!

ومع أن الفرصة كانت متاحة لسبي نساء قريش في أحد ، ولكن لم يسب أحد منهن.

بل نجد : أنه لم يسب لقريش أحد طيلة حروبها مع المسلمين في مدة عشر سنين. وهذا في الحقيقة لطف إلهي ، ونعمة عظيمة على الإسلام وعلى المسلمين ، وذلك :

أولا : لأن سبي نساء قريش لسوف يوقع بعض المسلمين من المهاجرين في حرج نفسي واجتماعي ، ربما تكون له آثار سيئة على موقعه في الإسلام والمسلمين. بل ربما يوجب ذلك حرجا لبعض المسلمين من الأنصار من أهل المدينة أنفسهم ، لأن العلاقات النسبية عن طريق التزويج كانت موجودة بين مكة والمدينة.

حتى إن بعض قتلى اللواء في أحد كانت أمهم أوسية.

ثم إن ذلك سوف يؤثر على موقف كثير من المكيين من الإسلام ،

١٤٢

رفضا أو قبولا ؛ فإن دخولهم على مجتمع قد عاملهم هذه المعاملة القاسية ، في أكثر القضايا حساسية ، عاطفيا ، واجتماعيا ، «بل ربما توجب لهم ـ على حد فهمهم وزعمهم ـ عار الدهر» سوف يكون صعبا جدا ، ولا سيما إذا كان لا بد أن يطلب منهم : التعامل مع هذا المجتمع بروح الصفاء ، والمحبة والأخوة. وأنى يمكنهم ذلك بعد الذي كان؟

ثانيا : إنه إذا كان لم يسب لقريش أحد ، ولم تستطع أن تنسى ثارات بدر ، وأحد ، وسائر المعارك. حتى إن حرب صفين ـ كما قالت أم الخير بنت الحريش ـ كانت لإحن بدرية ، وأحقاد جاهلية ، وضغائن أحدية ، وثب بها معاوية حين الغفلة ؛ ليدرك ثارات بني عبد شمس (١).

بل إن مجزرة كربلاء ، وفاجعة قتل الإمام الحسين «عليه السلام» وأهل بيته وأصحابه ، كانت لها دوافع بدرية ، وإحن أحدية أيضا ، فقد قال اللعين يزيد بن معاوية :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من أشياخهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

ولما وصل رأس الحسين «عليه السلام» إلى المدينة رمى مروان بالرأس

__________________

(١) العقد الفريد (ط دار الكتاب) ج ٢ ص ١١٥ ، وصبح الأعشى ج ١ ص ٢٩٧ ، وبلاغات النساء ص ٥٧ ، وفي الغدير ج ٩ ص ٣٧١ ، ونهاية الأرب ج ٧ ص ٢٤١.

١٤٣

نحو قبر النبي «صلى الله عليه وآله» ، وقال : يا محمد يوم بيوم بدر (١).

وقيل : إن الذي قال هذا هو الأشدق ، كما في مثالب أبي عبيدة (٢).

هذا كله .. عدا عن واقعة الحرة ، وسائر المواقف العدائية لقريش تجاه أهل البيت «عليهم السلام» ، وأصحابهم ، وشيعتهم. فلو أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان قد سبى أحدا من قريش ؛ فما هي الحالة التي يمكن تصورها لزينب ، وسبايا كربلاء؟! اللواتي تجر عن الغصص ، وواجهن أفظع المصائب والبلايا ، على يد يزيد الغادر الأثيم ، وأعوانه ، أعوان الشيطان؟!

ومع ذلك نجدهم يقولون : إنه إمام مجتهد ، أو إنه كان مجتهدا متأولا مخطئا (٣).

مع أنهم يقولون بالتصويب في الاجتهاد. وهل ليزيد حظ من العلم ، فضلا عن نيل شرف الاجتهاد؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون!!.

ب : مقارنة :

قال المعتزلي : «قلت : شتان بين علي وسعد ، هذا يجاحش (٤) على السلب ، ويتأسف على فواته ، وذاك يقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق ، وهو فارس

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم ج ٤ ص ٧١ ، ٧٢ عن الاسكافي.

(٢) راجع : الغدير ج ١٠ ص ٢٦٤.

(٣) الفصل لابن حزم ج ٤ ص ٨٩ ، وتاريخ ابن كثير ٧ و ٢٧٩ و ٨ و ٢٢٣ وج ١٣ ص ٩ ، والغدير ٩ و ٩٣ و ٣٩٤ عنهم. والعواصم من القواصم. وكذا قالوا في ابن ملجم أيضا كما ذكره في الغدير عنهم أيضا ، فراجع الصفحات المشار إليها.

(٤) جاحش : دافع وقاتل.

١٤٤

قريش ، وصنديدها ، ومبارزه ؛ فيعرض عن سلبه ؛ فيقال له : كيف تركت سلبه ، وهو أنفس سلب؟!

فيقول : كرهت أن أبز السبي ثيابه.

فكأن حبيبا [يعني أبا تمام الطائي رحمه الله] عناه بقوله :

إن الأسود أسود الغاب همتها

يوم الكريهة في المسلوب لا السلب (١)

الهزيمة بعد النصر :

ويقولون : لما رأى أصحاب الثغرة المشركين قد انهزموا ، وأن المسلمين يغنمون ، اختلفوا ، فبعضهم ترك الثغرة للغنيمة.

وفي معالم التنزيل : إنهم قالوا : نخشى أن يقول رسول الله «صلى الله عليه وآله» : من أخذ شيئا فهو له ، ولا يقسم الغنائم ـ كما لم يقسمها يوم بدر (٢).

وقال بعضهم : وكانوا فوق العشرة ، أو دونها ـ : لا نخالف أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله». ولما سأل رسول الله «صلى الله عليه وآله» التاركين لمراكزهم عن سبب ذلك ، قالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا ، قال «صلى الله عليه وآله» : بل ظننتم : أنا نغل ؛ فلا نقسم لكم. فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢٣٧.

(٢) الظاهر : أن هذه جملة اعتراضية ، زادها الرواة تبرعا ، وإلا فقد تقدم : أنه «صلى الله عليه وآله» قد قسم الغنائم في بدر ، بل لقد ادعوا ـ وإن كان ذلك كذبا ـ : أنه «صلى الله عليه وآله» قد أسهم لمن لم يكن قد حضرها ، فكيف بغيره؟ فراجع.

١٤٥

لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَ)(١) الآية.

وقال بعضهم : وأنزل الله : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(٢).

فلما رأى خالد قلة من على الثغرة ، وخلاء الجبل ، واشتغال المسلمين بالغنيمة ، ورأى ظهورهم خالية ، صاح في خيله ، فمر بهم ، وتبعه عكرمة في جماعة ؛ فحملوا على من بقي في الثغرة ؛ فقتلوهم جميعا ، ثم حملوا على المسلمين من خلفهم. ورأت قريش المنهزمة عودة رجالها للحرب ، ورفعت الحارثية لواءهم الذي كان ملقى على الأرض ؛ فعادوا إلى الحرب من جديد.

وإذا كان المسلمون قد تفرقوا ، وانتقضت صفوفهم ، ولم يعودوا صفا واحدا كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضا ، وفقدوا الارتباط بقيادتهم الحكيمة ، وهم في طلب المغنم ، فمن الطبيعي أن لا يتمكنوا من مقاومة هذه الحملة الضارية ، وأن يضيعوا بين أعدائهم ، فكان هم كل واحد منهم أن ينجو بنفسه فقد «أهمتهم أنفسهم» على حد تعبير القرآن الكريم. لا سيما وأن أحد المشركين قد قصد مصعب بن عمير وهو يذب عن رسول الله ، فظن أنه الرسول فقتله ، فيقال : إن اللواء كان معه ، فأخذه أبو الروم.

ويقال : بل أخذه ملك في صورة مصعب.

والذي عليه المحققون : أن النبي «صلى الله عليه وآله» أعطاه عليا «عليه السلام» ، وقد قدمنا أن الظاهر : هو أن هذا اللواء خاص ، وليس هو لواء

__________________

(١) الآية ١٦١ من سورة آل عمران.

(٢) الآية ١٥٢ من سورة آل عمران.

١٤٦

الجيش ، الذي كان مع علي «عليه السلام».

ونادى قاتل مصعب ـ أو غيره ـ : أن محمدا قد قتل ؛ فازداد المشركون جرأة ، وهزم المسلمون الذين لم يستطيعوا جمع شملهم ، ولم شعثهم. وثبت علي «عليه السلام» وحده معه «صلى الله عليه وآله» ، يدافع عنه.

وخلص العدو إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وكلمت شفته ، وشج في وجهه ، ونشبت حلقتان من الدرع في وجهه الشريف ، ودث بالحجارة ، حتى وقع لشقه. كذا يقولون.

ويقولون أيضا : إن أبا عبيدة هو الذي انتزع حلقتي الدرع من وجهه الشريف فسقطت ثنيتاه ، فكان أحسن الناس هتما.

وقيل : بل انتزعهما أبو بكر.

وقيل : طلحة.

وقيل : عقبة بن وهب (١).

ولا بد أن يكون انتزاعهما بعد عودة المسلمين من هزيمتهم ، كما سنرى. كما أن الذي كسر رباعيته «صلى الله عليه وآله» لم يولد له ولد ، إلا وابتلي بالهتم ، كما يقال.

تصحيح وتوضيح :

وقد تصدى الإمام الصادق «عليه السلام» لتصحيح بعض ما كان

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣٥ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٢٤٧ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ٣٣ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٣١. وليلاحظ مدى الاختلاف في هذا!!.

١٤٧

يشاع حول أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد ترك موضعه وتراجع حتى بلغ الغار الذي في جبل أحد ، فأوضح «عليه السلام» أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يتزحزح من موقفه ولم يتراجع قيد شعرة.

كما أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن قد نقص من خلقته شيء ، ولم تكسر رباعيته ، فقد روي عن الإمام الصادق «عليه السلام» : أنه قد رد ذلك ، فقد قال له الصباح بن سيابة : «كسرت رباعيته كما يقول هؤلاء؟!.

قال : لا والله ، ما قبضه الله إلا سليما ، ولكنه شج في وجهه.

قلت : فالغار في أحد الذي يزعمون : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» صار إليه؟!.

قال : والله ، ما برح مكانه.

وقيل له : ألا تدعو عليهم؟

قال : اللهم اهد قومي الخ ..» (١).

ولعلهم أرادوا بذلك أن يثبتوا الهزيمة للنبي ليخف العار عن المنهزمين الذين يحبونهم.

الرسول صلّى الله عليه وآله يدعوهم في أخراهم :

وحين هزم المسلمون ، جعل الرسول «صلى الله عليه وآله» يدعوهم في أخراهم : إلي عباد الله ، إلي عباد الله ، إلي يا فلان ، إلي يا فلان ، وهم يصعدون ولا يلوون ، ولا يعرج عليه أحد ، والنبل يأتي إليه من كل ناحية.

__________________

(١) البحار ج ٢٠ ص ٩٦ ، وإعلام الورى ص ٨٣.

١٤٨

واستمروا في هزيمتهم حتى الجبل ، وفيهم : أبو بكر ، وعمر ، وطلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وغيرهم. أما عثمان فقد استمر في هزيمته ثلاثة أيام ، وستأتي نصوص ذلك كله بعد صفحات إن شاء الله تعالى.

علي عليه السّلام وكتائب المشركين :

وحين انهزم الناس غضب «صلى الله عليه وآله» ، ونظر إلى جنبه ، فإذا علي «عليه السلام» ؛ فقال : ما لك لم تلحق ببني أبيك؟!

فقال «عليه السلام» : يا رسول الله ، أكفر بعد إيمان؟! إن لي بك أسوة (١).

ويقول النص التاريخي : كان الذي قتل أصحاب اللواء علي ، قاله أبو رافع. وصارت تحمل كتائب المشركين على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فيقول : يا علي ، اكفني هذه ؛ فيحمل عليهم ، فيفرقهم ، ويقتل فيهم.

حتى قصدته كتيبة من بني كنانة ، فيها بنو سفيان بن عويف الأربعة فقال له «صلى الله عليه وآله» : اكفني هذه الكتيبة ، فيحمل عليها ، وإنها لتقارب خمسين فارسا ، وهو «عليه السلام» راجل ، فما زال يضربها بالسيف حتى تتفرق عنه ثم تجتمع عليه هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة وتمام العشرة منها ، ممن لا يعرف بأسمائهم فقال جبريل «عليه السلام» : يا محمد ، إن هذه المواساة ، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى!

فقال «صلى الله عليه وآله» : وما يمنعه ، وهو مني وأنا منه؟!

فقال جبريل : وأنا منكما. ثم سمع مناد من السماء :

__________________

(١) البحار ج ٢٠ ص ٩٥ و ١٠٧ عن إعلام الورى ، وروضة الكافي ص ١١٠.

١٤٩

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي

فسئل «صلى الله عليه وآله» عنه ؛ فقال : هذا جبريل (١).

قال المعتزلي : «.. قلت : وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين ، وهو من الأخبار المشهورة ، ووقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق ،

__________________

(١) النص المتقدم في أكثره للمعتزلي في شرح النهج ج ١٤ ص ٢٥٠ و ٢٥١ عن الزاهد اللغوي غلام ثعلب ، وعن محمد بن حبيب في أماليه ، وراجع ج ١٣ ص ٢٩٣ ، وراجع الرواية في الأغاني (ط ساسي) ج ١٤ ص ١٨ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٧ ، والكامل لابن الاثير ج ٢ ص ١٥٤ ، وفرائد السمطين ، الباب الخمسون ج ١ ص ٢٥٧ ، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١١٤ و ١٢٢ عن البزار وعن الطبراني ، وكنز العمال ج ١٥ ص ١٢٦ ، والبداية والنهاية ج ٦ ص ٥ ، واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٦٥ ، وتفسير القمي ج ١ ص ١١٦ ، والبحار ج ٢٠ ص ٥٤ و ٩٥ و ١٠٥ و ١٠٧ و ١٠٢ عن القمي ، وعلل الشرايع ص ٧ باب ٧ ، والإرشاد ص ٤٦ ، واعلام الورى وتفسير فرات ص ٢٤ و ٢٦ ، وروضة الكافي ص ١١٠ ، وعيون أخبار الرضا ج ١ ، وحياة الصحابة ج ١ ص ٥٥٩ ، وربيع الأبرار ج ١ ص ٨٣٣ ، ومناقب الخوارزمي ص ١٠٣ ، إلا أن فيه : أن ذلك كان في بدر. والغدير ج ٢ ص ٥٩ ـ ٦١ عن العديد من المصادر ، وسيرة ابن هشام ج ٢ ص ١٠٦ ، وتاريخ ابن عساكر ترجمة علي «عليه السلام» بتحقيق المحمودي ج ١ ص ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٠ ، وفي هامشه عن الفضائل لاحمد بن حنبل ، الحديث رقم ٢٤١ ، والمعجم الكبير للطبراني ج ١ ص ٣١٨ ، وغاية المرام ص ٤٥٧ ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ١ ص ٣٤٣ ، والرياض النضرة المجلد الثاني ج ٣ ص ١٣١ ، وعن علي بن سلطان في مرقاته ج ٥ ص ٥٦٨ عن أحمد في المناقب.

١٥٠

ورأيت بعضها خاليا منها ، وسألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة رحمه الله عن هذا الخبر ، فقال : هذا الخبر صحيح الخ ..» (١).

وبعد أن صد أمير المؤمنين «عليه السلام» تلك الكتائب لم يعد منهم أحد (٢).

وأصيب أمير المؤمنين بجراح كثيرة ، قال أنس بن مالك : أتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعلي «عليه السلام» يومئذ وفيه نيف وستون جراحة ، من طعنة ، وضربة ، ورمية. فجعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» يمسحها وهي تلتئم بإذن الله تعالى كأن لم تكن (٣).

وقبل أن نتابع حديثنا نسجل ما يلي :

ألف : استشهاد حمزة رضوان الله عليه :

وبعد قتل أصحاب الألوية ، واشتداد الحرب ، قال وحشي : والله ، إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس هدا ، بسيف ما يبقي شيئا ، مثل الجمل الأورق. فاختبأ وحشي خلف شجرة ، أو حجر ، ورصد حمزة حتى مر عليه ، بعد قتله سباع بن عرفطة بن عبد العزى ، وقبله أبا نيار ، فأتاه من ورائه (٤) فدفع عليه حربته ، فأصابت ثنته .. فأقبل حمزة نحوه ، فغلب ، فوقع ؛ فلما مات جاءه

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢٥١.

(٢) الإرشاد للشيخ المفيد ص ٥٣ ، والبحار ج ٢٠ ص ٨٨.

(٣) البحار ج ٢٠ ص ٢٣ ، ومجمع البيان ج ٢ ص ٥٠٩.

(٤) البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢٠١.

١٥١

وحشي ، وأخذ حربته ، وشغل المسلمون عن وحشي بهزيمتهم (١).

ورجع وحشي إلى العسكر ، ومكث فيه ، ولم يكن له بغيره حاجة. وأعطته هند ثوبها وحليها ، ووعدته عشرة دنانير بمكة.

نعم ، عشرة دنانير لقاتل أسد الله وأسد رسوله!!.

استطراد حول وحشي :

ولما عاد وحشي إلى مكة أعتق.

ويقال : إنه ندم على ما فعل ، لأنه لم يعتق (٢).

فلما كان فتح مكة هرب إلى الطائف ؛ فقيل له : «ويحك ، إنه والله لا يقتل أحدا من الناس دخل دينه» فذهب مع الوفد إلى المدينة. وقبل أن يقع نظر النبي «صلى الله عليه وآله» عليه شهد شهادة الحق.

فلما رآه النبي «يقال : إنه طلب منه : أن يحدثه كيف قتل حمزة ، ففعل» وقال له «صلى الله عليه وآله» : غيب وجهك عني ، فكان يتنكبه حيث كان ؛ لئلا يراه حتى قبضه الله (٣).

قال ابن اسحاق : فبلغني : أن وحشيا لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان.

__________________

(١) إرشاد المفيد ص ٥٠ ، والبحار ج ٢٠ ص ٨٤.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٤ ، والطبري ج ٢ ص ١٩٥.

(٣) راجع في ذلك : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٢٦ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٩ ، وحياة الصحابة ج ١ ص ٥٧٢ ، والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨ عن ابن اسحاق.

وقال في آخره : وأخرجه البخاري ، عن جعفر بن عمر.

١٥٢

فكان عمر بن الخطاب يقول : قد علمت : أن الله لم يكن ليدع قاتل حمزة. ثم مات غريقا في الخمر (١).

ونعلق على ما تقدم بأمور :

الأول : قد يقال : إن كلمة عمر في حق وحشي تشير إلى أن الله تعالى سوف يخذل قاتل حمزة ، ولا يمده بالتوفيقات والعنايات والألطاف ؛ بل يطبع على قلبه بما عصى واعتدى.

ولكن الحقيقة هي خلاف هذا التوجيه ، فإن عمر ـ على ما يظهر ـ كان يذهب إلى أبعد من ذلك ، فهو يقول : إن الله سوف لا يدع قاتل حمزة ، بل سوف يلاحقه في كل مكان لينتقم منه بصورة مباشرة ، وسوف لا يدعه وشأنه ، ولن يفسح له المجال لإصلاح نفسه ، ولعمل الخير ، وملازمة التقوى.

إذا ، فشرب وحشي للخمر هو نتيجة لهذا التصميم الإلهي على الانتقام من هذا الرجل.

ومعنى ذلك : هو أن شربه للخمر كان من فعل الله سبحانه ، ووحشي كان مجبورا على ذلك.

نقول هذا : لأن لدينا الكثير من الدلائل والشواهد على أن عمر كان لا يزال يعتقد بالجبر الإلهي ، وأن جهود النبي «صلى الله عليه وآله» لم تفلح في قلع هذه الرواسب من نفسه ، ونفوس الكثيرين ممن كانوا قد عاشوا في الجاهلية ، وتربوا على مفاهيمها وأفكارها.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٩ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٢٦ ، واسعاف الراغبين ، بهامش نور الابصار ص ٨٦.

١٥٣

وقد ذكرنا طائفة من النصوص والمصادر لهذا الموضوع في كتابنا : «أهل البيت في آية التطهير» ، أواخر الفصل الخامس من القسم الأول.

والذي نعتقده وهدانا إليه القرآن والإسلام والعقل ، هو أن الله تعالى لم يكن ليجبر عباده على شيء ، وإنما هم يعصون ويطيعون بملء اختيارهم. ولسنا هنا بصدد تحقيق ذلك.

الثاني : إن وحشيا قد أسلم ، لأن من عادة النبي «صلى الله عليه وآله» أن لا يقتل أصحابه ، كما أنه لما طلب عمر من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يقتل ابن أبي المنافق ، أجابه «صلى الله عليه وآله» : دعه ، لا يتحدث الناس : أن محمدا يقتل أصحابه (١).

ولما رجعوا من أحد إلى المدينة ، وأرجف بهم المنافقون ، وأظهروا الشماتة ، طلب عمر بن الخطاب من النبي «صلى الله عليه وآله» : أن يأمره بقتلهم ، فرفض «صلى الله عليه وآله» ذلك ؛ لأنه مأمور أن لا يقتل من يتشهد الشهادتين (٢).

وحين كان «صلى الله عليه وآله» يقسم مالا ، اعترض عليه أحدهم بأنه لا يعدل ، فغضب «صلى الله عليه وآله» حتى احمرت وجنتاه ، فقال : ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل؟!.

فقال أصحابه : ألا تضرب عنقه؟.

__________________

(١) المصنف ج ٩ ص ٤٦٩ عن ابن المديني ، والحميدي عن ابن عيينة ، وأخرجه مسلم. وصحيح البخاري (ط سنة ١٣٠٩) ج ٣ ص ١٣٢ ، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٣١.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥٦ ولهذا نظائر أيضا لا مجال لتتبعها ستأتي في أواخر هذا الجزء ، أو آخر فصل بعدما هبت الرياح.

١٥٤

فقال : لا أريد أن يسمع المشركون أني أقتل أصحابي (١).

وقد قال «صلى الله عليه وآله» ذلك أيضا حين أراد عبد الله بن عبد الله بن أبي أن يقتل أباه فراجع (٢).

نعم ، وهذه هي الخطة الحكيمة والصحيحة ، لأن قتله لأصحابه ، معناه :

١ ـ أن لا يرغب أحد بعد في الدخول في الإسلام لأنه لا يرى فيه عصمة لنفسه ، ولا يطمئن لمستقبله ووجوده. كما أن من دخل فيه يجد نفسه مضطرا للتخلي عنه ، واختيار طريق الردة ، فيما لو صدر منهم أي عمل سيئ أحيانا له مساس بالحالة العامة ، أو بشخص النبي «صلى الله عليه وآله» دون ما يقع في نطاق التعدي على حقوق الآخرين وحرماتهم.

٢ ـ أن يفسح المجال أمام أعداء الإسلام للقيام بحملة دعائية ضده ، ومنع الناس من التعرف عليه والاهتداء بهديه ، حيث يطعن أعداؤه عليه بأنه «صلى الله عليه وآله» كسائر الملوك الذين يستفيدون من الناس حتى يحققوا أهدافهم ، ثم يقتلون من ناصرهم على الظن والتهمة.

٣ ـ إن ذلك ربما يدفع ضعفاء النفوس ممن أظهروا الإسلام إلى التخلي عنه ، ابتعادا بأنفسهم عن مواطن الخطر بزعمهم.

٤ ـ أضف إلى ما تقدم : أن ذلك منه «صلى الله عليه وآله» لربما يتخذ

__________________

(١) كنز العمال ج ١١ ص ٢٩٥ عن ابن جرير ، والبداية والنهاية ج ٧ ص ٢٩٧ و ٢٩٨ عن أحمد ، ومسلم ، والنسائي.

(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٥ عن عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وسعيد بن منصور ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل.

١٥٥

من قبل حكام الجور والانحراف ذريعة لقتل الأبرياء ، والتخلص من خصومهم السياسيين ، ثم يحتجون بأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد فعل ذلك.

٥ ـ كما أنه لا يبقى مجال للتعصبات القبلية ، التي ربما تؤدي إلى خروج قبيلة بكاملها من الإسلام. ولعله لأجل ذلك نجد أبا سفيان لا يثأر لأبي أزيهر الدوسي ، وكان في جواره ، ومنع ولده من ذلك أيضا ، وقال له : «أتريد أن تفرق بين قريش ؛ فيقوى علينا محمد؟ لعمري ما بدوس عجز عن طلب ثأرهم» (١).

٦ ـ هذا كله ، عدا عن أنه «صلى الله عليه وآله» لو فعل ذلك ، لخسر أبناء المقتولين ، وإخوانهم ، وكثيرا من عشائرهم ، وأصبحت علاقاتهم به لا تقوم على أساس الحب ، بل على أساس الخوف من سلطانه ، الأمر الذي سوف يدفع الكثيرين منهم للبحث عن منافذ للفرار ، والتخلص من هيمنة رجل قتل أحباءهم بالأمس ، ولربما تصل النوبة إليهم اليوم أو غدا.

الثالث : إن موقف الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» من وحشي ، وقوله له : غيب وجهك عني ، إن دل على شيء ؛ فإنما يدل على أن وحشيا لم يكن مسلما حقا ؛ إذ لا يمكن أن يقول النبي «صلى الله عليه وآله» ذلك لمسلم مؤمن ؛ بسبب ما كان قد ارتكبه حين كفره ، فإن الإسلام يجب ما قبله. وعليه فإن التشهد بالشهادتين ، وإن حقن دم وحشي ، إلا أنه إنما أسلم حينما رأى البأس ، بعد أن أهدر النبي «صلى الله عليه وآله» دمه. فإسلامه وإيمانه لا ينفعه ؛ لأنه في الحقيقة لم يكن مستندا إلى الاختيار ، ولا إلى القناعة

__________________

(١) نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٣٢٣.

١٥٦

الوجدانية والعقلية بهذا الدين.

وأعتقد : أنه لولا شبهة : أن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما قتل مسلما ، وما سوف يوجب ذلك من تبلبل في الأفكار ، ومن ضرر على الإسلام ؛ لكان للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يقتله. وإن أعماله الشنيعة والقبيحة ، وسيرته الخبيثة بعد ذلك لتدل دلالة واضحة على أنه لم يسلم ، وإنما استسلم ، تماما كما كان الحال بالنسبة لطلقاء مكة ، أبي سفيان وأصحابه.

ب : هل يدعو النبي صلّى الله عليه وآله على قومه؟! :

وقد رووا عن أنس : أن النبي «صلى الله عليه وآله» جعل يمسح الدم عن وجهه ، ويقول : «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ، وهو يدعوهم إلى ربهم ، فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ)(١)» (٢).

__________________

(١) الآية ١٢٧ من سورة آل عمران.

(٢) راجع الجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٢٢٧ ، وفتح الباري ج ٨ ص ١٧١ وج ٧ ص ٢٨١ ، وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٦ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٢٩ عن ابن اسحاق ، والترمذي ، والنسائي ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ٤ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٢٤٥ ، ومجمع البيان ج ٢ ص ٥٠١ ، والبحار ج ٢٠ ص ٢١ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣٤ ، والدر المنثور ج ٢ ص ٧٠ و ٧١ عن : ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وابن جرير ، والنسائي ، وابن المنذر ، والنحاس في ناسخه ، وابن أبي حاتم ، وعبد الرزاق ، والبيهقي في الدلائل ، ونصب الراية ج ٢ ص ١٢٩.

١٥٧

وقيل : إنه «صلى الله عليه وآله» جعل يلعن أبا سفيان ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، والحرث بن هشام ـ وأضافت بعض الروايات : عمرو بن العاص ـ فنزلت الآية ، فتيب عليهم كلهم (١).

وقيل : إنه «صلى الله عليه وآله» همّ أن يدعو عليهم ، فنهاه الله تعالى بهذه الآية ؛ لعلمه بأن فيهم من يؤمن ، فكف عن الدعاء عليهم (٢).

ونحن نشك في صحة ما تقدم ، وذلك لما يلي :

١ ـ تناقض الروايات المتقدمة.

٢ ـ إنهم يقولون : «إن سبب نزول الآية هو : أنه «صلى الله عليه وآله» كان يقنت في صلاته بعد الركوع ، ويدعو على مضر ، وفي صلاة الفجر يدعو على بعض الأحياء العربية ، فنزل قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)(٣)» (٤).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣٤ ، والدر المنثور ج ٢ ص ٧١ عن : أحمد ، والبخاري ، والترمذي ، والبيهقي في الدلائل ، وابن جرير ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٦ ، وراجع ج ٤ ص ١٧١ و ٧٤ وج ٢ ص ٧٣ ، وفتح الباري ج ٨ ص ١٧٠ ، ونصب الراية ج ٢ ص ١٢٧ و ١٢٩ ، ونيل الاوطار ج ٢ ص ٣٩٨ ، وراجع : سنن البيهقي ج ٢ ص ٢٠٧ و ٢٠٨ ، والجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٢٢٧ و ٢٢٨ ، ومسند أحمد ج ٢ ص ٩٣.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣٤ و ٢٤١ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٢٩ ، والدر المنثور ج ٢ ص ٧١ عن ابن جرير.

(٣) الآية ١٢٨ من سورة آل عمران.

(٤) الدر المنثور ج ٢ ص ٧١ عن البخاري ومسلم ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس في ناسخه ، والبيهقي في سننه ، ومجمع البيان ج ٢ ص ٥٠١ ، والبحار ج ٢٠ ص ٢١ عنه.

١٥٨

وسيأتي ذلك في الجزء الآتي صفحة ٣٢٩ من هذا الكتاب في فصل القنوت والدعاء على القبائل.

وفي نص آخر : أنه «صلى الله عليه وآله» كان يلعن فلانا وفلانا من المنافقين ، فأنزل الله سبحانه الآية (١).

وفي أخرى : أن الآية قد نزلت ، حينما أساء رجل من قريش الأدب مع النبي «صلى الله عليه وآله» ، حيث كشف عن أسته بحضرته ، فدعا عليه «صلى الله عليه وآله» ثم أسلم ، فحسن إسلامه (٢).

٣ ـ إنهم يقولون : إنه «صلى الله عليه وآله» قد قال حين شج في وجهه : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون (٣).

٤ ـ وأخيرا لو كانت الآية المباركة المذكورة نازلة ردا على النبي «صلى الله عليه وآله» ، لم يبق ثمة مناسبة بينها وبين الآية التي قبلها.

ولم يمكن تفسير هذه الآية تفسيرا معقولا ومقبولا ، وخصوصا قوله

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٧١ عن النحاس في ناسخه ، وعبد بن حميد والمحلى ج ٤ ص ١٤٤ ، وسنن البيهقي ج ٢ ص ٩٨ و ٢٠٧ ، والمنتقى ج ١ ص ٥٠٣ ، وليس فيه عبارة : (ناسا من المنافقين) وراجع : سنن النسائي ج ٢ ص ٢٠٣ ، وصحيح البخاري ج ٣ ص ٧٤ وج ٤ ص ١٧١ ، والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج ٥ ص ٣٢٥ و ٣٢٦ ، ومسند أحمد ج ٢ ص ١٤٧ و ٩٣ ، وعن شرح معاني الآثار ج ١ ص ٢٤٢.

(٢) الدر المنثور ج ٢ ص ٧١ عن ابن اسحاق ، والنحاس في ناسخه.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٣٢ عن ابن عائذ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥٦ ، ومجمع البيان ج ٢ ص ٥٠١ ، والبحار ج ٢٠ ص ٢١ و ٩٦ عنه ، وعن إعلام الورى.

١٥٩

تعالى : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) ، فإنه عطف على الآية قبلها ، والآيتان هما :

(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ ، لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ ، وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ)(١).

والمعنى : أن نصر الله لكم ببدر ، وإمداده لكم بالملائكة ، وغير ذلك من أمور ، إنما هو ليقطع الله منهم طرفا ، ويقلل عدتهم بالقتل والأسر ، أو ليخزيهم ويغيظهم ، أو ليتوب عليهم ، أو ليعذبهم.

فأما القطع والكبت ؛ فلأن الأمر إليه (أي إلى الله) لا لك يا محمد ، لتمدح أو تذم ، وقد ذكر هذا بنحو الجملة الاعتراضية بين الأقسام المتقدمة.

وأما التوبة والعذاب ؛ فلأن الله هو المالك لكل شيء ؛ فيغفر لمن يشاء ، ويعذب من يشاء (٢).

فلا ربط للآية إذا بالكلام المنسوب إلى النبي «صلى الله عليه وآله». ولو كان الكلام منفصلا عما قبله كما تقتضيه الروايات المتقدمة ، لورد سؤال : إن قوله : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) معطوف على ماذا؟! (٣).

هذا ، ويجب أن لا ننسى أن ثمة يدا تحاول أن تثبت الإيمان للأربعة المتقدم ذكرهم ، وهم : أبو سفيان ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، والحرث بن هشام ـ ولغيرهم من أعوانهم ـ ممن صارت السلطة فيما بعد إلى

__________________

(١) الآيات ١٢٧ ـ ١٢٩ من سورة آل عمران.

(٢) راجع تفسير الميزان ج ٤ ص ٩.

(٣) راجع توضيح هذه الآية في الجزء الثامن صفحة ٣٢٩ من هذا الكتاب ، في فصل القنوت والدعاء على القبائل.

١٦٠