الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-177-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٦

وزوجته ، بل الله منعكم وزوّجه (١) ..

وقد ورد عنه «صلى الله عليه وآله» أنه قال : «لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ» (٢).

وفي كيفية زفافهما «صلوات الله وسلامه عليهما» في الأول ، أو في السادس من ذي الحجة تفصيلات تظهر ما لهما «عليهما السلام» من الفضل والمزية (٣). وكذلك هي تعبر عن البساطة التي تميز بها زفاف بنت أعظم إنسان على وجه الأرض ، على رجل هو أعظم وأفضل الناس بعد النبي «صلى الله عليه وآله» ، حتى لقد جاء : أن فراشهما كان إهاب كبش ينامان عليه ليلا ، ويعلف عليه الناضح نهارا (٤).

وقبل أن نمضي في الحديث ، لا بد من التعرض لبعض ما يرتبط بهذا الموضوع ، فنقول :

ألف : ميزات هذا الزواج :

يقول العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين ، وهو يتحدث عن ميزات

__________________

(١) البحار ج ٤٣ ص ٩٢.

(٢) كنوز الحقائق للمناوي بهامش الجامع الصغير ج ٢ ص ٧٥ عن الفردوس للديلمي ، وكشف الغمة ج ٢ ص ٩٨ ، والبحار ج ٤٣ ص ١٤١ ـ ١٤٥ وينابيع المودة ج ٢ ص ٦٧ و٨٠ و٢٤٤ و٢٨٦.

(٣) حياة الإمام الحسن «عليه السلام» للقرشي ج ١ ص ١٥.

(٤) راجع : ذخائر العقبى ص ٣٢٥ ، وحياة الإمام الحسن «عليه السلام» للقرشي ج ١ ص ٨٦ و٨٧ والزهد والرقائق ص ٣٥٥ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٠٩.

٢٢١

هذا الزواج :

«وكانت أولى هذه الميزات : أنه زواج في السماء ، وبأمر من الله تعالى ، قبل أن يكون نسبا أرضيا ، ومجرد ارتباط عاطفي ، ويكفينا في ذلك ما حدثنا به الخليفة عمر بن الخطاب إذ قال : «نزل جبريل فقال : يا محمد ، إن الله يأمرك أن تزوج فاطمة ابنتك من علي» (١).

«وكان ثاني هذه الميزات : أن الله تعالى قد جعل الذرية النبوية الطاهرة محصورة بهذا الزواج المبارك ، ومن طريق هذين الزوجين.

وفي ذلك يقول الخليفة عمر بن الخطاب : «سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول : كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي ، وكل بني أنثى فعصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة فإني أبوهم ، وأنا عصبتهم» (٢).

«ثم كان ثالث هذه الميزات : أن الزهراء «عليها السلام» وحيدة محمد ، التي لم يكن لها أخت في النسب الأبوي. أما زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ـ وقد اشتهرن بكونهن بنات محمد ـ فهن بنات خديجة (رضي الله عنها) من زوجيها الأولين ، ولم يؤيد التحقيق التاريخي المتعمق بنوتهن لمحمد» (٣).

ونقول :

إن التحقيق يدل على أنهن ربيبات للنبي «صلى الله عليه وآله» ولخديجة ،

__________________

(١) ذخائر العقبى ص ٣٠ ، وراجع شرح نهج البلاغة ج ٩ ص ١٩٣.

(٢) ذخائر العقبى ص ١٦٩ ، وقريب منه ما في شرح نهج البلاغة ج ١٢ ص ١٠٦.

(٣) كان ما تقدم هو كلام الشيخ آل ياسين في كتابه الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» سيرة وتاريخ ص ٢٧.

٢٢٢

ولسن بناته ولا بناتها كما تقدم.

وقد حققنا ذلك في كتاب لنا مستقل ، بعنوان : «بنات النبي «صلى الله عليه وآله» أم ربائبه» ، فراجع.

ب : لست بدجال :

لقد روى غير واحد : أن عليا خطب فاطمة إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال «صلى الله عليه وآله» : هي لك يا علي ، لست بدجال.

وفي نص آخر : خطب أبو بكر فاطمة إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فقال النبي «صلى الله عليه وآله» : «هي لك يا علي لست بدجال» (١).

وبما أن في هذه الكلمة تعريضا صريحا بمن خطبها قبل أمير المؤمنين ، فقد حاول ابن سعد ، والبزار جعل التاء في «لست» للمتكلم ، فقال ابن سعد : «وذلك أنه كان قد وعد عليا بها قبل أن يخطب إليه أبو بكر وعمر» (٢).

وقال البزار : «معنى قوله : لست بدجال يدل على أنه كان وعده ، فقال : إني لا أخلف الوعد».

وقال الهيثمي : رجاله ثقات إلا أن حجرا (ابن عنبس) لم يسمع من

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٢ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٠٤ عن البزار ، واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٦٥ عن العقيلي ، والطبراني. وروى الحديث في الإصابة ج ١ ص ٣٧٤ عن الطبراني بنفس السند ونفس الراوي مع حذف كلمة «لست بدجال» وهذا يعبر عن مدى إنصاف وأمانة العسقلاني في النقل!!!.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٢.

٢٢٣

النبي «صلى الله عليه وآله» (١).

ونحن نقول : إن كلام كل هؤلاء لا يصح ، وذلك :

أولا : لأن العقيلي قد روى هذا الحديث بنص آخر يظهر منه أن التاء للمخاطب لا للمتكلم ، فقال : عن حجر بن عنبس قال : لما زوج النبي «صلى الله عليه وآله» فاطمة من علي قال : لقد زوجتك غير دجال (٢).

والظاهر : أن الرواية خطاب لفاطمة «عليها السلام» ، فهو «صلى الله عليه وآله» يريد أن ينفي أن يكون قد زوج فاطمة رجلا دجالا ، وليس يريد أن ينفي عن نفسه كونه دجالا.

كما أنه لو كان يريد أن ينفي عن نفسه الخلف بالوعد ، لكان الأنسب أن يقول : لست بمخلف وعدي أو نحو ذلك لأن كلمة دجال ، التي تعني الاختلاق ، لا تناسب خلف الوعد.

وحتى لو كان الكلام خطابا لأمير المؤمنين «عليه السلام» ، فإنه يريد به أيضا نفي كون الخاطب دجالا. هذا هو الأنسب بالمقام ، والأوفق بإجراء الكلام.

وحكم السيوطي على هذا الحديث بالوضع ؛ لمكان موسى بن قيس ، لا اعتبار به ؛ لأنه استند في ذلك إلى كلام العقيلي فيه ، واتهامه له بالرفض ـ والعقيلي هو الذي يوثق عمر بن سعد قاتل الإمام الحسين «عليه السلام»!!.

وموسى بن قيس قد وثقه كل من تعرض له سوى العقيلي ، فليراجع

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٠٤.

(٢) اللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٦٥ ، والضعفاء الكبير ج ٤ ص ١٦٥.

٢٢٤

كلام ابن معين ، وأبي حاتم ، وأبي نعيم ، وأحمد ، وابن شاهين ، وابن نمير (١).

وأما حجر بن العنبس ، فقولهم : لم يسمع من النبي «صلى الله عليه وآله» ، لا ندري مستنده ، ونحن نرى : أنه يروي عن النبي «صلى الله عليه وآله» ، وقد عاصره ، بل لقد أدرك الجاهلية ، وذكره الطبراني في الصحابة (٢) ، بل لماذا لا تكون نفس روايته هذه دليلا على سماعه منه «صلى الله عليه وآله» ، كما يجعل نظائر المقام دليلا على ذلك؟!

ولكن الحقيقة هي : أن ذنب حجر الوحيد هو : أنه حضر مع علي «عليه السلام» الجمل وصفين ، ولهؤلاء اهتمام خاص في تقليل عدد الصحابة الذين كانوا مع أمير المؤمنين ، وتكثير غيرهم ، ولربما نشير إلى هذا الأمر بنوع من التفصيل في موقع آخر إن شاء الله تعالى.

وثانيا : لقد نصت العديد من المصادر المتقدمة : على أنه لم يكن يخطر في بال أمير المؤمنين «عليه السلام» خطبة فاطمة «عليها السلام» ، وأنه لما عرض عليه أبو بكر وعمر ذلك قال : لقد نبهتماني لأمر كنت عنه غافلا ، ثم ذهب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فخطبها ، فأجابه. وهذا يدل على أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن قد وعده بها.

وثالثا : إن الروايات تنص على أنه «صلى الله عليه وآله» قد أجاب أبا بكر وعمر ، بأنه ينتظر بها القضاء. فلو كان قد سبق منه وعد لعلي «عليه السلام» ، لكان الأنسب أن يقول لهما : إنها مخطوبة ، أو إنني وعدت بها فلانا.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٣٦٦ و٣٦٧.

(٢) الإصابة ج ١ ص ٣٧٤.

٢٢٥

إذا ، فقد كان النبي «صلى الله عليه وآله» يعرض بغير علي «عليه السلام» هنا ، ممن له علاقة قريبة بهذا الأمر.

والغريب في الأمر : أننا نجد عليا «عليه السلام» نفسه يعرض بغيره في هذا الموضوع بالذات ؛ ف «عن أسماء بنت عميس : أنها قالت : قيل لعلي : ألا تتزوج بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟

فقال : ما لي صفراء ولا بيضاء ، ولست بمأبور ـ بالباء الموحدة ، يعني غير الصحيح في الدين ـ ولا المتهم في الإسلام» (١).

وهذا يدل على أن تزويج النبي «صلى الله عليه وآله» لربائبه قد كان لمصلحة الدين والدعوة بالدرجة الأولى ، كتزوجه «صلى الله عليه وآله» لنسائه كما تقدم توضيحه. وحينما طلب منه سعد بن معاذ : أن يخطب فاطمة ، قال له : «ما أنا بأحد الرجلين : ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي ، وقد علم ما لي صفراء ولا بيضاء ، وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه ـ يعني يتألفه ـ إني لأول من أسلم» (٢).

وإذا كنا نعلم : أن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يلتمس الدنيا ، فلا بد أن يكون ذلك تعريضا بعثمان ، حيث قد تقدم : أنه كان قد عاهد أبا بكر على أن يسلم إذا زوجه النبي «صلى الله عليه وآله» رقية ، التي كانت ذات جمال رائع.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٠٧ ، وراجع : المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٨٦ ، والنهاية في اللغة ج ١ ص ١٤.

(٢) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٠٧ ، ومصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ٤٨٦ ، ومناقب الخوارزمي ص ٢٤٣ ، وكثير من المصادر المتقدمة ، حين ذكر خطبة أبي بكر وعمر لفاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

٢٢٦

ثم هو تعريض بأولئك الذين كانوا يملكون أموالا ، وكانوا يظنون أن النبي «صلى الله عليه وآله» يزوجهم لأجل ذلك ، فكان نصيبهم الرد والخيبة. ثم أشار «عليه السلام» إلى ملاك الشرف والتفضيل بقوله : إني لأول من أسلم. ولأجل ذلك زوجه الله ورسوله «صلى الله عليه وآله».

وقد قدمنا : أن رد النبي «صلى الله عليه وآله» لأولئك المعروفين عن فاطمة ، كان له أثر كبير في نفوسهم ، حتى لقد قال أحد الأشراف العلويين الحسنيين في قصيدته المشهورة :

تلك كانت حزازة ليس تبرا

حين ردا عنها وقد خطباها

ج : ترهات أبي حيان :

ومن الأمور الطريفة هنا : أن أبا حيان التوحيدي ـ الناصبي المعروف ـ يروي عن أبي حامد المرو الروذي رسالة شفهية من أبي بكر لأمير المؤمنين «عليه السلام» ، وفيها :

«ولقد شاورني رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الصهر ؛ فذكر فتيانا من قريش ، فقلت له : أين أنت من علي؟

فقال : إني لأكره ميعة شبابه ، وحدة سنه.

فقلت : متى كنفته يدك ، ورعته عينك حفت بهما البركة ، وأسبغت عليهما النعمة ، مع كلام كثير خطبت به رغبته فيك ، وما كنت عرفت منك في ذلك حوجاء ولا لو جاء ، ولكني قلت ما قلت ، وأنا أرى مكان غيرك ،

٢٢٧

وأجد رائحة سواك ، وكنت إذ ذاك خيرا منك الآن لي» (١).

عجيب!! وأين كانت هذه الرواية عن أنظار المؤرخين ، وكيف أجمعت كلمتهم ، وتضافرت وتواترت رواياتهم على مخالفتها وتكذيبها.

وقد كفانا ابن أبي الحديد المعتزلي مؤونة البحث في هذه الرواية ، وبين الكثير من إمارات الوضع والاختلاق فيها ، فمن أراد فليراجعه (٢).

د : ما يقال عن موقف فاطمة عليها السّلام من الزواج :

وذكر الحلبي : أنه لما استشار الرسول «صلى الله عليه وآله» فاطمة «بكت ، ثم قالت : كأنك يا أبت إنما ادخرتني لفقير قريش؟

فقال «صلى الله عليه وآله» : والذي بعثني بالحق ، ما تكلمت في هذا حتى أذن لي الله فيه من السماء.

فقالت فاطمة (رض) : لقد رضيت ما رضي الله ورسوله» (٣).

ثم هناك روايات تقول : إنه «صلى الله عليه وآله» لما رأى تغيرها خشي أن يكون ذلك من أجل أن عليا «عليه السلام» لا مال له ، فراجع المصادر

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٠ ص ٢٧٦. وصبح الأعشى ج ١ ص ٢٨٧ ، ونهاية الأرب ج ٧ ص ٢٢٠ ، وعن محاضرة الأبرار ج ٢ ص ١٠٢ ـ ١١٥ ، ونشرها إبراهيم الكيلاني مع رسالتين لأبي حيان في دمشق سنة ١٩٥١.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٠ ص ٢٨٥ ـ ٢٨٧.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٠٦ ، وليراجع : كشف الغمة ج ١ ص ٢٦٧ عن مناقب الكنجي ، وكنز العمال ج ١٥ ص ٩٥ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٩ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٢ ، ونزهة المجالس ج ٢ ص ٢٢٦ ، وتاريخ بغداد ج ٤ ص ١٩٥.

٢٢٨

الكثيرة المتقدمة في أول الحديث عن هذا الموضوع.

وعن ابن إسحاق : أن عليا لما تزوج فاطمة ، قالت للنبي «صلى الله عليه وآله» : زوجتنيه أعيمش ، عظيم البطن؟

فقال النبي «صلى الله عليه وآله» : لقد زوجتكه وإنه لأول أصحابي سلما الخ .. (١).

ونحن لا نصدق كل ذلك. أما :

أولا : فلأن رواية الحلبي تدل على سوء ظن فاطمة «صلوات الله وسلامه عليها» بأبيها الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، وهي أبر وأتقى ، وأجل من أن يحتمل في حقها ذلك. وهي التي لو لم يخلق علي «عليه السلام» لم يكن لها كفؤ على وجه الأرض ، وقد أذهب الله عنها الرجس ، وطهرها تطهيرا ، إلى غير ذلك مما يدل على مقامها السامي ، الذي نالته بفضل عمق إدراكها ، وحسن معرفتها ، وعظيم تقواها.

وثانيا : إن الذي يطالع سيرة فاطمة «عليها السلام» وحياتها ، يخرج بحقيقة لا تقبل الشك ، وهي : أنها لم تكن تقيم لحطام الدنيا وزنا أبدا ، أليست هي التي طحنت حتى مجلت يدها؟ ثم قبلت بالتسبيح عوضا عن الخادم الذي كانت بأمس الحاجة إليه ؛ ليرفع عنها بعض ما تعانيه وتتعرض له؟!.

أليست هي التي بقيت ثلاثة أيام طاوية هي وزوجها ، وولداها ، وفضة ، وآثرت اليتيم ، والمسكين ، والأسير بالطعام؟!

__________________

(١) مصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ٤٩٠ ، وأخرجه الطبراني ، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ١٠٤ ، وراجع ما ذكره المحمودي في هامشه.

٢٢٩

أليست هي التي رضيت بإهاب كبش تنام عليه هي وزوجها ليلا ، ويعلفان عليه ناضحهما نهارا؟!.

إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.

الرواية الصحيحة :

والرواية الصحيحة التي تنسجم مع سيرة وروح ونفسية الزهراء «صلوات الله وسلامه عليها» ، وتنسجم مع نفسيات وخطط القرشيين ، هي : أنه «صلى الله عليه وآله» قال لابنته في رابع يوم زفافها : «كيف أنت يا بنية ، وكيف رأيت زوجك؟!

قالت له : يا أبت خير زوج ، إلا أنه دخل علي نساء من قريش ، وقلن لي : زوجك رسول الله من فقير لا مال له.

فقال لها : يا بنية ، ما أبوك بفقير ، ولا بعلك بفقير».

ثم ذكر «صلى الله عليه وآله» لها فضائل علي «عليه السلام» ومناقبه (١).

وروى ابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي : أن الرسول «صلى الله عليه وآله» سأل فاطمة عن حالها ، فقالت : لقد طال أسفي ، واشتد حزني ، وقال لي النساء : زوجك أبوك فقيرا لا مال له (٢).

__________________

(١) مناقب الخوارزمي ص ٢٥٦ و٢٠٥ ، وكشف الغمة ج ١ ص ٣٦٢ عن المناقب ، وليراجع : البحار ج ٤٣ ص ٩٩ عن تفسير القمي ، وجلاء العيون ج ١ ص ١٧٠ و١٧١ عنه أيضا.

(٢) نعم ، إنها تتألم وتحزن لهذا الإسفاف في التفكير ، ولهذه النفوس المريضة ، ولهذه الروح الشريرة التآمرية.

٢٣٠

فقال لها : أما ترضين أني قد زوجتك أقدم أمتي سلما ، وأكثرهم علما ، وأفضلهم حلما؟

قالت : بلى ، رضيت يا رسول الله.

وفي رواية أخرى ذكرها المعتزلي ، زاد فيها : وما زوجتك إلا بأمر من السماء ، أما علمت : أنه أخي في الدنيا والآخرة؟ (١).

وقد ذكر ذلك العبدي الكوفي في شعره فقال :

إذ أتته البتول فاطم تبكي

وتوالي شهيقها والزفيرا

اجتمعن النساء عندي وأقبلن

يطلن التقريع والتعييرا

قلن إن النبي زوجك اليوم فقيرا

عليا بعلا معيلا فقيرا

إلى آخر الأبيات (٢).

بل إن ثمة ما يدل على أن تعييرهن إياها قد كان بعد سنوات من زواجها ، وهذا هو الراجح ، لأن نساء قريش الحاقدات إنما كثرن بعد بدر ، وأحد ، والخندق.

ففي رواية الخوارزمي : أنها «عليها السلام» أقبلت وقد حملت الحسن والحسين «عليهما السلام» على كتفيها وهي تبكي بكاء شديدا ، قد شهقت في بكائها.

فقال لها النبي «صلى الله عليه وآله» : ما يبكيك يا فاطمة ، لا أبكى الله عينيك؟

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٢٦ و٢٢٧.

(٢) راجع الغدير ج ٢ ص ٣١٧ و٣١٨ والعبدي عاش في عهد الإمام الصادق «عليه السلام».

٢٣١

فقالت : يا رسول الله ، وما لي لا أبكي ونساء قريش قد عيرنني ، فقلن لي : إن أباك زوجك من رجل معدم لا مال له.

فقال «صلى الله عليه وآله» : لا تبكي يا فاطمة ؛ فو الله ، ما زوجتك أنا ، بل الله زوجك به الخ .. (١).

نعم ، وإذا عرف السبب بطل العجب.

فإن القرشيين بما فيهم نساؤهم ، كانوا ـ في الأكثر ـ أعداء لعلي وآل علي «عليهم الصلاة والسلام» ، منذ فجر الإسلام ، وحتى قبل ظهور الإسلام ؛ فإن العداء كان موجودا بين الهاشميين ، الذين كانوا ـ عموما ـ ملتزمين إجتماعيا ، ويحترمون أنفسهم ، ولهم من الفضائل والمزايا ما يجعل غيرهم ، ممن لم يكن لديه روادع دينية أو وجدانية ، ينظر إليهم بعين الحنق والشنآن ، والإحن والأضغان.

ثم جاء الإسلام ، فكان بنو هاشم ـ ولا سيما أبو طالب وولده ـ أتباعه وحماته ، والمدافعين عنه بكل غال ونفيس ، ثم كانت الضربة التي تلقتها قريش في بدر ، وكان لعلي «عليه السلام» الحظ الأوفر ، والنصيب الأكبر حينئذ في إذلال قريش ، وتحطيم كبريائها ، وكذلك في أحد ، والخندق وغيرهما.

إذن ، فمن الطبيعي : أن نجد نساء قريش يحاولن إيجاد المتاعب في بيت علي «عليه السلام» ، وإثارة الفتنة بين علي وزوجته الطاهرة صلوات الله وسلامه عليها.

وفاطمة هي التي تشكوهن للرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ،

__________________

(١) مناقب الخوارزمي ص ٢٠٥ ، وراجع ص ٢٥٦ أيضا.

٢٣٢

بعد أن تعلن : أن زوجها خير زوج ، ويكون ذلك سببا في أن يظهر الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» بعض فضائل أمير المؤمنين «عليه السلام».

ثم إنه «صلى الله عليه وآله» يبين لهم : أن المقياس ليس هو المال والحطام ، وإنما هو الدين والعلم ، والفضائل النفسية والأخلاقية.

وبعد .. فإن أتباع القرشيين والأمويين لا يزالون إلى يومنا هذا يهتمون بتنقص أهل البيت «عليهم السلام» ، وحتى فاطمة «عليها السلام» ، فانظر على سبيل المثال ما جاء في الموسوعة العربية الميسرة ، «مادة فاطمة».

وفيها : أنها «عليها السلام» لم يكن لها أي دور سياسي أو إجتماعي (!!) وأنها كانت ضعيفة! وأن الشيعة قد نسجوا لها الفضائل حتى لقد فضلوها على عائشة!!

وقد سبق لأمثال هؤلاء أن تنقصوها هي وزوجها في شعرهم أيضا ، حتى اضطر الشاعر العظيم الحسين بن الحجاج ، المتوفى سنة ٣٩١ ه‍ إلى التصدي للرد عليهم ، فهو يقول في جوابه لابن سكرة :

فكان قولك في الزهراء فاطمة

قول امرئ لهج بالنصب مفتون

عيرتها بالرحا والزاد تطحنه

لا زال زادك حبا غير مطحون

وقلت : إن رسول الله زوجها

مسكينة بنت مسكين لمسكين

كذبت يا ابن التي باب أستها سلس

الأغلاق بالليل مفكوك الزرافين

ست النساء غدا في الحشر يخدمها

أهل الجنان بحور الخرد العين (١)

__________________

(١) الغدير ج ٤ ص ٨٩ ، وأعيان الشيعة ج ٢٥ ص ١٠٨ لكن فيه : أنه يرد بهذه الأبيات على مروان بن أبي حفصة.

٢٣٣

فجزاك الله يا ابن الحجاج عن ابنة رسول الله ، وعن أبيها ، وزوجها خير الجزاء وأوفاه ، وبارك الله في هذا الإخلاص لهم ولقضاياهم ، وآمنك الله يوم الفزع الأكبر من كل خوف ، إنه خير مأمول ، وأكرم مسؤول.

مقارنة :

ولا بد لنا أخيرا من أن نلفت النظر إلى أنه لا بأس بالتأمل ، وإمعان النظر والمقارنة ، بين ما يذكرونه عن مواقف سيئة لفاطمة «عليها السلام» تجاه أمير المؤمنين «عليه السلام» ، وأنها قد رفضته أولا ؛ لأنه فقير ، وبين ما يذكرونه عن عثمان وزوجته ، وأنها لما سئلت عنه قالت : «خير زوج ..». مع أن القضية كانت على العكس تماما ؛ فإن عثمان هو الذي كان يعامل زوجته معاملة غير مرضية ، كما قدمنا ، وفاطمة هي التي قالت عن زوجها : إنه خير زوج ، ونساء قريش هن اللواتي حاولن الفتنة كما عرفت.

ولكن السياسة قد اقتضت عكس المواقف ، وتزييف الحقائق ؛ لحاجات في أنفسهم لا تخفى.

ه : أم سلمة وبنت عميس في زواج فاطمة عليها السّلام :

قد يقال : إنه يشك في رواية أسماء هذه من ناحيتين :

١ ـ لقد ورد ذكر أم سلمة في بعض روايات تزويج فاطمة «عليها السلام» ، مع أن أم سلمة إنما دخلت بيت النبي «صلى الله عليه وآله» كزوجة له بعد هذا التزويج.

٢ ـ وورد أيضا في عدد من الروايات ذكر لأسماء بنت عميس في هذه المناسبة ، مع أن أسماء كانت حينئذ مع زوجها جعفر بن أبي طالب ذي

٢٣٤

الجناحين في الحبشة ، ولم تأت إلى المدينة إلا عام خيبر.

ونقول : يمكن الإجابة عن ذلك :

أولا : بأن المقصود هو أسماء بنت يزيد الأنصارية ، ولكن شهرة بنت عميس ، وأنس ذهن الرواة باسمها جعلهم يضيفون عمدا من عند أنفسهم للتوضيح ـ بزعمهم ـ أو عن غير عمد تبعا لسليقتهم ، كلمة : «بنت عميس». وبهذا أجاب أيضا الكنجي الشافعي (١).

وقد حصل نظير هذا الخلط بين الاسمين في رواية أخرى ، تقدم الكلام حولها حين الكلام على ولادة الإمام الحسن «عليه السلام» ، فإلى هناك.

ويرى الأربلي : أن التي حضرت زفاف فاطمة «عليها السلام» هي سلمى بنت عميس أخت أسماء ، لكن الرواة بدلوا اسمها باسم أختها لشهرتها ، أو سها راو فتبعوه (٢).

وثانيا : ومن جهة ثانية ، فلو فرضنا أن أم سلمة لم تكن موجودة فإننا نقول : إن أسماء بنت يزيد هذه كانت تكنى بأم سلمة أيضا ، فلعلهم كانوا تارة يعبرون عنها بأسماء ، وأخرى يعبرون عنها ب «أم سلمة» فلا يبقى ثمة إشكال.

وثالثا : إن من الممكن : أن تكون أم سلمة قد حضرت زفاف فاطمة «عليها السلام» في ذي الحجة من السنة الثانية ؛ لأن أبا عمر صاحب الإستيعاب يقول : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» تزوجها في السنة

__________________

(١) كفاية الطالب ص ٣٠٧ و٣٠٨ ، وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٧٣ عنه.

(٢) كشف الغمة ج ١ ص ٣١٦ و٣١٧.

٢٣٥

الثانية في شوال بعد بدر ، بل قيل قبل بدر أيضا (١).

ولربما يؤيد ذلك : أن بعض الروايات تصرح بأنه «صلى الله عليه وآله» كان حين تزويج فاطمة في بيت أم سلمة.

وكان «صلى الله عليه وآله» كلما تزوج بامرأة بنى لها بيتا. ولو كان قد تزوجها في الرابعة لم يكن لها بيت في السنة الثانية.

واحتمال أن يكون المراد : «الذي صار فيما بعد بيتا لها».

مخالف لظاهر الرواية التي تكاد تكون صريحة في أنه «صلى الله عليه وآله» كان يتعامل معها كزوجة ، بل نجد بعض الروايات تصرح بأن أم سلمة كانت حينئذ زوجة له «صلى الله عليه وآله» (٢).

ولسوف يأتي الحديث عن تاريخ زواج أم سلمة عن قريب إن شاء الله تعالى.

و : هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفان :

ويقولون : إن عثمان رأى درع علي «عليه السلام» تباع في السوق ليلة عرسه ؛ فدفع لغلام أربعمائة درهم ، وأرسله إليه ، وأقسم عليه أن لا يخبره بذلك ، ورد الدرع معه.

فلما أصبح عثمان وجد في داره أربعمائة كيس ، في كل كيس أربعمائة

__________________

(١) راجع : الإستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٤٢١ و٤٢٢ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٦ ، عن السمط الثمين ، وسيرة مغلطاي ، وغير ذلك.

(٢) البحار ج ٤٣ ص ١٢٦ عن كشف الغمة ، ومناقب الخوارزمي ص ٢٤٨ و٢٤٩ و٢٥٣.

٢٣٦

درهم ، مكتوب على كل درهم : «هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفان».

فأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» بذلك ، فقال : هنيئا لك يا عثمان.

ولا شك في أن هذا كذب محض ؛ فقد ذكر الحلبي : أن في فتاوى الجلال السيوطي : أنه سئل : «هل لهذه القصة أصل؟

فأجاب عن ذلك كله : بأنه لم يصح (١). أي وهي تصدق بأن ذلك لم يرد ، فهو من الكذب الموضوع».

وقال ابن درويش الحوت : كذب شنيع (٢).

والعجيب هنا : أننا لم نجد لتلك المئة وستين ألف درهم أثرا في المتاحف العالمية ، ولا تداولها الناس ، ولا احتفظوا بها تبركا وتيمنا بأنها من : «ضرب الرحمن لعثمان بن عفان»!!.

مع أنهم قد احتفظوا بشعر نبيهم ، وحتى بالخرق التي مست جسده ، والمواضع التي صلى فيها ؛ فهل كان نبيهم أعز عليهم من ربهم؟! أو حتى من عثمان؟! وهو الذي تؤيده السياسة على مر العصور ، أما النبي «صلى الله عليه وآله» فقد كانت ثمة محاولات لطمس اسمه ، ومحو آثاره ، كما اتضح في الجزء الأول من هذا الكتاب.

وكم كنت أود لو أنني أرى خط الرحمن ، كيف هو؟ وأقارن بينه وبين قواعد الخطوط الموجودة على الأرض ؛ لكي أرى إن كان يستطيع أن

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٠٦ ، وللرواية نص آخر يخالفها كثيرا في مناقب الخوارزمي ص ٢٥٢ ، والغدير ج ٩ ص ٣٧٦.

(٢) الغدير ج ٥ ص ٣٢٢ وج ٩ ص ٣٧٦.

٢٣٧

يضارع ما أنتجه الخطاطون البارعون من مخلوقاته؟!!.

ولست أدري أيضا : أين كان الأمويون عن هذه الفضيلة العظيمة ، لشيخهم وخليفتهم؟!. ولم لم يظهروا تلك الدراهم للمباهاة بها؟ أو على الأقل : لم لم يذكروا الناس بدعوات النبي «صلى الله عليه وآله» له؟

حسب الرواية الأخرى التي تقول : إن عثمان قد اشترى الدرع من علي ، فجاء به علي «عليه السلام» وبالمال إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فدعا له بدعوات. مع أنهم كانوا بأمس الحاجة إلى ذلك ، في صراعهم ضد علي «عليه السلام» ، وضد الصحابة الأخيار ، الذين كانوا في المدينة حين قتل عثمان ، ولم يحركوا ساكنا ، أو أنهم شاركوا في قتله ، أو في التأليب عليه.

ولربما نتكلم عن نفقات عثمان في مثل هذا السبيل حين الكلام عن تجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك إن شاء الله ، كما أننا قد ألمحنا إلى ذلك من قبل ، حين الحديث حول وقف بئر رومة.

ز : أخوة علي عليه السّلام :

وجاء أنه لما تزوج علي فاطمة «عليهما السلام» ، أمر «صلى الله عليه وآله» عليا أن لا يحدث حدثا حتى يأتيه ، ثم جاء «صلى الله عليه وآله» ، فقال : أثم أخي؟!.

فقالت أم أيمن : يا رسول الله ، هذا أخوك وزوجته ابنتك؟!

وكان النبي «صلى الله عليه وآله» آخى بين أصحابه وآخى بين علي ونفسه.

٢٣٨

قال : إن ذلك يكون يا أم أيمن (١).

وهذه الرواية أقرب إلى الاعتبار من تلك الرواية القائلة : إنه لما خطب «صلى الله عليه وآله» ابنة أبي بكر قال له أبو بكر : هل تصلح له؟ إنما هي بنت أخيه.

فأخبره «صلى الله عليه وآله» : أنه أخوه في الإسلام ، وهو أخوه ، وابنته تصلح له ، فأنكحه حينئذ أبو بكر (٢).

فإن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يؤاخ أبا بكر ولا أحدا من الناس قبل خطبته عائشة ، لأنه إنما آخى بين المهاجرين قبل الهجرة بقليل ، وهو إنما خطب عائشة قبل الهجرة بحوالي ثلاث سنوات.

ولو كان أبو بكر يتوهم : أن أخوة الإسلام تمنع من ذلك ، فإن ذلك يعني : أن يكون أبو بكر قد بقي عدة سنوات ، بل من أول ظهور الإسلام يعتقد حرمة زواج أي مسلم بمسلمة ، وهذا لا يتوهمه إلا أبو بكر ، ولا يخطر ولم يخطر على بال أي من السذج والبسطاء ، فكيف خطر في بال أبي بكر ، الذي يعتقد فيه البعض كل حنكة وروية ، وتعقل؟!. هذا عدا عن أننا

__________________

(١) أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ١٣٥ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٠٩ عن الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح.

وفيه في رواية أخرى لكن الجواب ليس موجودا. وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤٦ عن الهيثمي ، والصواعق المحرقة ص ٨٤ ، وحياة الإمام الحسن «عليه السلام» للقرشي ج ١ ص ١٩ عنه ، وعن البحار ج ١٠ ص ٣١.

(٢) راجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٢٥ عن الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة ، وهو حسن الحديث وص ٢٢٦ عن أحمد.

٢٣٩

لم نجده يعترض على زواج أي مسلم بمسلمة على الإطلاق.

أضف إلى ذلك : أنه قد تقدم في جزء سابق حين الكلام حول مؤاخاة النبي «صلى الله عليه وآله» بين أصحابه ، وبينه وبين علي «عليه السلام» : أن عليا «عليه السلام» قال : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد بعدي إلا كذاب مفتر.

ح : متى كان تحريم الخمر؟!

ويروون عن علي بن الحسين «عليهما السلام» ، عن أبيه ، عن علي «عليه السلام» : أنه بينما كان يستعد لنقل فاطمة «عليها السلام» وعنده شارفان من الإبل ، كان أخذهما من خمس غنائم بدر ، قد أناخهما إلى جانب حجرة لبعض الأنصار ، وإذا بحمزة بن عبد المطلب قد خرج عليهما من بيت كان يشرب فيه ، وعنده قينة تغنيه : «ألا يا حمز للشرف النواء»

خرج عليهما وهو سكران ؛ فجب أسنمتهما ، وبقر خاصرتيهما ، وأخرج كبدهما ، ومضى لسبيله.

فشكاه علي «عليه السلام» إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فجاء معه الرسول ورأى ما رأى ، فنظر إليه حمزة ، وصعد النظر إليه ، وقال : وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟

فتركه «صلى الله عليه وآله» وانصرف ، وذلك قبل تحريم الخمر (١).

__________________

(١) البخاري ط سنة ١٣٠٩ ج ٢ ص ١٢٠ كتاب الخمس حديث ١ وكتاب المغازي باب ١٢ وكتاب المساقاة ، وصحيح مسلم كتاب الأشربة ج ٦ ص ٨٥ و٨٦ ، ومسند أحمد ج ١ ص ١٤٢ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٤٥ ، والإصابة ج ٤

٢٤٠