الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-177-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٦

النفسية والمادية عليها.

هذا إن لم تتعرض للتعذيب الجسدي الوحشي ، فيما لو أرادت أن تحتفظ بدينها وعقيدتها فيما بينهم ، ولا معيل ولا كفيل لها في هذا المجتمع الجديد ، كما كان الحال بالنسبة لسودة بنت زمعة التي كانت مسنة ، ويزيد عمرها على الخمسين عاما ، وكذا الحال بالنسبة لزينب بنت خزيمة.

هذا بالإضافة إلى أن تأيمها سيطلق الألسنة والأهواء في حقها وفي اتهامها ، ويجعلها تتعرض لضغوط ، وحتى إلى إغراءات ، ربما لا تناسبها ولا تناسب موقعها ومصيرها في هذا المجتمع الغريب عنها. هذا إن لم يؤد ذلك إلى أزمات نفسية ، وحتى قبلية لا مبرر لها.

فخير كافل ، وخير معين ، وحافظ وولي لها ، هو النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، إلا إذا وفق الله وتزوجها بعض خيار أصحابه «صلى الله عليه وآله» ، حين يكون ثمة من يقدم على ذلك.

٢ ـ إن زواجه «صلى الله عليه وآله» بجويرية قد نشأ عنه : ـ كما يقولون ـ أن يطلق المسلمون مئة أهل بيت ، وعند دحلان مئتين من الأسرى من قبيلتها ، فأسلم من قومها خلق كثير ، على حد تعبير المؤلفين في السيرة النبوية (١).

وسيأتي ذلك إن شاء الله مع مصادره في جزء آت من هذا الكتاب. فهذا نوع من التأليف للناس على الإسلام ، والترغيب فيه ، كما كان «صلى الله عليه وآله» يتألفهم بطرق أخرى كبذل المال لهم ، وتزويجهم ، وتوليتهم

__________________

(١) سيرة المصطفى ص ٤٦٧.

٢٠١

بعض الأمور ، وغير ذلك.

بل نجد عمرو بن العاص يذكر لنا نوعا من التأليف لم يكن يخطر على بالنا ؛ يقول عمرو : «كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم ، يتألفهم بذلك ، فكان يقبل بوجهه وحديثه علي ، حتى ظننت أني خير القوم ..».

ثم ذكر أنه سأل النبي «صلى الله عليه وآله» عن نفسه ، وفلان ، وفلان ، فأخبره : أنهم أفضل منه ، فيقول عمرو : «فلوددت أني لم أكن سألته» (١).

٣ ـ إن زواجه بزينب بنت جحش قد كان لضرورة اقتضاها التشريع ، حيث إنه «صلى الله عليه وآله» كان قد تبنى زوجها زيد بن حارثة ، وكان العرب يعتقدون : أن آثار التبني هي نفس آثار البنوة الحقيقية ، فيحل له ، ويحرم عليه ، ويرث ، ويعامل ـ تماما ـ كالابن الحقيقي بلا فرق.

ولم يكن مجال لقلع هذا المفهوم الخاطئ إلا بالإقدام على عمل أساسي لا مجال للريب ، ولا للتأويل فيه. فكان زواج النبي «صلى الله عليه وآله» من زوجة ابنه بالتبني هو الوسيلة الفضلى لقلع هذا المفهوم الخاطئ من أذهانهم ، وهكذا كان.

٤ ـ لقد جاء الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» لهداية الناس وإرشادهم ، ولا بد لهم من الإيمان به ، والتسليم لأمره ونهيه. بل لا بد أن تكون له مكانة ومحبة في نفوسهم تزيد على محبتهم لكل شيء آخر ، حتى

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٥ عن الطبري بأسناد حسن ، وفي الصحيح بعضه بغير سياقه ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٧٠٦ عن الترمذي في الشمائل ص ٢٥.

٢٠٢

المال ، والولد ، والنفس ، بنص القرآن الكريم :

(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(١).

ولكن ، وبعد أن اضطر «صلى الله عليه وآله» إلى مواجهتهم بالحرب ، وقهرهم ، وتمكن من السيطرة عليهم ، صار بين كثير من القبائل التي كان عدد من زوجاته «صلى الله عليه وآله» ينتمي إليها ، وبين المسلمين ، والنبي «صلى الله عليه وآله» على رأسهم ، حروب وقتلى ، وكان لقضية الثار والدم عند العربي أهمية خاصة ، كما ألمحنا إليه من قبل.

نعم ، بعد ذلك كله ، مست الحاجة إلى اتباع أساليب كثيرة من أجل تأليفهم وإيجاد علائق من نوع معين ، تفرض عليهم ، أو على الأقل على الكثيرين منهم ـ والنبي «صلى الله عليه وآله» يهمه حتى الفراد الواحد ـ : أن يرتبطوا به ، ويتعاملوا معه تعاملا واضحا ، ومن موقع الثقة المتبادلة. ويقطع الطريق عليهم في أي موقف سلبي منه ، ومن دعوته.

وبعد أن يتمكن من شحنهم روحيا وعقائديا ، يكون قد مهد الطريق للقضاء على الأحقاد والإحن ، ليمكن ـ من ثم ـ العمل يدا واحدة من أجل هدف واحد ، وفي سبيل واحد.

ولهذا نجده «صلى الله عليه وآله» يتحمل من بعض تلك النسوة أذى

__________________

(١) الآية ٢٤ من سورة التوبة.

٢٠٣

كثيرا ، ويواجه صعوبات جمة معها ، ولكنه لا يبادر إلى قطع العلاقة معها نهائيا ، لأنه يتعامل مع زوجاته من موقعه السياسي الحرج ، لا من جو بيت الزوجية (١).

٥ ـ وكشاهد على ما تقدم نذكر : أن زواجه «صلى الله عليه وآله» بحفصة مثلا كان ـ على ما يظهر ـ زواجا سياسيا ؛ ويمكن أن يتضح ذلك من كلام أبيها عمر لها ، حين طلقها النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأراد طلاقها مرة ثانية ، حينما تظاهرت هي وعائشة عليه «صلى الله عليه وآله» ، واعتزلهما ، فقد قال عمر لابنته :

«والله ، لقد علمت : أن رسول الله لا يحبك ، ولو لا أنا لطلقك رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٢).

كما ويرى البعض : أنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يساوي بين أبي بكر وعمر من جهة المصاهرة لكل منهما (٣).

ومعنى كلامه هذا هو أن الدافع للزواج بحفصة كان سياسيا ، وليس هو الرغبة الجنسية الجامحة ، كما يدعون.

وكذا الحال بالنسبة لزواجه بعائشة ، حيث تزوجها من أجل الاحتفاظ بولاء أبيها وأبنائه إلى جانبه.

وحينما طلق رسول الله «صلى الله عليه وآله» حفصة في المرة الأولى ،

__________________

(١) راجع كتاب : حديث الإفك ص ١٦٥ للمؤلف.

(٢) صحيح مسلم ج ٤ ص ١٦٥ ، والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ١٩٠.

(٣) مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي «صلى الله عليه وآله» بزينب بنت جحش ص ١٠٤.

٢٠٤

حثا عمر على رأسه التراب ، وقال ما يعبأ الله بعمر ، وابنته بعدها ، فراجعها النبي ، رحمة لعمر (١).

فهذا الموقف الشديد لعمر من طلاق ابنته ، جعل النبي «صلى الله عليه وآله» يضطر إلى مراجعتها من جديد!!

وقد ذكرها عمر بهذا الأمر حينما أراد «صلى الله عليه وآله» طلاقها في المرة الثانية فقال : «إنه قد كان طلقك مرة ، ثم راجعك من أجلي» أو قال : إن النبي طلقك وراجعك من أجلي ، أو نحو ذلك (٢).

وبعد ما تقدم يتضح : أنه لا يصح قولهم : إنه «صلى الله عليه وآله» إنما راجعها ، لأن جبرائيل أمره بمراجعتها ، لأنها صوامة قوامة (٣).

خصوصا وأن الصوامة القوامة لا تجعل النبي «صلى الله عليه وآله» يضطر إلى طلاقها مرتين ، ثم يراجعها من أجل أبيها.

وقد يتضح للبعض : أن تلفيق رواية زواج علي «عليه السلام» من بنت أبي جهل ، وأن النبي «صلى الله عليه وآله» طلب أن يطلق ابنته إذا أصر على

__________________

(١) أسد الغابة ج ٥ ص ٤٢٦ ، والإصابة ج ٤ ص ٢٧٣ ، والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٢٦٩ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٤٤ عن الطبراني.

(٢) راجع هذه النصوص في : أسد الغابة ج ٥ ص ٤٢٦ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٤٤ عن الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، والإصابة ج ٤ ص ٢٧٣ عن أبي يعلى ، وراجع سيرة مغلطاي ص ٤٨.

(٣) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٥٨ و٥٩ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٤٤ عن البزار والطبراني ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٢٥ ، والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٢٦٩ ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٢٣٨.

٢٠٥

ذلك ، قد جاء بهدف حفظ ماء الوجه لعمر فيما جرى له في قصة طلاق النبي «صلى الله عليه وآله» لابنته حفصة.

كذبة مفضوحة :

ومن الكذب الواضح هنا : ما روي أنه لما طلقها النبي «صلى الله عليه وآله» اغتم الناس ؛ ودخل عليها خالها عثمان بن مظعون ، وأخوه قدامة ، فبينما هو عندها ، وهم مغتمون إذ دخل النبي «صلى الله عليه وآله» على حفصة ، وقال : يا حفصة ، أتاني جبريل «عليه السلام» آنفا ، فقال : إن الله يقرؤك السلام ، ويقول لك : راجع حفصة ؛ فإنها صوامة قوامة ، وهي زوجتك في الجنة.

وثمة نص قريب من هذا ، ورجاله رجال الصحيح (١) كما يدّعون.

وهذا من الكذب الواضح ؛ فإن عثمان بن مظعون قد توفي قبل زواج النبي «صلى الله عليه وآله» بها بمدة ، وقضية الطلاق إنما حصلت في قضية لها مع مارية التي قدمت إلى المدينة سنة سبع ، أو ثمان.

وقد قلنا : إن الصوامة القوامة لا يعهد منها أن تؤذي النبي إلى حد يضطر معه إلى طلاقها مرتين. والتي تؤذي النبي لا يعقل أن تكون معه في الجنة ، والله تعالى يقول : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٢).

__________________

(١) راجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٤٤ عن الطبراني في الأوسط ، وفي السند من لم يعرفهم ، وفي ص ٢٤٥ ما يقرب من هذا النص ، وقال : إن رجاله رجال الصحيح. وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٦ و٤١٧ ، وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٥٨.

(٢) الآية ٦١ من سورة التوبة.

٢٠٦

وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً)(١).

وبعد هذا ، فلا يمكن أن نصدق : أن يأتي جبرائيل فيأمره بمراجعة من هذه حالها ، ثم يحكم ـ علاوة على ذلك ـ لها بالجنة (٢).

لماذا لم يطلق النبي صلّى الله عليه وآله عائشة؟!

وقد يتساءل البعض فيقول : إذا كان الزواج بعائشة وحفصة ، و.. و.. سياسيا ، فلماذا لم يطلقهن النبي «صلى الله عليه وآله» بعد أن قوي الإسلام ، ليرتاح الناس من كثير من البلاءات التي حدثت بسببهن بعده ، وبذلك لا يبقى مجال لادّعائهن الحظوة عنده «صلى الله عليه وآله» ، ولا يبقى لهن تلك المكانة التي مكنتهن من خوض حرب الجمل ، وغير ذلك؟!

والجواب :

إن قوة الإسلام السياسية والعسكرية ، وانتشاره الواسع في آخر حياة النبي «صلى الله عليه وآله» لا يعني قدرته على طلاق هؤلاء النسوة .. ثم مواجهة الكيد الذي سوف ينشأ عن ذلك ..

ويدل على ذلك : أن فتح مكة قد أعطى ذلك الفريق قوة وجماهير تتعصب لهم ، بحيث تمكنوا من منع الرسول «صلى الله عليه وآله» من تبليغ ولاية علي «عليه السلام» في يوم عرفة ..

__________________

(١) الآية ٥٧ من سورة الأحزاب.

(٢) راجع بعض قضاياها في بيت النبي «صلى الله عليه وآله» في ترجمتها في كتاب قاموس الرجال ، وكتاب عائشة للعلامة العسكري وغير ذلك.

٢٠٧

كما أنهم لم يمتثلوا أوامر الرسول «صلى الله عليه وآله» لهم ، بالخروج في جيش أسامة. بل إنهم قد تجرؤوا على الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» في حديث رزية يوم الخميس ، حتى قالوا : إن النبي ليهجر. كما أنهم قد حشدوا الألوف من الذين ساعدوهم على الانقلاب المسلح ضد علي «عليه السلام» في نفس يوم دفن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ..

إلى غير ذلك مما يظهر : أن عامة من أسلم بعد فتح مكة كان يلتقي مع هذا الفريق في طموحاته وأهدافه وسياساته ، وأن هذا الفريق قد أصبح أقوى بكثير مما كان عليه قبل ذلك ..

الزواج السياسي احتقار للمرأة :

ربما يقال : إن الزواج السياسي من قبل النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو من قبل الإمام الحسن «عليه السلام» من جعدة بنت الأشعث ، إهانة للمرأة ، وتحقير لها ، وامتهان لكرامتها كإنسان.

والجواب :

أولا : إن النساء يختلفن من حيث الكرامة والقيمة باختلاف حالاتهن ، وبمقدار التزامهن بخط الإسلام والأحكام ، ففاطمة ومريم ، «عليهما السلام» وامرأة فرعون وخديجة ، وأم سلمة (رحمهن الله) لسن مثل امرأة نوح وامرأة لوط ، فالمرأة التي ترضى لنفسها أن تكون في موقع الإهانة لا تكون إهانتها إهانة للجنس.

وثانيا : إنه إذا كان الزواج بامرأة ما سببا لهداية جماعة من الناس ، أو دفع ضرر عن الإسلام ، أو عن المسلمين ، فإنه يكون تكريما للمرأة ، وتشريفا

٢٠٨

لها ، لا سيما إذا كان ذلك من نبي أو وصي.

فاعتبار ذلك إهانة للمرأة ليس له ما يبرره.

٧ ـ ولادة الإمام الحسن عليه السّلام :

وولد الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام في النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة ، على ما هو الأقوى ؛ وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أمرهم أن يلفوه في خرقة بيضاء ؛ فأخذه «صلى الله عليه وآله» وقبله ، وأدخل لسانه في فيه ، يمصه إياه ، وأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وحلق رأسه ، وتصدق بوزن شعره ورقا (أي فضة) ، وطلى رأسه بالخلوق (١).

ثم قال : يا أسماء ، الدم فعل الجاهلية (٢). أي أن طلي رأس المولود بالدم إنما هو من فعل الجاهلية.

وسأل عليا «عليه السلام» ، إن كان قد سماه.

فقال «عليه السلام» : ما كنت لأسبقك باسمه.

فقال «صلى الله عليه وآله» : ما كنت لأسبق ربي باسمه.

فأوحى الله إليه : إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى ؛ فسمه باسم ابن هارون.

قال : وما كان اسمه؟

__________________

(١) الخلوق : نوع من الطيب.

(٢) راجع : البحار ج ٤٣ ص ٢٣٩ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٨ ، فيظهر : أنهم كانوا في الجاهلية يطلون رأس المولود بالدم ، فهو «صلى الله عليه وآله» هنا ينهى عن ذلك.

٢٠٩

قال : شبر.

قال : لساني عربي.

قال : سمه : «الحسن» ، فسماه الحسن (١).

وهذا يدفع قولهم : إنهم سموا الحسن أولا ، حربا (٢) ، أو حمزة ؛ فإن عليا «عليه السلام» في أدبه وفضله لم يكن ليسبق النبي «صلى الله عليه وآله» في تسميته. وعق «صلى الله عليه وآله» عن الحسن بكبشين.

وقيل : بكبش.

وقيل : إن فاطمة «عليها السلام» هي التي عقت عنه ، وهو بعيد ، مع وجود أبيها وزوجها عليهما الصلاة والسلام.

بقي أن نشير هنا إلى ما يلي :

ألف : ذكر أسماء بنت عميس هنا :

إنه قد ورد في عدد من الروايات ذكر لأسماء بنت عميس ، بمناسبة

__________________

(١) البحار ج ٤٣ ص ٢٤١ ، وعلل الشرايع ج ١ ص ١٣٧ ، ومعاني الأخبار ص ٥٧ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٨ ، وغير ذلك. وليراجع مناقب ابن شهر آشوب ، عن مسند أحمد ، وتاريخ البلاذري ، وفردوس الديلمي.

ويقول بعض المحققين : إنه لم يجد في التوراة اسم شبر وشبير لابني هارون ، وقد ذكرت قصة أبناء هارون مفصلا.

(٢) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٨ عن أحمد ، وابن أبي حاتم ، والبحار ج ٤٣ ص ٢٥٤ و٢٥٥ عن كشف الغمة ، والأخبار الدخيلة ص ١٣ ، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٥.

٢١٠

ولادة الإمام الحسن «عليه السلام» (١). مع أن أسماء قد كانت حين ولادته «عليه السلام» في الحبشة ، وقد أرضعت هناك ابن النجاشي ، فعظمت منزلتها لدى أهل تلك البلاد (٢).

ونقول :

إن هذه الزيادة قد حصلت من الرواة ، حيث زادوا كلمة : «بنت عميس» تبرعا من عند أنفسهم ، جريا على عادتهم ، لأنها هي الأعرف عندهم.

والمقصود هنا : هو أسماء بنت يزيد الأنصارية ، وليس هذا الاشتباه إلا في بعض الروايات ، فإن رواية عيون أخبار الرضا (٣) لا تحريف فيها.

وقد اشتبه الأمر على المحقق التستري هنا (٤) بسبب اشتباهه في كيفية قراءة الخبر ، فإن السجاد «عليه السلام» يروي عن أسماء بنت عميس ، وهي تروي عن فاطمة ، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية.

والكلام في الرواية تارة يكون للسجاد ، فيكون مراده بنت عميس ، وأخرى يكون لبنت عميس ، فيكون مرادها أسماء الأنصارية.

كما أن قولها في الرواية : «فدفعته» قرأه المحقق التستري بصيغة المتكلم ، على اعتبار أن التاء فيه ضمير في محل رفع فاعل ، مع أنها ساكنة ، وهي تاء التأنيث ، فراجع الرواية ، وتأمل.

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٧ و٤١٨ ، وذخائر العقبى ، والبحار ج ٤٣ ص ٢٥٥.

(٢) نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٨١.

(٣) الأخبار الدخيلة ص ١٣ و١٤ عن العيون ص ١٩٥.

(٤) راجع : الأخبار الدخيلة ص ١٣ و١٤.

٢١١

باء : الحسن والحسين عليهما السّلام اسمان جديدان :

لقد ذكر البعض : أن العرب ما كانوا يعرفون اسمي : «الحسن والحسين» إلى حين تسمية النبي «صلى الله عليه وآله» لهما بهما ، لا الذين كانوا من ولد نزار ، ولا اليمن ، مع سعة أفخاذهما ، وكثرة ما فيهما من الأسامي ، وإنما يعرف فيها «حسن وحسين» على وزن سعد ، وسعيد. فهما اسمان قد ادخرهما الله لهما (١).

جيم : إرضاع أم الفضل للحسن عليه السّلام :

لقد رووا : أن أم الفضل ، زوجة العباس ، قالت : قلت : يا رسول الله صلى الله عليك ، رأيت في المنام : كأن عضوا من أعضائك في حجري.

فقال «صلى الله عليه وآله» : تلد فاطمة غلاما ، فتكفليه ؛ فوضعت فاطمة الحسن «عليهما السلام» ، فدفعه إليها النبي «صلى الله عليه وآله» ، فأرضعته بلبن قثم بن العباس (٢).

ونحن نشك في هذه الرواية :

أولا : لأن العباس لم يكن قد هاجر حينئذ إلى المدينة. وكانت زوجته معه في مكة.

__________________

(١) البحار ج ٤٣ ص ٢٥٢ و٢٥٣ عن المناقب عن أبي الحسين النسابة ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٨ ، وليراجع أسد الغابة أيضا.

(٢) راجع : البحار ج ٤٣ ص ٢٤٢ و٢٥٥ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٨ و٤١٩ عن الدولابي والبغوي في معجمه ، والإصابة ج ٣ ص ٢٢٧ وج ٤ ص ٤٨٧ عن ابن سعد بسند جيد ، وقاموس الرجال ج ٧ ص ٢٨٤ عن نسب مصعب الزبيري.

٢١٢

وثانيا : إننا نجد البعض ينكر أن يكون لقثم صحبة أصلا (١).

وقد رويت هذه القضية تقريبا مع أم أيمن ، وأنها أرضعت الحسين «عليه السلام» ، إلا أن فيه بدل في حجري : «في بيتي» (٢) فلعل هذه الرواية هي الصحيحة ، ثم نسبت إلى أم الفضل من قبل العباسيين ، الذين يهمهم إثبات أمر كهذا لمن ينتسبون إليه.

__________________

(١) راجع : الإصابة ترجمة قثم.

(٢) البحار ج ٤٣ ص ٢٤٢ و٢٤٣ عن أمالي الصدوق ، وعن المناقب ، وقال : أخرجه القيرواني في التعبير ، وصاحب فضائل الصحابة ، والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٧٠ ، وروضة الواعظين ص ١٥٤.

٢١٣
٢١٤

الفصل الثاني :

فاطمة وعلي عليهما السّلام ومناوؤوهما

٢١٥
٢١٦

إقتران الزهراء بعلي عليهما السّلام :

وتزوج أمير المؤمنين بفاطمة الزهراء بنت رسول الله «صلوات الله عليهم أجمعين» في شهر رمضان من السنة الثانية ، وبنى بها في ذي الحجة من نفس السنة (١). هذا هو المعتمد والمشهور.

وقيل : في السنة الأولى ، وقيل : في الثالثة بعد أحد ، وقيل غير ذلك. وتبعا لاختلافهم في ذلك نجدهم يختلفون في تاريخ ولادة الحسنين «عليهما السلام».

وكان عمرها حين زواجها «عليها السلام» تسع سنين ، وقال آخرون غير ذلك. وقد تقدم تحقيق تاريخ ولادتها ، وأنه بعد البعثة بخمس سنين ، فلا حاجة لإطالة الكلام في ذلك.

ومن الطريف هنا : أن البعض ـ كمغلطاي ـ يناقض نفسه ، فيذكر أنها تزوجت بأمير المؤمنين «عليه السلام» بعد أحد ، وعمرها ١٥ سنة.

ولكنه يعود فيذكر في نفس الصفحة : أنها توفيت ولها تسع وعشرون سنة.

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤١١.

٢١٧

ويضيف : وقيل ثلاثون ، وقيل خمس وثلاثون!! (١).

وعلى كل حال ، فإن كثيرا من المؤرخين يناقضون أنفسهم حينما يذكرون تاريخ ولادتها ، ووفاتها ، وسنة زواجها ، ومقدار عمرها ، ومراجعة بسيطة مع مقارنة خير شاهد ودليل على ما نقول.

وهذا يدلنا : على أن ذلك ليس من قبيل الصدفة ، فقد كان ثمة تعمد للتلاعب في مقدار عمرها الشريف ، ولذلك دوافع وأهداف لا مجال للإفاضة فيها.

والحقيقة ـ وقد أشرنا إلى ذلك غير مرة ـ : أن عائشة هي التي كان لها ذلك السن العالي. أما فاطمة «عليها السلام» فقد توفي النبي «صلى الله عليه وآله» وعمرها ١٨ سنة ، فعكسوا الأمر لحاجة في أنفسهم قضيت.

وقد تقدم تحقيق ذلك.

حديث الزواج :

ولقد خطب أبو بكر وعمر (رض) فاطمة أولا ، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : إنها صغيرة ، فخطبها علي ؛ فزوجها منه.

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه (٢).

__________________

(١) راجع : سيرة مغلطاي ص ١٧. والقول الأخير يدل على أنها ولدت قبل البعثة بحوالي ١٢ سنة ولم يقل بذلك أحد.

(٢) مستدرك الحاكم ج ٢ ص ١٦٧ و١٦٨ ، وسكت عنه الذهبي في تلخيص المستدرك ، وسنن النسائي ج ٦ ص ٦٢ ، والخصائص للنسائي ص ١١٤ ، وتذكرة الخواص ص ٣٠٦ و٣٠٧ ، ومناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٣٤٥.

٢١٨

وثمة نص آخر يفيد : أن أشراف قريش قد خطبوا فاطمة ، فردهم النبي «صلى الله عليه وآله» ، ومنهم عبدالرحمن بن عوف (١) ، بإشارة من أبي بكر وعمر عليه ، وكان قد خطبها أبو بكر فرده «صلى الله عليه وآله» ، ثم خطبها عمر فرده أيضا (٢).

__________________

(١) البحار ج ٤٣ ص ١٠٨ و١٤٠ عن ابن بطة في الإبانة وعن غيره ، وكفاية الطالب ص ٣٠٢ و٣٠٣ ، وكشف الغمة ج ١ ص ٣٦٨.

(٢) صحيح ابن حبان ، مخطوط في مكتبة : «قبو سراي» في إستانبول ، وسنن النسائي ج ٦ ص ٦٢ ، ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ١٦٧ ، لم يتعقبه الذهبي ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٠٦ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦١ ، وكفاية الطالب ص ٣٠٤ ، وفضائل الخمسة ج ٢ ص ١٣٣ ، والرياض النضرة ج ٣ ص ١٤٢ و١٤٥ وعن ابن عساكر ص ٧٩ عن أبي الحسن بن شاذان ، وعن علي بن سلطان في مرقاته ج ٥ ص ٥٧٤ في الشرح ، وليراجع ص ١٤٢ ـ ١٤٥. والبحار ج ٤٣ ص ١٠٧ و١٠٨ عن البلاذري في التاريخ ، وابن شاهين في فضائل الأئمة ص ١٢٥ و١٣٦ و١٤٠ وقال في ص ١٠٨ : «قد اشتهر في الصحاح بالأسانيد عن أمير المؤمنين ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر الأنصاري ، وأنس بن مالك ، والبراء بن عازب ، وأم سلمة ، بألفاظ مختلفة ، ومعاني متفقة : أن أبا بكر ، وعمر ، خطبا إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فاطمة مرة بعد أخرى ، فردهما».

وكذلك فليراجع : ذخائر العقبى ص ٢٧ ـ ٣٠ ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ٢٨٩ ـ ٢٩٢ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٢٠ ، واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٦٥ ، وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ١١ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٠٤ عن البزار ، والطبراني ، ورجاله ثقات وص ٢٠٥ عن الطبراني أيضا ، وشرح النهج ج ١٣ ص ٢٢٨ وليراجع ص ٢٢٧ وقال : «وقد روى هذا الخبر جماعة من الصحابة ، منهم : أسماء بنت عميس ، وأم

٢١٩

وقد قيل لعلي ـ وتصرح طائفة من الروايات أن أبا بكر وعمر ، بعد أن ردهما النبي «صلى الله عليه وآله» قصدا عليا «عليه السلام» إلى محل عمله ، فقالا له (١) ـ : لم لا تخطب فاطمة؟.

فخطبها «عليه السلام» إلى النبي ؛ فزوجه إياها.

وصرح «صلى الله عليه وآله» غير مرة : بأنه إنما زوجه إياها بأمر من السماء (٢) ، كما صرحت به المصادر الكثيرة.

وجاء أن سعد بن معاذ ، أو أم أيمن ، أو جماعة من الأنصار ، قد طلبوا منه «عليه السلام» أن يخطب فاطمة (٣).

ولا مانع من أن يكون الكل قد طلبوا منه ذلك لما يرون من مكانته وقرباه من النبي «صلى الله عليه وآله» ، بالإضافة إلى أهليته في نفسه.

وقد عاتب الخاطبون النبي «صلى الله عليه وآله» على منعهم ، وتزويج علي «عليه السلام» ، فقال «صلى الله عليه وآله» : والله ، ما أنا منعتكم

__________________

أيمن ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله» والصواعق المحرقة ط سنة ١٣٧٥ ه‍ ص ١٣٩ و١٤٠ و١٦١ عن أحمد ، وابن أبي حاتم ، وأبي الخير القزويني والحاكمي ، وأبي داود السجستاني ، وكشف الغمة ج ١ ص ٣٥٣ و٣٦٤ عن علي وأم سلمة وسلمان ، ومناقب الخوارزمي ص ٢٤٧ ، وجلاء العيون ج ١ ص ١٥٨ عن أمالي الشيخ ، وكنز العمال ج ١٥ ص ١٩٩ و٢٨٦ و٢٨٨ عن ابن جرير ، وأبي نعيم ، وقال : إن الدولابي صححه في الذرية الطاهرة.

(١) راجع : المصادر المتقدمة ؛ فإن كثيرا منها قد صرح بذلك.

(٢) راجع : المصادر المتقدمة ؛ فإن كثيرا منها قد صرح بذلك.

(٣) راجع : المصادر المتقدمة فإن كثيرا منها قد صرح بذلك.

٢٢٠