الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-177-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٦

٢ ـ وهناك رواية عن علي في ذلك ، ويصرح فيها باسم العباس (١).

٣ ـ عن جابر بن سمرة ، قال : أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بسد الأبواب كلها غير باب علي.

فقال العباس : يا رسول الله ، قدر ما أدخل أنا وحدي وأخرج؟

قال : ما أمرت بشيء من ذلك ، فسدها غير باب علي.

قال : وربما مر وهو جنب (٢).

ولكن نفس هذه الرواية تقريبا ، قد رويت عن جابر بن سمرة ، وفيها :

أن رجلا قال ذلك. ولا تصرح بالاسم (٣).

٤ ـ وثمة رواية أخرى عن سعد بن أبي وقاص تصرح باسم العباس أيضا ، ولكن لها نص آخر جاء فيه : أن عمه اعترض عليه ، من دون تصريح بالاسم (٤).

٥ ـ وعن أبي الطفيل في حديث مناشدة علي للمجتمعين يوم الشورى قال «عليه السلام» : «سد النبي «صلى الله عليه وآله» أبواب المهاجرين وفتح

__________________

(١) راجع : كنز العمال ج ١٥ ص ١٥٥ ، واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٥١ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٤ ، ومنتخب الكنز بهامش المسند ج ٥ ص ٥٥.

(٢) مجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٤ و١١٥ عن الطبراني بسند فيه ناصح ، وهو متروك ، والقول المسدد ص ٢٣ ، ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٨٠ ، والغدير ج ٣ ص ٢٠٦ عن بعض من تقدم ، وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٤٦ ، وراجع : نزل الأبرار ص ٦٩ ، وإحقاق الحق ج ٥ ص ٥٥٥ عن مصادر أخرى.

(٣) وفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٧٩ و٤٨٠.

(٤) خصائص النسائي ص ٧٤ و٧٥ ، واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٤٦ ، والغدير ج ٣ ص ٢٠٧ عن الأول.

٣٠١

بابي ، حتى قام إليه حمزة والعباس ؛ فقالا : يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علي؟

فقال النبي «صلى الله عليه وآله» : ما أنا فتحت .. إلخ» (١).

ونحن نرجح : أن حديث سد الأبواب قد كان قبل استشهاد حمزة بن عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه ، وذلك لعدم وجود اختلاف في الروايات الدالة على ذلك من جهة.

ولأننا نستبعد : أن يترك الصحابة أكثر من ثماني سنوات يمرون في المسجد حتى في حال الجنابة من جهة ثانية.

ولأننا كذلك نجد في ذكر كلمة «عمه» في بعض الروايات ، ثم إبدالها بكلمة «العباس» في غيرها ما يشير إلى أن هذه الزيادة ـ عن عمد ، أو عن غير عمد ـ قد جاءت من قبل الرواة أنفسهم ، إما اعتمادا على ما هو المركوز في أذهانهم ، أو لهدف سياسي معين.

أضف إلى ذلك : أن ذكر رقية في بعض النصوص الأخرى ، يؤيد بل يدل على صحة الروايات التي تصرح باسم حمزة رضوان الله تعالى عليه ، لأن رقية قد توفيت في السنة الثانية ، إما بعد بدر مباشرة ، أو في ذي الحجة ، كما تقدم.

حديث سد الأبواب في مصادره :

وقد ذكرت المصادر الكثيرة جدا بالأسانيد الكثيرة الصحيحة : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، حين أمر بسد الأبواب ، إلا باب علي «عليه

__________________

(١) مناقب الخوارزمي الحنفي ص ٢٢٥.

٣٠٢

السلام» قد أحدث هزة عنيفة بين المسلمين ، لا سيما وأنه قد أجاز له أن يدخل المسجد وهو جنب ، كما في النصوص.

وقال الناس في ذلك ـ ولا سيما قريش ـ : سددت أبوابنا ، وتركت باب علي؟!

فقال : ما بأمري سددتها ، ولا بأمري فتحتها.

أو قال : ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي وتركته ، ولكن الله أخرجكم وتركه ، وإنما أنا عبد مأمور ، ما أمرت به فعلت ، إن أتبع إلا ما يوحى إلي.

أو ما هو قريب من هذا.

وفي بعض النصوص : أنه «صلى الله عليه وآله» صعد المنبر ، وهو في حالة غضب ، بعد أن عصوا أمره مرتين ، ولم يطيعوا إلا في الثالثة. وهذا الغضب والحنق منه قد أيدته وأكدته النصوص الكثيرة ، فلا مجال للتشكيك فيه.

هذا ، ويقول الجويني : «حديث (سد الأبواب) رواه نحو من ثلاثين رجلا من الصحابة ، أغربها حديث عبد الله بن عباس» (١).

وقد روى له السيوطي فقط حوالي أربعين طريقا على ما قاله الحجة الشيخ المظفر (٢).

وممن رواه من الصحابة : علي «عليه السلام» ، عمر بن الخطاب ، ولده عبد الله ، زيد بن أرقم ، البراء بن عازب ، عبد الله بن عباس ، أبو سعيد

__________________

(١) فرائد السمطين ج ١ ص ٢٠٨.

(٢) دلائل الصدق ج ٢ ص ٢٦٦.

٣٠٣

الخدري ، جابر بن سمرة ، أبو حازم الأشجعي ، جابر بن عبد الله ، عائشة ، سعد بن أبي وقاص ، أنس بن مالك ، بريدة ، أبو رافع مولى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، حذيفة بن أسيد الغفاري ، ابن مسعود ، أبوذر الغفاري ، أم سلمة أم المؤمنين. ورواه أيضا : عبد المطلب بن عبد الله بن حنطب أبو الحمراء ، وحبة العرني ، وكيسان البراد ، وغيرهم (١).

__________________

(١) راجع المصادر التالية : مسند أحمد ج ٤ ص ٣٦٩ وج ٢ ص ٢٦ ، وج ١ ص ١٧٥ و٣٣١ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٤ و١١٥ و١٢٠ ، والخصائص للنسائي ص ٧٢ ـ ٧٥ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٥ و١١٧ و١٣٤ ، وتلخيصه للذهبي بهامشه ، والقول المسدد ص ١٩ ـ ٢٦ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٢٠٤ ، ومعرفة علوم الحديث ص ٩٩ ، ونزل الأبرار ص ٦٩ ، وفتح الباري ج ٧ ص ١٢ ـ ١٤ ، وإرشاد الساري ج ٦ ص ٨٤ و٨٥ ، ووفاء الوفاء للسمهودي ج ٢ ص ٤٧٤ ـ ٤٨٠ ، والبحار ج ٣٩ ص ١٩ ـ ٣٤ ، عن كثير من المصادر ، والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٤٢ ، واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٤٦ و٣٥٤ ، والصواعق المحرقة ص ١٢١ و١٢٢ و١٢٥ ، والمناقب للخوارزمي ص ٢١٤ و٢٣٥ و٢٣٨ ، وفرائد السمطين ج ١ ص ٢٠٥ ـ ٢٠٨ ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ٢٥٢ و٢٦١ ، وسنن الترمذي ج ٥ ص ٦٣٩ ـ ٦٤١ ، وكنز العمال ج ١٥ ص ٩٦ و١٠١ و١٢٠ و١٥٥ ، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ١٠٦ ، والإصابة ج ٢ ص ٥٠٩ ، وفضائل الخمسة ج ١ ص ٢٣١ وج ٢ ص ١٤٩ ـ ١٥٧ ، وحلية الأولياء ج ٤ ص ١٥٣ ، والطرائف لابن طاووس ٦٠ ـ ٦٣ ، وترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ ابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ج ١ ص ٢٥٢ ـ ٢٨١ و٣٢٧ و٢١٩ ، وكفاية الطالب ص ٢٠١ ـ ٢٠٤ ، وتذكرة الخواص ص ٤١ ، وتاريخ بغداد ج ٧ ص ٢٠٥ ، والدر المنثور ج ٣ ص ٣١٤ ، وعلل الشرايع ص ٢٠١

٣٠٤

النواصب وحديث سد الأبواب :

وبعد كل ما تقدم ، فلا يمكن أن يصغى لقول ابن الجوزي ، وابن كثير ، وابن تيمية : إن حديث سد الأبواب ليس بصحيح.

أو إنه من وضع الرافضة (١).

فإن تواتر هذا الحديث في كتب أهل السنة ، وتصحيح حفاظهم لكثير من طرقه ، ورواية العشرات من الصحابة له ، أي نحو ثلاثين صحابيا. إن ذلك لا يمكن أن يخفى على أحد.

__________________

و٢٠٢ ، وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٣٣٠ ـ ٣٣٥ ، وينابيع المودة ص ٢٨٣ ، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٢٩ ، وذخائر العقبى ص ٧٦ و٧٧ و٨٧ ، ولسان الميزان ج ٤ ص ١٦٥ ، وراجع : سنن البيهقي ج ٧ ص ٦٥ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ١٩٥ ، والغدير ج ٣ ص ٢٠١ ـ ٢١٥ ، وج ١٠ ص ٦٨ عن غير واحد ممن تقدم ، وملحقات إحقاق الحق ج ٥ من ص ٥٤٠ حتى ص ٥٨٦ عن كثير ممن تقدم وعن الحاوي للفتاوى ج ٢ ص ١٥ وغيره من المصادر.

وقد نقلنا بالواسطة عن : غاية المرام ص ٦٤٠ ، وأرجح المطالب ط لاهور ص ٤٢١ ، والكشاف ج ١ ص ٣٦٦ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٢٤٨ ، وكنز العمال ج ٦ ص ١٥٢ و١٥٧ و٣٩١ و٣٩٨ و٤٠٨ ، وأخبار القضاة ج ٣ ص ١٤٩ ، والخصائص الكبرى ج ٢ ص ٢٤٣ ، ورواه أيضا : الطبراني في الكبير والأوسط ، وأبو يعلى ، وسعيد بن منصور ، والضياء في المختارة ، والكلاباذي ، والبزار ، والعقيلي ، وابن السمان ، وكثير غيرهم.

(١) اللآلي المصنوعة للسيوطي ج ١ ص ٣٤٧ ، وتفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٠١ ، ومنهاج السنة ج ٣ ص ٩ ، والقول المسدد ص ١٩ ، وفتح الباري ج ٧ ص ١٣ عن ابن الجوزي ، ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٧٦.

٣٠٥

وإذا جاز : أن يضع الرافضة مثل هذا الحديث ، ويدخلوه في عشرات الكتب والمسانيد ، فإنه لا يمكن الوثوق بعد هذا بأي حديث ، ولا كتاب ، ولا بأي حافظ من أهل السنة.

هذا بالإضافة إلى ما في هذه الدعوى من رمي أمة بأسرها بالبله والتغفيل الذي لا غاية بعده.

ويكفي أن نذكر : أن العسقلاني (١) بعد أن ذكر ستة من الأحاديث في سد الأبواب إلا باب علي ، قال : «وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ، وكل طريق منها صالح للاحتجاج ، فضلا عن مجموعها».

ثم ذكر : أن ابن الجوزي لم يورد الحديث إلا من طريق سعد بن أبي وقاص ، وزيد بن أرقم ، وابن عمر ، مقتصرا على بعض طرقه عنهم ، وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته.

وقال العسقلاني أيضا بعد أن ذكر بعض طرقه : «فهذه الطرق المتضافرة من روايات الثقات تدل على أن الحديث صحيح دلالة قوية ، وهذه غاية نظر المحدث» (٢).

وقال : «فكيف يدعى الوضع على الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم؟ ولو فتح هذا الباب لادعي في كثير من الأحاديث الصحيحة

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ١٣ ، وراجع : إرشاد الساري ج ٦ ص ٨٥ ، وراجع : القول المسدد ص ٢٠ ، ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٧٦.

(٢) القول المسدد ص ٢٣ ، واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٥٠ عنه باختلاف يسير في اللفظ.

٣٠٦

البطلان ، ولكن يأبى الله ذلك والمؤمنون» (١).

وقال الجصاص : «ما ذكر من خصوصية علي رضي الله عنه فهو صحيح ، وقول الراوي : لأنه كان بيته في المسجد ، ظن منه ؛ لأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر في الحديث الأول بتوجيه البيوت الشارعة إلى غيره ، ولم يبح لهم المرور لأجل كون بيوتهم في المسجد ؛ وإنما كانت الخصوصية فيه لعلي رضي الله عنه دون غيره ، كما خص جعفر بأن له جناحين في الجنة ، دون سائر الشهداء الخ ..» (٢).

خوخة أو باب أبي بكر :

وفي البخاري ، عن ابن عباس : سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر ، وعن أبي بكر ، وعن أبي سعيد الخدري عنه «صلى الله عليه وآله» : إن أمن الناس علي في صحبته ، وماله ، أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لا تخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته. لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر. أو لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر.

قال ذلك في مرضه الذي مات فيه. وعند مسلم ، عن جندب : قبل أن يموت بخمس ليال ، وعند الطبراني ، وأبي يعلى بإسناد حسن عن معاوية وعائشة : أن ذلك بعد أن صب عليه «صلى الله عليه وآله» من سبع قرب من

__________________

(١) القول المسدد ص ٢٤ و٢٥ ، وراجع ص ١٩ وعنه في اللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٥٠.

(٢) أحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٢٠٤.

٣٠٧

آبار شتى (١).

وقد استدلوا بذلك على استحقاق أبي بكر للخلافة ، لا سيما وأنه قد ثبت أن ذلك كان في أواخر حياته «صلى الله عليه وآله» (٢).

ونقول :

١ ـ بعد أن ثبت صحة حديث : سدوا الأبواب إلا باب علي ؛ وبعد أن اتضح : أنه لم يكن حين مرض وفاته «صلى الله عليه وآله» أي باب مفتوحا إلا باب علي ، فلا معنى لأن يأمرهم «صلى الله عليه وآله» بسد هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر (٣) ، بعد أن لم يسمح النبي «صلى الله عليه وآله» لذلك الرجل!! بكوة ، ولو بقدر ما يخرج رأسه ، حتى ولو بقدر رأس الإبرة!! (٤).

__________________

(١) راجع : البخاري باب قول النبي «صلى الله عليه وآله» سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر بهامش فتح الباري ج ٧ ص ١١ و١٢ وباب الهجرة وفي كتاب الصلاة ، وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٠٨ ، ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٧١ و٤٧٢ عنهما وعن الطبراني ، وأبي يعلى ، وابن سعد. وراجع : القول المسدد ص ٢٤ و٢٥ ، واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٥٠ و٣٥٢ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٣٠ و٢٢٩ ، وتفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٠١ ، وتفسير الرازي ج ٢ ص ٣٤٧ ، والمصنف ج ٥ ص ٤٣١ ، وحياة الصحابة ج ٣ ص ٣٤٦ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٤٢.

(٢) وفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٧٢ و٤٧٣ ، وفتح الباري ج ٧ ص ١٢ ، وإرشاد الساري ج ٦ ص ٨٤ ، وراجع : القول المسدد ص ٢٤ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٣٠.

(٣) الغدير ج ٣ ص ٢١٣ ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ٢٦١.

(٤) وفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٧٧ ، وراجع : فرائد السمطين ج ١ ص ٢٠٦ عن أبي نعيم ، واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٤٩ و٣٥١.

٣٠٨

وبهذا يتضح عدم صحة قولهم في وجه الجمع : إنهم بعد أن سد النبي «صلى الله عليه وآله» أبوابهم ، استحدثوا خوخا يستقربون منها الدخول إلى المسجد (١).

٢ ـ هذا بالإضافة إلى أن الحديث قد تضمن منّ أبي بكر على النبي «صلى الله عليه وآله» بصحبته له ، وقد تقدم في حديث الغار : أن ذلك لا يصح إلا على معنى فيه ذم لأبي بكر. كما أنه قد تضمن حديث خلة أبي بكر.

وتقدم في حديث المؤاخاة : أنه لا يمكن أن يصح أيضا.

٣ ـ إن البعض يذكر : أن بيت أبي بكر كان بالسنح ، ويشك كثيرا ، بل على حد تعبير التوربشتي : لم يصح أن يكون له بيت قرب المسجد (٢).

وأجيب : بأنه لا يلزم من ذلك أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد ، واستدل على ذلك بأنه قد كان لأبي بكر أزواج متعددة كأسماء بنت عميس ، وغيرها ، وبأن ابن شبة قد ذكر : أنه كان له في زقاق البقيع دار قبالة دار عثمان الصغرى ، واتخذ منزلا آخر عند المسجد في غربيه (٣).

ولكن ذلك لا يثبت ما يريدون إثباته ؛ فإن تعدد أزواجه لا يلزم منه أن يكون له بيت في جانب المسجد ، ولا سيما إذا كان له بيت في زقاق البقيع ـ بعيدا عن المسجد ـ في قبالة دار عثمان الصغرى. ثم لماذا لا يسكن أزواجه

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ١٣ ، والقول المسدد ص ٢٥ ، ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٧٧ ، وهم عن الطحاوي في مشكل الآثار ، والكلاباذي في معاني الأخبار.

(٢) فتح الباري ج ٧ ص ١٢ ، وإرشاد الساري ج ٦ ص ٨٤ ، ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٧٣.

(٣) المصادر الثلاثة المتقدمة.

٣٠٩

مع تعددهن في بيت واحد ذي حجر متعددة ، كغيره من أهل المدينة ـ ومنهم النبي «صلى الله عليه وآله» ـ الذين كان لهم عدة زوجات.

ولعل هؤلاء قد اعتمدوا في ذكرهم بيتا لأبي بكر عند المسجد على هذا الحديث بالذات. أو أنهم أرادوا بذكرهم بيتا له كذلك أن يمدوا يد العون لهذا الحديث الذي توالت عليه العلل والأسقام ، تماما كما جعلوا ـ إلى يومنا هذا ـ خوخة في المسجد من أجل تصحيح ذلك. ولكنهم لم يجعلوا بابا لعلي «عليه السلام» ، وهو الذي ثبت أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أبقى بابه مفتوحا ، وسد كل باب في المسجد سواه.

٤ ـ لقد اعترف ابن عمر ، وأبوه : أن عليا قد أوتي ثلاث خصال ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : زوجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ابنته وولدت له ، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر (١).

فهذه الرواية صريحة في أنه «عليه السلام» قد اختص بذلك ، كما اختص بالراية يوم خيبر ، وبتزوجه فاطمة «عليها السلام» ، وولادتها له.

ولو كان لأبي بكر فضل هنا وامتياز ، لم يسمح عمر ولا ولده لنفسيهما باختصاصه «عليه السلام» بهذا الوسام. وامتيازه في قضية سد الأبواب كامتيازه في قضية الراية يوم خيبر ، حيث إن أخذ أبي بكر وعمر لها ليس فقط لم يكن امتيازا لهما ، بل كان وبالا عليهما ، كما هو معلوم.

٥ ـ وأخيرا ، فقد قال المعتزلي عن البكرية التي أرادت مقابلة الأحاديث

__________________

(١) راجع : مسند أحمد ج ٢ ص ٢٦ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٥ ، والصواعق المحرقة الفصل ٣ باب ٩ ، وكنز العمال ، وغير ذلك من المصادر المتقدمة.

٣١٠

في فضل علي : إنها «وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث ، نحو : «لو كنت متخذا خليلا» فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء ، ونحو سد الأبواب ، فإنه كان لعلي «عليه السلام» ؛ فقلبته البكرية إلى أبي بكر» (١).

وقد ذكر اللمعاني : أن قضية سد باب أبي بكر ، وفتح باب علي «عليه السلام» كانت من أسباب حقد عائشة على أمير المؤمنين «عليه السلام» ، فراجع (٢).

وما أجمل ما قاله الكميت في هذه المناسبة :

علي أمير المؤمنين وحقه

من الله مفروض على كل مسلم

وزوجه صديقة لم يكن لها

معادلة غير البتولة مريم

وردم أبواب الذين بنى لهم

بيوتا سوى أبوابه لم يردم

وقال السيد الحميري :

وخبر المسجد إذ خصه

مجللا من عرصة الدار

إن جنبا كان وإن طاهرا

في كل إعلان وإسرار

وأخرج الباقين منه معا

بالوحي من إنزال جبار

وقال الصاحب بن عباد :

ولم يك محتاجا إلى علم غيره

إذا احتاج قوم في قضايا تبلدوا

__________________

(١) شرح النهج ج ١١ ص ٤٩.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ١٩٥.

٣١١

ولا سد عن خير المساجد بابه

وأبوابهم إذ ذاك عنه تسدد

كلام ابن بطريق حول حديث سد الأبواب :

ولابن بطريق كلام هنا نلخصه على النحو التالي :

إن الله تعالى قد أظهر الفرق بين أمير المؤمنين «عليه السلام» ، وبين غيره. وإذا كان الحرام على غيره قد حل له ، فإن ذلك يعني : أنه يمتاز على ذلك الغير. والنبي «صلى الله عليه وآله» قد فتح أبواب الجميع على ظاهر الحال من الصلاح والخير ، والنبي «صلى الله عليه وآله» لا يعلم إلا هذا الظاهر إلا أن يطلعه الله على الباطن.

وعليه ، فإن كان تعالى قد سد أبوابهم على ظاهر الحال ، فقد بينا : أنها كانت صالحة عند الكل ؛ ولذلك فتح أبوابهم أولا ، فلم يبق إلا أنه قد سد أبوابهم ، من أجل شيء يرجع إلى الباطن ، وفتح بابه لأنه قد انفرد بصلاح الباطن دونهم ، (أو فقل : انفرد في كونه القمة في الصلاح الباطني) بالإضافة إلى مشاركته لهم في صلاح الظاهر.

وبذلك امتاز «صلوات الله وسلامه عليه» عليهم.

ثم إن منعهم من الجواز وإباحته له ، إما أن يكون بلا سبب ، وهو عبث لا يصدر من حكيم ، وإما أن يكون له سبب ، وذلك يدل على انفراده «عليه السلام» بما لا يشركه فيه غيره.

وأقواله «صلى الله عليه وآله» تعضد هذا التخصص ، وتدل على صلاح باطنه ، كقوله «صلى الله عليه وآله» : «علي مني ، وأنا منه».

وقوله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى».

٣١٢

وقوله : «أنت أخي في الدنيا والآخرة».

وقوله : «صلت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين قبل الناس».

وقوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه».

وقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(١).

وغير ذلك من مناقبه ومآثره ومزاياه ؛ فلو لا ثبوت هذه المزايا له على غيره ، لما أنزله من نفسه بهذه المنازل ، ولما أقامه من نفسه في شيء من ذلك ، ولا أذن الله له بتخصيصه وتمييزه عن أمثاله وأضرابه الخ .. (٢). إنتهى ملخصا.

كلام العلامة المظفر :

ويقول العلامة الشيخ محمد حسن المظفر «رحمه الله» ما ملخصه : إن هذه القضية تكشف عن طهارة علي ، وأنه يحل له أن يجنب في المسجد ، ويمكث فيه كذلك ، ولا يكره له النوم فيه ، تماما كما كان ذلك لرسول الله «صلى الله عليه وآله». فإن عمدة الغرض من سد الأبواب هو تنزيه المسجد عن الأدناس ، وإبعاده عن المكروهات. وكان علي «عليه السلام» كالنبي «صلى الله عليه وآله» طاهرا مطهرا ، ولا تؤثر فيه الجنابة دنسا معنويا ، وكان بيت الله كبيته بكونه حبيبه القريب منه. وأبو بكر لم يكن ممن أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا ؛ ليحسن دخوله للمسجد جنبا ، ولا هو منه بمنزلة هارون من موسى ؛ ليمكن إلحاقه به.

__________________

(١) الآية ٣٣ من سورة الأحزاب.

(٢) راجع : كشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٣٣٣ و٣٣٤.

٣١٣

هذا كله ، عدا عن ضعف خبر باب أو خوخة أبي بكر بفليح بن سليمان (١) ، وبإسماعيل بن عبد الله الكذاب الوضاع (٢).

أبواب المهاجرين فقط :

ومن الواضح : أن البيوت التي كانت شارعة في المسجد إنما هي أبواب بيوت المهاجرين ؛ ويؤيد ذلك ما روي في حديث مناشدة علي «عليه السلام» لأهل الشورى ، حيث يقول :

«أكان أحد مطهرا في كتاب الله غيري ، حين سد النبي «صلى الله عليه وآله» أبواب المهاجرين ، وفتح بابي؟! (٣).

بيت علي عليه السّلام أم النبي صلّى الله عليه وآله؟!

وأما محاولة فضل بن روزبهان إيهام أن البيت كان للنبي «صلى الله عليه وآله» ، وكان علي «عليه السلام» ساكنا في بيت النبي «صلى الله عليه وآله» ، حيث قال : «كان المسجد في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وكان علي ساكنا بيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، لمكان ابنته الخ ..».

فهي محاولة فاشلة : وذلك لأن الأخبار قد صرحت : بأن الباب لعلي ، حتى تكلم الناس في استثناء بابه. ولو كان الباب للنبي «صلى الله عليه وآله» لما كان ثمة مجال لكلامهم ، واعتراضهم ، وحسدهم.

__________________

(١) راجع كتابنا : حديث الإفك ص ٦٠ و٦١.

(٢) راجع ص ٢١ و٢٢ من دلائل الصدق ج ١.

(٣) اللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٦٢.

٣١٤

(أقول : بل لا مجال لاستثنائه أصلا ، لأن النبي أمرهم بسد أبوابهم ، أما الباب الذي له فهو يعرف وظيفته ، وتكليفه فيه).

وواضح : أن هدف ابن روزبهان ، هو أن يجعل المستثنى هو باب رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، لأن البيت كان له. إذا فلا يكون لعلي «عليه السلام» فضل.

فالهدف الأول والأخير له ـ بحسب ما يظهر من كلامه ـ هو إنكار فضائل علي «عليه السلام» (١).

ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ويظهر دينه ، وينصر ويعز وليه.

أضف إلى كل ما تقدم : أن عليا «عليه السلام» قد بنى بفاطمة في بيت حارثة بن النعمان (٢) ، وحارثة هذا كان قد أعطى للرسول «صلى الله عليه وآله» بيوتا أخرى ليسكن بها أزواجه (٣).

سرقة طعمة :

وتذكر في السنة الثالثة ، قبل وقعة أحد سرقة طعمة بن أبيرق درعا لجاره قتادة بن النعمان ، وسنذكرها مع بعض الملاحظات والمناقشات في الجزء الآتي من هذا الكتاب في فصل : من متفرقات الأحداث.

__________________

(١) راجع : دلائل الصدق ج ٢ ص ٢٦١ ـ ٢٦٧.

(٢) البحار ج ١٩ ص ١١٣ ، وإعلام الورى ص ٧١.

(٣) البحار ج ١٩ ص ١١٣ ، وإعلام الورى ص ٧١ ، وراجع : الوفاء لابن الجوزي ج ١ ص ٢٥٧ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦٦ ، ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ١٣١ ، ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٦٢ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٣٦.

٣١٥
٣١٦

الفصل الرابع :

غزوات وسرايا دفاعية

٣١٧
٣١٨

غزوات وسرايا :

هناك سرايا وغزوات حصلت بين المسلمين والمشركين ، وأخرى كانت بين المسلمين واليهود. ونحن نشير هنا إلى كلا النوعين ، فنقول :

أما بالنسبة لما كان بين المسلمين وغير اليهود ، فنشير إلى :

غزوات لبني سليم وغطفان :

١ ـ يقول المؤرخون : إن النبي «صلى الله عليه وآله» غزا بنفسه بني سليم بعد بدر بسبع ليال ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، أو سباع بن عرفطة ؛ فلما بلغ ماء من مياههم يقال له : الكدر ، أقام «صلى الله عليه وآله» هناك ثلاث ليال ، ثم رجع إلى المدينة ، ولم يلق كيدا ، وكان يحمل لواءه أمير المؤمنين «عليه السلام» ، وكان اللواء أبيض اللون.

ويبدو أن هذه هي نفس الغزوة التي يقال لها : «غزوة قرقرة الكدر». وسببها أنه قد بلغه «صلى الله عليه وآله» : أن جمعا من بني سليم وغطفان بقرقرة الكدر (والظاهر أنهم كانوا ينوون غزو المدينة) فسار إليهم في مائتين من أصحابه ، فغنم منهم خمسمائة بعير ، فخمّسها ، وقسم الباقي على أصحابه. ووقع غلام اسمه يسار في سهمه ؛ فأسلم ، ورآه النبي «صلى الله عليه وآله» يصلي ، فأعتقه.

٣١٩

وقال الواقدي : إن قرقرة الكدر كانت في المحرم سنة ثلاث (١).

٢ ـ ويقول الدمياطي : إن غزوة بني سليم هي نفس غزوة بحران ، حيث بلغه : أن جمعا كثيرا من بني سليم كانوا في بحران ؛ فخرج إليهم في ثلاثمائة من أصحابه ، لست خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث للهجرة ، ولم يظهر وجها للسير ؛ فرجع ولم يلق كيدا (٢).

غزوة السويق :

وبعد رجوعه «صلى الله عليه وآله» من غزوة قرقرة الكدر ، أي في ذي الحجة من السنة الثانية أو الثالثة : كانت غزوة السويق ، فبعد أن أصيبت قريش في بدر حلف أبو سفيان : أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا «صلى الله عليه وآله» وقال :

كروا على يثرب وجمعهم

فإن ما جمعوا لكم نفل

إن يك يوم القليب كان لهم

فإن ما بعده لكم دول

آليت لا أقرب النساء ولا

يمس رأسي وجلدي الغسل

حتى تبيدوا قبائل الأوس

والخزرج إن الفؤاد يشتعل

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢١١ و٢١٢ ، وراجع ص ٢٠٥ ومصادر ذلك كثيرة فراجع كتب السيرة والتاريخ.

(٢) راجع في هذه السرية : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٦ ، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٢ ص ١٨ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢١٣ ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ٩١ ، والمغازي للواقدي ج ١ ص ١٩٦ و١٩٧.

٣٢٠