الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-177-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٦

«صلى الله عليه وآله». كما تقدم في أول الحديث عن بدر.

الغارات على الفضائل :

ثم إن ثمة رواية تقول :

إن أبا أمامة بن ثعلبة كان قد أجمع الخروج إلى بدر ، وكانت أمه مريضة ، فأمره النبي «صلى الله عليه وآله» بالمقام على أمه ، وضرب له بأجره وسهمه ، فرجع «صلى الله عليه وآله» من بدر ، وقد توفيت ، فصلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» على قبرها (١).

فنلاحظ أنه لا فرق بين هذه الرواية ، وبين ما روي بالنسبة لعثمان. فأي الروايتين قد حرفت وغيرت لصالح الرواية الأخرى ، وأبدلت الشخصيات فيها لصالح الآخرين؟!

وإننا بعد أن قدمنا ما في رواية عثمان من الإشكال ؛ وبعد أن كان ثمة جهاز يهتم بوضع الفضائل لشيخ بني أمية ، حتى ليكتب معاوية إلى الآفاق في ذلك ، فإننا نرجح أن رواية أبي أمامة هي التي أغار محترفو التحريف والتزوير عليها ، ليعوضوا عثمان عما فاته من شرف حضور حرب بدر ، وليذهبوا بالسمعة السيئة التي أثارها موقفه من رقية ، التي ماتت من جراء ما صنعه بها. ثم قارف ليلة وفاتها ، ولم يرع لها ، ولا لمن رباها ولا لولي نعمتها حرمة ، ولا إلا ولا ذمة.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٤٧ ، وراجع : الإصابة ج ٤ ص ٩ عن أبي أحمد الحاكم ، والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٤ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ١٣٩.

٢١

ولكن يبقى إشكال إعطاء النبي «صلى الله عليه وآله» سهما من الغنائم لغير علي «عليه السلام» كما في حديث المناشدة السابق.

إلا أن يقال : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أعطاه من الخمس الذي كان رده «صلى الله عليه وآله» عليهم ، كما قدمنا.

أو أنه «عليه السلام» قد ناشد الحاضرين ومنهم عثمان بذلك ، فكلامه صحيح بالنسبة إليهم ، أما غيرهم ، كجعفر رحمه الله ، فليس في كلامه «عليه السلام» ما يثبت ذلك أو ينفيه عنه ، كما تقدم.

قتل أسيرين :

وقد أسر من المشركين سبعون رجلا كما تقدم ، وقيل : واحد وسبعون رجلا (١) وتحرك «صلى الله عليه وآله» نحو المدينة ، فلما بلغ الصفراء أمر أمير المؤمنين عليا «عليه السلام» بأن يضرب عنق أسيرين هما : عقبة بن أبي معيط ، ذو السوابق السيئة المعروفة مع المسلمين والنبي «صلى الله عليه وآله» في مكة ، والنضر بن الحارث (٢) ، الذي يعذب المسلمين في مكة.

وقيل : بل قتل «صلى الله عليه وآله» ثلاثة أسرى : هم عقبة ، والنضر ، والمطعم بن عدي (٣).

فقال عقبة : يا محمد ، ناشدتك بالله والرحم.

__________________

(١) العلل ومعرفة الحديث ج ١ ص ٤.

(٢) وقد نص على أن عليا هو الذي ضرب عنق النضر بن الحارث في سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٩٨ عن الزهري وغيره ، وراجع : الأغاني ط ساسي ج ١ ص ١٠.

(٣) العلل ومعرفة الحديث ج ١ ص ٣.

٢٢

فقال له «صلى الله عليه وآله» : وهل أنت إلا علج من أهل صفورية؟

وفي نص آخر : أنه «صلى الله عليه وآله» قال له : وأنت من قريش؟ ما أنت إلا علج ـ أو يهودي ـ من أهل صفورية ، لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له ، حن قدح ليس منها ، قدمه يا علي ، فاضرب عنقه. فقدمه علي ؛ فضرب عنقه (١).

وفي رواية : أن عقبة قال أيضا : يا محمد ، من للصبية؟

قال : النار (٢).

وعند السهيلي : أن الذي قال : حن قدح ليس منها ، هو عمر بن الخطاب (٣).

وقد كان لعقبة هذا موقف سيئ تجاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبل الهجرة ؛ فأوعده رسول الله «صلى الله عليه وآله» إن هو وجده خارجا من جبال مكة ، أن يضرب عنقه صبرا (٤). وهكذا كان.

__________________

(١) راجع : الروض الأنف ج ٣ ص ٦٥ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٨٧ و١٨٦ ، والبحار ج ١٩ ص ٢٦٠ و٣٤٧ ، ومصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ٢٠٥ ، وتفسير القمي ج ١ ص ٢٦٩ ، والواقدي ، وذكر ابن هشام في سيرته ج ٢ ص ٢٩٨ ، قتل علي «عليه السلام» له ، بلفظ : قيل.

(٢) مصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ٢٠٥ و٣٥٢ و٣٥٦ ، وربيع الأبرار ج ١ ص ١٨٧ ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٣١ ، وسيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٩٨ والأغاني ط ساسي ج ١ ص ١٠ و١١.

(٣) الروض الأنف ج ٣ ص ٦٥.

(٤) راجع : الغدير ج ٨ ص ٢٧٣ و٢٧٤ عن ابن مردويه ، وأبي نعيم في الدلائل بإسناد صححه السيوطي.

٢٣

ويلاحظ هنا :

ألف : نسب عقبة :

إن سر قول النبي «صلى الله عليه وآله» له : إنه علج من أهل صفورية ، هو أنهم يقولون : إن أمية جد أبيه كان في صفورية ، فوقع على أمة يهودية لها زوج ، فولدت أبا عمرو ـ وهو ذكوان ـ على فراش اليهودي ، لكن أمية استلحقه بنفسه بحكم الجاهلية.

وقيل : كان ذكوان عبدا لأمية ، فتبناه ؛ فلما مات أمية خلف ذكوان على زوجته.

وعند السهيلي : يقال : كان أمية قد ساعى أمة ، أو بغت له أمة ؛ فحملت بأبي عمرو ؛ فاستلحقه بحكم الجاهلية (١).

وقد قال الفضل بن العباس ، مجيبا الوليد بن عقبة بن أبي معيط على أبيات له :

أتطلب ثارا لست منه ولا له

وأين ابن ذكوان الصفوري من عمرو؟

كما اتصلت بنت الحمار بأمها

وتنسى أباها إذ تسامى أولي الفخر (٢)

وسأل معاوية دغفلا النسابة ـ وكان كبير السن ـ عن أمية جده ، فقال : نعم ، رأيته أخفش أزرق دميما ، يقوده عبده ذكوان.

فقال : ويحك ، كف ؛ فقد جاء غير ما ذكرت ، ذاك ابنه.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٨٧ ، وراجع : الروض الأنف ج ٣ ص ٦٥.

(٢) الغدير ج ٩ ص ١٥٥ عن الطبري ج ٥ ص ١٥١.

٢٤

فقال : أنتم تقولون ذلك (١).

ولكن ما جاء في تفسير القمي ، من قوله «صلى الله عليه وآله» له : لأنت في الميلاد أكبر من أبيك ، يدل على أن عقبة كان من نطفة رجل آخر ، وذلك الرجل من أهل صفورية ؛ وأنه كان ينسب إلى أبي معيط زورا وكذبا.

وقد قال الإمام الحسن «عليه السلام» للوليد بن عقبة ، مثل كلمة الرسول «صلى الله عليه وآله» لأبيه عقبة ؛ فراجع (٢).

ويقول الزمخشري : «إن أبا معيط نفسه كان علجا من أهل صفورية ، ومن الأردن ، قدم به أبو عمرو بن أمية بن عبد شمس ؛ فادعاه» (٣).

وحين أراد علي «عليه السلام» جلد الوليد في الخمر في عهد عثمان ، فسبه الوليد ، فقال له عقيل بن أبي طالب : «يا فاسق ، ما تعلم من أنت؟ ألست علجا من أهل صفورية؟ قرية بين عكا واللجون أعمال الأردن ، كان أبوك يهوديا منها» (٤).

ب : النار للصبية :

ونجد أنه «صلى الله عليه وآله» قد حكم بالنار للصبية ، الذين منهم الوليد الفاسق ، الذي كان واليا لعثمان على الكوفة ؛ فشرب الخمر ، وزادهم

__________________

(١) الروض الأنف ج ٣ ص ٦٥ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٨٧.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ٢٩٣ عن الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات ، وراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١١٩.

(٣) ربيع الأبرار ج ١ ص ١٧٨.

(٤) تذكرة الخواص ص ٢٠٦.

٢٥

في الصلاة وهو سكران!! وهو من الصحابة!!. فليتأمل إذا في دعوى البعض عدالة كل صحابي ، وقد تكلمنا عن هذا الموضوع بصورة موجزة في بعض بحوثنا (١).

ويعتبر قول النبي «صلى الله عليه وآله» هذا عن الصبية بمثابة إخبار عن الغيب الذي أطلعه الله عليه ، حيث عرفه تعالى أنه ليس في أولئك الصبية أحد يستحق الكرامة والنعمة. ولكن قد شاءت السياسة والعصبية تحكيم هؤلاء الصبية في أموال الناس وأعراضهم ودمائهم ، وجعلهم الحكام ، والمخططين للسياسة في الخلافة المغتصبة من أصحابها الشرعيين. ثم احتلوا مكانا عظيما في عقائد الناس ؛ حيث فرضوا على الناس لزوم الاعتقاد بعدالة هؤلاء ؛ مهما اجترحوا من السيئات وكانوا من الآثمين!!.

ج : الطعن في نسب عقبة! :

تقدم أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال لعقبة بن أبي معيط : إنما أنت علج من أهل صفورية ، أو نحو ذلك ـ مع أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن سبابا ولا فاحشا ، ولا متفحشا ـ ، ولعل السبب في ذلك هو من أجل أن يعلم الناس بعدم صوابية ما يدّعيه ، وعدم صحة تقريب الهيئة الحاكمة لأبنائه ، وقد ولتهم جلائل الأعمال ، على أساس هذه القربى المدعاة ، وليجعلوا من ثم مال الله دولا ، وعباده خولا ، وليكونوا مصدرا للفتن والمؤامرات ، كما كان الحال بالنسبة للوليد الفاسق ، وغيره من الولاة

__________________

(١) راجع كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام الجزء الثاني.

٢٦

والمقربين للهيئة الحاكمة باسم الدين والإسلام. على أن حكمها لم يكن إلا حكم القبيلة والعشيرة ، وحكم الجاهلية بالتعبير الأدق والأوفى.

د : إنكار قتل النضر بن الحارث في بدر :

ويذكر ابن سلام : أن ابن جعدبة الذي كان ينكر قتل أبي عزة الجمحي صبرا : «كان ينكر قتل النضر بن الحارث في يوم بدر صبرا ، فقال : أصابته جراحة ؛ فارتث منها ، وكان شديد المداوة ، فقال : لا أطعم طعاما ، ولا أشرب شرابا ما دمت في أيديهم ، فمات.

فأخبرت أبي سلاما بقول ابن جعدبة في أبي عزة ، فقال : قد قيل : إن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يقتل أحدا صبرا إلا عقبة بن أبي معيط يوم بدر» (١) ، ولكن هذا يخالف ما هو ثابت عن المؤرخين ، ولا نرى داعيا للوضع والاختلاق فيه.

ولذا فلا نرى للعدول عن النصوص التاريخية الثابتة مبررا ولا مجالا.

وأما بالنسبة لأبيات قتيلة أخت النضر بن الحارث التي قالتها بهذه المناسبة ، والتي فيها قولها مخاطبة للنبي «صلى الله عليه وآله» :

ما كان ضرك لو مننت وربما

من الفتى وهو المغيظ المحنق

وأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» رق لها لما أنشدته إياها ودمعت عيناه ، وقال لأبي بكر : لو كنت سمعت شعرها ما قتلته.

أما هذا فقد قال الزبير بن بكار : سمعت بعض أهل العلم يغمز في

__________________

(١) طبقات الشعراء لابن سلام ص ٦٤ و٦٥.

٢٧

أبيات قتيلة بنت الحارث ، ويقول : إنها مصنوعة (١).

أضف إلى ذلك : أن ما نقل عن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يعقل أن يصدر منه ، فإن هذه الأبيات لم تكن لتغير من تصميمه ، وهو يمتثل أمر الله ، ولا يعمل إلا حسب ما يقتضيه التكليف الواجب.

ولعل المقصود هو تلطيف الجو بالنسبة للمنتسبين إلى عقبة ، وإعادة شيء من الاعتبار إليهم عن هذا الطريق.

مصير الباقين من الأسرى :

قالوا : ولما رأى الأنصار ما جرى للنضر ولعقبة ، خافوا أن يقتل «صلى الله عليه وآله» جميع الأسارى ، فقالوا : يا رسول الله ، قتلنا سبعين ، وهم قومك وأسرتك أتجذ أصلهم؟ هبهم لنا يا رسول الله ، وخذ منهم الفداء وأطلقهم.

وكان أبو بكر يرجح أخذ الفداء أيضا ، وقال : أهلك ، وقومك ، استأن بهم ، واستبقهم ، وخذ فدية تكون لنا قوة على الكفار.

أو قال : هؤلاء بنو العم ، والعشيرة ، والإخوان.

فكره النبي «صلى الله عليه وآله» أخذ الفداء حتى رأى ذلك سعد بن معاذ في وجهه ، فقال : يا رسول الله ، هذه أول حرب لقينا فيها المشركين ، والإثخان في القتل أحب إلينا من استبقاء الرجال.

وقال عمر : يا رسول الله ، كذبوك ، وأخرجوك ؛ فقدمهم واضرب

__________________

(١) زهر الآداب ج ١ ص ٦٦.

٢٨

أعناقهم ، ومكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، ومكني من فلان أضرب عنقه ، ومكن حمزة من العباس فيضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر.

ونزل في هذه المناسبة قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١).

ولما رأى النبي «صلى الله عليه وآله» إصرارهم على أخذ الفداء أخبرهم : أن أخذ الفداء سوف تكون عاقبته هو أن يقتل من المسلمين بعدد الأسرى ، فقبلوا ذلك وتحقق ما أوعدهم به «صلى الله عليه وآله» في واقعة أحد ، كما سنرى (٢).

وتقرر الأمر على الفداء ، وجعل فداء كل أسير من ألف إلى أربعة آلاف ، وصارت قريش تبعث بالفداء أولا بأول. وأعطى «صلى الله عليه

__________________

(١) الآيتين ٦٧ و٦٨ من سورة الأنفال.

(٢) راجع هذه النصوص في المصادر التالية ، وإن كان كثير منها يذكر أنه «صلى الله عليه وآله» قد مال إلى قول أبي بكر ، وبعضها يذكر أنه لم يرد إلا قتلهم فراجع : الطبري ج ١ ص ١٦٩ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٩٠ ، وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٥٧ ، والبحار ج ١٩ ، وأسباب النزول للواحدي ص ١٣٧ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤٢ ، وكنز العمال ج ٥ ص ٢٦٥ عن أحمد ومسلم ، والترمذي ، وأبي داود ، وابن أبي شبية ، وأبي عوانة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقي. والدر المنثور ج ٣ ص ٢٠١ ـ ٢٠٣ ، ومشكل الآثار ج ٤ ص ٢٩١ و٢٩٢ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ١٠٧ و١٠٨ ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٣٦.

٢٩

وآله» كل رجل من أصحابه الأسير الذي أسر ، فكان هو يفاديه بنفسه (١).

وفي بعض النصوص : أن سهيل بن عمرو جاء بفداء أسرى بدر ، فطلب منه «صلى الله عليه وآله» أن يخبره بما تريد قريش في غزوه (٢).

هذا بعض ما نطمئن إلى صحته من النصوص التاريخية هنا.

لو نزل العذاب ما نجا إلا ابن الخطاب :

ولكننا نجد روايات أخرى تقرر عكس ما ذكر آنفا ، وتقول : إنه «صلى الله عليه وآله» مال إلى رأي أبي بكر ، بل وانزعج من مشورة عمر ، فنزل القرآن بمخالفته وموافقة عمر ، فلما كان من الغد ، غدا عمر على رسول الله ، فإذا هو وأبو بكر يبكيان ؛ فسأل عن سبب ذلك ، فقال الرسول «صلى الله عليه وآله» : إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم ، لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب.

وعن ابن عباس ، عن ابن عمر ؛ أنه «صلى الله عليه وآله» قال : أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، وأنزل الله : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ..)(٣).

__________________

(١) المصنف ج ٥ ص ٢١١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) راجع : المصادر المتقدمة جميعا ، وفواتح الرحموت بهامش المستصفى للغزالي ج ٢ ص ٢٦٧ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٩٣ ، والمستصفى للغزالي ج ٢ ص ٣٦٥ ، وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ١٦٩.

٣٠

ونحن لا نصدق ما ذكر آنفا ، ولدينا من الأدلة ما يكفي لإثبات بطلانها. ولعل هذه الروايات هي التي جرأت بعض الجهلة الأفاكين ممن ينتحل الإسلام ، ليكتب ويقول : قد أخطأ الرسول في موقفه من أسرى بدر ، ونزل الوحي مصححا خطأه.

قال تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ)(١).

ومستندنا في تكذيب ذلك كله ما يلي :

أولا : لماذا ما نجا من العذاب إلا عمر؟

وما ذنب سعد بن معاذ ليعذب؟

أليس هو من الموافقين لعمر ، كما نص عليه غير واحد ، بل كان هو المبتدئ بهذا الرأي على حد تعبير المعتزلي؟ (٢)

وما ذنب ابن رواحة؟ أليس هو من الموافقين لعمر أيضا؟ (٣).

ولا يعقل أن يكون قوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا)(٤).

__________________

(١) قضايا في التاريخ الإسلامي لمحمود إسماعيل ص ٢٠.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ١٧٥ و١٧٦ ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٢٦ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٩٢ ، وسيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٨١ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٨١ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ١١٠ و١٠٦.

(٣) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٩٧ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٧٠ ، والروض الأنف ج ٣ ص ٨٣ ، وأسباب النزول للواحدي ص ١٣٧ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٩٣ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٩٢ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤٣ عن الحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والترمذي ، وأحمد.

(٤) الآية ٦٧ من سورة الأنفال.

٣١

وقوله : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١) خطابا للنبي «صلى الله عليه وآله» ؛ إذ لم يكن «صلى الله عليه وآله» طالبا لعرض الدنيا ، ولا مستحقا لذلك العذاب العظيم ؛ لأن معنى ذلك هو أن الله تعالى قد أمره بأمر ، وبينه له ، ثم خالفه ، والعياذ بالله ، فإن الالتزام بهذا هو من أعظم العظائم ، وجريمة من أكبر الجرائم (٢).

ومما يدل على أن الله تعالى قد أبلغ نبيه أن اللازم هو قتل الأسرى : «أن حل الفداء كان قد علم من واقعة عبد الله بن جحش ، التي قتل فيها ابن الحضرمي ؛ فإنه أسر فيها عثمان بن المغيرة ، والحكم بن كيسان ، ولم ينكره الله تعالى. وذلك قبل بدر بأزيد من عام» (٣).

ومعنى ذلك أنه قد كانت ثمة أوامر خاصة بالنسبة لأسرى بدر بينها النبي «صلى الله عليه وآله» لأصحابه ، ولكنهم قد أصروا على مخالفتها ، فاستحقوا العذاب العظيم ، ثم عفا الله عنهم ، رحمة بهم ، وتألفا لهم.

ويدل على ذلك أيضا : أنه قد جاء في بعض النصوص : «أن جبرائيل نزل على النبي «صلى الله عليه وآله» يوم بدر ، فقال : إن الله قد كره ما صنع قومك ، من أخذ الفداء من الأسارى.

وقد أمرك أن تخيرهم : بين أن يقدموهم ويضربوا أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم.

__________________

(١) الآية ٦٨ من سورة الأنفال.

(٢) راجع : دلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٥٩.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٩٢.

٣٢

فذكر ذلك «صلى الله عليه وآله» لأصحابه ، فقالوا : يا رسول الله ، عشائرنا وإخواننا (١). بل نأخذ فداءهم ، فنتقوى به على عدونا ، ويستشهد منا عدتهم» (٢).

فما تقدم يدل على أن تخييرهم هذا إنما كان بعد تأكيدهم على رغبتهم في أخذ الفداء ، وظهور إصرارهم عليه ، فأباح لهم ذلك.

وبعد ما تقدم نقول : لقد نص البعض على أن النبي «صلى الله عليه وآله» مال إلى القتل (٣).

وذكر الواقدي أن الأسرى قالوا : لو بعثنا لأبي بكر ، فإنه أوصل قريش لأرحامنا ، ولا نعلم أحدا آثر عند محمد منه ؛ فبعثوا إليه فجاءهم فكلموه ، فوعدهم أن لا يألوهم خيرا ، ثم ذهب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فجعل يفثؤه ويلينه ، وعاوده بالأمر ثلاث مرات ، كل ذلك والنبي «صلى الله عليه وآله» لا يجيب (٤).

وبعد ما قدمناه فهل يصح قولهم : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد جلس يبكي على نفسه مع أبي بكر ، وأنه لو نزل العذاب لم ينج منه سوى عمر بن الخطاب؟!.

__________________

(١) هذه الكلمة تشير إلى أن الذين قالوا ذلك هم من المهاجرين.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٩٣ عن فتح الباري ، عن الترمذي ، والنسائي ، وابن حبان ، والحاكم بإسناد صحيح ، ومصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ٢١٠ ، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٣ ص ٢٩٨ ، وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ١٤ قسم ١.

(٣) راجع على سبيل المثال : الكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٣٦.

(٤) مغازي الواقدي ج ١ ص ١٠٧ و١٠٨.

٣٣

ثانيا : لو سلمنا أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يميل إلى رأي أبي بكر من أول الأمر ، وأنه جلس يبكي مع صاحبه ـ كما ذكروه في مصادرهم ـ فلماذا يقول لعمر : لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة. إذ كيف لا يكون هو مع من استحق العذاب ، وهو الذي وافقهم ، وهوي ما هويته نفوسهم؟!

وثالثا : إن الالتزام بما ذكروه معناه تكذيب قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)(١).

كما أنه لا يبقى معنى ـ والحالة هذه ـ لأمر الله تعالى للناس بإطاعة الرسول «صلى الله عليه وآله» ، حيث قال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(٢) حتى إذا امتثلوا الأمر الإلهي وأطاعوه يؤنبهم ، ثم يتهددهم. لقد كان يجب أن يتوجه التأنيب والتهديد للرسول «صلى الله عليه وآله» ، والمدح والثناء لهم ، لأنهم عملوا بوظيفتهم.

ورابعا : إن مجرد الإشارة على الرسول بالفداء لا تستوجب عقابا ، إذ غاية ما هناك : أنهم قد اختاروا غير الأصلح. وإذا ، فلا بد أن يكون ثمة أمر آخر قد استحقوا العقاب لمخالفته ، وهو أنهم حين أصروا على أخذ الفداء قد أصروا على مخالفة الرسول ، والتعلق بعرض الحياة الدنيا في مقابل إرادة الله للآخرة ـ كما قال تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(٣) ـ بعد بيان النبي «صلى الله عليه وآله» لهم بصورة صريحة ، إذ لا عقاب قبل

__________________

(١) الآيتين ٣ و٤ من سورة النجم.

(٢) الآية ٥٩ من سورة النساء.

(٣) الآية ٦٧ من سورة الأنفال.

٣٤

البيان ، ثم المخالفة.

ولكن الله تكرم وتفضل عليهم ، وغفر لهم هذه المخالفة ، وأباح لهم أخذ الفداء تأليفا لهم ، على ما فيه من عواقب وخيمة. وقد بلغ من حبهم لعرض الدنيا أنهم قبلوا بهذه العواقب أيضا.

بل يمكن أن يكون إصرار بعض المهاجرين على أخذ الفداء يرجع إلى أنهم قد صعب عليهم قتل صناديد قريش ، حيث كانت تربطهم بهم صداقات ومصالح ووشائج رحم ، وقد استهوى موقفهم هذا جماعة من البسطاء والسذج من سائر المسلمين الحاضرين.

فهذا التعاطف مع المشركين من قبل البعض ، ثم حب الحصول على المال ، قد جعلهم يستحقون العذاب العظيم ، الذي إنما يترتب على سوء النيات ، وعلى الإصرار على مخالفة الرسول ، والنفاق في المواقف والأقوال والحركات ، لا سيما مع وجود رأي يطالب بقتل بني هاشم الذين أخرجهم المشركون كرها ونهى الرسول «صلى الله عليه وآله» عن قتلهم.

مع ملاحظة : أنه لم يشترك من قوم صاحب ذلك الرأي أحد في حرب بدر.

وأما الخطأ في الرأي مجردا عما ذكرناه فلا يوجب عقابا.

وثمة كلام آخر في تفسير آخر (١) قد أضربنا عن ذكره لعدم استقامته.

وخامسا : إنه قد جاء : أنه لما كان يوم بدر تعجل الناس من المسلمين ؛ فأصابوا من الغنائم ، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم ، كان النبي ـ يعني من السابقين ـ إذا غنم هو

__________________

(١) دلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٥٥ و٦٠.

٣٥

وأصحابه جمعوا غنائمهم ، فتنزل نار من السماء على كلها. فأنزل الله عز وجل : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ، فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً)(١) وقد قوى الطحاوي هذه الرواية في شأن نزول الآية فراجع (٢).

الرسول صلّى الله عليه وآله يخطئ في الاجتهاد.

وبعد بطلان ما ذكروه ونسبوه إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، وبطلان أن تكون الآية عتابا له «صلى الله عليه وآله» ، يعلم عدم صحة استدلالهم بهذه الآية على جواز الاجتهاد والخطأ فيه على النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فإن النبي «صلى الله عليه وآله» لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى. وما نسبوه إلى النبي «صلى الله عليه وآله» باطل ولا يصح. هذا عدا عن الأدلة القاطعة الدالة على أن كل ما يصدر منه «صلى الله عليه وآله» حق ، وموافق للحق والشرع ، ووفق أوامر إلهية قاطعة.

بين رأي عمر ، ورأي ابن معاذ :

لقد روى الطبري عن محمد بن إسحاق ، قال : لما نزلت هذه الآية : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى)(٣).

قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : لو نزل عذاب من السماء لم ينج

__________________

(١) الآيتين ٦٨ و٦٩ من سورة الأنفال.

(٢) مشكل الآثار ج ٤ ص ٢٩٢ و٢٩٣.

(٣) الآية ٦٧ من سورة الأنفال.

٣٦

إلا سعد بن معاذ ، لقوله : يا رسول الله ، الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال (١).

ولعل هذا هو الصحيح ؛ ولكن قد حرف لصالح الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، لأهداف لا تخفى.

وإنما قلنا : إنه هو الصحيح ؛ لأنه أسد الآراء ، وهو الموافق لمراد النبي «صلى الله عليه وآله» ، أما رأي عمر ، فقد كانت تعوزه الدقة والموضوعية ، كما سنرى إن شاء الله ، وكذلك سائر الآراء ، فإنها لم تكن صادرة عن نوايا سليمة ، ولعلها أو بعضها كانت بإيحاء وطلب من المشركين أنفسهم ، كما تقدم عن الواقدي.

وأما أبو بكر وغيره من الأنصار ، فقد تقدم أنهم أصروا على أخذ الفداء ، طمعا بالمال ، وطمعا في أن يخففوا من حدة عداء قريش لهم. وأيضا لأن فيهم الإخوان والأهل والعشيرة ـ على حد تعبير أبي بكر ـ ولأن هذا الأخير قد وعد الأسرى بأن يبذل جهده لصالحهم ، كما تقدم عن الواقدي.

وقد حاولوا أن يقنعوا النبي «صلى الله عليه وآله» بوجهة نظرهم ، ولو بالأساليب العاطفية ، كقولهم له : «أهلك ، وقومك ، وأسرتك ، أتجذ أصلهم». كما أن أبا بكر قد أقام دليلا مصلحيا على ذلك ، وهو أن يتقوى المسلمون بما يأخذونه من الفداء.

ولكن النبي «صلى الله عليه وآله» ظل يكره ذلك ، ولا تقنعه أقوالهم ؛ فإن رأي ابن معاذ هو الصحيح ، مضافا إلى اعتبارات أخرى ، لم تكن لتخفى

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ١٧١ ، وراجع : الثقات ج ١ ص ١٦٩.

٣٧

على النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله».

ونزلت الآية الشريفة لتصوب موقف الرسول «صلى الله عليه وآله» ، ثم ترخص لهم في أخذ الفداء ، بعد أن قبلوا بالعواقب الوخيمة لذلك ، حتى بأن يقتل منهم بعدد من يفدى من المشركين.

قتل الأسرى هو الأصوب :

لا شك في أن الأصوب كان قتل أسرى المشركين ، وذلك للأمور التالية :

١ ـ إن المأسورين كان فيهم عدد من سادات قريش ، ومن هم رأس الأفعى ، وقد حاربوا الرسول «صلى الله عليه وآله» والمسلمين ، وأخرجوهم من ديارهم ، وواجهوهم بشتى أنواع الإهانات والأذى ، وهؤلاء الناس هم المستكبرون الذين لا يرتدعون ولا يرجعون إلى دين ، بل يصرون على استئصال شأفة الإسلام ولا يقبلون بأي خيار منطقي يعرض عليهم.

وبعد الذي نالهم من ذل الهزيمة ، وذل الأسر ، قد أصبحوا أكثر حقدا على الإسلام والمسلمين. ولسوف يعاني المسلمون منهم ـ لو بقوا أحياء ـ الأمرين حسبما أشار إليه «صلى الله عليه وآله» ، حيث أوعد المسلمين إن هم فادوهم : أن يقتل منهم بعددهم.

٢ ـ وقد ظهر صحة ذلك ، من الدور الهام الذي كان لهم بعد ذلك في وقعة أحد وغيرها ، الأثر البارز في إلحاق الأذى بالمسلمين باستمرار في المراحل المختلفة. وما أحسن قول سعد بن معاذ : «إنها أول حرب لقينا فيها المشركين ، والإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال».

ويرى البعض : أن الله تعالى يريد بالتأكيد على قتل الأسرى : «أن يفهم

٣٨

المسلمين : أن النظرة إلى المال مرفوضة ، مهما كانت الظروف ، إلا إذا كانت في خدمة الهدف الأعظم وهو الدين».

٣ ـ إن قتلهم جزاء أعمالهم إن لم يقبلوا الإسلام يكون أيضا ضربة عسكرية وروحية موفقة لقريش ، وإضعافا لشوكة المشركين بصورة عامة ، وتشريدا لمن خلفهم من اليهود ومن مشركي العرب ، من غطفان ، وهوازن ، وثقيف ، وغيرهم.

وقد اتضح للجميع أنه إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» لا يحابي قومه على حساب دينه وعقيدته ، وقد قتلهم ؛ لأنهم أرادوا أن يمنعوه من أداء رسالته ، ويطفئوا نور الله ؛ فإنه سوف لا يحابي غيرهم ، إذا أرادوا أن يطفئوا نور الله ، وأن يقفوا في وجه دعوته ودينه.

وهذا سوف يؤثر في بث اليأس في قلوب اليهود ، وقريش والمشركين في جزيرة العرب كافة ، ولسوف يسهل على النبي «صلى الله عليه وآله» : أن يقنعهم بأن من الأفضل لهم أن يتركوا محاولاتهم العدوانية جانبا ؛ فإن الوقوف في وجه الدعوة سوف لا يكون حصاده إلا الدمار والفناء لهم.

٤ ـ ثم إن قتلهم سوف يطمئن الأنصار إلى أن النبي «صلى الله عليه وآله» سوف لن يصالح قومه ، ولن يعود إليهم ما داموا مصرين على شركهم. وبالتالي فهو لن يترك الأنصار ولن يتخلى عنهم ، لأنه يعتبر ـ انطلاقا من تعاليم دينه ـ أن رابطة الدين هي الأقوى ، ولا قرابة فوق قرابة العقيدة ، ولا نسب ولا رحم فوق نسب الإسلام والإيمان.

ولذلك فلا مجال لأن تساور الوساوس والمخاوف نفوس الأنصار ، وهي ما عبروا عنه في بيعة العقبة ، وبعد ذلك في فتح مكة ، من أنه ربما

٣٩

يصالح قومه ، أو ربما أدركته رغبة في قومه.

مع موقف عمر من الأسرى :

إننا نلاحظ :

١ ـ إن عمر بن الخطاب يطلب من النبي «صلى الله عليه وآله» : أن يضرب علي «عليه السلام» عنق أخيه عقيل ، ويضرب حمزة عنق أخيه العباس ، ويعتبرهم أئمة الكفر.

وهو طلب غريب حقا : كما أن سكوته عن فراعنة وزعماء قريش أغرب وأعجب!! ولا سيما وهو يسمع الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» يأمر الجيش ـ وعمر من ومع الجيش ـ بعدم قتل بني هاشم وهؤلاء بالذات ، وبعض من غيرهم ، لأنهم خرجوا مكرهين. هذا عدا عن أنه كان يعرف دفاعهم عن النبي «صلى الله عليه وآله» في مكة ، ودخولهم معه الشعب ، وتحملهم المشاق والمتاعب في سبيله.

٢ ـ قد تقدم : أنه لم يشهد معركة بدر أحد من بني عدي (١) وهم قبيلة عمر ، إذا فلسوف تكون الضربة في جلد غيره؟. وماذا يهم لو قتل الناس كلهم ما دام هذا الرجل لا يخاف على قومه وأهله.

ومن هنا نعرف : أن ما أضافه بعضهم ، حين ذكره لقول عمر : ومكني

__________________

(١) راجع : تاريخ الطبري ج ٢ ص ١٤٣ ، وسيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٧١ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٤٥ ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٢١ ، وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣١٤ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٧٥ ، وأي كتاب تاريخي شئت ، إذا كان يذكر بدرا ورجوع من رجع عنها قبل نشوب الحرب.

٤٠