الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-178-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

والناس حوله في المدينة ، وقف عليه ، وقال : يا هذا ، على ما تشتم علي بن أبي طالب؟

ألم يكن أول من أسلم؟

ألم يكن أول من صلى مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟

ألم يكن أزهد الناس؟

ألم يكن أعلم الناس؟

وذكر حتى قال : ألم يكن صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» في غزواته؟ (١).

وظاهر كلامه هذا : أن ذلك كان من مختصاته صلوات الله وسلامه عليه.

٧ ـ عن مقسم : أن راية النبي «صلى الله عليه وآله» كانت تكون مع علي بن أبي طالب ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة ، وكان إذا استعر القتال كان النبي «صلى الله عليه وآله» مما يكون تحت راية الأنصار (٢).

٨ ـ عن عامر : أن راية النبي «صلى الله عليه وآله» كانت تكون مع علي

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٥٠٠ ، وصححه على شرط الشيخين هو والذهبي في تلخيص المستدرك ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٥١٤ و ٥١٥. وأظن أن القضية كانت مع سعد بن مالك أبي سعيد الخدري ، لأن سعد بن أبي وقاص كان منحرفا عن أمير المؤمنين. ويشير إلى ذلك ما ذكره الحاكم في مستدركه ج ٣ ص ٤٩٩ من أن أبا سعيد قد دعا على من كان ينتقص عليا فاستجاب الله له.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٢٨٨ ، وراجع : فتح الباري ج ٦ ص ٨٩ عن أحمد عن ابن عباس بإسناد قوي.

١٠١

بن أبي طالب ، وكانت في الأنصار حيثما تولوا (١).

وقد يقال : إن هذين النصين الواردين تحت رقم ٧ و ٨ لا يدلان على أن الراية كانت دائما مع علي «عليه السلام» بصورة أكيدة وصريحة ، وإن كان يمكن أن يقال : إن ظاهر هما هو ذلك.

٩ ـ عن ثعلبة بن أبي مالك ، قال : كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» في المواطن كلها ؛ فإذا كان وقت القتال أخذها علي بن أبي طالب (٢).

١٠ ـ قال ابن حمزة : وهل نقل أحد من أهل العلم : أن عليا كان في جيش إلا وهو أميره؟ (٣).

١١ ـ وفي حديث المناشدة : أن عليا «عليه السلام» قال : نشدتكم الله ، هل فيكم أحد صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» منذ يوم بعثه الله إلى يوم قبضه ، غيري؟!.

قالوا : اللهم لا (٤).

وبالنسبة لخصوص واقعة أحد نقول :

١ ـ عن علي قال : كسرت يده يوم أحد ، فسقط اللواء من يده ؛ فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : دعوه في يده اليسرى ، فإنه صاحب لوائي

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٢٨٨.

(٢) أسد الغابة ج ٤ ص ٢٠ ، وأنساب الاشراف ج ٢ ص ١٠٦ لكن فيه : ميسرة العبسي بدل سعد بن عبادة.

(٣) الشافي لابن حمزة ج ٤ ص ١٦٤.

(٤) المسترشد في إمامة علي «عليه السلام» ص ٥٧.

١٠٢

في الدنيا والآخرة (١).

٢ ـ قد ورد ، في احتجاج الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه بفضائل أمير المؤمنين «عليه السلام» على معاوية ، وعمرو بن العاص ، والوليد الفاسق ، ورد قوله : «وأنشدكم الله ، ألستم تعلمون : أنه كان صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم بدر ، وأن راية المشركين كانت مع معاوية ، ومع أبيه ، ثم لقيكم يوم أحد ، ويوم الأحزاب ، ومعه راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ومعك ومع أبيك راية الشرك الخ ..»؟! (٢).

٣ ـ قال ابن هشام : «لما اشتد القتال يوم أحد ، جلس رسول الله «صلى الله عليه وآله» تحت راية الأنصار ، وأرسل إلى علي : أن قدم الراية.

فتقدم علي ؛ فقال : أنا أبو القصم. فطلب أبو سعيد بن أبي طلحة ، وهو صاحب لواء المشركين منه البراز ، فبرز إليه علي ، فضربه علي فصرعه (٣).

وهذا معناه : أنه «عليه السلام» كان صاحب الراية العظمى ، فأمره «صلى الله عليه وآله» بالتقدم ، ثم طلب منه صاحب لواء المشركين البراز ، لأنه إذا قطت الراية العظمى انكسر الجيش وانهزم.

٤ ـ وقال القوشجي : في غزاة أحد جمع له الرسول «صلى الله عليه

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٣٤ ، والرياض النضرة المجلد الثاني ج ٤ ص ١٥٦ عن ابن الحضرمي ، وذخائر العقبى ص ٧٥ بلفظ (ضعوه).

(٢) كفاية الطالب ص ٣٣٦ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ٢٨٩ ، والغدير ج ١٠ ص ١٦٨ عنه.

(٣) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٨ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٢٧.

١٠٣

وآله» بين اللواء والراية (١).

٥ ـ عن أبي رافع قال : كانت راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم أحد مع علي ، وراية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة (٢).

٦ ـ ويظهر من بعض الروايات الفرق بين اللواء والراية ، وقد قالوا : إن الراية كانت في يد قصي ، ثم انتقلت في ولده حتى انتهت إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فأعطاها رسول الله «صلى الله عليه وآله» لعلي في غزاة ودان ، وهي أول غزاة حمل فيها راية مع النبي «صلى الله عليه وآله» ، ثم لم تزل مع علي في المشاهد ، في بدر وأحد.

وكان اللواء يومئذ في بني عبد الدار ، فأعطاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» لمصعب بن عمير ، فاستشهد ، ووقع اللواء من يده ، فتشوقته القبائل ؛ فأخذه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فدفعه إلى علي ، فجمع له يومئذ الراية واللواء ، فهما إلى اليوم في بني هاشم (٣).

ويظهر أن هذا هو مراد القوشجي من كلامه الآنف.

لا فرق بين اللواء والراية :

ونقول : إن هذه الروايات تنافي ما تقدم عن ابن عباس ، وجابر ، وقتادة ، من أنه «عليه السلام» كان صاحب لوائه «صلى الله عليه وآله» في كل زحف.

وقد دلت النصوص المتقدمة على أن عليا «عليه السلام» هو صاحب

__________________

(١) شرح التجرية للقوشجي ض ٤٨٦.

(٢) اللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٦٥.

(٣) الإرشاد للشيخ المفيد ص ٤٨.

١٠٤

لواء رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وهو أيضا صاحب راية رسول الله ، لو كان ثمة فرق بينهما.

ونحن نشك في ذلك ، لأن بعض أهل اللغة ينصون على عدم الفرق (١) ، فإن كلا منهما عبارة عما يجعله القائد من الأقمشة في طرف رمح أو نحوه.

ونجد وصف اللواء بالأعظم تارة (٢) ، ووصف الراية بالعظمى أيضا (٣).

إلا أن يقال : إن مصعب بن عمير كان صاحب لواء المهاجرين ، فلما استشهد في أحد صار لواؤهم إلى علي ، فعلي «عليه السلام» صاحب راية ولواء رسول الله ، وهو أيضا صاحب لواء المهاجرين. ولعل هذا هو الأظهر.

وقد تقدم بعض الكلام حول هذا الموضوع في غزوة بدر أيضا ، فلا نعيد.

عدة وعدد المسلمين :

ثم توجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى أحد ومعه : ألف رجل ، ويقال : تسعمائة ، وزاد بعضهم خمسين. منهم مئة دارع. ليس معهم فرس (٤).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٤٧.

(٢) راجع حياة الصحابة ج ١ ص ٤٣١ ، وتاريخ ابن عساكر ترجمة علي «عليه السلام» بتحقيق المحمودي ج ١ ص ١١٠ والمنتقى.

(٣) كما في قول ابن أبي الحديد عن هزيمة الشيخين في خيبر :

وللراية العظمى وقد ذهبا بها

ملابس ذل فوقها وجلابيب

(٤) وفاء الوفاء ج ١ ص ٢٨٤ و ٢٨٥ عن ابن عقبة ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٢١ ، وفتح الباري.

١٠٥

وقيل : مع النبي «صلى الله عليه وآله» فرسه ، وفرس لأبي بردة بن نيار (١).

وقيل : كان معهم فرس واحد (٢).

رجوع المنافقين :

ويظهر مما يأتي : أنه «صلى الله عليه وآله» خرج نحو أحد من ثنية الوداع ، شامي المدينة.

ورجع ابن أبي مما بين المدينة وأحد بمن معه من المنافقين ، وأهل الريب. وكانوا ثلاثمائة رجل ، وقال : محمد عصاني وأطاع الولدان؟ سيعلم!!

ما ندري علام نقتل أنفسنا وأولادنا ههنا أيها الناس؟

فرجعوا. وتبعهم جابر بن عبد الله الأنصاري يناشدهم الله في أنفسهم ، وفي نبيهم ، فقال ابن أبي : لو نعلم قتالا لا تبعناكم ، ولو أطعتنا لرجعت معنا.

وقيل : إن النبي «صلى الله عليه وآله» أمرهم بالانصراف ، لكفرهم (٣).

فبقي «صلى الله عليه وآله» في سبعمائة من أصحابه ، أو ستمائة.

وبرجوع ابن أبي سقط في أيدي بني حارثة وبني سلمة ، ثم عادوا إلى الموقف الحق ، قال تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا)(٤) الآية.

وروي بسند رجاله ثقات : أنه بعد أن جاوز النبي «صلى الله عليه وآله»

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٠ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٢١.

(٢) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١١٧ عن الطبراني ، وحياة الصحابة ج ٣ ص ٧٦٩ عن كنز العمال ج ٣ ص ١٣٥ عن الطيالسي.

(٣) سيرة مغلطاي ص ٤٩.

(٤) الآية ١٢٢ من سورة آل عمران.

١٠٦

ثنية الوداع ، إذا هو بكتيبة خشناء ، فقال «صلى الله عليه وآله» : من هؤلاء؟

قالوا : عبد الله بن أبي بن سلول في ستمائة من مواليه اليهود.

فقال : وقد أسلموا؟

قالوا : لا يا رسول الله ، قال : مروهم فليرجعوا ، فإننا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك.

أو : فإننا لا نستعين بالمشركين على المشركين (١).

الخيانة وآثارها :

إن من الطبيعي : أن يكون لا نخذال ابن أبي ورجوعه بمن معه من المنافقين أثر سيء على نفوس المسلمين ومعنوياتهم ، فإن حدوث الخيانة هذه قد كانت أحد الأسباب الرئيسية لتهيؤ بعض المسلمين نفسيا للهزيمة في المعركة ، وهم بنو حارثة ، وبنو سلمة.

وقد حكى الله ذلك بقوله : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا)(٢).

وقد جاءت هذه الخيانة في لحظات حرجة وحساسة ، قد مهدت الطريق ، ومنحت العذر لمن تبقى من المنافقين للفرار في أحرج اللحظات وأخطرها على الإسلام والمسلمين بصورة عامة.

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٢٨٣ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٢٢ عن الوفاء ، والطبراني في الكبير والأوسط بسند رجاله ثقات ، وذكر مثل ذلك عن الكشاف ومعالم التنزيل والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٢٠ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢٢٧ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٢١٥.

(٢) الآية ١٢٢ من سورة آل عمران.

١٠٧

وهذا يؤيد ، ويؤكد سلامة موقفه «صلى الله عليه وآله» في إرجاعه في غزوة بدر من لم يكن مسلما ، وعدم قبوله باشتراك بعض اليهود في حرب أحد ، حيث أرجع كتيبتهم كما سلف.

ولذلك شواهد كثيرة في حياته «صلى الله عليه وآله» يجدها المتتبع في السيرة النبوية.

وقد أشار الله تعالى إلى الأثر السيئ لمواقف المنافقين في العديد من الآيات ، فهو تعالى يقول : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً)(١).

ويعطي قاعدة عامة في التعامل مع غير المؤمنين ، فيقول : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)(٢) إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه.

وبعد هذا ، فإننا نعرف عدم صحة ما روي عن الزهري ، قال : «كان يهود يغزون مع النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فيسهم لهم كسهام المسلمين» (٣).

وما ذلك إلا لأنه قد (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا)(٤) ، ولأن : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ)(٥).

ومن هذا المنطلق ، قال ابن أبي هنا : ما ندري علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟.

__________________

(١) الآية ٤٧ من سورة التوبة.

(٢) الآية ١١٣ من سورة هود.

(٣) مصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ١٨٨ ، وسنن البيهقي ج ٩ ص ٥٣ ، ونقل عن ابن أبي شيبة.

(٤) الآية ٢١٢ من سورة البقرة.

(٥) الآية ٧٦ من سورة النساء.

١٠٨

ومن جهة ثانية ، فإن المنافقين واليهود كانوا يلتقون مع المشركين في الهدف مرحليا ؛ لأنهم جميعا لا يستطيعون أن يروا انتصار الإسلام والمسلمين في المنطقة ، لأنهم ـ وهم الذين لا همّ لهم إلا الدنيا ـ يرون ذلك يضر بمصالحهم ، وبموقعهم السياسي ، والاجتماعي ، والاقتصادي في المنطقة.

وإذا حارب اليهود والمنافقون إلى جانب المسلمين ، فإنما يفعلون ذلك إما تمهيدا للخيانة بهم ، وإسلامهم إلى أعدائهم ، وإما طمعا في المال والغنائم. ومن يقاتل من أجل ذلك ، فلا يستطيع أن يقدم على الأخطار ، ولا أن يضحي بنفسه ، بل إنما يكون مع المسلمين ما دام النصر حليفهم ، حتى إذا رأى أنهم في خطر ، فإنه لا بد أن يخذلهم في أحرج اللحظات ، وهذا ما سوف يؤثر تأثيرا سلبيا على معنوياتهم ، ومن ثم على مستقبلهم ومصيرهم أيضا.

سؤال وجوابه :

ويبقى سؤال ، وهو : أنه إذا كان الحال كذلك ، فلماذا يقبل النبي «صلى الله عليه وآله» المنافقين في جيش المسلمين مع أن ذلك يشكل خطرا عليهم؟!

ولماذا لا يفضحهم ويكشفهم للناس؟!

وإذا كان يمنع اليهود وغيرهم من الكفار من المشاركة ، فلماذا لا يتخذ تدبيرا معينا يمنع به المنافقين من الحضور في ساحة الحرب؟!

والجواب يتلخص في النقاط التالية :

١ ـ لقد كان النبي «صلى الله عليه وآله» واقعا بين محذورين ، كل منهما صعب وخطير.

أحدهما : سلبية خروج المنافقين إلى الحرب ، وقد حددها الله سبحانه ،

١٠٩

حينما قال : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ)(١).

وكان «صلى الله عليه وآله» يستر ذلك عليهم ما داموا لم يظهرواهم أنفسهم ذلك ، من خلال أفعالهم ومواقفهم ، وأقوالهم.

الثاني : سلبية إبقاء المنافقين في المدينة ، يسرحون ويمرحون ، وربما يكون الخطر في ذلك أعظم مما لو اصطحبهم معه في الحرب ، لأن ذلك يفسح المجال لهم للتآمر ، من دون أن يكون ثمة من يستطيع دفع كيدهم ، ورد بغيهم.

وما قضية تبوك إلا الدليل القاطع على ما نقول ، حيث اضطر الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» إلى إبقاء خليفته ووصيه ، ومن هو منه بمنزلة هارون من موسى في المدينة ، حينما شعر أن تخلف المنافقين عن الخروج إلى تبوك يحمل في طياته أخطارا جساما ، لا يمكن لأحد مواجهتها إلا النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو أخوه علي «عليه السلام».

وقد رجح «صلى الله عليه وآله» هذا على ذاك ليرد كيدهم ، ويفشل مؤامراتهم ، ولأجل ذلك كان يخرجهم معه إلى الحرب.

٢ ـ ثم إن النفاق قد لا يتخذ صفة العنف ، بل يظهر المنافق الإسلام حفاظا على مصالحه ، أو لأسباب خاصة أخرى ، مع عدم إبائه عن الدخول فيه ، وتقبله طبيعيا له ، فهو لا يهتم بهدم الإسلام والكيد له. فتبرز الحاجة ـ والحالة هذه ـ إلى إعطائهم الفرصة للتعرف أكثر فأكثر على تعاليم الإسلام

__________________

(١) الآية ٤٧ من سورة التوبة.

١١٠

وأهدافه ، ولكي يعيشوا أجواءه من الداخل ، وليكتشفوا ما أمكنهم من أسرار عظمته وأصالته ، فتلين له قلوبهم ، وتخضع له عقولهم. ولا أقل من أن أبناءهم ، ومن يرتبط بهم ، يصبح أقدر على ملامسة واقع المسلمين ، والتفاعل مع تعاليم الإسلام ما دام أنه يعيشها بنفسه ، وتقع تحت سمعه وبصره.

وهذا بالذات ما كان يهدف إليه الإسلام من التألف على الإسلام ، وإعطاء الأموال والأقطاع ، وحتى المناصب والقيادات لمن عرفوا ب (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ)(١) ، بالإضافة إلى ما كان يهدف إليه من دفع كيدهم وشرهم.

وما تقدم يفسر لنا السبب الذي جعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم ، يتألفهم بذلك ، حتى إن عمرو بن العاص ظن بنفسه أنه خير القوم.

ثم صار يسأل النبي «صلى الله عليه وآله» عن المفاضلة بين نفسه وغيره ، فلما عرف : أنهم أفضل منه ، قال : «فلوددت أني لم أكن سألته» (٢).

٣ ـ إن سكوته «صلى الله عليه وآله» عن المنافقين ، وقبولهم كأعضاء في المجتمع الإسلامي ، إنما يريد به المحافظة على من أسلم من أبنائهم ، وإخوانهم ، وآبائهم ، وأقاربهم ، حتى لا تنشأ المشاكل العائلية الحادة فيما بينهم ؛ ولا يتعرض المسلمون منهم للعقد النفسية ، والمشكلات الاجتماعية ،

__________________

(١) الآية ٦٠ من سورة التوبة.

(٢) راجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٥ عن الطبراني بإسناد حسن ، وفي الصحيح بعضه بغير سياقه. وحياة الصحابة ج ٢ ص ٧٠٦ عن الترمذي في الشمائل ص ٢٥.

١١١

التي ربما تؤثر على صمودهم واستمرارهم.

٤ ـ وكذلك ، فإن اتخاذ أي إجراء ضد المنافقين ، لربما يكون سببا في تقليل إقبال الناس على الإسلام ، وعدم وثوقهم بمصيرهم ، وما سوف يؤول إليه أمرهم معه فيه ، ولا سيما إذا لم يستطيعوا أن يتفهموا سر ذلك الإجراء ، ولا أن يطلعوا على أبعاده وخلفياته.

ولسوف يأتي : أن سبب إظهار وحشي للإسلام ، هو أنه كان معروفا عن النبي «صلى الله عليه وآله» : أنه كان لا يتعرض لمن يظهر الإسلام بشيء يسوءه.

٥ ـ إن اتخاذ أي إجراء ضد المنافقين ، معناه : فتح جبهة جديدة ، كان بالإمكان تجنبها ، واضطرار هؤلاء الساكتين ظاهرا ، انصياعا لظروفهم ، إلى المجاهرة بالعداء ، والإعلان بالتحدي ، وهم عدو داخلي كثير العدد ، وخطير جدا ، يعرف مواضع الضعف ، ومواضع القوة ، ويكون بذلك قد أعطاهم المبرر للانضمام إلى الأعداء ، العاملين ضد الإسلام والمسلمين.

وواضح أن تصرفا كهذا ليس من الحكمة ولا من الحنكة في شيء ، لأنه يأتي في ظرف يحتاج فيه الإسلام إلى تمزيق أعدائه وتفريقهم ؛ حيث لا يستطيع مواجهتهم جميعا في آن واحد.

وإذا كان المنافقون قد تمكنوا من توجيه ضربة قاسية للمسيرة الإيمانية بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فإنهم لم يتمكنوا من إطفاء نور الله سبحانه .. وبقي الإسلام حيا متوهجا وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..

١١٢

بقي أمران :

أحدهما : لقد نزلت آيات قرآنية كثيرة تفضح المنافقين ، وتظهر أفاعيلهم ، وتنقل أقاويلهم ، وتبين أوصافهم بدقة وبتفصيل.

كما أن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» نفسه قد حاول أن يحد من فعالية المنافقين ما أمكنه ، وذلك بتنبيه الصحابة إلى خططهم ومؤامراتهم ، والكشف عن حقيقتهم ووجودهم ، وتحذير الناس منهم ، وذكر أفعالهم وأوصافهم باستمرار ، حتى حينما كان النبي «صلى الله عليه وآله» في مكة. بل لقد اتخذ «صلى الله عليه وآله» أحيانا إجراءات عملية ضدهم ، كهدم مسجد الضرار ، وغير ذلك مما يظهر جليا في الآيات القرآنية الكثيرة ، والمواقف النبوية المختلفة.

وهذا بطبيعته يمثل حصانة ومناعة للمسلمين ضد النفاق والمنافقين ومكائدهم.

الثاني : إنه يظهر مما تقدم : أنه كان ثمة كتيبة لليهود بقيادة ابن أبي ، وقد أرجعها رسول الله «صلى الله عليه وآله» من الطريق. ثم رجع ابن أبي مع طائفة من المنافقين.

بل يظهر من بعض النصوص : أن المنافقين قد رجعوا من نفس أحد (١).

والذي نخشاه هو أن تكون هذه الرواية مكذوبة بهدف التغطية على فساد ابن أبي ورجوعه بالمنافقين من وسط الطريق.

__________________

(١) مغازي الواقدي ج ١ ص ٢١٩ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٢٣٠.

١١٣

إرجاع الصغار :

وقد رد رسول الله «صلى الله عليه وآله» من استصغرهم ، ومنعهم من الخروج إلى الحرب ، مثل : ابن عمرو بن ثابت ، وسمرة بن جندب ، ورافع بن خديج ثم سمح «صلى الله عليه وآله» لرافع ؛ لأنه رام. وكان يتطاول من الشغف على الخروج.

فيقال : إن سمرة قال لزوج أمه : أذن لرافع وردّني ، وأنا أصرعه؟!

فأمرهما «صلى الله عليه وآله» بالمصارعة ؛ فصرعه سمرة بن جندب ؛ فأذن له أيضا (١).

الريب فيما ينقل عن سمرة : ونحن نرتاب فيما نقل عن سمرة بن جندب ، وذلك لما يلي :

١ ـ إن ابن الأثير يذكر : أن صاحب هذه القضية هو جابر بن سمرة حليف بني زهرة (٢) وليس سمرة بن جندب.

٢ ـ إن سمرة لم يكن مستقيما ولا مراعيا للشرع في تصرفاته ومواقفه.

فحياة سمرة ، وتاريخه ، ونفسيته ، وروحيته ، سواء في حياة النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو بعد وفاته ، كل ذلك يأبى عن نسبة مثل ذلك إليه.

أما في حياة النبي «صلى الله عليه وآله» ، فإننا نجد : أنه هو صاحب العذق الذي كان في حائط الأنصاري ، وبيت الأنصاري في ذلك الحائط

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩١ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٢٠ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٢٢ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٢١٦ ، وشرح النهج ج ٤ ص ٢٢٧.

(٢) الكامل ج ٢ ص ١٥١.

١١٤

أيضا ؛ فكان سمرة يمر إلى نخلته ، ولا يستأذن ، فكلمه الأنصاري ، فأبى ، فشكاه إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فكلمه النبي «صلى الله عليه وآله» فأبى أن يستأذن. فساومه النبي «صلى الله عليه وآله» ، وبذل له ما شاء من الثمن فأبى أيضا. فبذل له نخلة في الجنة في مقابلها ، فأبى أيضا.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» حينئذ للأنصاري : إذهب فاقلعها ، وارم بها إليه ؛ فإنه لا ضرر ولا ضرار (١).

كما أنه هو نفسه ـ كما في الروضة ـ الذي ضرب رأس ناقة النبي «صلى الله عليه وآله» فشجها ، فشكته إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٢).

وأما بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» ، فإنه قتل من المسلمين ما لا يحصى ، حتى إن زياد بن أبيه استخلفه على البصرة ، وأتى الكوفة مدة وجيزة ، فقتل ثمانية آلاف (٣) ، كما عن الطبري. وقتل سبعة وأربعين رجلا من بني عدي في غداة واحدة ، كلهم قد جمع القرآن (٤). وكان يقتل من يتشهد

__________________

(١) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٧٨ ، والكافي ج ٥ ص ٢٩٢ و ٢٩٤ ، ومن لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٢٣٣ و ١٠٣ ، والتهذيب ج ٧ ص ١٤٧ ، والوسائل ج ١٧ ص ٣٤٠ و ٣٤١ ، والبحار (ط جديد) ج ١٠٠ ص ١٢٧ و (ط قديم) ج ٨ ص ٦٧٥ ، ومصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ١٤ ، والسنن الكبرى ج ٦ ص ١٥٧ ، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٣١٥ ، والدر المنثور ج ٦ ص ٣٥٧ عن ابن أبي حاتم وراجع : قاموس الرجال ج ٥ ص ٨.

(٢) قاموس الرجال ج ٥ ص ٨ عن الروضة.

(٣) تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف بمصر) ج ٥ ص ٢٣٧.

(٤) قاموس الرجال ج ٥ ص ٨.

١١٥

الشهادتين ، ويبرأ من الحرورية (١).

وبعد موت زياد أقره معاوية على البصرة ستة أشهر ثم عزله ؛ فقال : لعن الله معاوية ، لو أطعت الله كما أطعت معاوية لما عذبني أبدا (٢) وكان يخرج من داره مع خاصته ركبانا فلا يمر بطفل ، ولا عاجز ، ولا حيوان إلا سحقه هو وأصحابه ، وهكذا إذا رجع. فلم يكن يمر عليه يوم إلا وله قتيل أو أكثر (٣).

وبذل معاوية له مئة ألف ، ليروي : أن آية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) إلى قوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)(٤) نزلت في علي «عليه السلام» ، وأن آية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(٥) ، نزلت في ابن ملجم ؛ فلم يقبل ، فبذل له مئتي ألف ، ثم ثلاثمائة. فلما بذل له أربعمائة ألف ، قبل ، وروى ذلك (٦).

كما أن سمرة هذا قد حضر مقتل الحسين ، وكان من شرطة ابن زياد ، وكان يحرض الناس على الخروج إلى قتال الإمام الحسين «عليه السلام» (٧).

هذا هو سمرة ، وهذه هي نفسيته ، وأفاعيله ، فإن كان حقا هو صاحب

__________________

(١) قاموس الرجال ج ٥ ص ٩.

(٢) تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج ٥ ص ٢٩١.

(٣) قاموس الرجال ج ٥ ص ٩ عن الطبري.

(٤) الآيتان ٢٠٤ و ٢٠٥ من سورة البقرة.

(٥) الآية ٢٠٧ من سورة البقرة.

(٦) شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٧٣.

(٧) راجع : قاموس الرجال ج ٥ ص ٨ ـ ١٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٧٧ و ٧٨ و ٧٩.

١١٦

القضية المتقدمة ، وهو بعيد في الغاية ، فلا بد أن يكون هدفه هو الحرب من أجل المال أو الجاه ، وغيره من المكاسب الدنيوية ، مهما كانت تافهة وحقيرة.

٣ ـ وإن من الأمور التي شاعت وذاعت ، ورواها المحدثون والمؤرخون بشكل واسع قول رسول الله «صلى الله عليه وآله» في سمرة ، وأبي هريرة ، وأبي محذورة : آخركم موتا في النار. فكان سمرة آخرهم موتا (١).

وتأويل ذلك : بأن سمرة قد مات في قدر مملوءة ماء حارا (٢) لا يصح ، لأنه خلاف الظاهر ، فإن ظاهر الكلام : أن المراد هو النار الأخروية ، كما هو المتبادر ، لا أن موته بسبب أن النار تجعل الماء حارا ، ثم يقع فيه ؛ فإن ذلك ـ بالإضافة إلى أنه مجاز لا مبرر له إلا إرادة تبرئة ساحة رجل له أمثال تلك الجنايات والعظائم ـ لا يصح ، إذ لو كان هو المراد لكان الأصح هو التعبير بقوله : (بالنار) ، لا (في النار) ، أو يقول : في الماء الحار ، ونحو ذلك.

فهذه الكرامة له ، والتي تقول : إنه كان يتشوق للمشاركة في الحرب ، رغم صغر سنه ، ثم مصارعته لرافع ، لا تناسب كل ما أشرنا إليه آنفا ، ولا تنسجم مع واقع سمرة ونفسيته.

ولعل سر تكرم محبيه عليه بهذه الفضيلة ، هو طاعته الخارقة لمعاوية ، ومعاونته لابن زياد ، وتحريضه على قتل الحسين «عليه السلام» ، وغير ذلك.

ولو أننا قبلنا صدور ذلك منه ؛ فإنه ـ ولا شك ـ قد انقلب على عقبيه بعد ذلك ، ولا تنفعه أمثال هذه الأمور ، بعد أن كانت عاقبته هي النار.

__________________

(١) راجع : قاموس الرجال ، والاصابة ج ٢ ص ٧٩ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٧٨.

(٢) راجع : الاصابة ج ٢ ص ٧٩ ، والإستيعاب بهامشها ج ٢ ص ٧٨.

١١٧

ملاحظة : ولا يخفى : أن هذا الكلام منه «صلى الله عليه وآله» في حق هؤلاء الثلاثة من شأنه أن يسقطهم عن الاعتبار جميعا ، إذ لو كان واحد منهم مستقيم الطريقة لم يجز وضعه في دائرة من يحتمل في حقه ذلك.

وهذا أسلوب فذ في إسقاط خطط الذين يريدون تكريس رموز ، وأشخاص يريدون أن يقوموا بدور غير مسؤول ويمس مستقبل الأمة ، ويؤثر على دينها ، وعلى كل وجودها ولو عن طريق تزوير نصوص الدين وأحكامه ، والعبث برسومه وأعلامه.

الحراسة وقصة ذكوان :

ونزل «صلى الله عليه وآله» في مكان في الطريق ، وعين محمد بن مسلمة في خمسين آخرين لحراسة الجيش.

ويقولون : ثم قال : من يحرسنا الليلة؟

فقام رجل ، فقال : أنا.

فسأله عن اسمه ، فقال : ذكوان. فأجلسه.

ثم سأل الثانية : فقام رجل ، فقال : أنا.

فسأله عن اسمه فقال : أبو سبع. فأجلسه.

وفي الثالثة : قام رجل وتسمى بابن عبد القيس ، فأجلسه.

ثم أمر بقيام الثلاثة. فقام ذكوان وحده. فسأله عن الباقين.

فأخبره أنه هو صاحب الأسماء الثلاثة ، فكان هو الذي حرسه (١).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٢٢ و ٤٢٣ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٢١ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٢١٧ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٢٢٨.

١١٨

قال المعتزلي : قلت : قد تقدم هذا الحديث في غزوة بدر ، وظاهر الحال أنه مكرر ، وأنه إنما كان في غزاة واحدة.

ويجوز أن يكون قد وقع الغزاتين ، ولكن على بعد (١).

الشك في قصة ذكوان :

ونحن نستبعد قصة ذكوان هذه وذلك لما يلي :

١ ـ إننا لا نستطيع أن نصدق : أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان ساذجا إلى حد أنه لا يستطيع أن يدرك : أن الذي أجابه في المرات الثلاث ، بل الأربع ، هو شخص واحد ، حتى سأله عن الباقين!!.

٢ ـ ثم إننا لم نفهم المبرر لعدم إجابة غير ذكوان من المسلمين الذين يبلغ عددهم حوالي سبعمائة رجل ، وفيهم أعظم المؤمنين ، وكثيرون من الغيارى على حياة الرسول «صلى الله عليه وآله» وأصحابه ، ويفدونه بأرواحهم ، وبكل غال ونفيس.

ولم تكن الحراسة تشكل خطرا عظيما وحاسما كما كان الحال بالنسبة لمنازلة عمرو بن ود ، بل هي أخفّ مؤونة من ذلك ، لأن الخطر فيها يبقى في حدود الإحتمال. وأين كان علي «عليه السلام» عنه في تلك الليلة ، مع أنه هو الذي كان يتولى حراسته عادة.

٣ ـ إننا لا نفهم المبرر لأمره «صلى الله عليه وآله» إياه بالجلوس في المرات الثلاث!! ولم لم يوافق على طلبه من المرة الأولى؟! فإن الخطر منها

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٢٢٨ و ٢٢٩.

١١٩

ليس في مستوى خطر مواجهة عمرو بن عبد ود العامري ..

٤ ـ إن النزول في الطريق ، وبيات ليلة فيه موضع شك أيضا إذ لم تكن المسافة بين المدينة وبين جبل أحد كبيرة إلى حد يحتاج معها إلى أن يبيت في الطريق إليه.

١٢٠