الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-177-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٦

وفي الدعاء عند إعطاء الزكاة عنه «صلى الله عليه وآله» : «اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما» (١) و «غنيمة مجالس الذكر الجنة» (٢) وفي وصف الصوم : «هو غنم المؤمن» (٣).

إلى كثير مما لا يمكن حصره واستقصاؤه.

وعليه فالغنم في اللغة : هو مطلق الحصول على الشيء.

وأما قيد «بلا مشقة» ، الذي أضافه البعض ؛ فهو يخالف موارد الاستعمال السابقة وغيرها. والتزام المجاز فيها يلزم منه أن تكون أكثر استعمالات هذه الكلمة في الموارد المجازية.

بل إن نفس آية الخمس في القرآن الكريم قد أطلقت على كل ما يغنم ، ومن جملته ما يحصل في الحرب بعد مشقة.

وأما ما ذكره البعض (٤) من أن هذه الكلمة كانت في الأصل لمطلق الغنيمة ، ثم اختصت بغنائم الحرب. فلا يصح أيضا ؛ لأننا نجد أن استعمالات هذه الكلمة في الحديث الشريف لا تختص في ذلك ، بل هي في غيره أكثر ، وعليه أدل. ومع فرض الشك فلا بد من الحمل على المعنى اللغوي.

إذا فالآية الشريفة تدل على وجوب الخمس في مطلق ما يحصل عليه الإنسان ، ويظفر به ، ولو لم يكن من ميدان الحرب مع الكفار. وقد اعترف

__________________

(١) سنن ابن ماجة (كتاب الزكاة) الحديث رقم ١٧٩٧.

(٢) مسند أحمد ج ٢ ص ١٧٧.

(٣) راجع : مقدمة مرآة العقول ج ١ ص ٨٤ و٨٥.

(٤) هو العلامة السيد مرتضى العسكري في مقدمة مرآة العقول.

١٤١

القرطبي : بأن اللغة لا تقتضي تخصيص الآية بغنائم الحرب. ولكنه قال : إن العلماء قد اتفقوا على هذا التخصيص (١).

ومعنى كلامه : أنهم قد اتفقوا على خلاف ظاهر الآية ، وخلاف المتبادر منها.

الخمس في كتب النبي صلّى الله عليه وآله ورسائله :

كما أن كتب النبي «صلى الله عليه وآله» ورسائله إلى القبائل لتؤكد وتؤيد : أن الخمس كما يجب في غنائم الحرب يجب في غيرها ، وأن المراد من الغنيمة هو المعنى الأعم ؛ فلاحظ ما يلي :

١ ـ وصية النبي «صلى الله عليه وآله» لبني عبد القيس ، الذين قالوا له «صلى الله عليه وآله» : «إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في أشهر حرم وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر ، فمرنا بأمر فصل ، نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة ، وسألوه عن الأشربة.

فأمرهم «صلى الله عليه وآله» بأربع ، ونهاهم عن أربع : أمرهم بالإيمان بالله وحده.

قال : أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟

قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، وأن تعطوا من المغنم الخمس ، ونهاهم

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١.

١٤٢

إلخ» (١).

وواضح : أن عبد القيس كانت قبيلة ضعيفة لا تجرؤ على الخروج من ديارها إلا في الشهر الحرام ؛ ولا تستطيع حربا ولا قتالا.

ويؤيد ذلك أيضا : أن المغنم إنما يكون تحت اختيار القائد والأمير ، وهو المسؤول عنه ؛ فيأخذ منه الخمس ويرسله ، ويقسم الباقي على الأفراد ، وليس له ارتباط بالأفراد أنفسهم. وظاهر كلامه «صلى الله عليه وآله» المتقدم : أنه «صلى الله عليه وآله» قد أمرهم بأوامر تختص بالفرد وتكون من وظائفه التي لا بد أن يمارسها باستمرار أو بكثرة ، كالإيمان ، والصلاة ، والزكاة. وكذلك الخمس ؛ فإنه أيضا على حدها ، ولا يختلف عنها.

٢ ـ وكتب «صلى الله عليه وآله» لعمرو بن حزم ، حينما أرسله إلى اليمن ، كتابا مطولا جاء فيه : «وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله» (٢)

__________________

(١) البخاري ط مشكول ج ١ ص ٢٢ و٣٢ و١٣٩ ، وج ٢ ص ١٣١ وج ٥ ص ٢١٣ ، وج ٩ ص ١١٢ ، وصحيح مسلم ج ١ ص ٣٦ ، وسنن النسائي ج ٢ ص ٣٣٣ ، ومسند أحمد ج ١ ص ٢٢٨ و٣٦١ ، وج ٣ ص ٣١٨ ، وج ٥ ص ٣٦ ، والأموال لأبي عبيد ص ٢٠ ، والترمذي باب الإيمان ، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٣٣٠ ، وج ٤ ص ٢١٩ ، وفتح الباري ج ١ ص ١٢٠ ، وكنز العمال ج ١ ص ٢٠ وص ١٩ رقم ٦.

(٢) تاريخ ابن خلدون ج ٢ ، وتنوير الحوالك ج ١ ص ١٥٧ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٧٦ ، وسيرة ابن هشام ج ٤ ص ٢٤٢ ، وكنز العمال ج ٣ ص ١٨٦ ، والإستيعاب هامش الإصابة ج ٢ ص ٥١٧ ، والخراج لأبي يوسف ص ٧٧ ، ومسند أحمد ج ٢ ص ١٤ و١٥ ، وابن ماجة ج ١ ص ٥٧٣ و٥٧٥ و٥٧٧ ، وسنن الدارمي ج ١ ص ٢٨١ و٣٨٥ ، وج ٢ ص ١٦١ ـ ١٩٥ ، الإصابة ج ٢ ص ٥٣٢ ، وسنن أبي

١٤٣

والكلام في هذه الفقره لا يختلف عن الكلام في سابقتها.

٣ ـ وكتب «صلى الله عليه وآله» لبني عبد كلال اليمانيين ، مع عمرو بن حزم ، يشكرهم على امتثالهم ما أمرهم به فيما سبق بواسطة عمرو بن حزم نفسه ، ويقول : «فقد رجع رسولكم ، وأعطيتم من الغنائم خمس الله عز وجل» (١).

وواضح : أننا لم نجد في التاريخ : أن حروبا قد جرت بينهم وبين غيرهم بعد إسلامهم ، وأنهم قد غنموا من تلك الحروب غنائم ، وخمسوها ، وأرسلوها مع عمرو بن حزم.

٤ ـ وكتب «صلى الله عليه وآله» لقبيلتي سعد هذيم من قضاعة ، وجذام : «وأمرهم : أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه : أبيّ ، وعنبسة ،

__________________

داود ج ٢ ص ٩٨ و٩٩ ، والدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٣ ، والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٤٨ و٢٤٩ ، والترمذي ج ٣ ص ١٧. وعن : رسالات نبوية ص ٢٠٤ ، والطبري ج ٢ ص ٣٨٨ ، وفتوح البلدان للبلاذري ص ٨٠ ، وأعلام السائلين ص ٤٥ ، ومجموعة الوثائق السياسية ص ١٧٥ ، وفريدون ج ١ ص ٣٤ ، وإهدلي ص ٦٨ ، والإمتاع للمقريزي ص ١٣٩.

(١) الأموال لأبي عبيد ص ٢١ ، وسنن البيهقي ج ٤ ص ٨٩ ، وكنز العمال ج ٣ ص ١٨٦ و٢٥٢ و٢٥٣ عن الطبراني وغيره ، ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٣٩٥ ، والدر المنثور ج ١ ص ٣٤٣ ، ومجمع الزوائد ج ٣ ، وعن تهذيب ابن عساكر ج ٦ ص ٢٧٣ و٢٧٤ ، وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٨٩ ، ومجموعة الوثائق السياسية ص ١٨٥ عن إهدل ص ٦٧ و٦٨ عن ابن حبان ، والمبعث ص ١٤١.

١٤٤

أو من أرسلاه» (١).

مع أن هذه القبيلة قد أسلمت جديدا ولم تخض حربا بعد ، ليكون المراد خمس المغانم.

٥ ـ وقد أوجب «صلى الله عليه وآله» الخمس في ست عشرة رسالة أخرى ، بل أكثر ، كان قد أرسلها إلى القبائل ورؤسائها ، وهي : قبيلة بكاء ، وقبيلة بني زهير ، وحدس ، ولخم ، وبني جديس ، وللأسبذيين ، وبني معاوية ، وبني حرقة ، وبني قيل ، وبني قيس ، وبني جرمز ، ولأجنادة وقومه ، وقيس وقومه ، ولمالك بن أحمر ، ولصيفي بن عامر شيخ بني ثعلبة ، والفجيع ومن تبعه ، ونهشل بن مالك رئيس بني عامر ، ولجهينة بن زيد ، وذكر أيضا في رسالة لليمن ، ولملوك حمير ، ولملوك عمان (٢).

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ١ قسم ٢ ص ٢٣ و٢٤ ، ومجموعة الوثائق السياسية ص ٢٢٤ ، ومقدمة مرآة العقول ج ١ ص ١٠٢ و١٠٣.

(٢) راجع هذه النصوص في المصادر التالية : أسد الغابة ج ٤ ص ١٧٥ و٢٧١ و٣٢٨ ، وج ٥ ص ٤٠ و٣٨٩ وج ١ ص ٣٠٠ ، والإصابة ج ٣ ص ٣٣٨ و١٩٩ و٥٧٣ ، وج ١ ص ٥٣ و٢٤٧ و٢٧٨ ، وج ٢ ص ١٩٧ ، وطبقات ابن سعد ج ١ ص ٢٧٤ و٢٧٩ و٦٦ و٢٦٩ و٢٧١ و٢٦٨ و٢٧٠ و٢٨٤ ، وج ٧ قسم ١ ص ٢٦ ، وج ٥ ص ٣٨٥ ، ورسالات نبوية ص ٢٣٧ و١٠٢ و١٠٣ و١٣١ و٢٥٣ و١٣٨ و١٨٨ و١٣٤ ، ومجموعة الوثائق السياسية ص ١٢١ و٢٦٤ و٢٧٣ عن أعلام السائلين و٩٨ و٩٩ و٢٥٢ و٢٥٠ و٢١٦ و١٩٦ و١٣٨ و٢٣٢ و٢٤٥ و١٨٠ ، وكنز العمال ج ٢ ص ٢٧١ وج ٥ ص ٣٢٠ ، وج ٧ ص ٦٤ عن الروياني وابن عساكر وأبي داود ، كتاب الخراج وطبقات الشعراء للجمحي ص ٣٨ ، وسنن البيهقي ج ٦ ص ٣٠٣ ، وج ٧ ص ٥٨ ، وج ٩ ص ١٣ ، ومسند

١٤٥

نظرة في تلك الرسائل :

وربما يقال : إن المراد بكلمة : «مغنم وغنائم ، ومغانم» الواردة في تلك الرسائل هو خصوص غنائم الحرب. ولكن ذلك لا يصح ؛ وذلك لما يلي :

١ ـ إن إعلان الحرب وقيادتها وتدبيرها كان آنئذ من شؤون الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، أو من نصبه. ثم من تولى الأمر بعده من الخلفاء ، أو من نصبوه ؛ ولم يكن لأي من القبائل أن تتخذ قرار الحرب من عند نفسها ؛ ولا يحدثنا التاريخ عن نشاط حربي مستقل لهم ؛ ولو كان ، فالمناسب أن يكتب «صلى الله عليه وآله» بذلك إلى أمرائهم وقوادهم ، الذين يتولون إخراج خمس الغنيمة ، وإرساله إليه ، ثم تقسيم الباقي على أهله.

__________________

أحمد ج ٤ ص ٧٧ و٧٨ و٣٦٣ ، وسنن النسائي ج ٧ ص ١٣٤ ، والأموال لأبي عبيد ص ١٢ و١٩ و٢٠ و٣٠ ، والإستيعاب ترجمة عمر بن تولب ، وج ٣ ص ٣٨ ، وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٥٥ و٦٨ عن شرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ٣٨٢ ، وصبح الأعشى ج ١٣ ص ٣٢٩ ، ومجموعة الوثائق عن إعلام السائلين ونصب الراية ، ومغازي ابن إسحاق ، ومصنف ابن أبي شيبة ، ومعجم الصحابة ، والمنتقى ، وميزان الاعتدال ، ولسان الميزان ، واليعقوبي ، وأموال ابن زنجويه. وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٤ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٤٦ و٧٥ ، وج ٢ ص ٣٥١ عن أبي نعيم ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٨٤ ، وفتوح البلدان للبلاذري ص ٨٢ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٨ ، وسيرة ابن هشام ج ٤ ص ٢٥٨ و٢٦٠ ، وسيرة زيني دحلان ج ٣ ص ٣٠ ، والمصنف ج ٤ ص ٣٠٠ ، وطبقات الشعراء لابن سلام ص ٣٨ ، ومجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٤٤.

١٤٦

٢ ـ لقد كانت تلك القبائل تعيش في الحجاز ، والشام ، والبحرين ، وعمان ، وأكثرها كان من القبائل الصغيرة ، التي لا تقوى على حرب أحد ، ليطلب منها إعطاء خمس غنائم حروبها.

٣ ـ لو كان المراد خمس غنائم الحرب ، لكان معنى ذلك هو السماح لكل أحد بأن يشن حربا على العدو ، في أي زمان أو مكان شاء ، وهذا من شأنه أن يحدث الفوضى ، ويتسبب بمشاكل كبيرة وخطيرة على الدولة الإسلامية. ولا يصدر مثل هذا التشريع عن عاقل ، مدبر وحكيم. مضافا إلى أننا لا نجد في التاريخ شيئا من هذه الفوضى الناشئة عن ممارسة تشريع كهذا.

٤ ـ قد تقدم : أن هذه الرسائل تتعرض لجملة من الأحكام التي ترتبط بالأفراد ، كالإيمان بالله ، وبالنبي ، وإعطاء الزكاة ، والخمس ، الأمر الذي يجعلنا نكاد نطمئن إلى أن الخمس لا يختلف عن تلك الأحكام في ماهيته ؛ وأنه مما تعم البلوى به للأفراد ؛ لا أنه حكم نادر ، لا يرتبط بهم فعلا ، ولا يتفق لهم ربما في عقود بل قرون كثيرة من الزمن.

في السيوب الخمس :

وكتب «صلى الله عليه وآله» رسالة لوائل بن حجر ، وفيها : «في السيوب الخمس» (١).

__________________

(١) أسد الغابة ج ٣ ص ٣٨ ، والإصابة ج ٢ ص ٢٠٨ ، وج ٣ ص ٤١٣ ، والبحار ج ٩٦ ص ٨٣ و١٩٠ والإستيعاب هامش الإصابة ج ٣ ص ٦٤٣ ، وجامع أحاديث الشيعة ج ٨ ص ٧٣ ، والعقد الفريد ج ١ باب الوفود ، والبيان والتبيين ، والوسائل

١٤٧

قال الزيلعي : «السيب العطاء ، والسيوب الركاز» (١).

وتجد تفسير السيوب بالعطاء في مختلف كتب اللغة.

ولنا أن نتساءل : لماذا خصوا السيوب بالركاز الذي هو أحد أفراد السيب ، والسيب عام ومطلق؟! وهل ذلك سوى الاجتهاد في اللغة ، والتحوير والتزوير الباطل؟!. من أجل أن يتحاشوا تشريع الخمس في مطلق المغانم!.

كما أنهم قد خصوه بالمال المدفون بالجاهلية. ولا ندري سر ذلك أيضا ، فإن لفظ سيوب لا اختصاص له في ذلك قطعا. كما أنه قد كان مستعملا في الجاهلية أيضا ، ولا يعقل أن يعتبره أهل الجاهلية : أنه المال المدفون في الجاهلية!!.

والظاهر : أنهم أرادوا أن يوهمونا بأنه بذلك يصير غنيمة من الكفار ، الذين يجب حربهم ، ليوافق مذهبهم في الخمس.

__________________

كتاب الزكاة باب تقدير نصاب الغنم ، ومعاني الأخبار ص ٢٧٥ ، وشرح الشفا للقاري ج ١ ص ١٨ ، وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ، والسيرة النبوية لدحلان هامش الحلبية ج ٣ ص ٩٤ ، والفائق للزمخشري ج ١ ص ١٤ ، وعن : المعجم الصغير ص ٢٤٣ ، ورسالات نبوية ص ٦٧ و٢٩٧ ، وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٥٨ و٥٩ ، ومجموعة الوثائق السياسية ص ٢٠٥ و٢٠٦ عن المواهب اللدنية ، والزرقاني ، ومادة سيب في نهاية ابن الأثير ، ولسان العرب ، وتاج العروس ، ونهاية الإرب وغريب الحديث لأبي عبيد في مادة : قيل وسيب ، وطبقات ابن سعد ج ١ ص ٢٨٧.

(١) تبيين الحقائق ج ١ ص ٢٨٨ (الركاز : ما ركزه الله أي أحدثه ودفنه في المعادن من ذهب أو فضة أو غيرها.

١٤٨

ونحن نقول : إن كتب اللغة تنص على أن السيب هو المهمل ، والسائبة هي الحيوان بلا صاحب ومراقب. وقد كانت الناقة تسيب في الجاهلية أي تهمل.

وفي الحديث : كل عتيق سائبة.

وهذا يقرب : أن يكون المراد بالسيوب : كل متروك ومهمل ، لا يدخل في حاجة الإنسان فيجب فيه الخمس.

وثمة دليل آخر أيضا :

وكتب «صلى الله عليه وآله» إلى بعض قبائل العرب : «إن لكم بطون الأرض وسهولها ، وتلاع الأودية ، وظهورها ، على أن ترعوا نباتها ، وتشربوا ماءها ، على أن تؤدوا الخمس» (١).

وسياق الكلام ظاهر ظهورا تاما في أن المراد ليس خمس غنائم الحرب ، إذ لا مناسبة بين ذلك وبين جعل بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها لهم ، ثم بين رعي نباتها ، وشرب مائها ، وبين الخمس ، إلا أن يكون خمس ما يحصلون عليه من ذلك الذي جعله لهم.

ويؤيد ذلك ويؤكده : أنه قد ذكر بعد الخمس هنا زكاة الغنم أيضا ، وأنهم إذا زرعوا فلسوف يعفون من زكاة الغنم. والظاهر أن ذلك ترغيب لهم بالزراعة.

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ٢ ص ١٦٧ ، وعن مجموعة الوثائق السياسية ص ٢١٩ ، ورسالات نبوية ص ٢٢٨ ، وكنز العمال ج ٧ ص ٦٥ ، وجمع الجوامع مسند عمرو بن مرة ونقله في مقدمة مرآة العقول ج ١ عن نهاية ابن الأثير ، وعن ابن منظور في لسان العرب في كلمة : صرم.

١٤٩

الخمس في المعدن والركاز :

ثم إن من الثابت عندهم : أن «في الركاز الخمس» وكذا في المعادن (١).

__________________

(١) الأموال لأبي عبيد ج ٣٣ ص ٣٣٧ و٤٧٣ و٤٧٧ و٤٧٦ و٤٦٨ و٤٦٧ ، ونصب الراية ج ٢ ص ٣٨٢ و٣٨١ و٣٨٠ ، ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٢٨ و٢٣٩ و٢٥٤ و٢٧٤ و٣١٤ و١٨٦ و٢٠٢ و٢٠٧ و٢٨٥ و٣١٩ و٣٨٢ و٣٨٦ و٤٠٦ و٤١١ و٤١٥ و٤٥٤ و٤٥٦ و٤٦٧ و٤٧٥ و٤٨٢ و٤٩٣ و٤٩٥ و٤٩٩ و٥٠١ و٥٠٧ ، وج ٣ ص ٣٥٤ و٣٥٣ و٣٣٦ و٣٥٦ و٣٣٥ و١٢٨ ، وج ٥ ص ٣٢٦ ، وكنز العمال ج ٤ ص ٢٢٧ و٢٢٨ ، وج ١٩ ص ٨ و٩ ، وج ٥ ص ٣١١ ، ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ٥٦ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٧٧ و٧٨ ، وعن الطبراني في الكبير والأوسط ، وعن أحمد والبزار ، ومصنف عبد الرزاق ج ١٠ ص ١٢٨ و٦٦ ، وج ٤ ص ١١٧ و٦٤ و٦٥ و١١٦ و٣٠٠ ، وج ٦ ص ٩٨ عن خمس العنبر ، ومقدمة مرآة العقول ج ١ ص ٩٧ و٩٦ ، ومغازي الواقدي ص ٦٨٢ ، وسنن البيهقي ج ٤ ص ١٥٧ و١٥٦ و١٥٥ ، وج ٨ ص ١١٠ ، والمعجم الصغير ج ١ ص ١٢٠ و١٢١ و١٥٣ ، والطحاوي ج ١ ص ١٨٠ ، وسنن النسائي ج ٥ ص ٤٤ و٤٥ ، والبخاري ط مشكول ج ٢ ص ١٥٩ و١٦٠ في باب في الركاز الخمس ، وفي باب من حفر بئرا في ملكه وط سنة ١٣٠٩ ه‍. ج ٤ ص ١٢٤ ، والهداية شرح البداية ج ١ ص ١٠٨ ، وخراج أبي يوسف ص ٢٦ ، وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٣٩ و٨٠٣ ، وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٨١ ، وج ٤ ص ١٩٦ ، وشرح الموطأ للزرقاني ج ٢ ص ٣٢١ ، وكتاب الأصل للشيباني ج ٢ ص ١٣٨ ، وسنن الدارمي ج ١ ص ٣٩٣ وج ٢ ص ١٩٦ ، ونيل الأوطار ج ٤ ص ٢١٠ ، والموطأ ج ١ ص ٢٤٤ وج ٣ ص ٧١ (مطبوع مع تنوير الحوالك) ، ومنحة المعبود ج ١ ص ١٧٥ ، والترمذي ج ١ ص ٢١٩ وج ٣ ص ١٣٨ ، وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٢٧ و١١ و٢٢٥ ، والعقد

١٥٠

ويذكر الأصطخري : أنهم كانوا يأخذون خمس المعادن (١).

وقد عد غير مالك وأهل المدينة المعدن من الركاز الذي يجب فيه الخمس ، واعتبروه كالغنيمة (٢).

ويقول أبو عبيد : إنه بالركاز أشبه (٣).

وقد كتب عمر بن العزيز لعروة ، يسأله عن رأي السابقين في الخمس ، فأجابه عروة : بأن العنبر بمنزلة الغنيمة ، يجب أن يؤخذ منه الخمس (٤).

ويقول الشيباني : إن الركاز والمعدن يجب فيهما الخمس ، وهما من المغنم (٥).

وقد خمس علي «عليه السلام» الركاز في اليمن كما سنرى.

وعن جابر : «ما وجد من غنيمة ففيها الخمس» ويقرب منه ما عن ابن جريج (٦).

__________________

الفريد ونهاية الارب ، والإستيعاب ، وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٧ ، وتاريخ بغداد ج ٥ ص ٥٣ و٥٤ ، ومصابيح السنة ط دار المعرفة ج ٢ ص ١٧ ، والمسند للحميدي ج ٢ ص ٤٦٢ ، ومسند أبي يعلى ج ١٠ ص ٤٣٧ و٤٦١ و٤٥٩ ، وج ١١ ص ٢٠٢ وفي هامشه عن مصادر كثيرة جدا.

(١) مسالك الممالك ص ١٥٨.

(٢) راجع : الأموال لأبي عبيد ص ٤٧٢.

(٣) الأموال ص ٤٧٤.

(٤) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج ٤ ص ٦٤ / ٦٥.

(٥) كتاب الأصل للشيباني ج ٢ ص ١٣٨.

(٦) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج ٤ ص ١١٦.

١٥١

وأخيرا ، فقد جاء : أن من أخذ شيئا من أرض العدو ، فباعه بذهب أو فضة أو غيره ، فإنه يخمس (١).

وكل ما تقدم ليس من غنائم الحرب كما هو معلوم ، وقد حكم بثبوت الخمس فيه ، فما معنى تخصيص الآية بغنائم الحرب؟!!

وحسبنا ما ذكرناه هنا ، فإن فيه مقنعا وكفاية لمن أراد الرشد والهداية.

لطيفة :

ومن الطريف أن نذكر هنا : أن أبا بكر قد أوصى بخمس ماله ، وقال : «أوصي بما رضي الله به لنفسه ، ثم تلا : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)» (٢).

جباة الخمس :

ويظهر : أنه كان للنبي «صلى الله عليه وآله» جباة للخمس ، كما كان له جباة للصدقات ، وقد أرسل عمرو بن حزم إلى اليمن ، وقدم عليه بأخماس بني عبد كلال اليمنيين ، وأرسل إليهم يشكرهم على ذلك.

وأرسل عليا «عليه السلام» ليأخذ خمس غنائم الحرب من خالد بن الوليد (٣).

__________________

(١) مصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ١٧٩ و١٨١ ، وج ٩ ص ٦٧ وتحف العقول ص ٢٦٠.

(٢) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج ٩ ص ٦٦.

(٣) نصب الراية ج ٢ ص ٣٨٢ ، ومصنف عبد الرزاق ج ٤ ص ١١٦ ، ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٧٨ ، وراجع : البحار ج ٢١ ص ٣٦٠ عن إعلام الورى.

١٥٢

بل ويقول ابن القيم إنه «صلى الله عليه وآله» : «ولى علي بن أبي طالب الأخماس باليمن ، والقضاء بها» (١).

ومعلوم : أن أهل اليمن قد أسلموا طوعا ، ولم يكن بينهم وبين غيرهم حرب.

وقد خمس علي «عليه السلام» الركاز في اليمن (٢).

وكان محمية بن جزء رجلا من بني زبيد استعمله رسول الله «صلى الله عليه وآله» على الأخماس (٣).

والقول بأن المراد : أنه أرسل عليا «عليه السلام» على الصدقات إلى اليمن.

يدفعه : أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن يولي بني هاشم الصدقات. وقصة عبد المطلب بن ربيعة ، والفضل بن العباس مشهورة (٤).

بل كان يمنع حتى مواليه من تولي ذلك ، فقد منع أبا رافع من ذلك ، وقال له : «مولى القوم من أنفسهم ، وإنا لا تحل لنا الصدقة» (٥).

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية.

(٢) زاد المعاد ج ١ ص ٣٢ ، وراجع : سنن أبي داود ج ٣ ص ١٢٧ باب كيف القضاء.

(٣) الأموال لأبي عبيد ص ٤٦١.

(٤) مجمع الزوائد ج ٣ ص ٩١ ، وأسد الغابة ترجمة : عبد المطلب بن ربيعة ، ونوفل بن الحارث ، ومحمية ، صحيح مسلم ج ٣ ص ١١٨ باب تحريم الزكاة على آل النبي «صلى الله عليه وآله» ، وسنن النسائي ج ١ ص ٣٦٥ ، وسنن أبي داود ، والأموال لأبي عبيد ص ٣٢٩ ، ومغازي الواقدي ص ٦٩٦ و٦٩٧ ، وتفسير العياشي ج ٢ ص ٩٣.

(٥) سنن أبي داود كتاب الزكاة ج ٢ ص ٢١٢ ، والترمذي كتاب الزكاة ج ٣

١٥٣

مواضع الخمس في الكتاب والسنة :

لقد نصت آية الخمس في الكتاب العزيز على أن الخمس لله ولرسوله ، ولذوي قرباه ، ولليتامى ، وللمساكين ، وأبناء السبيل. وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يعطي ذوي قرباه من الخمس إلى أن قبض (١).

وأما اليتامى والمساكين في الرواية ؛ فقد روي عن علي بن الحسين «عليه السلام» أنه قيل له : إن الله تعالى قال : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ)؟ (٢).

فقال : أيتامنا ومساكيننا (٣).

وفي روايات أئمة أهل البيت «عليهم السلام» : أن سهم الله ورسوله وسهم ذي القربى للإمام «عليه السلام» ، وسهم اليتامى لبني هاشم ، والمساكين وأبناء السبيل منهم (٤) ، وبنو هاشم هم بنو عبد المطلب (٥).

ويشترك في الخمس الذكر منهم والأنثى ؛ فيقسم نصف الخمس على

__________________

ص ١٥٩ ، والنسائي كتاب الزكاة ج ١ ص ٣٦٦ ، ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٩٠ و٩١ ، وكنز العمال ج ٦ ص ٢٥٢ ـ ٢٥٦ ، وأمالي الطوسي ج ٢ ص ١٧ ، والبحار ج ٩٦ ص ٥٧ ، وسنن البيهقي ج ٧ ص ٣٢.

(١) راجع : تفسير الطبري ج ١٥ ص ٥٠٤ و٥٠٦ وبهامشه تفسير النيسابوري ج ١٥ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٦٥ و٦١ ، والأموال لأبي عبيد ص ٢٢ و٤٤٧ و٤٥٣ و٤٥٤.

(٢) الآية ٧ من سورة الحشر.

(٣) تفسير النيسابوري بهامش الطبري ، وتفسير الطبري ج ١٥ ص ٧.

(٤) راجع : الوسائل ج ٩ ص ٣٥٦ و٣٥٨ و٣٥٩ و٣٦١ و٣٦٢.

(٥) الوسائل ج ٩ ص ٣٥٨ و٣٥٩ ، ومقدمة مرآة العقول للعسكري ج ١ ص ١١٦ و١١٧.

١٥٤

الطوائف الثلاث إذا كانوا فقراء ، لقرابتهم من رسول الله ، ولافتقارهم إلى ذلك في مؤنتهم.

ولا يكفي انتسابهم إلى عبد المطلب بالأمومة ويكفي الانتساب بالأبوة.

ومن طريق غير أهل البيت عليهم السّلام نذكر :

هناك رواية واردة في الصحاح ، تبين موضع الخمس في عصر الرسول «صلى الله عليه وآله» ، وهي :

عن جبير بن مطعم ، قال : لما كان يوم خيبر ـ وفي رواية : حنين ـ وضع الرسول «صلى الله عليه وآله» سهم ذي القربى في بني هاشم ، وبني المطلب ، وترك بني نوفل ، وبني عبد شمس. فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي «صلى الله عليه وآله» فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء بنو هاشم ، لا ننكر فضلهم ؛ للموضع الذي وضعك الله به منهم ، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ، وقرابتنا واحدة؟

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : إنا وبني المطلب لا نفترق ـ وفي رواية النسائي : إن بني المطلب لم يفارقوني ـ في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيء واحد ، وشبك بين أصابعه (١).

__________________

(١) صحيح البخاري باب غزوة خيبر ج ٣ ص ٣٦ وط سنة ١٣١١ ج ٤ ص ١١١ وج ٦ ص ١٧٤ ، وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٤٥ و١٤٦ ، وتفسير الطبري ج ١٥ ص ٥ ، ومسند أحمد ج ٤ ص ٨١ و٨٥ و٨٣ ، وسنن النسائي ج ٧ ص ١٣٠ و١٣١ ، وسنن ابن ماجة ص ٩٦١ ، ومغازي الواقدي ج ٢ ص ٦٩٦ ، وأموال أبي عبيد ص ٤٦١ و٤٦٢ ، وسنن البيهقي ج ٦ ص ٣٤٠ ـ ٣٤٢ ، والسيرة الحلبية ج ٢

١٥٥

وبعد ما تقدم ، فإننا نذكر هنا ملخصا لما ذكره بعض الباحثين (١) مع بعض التقليم والتطعيم ، فنقول :

الخمس في عهد أبي بكر :

إذا لا حظنا طبيعة العصر الذي عاش فيه أبو بكر ، فإننا نجد : أن السياسة قد اتجهت نحو إرسال جيوش لإخضاع الفئات المعارضة للحكم الجديد ، والتي لم تقبل بيعة أبي بكر. فوضع الخمس حينئذ وسهم ذوي القربى في السلاح والكراع.

فقد ذكر المؤلفون : أن الصحابة بعد وفاته «صلى الله عليه وآله» قد

__________________

ص ٢٠٩ ، والمحلى ج ٧ ص ٣٢٨ ، والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٠ ، وشرح النهج ج ١٥ ص ٢٨٤ ، ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣٤١ ، ونيل الأوطار ج ٨ ص ٢٢٨ عن البرقاني والبخاري وغيرهما ، والإصابة ج ١ ص ٢٢٦ ، وبداية المجتهد ج ١ ص ٤٠٢ ، والخراج لأبي يوسف ص ٢١ ، وتشييد المطاعن ج ٢ ص ٨١٨ و٨١٩ عن زاد المعاد ، والدر المنثور ج ٣ ص ١٨٦ عن ابن أبي شيبة ، والبحر الرائق ج ٥ ص ٩٨ ، وتبيين الحقائق ج ٣ ص ٢٥٧ ، ونصب الراية ج ٣ ص ٤٢٥ و٤٢٦ عن كثيرين. ومصابيح السنة ج ٢ ص ٧٠ ، وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣١٢ ، وفتح القدير ج ٢ ص ٣١٠ ، ولباب التأويل ج ٢ ص ١٨٥ ، ومدارك التنزيل (مطبوع بهامش الخازن) ج ٢ ص ١٨٦ ، والكشاف ج ٢ ص ٢٢١. ونقل ذلك عن المصادر التالية : الجامع لأحكام القرآن ج ٧ ص ١٢ ، وفتح الباري ج ٧ ص ١٧٤ ، وج ٦ ص ١٥٠ ، وتفسير المنار ج ١٠ ص ٧ ، وترتيب مسند الشافعي ج ٢ ص ١٢٥ و١٢٦ ، وإرشاد الساري ج ٥ ص ٢٠٢.

(١) هو العلامة السيد مرتضى العسكري حفظه الله.

١٥٦

اختلفوا ؛ فقالت طائفة سهم الرسول للخليفة بعده ، وقالت طائفة : سهم ذوي القربى ، لقرابة الرسول ، وقال آخرون : سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة. فأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح.

وفي سنن النسائي ، والأموال لأبي عبيد : فكانا في ذلك خلافة أبي بكر وعمر.

وفي رواية : فلما قبض الله رسوله رد أبو بكر نصيب القرابة في المسلمين فجعل في سبيل الله.

وقريب منه رواية أخرى تضيف عمر إلى أبي بكر. إلى غير ذلك من الروايات (١).

ويوضح ذلك ما روي عن جبير بن مطعم : «أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئا كما كان يقسم لبني هاشم وبني المطلب. وأن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله «صلى الله عليه وآله» كما كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يعطيهم» الخ .. (٢).

الخمس في عهد عمر :

وفي زمن عمر اتسعت الفتوح ، فازدادت الثروات ، ووزعوا الخمس

__________________

(١) راجع في ذلك كله وغيره مما يرتبط بالموضوع سنن النسائي ج ٢ ص ١٧٩ ، وكتاب الخراج ص ٢٤ و٢٥ ، والأموال لأبي عبيد ص ٤٦٣ ، وجامع البيان للطبري ج ١٥ ص ٦ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٦٢ و٦٠ ، وسنن البيهقي ج ٦ ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، وسنن أبي داود بيان مواضع الخمس ، ومسند أحمد ج ٤ ص ٨٣ ، ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣٤١.

(٢) مسند أحمد ج ٤ ص ٨٣.

١٥٧

على المسلمين ، وأراد عمر أن يعطي بني هاشم شيئا من الخمس ، فأبوا أن يأخذوا إلا كل سهمهم ؛ فأبوا عليهم ذلك ، وحرموهم منه ؛ فقد جاء في جواب ابن عباس لنجدة الحروري حين سأله عن سهم ذوي القربى لمن هو؟.

قوله : «هو لنا أهل البيت ، وقد كان عمر دعانا إلى أن ينكح منه أيمنا ، ويخدم منه عائلنا ، ويقضي منه عن غارمنا ، فأبينا إلا أن يسلمه لنا. وأبى ذلك فتركناه عليه».

ومثل ذلك روي عن علي أيضا ، وأن عمر عرض عليهم البعض ، وقال : إنه لم يبلغ علمه : أنه إذا كثر يكون كله لهم ، فأبوا إلا الكل (١).

__________________

(١) راجع الحديث في : الخراج لأبي يوسف ص ٢١ و٢٤ ، ومغازي الواقدي ص ٦٩٧ ، والأموال لأبي عبيد ص ٤٦٥ و٤٦٧ ، وسنن النسائي ج ٢ ص ١٧٨ و١٧٧ ، وج ٧ ص ١٢٩ و١٢٨ ، وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ٢٣٥ و٢٢٠ ، ومسند الحميدي رقم ٥٣٢ ، والجامع الصحيح (السير) رقم ١٥٥٦ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٦٣ ، ولسان الميزان ج ٦ ص ١٤٨ ، وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٨ باب النساء الغازيات يرضخ لهن ، ومسند أحمد ج ١٠ ص ٢٢٥ ، وج ١ ص ٣٢٠ و٣٠٨ و٢٤٨ و٢٤٩ و٢٩٤ و٢٢٤ ، ومشكل الآثار ج ٢ ص ١٣٦ و١٧٩ ، ومسند الشافعي ص ١٨٣ و١٨٧ ، وحلية أبي نعيم ج ٣ ص ٢٠٥ ، وتفسير الطبري ج ١٠ ص ٥ ، وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٤٦ كتاب الخراج ، وسنن البيهقي ج ٦ ص ٣٤٤ و٣٤٥ و٣٣٢ ، وكنز العمال ج ٢ ص ٣٠٥ ، والمصنف ج ٥ ص ٢٢٨ وراجع ص ٢٣٨ ، والمحاسن والمساوئ ج ١ ص ٢٦٤ ، ووفاء الوفاء ص ٩٩٥ ، والروض الأنف ج ٣ ص ٨٠ ، ومسند أبي يعلى ج ٤ ص ٤٢٤ ، وج ٥ ص ٤١ و٤٢.

١٥٨

الخمس في عهد عثمان :

وأعطى عثمان خمس فتوح أفريقيا مرة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح (١) وفي الغزوة الثانية أعطاه لمروان بن الحكم. وقال في ذلك أسلم بن أوس الساعدي ، الذي منع من دفن عثمان في البقيع.

وأعطيت مروان خمس العباد

ظلما لهم وحميت الحمى (٢)

وقد نقم الناس عليه لأمرين :

أولهما : أن الخليفتين قبله وإن كانا قد أخذا ذلك من مستحقيه ، إلا أنهما كانا يضعان تلك الأموال في النفقات العامة ، وقد خصصها عثمان لأقربائه.

الثاني : أن سيرة هؤلاء الذين كان يعطيهم هذه العطايا الهائلة من مال لا يستحقونه كانت سيئة جدا ، وكانوا معروفين بالانحراف ، وعدم الاستقامة.

سيرة علي عليه السّلام في الخمس :

وقد سئل أبو جعفر الباقر «عليه السلام» عن علي «عليه السلام» : كيف صنع في سهم ذوي القربى حين ولي أمر الناس؟!

قال : سلك به سبيل أبي بكر وعمر.

قلت : وكيف ، وأنتم تقولون ما تقولون؟

__________________

(١) راجع تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٧٩ و٨٠ ، وتاريخ ابن الأثير ط أوربا ج ٣ ص ٧١ ، وشرح النهج ج ١ ص ٦٧.

(٢) راجع في ذلك الكامل ج ٣ ص ٧١ ، والطبري ط أوربا قسم ١ ص ٢٨١٨ ، وابن كثير ج ٧ ص ١٥٢ ، وفتوح أفريقيا لابن عبد الحكم ص ٥٨ و٦٠ ، والبلاذري ج ٥ ص ٢٥ و٢٧ و٢٨ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٥٦ والأغاني ج ٦ ص ٥٧.

١٥٩

فقال : ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه.

قلت : فما منعه؟

قال : كره والله أن يدعى عليه خلاف أبي بكر وعمر (١).

وفي سنن البيهقي : أن حسنا ، وحسينا ، وابن عباس ، وعبد الله بن جعفر (رض) سألوا عليا (رض) نصيبهم من الخمس ، فقال : هو لكم حق ، ولكني محارب معاوية ، فإن شئتم تركتم حقكم منه (٢).

فعلي «عليه السلام» إذا لم يغير شيئا مما فعله أبو بكر وعمر في الخمس ، لأن ذلك يؤلب الناس عليه ، ويدعون عليه خلاف أبي بكر وعمر. وإذا كان يريد حرب معاوية ؛ فإن الأمر يستوجب هذا الأمر الأهم ، وتأجيل المهم إلى وقت لا يكون فيه العمل به ذا مضاعفات خطيرة.

الخمس في عهد معاوية :

لقد حرم بنو هاشم من الخمس منذ زمن معاوية ، الذي صار يصطفي لنفسه الصفراء والبيضاء ، ولا يقسم بين المسلمين منه ذهبا ولا فضة.

فعن علي بن عبد الله بن عباس ، وأبي جعفر محمد بن علي «عليهما

__________________

(١) الأموال لأبي عبيد ص ٤٦٣ ، والخراج ص ٢٣ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٦٣ ، وسنن البيهقي ج ٦ ص ٣٢٣ ، وأنساب الأشراف ج ١ ص ٥١٧ ، وتاريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ٢١٧ ، وكنز العمال ج ٤ ص ٣٣٠ عن أبي عبيد ، وعن ابن الأنباري في المصاحف.

(٢) سنن البيهقي ج ٦ ص ٣٦٣.

١٦٠