الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-176-9
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٧

فإن ما يهمنا هنا : هو البحث عن أول من أرخ بالسنة الهجرية ، وقد قلنا : إننا نعتقد : أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان أول من أرخ بالهجرة.

الموافقون على هذا الرأي :

وإننا وإن كنا لا نرى كثيرين يوافقوننا على هذا الرأي ، ونرى بعضهم يتردد في إصدار حكم جازم في ذلك ، وبعضهم ربما يظهر منه الميل إلى الرأي الشائع ، إلا أن مرد ذلك كله إلى عدم اطلاعهم على النصوص الكافية للجزم بالأمر ، وتكوين قناعة تقاوم ما يرونه قد اشتهر وذاع على ألسنة الرواة والمؤرخين.

ومهما يكن من أمر ، فنذكر ممن وافقنا على ما نذهب إليه : السيد عباس المكي في نزهة الجليس ، كما سيأتي ، ونقله السيوطي عن ابن القماح ، عن ابن الصلاح ، عن أبي مجمش الزيادي ، كما سيأتي أيضا ، أما صاحب المواهب فقد قال : «وأمر «صلى الله عليه وآله» بالتاريخ ، وكتب من حين الهجرة.

قال الزرقاني : رواه الحاكم في الإكليل عن الزهري مفصلا ، والمشهور خلافه ، وأن ذلك في زمان عمر ، كما قال الحافظ» (١).

ونقل ذلك عن الأصعمى وغيره أيضا كما سيأتي.

وقال الصاحب بن عباد : «ودخل المدينة يوم الإثنين لاثني عشرة خلت من ربيع الأول ، وكان التاريخ من ذلك ، ثم رد إلى المحرم» (٢).

__________________

(١) التراتيب الإدارية ج ١ ص ١٨١ ، وليراجع المواهب اللدنية ج ١ ص ٦٧.

(٢) عنوان المعارف وذكر الخلائف ص ١١.

٤١

وقال ابن عساكر : «وهذا أصوب» ثم أيده السيوطي ببعض ما يأتي (١).

وقال السيد علي خان ، بعد ذكره عهد النبي «صلى الله عليه وآله» لسلمان الفارسي ، الآتي :

يستفاد من هذا العهد : أن التاريخ كان من زمن النبي «صلى الله عليه وآله» ، وهو خلاف المشهور من أن التاريخ بالهجرة إنما وضعه عمر بن الخطاب في أيام خلافته» (٢).

وقال القسطلاني : «وأمر «صلى الله عليه وآله» بالتاريخ فكتب من حين الهجرة ، وقيل إن عمر أول من أرخ وجعله من المحرم» (٣).

وقال مغلطاي : «وأمر عليه الصلاة والسلام بالتاريخ ، فكتب من حين الهجرة.

قال ابن الجزار : ويعرف بعام الأذن ، وقيل إن عمر «رض» أول من أرخ وجعله من المحرم» (٤).

هذا وقد سميت كل سنة من السنين العشر باسم خاص ، والعام الأول أطلق عليه : عام الأذن (٥) فراجع.

قال ابن شهر آشوب : «قال الطبري ومجاهد في تاريخيهما : جمع عمر بن الخطاب الناس يسألهم من أي يوم نكتب؟

__________________

(١) الشماريخ في علم التاريخ للسيوطي ج ١٠ ط سنة ١٩٧١.

(٢) الدرجات الرفيعة ص ٢٠٧.

(٣) المواهب اللدنية ج ١ ص ٦٧.

(٤) سيرة مغلطاي ص ٣٥ ـ ٣٦.

(٥) نفس الرحمن ص ٤٤ ، وراجع : الإعلان بالتوبيخ ص ٨٢.

٤٢

فقال علي «عليه السلام» : من يوم هاجر رسول الله ونزل المدينة ، و (ترك ظ) أرض أهل الشرك.

فكأنه أشار : أن لا تبتدعوا بدعة ، وتؤرخوا كما كانوا يكتبون في زمان رسول الله ؛ لأنه قدم النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة في شهر ربيع الأول أمر بالتاريخ ، فكانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه إلى أن تمت له سنة ، ذكره التاريخي عن ابن شهاب» (١).

كما أن المجلسي «رحمه الله» قد قال بهذا القول ، ورأى : «أن جعل مبدأ التاريخ من الهجرة مأخوذ من جبرائيل «عليه السلام» ومستند إلى الوحي السماوي ، ومنسوب إلى الخبر النبوي» (٢).

كلام السهيلي :

أما السهيلي : فهو يصر على أن التاريخ الهجري قد نزل به القرآن ، ويقول ما ملخصه :

إن اتفاق الصحابة على جعل الهجرة مبدأ للتاريخ ، إن كان مستندا إلى استفادتهم ذلك من القرآن ، فنعم الاستفادة هي ، وذلك هو الظن بهم ، وإن كان اجتهادا ورأيا منهم ، فهو أيضا نعم الاجتهاد والرأي ، أشار القرآن إلى صحته من قبل أن يفعلوا.

فإن قوله تعالى : (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ

__________________

(١) المناقب ج ٢ ص ١٤٤ ، وراجع : البحار ج ٤٠ ص ٢١٨ ، وراجع : علي والخلفاء ص ٢٤١.

(٢) راجع : البحار (ط مؤسسة الوفاء) ج ٥٥ ص ٣٥١.

٤٣

أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ..)(١).

قد علم : أنه ليس المقصود منه : أول الأيام كلها ؛ كما أنه لا يوجد لفظ ظاهر ، أضيف إليه لفظ : يوم ، فتعين إضافته إلى مضمر ، ولا يعقل قول القائل : فعلته أول يوم ، إلا بالإضافة إلى عام ، أو شهر ، أو تاريخ معلوم.

ولا قرينة هنا ، لا حالية ولا مقالية ، تدل إلا على تقدير : «من أول يوم حلول النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة» ، وهو أول يوم من التاريخ.

وقول بعض النحاة : لا بد من تقدير : «من تأسيس أول يوم» ، لأن (من) لا تدخل على الزمان ، لا يصح ، لأنه حتى على هذا لا بد من تقدير الزمان أيضا ، فيقال : «من وقت تأسيس» ، فإضمار كلمة تأسيس لا يفيد شيئا ، هذا بالإضافة إلى أن كلمة (من) تدخل على الزمان ، وعلى غيره ، قال تعالى : (مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ). انتهى كلام السهيلي ملخصا (٢).

وقال الكتاني ما ملخصه : وقد عقب الحافظ في فتح الباري على كلام السهيلي هذا بقوله : كذا قال ، والمتبادر أن معنى قوله : من أول يوم ، أي دخل النبي «صلى الله عليه وآله» وأصحابه المدينة (٣).

لكن ابن منير يرى : أن كلام السهيلي هذا تكلف وتعسف ، وخروج عن تقدير الأقدمين الذين قدروه : «من تأسيس أول يوم» أي من أول يوم

__________________

(١) الآية ١٠٨ من سورة التوبة.

(٢) الروض الأنف ج ٢ ص ٢٤٦ ط سنة ١٩٧٢ ، وإرشاد الساري ج ٦ ص ٢٣٤ عنه ، وفتح الباري ج ٧ ص ٢٠٨ ـ ٢٠٩ عنه أيضا ، ووفاء الوفاء ج ١ ص ٢٤٨ ، وأشار إليه في البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٠٧.

(٣) ليراجع فتح الباري ج ٧ ص ٢٠٩.

٤٤

وقع فيه التأسيس ، وهذا ما تقتضيه العربية ، وتشهد له القواعد.

قال الكتاني : قلت : كلام السهيلي ظاهر المأخذ ، فتأمله بإنصاف ترى أنه الحق ، ولذا اقتصر عليه معجبا به شهاب الدين الخفاجي ، في عناية القاضي ، وكفاية القاضي ، إلى آخر كلامه (١).

وقال ياقوت الحموي : «إن قوله من أول يوم يقتضي مسجد قباء ، لأن تأسيسه كان في أول يوم من حلول رسول الله «صلى الله عليه وآله» دار هجرته ، وهو أول التاريخ للهجرة المباركة ، ولعلم الله تعالى بأن ذلك اليوم سيكون أول يوم من التاريخ سماه أول يوم أرخ فيه ، في قول بعض الفضلاء.

وقد قال بعضهم : إن ههنا حذف مضاف ، تقديره : تأسيس أول يوم ، والأول أحسن» (٢).

هذا ، ويلاحظ : أنه نقل عن ابن عباس في تفسير الآية المذكورة نفس ما تقدم عن السهيلي فراجع (٣).

وإذا صح كلام هؤلاء ، فمن المناسب أن يبادر النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه قبل كل أحد إلى العمل بمقتضى الآية ، وهو ما حصل فعلا ، كما سنرى.

وإذا قيل : ما ذكره هؤلاء ـ السهيلي وغيره ـ بعيد في بادئ الرأي.

فإننا نقول : هو على الأقل من المحتملات في معنى الآية الشريفة ، وإن لم

__________________

(١) التراتيب الإدارية المسمى ب : نظام الحكومة النبوية ج ١ ص ١٨١ ـ ١٨٢.

(٢) معجم البلدان ج ٥ ص ١٢٤.

(٣) تنوير المقباس هامش الدر المنثور ج ٢ ص ٢٢٤.

٤٥

يكن متعينا ، ونحن إنما ذكرناه استئناسا به وتأييدا ، لا لنستدل به ، ونستند إليه.

ما نستند إليه :

أما ما نستند إليه في اعتقادنا : أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو أول من أرخ بالهجرة ، فهو الأمور التالية :

١ ـ ما روي عن الزهري : من أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما قدم المدينة مهاجرا أمر بالتاريخ ، فكتب في ربيع الأول (١).

وفي رواية أخرى عن الزهري قال : التاريخ من يوم قدم النبي «صلى الله عليه وآله» مهاجرا (٢).

قال القلقشندي : «وعلى هذا يكون ابتداء التاريخ عام الهجرة» (٣)

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ٢٠٨ ، وإرشاد الساري ج ٦ ص ٢٣٣ ، والتنبيه والإشراف ص ٢٥٢ ، وتاريخ الطبري ط دار المعارف ج ٢ ص ٣٨٨ ، ونزهة الجليس ج ١ ص ٢١ ، ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ١٤٢ ، والبحار ج ٤٠ ص ٢١٨ عنه ، وعلي والخلفاء ص ٢٤١ عن البحار ، وصبح الأعشى ج ٦ ص ٢٤٠ ، والتراتيب الإدارية ج ١ ص ١٨٠ ، وحكاه الأخيران عن النحاس في صناعة الكتاب ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٣٨ ، والشماريخ في علم التاريخ ص ١٠ ط سنة ١٩٧١ عن ابن عساكر عن يعقوب بن سفيان ، ووفاء الوفاء للسمهودي ج ١ ص ٢٤٨ ، والمواهب والزرقاني وغيرهم حكوه عن الحاكم في الأكليل مفصلا ، والكامل لابن الأثير ج ١ ص ١٠ ط صادر ، وفي المواهب اللدنية ج ١ ص ٦٧ : ذكر ذلك من دون أن ينسبه إلى الزهري وراجع الإعلان بالتوبيخ ص ٧٨.

(٢) الشماريخ في علم التاريخ ص ١٠.

(٣) صبح الأعشى ج ٦ ص ٢٤٠.

٤٦

وتقدمت وستأتي كلمات غيره في ذلك.

ولكن البعض قد وصف هذا الحديث بأنه : خبر معضل ، والمشهور خلافه (١) ، ولعله هو الذي وصفه الجهشياري بأنه خبر شاذ (٢) ، ويقرب منه كلام غيره (٣).

أما المسعودي فقد أورد عليه : بأنه خبر مجتنب من حيث الآحاد ، ومرسل من عند من لا يرى قبول المراسيل ، وإن ما حكاه أولا من أن عمر هو الذي أرخ بالهجرة ، بإشارة علي «عليه السلام» هو المتفق عليه ، إذ كان ليس في هذا الخبر وقت معلوم أرخ به ، ونقل كيفية ذلك (٤).

لكن إيراد المسعودي وغيره لا يرد على خبر الزهري ، لأن إرساله ـ لو سلم ـ وكونه خبر واحد لا يصحح اجتنابه ، بل لا بد من الأخذ به ، حتى ممن لا يرى قبول المراسيل ، وذلك لوجود روايات وأدلة أخرى في المقام تدل على ذلك ، كما سنرى (٥).

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ٢٠٨ ، وإرشاد الساري ج ٦ ص ٢٣٣ عنه ، ووفاء الوفاء ج ١ ص ٢٤٨.

(٢) الوزراء والكتاب ص ٢٥.

(٣) الإعلان بالتوبيخ ص ٧٨ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٣٨.

(٤) التنبيه والإشراف ص ٢٥٢.

(٥) وللزهري رواية أخرى تدل على أن التاريخ كان من زمن النبي «صلى الله عليه وآله» ففي تهذيب تاريخ ابن عساكر ج ١ ص ٢١ : أن الزهري قال : (إن قريشا كانوا يعدون بين الفيل والفجار أربعين سنة ، وكانوا يعدون بين الفجار وبين وفاة هشام بن المغيرة ست سنين ، وبين وفاته وبين بنيان الكعبة تسع سنين ، وبينهما

٤٧

٢ ـ ما رواه الحاكم وصححه ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال : كان التاريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله» المدينة ، وفيها ولد عبد الله بن الزبير (١).

٣ ـ قال السخاوي : «وأما أول من أرخ التاريخ ، فاختلف فيه ، فروى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أنس ، قال : كان التاريخ من مقدم رسول الله «صلى الله عليه وآله» المدينة ، وكذا قال الأصمعي : إنما أرخوا من ربيع

__________________

وبين أن خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة خمس عشرة سنة ، منها خمس سنين قبل أن يوحى إليه ثم كان العدد (يعني : بعد التاريخ) فيظهر من هذه العبارة الأخيرة : أنهم أعرضوا عن السابق وبدأوا يؤرخون بالهجرة ، لكن يبقى في الرواية إشكال ، وهو أن المعروف : هو أن بين الفيل والفجار عشرين سنة لا أربعين كما صرح به الطبري ج ٢ ، والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٦١ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٩٦ ، وابن الأثير والمسعودي ، لكن قول الزهري : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد ولد بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، كما نقله عنه في البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٦٢ ، يدل على أن الزهري قد تفرد بالقول بأن بين الفجار والفيل أربعين سنة مخالفا بذلك المعروف والمشهور ، لكن كل ذلك لا يضر في دلالة كلامه على ما نقول كما لا يخفى.

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٣ و ١٤ وصححه على شرط مسلم وتلخيص المستدرك للذهبي هامش نفس الصفحة ، ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٩٦ عن الطبراني في الكبير ، والإعلان بالتوبيخ ص ٨٠ ، وفي ص ٨١ رواية أخرى عنه تشير إلى ذلك أيضا ، والطبري ج ٢ ص ٣٨٩ ـ ٣٩٠ بسندين ، وج ٣ ص ١٤٤ ، والتاريخ الكبير للبخاري ج ١ ص ٩ ، والشماريخ ص ١٠ عن البخاري في التاريخ الصغير ، والخطط للمقريزي ج ١ ص ٢٨٤.

٤٨

الأول شهر الهجرة» (١) ، ثم ذكر رواية الزهري المتقدمة.

وذلك يدل على أن واضع التاريخ ليس هو عمر ؛ لأن عمر قد أرخ من المحرم كما تقدم.

ثم أورد السخاوي على ذلك بمخالفته للصحيح والمشهور : من أن الأمر به كان في زمن عمر ، وأن أول السنة ليس شهر ربيع الأول ، وإنما شهر محرم.

ولكن إيراده غير وارد ، لأن مجرد كون ذلك خلاف المحفوظ والمشهور لا يوجب فساده ، بل لا بد من الأخذ به ، والعدول عن المحفوظ والمشهور ، حين يقوم الدليل القاطع على خلافه.

ولسوف نرى : أن لدينا بالإضافة إلى ما ذكرنا ما يزيل أي شك ، أو ريب في ذلك.

٤ ـ إن المؤرخين يقولون : إن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، قد هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول ، ويرى الزهري وغيره : أنه وصلها في أول يوم منه ، وجزم ابن إسحاق والكلبي بأنه إنما خرج من مكة في اليوم الأول منه.

وبعضهم يرى : أنه خرج من الغار في أوله (٢).

ويمكن تأييد دخوله للمدينة في أول ربيع الأول بما تقدم من كتابة علي

__________________

(١) الإعلان بالتوبيخ لمن يذم التاريخ ص ٧٨.

(٢) راجع تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٤ و ٣٢٥ ، والإستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ٢٩ ، والروض الأنف ج ٢ ص ٢٤٥ ، وكذلك لا بأس بمراجعة دلائل النبوة ج ٢ ص ٢٢٦ ، والمواهب ج ١ ص ٦٧.

٤٩

«عليه السلام» في كتابه : «منذ ولج رسول الله «صلى الله عليه وآله» المدينة» ، ولكن هناك ما يؤيد الرأي الآخر أيضا ، وهو إشارته «عليه السلام» بأن يجعل مبدأ التاريخ : منذ ترك الرسول «صلى الله عليه وآله» أرض الشرك أو منذ هاجر ، إلا أن يدعى الإجمال في هذه الفقرة ، لأنهم كانوا في صدد تعيين السنة التي يبدأون بها ، فلا تصادم ظهور الفقرة الأولى فيما قلناه.

المهم في الأمر هنا : أن الهجرة كانت في أول ربيع الأول ، فإذا أضفنا إلى ذلك ما تقدم عن مالك ، والأصمعي ، وكذلك ما رواه الزهري واستظهرناه من علي «عليه السلام» : من أن أول السنة الإسلامية كان ربيع الأول ؛ فإننا سوف نطمئن إلى أن التاريخ كان قد وضع قبل زمان عمر ، الذي جعل أول السنة شهر محرم ، بدلا من ربيع الأول.

فهذا التغيير من عمر يدل على أنه ليس هو أول من وضع التاريخ الهجري.

ويؤيد ذلك : أن بعض الصحابة كانوا يعدون بالأشهر من مهاجره «صلى الله عليه وآله» الذي هو شهر ربيع الأول إلى أواسط السنة الخامسة.

فأبو سعيد الخدري يقول : إن فرض رمضان ، كان بعد ما صرفت القبلة في شعبان بشهر على رأس ثمانية عشر شهرا (١).

ويتحدث عبدالله بن أنيس عن سريته إلى سفيان بن خالد ، فيقول : «خرجت من المدينة يوم الإثنين ، لخمس خلون من المحرم ، على رأس أربعة

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦٨.

٥٠

وخمسين شهرا (١).

ومحمد بن مسلمة أيضا يقول عن غزوة القرطاء : «خرجت في عشر ليال خلون من المحرم ، فغبت تسع عشرة ، وقدمت لليلة بقيت من المحرم ، على رأس خمسة وخمسين شهرا» (٢).

وبعد هذا يبدأ العد بالسنين ، كما يظهر من قول سلمة بن الأكوع ، وخالد بن الوليد ، وغيرهما (٣).

لقد كانت تلك هي طريقة الصحابة ، وعلى ذلك جرى ديدنهم ، وتبعهم المؤرخون على ذلك أيضا ، فأرخوا بالأشهر إلى أواسط السنة الخامسة ، بل إلى آخرها ، ومنها يبدأون بذكر السنين (٤).

وذلك يدل : على أن التاريخ كان قد وضع من أول سني الهجرة ، وإلا فلا معنى لأن يسأل صحابي عن واقعة حدثت له في سنة خمس ، فيعدل عن ذكر السنة ، ويشرع في إجراء حساب ، ويقوم بعملية عد تحتاج إلى تفكير وتأمل ، وبعد مدة من التأمل والتفكير يعطى الجواب!!

إلا أن يكون ذلك محفوظا لديه ، وجرى ديدنه وطريقته عليه مدة من

__________________

(١) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٥٣١ ـ ٥٣٤ على الترتيب.

(٢) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٥٣١ ـ ٥٣٤ على الترتيب.

(٣) راجع : مغازي الواقدي ج ٢ ص ٥٣٧ ، وصفة الصفوة ج ١ ص ٦٥٢.

(٤) راجع : طبقات ابن سعد ج ٢ قسم ١ في غزواته «صلى الله عليه وآله» لا سيما ص ٥٦ منه في غزوة بواط ، ومغازي الواقدي ص ٩ و ١١ و ٣٦٣ ، والوفاء بأخبار المصطفى ج ٢ ص ٦٧٣ و ٦٧٤ و ٦٧٥ ، والبداية والنهاية ج ٤ ص ٦١ ، وتاريخ الخميس وغير ذلك.

٥١

الزمان ، حتى انغرس في ذهنه ، وحفظه ووعاه.

كما أن ذلك يعبر عن مدى اهتمام الصحابة في المحافظة على جعل ربيع الأول مبدأ للتاريخ ، وإن كانوا قد غلبوا على ذلك فيما بعد.

٥ ـ إن بين أيدينا نصا لعهد النبي «صلى الله عليه وآله» لسلمان الفارسي مؤرخا بسنة تسع للهجرة.

قال أبو نعيم : عن «الحسن بن إبراهيم بن إسحاق البرجي المستملي ، وأخبرنيه عنه محمد بن أحمد بن عبد الرحمن ، قال : سمعته يقول :

سمعت أبا علي الحسين بن محمد بن عمرو الوثابي يقول : رأيت هذا السجل بشيراز ، بيد سبط لغسان بن زاذان بن شاذويه بن ماه بنداذ ، أخي سلمان.

وهذا العهد بخط علي بن أبي طالب «عليه السلام» ، مختوم بخاتم النبي «صلى الله عليه وآله» ، فنسخ منه ما صورته :

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من محمد رسول الله ، سأله سلمان ، وصية بأخيه ماه بنداذ ، وأهل بيته ، وعقبه.

ثم ساق أبو نعيم الكتاب إلى أن قال في آخره : وكتب علي بن أبي طالب «عليه السلام» ، بأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» في رجب ، سنة تسع من الهجرة ، وحضر أبوبكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن ، وسعد ، وسعيد ، وسلمان ، وأبو ذر ، وعمار ، وعيينة ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد ، وجماعة آخرون من المؤمنين.

وذكر أيضا أبو محمد بن حيان ، عن بعض من عني بهذا الشأن : «أن رهطا من ولد أخي سلمان بشيراز ، زعيمهم رجل يقال له : غسان بن زاذان ،

٥٢

معهم هذا الكتاب ، بخط علي بن أبي طالب ، بيد غسان ، مكتوب في أديم أبيض ، مختوم بخاتم النبي «صلى الله عليه وآله» وخاتم أبي بكر وعلي «رضي الله عنهما» ، على هذا العهد حرفا بحرف ، إلا أنه قال : وكتب علي بن أبي طالب ، ولم يذكر عيينة مع الجماعة» (١).

وأورد عليه البعض : بانقطاع سنده وركاكة لفظه ، وبأن أول من أرخ بالهجرة هو عمر (٢).

ونقول :

إن انقطاع سنده لا يضر ما دام معتضدا بغيره من النصوص والشواهد التي تقدمت وستأتي.

وأما ركاكة لفظه ، فهي دعوى غير ظاهرة.

وأما بالنسبة لكون عمر هو أول من أرخ بالهجرة ، فهو أول الكلام.

٦ ـ كتاب مفاداة سلمان من عثمان بن الأشهل اليهودي ، وقد جاء في آخره قوله : «وكتب علي بن أبي طالب الإثنين في جمادى الأولى ، مهاجر محمد بن عبدالله رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٣).

__________________

(١) ذكر أخبار أصفهان لأبي نعيم ج ١ ص ٥٢ و ٥٣ ، والدرجات الرفيعة ص ٢٠٦ و ٢٠٧ ، وطبقات المحدثين بأصبهان ج ١ ص ٢٣١ ، ٢٣٤ ونفس الرحمن ص ٤٤ عن تاريخ گزيدة.

(٢) راجع تعليقات البلوشي على طبقات المحدثين ج ١ ص ٢٣٤.

(٣) راجع ذكر أخبار أصبهان ج ١ ص ٥٢ ، وطبقات المحدثين بأصبهان ج ١ ص ٢٢٦ و ٢٢٧ ، وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٧٠ ، وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٩٩ ، ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص ٢٠ و ٢١ عن تاريخ گزيدة ومجموعة الوثائق

٥٣

وقد شكك بعض العلماء في هذا الكتاب ، وناقش فيه ، وقد ذكرنا كلماتهم وأجبنا عنها في كتابنا سلمان الفارسي في مواجهة التحدي ص ٢٥ ـ ٣٠ فليراجعه من أراد.

٧ ـ قد أورد البلاذري نصا للكتاب الذي كتبه النبي «صلى الله عليه وآله» ليهود بلدة «مقنا ، وبني حبيبة. وقد صالحهم فيه على ربع عروكهم (خشب يصطاد عليه) ، وغزولهم ، وربع كراعهم ، وحلقتهم ، وعلى ربع ثمارهم».

قال البلاذري : «وأخبرني بعض أهل مصر : أنه رأى بعينه في جلد أحمر ، دارس الخط ، فنسخه ، وأملى علي فنسخته :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله ، إلى بني حبيبة ، وأهل مقنا : سلم أنتم ، فإنه أنزل علي : أنكم راجعون إلى قريتكم ، فإذا جاءكم كتابي هذا ، فإنكم آمنون ، ولكم ذمة الله وذمة رسوله».

ثم ساق البلاذري الكتاب إلى أن قال في آخره :

«وليس عليكم أمير إلا من أنفسكم ، أو من أهل بيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» وكتب علي بن أبوطالب «عليه السلام» في سنة تسع» (١).

__________________

السياسية ص ٣٢٨ عن الخطيب وأبي نعيم ، وعن جامع الآثار في مولد المختار ، لشمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي ، ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٢٠٩ ، والرحلة في طلب الحديث (مقدمة نور الدين عتر) ص ٥٣.

(١) فتوح البلدان للبلاذري ص ٦٧ ط سنة ١٣١٨ ه‍. ولا بد من التأمل في تخصيصه الولاية بأهل بيته ، وليس ذلك إلا دليلا واضحا على أن خراج هذه البلدة وهي التي أخذت صلحا دون أن يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وهو المسمى

٥٤

وقد أورد المعلق على فتوح البلدان ، محمد بن أحمد بن عساكر على هذه الرسالة بإيرادين :

أحدهما : أن عليا الذي اخترع علم النحو ، حتى لا يختلط بكلام النبط ، لا يمكن أن يصدر منه اللحن ويقول : (علي بن أبو طالب) برفع كلمة أبو.

الثاني : أن صلح النبي «صلى الله عليه وآله» لأهل مقنا ، كان في غزوة تبوك على ما هو مذكور في كتاب البلاذري ، ولا خلاف في أن عليا لم يكن فيها ، فكيف يكون علي «عليه السلام» هو كاتب هذا الكتاب (١)؟

ونحن نكتفي في الإجابة على هذين الإيرادين بما ذكره العلامة المحقق الشيخ علي الأحمدي ، حيث قال ما ملخصه مع إضافات وزيادات في النصوص وغيرها ، قد اقتضاها المقام.

أما الجواب عن الأول : فقد ذكر الملا علي القاري في شرحه لشفاء القاضي عياض ، نقلا عن نوادر أبي زيد الأصمعي عن يحيى بن عمر : أن قريشا كانت لا تغير الأب في الكنية ، بل تجعله مرفوعا أبدا : رفعا ، ونصبا ، وجرا.

وفي نهاية ابن الأثير ، في لفظ (أبي) وشرح القاري لشفاء عياض : أن النبي «صلى الله عليه وآله» كتب إلى المهاجر بن أمية : (المهاجر بن أبو أمية) ، ثم قالا : ولما كان أبو أمية مشتهرا بالكنية ولم يكن له اسم معروف غيره ،

__________________

بالفيء الذي هو لله ولرسوله قد أعطاه النبي «صلى الله عليه وآله» لأهل بيته «عليهم السلام» ، وهي تدل أيضا على أن آل الرسول (صلى الله عليه وآله) هم أولو الأمر للمسلمين وأهل الذمة على حد سواء.

(١) هامش ص ٦٧ من فتوح البلدان للبلاذري.

٥٥

تركه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ومثل القاري لذلك ، فقال : (كما يقال : علي بن أبو طالب).

ونضيف هنا قول الزمخشري : «وكتب لوائل بن حجر : من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبو أمية ؛ إن وائلا ..

إلى أن قال الزمخشري : أبو أمية ترك في حال الجر على لفظه في حال الرفع ، لأنه اشتهر بذلك ، وعرف ، فجرى مجرى المثل الذي لا يغير ، وكذلك قولهم : علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان» انتهى (١).

وقال العلامة الأحمدي أيضا : وفي مجموعة الوثائق السياسية عن الصفدي : أن بعضهم يكتب : علي بن أبو طالب بالواو ، ويلفظ : أبي ، بالياء ، وبعد أن نقل في المجموعة عن التراتيب الإدارية ، ما تقدم عن نوادر الأصمعي قال : وفوق ذلك كله : إني لما كنت في المدينة ، في شهر محرم سنة ١٣٥٨ ، وجدت في الكتابة القديمة التي في جنوب سلع : (أنا علي بن أبو طالب).

وقد تكون هذه الكتابة بخط علي «عليه السلام».

وقال في مجموعة الوثائق أيضا : إنه وجد كلمة : (علي بن أبو طالب) بالواو ، في أربعة مواضع في الكتب المقروة عن الشيوخ.

ونزيد هنا قول العسقلاني : «قال الحاكم : أكثر المتقدمين على أن اسمه (يعني أبا طالب) كنيته» (٢).

__________________

(١) الفائق ج ١ ص ١٤.

(٢) الإصابة ج ٤ ص ١١٥.

٥٦

وقال مغلطاي : «وقيل : اسمه كنيته فيما ذكر الحاكم ، وفيه نظر» (١).

وذكر المسعودي (٢) : أنه قد تنوزع في اسم أبي طالب ، فمنهم من رأى أن كنيته اسمه ، وأن عليا «عليه السلام» قد كتب ليهود خيبر ، بإملاء النبي «صلى الله عليه وآله» : (وكتب علي بن أبي طالب) ، فإسقاط الألف من كلمة : ابن ، يدل على أنه واقع بين علمين ، لا بين علم وكنية.

وقال البلاذري : وقال يحيى بن آدم : وقد رأيت كتابا في أيدي النجرانيين ، كانت نسخته شبيهة بهذه النسخة ، وفي أسفله : (وكتب علي بن أبو طالب) ، ولا أدري ما أقول فيه (٣).

وفي كتابه بين ربيعة واليمن نراه قد كتب في آخره ـ وهي الرواية المشهورة ـ : (كتب علي بن أبو طالب) (٤).

وقال ابن عنبة : عن محمد بن إبراهيم النسابة : أنه رأى خط أمير المؤمنين في آخره : (وكتب علي بن أبو طالب). وقال : إنه كان في المشهد الغروي الشريف مصحف بخط علي «عليه السلام» ، احترق حين احترق المشهد سنة ٧٥٥ ه‍. يقال : إنه كان في آخره : وكتب علي بن أبو طالب.

ثم ذكر : أن الواو مشتبهة بالياء لتقاربهما في الخط الكوفي ، وأن الصحيح هو (علي بن أبي طالب) حسبما نقله له جده وغيره (٥).

__________________

(١) سيرة مغلطاي ص ١٠.

(٢) مروج الذهب (ط بيروت) ج ٢ ص ١٠٩.

(٣) فتوح البلدان ص ٧٢.

(٤) شرح النهج لابن ميثم البحراني ج ٥ ص ٣٢١.

(٥) عمدة الطالب (ط النجف) ص ٢٠ و ٢١.

٥٧

إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.

ونستطيع أن نستخلص مما تقدم : أن وجود كلمة : (أبو) لا يضر ، ولا يوجب إشكالا في الرواية ، ولا سيما إذا لا حظنا ما نقلوه من لغة قريش المتقدمة ، ومن ثم ، فإننا لا نحتاج إلى تأويل عمدة الطالب ، أو غيره.

وأما الجواب عن الإيراد الثاني : فيقول العلامة الأحمدي : إنه لا صراحة في كلام البلاذري ، ولا دلالة له على أن هذا الكتاب قد كتب في تبوك ، كما أن الكتاب نفسه ليس فيه ما يدل على ذلك ، بل فيه ما يدل على وفادة جماعة منهم إلى النبي «صلى الله عليه وآله» وأنهم سوف يرجعون إلى بلدتهم ، فلعل وفادتهم إليه كانت إلى المدينة لغرض تجاري ، أو لأجل الحصول على هذا الكتاب ، أو غير ذلك ، فكتب النبي «صلى الله عليه وآله» لهم هذا الكتاب.

ويلاحظ هنا : أن عددا من المصادر يكتفي بالإشارة إلى أنه «صلى الله عليه وآله» قد كتب لأهل مقنا كتابا في سنة تسع (١).

هذا ما ذكره العلامة الأحمدي بزيادات وتصرف وتلخيص ، وهو كاف

__________________

(١) راجع : مكاتيب الرسول «صلى الله عليه وآله» ج ١ ص ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ـ ٢٩٠. ولمعاهدة مقنا نص آخر مؤرخ بسنة خمس للهجرة بخط علي «عليه السلام» ، ولكنه لا يخلو من بعض الإشكالات التاريخية ، وإن كان يمكن الإجابة عنها كلا أو بعضا فراجع : مكاتيب الرسول «صلى الله عليه وآله» ج ١ ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤ وهناك عهد للنصارى مؤرخ في الثانية للهجرة ، بخطه أيضا «عليه السلام» ، وعهد آخر لهم مؤرخ في السنة الرابعة يقال : إنه بخط معاوية ، وكلا العهدين محل إشكال لا سيما الثاني منهما ، لأن معاوية لم يسلم إلا عام الفتح ، فراجع : مكاتيب الرسول «صلى الله عليه وآله» أيضا ج ٢ ص ٦٣٧ و ٦٣٤ وغير ذلك.

٥٨

وواف في دفع الإيراد على هذا الكتاب.

٨ ـ كتاب صلح خالد بن الوليد لأهل دمشق قال ابن سلام : «حدثنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي عن ابن سراقة : أن خالد بن الوليد كتب لأهل دمشق :

«هذا كتاب من خالد بن الوليد لأهل دمشق : أني قد أمنتهم على دمائهم ، وأموالهم ، وكنائسهم ، قال أبو عبيد : ذكر كلاما فيه لا أحفظه ، وفي آخره : شهد أبو عبيدة الجراح ، وشرحبيل بن حسنة ، وقضاعي بن عامر ، وكتب سنة ثلاث عشرة» (١).

واحتمال أن تكون العبارة الأخيرة ليست من أصل الكتاب ، وإنما هي من تعابير المؤرخين أو الرواة.

يدفعه : أن ذلك خلاف ظاهر العبارة.

أضف إلى ذلك : أنه قد روي عن الواقدي : أن خالدا لم يؤرخ الكتاب ولكن لما أراد المسلمون النهوض إلى اليرموك ، جدد خالد للنصارى كتاب الصلح وأثبت فيه شهادة أبي عبيدة وشرحبيل ويزيد بن أبي سفيان ، وأرخه بسنة خمس عشرة في ربيع الآخر (٢).

وأضاف ابن كثير إلى الشهود : عمرو بن العاص.

ولا يمنع أن يكون هذا كتاب آخر كتبه لهم فيما يتعلق بكنائسهم حين

__________________

(١) الأموال ص ٢٩٧ ، وذكره البلاذري في فتوح بلدانه ص ١٢٨ بدون تاريخ مع بعض اختلاف.

(٢) راجع : فتوح البلدان ص ١٣٠.

٥٩

نهوضه إلى اليرموك ، كما ربما يستظهر من عبارة ابن كثير فراجع (١).

وحتى لو كان تاريخ الكتاب هو سنة ١٥ ، فإن ذلك لا يضر في دلالته على المطلوب لأن من المتفق عليه أن قضية عمر كانت بعد ذلك ، أي في سنة ١٦ ه‍. أو ١٧ ه‍.

ولا أحد يدّعي إطلاقا : أن وضعه للتاريخ قبل ذلك ، ولا سيما بملاحظة :

أن فتح دمشق كان أول خلافة عمر ، بل قبل أن يصل إلى جند المسلمين في الشام خبر وفاة أبي بكر وتولي عمر.

نقول هذا على الرغم من أننا نرى : أن كلمات أهل المغازي قد اختلفت في وقت فتح دمشق : هل كان في سنة ١٣ ه‍ أو في سنة ١٤ ه‍ ، وفي أن من صالح أهلها : هل هو أبو عبيدة ، أم خالد بن الوليد ، وكذلك في أن أيهما كان الأمير على جند المسلمين في الشام؟.

وذلك لأن لدينا ما يشبه اليقين بأن فتح دمشق كان قبل وصول الخبر بوفاة أبي بكر في سنة ١٣ ه‍ ، أو على الأقل قبل إظهار أبي عبيدة للخبر ، وأن الذي صالحهم هو خالد بن الوليد ، الذي كان أميرا على الجند آنئذ.

فقد نصّ أبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والواقدي ، والبلاذري (٢) ، وكثيرون غيرهم : على أن المصالحة كانت على يد خالد ، مما يعني أنه هو الذي كان أمير الجيش إلى حين الصلح.

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٧ ص ٢١.

(٢) المعارف لابن قتيبة (ط سنة ١٣٩٠ ه‍ بيروت) ص ٧٩ ، وفتوح الشام ج ١ ص ٥٨ ـ ٥٩ ، وفتوح البلدان ص ١٢٨ ـ ١٣١ وغير ذلك.

٦٠