الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-177-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٦

وفي رواية : أن حمزة قد فعل ذلك في واقعة أحد ، حتى إن الرسول إنما رضي عنه في وسط المعركة ، وبعد أن حمل عدة حملات صاعقة على العدو (١).

وذلك لا يصح ، أما :

أولا : فلأن مختلف الروايات الواردة في زواج أمير المؤمنين تقول : إنه «عليه السلام» لم يكن يملك إلا درعه الحطمية ، التي باعها وأنفق ثمنها على الزفاف ، وتضيف بعض الروايات فرسه أيضا.

ولو كان عنده شارفان من الإبل ، لكان الأولى أن يذكرهما للنبي «صلى الله عليه وآله» حينما سأله عما يملك ، مما يريد أن يقدمه مهرا ، فلم يذكر له إلا درعه الحطمية ؛ فلتراجع الروايات المتقدمة.

وثانيا : إن من المعلوم : أن زفاف فاطمة قد كان قبل أحد بعدة أشهر ،

__________________

ص ٣٧٨ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٦١ ، وتفسير البرهان ج ١ ص ٤٩٨ ، وتفسير الميزان ج ٦ ص ١٣١ كلاهما عن العياشي ، وراجع : مشكل الآثار ج ٢ ص ٢٨٧. وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٩ وشرحه للأشخر اليمني ، والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ٢٨٧ ، وغرائب القرآن مطبوع بهامش جامع البيان ج ٧ ص ٢٩ و٣٠ و٣١ ، وأسباب النزول ص ١١٨ و١١٩ ومدارك التنزيل للخازن ج ١ ص ١٤٧. ولكن النص الموجود في المصادر الأخيرة قد ذكر نزول آية سورة المائدة في هذه المناسبة ، مع وجود مخالفة ظاهرة للرواية المذكورة في المتن أعلاه. مع أن سورة المائدة قد نزلت بعد سنوات من استشهاد حمزة في حرب أحد. وذلك ظاهر ؛ لأنها إنما نزلت في أواخر حياة النبي «صلى الله عليه وآله». فراجع : الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن مصادر كثيرة.

(١) راجع : البحار ج ٢٠ ص ١١٤ و١١٥ عن المجالس والأخبار ص ٥٧ و٥٨ ، وتفسير العياشي ج ١ ص ٣٣٩ و٣٤٠.

٢٤١

فكيف تقول الرواية الثانية : إن ذلك قد كان في أحد؟.

كما أنهم قد قرروا : أن حمزة كان يوم أحد وقبله صائما (١).

فكيف يكون قد شرب الخمر ، وفعل ما فعل في ذلك اليوم ، أو في الذي قبله؟!.

وثالثا : إن الخمر لم تكن سمعتها حسنة عند العرب ، وكانوا يدركون سوءها ، وقد حرمها عدد منهم على نفسه قبل مجيء الإسلام ، مثل : أبي طالب (٢) وعبد المطلب (٣) ، وتقدم ذلك عن جعفر بن أبي طالب أيضا كما رواه في الأمالي.

وذكر ابن الأثير : أن ممن حرمها على نفسه عثمان بن مظعون ، وعباس بن مرداس ، وعبد المطلب ، وجعفر ، وقيس بن عاصم ، وعفيف بن معد يكرب العبدي ، وعامر بن الظرب ، وصفوان بن أمية ، وأبو بكر ، وعثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن جدعان (٤).

وإن كنا نشك في ذلك بالنسبة إلى بعض من ذكرهم ، مثل أبي بكر ، وعبد الرحمن بن عوف ، كما سنرى.

وأما ذكر عمر بن الخطاب مع هؤلاء ، فلا شك في أنه من إضافات

__________________

(١) مغازي الواقدي ج ١ ص ٢١١ ، وشرح النهج ج ١٤ ص ٢٢٤.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ١ ص ١١٣.

(٣) راجع : السيرة الحلبية ج ١ ص ٤ و١١٣ ، وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج ١ ص ٢٧٩ ، وأسنى المطالب ص ٥٨.

(٤) أسد الغابة ج ٣ ص ١١٣ ، وراجع : شرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج ١ ص ٢٧٩ ، وعن عباس بن مرداس راجع : الإصابة ج ٢ ص ٢٧٢.

٢٤٢

النساخ ، جريا على العادة في ذكر هذه الأسماء ، لأنه كان من أشرب الناس للخمر في الجاهلية ، بل لقد استمر على ذلك حتى بعد أن أسلم كما أوضحه العلامة الأميني (١). وسيأتي إن شاء الله بعض من ذلك أيضا.

ومهما يكن من أمر ، فقد عد ابن حبيب ممن حرم الخمر على نفسه أيضا : ورقة بن نوفل ، وأبا أمية بن المغيرة ، والحارث بن عبيد المخزوميين ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وعامر بن حذيم ، وعبد الله بن جدعان ، ومقيس بن قيس ، وعثمان بن عفان ، والوليد بن المغيرة ، وشيبة بن ربيعة ، وعبد المطلب بن هاشم (٢).

وإنما حرمها هؤلاء على أنفسهم ، لأنهم رأوها لا تناسب كرامتهم وسؤددهم ، كما يظهر من رواية تنسب إلى أبي بكر ؛ فقد روى ابن عساكر ـ وإن كان سيأتي عدم صحة هذه الرواية ، لكننا نذكرها لدلالتها على سوء سمعة الخمر عند العرب ـ : أنه قيل لأبي بكر في مجمع من الصحابة : هل شربت الخمر في الجاهلية؟!

فقال : أعوذ بالله.

فقلت : ولم؟

قال : كنت أصون عرضي ، وأحفظ مروءتي ، فإن من شرب الخمر كان متضيعا في عرضه ومروءته الخ .. (٣).

__________________

(١) راجع : الغدير ج ٦ ص ٩٥ ـ ١٠٣.

(٢) المنمق ص ٥٣١ و٥٣٢ ، وراجع : شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٩.

(٣) الصواعق المحرقة ص ٧٣ عن ابن عساكر ، وقال ابن حجر : وهو مرسل غريب سندا ومتنا.

٢٤٣

وقال ابن الأثير : «وكان العباس بن مرداس ممن حرم الخمر في الجاهلية ، فإنه قيل له : ألا تأخذ من الشراب ، فإنه يزيد في قوتك ؛ وجراءتك؟

فقال : لا أصبح سيد قومي ، وأمسي سفيها ، لا والله لا يدخل جوفي شيء يحول بيني وبين عقلي أبدا» (١).

ومن عرف حمزة ، واطلع على سمو نفسه ، وعزته ، وأنفته ، وسجاياه ، فإنه يرى : أنه لا يقصر عن هؤلاء ، ولا عن غيرهم ممن حرمها على نفسه ، إن لم يكن يزيد عليهم في كثير من الخصال والسجايا ، التي تجعله يربأ بنفسه عن أمر كهذا.

ولعل حشر حمزة ، بل وحتى أمير المؤمنين «عليه السلام» ، الذي ربي في حجر النبوة ، ليس إلا من أولئك الحاقدين على الإسلام وحماته ، ممن يهمهم الطعن في كرامة كل هاشمي ، كما هو ظاهر سيرة الأمويين والزبيريين ، وأذنابهم ومن يتزلف لهم ، ولو بالكذب والدجل والافتراء.

ورابعا : إن الأقوال والروايات تكاد تكون متفقة على مخالفة رواية الشارفين المذكورة ، لأن رواية الشارفين تقول : إن تحريم الخمر كان حين زفاف فاطمة «عليها السلام».

والأقوال في تحريم الخمر نشير إليها فيما يلي :

أقوال في تحريم الخمر :

هذا .. وقد ذكر أبو إسحاق السبيعي ، وابن إسحاق ، وغيرهما : أن

__________________

(١) أسد الغابة ج ٣ ص ١١٣.

٢٤٤

الخمر قد حرمت سنة أربع من الهجرة (١).

وقال آخرون : إنها قد حرمت سنة ست ، جزم به الحافظ الدمياطي ، ورجحه القسطلاني (٢).

وقال آخرون : إنها قد حرمت سنة ثلاث (٣) ، وآخرون : إنها حرمت سنة ثمان (٤).

قال أبو هريرة : لما نزل تحريم الخمر ، كنا نعمد إلى الخلقانة الخ .. (٥).

ومن المعلوم : أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر.

ورأى آخرون : أن تحريمها كان في أول الهجرة ، لقوله تعالى في سورة البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما)(٦).

__________________

(١) راجع تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٨ ، وج ٢ ص ٢٦ عن ابن إسحاق والمنتقى والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٠٠ ، وفتح الباري ج ١٠ ص ٢٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦١ ، والغدير ج ٧ ص ١٠١ عن الإمتاع للمقريزي ص ٩٣ وغيره ، وراجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٨.

(٢) راجع تاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٦ ، وفتح الباري ج ١٠ ص ٢٥ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦١ ، والغدير ج ٧ ص ١٠١.

(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٦ ص ٢٨٥ وراجع فتح القدير ج ٢ ص ٧٥ ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٦ عن أسد الغابة ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦١.

(٤) فتح الباري ج ٨ ص ٢٠٩ ، وج ١٠ ص ٢٥.

(٥) الفائق للزمخشري ج ١ ص ٣١٠.

(٦) الآية ٢١٩ من سورة البقرة. وهذا هو ما اختاره الجصاص والقرطبي فراجع : الغدير ج ٧ ص ١٠١ وج ٦ ص ٢٥٤ و٢٥٥.

٢٤٥

قالت عائشة : لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر ، فنهى رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن ذلك (١).

تحريم الخمر قبل الهجرة :

ونحن نقول : إن الخمر حرمت في مكة قبل الهجرة ، ونستدل على ذلك بما يلي :

١ ـ عن معاذ بن جبل : إن أول ما نهى عنه النبي «صلى الله عليه وآله» حين بعث شرب الخمر ، وملاحاة الرجال (٢).

وعن أبي الدرداء ، أو معاذ بن جبل ، عن النبي «صلى الله عليه وآله» قال : إن أول شيء نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان : شرب الخمر وملاحاة الرجال.

قال الأبشهي : إن هذا من أقوال النبي «صلى الله عليه وآله» المتفق عليها (٣).

وقريب من ذلك ما روي عن أم سلمة عنه «صلى الله عليه وآله» ،

__________________

(١) تاريخ بغداد ج ٨ ص ٣٥٨ ، والدر المنثور ج ١ ص ٢٥٢ ، والغدير ج ٧ ص ١٠١ عنهما.

(٢) الغدير ج ٧ ص ١٠١ عن أوائل السيوطي ص ٩٠ ، والبحار ج ٢ ص ١٢٧ ، وقصار الجمل ج ١ ص ١٨٣ وج ٢ ص ٢٣ و١٢ ، وراجع ص ٢٢ عن الوسائل العشرة باب ١٢٦ ج ٨.

(٣) مجمع الزوائد ج ٥ ص ٥٣ عن البزار والطبراني ، والبحار ج ٢ ص ١٢٧ بسند صحيح ، والمستطرف ج ٢ ص ٢٢٠.

٢٤٦

وحسب نص البيهقي عن أم سلمة عنه «صلى الله عليه وآله» : كان أول ما نهاني عنه ربي ، وعهد إلي بعد عبادة الأوثان ، وشرب الخمر لملاحاة الرجال (١).

إلا أن يناقش في ذلك : بأن نهي الله له لا يستلزم أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد أبلغ ذلك للناس مباشرة ، إذ لعل ذلك كان مختصا به «صلى الله عليه وآله» لفترة من الزمن.

ويمكن الجواب ، بأن جعله مقترنا بعبادة الأوثان يشعر بأنه على حده ومن قبيله ، في التشريع وفي التبليغ ..

هذا عدا عن أن رواية معاذ صريحة في أن الخمر كانت من أول ما نهى عنه النبي «صلى الله عليه وآله» ، إلا أن تقرأ «نهي» بالبناء للمفعول.

قال العلامة الطباطبائي «رحمه الله» : «وقد تحقق بما قدمنا في تفسير آية الخمر والميسر : أن الخمر كانت محرمة من أول البعثة ، وكان من المعروف من الدين : أنه يحرم الخمر والزنى» (٢).

٢ ـ وقد روى الكليني والشيخ الطوسي «رحمهما الله» : ما يدل على أن الله ما بعث نبيا إلا وفي علم الله عز وجل : أنه إذا أكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر ، ولم تزل الخمر حراما الخ .. (٣).

فالخمر إذا قد كانت محرمة في الشرائع السابقة ، وقد جاءت هذه

__________________

(١) راجع : مجمع الزوائد ج ٥ ص ٥٣ عن الطبراني ، وليراجع : سيرة المصطفى ص ٣٦٩ ، والدر المنثور ج ٢ ص ٣٢٦ عن البيهقي.

(٢) تفسير الميزان ج ١٦ ص ١٦٣.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٩٥ ، وليراجع باب : «أصل تحريم الخمر : والتهذيب للشيخ».

٢٤٧

الشريعة لتتميم ما سبق ، ولم ينسخ هذا التحريم ، بل قد جاء التأكيد عليه ، كما هو معلوم.

٣ ـ قال أبو حاتم : كان النبي «صلى الله عليه وآله» يدعو الخلق إلى الله وحده لا شريك له ، وكان أبو جهل يقول للناس : «إنه كذاب يحرم الخمر ، ويحرم الزنى» (١).

٤ ـ قال تعالى في سورة الأعراف التي نزلت في مكة قبل الهجرة : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ)(٢).

وقد فسر أئمة أهل البيت «عليهم السلام» : «الإثم» في الآية بالخمر (٣).

كما أن أهل اللغة قد قرروا : أن الإثم معناه الخمر ، قال الشاعر :

شربت الإثم حتى ضل عقلي

كذاك الإثم يذهب بالعقول

وقال آخر :

نهانا رسول الله : أن نقرب الخنا

وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا

وقال آخر :

يشرب الإثم بالصواع جهارا

ترى المسك بيننا مستعارا (٤)

__________________

(١) الثقات لابن حبان ج ١ ص ٦٩.

(٢) الآية ٣٣ من سورة الأعراف.

(٣) الكافي للكليني ج ٦ ص ٤٠٦.

(٤) راجع في هذه الأشعار ، كلا أو بعضا : مجمع البيان في تفسير الآية في سورة الأعراف ، ولسان العرب ج ٢ ص ٢٧٢ ، وتاج العروس ج ٨ ص ١٧٩ ، وفتح القدير ج ٢ ص ٢٠١ ، والغدير ج ٦ ص ٢٥٤.

٢٤٨

هذا كله ، عدا عن أن كون الخمر من الفواحش ظاهر ، فإن العرب كانوا يدركون سوءها كما يظهر من الحلبي (١).

ولذا نرى : أن عددا كبيرا منهم ممن يحترم نفسه ، وشرفه ، وسؤدده ، قد حرمها على نفسه ، كأبي طالب «عليه السلام» ، وعبد المطلب (٢) ، وجعفر بن أبي طالب (٣) ، وقيس بن عامر ، وعامر بن الظرب ، وصفوان بن أمية ، وغيرهم ممن تقدم ذكرهم عن قريب.

بل إن عبد الله بن جدعان ، الذي كان مولعا بها ، قد صرح بأنهم كانوا يسمونها بالسفاه ، وأنه آنس بسببها الهوان ، فهو يقول :

شربت الخمر حتى قال قومي

ألست عن السفاه بمستفيق

وحتى ما أوسد في مبيت

أبيت به سوى الترب السحيق

وحتى أغلق الحانوت مالي

وآنست الهوان من الصديق

ثم حرمها على نفسه ؛ فلم يقربها (٤).

وبعد نزول هذه الآية ، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ فلا يعقل أن يعتبرها العرب إلا من الفواحش. ثم إن عطف الإثم الذي هو الخمر على الفواحش ، من باب عطف الخاص على العام ، لمزيد الاهتمام به ، وحرصا على الردع عنه ، لأنه مما تألفه النفوس عادة وتميل إليه ، فيحتاج إلى

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٨.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ١١٣.

(٣) قاموس الرجال ج ٢ ص ٣٦٩ عن الأمالي.

(٤) نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٩٢.

٢٤٩

مزيد من التأكيد والتكرار.

٥ ـ لقد روى جماعة من المؤرخين : أن أعشى قيس خرج إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، يريد الإسلام ، وقد مدحه بقصيدة أولها :

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وبت كما بات السليم مسهدا

فلما كان بمكة أو قريبا منها ، اعترضه بعض مشركي قريش ـ أبو جهل أو أبو سفيان كما سنرى ـ فسأله عن أمره ؛ فأخبره أنه جاء ليسلم ، فقال له :

«يا أبا بصير ، إن محمدا يحرم الزنى!

فقال الأعشى : والله إن ذلك لأمر ما لي فيه من إرب.

فقال : وإنه ليحرم الخمر!

فقال الأعشى : أما هذه ففي النفس منها لعلالات. ولكني منصرف فأرتوي منها عامي هذا ، ثم آتيه فأسلم ، فانصرف راجعا ، ومات في عامه» (١).

وناقش البعض هذه الرواية : بأن الخمر إنما حرمت في سورة المائدة ، وهي آخر ما نزل من القرآن. وفي الصحيحين من ذلك قصة حمزة والشارفين. فإن صح خبر الأعشى ، وما ذكر له في الخمر ، فلم يكن هذا بمكة ، وإنما كان بالمدينة ، ويكون القائل له : أما علمت أنه يحرم الخمر من

__________________

(١) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٥ ـ ٢٨ ، والأغاني ط ساسي ج ٨ ص ٨٥ و٨٦ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٠١ و١٠٢ ، والروض الأنف ج ٢ ص ١٣٦ ، وسيرة مغلطاي ص ٢٥ ، وتفسير الميزان ج ٦ ص ١٣٤ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٢ ، ومحاضرات الأدباء المجلد الثاني ص ٤١٨ ، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص ١٣٥.

٢٥٠

المنافقين ، أو من اليهود ، فالله أعلم. وفي القصيدة مما يدل على هذا قوله «فإن لها في أهل يثرب موعدا».

وقد ألفيت للقالي رواية عن أبي حاتم ، عن أبي عبيدة ، قال : لقي الأعشى عامر بن الطفيل في بلاد قيس ـ وهو مقبل إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فذكر له : أنه يحرم الخمر ، فرجع ، فهذا أولى بالصواب (١).

وفي رواية أبي الفرج ، وابن قتيبة : أن أبا سفيان هو الذي كلم الأعشى ، وأن ذلك كان والمشركون مع الرسول «صلى الله عليه وآله» في هدنة (٢). ولكن هذه المناقشات لا يمكن قبولها ، فإن قصة الشارفين قد تقدم أنها لا يمكن أن تصح.

وكونها إنما حرمت في سورة المائدة أيضا قد تقدم ما فيه ، وأنها قد حرمت قبل ذلك في سورة مكية.

كما أن نزول القرآن بتحريمها لا ينافي تحريمها على لسان النبي «صلى الله عليه وآله» قبل ذلك.

وأما قولهم : إن عامر بن الطفيل هو الذي قال للأعشى ذلك. فلا يمكن قبوله ، إذ قد صرح آخرون : بأن القائل للأعشى ذلك هو أبو جهل ، وبالذات في دار عتبة بن ربيعة في مكة (٣) وأبو جهل قتل في بدر قبل نزول

__________________

(١) راجع : الروض الأنف ج ٢ ص ١٣٦ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٠٣ ، وسيرة مغلطاي ص ٢٥.

(٢) الأغاني ط ساسي ج ٨ ص ٨٦ ، والشعر والشعراء ص ١٣٦.

(٣) الروض الأنف ج ٢ ص ١٣٦ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٢ ، وليراجع البداية والنهاية ج ٣ ص ١٠٣.

٢٥١

سورة المائدة ، وقبل هدنة الحديبية بسنوات.

أما رواية القتيبي ، وأبي الفرج فقد صرحت بأن القائل للأعشى ذلك هو أبو سفيان (١).

وبعد تحديد تلك الروايات : أن هذا قد جرى قرب مكة ، بل وفي مكة نفسها ، وبالذات في دار عتبة بن ربيعة ، فلا يمكن الالتفات إلى رواية أخرى ربما يكون الرواة قد تصرفوا فيها لتلائم ما يعتقدونه من أن الخمر قد حرمت بعد الهجرة.

ولربما يكون هذا هو السر في تبديلهم كلمة «يثرب» بكلمة «مكة» في الشعر المنسوب إليه ، وهو الدالية المتقدمة. وإذا كان ذلك القول قد قيل في مكة أو بالقرب منها ، فلا يعقل أن يكون ذلك بعد الهجرة ، وذلك لأن الأعشى كان يسكن : «منفوحة» باليمامة ، والطريق بينها وبين المدينة مستقيم لا يمر على مكة ، والمرور على مكة لا يكون إلا بقصد مستقل لها ، إذ لا يعقل سلوك طريق دائري كهذا لمن يريد المدينة. ولعل فيما ذكرناه كفاية.

لا تدرج في تحريم الخمر :

وفي مجال آخر نقول :

إنه ليس ثمة تدرج في تحريم الخمر كما ادعاه بعضهم (٢) ، وإنما حرمت بشكل نهائي وقاطع في مكة ؛ ثم صارت تحصل تعديات ومخالفات ؛ فكان يتكرر النهي عنها لأجل تلك المخالفات في الموارد الخاصة.

__________________

(١) الأغاني ج ٨ ص ٨٦ ، والشعر والشعراء ص ١٣٦.

(٢) راجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٨.

٢٥٢

ويظهر ذلك من ملاحظة خصوصيات الآيات والموارد التي نزلت فيها.

والظاهر : أن إلف الناس للخمر ، وحبهم لها ، والتذاذهم بها ـ مع أنهم يدركون مساوئها ـ يدل على أن تركها كان صعبا عليهم ؛ لأنهم يرون أن ذلك لسوف يفقدهم لذة تحبها نفوسهم ، وأليفا تهفو إليه قلوبهم. ولذلك تراهم يسألون عنها ، ويكررون السؤال ، ويجيبهم القرآن ببيان مساوئها ، وبالزجر عنها ، ولكنهم عنها لا ينتهون ، وغير معاقرتها لا يطلبون ، وهم بذلك لأحكام الله يخالفون. حتى الكبار منهم ، وحتى أبو بكر ، وعمر ، وابن عوف وغيرهم (١) كما سيأتي عن قريب.

بل يظهر : أن بعضهم لم يتركها حتى وفاة الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» (٢).

بل يروي ابن سعد : عن الشعبي : أنه مر على مسجد من مساجد جهينة فقال : «أشهد على كذا وكذا من أهل هذا المسجد من أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» ثلاثمائة يشربون نبيذ الدنان في العرائس» (٣).

__________________

(١) راجع : الدر المنثور وتفسير الطبري ، وجميع التفاسير ، في آيات الخمر في سورة البقرة ، والأعراف والنساء والمائدة ، وجميع كتب الحديث في أبواب الأشربة حين الكلام على تحريم الخمر .. والغدير للعلامة الأميني ج ٧ ص ٩٥ ـ ١٠٣ وج ٦ ص ٢٥١ ـ ٢٦١.

(٢) راجع حول شرب الصحابة أو بعضهم للخمر : الدر المنثور ج ٢ ص ٣٢١ و٣٢٢ و٣٢٥ ، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٥٦٩.

(٣) الطبقات الكبرى (ط ليدن) ج ٦ ص ١٧٥.

٢٥٣

انتهينا! انتهينا :

ويقولون : إنه بعد حرب بدر شرب عمر الخمر ، وشج رأس عبد الرحمن بن عوف بلحى بعير ، ثم قعد ينوح على قتلى بدر من المشركين في ضمن أبيات تقول :

وكائن بالقليب قليب بدر

من الفتيان والعرب الكرام

وكائن بالقليب قليب بدر

من الشيزى المكلل بالسنام

أيوعدني ابن كبشة أن سنحيا

وكيف حياة أصداء وهام

أيعجز أن يرد الموت عني

وينشرني إذا بليت عظامي

ألا من مبلغ الرحمن عني

بأني تارك شهر الصيام

فقل لله يمنعني شرابي

وقل لله يمنعني طعامي

فبلغ ذلك الرسول ؛ فخرج مغضبا ، فرفع شيئا كان في يده ؛ فضربه به ، فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، فأنزل الله تعالى :

(إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)(١).

فقال عمر : انتهينا ، انتهينا (٢).

__________________

(١) الآية ٩١ من سورة المائدة.

(٢) المستطرف ج ٢ ص ٢٢٠ ، وتفسير البرهان ج ١ ص ٣٧٠ و٤٩٨ ، والميزان ج ١ ص ١٣٦ ، والغدير ج ٦ ص ٢٥١ عن الزمخشري في ربيع الأبرار في باب اللهو واللذات ، والقصف واللعب. والرواية من دون تصريح بالاسم موجودة في تفسير جامع البيان ج ٢ ص ٢١١ ونقلت الرواية عن : مسند أحمد ج ١ ص ٥٣ ،

٢٥٤

وتعبير عمر ب «انتهينا انتهينا» موجود في عشرات المصادر ، وإن كانت هذه القصة لم تذكر فيها (١).

وسورة المائدة من أواخر ما نزل ، بل يقال : إنها نزلت في حجة الوداع.

وهذا يعني : أنهم ما كانوا يلتزمون كثيرا بالنواهي الواردة عن شرب الخمر ، كما أشرنا إليه آنفا.

وعلى كل حال ، فإن روايات شرب عمر للخمر بعد الهجرة كثيرة جدا (٢) وقد أتي في خلافته بأعرابي قد سكر فطلب له عذرا ، فلما أعياه قال :

__________________

وسنن النسائي ج ٨ ص ٢٨٧ ، وتاريخ الأمم والملوك ج ٧ ص ٢٢ ، وسنن البيهقي ج ٨ ص ٢٨٥ ، وأحكام القرآن ج ٢ ص ٢٤٥ ، ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ٢٧٨ ، والجامع لأحكام القرآن ج ٥ ص ٢٠٠ ، وتفسير الخازن ج ١ ص ٥١٣ ، وفتح الباري ج ٨ ص ٢٢٥ ، والدر المنثور ج ١ ص ٢٥٢.

(١) راجع في هذه المصادر الغدير ج ٦ ص ٢٥٢ و٢٥٣ ، وفتح الباري ج ١٠ ص ٢٥.

(٢) راجع : الموطأ (المطبوع مع تنوير الحوالك) ج ٣ ص ٨٩ ، والدر المنثور في تفسير الآيات المشار إليها ، وأي كتاب تفسيري ، أو حديثي آخر ، ولا سيما كتاب الغدير للعلامة الأميني الجزء الخامس والسادس والسابع ، والمبسوط ج ٢٤ ص ٧ و٨ ، وكنز العمال ج ٢ ص ١٠٩ ، وعن محاضرات الراغب ج ١ ص ٣١٩ ، والسنن الكبرى ج ٨ ص ٢٩٩ ، والغدير ج ٦ ص ٢٥٧ ، والطبقات الكبرى ج ٦ ص ٩٧ ، وإزالة الخفاء ، والطبقات الكبرى ج ٣ ص ٣٤١ و٣٥٥ و٣٥٤ و٣٤٦ و٣٥١ و٣٥٢ ، والإمامة والسياسة ج ١ ص ٢٦ ، وتاريخ الأمم والملوك ج ٥ ص ١٣ ، والإستيعاب (هامش الإصابة) ج ٢ ص ٢٦٩ ، وأسد الغابة ج ٤ ص ٧٥ و٧٦ ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٤٩ ، وتاريخ الخلفاء ص ١٣٤ ، والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٥١ ، والرياض النضرة ج ٢ ص ٩١ و٩٣ و٩٥ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٠٦.

٢٥٥

إحبسوه فإن صحا فاجلدوه ، ودعا عمر بفضله ودعا بماء فصبه عليه فكسره ، ثم شرب وسقى أصحابه ، ثم قال : هكذا فاكسروه بالماء إذا غلبكم شيطانه.

قال : وكان يحب الشراب الشديد (١).

بل نجد : أن ركوة عمر كانت تسكر كل من يشرب منها ، حتى بعد توليه الخلافة ، وقضية إقامته الحد على من شرب من ركوته فسكر معروفة.

وقد اعترض عليه بقوله : «يا أمير المؤمنين إنما شربت من ركوتك»؟! فكان اعتذار عمر عن ذلك بأنه إنما حده لسكره لا لشربه!! (٢).

وهذا فقه جديد ، ما عهدناه من غيره!! وقد أخذ به بعضهم ، حين ذكر : أن السكر كان حراما ، لكن الشرب لم يكن محرما ، ثم ورد تحريم الشرب بعد الهجرة بسنوات (٣).

والكلام حول هذا الموضوع طويل جدا لا مجال له هنا.

__________________

(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ج ٢ ص ١٩٢ ، والآثار للشيباني ص ٢٢٦ ، والسنن للنسائي ج ٨ ص ٣٢٦ ، وأحكام القرآن ج ٢ ص ٥٦٥ ، وراجع فتح الباري ج ١٠ ص ٣٤.

(٢) راجع : فتح الباري ج ١٠ ص ٣٤ ، ولسان الميزان ج ٣ ص ٢٧ ، وربيع الأبرار ج ٤ ص ٦٣ ، وراجع : مصنف الحافظ عبد الرزاق ج ٩ ص ٢٢٤ ، والعقد الفريد ط دار الكتاب ج ٦ ص ٣٦٩ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٤٦٤ ، وحاشية ابن التركماني على سنن البيهقي المطبوعة معه ج ٨ ص ٣٠٦ ، والغدير ج ٦ ص ٢٥٧ / ٢٥٨ عنه ، وعن كنز العمال ج ٨ ص ١١٠.

(٣) راجع : فتح الباري ج ١٠ ص ٣٣.

٢٥٦

تحريف متعمد :

والغريب في الأمر : أن الرواية الآنفة الذكر ، قد ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار ناسبا لها إلى عمر بن الخطاب كما رواها غيره ، واستدل بها الفقهاء الذين يرون في الصحابة مثالا يحتذى في كل شيء. ولكن محمد بن قاسم الذي انتخب كتابه من ربيع الأبرار بالذات وسماه : «روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار» قد تعمد تحريف هذه القضية ، فذكر اسم علي «عليه السلام» بدل اسم عمر (١). «فتبارك الله أحسن الخالقين».

وأما أبو بكر :

فيقول الفاكهي : إن الذي أنشد الأبيات المتقدمة في رثاء قتلى بدر هو أبو بكر ، ومطلع الأبيات هكذا :

تحيي أم بكر بالسلام

وهل لي بعد قومك من سلام (٢)

واعتمد نفطويه على هذه الرواية ، فقال : شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم ، ورثى قتلى بدر من المشركين (٣).

ويؤيده رواية رواها أبو الجارود ، عن أبي جعفر «عليه السلام» في هذا الشأن ، فلتراجع (٤).

__________________

(١) راجع : روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار ص ١٤٢.

(٢) الإصابة ج ٤ ص ٢٢ ، ونوادر الأصول ص ٦٦ ، وراجع : فتح القدير ج ١ ص ٤٧٢ عن ابن المنذر ، وذكر الطبري الرواية محرفة في تفسيره.

(٣) الإصابة ج ٤ ص ٢٢.

(٤) البحار ج ٦٣ ص ٤٨٧ ، وج ٧٦ ص ١٣١ ط مؤسسة الوفاء.

٢٥٧

وقد بلغ شيوع شرب أبي بكر للخمر حدا اضطرت معه عائشة إلى التصدي للدفاع عن أبيها : فكانت تقول : «ما قال أبو بكر شعرا قط في جاهلية ولا إسلام ، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية» (١).

وعنها : «لقد حرم أبو بكر الخمر على نفسه في الجاهلية» (٢).

ويظهر : أن أم المؤمنين قد فشلت في الدفاع عن أبيها ، ولذلك نرى الزهري يروي عن عروة ، عن عائشة : أنها كانت تدعو على من يقول : إن أبا بكر الصديق قال هذه القصيدة ، ثم تقول : «والله ما قال أبو بكر شعرا في جاهلية ولا في إسلام» (٣) ثم تنسب القضية إلى رجل آخر يدّعى أن اسمه أبو بكر بن شعوب.

ولكننا لا ندري ما تقول أم المؤمنين في قولهم المعروف : «كان أبو بكر شاعرا ، وكان عمر شاعرا ، وكان علي أشعر الثلاثة» (٤).

بل ذكر البعض : أن الخلفاء الأربعة كانوا أشعر الصحابة ، وكان أبو بكر أشعر الخلفاء ، وقد جمع البعض له ديوانا تعجز عن تقريضه أفواه

__________________

(١) الصواعق المحرقة ص ٧٣ عن ابن عساكر بسند صحيح.

(٢) الصواعق المحرقة ص ٧٣ عن أبي نعيم بسند جيد ، وفتح الباري ج ١٠ ص ٣١.

(٣) نوادر الأصول ص ٦٦ ، والمصنف ج ١١ ص ٢٦٦ و٢٦٧ ، والإصابة ج ٤ ص ٢٢ ، والصواعق المحرقة ص ٧٣.

(٤) كنز العمال ج ١٥ ص ٩٧ عن ابن عساكر ، وراجع : أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ١٥٢ و١١٤ ، وترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج ٣ ص ٢٤٢ ، وفي هامشه عن كتاب الرجال لأحمد بن حنبل ج ١ ص ٣١٣ ط ١.

٢٥٨

المحابر ، وألسنة الأقلام ، رتبه على حروف المعجم (١).

ويعلق العلامة الأميني على تعليق الحكيم الترمذي على حديث شرب أبي بكر للخمر بقوله : «هو مما تنكر القلوب» (٢).

فيقول : «فكأن الترمذي وجد الحديث دائرا سائرا في الألسن ، غير أنه رأى القلوب تنكره» (٣).

كما أن العسقلاني قد حذا حذو الترمذي ، فإنه بعد أن ذكر أن ابن مردويه يذكر أبا بكر وعمر في من شرب الخمر في بيت أبي طلحة قال : «وهو منكر ، مع نظافة سنده ، وما أظنه إلا غلطا» (٤).

ثم إنه بعد ذكره لقضية : «تحيي أم بكر بالسلام» قال : «وأبو بكر هذا يقال له : ابن شغوب ، فظن بعضهم أنه أبو بكر الصديق ، وليس كذلك.

ولكن قرينة ذكر عمر تدل على عدم الغلط في وصف الصديق ، فحصلنا على تسمية عشرة» (٥).

فهو كما ترى قد عاد وأقر بأن أبا بكر كان فيمن شرب الخمر في بيت أبي طلحة (٦).

__________________

(١) التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢١١.

(٢) نوادر الأصول ص ٦٦.

(٣) الغدير ج ٧ ص ٩٦.

(٤) فتح الباري ج ١٠ ص ٣١ ، والغدير ج ٧ ص ٩٧ / ٩٨.

(٥) فتح الباري ج ١٠ ص ٣١ ، والغدير ج ٧ ص ٩٧ / ٩٨.

(٦) وراجع : ترجمة سعيد بن ذي لعوة في لسان الميزان ، وغيره وراجع : الغدير ج ٦ ص ٢٥١ ـ ٢٦١ ، وج ٧ ص ٩٥ ـ ١٠٣ ، وجميع كتب الحديث في أبواب الخمر ، وجميع كتب التفسير في تفسير الآيات ، وغير ذلك.

٢٥٩

الكذب على علي عليه السّلام :

بقي أن نشير إلى أننا نشهد لدى بعض الناس حرصا شديدا على حشر علي أمير المؤمنين «عليه السلام» في أمر مشين كهذا .. فبذلوا محاولات عديدة ومتنوعة في هذا السبيل.

ولكنها كانت محاولات فاشلة وعقيمة ، فإن الكل يعلم : أنه «عليه السلام» قد تربى في حجر النبوة ، وتهذب وتأدب منذ نعومة أظفاره بأدب الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» ؛ ولم نعهد منه إلا الامتثال والخضوع المطلق لأوامر وتوجيهات معلمه وسيده ومربيه ، حتى لقد أثر عنه قوله : «أنا عبد من عبيد محمد».

وسيرته عليه الصلاة والسلام خير شاهد ودليل على ما نقول ، ولسوف نقرأ : أنه حينما قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم خيبر : «إذهب ، ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك» ، مشى «عليه السلام» هنيهة ، ثم قام ، ولم يلتفت للعزمة. ثم قال : على ما أقاتل الناس؟!

قال النبي «صلى الله عليه وآله» : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله الخ ..» (١).

ولعله لأجل هذا بالذات تقرأ أيضا : أن النبي «صلى الله عليه وآله»

__________________

(١) صحيح ابن حبان (مخطوط في مكتبة قبو سراي في إستانبول) ترجمة علي «عليه السلام» ، وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج ٢ ص ٩٣ ، والغدير ج ١٠ ص ٢٠٢ ، وج ٤ ص ٢٧٨ ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ١ ص ٢٠٠ ، وترجمة علي «عليه السلام» من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج ١ ص ١٥٩.

٢٦٠