الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-177-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٦

وأنصاريا آخر ليأتيا بها. كما أن زوجها كان قد أمرها بأن تهاجر إلى أبيها ، وفاء بالشرط الذي شرطه لها حينما أسر في بدر.

وخرج بها جهارا ليسلمها إلى زيد ؛ فأنف القرشيون خروجها من بينهم على هذه الحالة ؛ فخرجوا في طلبها ؛ فأدركوها بذي طوى ؛ فسبق إليها هبار بن الأسود ، فروعها بالرمح ، وكانت حاملا ، فأهراقت الدم ، ولما رجعت طرحت ذا بطنها.

وفي نص آخر : أنه دفعها ، فسقطت على صخرة ، فأسقطت ، وأهراقت الدماء ؛ فلم يزل بها مرضها حتى ماتت (١) ؛ فبرك حموها كنانة بن الربيع ، ونثل كنانته ؛ وتهددهم ، فتكركر الناس عنه ، ففاوضه أبو سفيان ؛ فكان مما قاله له :

«قد عرفت مصيبتنا ونكبتنا ، وما دخل علينا من محمد أبيها ؛ فيظن الناس إذا أنت خرجت بابنته جهارا : أن ذلك عن ذل أصابنا ، وأن ذلك منا وهن وضعف».

ثم طلب منه أن يرجعها إلى مكة ، ثم يسلها سرا ؛ فقبل منه ذلك ، وعاد بها ، ثم أخرجها ليلا ، وسلمها إلى زيد ، فقدم بها على رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وفي نص آخر : أنه لما أرجعها بقيت عند هند بنت عتبة ؛ فكانت تقول لها : هذا بسبب أبيك. فأرسل الرسول «صلى الله عليه وآله» زيد بن حارثة ،

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٤ ، وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٤٤٦ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢١٦ ، وقال : رواه الطبراني ، وهو مرسل ، ورجاله رجال الصحيح.

١٨١

ومعه خاتمه علامة لها ، فأعطاه إلى راعي أبي العاص ؛ فأوصله إليها ، فسألته عن مكانه ، ثم خرجت إليه ليلا ، فقدم بها على الرسول «صلى الله عليه وآله» (١).

وفي عام الفتح أرجع الرسول «صلى الله عليه وآله» زينب إلى زوجها ، كما سيأتي إن شاء الله.

وقد أهدر الرسول «صلى الله عليه وآله» دم هبار بن الأسود ورفيقه ، بسبب ما جرى لزينب ، كما ورد في رواية صحيحة على شرط السنن (٢). وكما هو معروف ومشهور.

وقبل أن نمضي في الحديث ، لا بد من تسجيل النقاط التالية :

ألف : ما جرى لزينب ، وما جرى لفاطمة عليها السّلام :

قال ابن أبي الحديد المعتزلي : «قلت : وهذا الخبر أيضا قرأته على النقيب (٣) أبي جعفر رحمه الله ؛ فقال : إذا كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» وسلم أباح دم هبار بن الأسود ، لأنه روع زينب ؛ فألقت ذا بطنها ؛ فظهر الحال : أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها.

فقلت : أروي عنك ما يقوله قوم : إن فاطمة روعت ؛ فألقت المحسن؟!.

فقال : لا تروه عني ، ولا ترو عني بطلانه ؛ فإني متوقف في هذا الموضع ؛

__________________

(١) راجع في هذه الرواية : ذخائر العقبى ص ١٥٧ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢١٢.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٣ ص ٣٣١.

(٣) قد تقدم في غزوة بدر حين الكلام عن فداء الأسرى ، حينما أرسلت زينب بالقلائد بعض ما يعبر عن شخصية أبي جعفر هذا ، فراجع.

١٨٢

لتعارض الأخبار عندي فيه» (١).

وهكذا ، فلقد خاف أبو جعفر : من أن يتعرض لما تعرض له غيره ممن يروي فضائل أمير المؤمنين ، وأهل البيت «عليهم السلام» لقد خاف على نفسه ، أو لا أقل على مكانته واعتباره ومستقبله العلمي. ولا سيما إذا كانت هذه الرواية تتضمن إباحة دم عدد من كبار الصحابة؟! الذين لبعض الناس فيهم حسن ظن وتعلق عاطفي ، ومحبة ظاهرة.

ب : أين روايات إسقاط المحسن؟! :

وليت شعري ، أين هي تلك الأخبار في إسقاط المحسن ، التي قال عنها أبو جعفر : إنها موجودة ومتعارضة؟! فها نحن لا نجد لها عينا ولا أثرا في كتبهم ومؤلفاتهم اليوم ، إلا القليل مما هو من قبيل هذا التعبير الذي نحن بصدد الحديث عنه.

أليس ذلك يعني : أن هذه الأخبار قد أسقطت ، وقضي عليها ، كغيرها من الكثير مما رأوه يضر بمصالحهم وبعقائدهم؟! وإن كان قد بقي حتى الآن الكثير النافع ، والقاطع لكل عذر ، ولا مجال لأحد أن ينكره ، أو أن يشكك فيه مما ليس فيه حرج بالغ ، أو خزي فاضح.

ولأجل قضية إسقاط المحسن حرفوا كتاب : «المعارف» لابن قتيبة ، فقد قال ابن شهرآشوب المتوفى سنة ٥٨٨ ه‍ :

«وفي معارف القتيبي : «أن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي» (٢).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ١٩٣.

(٢) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٣٥٨.

١٨٣

وقال الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة ٦٨٥ ه‍ : وزاد على الجمهور ، وقال : إن فاطمة «عليها السلام» أسقطت بعد النبي ذكرا ، كان سماه رسول الله «صلى الله عليه وآله» محسنا ، وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل ، إلا عند ابن قتيبة» (١).

ولكن الموجود في كتاب المعارف لابن قتيبة ، المطبوع سنة ١٣٥٣ ه‍. صفحة ٩٢ هكذا : «وأما محسن بن علي ؛ فهلك وهو صغير». وهكذا في سائر الطبعات المتداولة الآن ، فلماذا هذا التحريف ، وهذه الخيانة للحقيقة وللتاريخ يا ترى؟! (٢).

ونسب المقدسي : إسقاط فاطمة لمحسن بسبب ضرب عمر لها إلى الشيعة (٣). وهو الذي يظهر من الذهبي والعسقلاني أيضا (٤).

ولكن النظّام قد أعلن رأيه في هذه القضية بشكل جعل من الصعب على الشهرستاني تجاهله ، فقال عن النظام ، إنه قال : «إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة ، حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها» (٥).

__________________

(١) كفاية الطالب ص ٤١٣.

(٢) وليراجع كتاب : بانوى كربلاء (فارسي) (ط سنة ١٣٣٩) هامش ص ١٨ و١٩ ، ودراسات وبحوث في التاريخ والإسلام (للمؤلف) ج ١ ص ٢٩.

(٣) البدء والتاريخ ج ٥ ص ٢٠.

(٤) ميزان الاعتدال ج ١ ص ١٣٩ ، ولسان الميزان ج ١ ص ٢٦٨.

(٥) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ٥٧ (ط سنة ١٣٨٧ ه‍.) والمطبوع بهامش الفصل في الملل والنحل ج ١ ص ٧٣ مع تصريحه باسم «المحسن» في هذه الطبعة.

١٨٤

وذكر البغدادي قول النظام بضرب عمر لفاطمة ، وترك التصريح بأنها أسقطت جنينها (١).

ج : عروة يتنقص فاطمة عليها السّلام ، وموقف السجاد عليه السّلام منه :

وقد روى عروة بن الزبير ما جرى لزينب ، عن عائشة ، وفي آخر كلامها العبارة التالية : «فكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول : هي أفضل بناتي ، أصيبت فيّ.

قال : فبلغ ذلك علي بن الحسين زين العابدين ؛ فأتى عروة ، فقال : ما حديث بلغني عنك أنك تحدثه ، تتنقص فيه حق فاطمة؟!

فقال عروة : ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب : أن أتنقص فاطمة حقا هو لها ، وأما بعد ، فلك أن لا أحدث به أبدا» (٢).

لقد كان لا بد لعروة من إنكار : أنه كان يتنقص فاطمة ، ولو بأن يجعل المسؤولية تتوجه إلى عائشة نفسها ؛ لأن تنقص فاطمة «عليها السلام» علنا ، معناه الكفر الصريح ، وتكذيب القرآن ولم يكن ذلك مقبولا ، ولا مستساغا

__________________

(١) الفرق بين الفرق ص ١٤٧ و١٤٨.

(٢) مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٣ و٤٤ ، وصححه على شرطهما ، وتلخيص المستدرك للذهبي ، وقال : إنه حديث منكر. والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٣١ ، وذخائر العقبى ص ١٥٨ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢١٢ و٢١٣ ، عن الطبراني في الكبير ، وفي الأوسط بعضه ، ورواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح ، وحياة الصحابة ج ١ ص ٣٧٩ عن المجمع ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٧٤ ، ومختصر تاريخ دمشق ج ٢ ص ٢٦٧ ، ومشكل الآثار ج ١ ص ٤٥.

١٨٥

عند عامة المسلمين ، رغم الدعايات الواسعة التي حاولت الحط من كرامة وشأن أهل البيت ، وتعظيم ورفع أعدائهم ومناوئيهم.

ولا نريد أن نزيد هنا شيئا على موقف السجاد «عليه السلام» ، فإنه قد أوضح لنا بما لا مجال معه للشك المرمى والهدف من روايتهم تلك. وقام «عليه السلام» ليؤدي رسالته في نصرة الحق وأهله.

مع الطحاوي في تمحلاته :

ولكن ما يلفت نظرنا هنا هو : أن الطحاوي يحاول أن يؤكد على صحة ما كذبه الإمام السجاد «عليه السلام» ، وأن يجد له التأويل والمخرج ، حتى لقد حكم بأن تفضيل زينب على سائر بناته «صلى الله عليه وآله» إنما هو حينما كانت فاطمة «عليها السلام» صغيرة ، ولم تكن بهذه المنزلة ، ثم وفقت فاطمة إلى الأعمال الصالحة ، وما وهب لها من الذرية ؛ فصارت أفضل (١).

ونقول :

إن ما نعرفه : هو أن فاطمة إنما فضلت على نساء العالمين بنفسها ، وبعملها ، وجهادها هي ، لا بما وهب لها من الذرية ؛ فإن مجرد أن يكون للإنسان ذرية صالحة لا يجعل له امتيازا ، ما لم يكن هو بنفسه شريفا وكريما وفاضلا ، فإن أكرمكم عند الله أتقاكم.

كما أننا نعرف : أن الطحاوي نفسه يذكر : أن فاطمة لم تكن حينئذ صغيرة ، لأنه يقول : إنها توفيت وعمرها ٢٥ سنة (٢) ، مما يعني أن عمرها كان

__________________

(١) مشكل الآثار ج ١ ص ٤٦ و٤٧.

(٢) مشكل الآثار ص ٤٧ وليراجع ص ٥١.

١٨٦

حين هجرة زينب ١٧ سنة.

والغريب هنا أنه يقول : إن كون فضل عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام ، لا ينافي فضل فاطمة ، لأنه يجوز أن يكون ذلك قبل بلوغ فاطمة (١) ، مع أنه هو نفسه يقول : إن فاطمة كانت أكبر من عائشة بسبع سنين ، لأن النبي توفي وعمر عائشة ١٨ سنة عنده ، وكان عمر فاطمة ٢٥ سنة عنده (وقد قدمنا نحن أن العكس هو الصحيح ، فراجع مباحث أول من أسلم ، حول سبق عائشة إلى الإسلام ، ومباحث العقد على عائشة ، وانتقالها إلى بيت النبي «صلى الله عليه وآله» ..).

ثم أليس البلوغ هو بلوغ تسع سنين؟

وقد كان عمر فاطمة يزيد حينئذ على تسع سنين على جميع الأقوال؟!.

كما أن آية التطهير قد نزلت بعد هجرة زينب بحوالي سنتين فقط ، وقد شملت فاطمة دون زينب وعائشة.

وعلى كل حال ، فإننا لا نستغرب على الطحاوي ولا على غيره هذه التناقضات والغرائب ، فإنما هي «شنشنة أعرفها من أخزم».

مصاب فاطمة عليها السّلام :

وبعد ، فإن ما أصاب فاطمة بعد وفاة أبيها «صلى الله عليه وآله» قد زاد على كل مصائب من سواها من النساء ، فقد ضربت «عليها السلام» ، وأسقط جنينها ، وهجموا على بيتها ليحرقوه ، وقد بقي أثر الضرب في كتفها

__________________

(١) المصدر السابق ص ٥٣.

١٨٧

كمثل الدملج إلى أن توفيت.

ويذكر ابن سعد أنها أوصت أن لا يكشف كتفها (١).

وقد روي قول الإمام الحسن «عليه السلام» للمغيرة بن شعبة : أنت ضربت أمي فاطمة حتى أدميتها ، وألقت ما في بطنها استذلالا منك لرسول الله «صلى الله عليه وآله» (٢).

ثم منعوها من البكاء على أبيها «صلى الله عليه وآله» ، إلى الكثير الكثير من الظلم الذي حاق بها بشتى أنواعه.

وهكذا يتضح : أنهم قد انتقموا لأنفسهم شر انتقام ، ولعل رده لهما ـ حين خطباها ـ قد ترك هو الآخر آثاره على نفسية هؤلاء الناس ، ورحم الله الذي يقول :

تلك كانت حزازة ليس تبرا

حين ردّا عنها وقد خطباها

٤ ـ أم سلمة في بيت النبي صلّى الله عليه وآله :

وفي شوال السنة الثانية بعد بدر (٣) وقيل : قبل بدر (٤) ، وقيل : في شوال

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٢٧ ط صادر ، وج ٨ ص ١٨ ط ليدن.

(٢) البحار ج ٤٣ ص ١٩٧ عن الاحتجاج ، ومرآة العقول ج ٥ ص ٣٢١ ، والعوالم ص ٢٢٥.

(٣) الإستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٤٢١ و٤٢٢ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٦ عن السمط الثمين عن أبي عمر ، وذكره مغلطاي في سيرته بلفظ قيل.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٦ ، وراجع سيرة مغلطاي ص ٥٥.

١٨٨

السنة الرابعة (١) تزوج الرسول «صلى الله عليه وآله» بأم سلمة ، أفضل نساء النبي «صلى الله عليه وآله» بعد خديجة ، وأول مهاجرة إلى الحبشة مع زوجها أبي سلمة ، وعادت إلى مكة ثم كانت أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة أيضا (٢).

ونحن نرجح : أنها دخلت بيت النبي «صلى الله عليه وآله» كزوجة له في السنة الثانية ، وقد حضرت زفاف علي بفاطمة «عليهما السلام» الذي جرى في ذي الحجة من السنة الثانية ، وذلك لما ذكرناه فيما يأتي ، حين الكلام حول حضور أم سلمة زواج فاطمة «عليها السلام» ، فليراجع ما ذكرناه هناك.

وعلى كل حال ، فقد خطب أم سلمة أولا أبو بكر ، فردته ، ثم خطبها عمر فردته ؛ ثم خطبها رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقالت : مرحبا برسول الله الخ .. (٣) وذكرت له أنها غيرى ، وأنها مصبية (٤) ، فرد النبي «صلى الله عليه وآله» كلا عذريها ، وتزوجها.

عمر أم سلمة حين الزواج :

والظاهر أنها حين تزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم تكن قد بلغت الخامسة والعشرين من عمرها ، لأنهم يقولون : إنها توفيت في أوائل

__________________

(١) التنبيه والإشراف ص ٢١٣ ، وسيرة مغلطاي ص ٥٥ وغيره كثير.

(٢) راجع على سبيل المثال : الإصابة ج ٤ ص ٤٥٩ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٦.

(٣) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٦٢ ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ٢٠٤ ، ولم يذكر غير أبي بكر ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٨ ، والإصابة ج ٤ ص ٤٥٩.

(٤) مصبية : ذات صبي.

١٨٩

خلافة يزيد لعنه الله ، سنة اثنين وستين ، ولها أربع وثمانون سنة (١) فيكون عمرها حينما هاجرت إلى الحبشة حوالي ١٥ سنة.

الكمال والجمال :

وعذر أم سلمة المتقدم لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بأنها تغار ، وبأنها مصبية ، يدل على كمال عقلها ، وحسن أدبها ، وعلى أنها كانت تحسب للعواقب حسابها ، فإن غيرتها لربما توقعها فيما لا تحب ، وتكون سببا في أذى النبي ، أو عدم راحته. وكونها مصبية لربما يعيقها عن القيام بواجباتها تجاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» على النحو الأكمل والأفضل.

وقد كانت أم سلمة موصوفة بالجمال البارع ، والعقل الراجح ، والرأي الصائب (٢).

وكانت من أجمل الناس (٣).

ولأجل ذلك نجد عائشة تقول : لما تزوج رسول الله «صلى الله عليه وآله» أم سلمة حزنت حزنا شديدا ؛ لما علمت من جمالها ، فتلطفت حتى رأيتها ؛ فرأيت والله أضعاف ما وصفت من الحسن والجمال ، فذكرت ذلك لحفصة ، وكانتا يدا واحدة إلخ (٤).

__________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٦٢.

(٢) الإصابة ج ٤ ص ٤٥٩ ، وحديث الإفك ص ١٦١ عنه.

(٣) تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٦٢ ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ٢٠٥.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٧ ، وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٦٦ ، والإصابة ج ٤ ص ٤٥٩ عنه.

١٩٠

ثم ذكرت أن حفصة قد حاولت التخفيف من هموم رفيقتها في هذا المجال.

ولكن الظاهر : أن ذكر حفصة هنا كان في غير محله ، لأن الظاهر أنه «صلى الله عليه وآله» قد تزوجها بعد أم سلمة كما سيأتي. فلا بد أن تكون قد ذكرت لها ذلك ، حين لم تكن حفصة زوجة له «صلى الله عليه وآله» ، أو أن غير حفصة هي صاحبة القضية مع عائشة.

وثمة موارد أخرى تدخل في هذا المجال ، ذكرها ابن سعد في طبقاته وغيره لا مجال لإيرادها.

أم سلمة على العهد :

لقد كانت أم سلمة خير زوج لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وبقيت بعده على العهد ، لم تغير ولم تبدل ، وقرت في بيتها كما أمرها الله ، وناصرت وصي رسول الله ، وعادت أعداءه ومحاربيه ، حتى ليذكر البيهقي : أن عائشة دخلت على أم سلمة بعد رجوعها من وقعة الجمل ، وقد كانت أم سلمة حلفت ألا تكلمها أبدا ، من أجل مسيرها إلى محاربة علي بن أبي طالب.

فقالت عائشة : السلام عليك يا أم المؤمنين.

فقالت : يا حائط ، ألم أنهك؟ ألم أقل لك؟!

قالت عائشة : فإني أستغفر الله وأتوب إليه ، (كيف تتوب إليه ، وهي عندما جاءها نعي علي أعتقت غلامها ، وأظهرت الشماتة ، وتكلمت بالكلام السيء في حقه «عليه السلام» (١) كلميني يا أم المؤمنين.

__________________

(١) راجع : الموفقيات ص ١٣١ ، والجمل ص ٨٣ و٨٤ ، ومقاتل الطالبيين ص ٤٢ و٤٣ ، وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٤٧٥.

١٩١

قالت : يا حائط ، ألم أقل لك؟! ألم أنهك؟!

فلم تكلمها حتى ماتت إلخ (١).

ولأم سلمة كلام قوي واجهت به عائشة بعد حرب الجمل وقبلها. ولها كتاب إلى علي «عليه السلام» حول خروج عائشة وإرسال ابنها سلمة إلى علي ليحارب معه عدوه ، فليراجع ذلك من أراده (٢).

وبالمناسبة فإن ابن أم سلمة الذي أرسلته إليه اسمه «عمر» ، وقد كان واليا لأمير المؤمنين «عليه السلام» على فارس والبحرين ؛ وكان معه يوم الجمل (٣).

وفاة أم سلمة :

وقد كانت أم سلمة رحمها الله آخر نسائه «صلى الله عليه وآله» وفاة. فقد توفيت في خلافة يزيد لعنه الله تعالى.

ولا يصح قول البعض كالواقدي وغيره (٤) : إنها توفيت سنة تسع وخمسين ، وصلى عليها سعيد بن زيد ، أو أبو هريرة (٥).

نعم ، لا يصح ؛ وذلك للأمور التالية :

__________________

(١) المحاسن والمساوي للبيهقي ج ١ ص ٤٨١.

(٢) راجع : قاموس الرجال ترجمة أم سلمة.

(٣) قاموس الرجال ترجمة عمر بن أبي سلمة.

(٤) راجع : ترجمة أم سلمة في طبقات ابن سعد ج ٨ ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ٢٠٥ ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٦٢.

(٥) كما ذكره أبو عمر في الإستيعاب ، وابن الكمال ، وابن الأثير.

١٩٢

أولا : إن سعيد بن زيد قد توفي في سنة خمسين ، أو إحدى وخمسين (١) فكيف يكون قد صلى على أم سلمة التي توفيت بعد ذلك ـ كما صرح به هو نفسه ـ بسنوات؟

وأما أبو هريرة ، فإنه توفي سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين ، فبالنسبة للقولين الأولين لا ريب في أنه قد توفي قبلها ، وأما بالنسبة للأخير ، فيبقى الأمر محتملا ؛ ولسوف يندفع هذا الاحتمال من خلال الأدلة التالية.

وثانيا : إننا لا نرتاب في أن أم سلمة قد توفيت في خلافة يزيد ، وذلك استنادا إلى ما يلي :

١ ـ إن من المعروف والثابت ، أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أودع عند أم سلمة قارورة فيها من تراب كربلاء ، فإذا رأتها فاضت دما ؛ فقد قتل الحسين «عليه الصلاة والسلام».

وهكذا كان ، فقد عرفت استشهاد الإمام الحسين «عليه السلام» ، حينما فاضت هذه القارورة دما (٢).

قال ابن كثير : «والأحاديث المتقدمة في مقتل الحسين تدل على أنها عاشت إلى ما بعد مقتله» (٣).

٢ ـ روى الطبراني بسند رجاله ثقات : أنها رحمها الله توفيت زمن يزيد

__________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٦٢ ، والإصابة ج ٤ ص ٤٦٠.

(٢) راجع مصادر هذه القضية في كتاب : «سيرتنا وسنتنا» للعلامة الأميني ، فإنه مشحون بالمصادر لها. والسجود على الأرض للعلامة الأحمدي ص ١١٢ و١١٣ و١١٤ ، ففيه مصادر كثيرة أيضا.

(٣) البداية والنهاية ج ٨ ص ٢١٥.

١٩٣

بن معاوية سنة اثنتين وستين (١).

٣ ـ وقال الذهبي : إنها عمرت حتى بلغها مقتل الحسين الشهيد ؛ فوجمت لذلك ، وغشي عليها ، وحزنت عليه كثيرا ، ولم تلبث بعده إلا يسيرا ، وانتقلت إلى الله تعالى (٢).

٤ ـ عن شهر بن حوشب ، قال : أتيت أم سلمة أعزيها بالحسين (٣).

٥ ـ رأت أم سلمة النبي «صلى الله عليه وآله» في المنام ، وأخبرها بأن الحسين «عليه السلام» قد قتل (٤).

٦ ـ قالوا : وقد روي بسند رجاله رجال الصحيح : أنها سمعت الجن تنوح على الحسين «عليه السلام» (٥).

٧ ـ عن شهر بن حوشب ، قال : سمعت أم سلمة [تقول] حين جاء نعي الحسين بن علي ، لعنت أهل العراق ؛ فقالت : قتلوه ، قتلهم الله إلخ .. ثم تذكر حديث الكساء (٦).

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٤٦.

(٢) مقتل الحسين للمقرم ص ٣٥٥ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٢٠٢.

(٣) مقتل الحسين للمقرم ص ٣٥٥ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٢٠٧ وج ٣ ص ٢٨٣.

(٤) تهذيب التهذيب ج ٢ ص ٣٥٦ ، وتاريخ الخلفاء ص ٢٠٨ ، وأمالي ابن الشيخ الطوسي ج ١ ص ٨٩ ، ومقتل الحسين للمقرم ص ٣٥٥ عنهما وعن ذخائر العقبى ص ١٤٨ ، وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣١٦.

(٥) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٠٨ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٩ عن الطبراني ، وحياة الصحابة ج ٣ ص ٧٤٢ عنه.

(٦) شواهد التنزيل ج ٢ ص ٧٣ و٧٤ و٧٥ و٧٦ وراجع ص ٧٧ وفي هامشه ،

١٩٤

٨ ـ وروى مسلم في صحيحه : أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، وعبد الله بن صفوان ، دخلا على أم سلمة في خلافة يزيد بن معاوية ؛ فسألا عن الجيش الذي يخسف به. وكان ذلك حين جهز يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة بعسكر الشام إلى المدينة ، فكانت وقعة الحرة سنة ثلاث وستين (١).

وأخيرا ، فإن من الذين قالوا بوفاتها في خلافة يزيد : الذهبي ـ كما تقدم ـ ورجحه ابن كثير كما تقدم أيضا ، وابن أبي خيثمة ، وابن حبان ، وأبو نعيم ، واليافعي ، وابن عساكر ، وصححه (٢) ، وغيرهم.

ولعل الهدف من الإصرار على أنها قد توفيت سنة تسع وخمسين ، هو تكذيب تلك الفضيلة التي ثبتت للإمام الحسين «عليه السلام» ، والتي تظهر بشاعة وفظاعة تلك الجريمة التي ارتكبها يزيد ، ومن معه من الأمويين وأذنابهم.

٥ ـ حفصة في بيت النبي صلّى الله عليه وآله :

وفي السنة الثالثة ، وقال أبو عبيدة في الثانية ، في شهر شعبان ، عقد النبي «صلى الله عليه وآله» على حفصة بعد انقضاء عدتها ، بعد وفاة زوجها

__________________

ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٩٨ ، والمعجم الصغير ج ١ ص ٦٥. وراجع البحار ج ٤٥ ص ١٩٩ عن الطرائف لابن طاووس ص ٢٦ ج ١ ، ومشكل الآثار ج ١ ص ٣٣٥.

(١) الإصابة ج ٤ ص ٤٦٠.

(٢) راجع : الإصابة ج ٤ ص ٤٦٠ ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٦٢ ، ومرآة الجنان ج ١ ص ١٣٧ ، والبداية والنهاية ج ٨ ص ٢١٥ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٧ ، وغير ذلك.

١٩٥

السابق خنيس بن حذافة ، المقتول في بدر ، أو أحد ، أو بعدها.

والأرجح الأول ؛ أي أنه «صلى الله عليه وآله» قد عقد عليها في السنة الثالثة ، لأن بعض الروايات تصرح بأن عمر قد عرض حفصة على عثمان «متوفى رقية بنت النبي» (١).

ورقية إنما توفيت بعد بدر ، أو في ذي الحجة ـ كما تقدم وهو الذي رجحناه.

وتقول بعض الروايات : إن عمر عرض حفصة على عثمان وأبي بكر ، فلم يجيباه إلى ما طلب ، فشكا ذلك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال له : إن الله عز وجل قد زوج عثمان خيرا من ابنتك ، وزوج ابنتك خيرا من عثمان.

وهذه الرواية وإن كانت صريحة في أن أم كلثوم أفضل من حفصة ، وتلقي ظلالا من الشك حول ما ينسب إلى حفصة من الفضل ، بالإضافة إلى أن سيرة حياتها وسلوكها مع النبي «صلى الله عليه وآله» وبعده ، تجعل الباحث يميل إلى ضد ذلك الذي ينسبه محبوها إليها.

إلا أننا نجد : أن عرض عمر ابنته على أبي بكر ، وعثمان ، غير مألوف ، ولا معروف من الآباء ، ولا ينسجم مع طبيعة العربي ، وغروره ، وحساسيته تجاه قضايا المرأة بشكل خاص ، وبالأخص من قبل عمر ، الذي أظهر حساسية متميزة في هذا المجال ، حتى لقد حرم زواج المتعة ، الذي لم يكن

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٥٧ و٥٨ ، وليراجع الإصابة ج ٤ ص ٢٧٣ ، والإستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٢٦٨ و٣٠٠.

١٩٦

معروفا ولا مألوفا في الجاهلية ، ولذا فنحن نرى أن الرواية الأصوب والأقرب هي التي تقول :

«لما توفيت رقية خطب عثمان ابنة عمر حفصة ؛ فرده ، فبلغ ذلك النبي «صلى الله عليه وآله» ، فقال : يا عمر ، أولا أدلك على خير من عثمان؟ ، وأدل عثمان على خير له منك؟!

قال : نعم يا نبي الله.

قال : تزوجني ابنتك ، وأزوج عثمان ابنتي ، خرجه الخجندي» (١).

ويلاحظ : أنه لم يذكر في هذه الرواية : أن الله قد زوجه حفصة ، وزوج عثمان أم كلثوم.

وعدم ذكره هو الأقرب للصحة ؛ فإن زينب بنت جحش كانت تفتخر على نساء النبي بأن الله هو الذي زوجها ، أما هن فزوجهن أولياؤهن.

ولو كان الله قد زوج حفصة حقا لم يكن لكلام زينب هذا مجال ، ولاعترض عليها نساء النبي «صلى الله عليه وآله» في ذلك.

وهكذا ، فإن الشواهد تتضافر على تأييد هذه الرواية الأخيرة. ولسوف يأتي أيضا كلام مهم آخر عن زواجه «صلى الله عليه وآله» من حفصة ، حين الكلام عن سر تعدد زوجاته «صلى الله عليه وآله».

٦ ـ زينب بنت خزيمة في بيت النبي صلّى الله عليه وآله :

وفي شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة ، وبعد تزوجه «صلى الله عليه

__________________

(١) المواهب اللدنية ج ١ ص ٩٧ ، وذخائر العقبى ص ١٦٥.

١٩٧

وآله» بحفصة ، تزوج «صلى الله عليه وآله» بزينب بنت خزيمة وماتت بعد شهرين ، أو ثلاثة من اقترانها به ، فهي أول زوجاته «صلى الله عليه وآله» موتا بعد خديجة «صلوات الله وسلامه عليها».

وقبل أن نمضي في الحديث لا بأس بأن نتوقف قليلا لنلقي نظرة ، ولنتأمل في الدوافع التي دعت النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» إلى تكثير زوجاته ؛ فنقول :

سر تعدد زوجاته :

الاتهام الباطل :

قد يحلو لبعض المغرضين والحاقدين : أن يسجل على رسول الإسلام الأعظم «صلى الله عليه وآله» ملاحظة غير واقعية ، تتلخص في أنه «صلى الله عليه وآله» إنما تزوج عدة نساء استجابة لرغبة جنسية جامحة ، كان يعاني منها.

ولكننا ، إذا درسنا هذه الناحية بعمق ووعي ، فإننا نخرج بنتيجة حاسمة تعطينا : أن هذا الكلام محض خيال زائف ، ليس له منطق يساعده ، ولا دليل يعتمد عليه ، وذلك بملاحظة ما يلي :

١ ـ إن حب الرجل للمرأة أمر طبيعي ، ولقد كان النبي «صلى الله عليه وآله» رجلا إنسانا ؛ فطبيعي أن يميل إلى المرأة ، ويشعر بالمتعة معها. ولكن أول ما يطالعنا في هذا المجال في حياته «صلى الله عليه وآله» ، هو أننا نلاحظ : أن أكثر زوجاته «صلى الله عليه وآله» كن ثيبات : إما مطلقات ، أو ترملن من أزواجهن قبله «صلى الله عليه وآله».

١٩٨

فلو كان «صلى الله عليه وآله» يهتم بأمور الجنس ؛ لكان باستطاعته أن يتزوج خيرة الفتيات الأبكار ؛ ولوجد أولياءهن يفتخرون بمصاهرته لهم. وهو الذي حث وحبذ وأثنى على الزواج بالأبكار ، ورغب فيه بشكل واضح وملموس.

٢ ـ إنه «صلى الله عليه وآله» وهو في مكة بقي ٢٥ سنة مع زوجته خديجة ، المرأة الوفية ، التي كانت تكبره سنا ، كما يقولون.

ولم يتزوج عليها في حياتها أحدا ، مع أن تعدد الزوجات كان مألوفا لدى الناس آنئذ.

٣ ـ إننا نجده يرفض عرض قريش عليه التزويج بأي النساء شاء ، في مقابل أن يلين في موقفه ، ويخفف من مواجهته لآلهتهم وعقائدهم.

٤ ـ وملاحظة رابعة نضيفها وهي : أن نساءه «صلى الله عليه وآله» كن على كثرتهن من قبائل شتى ، لا تكاد تجد منهن اثنتين من قبيلة واحدة ، إلا من اللواتي لم يدخل بهن.

٥ ـ ثم إن جميع زوجاته باستثناء خديجة ، إنما دخلن بيت الزوجية عنده حينما كان في المدينة المنورة ، أي بعد أن تجاوز سن الخمسين ، وبعضهن تزوجهن «صلى الله عليه وآله» قبل وفاته بمدة قليلة.

٦ ـ وأيضا ، فإن هذا التعدد لم يشغل النبي «صلى الله عليه وآله» عن واجباته ، ولا أخرجه عن اتزانه ، ولا طغى على وقته ونشاطه ، وتاريخ حياته «صلى الله عليه وآله» يشهد : بأنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن يهتم بهذه الأمور ، بل كان مثال العفاف والطهر البالغ ، ولم يلوث نفسه بأي مما كانت الجاهلية تبيحه ، وتشيع في مجتمعه ممارسته ، ولم يستطع أحد من أعدائه

١٩٩

أن يصمه بشيء من ذلك.

٧ ـ وأخيرا ، فإن ما يجب الالتفات إليه هو : أنه «صلى الله عليه وآله» قد خيّر زوجاته بين الرضا بحياة التقشف معه ، وبين الطلاق والفراق ، فلو كان زواجه بهن بسبب طغيان الغريزة الجنسية لديه ، لكان يجب أن يحتفظ بهن في جميع الأحوال ، ولا يفرط بهن لمجرد حبه لحياة التقشف والزهد.

فهل استيقظ فيه «صلى الله عليه وآله» الشعور الجنسي في المدينة بالذات ، وبعد شيخوخته ، وفي أواخر عمره؟!

وهل استيقظ هذا الشعور على خصوص النساء اللواتي ترملن؟ أو طلقهن أزواجهن؟!.

أو هل أراد حقا أن يتذوق نساء القبائل المختلفة في الجزيرة العربية؟!.

ولماذا اختص ذلك بالعربية دون غيرها؟!.

الدوافع الحقيقية :

وبعدما تقدم ، فإننا إذا أردنا أن نجيب على التساؤل حول السبب في كل ذلك ، ودوافعه ، وآثاره ، فإننا نقول :

إن زواجه «صلى الله عليه وآله» المتعدد هذا ، قد كان لدوافع سياسية ، وأحكامية ، وإنسانية ؛ وانطلاقا من مصلحة الإسلام العليا.

وتوضيح ذلك قدر الإمكان يكون في ضمن النقاط التالية :

١ ـ إن بعض موارد ذلك الزواج كانت دوافعه إنسانية بحتة ، لكون تلك المرأة قد أسلمت وهاجرت ، ثم توفي أو قتل عنها زوجها ، ولا سبيل لها إلى الرجوع إلى أهلها المشركين ؛ لأنها لا تستطيع أن تقاوم ضغوطهم

٢٠٠