الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-176-9
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٧

يكرهونها ويهربون منها أكثر مما يكره المشركون الموت ، ويهربون منه وهو ما أشار إليه ذلك الرجل في جوابه لطليحة بن خويلد كما قد قدمنا.

ولما سمع عمير بن الحمام رسول الله «صلى الله عليه وآله» يعد من يستشهد بالجنة ، وبيد عمير تمرات يأكلهن ، قال : بخ بخ ، ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ، أو قال : لئن حييت حتى آكل تمراتي ، إنها لحياة طويلة. ثم رمى التمرات من يده ، وقاتل حتى قتل (١).

ومن هنا ، فقد كان طعم الموت لدى أصحاب الحسين «عليه السلام» أحلى من العسل ، بل وحتى الأمهات كن إذا علمن بأن ولدهن في الجنة لم يجدن ألم المصاب ، بل وربما فرحن لاستشهاد ابنائهن. فحين قتل حارثة بن سراقة بسهم غرب ، قالت أمه : «يا رسول الله ، أخبرني عن حارثة ؛ فإن كان في الجنة صبرت ، وإلا فليرين الله ما أصنع ، يعني من النياح».

وفي رواية : وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء.

وفي رواية : لم أبك ولم أحزن ، وإن يكن في النار بكيت ما عشت في الدنيا».

وفي رواية : أنه «صلى الله عليه وآله» لما أخبرها : أن ولدها في الجنان رجعت وهي تضحك ، وتقول : بخ بخ يا حارث (٢).

__________________

(١) راجع : الكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٢٦ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٨٠ ، وسيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٧٩ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٧٧ عن مسلم وأحمد ، وسنن البيهقي ج ٩ ص ٩٩ ، ومستدرك الحاكم مختصرا ج ٣ ص ٤٢٦ ، وحياة الصحابة ج ١ ص ٤٢٤ عن بعض من تقدم.

(٢) راجع : مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٢٠٨ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٧٤ عن الشيخين ، وسنن البيهقي ج ٩ ص ١٦٧ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٦٥٢ ـ ٦٥٣

٣٤١

كما أن عمير بن أبي وقاص الذي استشهد يوم بدر ، حينما أراد «صلى الله عليه وآله» أن يخلفه بكى (١) ، فأجازه ، وأمثال ذلك كثير.

وتقول هند بنت عتبة لرملة بنت شيبة ، وكانت من المهاجرات :

لحى الرحمن صابئة بوج

ومكة ، أو بأطراف الحجون

تدين لمعشر قتلوا أباها

أقتل أبيك جاءك باليقين (٢)

وأمثال ذلك كثير ، لا مجال لتتبعه واستقصائه.

ومن كل ما قدمناه يتجلى مدى حرص هؤلاء على الموت أو النصر ، وحرص أولئك على الحياة والسلامة ، فالمسلمون يرون الموت انتقالا ، والشهادة عطاء. وأولئك يرون الموت خسرانا ، وفناء ، ودمارا.

وقد تحدث الله عن بني إسرائيل الذين يهتمون بالدنيا وليس للآخرة مكان في تفكيرهم ، وحتى في عقائدهم ، فقال : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ، وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)(٣).

__________________

عنهم ، وعن كنز العمال ج ٥ ص ٢٧٣ و ٢٧٥ ، وج ٧ ص ٧٦ ، وعن ابن سعد ج ٣ ص ٦٨.

(١) نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٦٣ ، والإصابة ج ٣ ص ٣٥ عن الحاكم والبغوي ، وابن سعد ، والواقدي.

(٢) نسب قريش لمصعب ص ١٥٦ ، والإصابة ج ٤ ص ٣٠٧.

(٣) الآيات ٩٤ ـ ٩٦ من سورة البقرة.

٣٤٢

ولذلك احتاجت الحرب إلى : أن يريهم الله بادئ الأمر المسلمين قليلا ؛ ليتشجعوا على خوض غمار الحرب ، براحة فكر ، ولرفع مستوى احتمالات السلامة والبقاء. ولا أقل من أن يصمدوا ولا يفروا ، ليقوم علي «عليه السلام» بإذلال فراعنة الشرك ، وقتل أبطالهم ، وأسر رجالهم ؛ وفقا لما جاء عن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء : كلما حشوا نارا للحرب أطفأها ، ونجم قرن الضلال أو فغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بحده ، مكدودا في ذات الله الخ .. (١).

ثم وبعد نشوب الحرب كان لا بد أن يروا المسلمين كثيرا ؛ فأمد الله المسلمين بالملائكة ، وكثرهم بهم ، وأمرهم بالحرب وبضرب الأعناق ، وألقى في قلوب المشركين الرعب. وقد أخبر الله عن هذه المرحلة الأخيرة التي سوف تأتي بعد نشوب الحرب بقوله : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)(٢).

وواضح : أن القضاء على الجبان الخائف مهما كان قويا أيسر ، وأسهل من القضاء على الضعيف المقدام ، الذي لا يبالي ، أوقع على الموت أم وقع الموت عليه.

ومن هنا فقد كانت المعركة لصالح هؤلاء دون أولئك ، الذين لا

__________________

(١) بلاغات النساء ص ٢٥ ط النهضة الحديثة ، وأعلام النساء ج ٤ ص ١١٧.

(٢) الآية ١٢ من سورة الأنفال.

٣٤٣

يمكنهم إلا أن يتجنبوا مواجهة الأبطال ، وملاقاة الرجال.

فالمسلمون والمشركون أنفسهم كانوا على المشركين. وهذا ما يفسر قول أمير المؤمنين «عليه السلام» : «ما لقيت رجلا إلا أعانني على نفسه» (١).

وكان لإمداد المسلمين بالملائكة ناحية أخرى لا بد من ملاحظتها ، فإنه حين يكون من الممكن أن لا تكون درجة المعرفة واليقين قد بلغت لدى بعض المسلمين مستوياتها العالية ، وحين يكون احتمال الانهيار لدى البعض ، أو على الأقل أن يضعفوا عن مواجهة هذه النازلة ، موجودا ، فإن الله يلطف بالمسلمين ، ويمدهم بالملائكة ، بشرى منه ، وتثبيتا ، ويقلل المشركين في أعينهم في بادئ الأمر ، ليتشجعوا على حربهم. إلى غير ذلك من أسباب النصر التي تفضل عليهم بها.

ومن هنا نعرف أيضا : لماذا كان القتلى في جانب المشركين أضعاف الشهداء في جانب المسلمين ، وأسر من المشركين سبعون ، ولم يؤسر من المسلمين أحد. وهذه النتائج لا تختص ببدر ، وإنما تشمل كل المعارك التي كانت بين الإيمان والكفر ـ وما حديث كربلاء عن أذهاننا ببعيد.

د : حقد قريش على الأنصار :

١ ـ لقد اتضح من كلمات أبي جهل المتقدمة : أن قريشا كانت تتعمد إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الأنصار ، حتى لقد أمر أبو جهل أصحابه بأن يجزروا أهل يثرب جزرا. ولكن موقفهم بالنسبة

__________________

(١) نهج البلاغة ، الحكم رقم : ٣١٨.

٣٤٤

للقرشيين كان مختلفا ، فقد طلب أبوجهل : أن يأخذوهم أخذا ، ليدخلوهم مكة ، ويعرفوهم ضلالتهم.

ولعل موقفهم هذا من القرشيين يرجع إلى رغبتهم في الحفاظ على علاقاتهم فيما بينهم ، لأن كل قرشي من المسلمين له أقارب وعشيرة في مكة ، ولن يرتاح هؤلاء لقتل أبنائهم ، حتى وإن كانوا يخالفونهم في العقيدة والرأي.

وهذا هو المنطق القبلي الذي كان يسيطر على عقليات المشركين ، ويحكم تصرفاتهم ومواقفهم حتى في هذه الظروف الدقيقة والحرجة بالذات.

وهو يريد في نفس الوقت أن يلقن الأنصار درسا ، لكي لا يعودوا بعد الآن لمناصرة أعداء قريش ، ومناوئيها ..

٢ ـ وحيث قد عرفنا : أن مراجل حقد قريش كانت في أشد الغليان على أهل يثرب ، الذين آووا ونصروا ، وقد عبر أبوجهل عن ذلك لسعد بن معاذ في فترة سابقة ، وها هو يعود فيأمر بجزر أهل يثرب جزرا.

فإننا نلاحظ : أن هذا الحقد قد استمر عشرات السنين ، وقد أكده وزاده حدة : معارضة الأنصار في الخلافة في قصة السقيفة ، ثم كونهم إلى علي «عليه السلام» أميل منهم إلى غيره. وقد ناصروه في حروبه ، التي تزعمت قريش الجانب الآخر منها (١) حتى لقد قال معاوية في صفين لنعمان بن بشير ، ومسلمة بن مخلد : «ولقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج ، واضعي سيوفهم على عواتقهم ، يدعون إلى النزال ، حتى لقد جبنوا من أصحابي

__________________

(١) راجع : المصنف ج ٥ ص ٤٥٦ و ٤٥٨ وغير ذلك.

٣٤٥

الشجاع. وحتى والله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قيل : قتله الأنصار ، أما والله ، لألقينهم بحدي وحديدي» (١). إلى آخر الكلام.

ويقول النعمان بن بشير ، في كلام له مع الأنصار : «ثم لم ينزل خطب قط إلا هونتم عليه المصيبة» (٢).

ثم كان موقف الأنصار تجاه شيخ بني أمية عثمان بن عفان ، ومشاركتهم بشكل فعال في الثورة ضده ، فزاد ذلك في حقد قريش عليهم وتمالئها ضدهم ، حتى ليقول معاوية ، وإن كان إظهار حزنه على عثمان إنما جاء لأهداف سياسية لا تخفى :

لا تحسبوا أنني أنسى مصيبته

وفي البلاد من الأنصار من أحد (٣)

وقد عمق معاوية هذا الحقد ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ثم جاء بعده يزيد فانتقم منهم في واقعة الحرة شر انتقام (٤) ، بعد أن قتل أهل بيت نبيهم في كربلاء.

وأخيرا ، فقد روى أحمد حديث ابن عمر ، الذي يقدم فيه أهل بدر من المهاجرين على أهل بدر من الأنصار (٥).

وقد تقدم جانب مما يتعلق بهذا الموضوع في فصل : سرايا وغزوات قبل بدر ، حين الكلام عن سر إرسال المهاجرين في السرايا في أول الأمر ؛ فلا

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٨ ص ٨٤ و ٨٥ ، وراجع ص ٨٧ و ٤٤.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ٨ ص ٨٨.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ٨ ص ٤٤.

(٤) راجع : وقعة الحرة في تاريخ الأمم والملوك ، والكامل في التاريخ ، وغير ذلك.

(٥) مناقب الإمام أحمد ص ٢٣٥.

٣٤٦

غنى لمن أراد استكمال هذا البحث عن مراجعة ذلك الموضع.

٣ ـ ومن الجهة الثانية ، فإن قريشا تريد أن تلقن الأنصار في حرب بدر درسا لن ينسوه ، حتى لا يعودوا لمثلها من الممالأة لأعدائها ، ويكفي الأنصار ذنبا بالنسبة لقريش أنهم مكنوا للمسلمين : أن يبلغوا هذا القدر من القدرة والشوكة ، حتى لقد طلب أبوجهل ـ الذي كان يثق أولا بالنصر ـ : أن لا يفلت من أيدي أهل مكة أحد من اليثربيين.

أضف إلى ذلك كله : أن أهل المدينة كانوا قحطانيين ، أما أهل مكة فعدنانيون.

لماذا أهل البيت عليهم السّلام أولا؟!

ولعل كل ما قدمناه آنفا وسواه هو السر في تقديمه «صلى الله عليه وآله» أهل بيته في الحرب ؛ لتكون التضحيات منه ، وفي نفسه ، وأهل بيته أولا. ولا ينسى التاريخ مواقف علي «عليه السلام» ، ولا بطولات حمزة وجعفر وسواهما ممن أخلص لهذا الدين من خيرة الصحابة ، فكان هؤلاء أعني عليا ، وأهل بيته «عليه السلام» هم الدرع الواقي ، وبهم حفظ الله الدين ، وخفف بذلك من حقد قريش الذين كانوا في الغالب أعداء لهذا الدين وأهله على الأنصار ، وذلك حفاظا على مستقبل الأنصار ، لأن أحقاد قريش عليهم وعلى الإسلام قد تركت في المستقبل أثرها المرير والبغيض.

ه : بدر وأثرها على علي عليه السّلام وأهل بيته عليهم السّلام :

ويلاحظ هنا : أن أكثر قتلى المشركين كانت نهايتهم على أيدي المهاجرين ، ولا سيما أمير المؤمنين «عليه السلام» ، وعمه حمزة.

فقد قدمنا : أن عليا «عليه السلام» قد قتل نصف السبعين ، وشارك في

٣٤٧

النصف الآخر.

ومن هنا نجد قريشا لم تستطع أن تحب عليا وأهل بيته ، رغم أنها تتظاهر بالإسلام ، وتحاول الحصول على الامتيازات عن طريقه ، ورغم النصوص القرآنية والنبوية الآمرة بمحبتهم ومودتهم.

وقد أخرج الحاكم : أن العباس جاء إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو مغضب ، فقال «صلى الله عليه وآله» : ما شأنك؟

فقال : يا رسول الله ، ما لنا ولقريش؟

فقال : ما لك ولهم؟

قال : يلقى بعضهم بعضا بوجوه مشرقة ، فإذا لقونا لقونا بغير ذلك.

قال : فغضب رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى استدر عرق بين عينيه ، فلما أسفر عنه ، قال : والذي نفس محمد بيده ، لا يدخل قلب امرء الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله إلخ (١).

ولقد شكى أمير المؤمنين «عليه السلام» من قريش : أنهم قطعوا رحمه ومالأوا عليه عدوه (٢) ـ كما سنشير إليه في واقعة أحد إن شاء الله تعالى ـ.

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٣٣ وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة ، وراجع مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٦٩ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤٨٧ و ٤٨٨ عمن تقدم.

(٢) وإذ كانت الضربات متوجهة إلى القائد المعصوم ؛ فإنه يستطيع أن يتحمل ، وأن يصمد ، ويواجهها بالحكمة والروية وبما أوتيه من علم وعقل وصبر.

أما غيره فلربما يصعب عليه تحمل الصعاب ، أو اتخاذ الموقف المناسب لتجاوزها ؛ ولأجل هذا نجد النبي «صلى الله عليه وآله» كان يؤثر أن يكون علي «عليه السلام» هو المتعرض لقريش دون غيره.

٣٤٨

وعن ابن عباس : قال عثمان لعلي :

«ما ذنبي إذا لم تحبك قريش ، وقد قتلت منهم سبعين رجلا ، كأن وجوههم سيوف (أو شنوف) الذهب» (١).

هذا وقد ظل الأحلاف يتحينون الفرص للأخذ بثارات بدر وأحد ، وغيرهما. وقد فشلوا في حرب الجمل وصفين ، إلى أن سنحت لهم الفرصة ـ بزعمهم ـ في واقعة كربلاء المشهورة ، ثم ما أعقبها من ظلم واضطهاد لأهل البيت وشيعتهم.

ونجد أن يزيد الطاغية لم يستطع أن يخفي دوافعه وكفره ، وأنه يريد الثأر لأشياخه في بدر ، فتمثل بأبيات ابن الزبعرى ؛ وأضاف إليها إنكاره الوحي والنبوة فقال وهو ينكت ثنايا سيد شباب أهل الجنة بالقضيب :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من أشياخهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل (٢)

وليراجع ما قاله قتادة لخالد القسري حول بدر (٣). وقتادة من أكابر

__________________

(١) معرفة الصحابة لأبي نعيم الورق ٢٢ مخطوط في مكتبة طوپ قپوسراي رقم ١ / ٤٩٧ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ٢٢.

(٢) مقتل الحسين للمقرم ص ٤٤٩ و ٤٥٠ ، واللهوف ص ٧٥ و ٧٦.

(٣) البحار ج ١٩ ص ٢٩٨ و ٣٠٠ ، وروضة الكافي ص ١١١ ـ ١١٣.

٣٤٩

محدثي البصرة ، وهو مشهور ومعروف.

الشهداء من الأنصار :

ومع أن المهاجرين كانوا يمثلون خمس أو ربع الجيش الإسلامي في بدر ، إلا أن الشهداء من المهاجرين كانوا بالنسبة إلى شهداء الأنصار بنسبة واحد إلى أقل من اثنين أو ثلاثة على اختلاف النقل ، مع أن الأمر كان يجب أن يكون أكثر من ذلك بكثير إذا لو حظت الكمية العددية.

كلام للعلامة الطباطبائي رحمه الله حول آية التخفيف :

وللعلامة الطباطبائي «رحمه الله» كلام هام يرتبط فيما نحن فيه ، لا بأس بإيراد موجز عنه ، وهو :

قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ، الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ، ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(١).

فعلل تعالى غلبة العشرين على المئتين بأن المئتين لا يفقهون ، والعشرون يفقهون.

وذلك لأن المؤمنين إنما يقدمون عن إيمان بالله تعالى ، وهذا الإيمان قوة

__________________

(١) الآيات ٦٥ ـ ٦٧ من سورة الأنفال.

٣٥٠

لا تدانيها قوة ؛ لأنه قائم على الفقه الصحيح ، الموجب لتحليهم بكل السجايا الفاضلة ، كالشجاعة ، والشهامة ، والجرأة ، والاستقامة ، والوقار ، والطمأنينة ، والثقة به تعالى ، واليقين بأنه مقدم على إحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة ، وبأن الموت ليس فناء كما يعتقد الكفار ، وإنما هو السعادة ، والانتقال إلى دار البقاء.

أما الكفار : فيعتمدون على تسويل الشيطان ، وهوى النفس. ولا تثبت النفس على هواها إلى حد تقبل الموت إلا فيما ندر.

ففقه المؤمنين ، ومعه العلم والإيمان ، هو السر في انتصارهم في بدر ، وجهل الكفار ومعه الكفر والهوى هو الموجب لانهزامهم.

وأما بعد ذلك ، وحيث زاد عدد المسلمين ؛ فقد ضعفوا في القوة الروحية ، بسبب قلة نسبة الفقه المشار إليه في الآية الأولى بقوله تعالى :

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)(١) وقلة الصبر المشار إليه في الآية الثانية بقوله تعالى : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٢).

وسبب هذا الضعف هو : أن كل جماعة أو فئة تسعى للوصول إلى هدف حيوي : دنيويا كان أو دينيا.

فإنها في بادئ الأمر تشعر بالموانع ، وتواجه المحن التي ترى أنها تتهدد وجودها وبنيتها ، فتستيقظ هممها الدافعة للجهاد في سبيل هدفها المشروع عندها ، ويهون عليها بذل أنفسها وأموالها في سبيله.

__________________

(١) الآية ١٣ من سورة الحشر.

(٢) الآية ٢٤٩ من سورة البقرة.

٣٥١

فإذا جاهدت وتقدمت نحو غاياتها ، وصفا لها الجو بعض الصفاء ، وكثر جمعها ، فإنها تبدأ بالاستفادة من نتائج تضحياتها ، وتتنعم وترتاح وتطمئن لجني ثمرات ما بذلته وقدمته.

وتبدأ قواها الروحية المحركة بالخمود.

وواضح : أنه مهما قلت أفراد تلك الجماعة ، أو ذلك المجتمع ، فإنهم ولا شك يكونون متفاوتين في درجات إيمانهم بهدفهم ، وفي مستوى تفكيرهم ووعيهم ، وفي سجاياهم بشكل عام.

وكلما كثر أفرادها كلما زاد فيهم ضعفاء الإيمان والمنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، ويتدنى مستوى القوى الروحية في متوسط الأفراد عموما.

وقد أثبتت التجربة أنه كلما قلت أفراد الجماعة ، وقوي خصومها ومنافسوها ؛ وأحاطت بها المحن والفتن ، فإنها تكون أكثر نشاطا في العمل ، وأحد في الأثر.

وكلما كثر أفرادها ، فإنها تصير أكثر خمودا ، وأقل تيقظا ، وأسفه حلما.

وغزوات النبي «صلى الله عليه وآله» خير شاهد على ما نقول. فليقارن بين عدة وعدد ، وظروف ، وحالة المسلمين في غزوة بدر ، وبين عدتهم وعددهم ، وظروفهم في غيرها ، وليقارن بين نتائجها ، ونتائج غيرها ، كأحد ، والخندق ، وخيبر ، وحنين ، وهي أقساها ، حتى لقد قال تعالى :

(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) الآيات (١).

__________________

(١) الآية ٢٥ من سورة التوبة.

٣٥٢

وهكذا يتضح مفاد الآيات التي نحن بصددها ، ولربما تشير إلى ذلك أيضا الآية الثالثة المتقدمة ، التي أشارت إلى أنهم رغبوا في الأسرى ؛ لأنهم يريدون عرض الدنيا.

وإذا كانت الآيتان الأوليان متضمنتين لبيان طبع القوى الروحية في زمانين مختلفين ، فلا مانع من نزول الآيتين دفعة واحدة ، فإن وجود حكمين مختلفين في زمانين لا يوجب نزول الآية المتضمنة لأحدهما في زمان والمتضمنة للآخر في زمان آخر إذا كان ذلك الحكم حكما طبعيا وليس حكما تكليفيا.

ثم ذكر أيده الله : أن ظاهر التعليل في الآية الأولى بالفقه ، وفي الثانية بالصبر مع كون المقاتل مؤمنا في الآيتين ، يدل على أن الصبر يرجح الواحد في قوة الروح على مثليه ، والفقه يرجحه على خمسة أمثاله ، فإذا اجتمعا في واحد ترجح على عشرة أمثال نفسه (١) والصبر لا يفارق الفقه ، وإن جاز العكس (٢).

__________________

(١) قد يقال : إن مقتضى كلامه : أنهما لو اجتمعا رجح على سبعة أمثال نفسه. ونقول مقصوده رحمه الله أن الصبر يضاعف الخمسة التي نشأت عن الفقه. وهذا هو الأنسب والأوفق بظاهر الآيتين ، لأن بالفقه يحصل الصبر وسائر السجايا. والصبر يرجحه على مثليه.

(٢) راجع : الميزان للعلامة الطباطبائي ج ٩ ص ١٢٢ ـ ١٢٥.

٣٥٣
٣٥٤

الفهارس

١ ـ الفهرس الإجمالي

٢ ـ الفهرس التفصيلي

٣٥٥
٣٥٦

١ ـ الفهرس الإجمالي

الفصل الثاني : قضايا وأحداث غير عسكرية................................. ٥ ـ ٢٤

الباب الثاني : أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة

الفصل الأول : التاريخ الهجري أولا........................................ ٢٩ ـ ٧٤

الفصل الثاني : بناء مسجد المدينة......................................... ٧٥ ـ ٩٦

الفصل الثالث : المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار........................... ٩٧ ـ ١٢٤

الفصل الرابع : أسس العلاقات في المجتمع الجديد........................ ١٢٥ ـ ١٤٤

الباب الثالث : تشريعات وأحكام

الفصل الأول : الأذان............................................... ١٤٧ ـ ١٨٢

الفصل الثاني : تشريع بعض الأحكام.................................. ١٨٣ ـ ٢٠٤

الفصل الثالث : الجهاد في الإسلام.................................... ٢٠٥ ـ ٢٢٠

الفصل الرابع : سرايا وغزوات قبل بدر................................. ٢٢١ ـ ٢٦٢

القسم الخامس : حتى أحد

الباب الأول : معركة بدر

الفصل الأول : في أجواء القتال....................................... ٢٦٧ ـ ٣٢٠

الفصل الثاني : نتائج الحرب........................................... ٣٢١ ـ ٣٥٤

الفهارس............................................................ ٣٥٥ ـ ٣٦٧

٣٥٧
٣٥٨

٢ ـ الفهرس التفصيلي

الفصل الثاني : قضايا وأحداث غير عسكرية

عودة بعض المهاجرين من الحبشة :............................................... ٧

عائشة في بيت النبي صلّى الله عليه وآله :......................................... ٩

مراسم الزفاف :............................................................... ٩

استدلال طريف :............................................................ ١٠

فاتحة عهد جديد :........................................................... ١١

آية الصلح بين المؤمنين :...................................................... ١١

إسلام سلمان المحمدي :...................................................... ١٤

بئر رومة في صدقات عثمان :................................................. ١٦

بئر أريس :................................................................. ٢١

حقيقة القضية :............................................................. ٢١

تأبير النخل :............................................................... ٢٢

الباب الثاني : أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة

بداية :..................................................................... ٢٧

الفصل الأول : التاريخ الهجري أولا

التاريخ الهجري :............................................................. ٣١

من هو أول من أرخ بالهجرة النبوية؟............................................ ٣٢

٣٥٩

الحكاية كما يرويها المؤرخون :................................................. ٣٣

الرأي الأمثل :............................................................... ٣٦

من المشير بمحرم؟! :......................................................... ٣٧

الموافقون على هذا الرأي :.................................................... ٤١

كلام السهيلي :............................................................. ٤٣

ما نستند إليه :.............................................................. ٤٦

عود على بدء :............................................................. ٦٧

والتاريخ المسيحي إذا لماذا؟ :.................................................. ٦٩

دعوة مخلصة :............................................................... ٧٢

الفصل الثاني : بناء مسجد المدينة

بناء المسجد :............................................................... ٧٧

أ ـ أبوبكر والعشرة دنانير :................................................. ٧٨

ب ـ أحجار الخلافة :...................................................... ٧٩

تحريف في مستدرك الحاكم :................................................ ٨٢

ج : عثمان وعمار :...................................................... ٨٢

ألم يكن عثمان في الحبشة؟!................................................... ٨٤

سر انتصار النبي صلّى الله عليه وآله لعمار :..................................... ٨٧

لماذا المسجد أولا :........................................................... ٨٨

مشاركة النساء في بناء المسجد :............................................... ٩٢

مشاركة النبي صلّى الله عليه وآله في بناء المسجد :................................ ٩٣

جماعة خاصة بالنساء :....................................................... ٩٤

٣٦٠